تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

الاعتزال ، وما يلزمهم في قوله : (أَغْوَيْتَنِي) يلزم في قوله : لعنتني ؛ لأن اللعن : هو الطرد ؛ فإذا طرده عن رحمته ـ فقد خذله ، فالطرد (١) والإغواء والإضلال سواء ؛ فيلزم في اللعن ما يلزمهم في الإغواء.

وقال أبو بكر الأصم : الإغواء واللعن من الله : شتم ، لكن هذا بعيد ، لا يجوز أن يضاف إلى الله الشتم أنه يشتم ؛ لأنّ الشاتم والسابّ لآخر ـ في الشاهد بما يشتمه ـ مذموم عند الخلق ؛ فلا يجوز أن يضاف إلى الله ما به يذم. وأصله : أن قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) يحتمل أنه خلق فعل الغواية منه أو أغواه ؛ لما علم أنه يختار الغواية والضلال.

وقوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) : كأنه يقول : ربّ بما أغويتني لأزيدن لهم في الغواية بما أغويهم ، وقد ذكرنا هذا وأمثاله فيما تقدم.

فإن قيل : قوله : (أَغْوَيْتَنِي) قول إبليس ؛ وهو كاذب بالإضافة إليه. قيل : لو كان فيما أضاف إليه الإغواء كاذبا لكذبه فيه ، ورد عليه [قوله](٢) ، كما كذبه في قوله ورد عليه : أنا خير منه خلقتني من كذا وخلقته من كذا ؛ حيث قال : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) [الأعراف : ١٣] فلما لم يردّ عليه ؛ ولم يكذبه فيما أضاف إليه حرف الإغواء دل أن [إضافة الإغواء إليه](٣) والإضلال حقيقة أو أن يكون قوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦] إنما ذلك منه ذكر فضله وإحسانه ؛ حيث أخبر أنه خلقه مما هو أفضل وأعظم مما (٤) خلق آدم ؛ فيخرج ذلك منه مخرج الشكر. وأما قوله : (أَغْوَيْتَنِي) ليس على ذلك ، فلا يحتمل ألا يكذبه ، ولا يرد عليه قوله إذا كان كاذبا فيه ؛ لأنه فعل شر أضافه إليه ، إذا لم يكن منه الإغواء ؛ لذلك اختلفا ، أو لو كان قول إبليس ـ لعنه الله ـ كذبا فما تصنعون بقول نوح ـ عليه‌السلام ـ حيث قال : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] وقول موسى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥].

ثم قوله : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) يحتمل أن يكون منه عزم على ما ذكر ، دون أن تفوّه بذلك ، فأخبر ـ عزوجل ـ عنه ما كان عزم ؛ من الإغواء وغيره بالقول ، وذلك جائز ؛ يخبر عن العزم والقصد بالقول ؛ كقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩] لا يحتمل أن يكون هذا القول الذي أخبر عنهم قولا منهم ؛ لأنه لا أحد من المتصدقين يقول بمثل ذلك عند

__________________

(١) في أ : في الطرد.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : عليه صرف الإغراء دل أن الإضافة إليه الإغواء.

(٤) في أ : ما.

٤٤١

التصدق ؛ لكنه إخبار عما [قصدوا وعزموا](١) بالتصدق ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون هذا من الله إخبارا عما عزم إبليس وقصد ؛ على غير التفوه به والقول ، وهو ما ذكر (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) [المائدة : ٩٩] أخبر أنهم كتموا فيه وأضمروا.

ويحتمل أن يكون على التفوه بما ذكر ، قال ذلك ؛ لما قال له ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) لما شهد الله عليه باللعن إلى يوم الدين أيس ـ لعنه الله ـ عن الهدى ؛ فقال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) : أي : لعنتنى وشهدت عليّ بذلك (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) المخلص ـ بخفض اللام ـ : هو الذي أخلص له الاعتقاد ، والعمل والوفاء ، والمخلص ـ بنصب اللام ـ : هو الذي أخلصه الله ، وحفظه ، وعصمه ، واختصه بذلك. والمخلص لا يقال إلا بعد أن يكون لله فيهم صنع ، ولهم اختصاص ، وفضائل اختصهم بذلك ؛ برحمة الله وفضله.

والمعتزلة يقولون : لا يستوجب أحد الاختصاص والفضيلة إلا بفعل يكون منه لا يستوجب بالله.

ويقولون : الله لا يغوي أحدا لا إبليس ، ولا أحدا من أتباعه ؛ فإبليس أعرف بالله من المعتزلة ؛ حيث رأوا أن الله لا يغوي أحدا ولا يختص أحدا إلا بصنع يكون منه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ).

قال بعضهم (٢) : قوله (عَلَيَ) بمعنى إليّ : أي : إليّ صراط مستقيم ؛ يقول : هو بيدي لا (٣) بيد أحد وقال بعضهم (٤) : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه لا يعوج على شيء.

ويحتمل قوله : (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) : أي : عليّ بيانه وهو مستقيم ؛ كقوله : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) [النحل : ٩] : أي : بيان قصد السبيل.

وقال بعضهم : لما قال إبليس : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قال الله تعالى : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) يقول : عليّ ممرّ من أغويته وتابعك ؛ كقولك لآخر ـ إذا أوعدته ـ : إن طريقك عليّ. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ).

يحتمل قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : ليس لك عليهم حجة (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ

__________________

(١) في ب : عزموا وقصدوا.

(٢) أخرجه ابن جرير (٢١١٧٩) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٨٤).

(٣) في أ : ليس.

(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١١٧٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٤).

٤٤٢

الْغاوِينَ) فإنهم يتبعونك بلا حجة ولا برهان.

ويحتمل قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) : تقهرهم وتضطرهم على ذلك إلا من اتبعك من الغاوين ؛ فإنهم يتبعونك على غير قهر واضطرار ؛ أي : من كان في علم الله أن يتبعك ويختار الغواية ؛ وإن لم يكن إغواؤك إياه ؛ فإن لك عليه سلطانا.

وقوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ).

أي : لموعد إبليس وأتباعه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ).

يحتمل الأبواب المعروفة ، ويحتمل الأبواب : الموارد والجهات التي تكون لها ؛ ألا ترى أنه قال : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) فهذا يدل أن المراد بالأبواب : الموارد والدركات ـ لا نفس الأبواب ؛ إذ جزء مقسوم إنما يكون للدركات ؛ لا يكون للأبواب نفسها.

قال الحسن ، والأصم : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) يعنون بالأبواب : الطبقات والدركات ، لكل باب منهم جزء مقسوم : لليهود باب ، وللنصارى باب ، وللمجوس باب ، وللذين أشركوا باب ، وللمنافقين باب ، ولأهل الكبائر باب وذكر أيضا بابا لفريق أدخلوا أهل الكبائر فيها ، والصابئين ، والدهرية.

وعندنا أن ظاهر الآية في الكافرين ؛ لأنه قال : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) والغاوون : هم الكافرون ، وكذلك قوله : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) فإذا كان كذلك ؛ فالسبعة الأبواب ـ التي ذكر ـ كلها لأهل الكفر ، لا يدخل أهل الكبائر فيه.

ويحتمل : باب للمتجاهلة ؛ وهم الذين ينكرون العالم الشاهد والغائب ، لا يقرون بشيء ، وباب للدهرية ؛ وهم الذين ينكرون الصانع ، وباب للثنوية ، وهم الذين يقولون بالاثنين ، وباب للذين أشركوا ؛ وهم يقولون بالواحد ؛ لكنهم (١) يشركون فيه غيره ؛ يعبدون الأصنام والأوثان ، وباب لليهود ، وباب للنصارى ، وباب للمنافقين. فذلك سبعة أبواب ، وليس لأهل الكبائر باب مسمى معلوم ، إنما ذلك كله لأهل الكفر.

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)(٥٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

__________________

(١) في ب : لكن.

٤٤٣

إن كان أهل الكبائر في قوله : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) فيكون قوله : إن المتقين الذين اتقوا الكبائر ؛ وإن كان أصحاب الكبائر لم يدخلوا في قوله : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) ، فيكون قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) للذين اتقوا الشرك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي جَنَّاتٍ).

أي : في : بساتين ، والبساتين : هي التي التفّت بالأشجار والنخيل.

والعيون قد تكون جارية في الدنيا ، وقد تكون غير جارية ، فأخبر في آية أخرى بأن عيون الآخرة تكون جارية ؛ بقوله : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) [الرحمن : ٥٠].

(وَعُيُونٍ) : قال بعضهم : ذكر العيون ؛ ليعلم أن مياه الجنة ـ ليست تكون من الثلوج والأنهار العظام ـ على ما تكون في الدنيا ـ ولكن تنبع فيها.

وقال بعضهم : ذكر العيون ؛ لأنه ينبع في بستان كل أحد عين على حدة ، لا يأتي بستانه من ملك آخر ، ومن بستان آخر ، على ما يكون في الدنيا ؛ ولكن تنبع في جنة كل أحد عين على حدة ، على ما أراد الله ، ليس أنها تتصل بالأرض ؛ كما ذكر في قصّة بني إسرائيل : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة : ٦٠] أنشأ الله في ذلك الحجر ما يخرج لهم على غير اتصاله بالأرض ، ولكن بلطفه ينشئ فيه ماء ، فعلى ذلك في الجنان التي وعد.

ويشبه أن يكون ذكر هذا لما يختلف رغائب الناس في الدنيا : منهم من يرغب في العين (١) ؛ ويتلذذ بالنظر إليها ، ومنهم من يرغب في النهر الجاري ، فذكر مرة العيون ، ومرة الأنهار ؛ كقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [النحل : ٣١] على ما ذكر مرة الخيام ، والقباب ، والغرف ، وأنواع الفرش والبسط ، والكيزان والأكواب ، والجواري والغلمان ، وغير ذلك على ما يرغب الناس في الدنيا : منهم من يرغب [في نوع لا يرغب](٢) في نوع آخر ؛ فذكر فيها كل ما يرغبون في الدنيا ؛ ليبعثهم ذلك على العمل الذي به يوصل إلى ذلك. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ).

قال بعضهم : قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) : أي : اجعلوا دخولكم فيها بسلام ؛ على ما أمرهم في الدنيا أن يجعلوا الدخول في المنازل بالسلام ؛ كقوله : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا

__________________

(١) في أ : الدين.

(٢) سقط في أ.

٤٤٤

عَلى أَنْفُسِكُمْ ...) الآية [النور : ٦١] ، وعلى ما أخبر أن الملائكة يسلمون عليهم ؛ كقوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) [الزمر : ٧٣] وكقوله : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) [الحجر : ٥١ ، ٥٢] وقال بعضهم : قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) : أي :

ادخلوها بسلام لا يصيبكم مكروه ؛ آمنين لا ينغّصهم خوف ولا حزن ، على ما أخبر (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٣٨]. وقال بعضهم : [...](١) وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ).

قال بعضهم : هو صلة قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي : نزعنا ما في صدورهم من غل ؛ الذي كان في الدنيا بالكفر ؛ فصاروا إخوانا بالإسلام الذي هداهم إليه ؛ فكانوا إخوانا ، ثم قيل لهم : ادخلوا الجنة بلا غلّ ، وهو ما قال : (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران : ١٠٣] قد نزع من قلوبهم الغل في الدنيا ، فصاروا إخوانا فدخلوا الجنة.

وقال بعضهم (٢) : قوله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) في الآخرة إذا دخلوا الجنة وتقابلوا واتكئوا على سرر ، فعند ذلك ينزع الغل من قلوبهم ، والمظالم التي كانت بينهم ، فإذا كان هذا فهو بين أهل الإسلام.

