تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

يمنعهم عن الإجابة له ، والانقياد له ، والنظر في الآيات والحجج.

والثالث : يطمعون هلاك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويتمنون ذلك ، وانقطاع ملكه ، وأمره ، والعود إليهم ، فذلك الذي كان منعهم.

وفي حرف حفصة : ذرهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل.

وقوله : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ...) الآية في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ، آيس رسوله عن إيمانهم ؛ وهو كقوله : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠].

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ).

قال الحسن : وما أهلكنا من أهل قرية إهلاك تعذيب ؛ إلا وقد أرسلنا إليهم رسلا بكتاب معلوم ، نتلو ذلك الكتاب المعلوم عليهم ، فإذا كذبوهم وأيسوا من إيمانهم ؛ فعند ذلك يهلكون هلاك تعذيب ، وهو ما قال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) [القصص : ٥٩] ، فعلى ذلك الأول.

وقال بعضهم : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) يقول : كتاب فيه أجل معلوم مؤقت لها ؛ على هذا التأويل ؛ كأنه قد خرج جوابا لقول كان من أولئك الكفرة من استعجالهم الإهلاك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ).

أي : ما تسبق أمة عن أجلها الذي جعل الله لها بالإهلاك ، وما تستأخر عنه ، وهو ما قال : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤] [أي : ما يستأخرون ساعة عن الوقت الذي جعل لهم ولا يستقدمون](١).

فهذا ينقض على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : إن الله يجعل لخلقه آجالا ، ثم يجيء آخر فيقتله قبل الأجل الذي جعله (٢) له ، والله يقول : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، وقال : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) [العنكبوت : ٥٣] يخبر أنه لجاءهم العذاب ؛ لو لا ما جعل من أجل مسمى ؛ قد وعد جلّ وعلا أن يفي بما (٣) وعد ؛ من البلوغ إلى الأجل الذي سمى.

__________________

ـ وحقيقة الأمل : الحرص على الدنيا ، والانكباب عليها ، والحب لها ، والإعراض عن الآخرة ، قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ، ويهلك آخرها بالبخل والأمل».

وقال الحسن : ما أطال عبد الأمل ، إلا أساء العمل ينظر : تفسير القرطبي (١٠ / ٤).

(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٢) في ب : جعل.

(٣) في ب : ما.

٤٢١

وعلى قول المعتزلة : لا يملك إنجاز ما وعد ؛ لأنه يجيء إنسان ؛ فيقتله ؛ فيمنع الله