وعلى ذلك يحتمل أن يكون [كل من](٣) جفا آخر في الدنيا أن ينسى الله ذلك منهم في الجنة ؛ لأن ذكر الجفاء ينغص (٤) النعم التي فيها ، وكذلك ما يكون بين الرجل وولده من الجفاء والعقوق ـ يجوز أن ينسى ذلك عليهم. وعلى ذلك ما روي عن عليّ رضي الله عنه ؛ قال : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)(٥).

وقوله ـ عزوجل ـ : (مُتَقابِلِينَ)(٦) : قال بعضهم : يجعل الله منازلهم بعضها مقابل بعض ؛ فينظر بعضهم إلى بعض ، ويزور بعضهم بعضا.

وقال بعضهم : يأمر الله السرر التي هم عليها جلوس ؛ ليكون بعضها مقابل بعض ، إذا

__________________

(١) بياض في أ ، ب. وقد أشير إليه فيهما.

(٢) قاله أبو أمامة ، أخرجه ابن جرير (٢١١٩٣ ، ٢١١٩٤) وسعيد بن منصور وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريقين عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٨).

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : ينقص.

(٥) أخرجه ابن جرير (٢١٢٠٧ ، ٢٢١٩٩) وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم من طرق عنه كما ، في الدر المنثور (٤ / ١٨٨ ، ١٨٩).

(٦) في أ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ).

٤٤٥

اشتهى بعضهم زيارة بعض ، ولا يكونون مدبرين ؛ ولا معرضين ، بل مقبلين ، يخبر عن اجتماعهم في الآخرة في الشراب ، وأنواع المطاعم على ما يستحسن في الدنيا الإخوان بينهم الاجتماع على الشراب والطعام ، والتلذذ ، والنظر بعضهم إلى بعض ، فعلى ذلك أخبر أن لهم في الآخر كذلك اجتماع في الشراب ، والنظر ، وأنواع التلذذ والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ).

أي : عناء ومشقة ، أخبر أنه لا عناء يمسهم كما يكون في الدنيا ؛ لأن في الدنيا : من أطال المقام في موضع يملّ عن ذلك ويسأم ، وكذلك إذا أكثر من نوع من الطعام (١) ؛ أو الشراب ، أو الفاكهة ـ يملّ عن ذلك ويسأم ، ويؤذيه ، ولا يوافقه ، فأخبر أن أهل الجنة لا يملون ولا يؤذيهم طعامها ؛ وإن أكثروا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ).

أخبر أنهم لا يخرجون منها ، ولا هم يطلبون الخروج منها ؛ كقوله : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] ؛ لأن خوف زوال النعم ينغص (٢) على صاحبها تلك النعمة ، وطعمها ؛ فأخبر أنهم فيها أبدا ، وتلك (٣) النعمة لهم دائمة غير زائلة عنهم والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

قال بعضهم : (نَبِّئْ عِبادِي) أي : أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن استغفرني وتاب عما ارتكب من معاصيه ، (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) لمن عصاني ، ولم يستغفر ، ولم يتب إليه.

ويحتمل غير هذا ؛ وهو أن يقول : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لئلا ييئسوا من رحمتي ، ولا يقنطوا مني ، ولكن يرجون رحمته وعفوه (٤) ، ويخافون عذابه ونقمته ، ونبئهم أيضا أن عذابي هو العذاب الأليم لئلا يكونوا آمنين أبدا ؛ فيكون فيه أمر بأن يبشر ، وأن ينذر ؛ كأنه قال بشر أوليائي أني أنا الغفور الرحيم لأوليائي ، وأن عذابي شديد أليم لأعدائي.

وفي قوله : (نَبِّئْ عِبادِي) فيه بشارة ونذارة : أما البشارة : فهو قوله : (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، و [أما](٥) النذارة : فهو قوله : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).

__________________

(١) في أ : المطاعم.

(٢) في أ : ينقص.

(٣) في ب : أو.

(٤) ينظر : اللباب (١١ / ٤٦٥ ، ٤٦٦).

(٥) سقط في ب.

٤٤٦

قوله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ)(٦٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ).

أي : نبئ قومك عن ضيف إبراهيم ؛ أي : نبئهم بتمام ما فيه من الزجر والموعظة ؛ لأن في ذلك أخبار ما نزل بالمكذبين ؛ بتكذيبهم الرسل ، وهو الإهلاك ، ونجاة من صدق الرسل ، ففيه تمام ما يزجرهم ، ويعظهم ، من الترهيب والترغيب ، فإن فيهم آية لرسالتك ونبوتك ؛ لأنه يخبرهم على ما في كتبهم لم يشهدها هو ، فيدلهم أنه إنما عرف ذلك بالله.

أو نبئهم ؛ فإن ذلك ما يزجرهم عن مثل صنيعهم ، وفيه ذكر نعم الله ؛ لأنهم جاءوا بالبشارة ؛ بشارة الولد ، وجاءوا بإهلاك قوم مجرمين ، فذلك بالذي يزجرهم عن مثله ، والبشارة ترغبهم في مثل صنيع إبراهيم ، فنبئهم فإن فيه (١) ما ذكرنا.

ودل قوله : (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) أن الضيف اسم لكل (٢) نازل على آخر ، طعم عنده أو لم يطعم ، وكان نزله للطعام أو لا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً).

أي : سلموا على إبراهيم ، فرد إبراهيم عليهم‌السلام.

وقال أبو بكر الأصم : السلام جعله الله أمانا بين الخلق ، وعطفا فيما بينهم ، وسببا لإخراج الضغائن من قلوبهم.

وقال بعضهم : جعل الله السلام تحية على (٣) كل داخل على آخر ، وهو ما ذكرناه.

وقال بعضهم : السلام : هو اسم كل خير وبرّ وبركة ؛ كقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) أي : خائفون.

قال بعض أهل التأويل : إنما خاف ؛ لأنه ظن أنهم لصوص وأهل ريبة ، لكن هذا لا يحتمل أن يخاف منهم ؛ ويظن أنهم لصوص وأهل ريبة ، وقد سلّموا عليه وقت ما دخلوا

__________________

(١) في أ : به.

(٢) في ب : كل.

(٣) في أ : عن.

٤٤٧

عليه ، واللصوص وأهل الريبة إذا دخلوا بيت آخر لا يسلمون عليه ، لكنه إنما خافهم إذ رأى أيديهم لا تصل إليه ؛ كما قال : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠] عند ذلك خافهم ؛ فلما رأى ذلك ظن إبراهيم أنهم ملائكة ؛ إنما جاءوا لأمر عظيم ؛ حيث لم يتناولوا مما قرب إليهم ؛ وبين إبراهيم (١) وبين المكان الذي يرتحل منه ـ مكان يقع لهم الحاجة إلى الطعام.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَوْجَلْ) أي : لا تخف : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ).

وقال في آية أخرى : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ١٠١] والحلم : هو الذي ينفي عن صاحبه كل أخلاق دنية ، والعلم : هو الذي يدعو صاحبه إلى كل خلق رفيع ؛ ليعلم أنه اجتمع فيه [جميع](٢) الخصال الرفيعة ، ونفى عنه كل خلق دنيء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ).

أي : أبشرتموني أن يولد لي ، وأنا على الحال التي أنا عليها ، أو يردّ إليّ شبابي وشباب امرأتي.

(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) على الحال التي أنا عليها وامرأتي ، أو يرد الشباب إلينا ، وإلا لا يحتمل أن يخفى عليه قدرة الله هبة الولد في حال الكبر ، لكنه لم ير الولد يولد في تلك الحال ، فاستخبرهم أنه يولد في تلك الحال ، أو يرد إلى حالة أخرى حالة الشباب. والله سبحانه أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ).

أي : بما هو كائن لا محالة ، أي : وعد كائن لا محالة ، والواجب على كل من أنعم عليه بنعمة أن يشتغل بالشكر للمنعم ، لا يستكشف عن الوجوه التي أنعم ، والأحوال التي يكون عليها.

ثم في بشارة الولد بشارتان :

إحداهما (٣) : بشارة بالغلام.

والثانية (٤) : بالبقاء والبلوغ إلى وقت العلم ؛ حيث قالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) ، وهو ما قال في آية أخرى : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) [آل عمران : ٤٦] ، ففي قوله «كهلا» دلالة وبشارة : إلى أنه يبقى إلى أن يصير كهلا ، وإلا الكهل يضعف.

__________________

(١) في ب : أيديهم.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : أحدهما.

(٤) في أ : والثانى.

٤٤٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ).

قد ذكرنا فيما تقدم أن الأنبياء قد نهوا عن أشياء [قد](١) عصموا عنها ما لا يحتمل أن يكون منهم ما نهوا عنه ؛ [نحو قوله](٢) : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [آل عمران : ٦٠] (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] و (مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] ، (الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤] وأمثاله ، وذلك مما لا يتوهم كونه (٣) منهم ؛ وذلك لما ذكرنا أن العصمة لا ترفع المحنة ؛ لأنها لو رفعت لذهبت فائدة العصمة ؛ لأنها (٤) إنما يحتاج إليها عند المحنة ، وأمّا إذا لم يكن محنة فلا حاجة تقع إليها ، فعلى ذلك إبراهيم لم يكن قنط من رحمة ربه ؛ أنه لا يهب له الولد في حال كبره ؛ ولكن ما ذكرنا ، ثم بين أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون : أخبر أن القنوط من رحمة الله هو ضلال ، والإياس من رحمته كفر ، فعندهم تضيق رحمته حتى لا يسع فيها الكبائر ، والمعتزلة يقنطون من رحمة ربهم ؛ لقولهم في أصحاب الكبائر ما يقولون.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [الذاريات : ٣١].

قيل : فما خبركم ، وما قصتكم ، وما شأنكم؟ والخطب : الشأن ؛ أي : على أي أمر وشأن أرسلتم.

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [الذاريات : ٣٢].

لم يحتمل أن يكون أول ما أخبروا إبراهيم وقالوه هذا ، ولكن كان فيه ما ذكر في آية أخرى : (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) [العنكبوت : ٣١] (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [العنكبوت : ٣٤] فقال إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها) [العنكبوت : ٣٢] يذكر هاهنا على الاختصار ؛ فذلك يدل أن الخبر إذا أدّى معناه يجوز ، وإن لم يؤت بلفظه على ما كان.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ) كأن الثنيا هاهنا تكون عن الأشخاص ، وأنفس أهل القرية ؛ عن قوله : (مُجْرِمِينَ) ؛ لأن آل لوط لم يكونوا مجرمين ؛ فلا يحتمل الاستثناء من ذلك.

أو لا يكون على حقيقة الثنيا ، وإن كان في الخبر استثناء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ).

أخبر أنهم يهلكون قومه ، ثم استثنى آله منهم ، ثم امرأته من آله ؛ ففيه دلالة أن الثنيا

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : كقوله.

(٣) في ب : أمثاله.

(٤) في أ : لأنه.

٤٤٩

ليس برجوع ؛ لأنه لو كان رجوعا لكان يوجب الكذب في الخبر ، ولكن في الثنيا بيان تحصيل (١) المراد مما أجمل في اللفظ.

وفيه دلالة أيضا أنه يجوز أن يستثنى من الاستثناء ؛ لأنه استثنى امرأته من آله ؛ بقوله : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ) فحصلت المرأة من قومه ؛ حيث استثناها من آله.

وفيه أنه قد يجوز أن يستثنى من خلاف نوعه ؛ لأنه استثنى آل لوط من قومه ، والمجرم ليس من نوع الصالح ، ثم استثنى امرأته من آله ؛ وهي ليست منهم.

وفيه أيضا أن آل الرجل يكون أتباعه ؛ حيث استثنى آله منهم ، يدخل فيه من تبعه ؛ ألا ترى أنه قال : آل فرعون ، وإنما هم أتباعه ، وآل موسى ، وآل هارون ، وآل عمران : كل يرجع إلى أتباعهم ، فيدخل في قولهم : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ـ كلّ من تبعه. والله أعلم.

وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ).

قال أبو بكر الأصم : (قَدَّرْنا إِنَّها) : أي : أخبرنا ، لكن هذا منه احتيال على تقوية مذهب الاعتزال ؛ لأنهم ينكرون أن يكون أفعال العبيد مقدرة لله مخلوقة ، ففي ذلك دلالة أن أفعالهم مخلوقة لله ، مقدرة له ، وأصله : أي : قدرنا بقاءها من الأصل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَمِنَ الْغابِرِينَ) : أي : الباقين.

قال أبو عوسجة : الغابرون : الباقون ، والغابرون : الماضون أيضا ؛ يقال : غبر يغبر غبرا : إذا بقى ، وإذا مضى أيضا.

قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)(٧٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ. قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ).

__________________

(١) في أ : تحصي.

٤٥٠

أي : إنكم قوم منكرون ؛ لا تعرفون بأهل هذه البلدة ، وإنما قال لهم هذا ؛ لأن قومه إنما يعملون ما يعملون بالغرباء ؛ لا يعملون بأهل البلد ؛ ألا ترى أنهم قالوا له : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) [الحجر : ٧٠] أن تضيف أحدا منهم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ).

هذا ليس بجواب لما سبق من قوله : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، ولكن قالوا [ذلك له](١) والله أعلم بعد ما كان بين [لوط وقومه](٢) مجادلات ومخاصمات من ذلك قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) [الحجر : ٦٨] (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) [الحجر : ٦٩] وغير ذلك من المخاصمات.

وقد كان لوط يعدهم العذاب بصنيعهم الذي كانوا يصنعون ؛ ولذلك قالوا له : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأحقاف : ٣٢] ؛ فعند ذلك قالوا :

(بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ).

[قال بعضهم (٣) : بما كانوا فيه يشكّون ؛ بما كان يعدهم من العذاب. وقال بعضهم : (بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ)](٤) [أي : بما كانوا](٥) يجادلون وينازعون ، أو يقول : بل جئناك بجزاء ما كانوا يمترون.

ثم امتراؤهم ، يحتمل مجادلتهم إياه ، ويحتمل ما كانوا عليه من الريبة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).

قال بعضهم : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) : أي : بنجاتك ؛ ونجاة أهلك وإهلاك قومك. وقال بعضهم : (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) : أي : بالعذاب الذي كنت تعدهم.

(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما نقول (٦) ، يحتمل هذا : أن لم يكن هذا منهم قولا قالوه ؛ لأن لوطا يعلم أنهم صادقون فيما يقولون ؛ حيث علم أنهم ملائكة الله ، لكن أخبر عنهم على ما كانوا عليه ، على غير قول كان منهم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ).

أي : ببعض من الليل. وقال بعضهم بسحر ؛ على ما قال : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)

__________________

(١) في ب : له ذلك.

(٢) في ب : لوط وبين قومه.

(٣) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩١).

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في أ.

(٦) في أ : تقول.

٤٥١

[القمر : ٣٤] وهو بعض سحرا كان أو غيره.

(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) : أي : سر من ورائهم ، وهكذا الواجب على كل مولى أمر (١) جيش أن يتبع أثرهم ، أو يأمر من يتبع أثرهم ؛ ليلحق بهم من تخلف منهم ، ويحمل المنقطع منهم ؛ وليكون ذلك أحفظ لهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) قال بعضهم (وَلا يَلْتَفِتْ) أي : لا يتخلف منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون.

وقال في آية أخرى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود : ٨١].

فإنها [تتخلف عنكم ؛ فيصيبها](٢) ما أصاب أولئك ، هذا يدلّ أن ليس في تقديم الكلام وتأخيره منع ، ولا في تغيير اللسان ولفظه بعد أن يؤدي المعنى خطر ؛ لأن قصة لوط وغيرها من القصص ذكرت وكررت على الزيادة والنقصان ، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان ، فدلّ أن اختلاف ذلك لا يوجب تغييرا في المعنى ، ولا بأس بذلك.

وقال بعضهم (٣) : في قوله : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : أي : لا ينظر أحد وراءه ، فهو ـ والله أعلم ـ لما لعلهم (٤) إذا نظروا وراءهم فرأوا ما حلّ بهم : من تقليب الأرض وإرسالها عليهم ـ لا تحتمل بنيتهم وقلوبهم ؛ فيهلكون أو يصعقون ، ألا ترى أن موسى مع قوته لم يحتمل اندكاك الجبل (٥) ، ولكن صعق ؛ فصار مدهوشا في ذلك الوقت ، فهؤلاء أضعف ، وما حلّ بقومهم أشد فبنيتهم أحرى ألا تتحمل ذلك. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) قوله : (وَقَضَيْنا) قيل : أوحينا إليه ، كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) [الإسراء : ٤] : أي : أوحينا إليهم ، وقال بعضهم : [قوله](٦) : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ) أي : أنهينا إليه وأعلمناه ، وهو قول الكسائي والقتبي (٧).

وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ الْأَمْرَ).

يحتمل قوله : ذلك الأمر هو ما ذكر : أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ، هذا (٨) الذي

__________________

(١) في ب : أمير.

(٢) سقط في أ.

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١٢١٩ ، ٢١٢٢٢).

(٤) في ب : لعله.

(٥) في أ : الجبال.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٨).

(٨) في أ : هو.

٤٥٢

أوحى إليه وأعلمه.

ويحتمل قوله : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي : أوحينا إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن ذلك الأمر الذي بلغك مقطوع مصبحين.

ويحتمل الوحى إلى لوط على البشارة : أن دابر قومه مقطوع مصبحين.

أي : مقطوع نسلهم ، فيه إخبار عن قطع نسلهم ، وفي الخبر عن قطع نسلهم إخبار عن هلاكهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ) : قال بعضهم : أصل هؤلاء. وقال بعضهم (١) : دابر هؤلاء مقطوع : أي : مستأصلون ، (مُصْبِحِينَ) : ليس يريد به حين (٢) أصبحوا ، وحين بدا طلوع الفجر ، ولكن أراد طلوع الشمس ؛ ألا ترى أنه قال :

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) ، وإشراق الشمس : هو ارتفاعها وبسطها في الأرض ، دلّ أنه ما ذكرنا. والله أعلم.

والصيحة : تحتمل وجوها :

أحدها : ذكر الصيحة ؛ لسرعة هلاكهم أي : (٣) قدر صيحة.

والثاني : أهلكوا بالصيحة ، أو صاح أولئك لما أهلكوا ، والصيحة اسم كل عذاب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ).

يحتمل : يسرّون بنزول أضيافه ، أو يبشر بعضهم بعضا ؛ لما رأوا بهم من حسن الهيئة والمنظر ، ورفعة اللباس.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ).

يحتمل هذا وجهين : فلا تفضحوني في ضيفي ؛ فإنهم إنما نزلوا بنا على أمن منا ؛ فلا تفضحوني عندهم ، وهو ما قال في آية أخرى : (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) [هود : ٧٨] ويحتمل : لا تفضحوني في الخلق ، يقولون : إن في أهل بيت لوط يفعل بالأضياف كذا ، وإنما عرف أهل بيتي عند الخلق بالصلاح والأمن فلا تفضحوني (٤) في الخلق ؛ واتقوا الله في صنيعكم بالرجال ، ولا تخزون عند الخلق ؛ قيل : هو من الهوان.

ويشبه أن يكون قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) أن يكون الإخزاء : هو الفضيحة ، دليله ما

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٢٥).

(٢) في أ : حيث.

(٣) في أ : أو.

(٤) في أ : تفضحون.

٤٥٣

ذكر : أن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ؛ فيكون هذا تفسير ذلك.

ويحتمل الهوان ، وكذلك قيل في قوله : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ) [النحل : ٢٧] أي : الهوان اليوم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ).

هذا يدل على أنه قد كان سبق النهي عن إنزال الأضياف ؛ كأنهم (١) قد نهوه عن إنزال الأضياف ؛ لذلك قالوا : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ).

قال أبو بكر الأصم : يخرج قولهم : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) مخرج الاعتذار له ؛ لأنهم كانوا يعظمون الرسل [ـ أعني : أقوام الرسل جميعا ـ إذ لم يكن من الرسل](٢) إليهم ، سوى الخلاف في الدين والدعاء إلى دين الله ، فهم وإن كذبوا الحجج التي أتت بها الرسل فقد كانوا يعظمونهم ؛ ألا ترى أنه قال لرسولنا صلوات الله عليه : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ...) الآية [الأنعام : ٣٣] والأول أشبه. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ، وفي موضع آخر : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] وقد ذكرنا في السورة التي فيها ذكر هود.

قال بعضهم (٣) : إنما عرض عليهم نساء قومهم ؛ لأنه كالأب لهم على ما ذكر أن نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمهاتهم. وقال بعضهم : في ذكر البنات إخبار منه لهم بنهاية فحاش صنيعهم ؛ لأنه يجوز ورود الشرع على بناته لهم ، ولا يجوز حل ذلك بحال.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).

قال الحسن : يقسم الله بما شاء من خلقه ، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله ، وإنما أقسم بحياة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) ؛ ولم يقسم بحياة غيره وبغيره.

وقال بعضهم : قوله : (لَعَمْرُكَ) كلمة تستعملها العرب في أقسامهم ؛ على غير إرادة القسم بحياة أحد. ومنهم من قال : إنما ذلك على التعريض ؛ وأصله : أن الله قد أقسم بأشياء : أقسم بالشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار ، وأقسم بالجبال ، والسماء ، وغيرها من الأشياء التي تعظم عند الخلق ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد أخبره أنه أرسله رحمة للخلق وهدى ـ أولى أن يعظم بالقسم به ؛ ألا ترى أنه قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)

__________________

(١) في أ : كأنه.

(٢) سقط في أ.

(٣) قاله البغوي (٣ / ٥٥).

(٤) زاد في ب : وقال بعضهم : أقسم بحياة محمد.

٤٥٤

[الأنبياء : ١٠٧] فمن كان رحمة للعالم كله أولى أن يعظم من غيره ؛ إذ منافعه أعمّ وأكثر.

وقال بعضهم : (لَعَمْرُكَ) : القسم ليس بحياة الرسول ؛ ولكن بدينه ، وهو قول الضحّاك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ).

قال بعضهم : السكرة : الشدة التي تحلّ بهم عند الموت ، شبههم بحيرتهم التي فيهم بسكرة الموت ، يعمهون أي : يترددون (١).

وقال بعضهم : في ضلالتهم وكفرهم ، يعمهون : يتحيرون.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ).

قد ذكرنا في غير موضع اختلافهم في الصيحة : قال بعضهم : الصيحة هي العذاب نفسه ؛ أي : أخذهم العذاب. وقال بعضهم : سمي (الصَّيْحَةُ) لسرعة نزوله بهم ، وأخذه إياهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (مُشْرِقِينَ).

قال بعضهم (٢) : أشرقت الشمس : إذا ارتفعت وأنارت ، وشرقت : إذا بزغت ، وهو قول الكسائى.

وقال أبو عوسجة : (مُشْرِقِينَ) : أي : إذا أشرقوا ، أي : إذا طلعت الشمس عليهم ، وقد ذكرنا هذا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) قد ذكرناه في السورة التي فيها ذكر هود.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).

قال بعضهم (٣) : (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : للمتفرسين ؛ من الفراسة ، وروي في ذلك خبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ يرويه أبو سعيد الخدرى ؛ قال : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» قال : ثم قرأ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(٤). فإن ثبت الخبر ، وثبت تلاوة هذه الآية على إثر ما ذكر فهو هو.

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٣٥) وعن الأعمش ، أخرجه ابن جرير (٢١٢٣٣) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٢).

(٢) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير (٢١٢٣٨).

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١٢٤٠ ، ٢١٢٤٤) وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٢).

(٤) أخرجه ابن جرير (٢١٢٤٩ ، ٢١٢٥٠) والبخاري في تاريخه والترمذي (٣١٢٧) وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معا في الطب وابن مردويه والخطيب ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٣).

٤٥٥

وقال بعضهم : (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : المعتبرين (١). وقيل : المتفكرين (٢). وقيل : الناظرين (٣). ذكروا أنه آية للمعتبرين ، ولكن لم يبينوا من أي وجه يكون آية لمن ذكر ؛ فيحتمل وجوها :

أحدها : آية للمتوسمين : للمعتبرين (٤) لرسالته ؛ لأنه ذكر قصة إبراهيم ولوط ـ على ما كان ـ وهو لم يشهدها ؛ فذلك يدل على صدقه وآية لرسالته (٥).

والثاني : آية لصدق خبر إبراهيم ، وصدق لوط ؛ لأنهم كانوا يخبرون قومهم أن العذاب ينزل بهم ، وغير ذلك من الوعيد ، فيدل ذلك على صدق خبر الأنبياء عليهم‌السلام في كل ما يخبرون.

والثالث : في هلاك من أهلك منهم ؛ ونجاة من أنجى منهم ـ آية لمن ذكر ، من هلك منهم هلك بالتكذيب ، ومن نجا منهم نجا بالتصديق ؛ فيكون لهم آية.

والرابع : قد بقى من آثار من هلك منهم آية ؛ فيكون هلاكهم آية لمن ذكر. وأصل هذا أن الله ذكر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : أي : المؤمنين المتقين ، والاعتبار والتفكر للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون. قال : والمتوسم : هو الذي يعمل بعلامة ، وكذلك المتفرس : هو الذي يعمل بعلامة في غيره ، [ينظر في غيره](٦) : بأن هلاكه بم كان؟ فينزجر عن صنيعه ويتعظ به ، وهو كالمتفقه الذي يعمل بالمعنى. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ).

أي : طريق دائم لا يزول ، يعلم أن في ذلك لآية للمؤمنين ؛ وهو ما ذكرنا أن الآية تكون للمؤمن. والله أعلم.

ذكر في الآية الأولى : (الْآياتِ) لأنه أنبأ إبراهيم وقصته ، وقصة قوم لوط ؛ ففي ذلك آيات لمن ذكر. وذكر في هذه الآية : (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ؛ لأنه ذكر شيئا واحدا ؛ وهو السبيل.

__________________

(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١٢٤٧ ، ٢١٢٤٨) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٢).

(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٥٣).

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٢٤٥) وعن الضحاك (٢١٢٤٦ ، ٢١٢٥٤) وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٩٢).

(٤) في ب : المعتبرين.

(٥) في ب : رسالته.

(٦) في ب : ينظرون غيره.

٤٥٦

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٨٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ).

أي : وقد كان أصحاب الأيكة لظالمين. والأيكة : ذكر أنها الغيضة من الشجر ؛ وهي ذات آجام وشجر ، كانوا فيها فبعث إليهم شعيب وهم في الغيضة.

وذكر [بعض](١) أهل التأويل (٢) : أن شعيبا بعث إلى قومين : إلى أهل غيضة مرة ، وإلى أهل مدين مرة ؛ على ما ذكر : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [العنكبوت : ٣٦] وقال في آية [أخرى](٣) : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٧٦ ، ١٧٧].

وقوله : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) سمى الله تعالى الكفرة بأسماء مختلفة : سماهم مرة ظالمين ، ومرة [فاسقين ، ومرة مشركين](٤) ، واسم الظلم قد يقع فيما دون الكفر والشرك ، وكذلك اسم الفسق يقع فيما دون الكفر والشرك ، ثم الكفر لم يقبح لاسم الكفر ، وكذلك الإيمان لم يحسن لاسم الإيمان ؛ إذ ما من مؤمن إلا وهو يكفر بأشياء ويؤمن بأشياء ؛ قال الله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) [البقرة : ٢٥٦] المؤمن يكفر بالطاغوت وبالأصنام ؛ التي كان (٥) أهل الكفر عبدوها ، وكذلك الكافر يؤمن بأشياء ويكفر بأشياء : يؤمن بالأصنام ويكفر بالله ؛ فثبت أن الكفر لاسم الكفر ـ ليس بقبيح ، وكذلك الإيمان لاسم الإيمان ـ ليس بحسن ، ولكن إنما حسن ؛ لأنه إيمان بالله ، والكفر إنما قبح ؛ لأنه كفر بالله.

وأما الظلم : فهو لاسم الظلم قبيح ، وكذلك الفسق لاسم الفسق قبيح ؛ فسماهم بأسماء هي لاسمها قبيحة (٦) ، لكن الإيمان المطلق هو الإيمان بالله ، والكفر المطلق هو

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١٦٤) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٣).

(٣) سقط في ب.

(٤) في ب : فاسقين وكافرين ومشركين.

(٥) في ب : كانوا.

(٦) في أ : قبيح.

٤٥٧

الكفر بالله ، وإن كان يسمى بدون الله كفرا وإيمانا ؛ كما قلنا : الكتاب المطلق كتاب الله ، والدين المطلق دين الله ؛ وإن كان اسم الكتاب والدين يقع على ما دونه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ).

ذكر الانتقام منهم ؛ ولم يذكر هاهنا بم كان الانتقام ، وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) [الأعراف : ٧٨] وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) [الحجر : ٧٣] وقال في آية أخرى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) [الشعراء : ١٨٩] فيحتمل أن يكون الرجفة لقوم ؛ والصيحة لقوم ؛ وعذاب يوم الظلة لقوم منهم ، أو كان كله واحدا ؛ فسماها بأسماء مختلفة ، وليس لنا إلى معرفة ذلك العذاب (١) حاجة ـ سوى ما عرف أنهم إنما أهلكوا أو عذبوا بالتكذيب ؛ ليكون ذلك آية لمن بعدهم ؛ ليحذروا مثل صنيعهم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) للرسل ؛ كما انتقمنا من قوم لوط للوط ؛ بسوء صنيعهم ، وسوء معاملتهم إياه ، فعلى ذلك ننتقم من أهل مكة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ بسوء صنيعهم ومعاملتهم إياه ، وقد كان ما نزل بأصحاب الأيكة كفاية مزجر لهم ، وعظة لا يحتاج إلى ذكر ما نزل بقوم لوط.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُما) قال بعضهم (٢) : يعني قوم لوط ، وقوم شعيب.

وقوله : (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) : أي : طريق مستبين ؛ أي : بين هلاكهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) ـ واحد ؛ أي : بيّن واضح آثارهم من سلك ذلك الطريق ؛ أو دخل قراهم ومكانهم (٣) ـ لاستبان له (٤) آثار هلاكهم ؛ وما حل بهم.

وقوله : (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) : أي : طريق يؤمّ ، ويقصد ؛ بيّن واضح.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ).

قال أهل التأويل (٥) : أصحاب الحجر : هم قوم صالح ثمود ، وقالوا : الحجر : هو اسم واد. وقيل : هو اسم القرية على شط الوادي ؛ نسبوا إليه.

وقوله : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) قال أهل التأويل (٦) : يعني بالمرسلين [ولم

__________________

(١) في ب : الكتاب.

(٢) قاله البغوي (٣ / ٥٥).

(٣) في أ : ومكان.

(٤) في أ : لهم.

(٥) قاله قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٩٤).

(٦) قاله البغوي (٣ / ٥٥).

٤٥٨

يذكر] ؛ صالحا وحده ، لكن ذكر المرسلين ؛ لأن صالحا كان يدعوهم إلى ما كان دعا سائر الرسل ، فإذا كذبوه فكأن قد كذبوا الرسل جميعا ؛ إذ كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعا ، فإذا كذب واحد منهم ـ فقد كذب الكل. والله أعلم.

وقوله : (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).

تحتمل الآيات : آيات وحدانية الله وحججه ، ويحتمل : جميع الآيات : آيات الوحدانية ، وحججه ، وآيات رسالتهم. (مُعْرِضِينَ) : أي : لم يقبلوها ؛ فإذا لم يقبلوها ـ فقد أعرضوا عنها ؛ [أو أعرضوا عنها](١) ، أي : كذبوها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ).

يحتمل آمنين عما وعدهم صالح من عذاب الله ؛ حيث قالوا : (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٧٧] كانوا آمنين عن ذلك.

وقال بعضهم (٢) : كانوا آمنين عن أن يقع عليهم ما نحتوا لحذاقتهم ، وهو ما قال : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) [الشعراء : ١٤٩] على تأويل بعضهم : حاذقين.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) يحتمل : أخذتهم ظاهرة بالنهار.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).

يحتمل قوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) : أي : ما كانوا ينحتون ، لا يغنيهم من عذاب الله من شيء.

ويحتمل : فما أغنى عنهم ما عملوا من عبادة الأصنام والأوثان ؛ حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ولقولهم (٣) : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] أي : لم يغنهم ما عبدوا من عذاب الله.

أو يقول : ما أغنى عنهم ما متعوا وأنعموا في هذه الدنيا ؛ في دفع عذاب الله عن أنفسهم ؛ كقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ ...) الآية [الأحقاف : ٢٦] أي : وإن أعطوا ما ذكر ؛ من السمع ، والبصر ، والأفئدة ، إذا لم ينظروا ، ولم يتفكروا في آيات الله فجحدوها.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قاله البغوي (٣ / ٥٦).

(٣) في ب : قولهم.

٤٥٩

قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(٩٩)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ).

يحتمل (بِالْحَقِ) : الحق الذي جعل لنفسه (١) على أهلها ، والحق الذي لبعض على بعض ، والحق : هو اسم كل محمود مختار من القول والفعل ، والباطل : اسم كل مذموم من القول والفعل.

قال بعضهم : تأويله : وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا شهودا لله (٢) بالحق على أهلها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا بِالْحَقِ) : أي : لم يخلقهما لغير شيء ؛ ولكن خلقهما للمحنة ؛ يمتحنهم بالعبادة فيها ، وإلى هذا ذهب الحسن.

وقيل : خلقهما وما بينهما لأمر كائن ؛ أي : لعاقبة : للثواب أو الجزاء (٣) ، لم يخلقهم للفناء خاصة ؛ ولكن للعاقبة ؛ لأن خلق الشيء للفناء خاصة عبث ؛ وهو ما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] أخبر أن خلقهم لا للرجوع إليه ولا للعاقبة ـ عبث ، وقد ذكرنا هذا (٤) فيما تقدم.

وجائز أن يكون قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) على الاحتجاج على أولئك لإنكارهم الساعة ، لوجهين :

أحدهما : ما ذكرنا أنه لو لم تكن الساعة حصل خلقهما وما بينهما للفناء خاصة ؛ وخلق الشيء للفناء خاصة عبث باطل ؛ كبناء البناء للنقض خاصة لا لعاقبة تقصد ـ عبث.

والثاني : أنه يكون في ذلك التسوية بين الأعداء والأولياء ، وفي الحكمة التفريق

__________________

(١) في أ : تسميته.

(٢) في أ : بشهود الله.

(٣) في ب : والجزاء.

(٤) في أ : وقد ذكرناهما.

٤٦٠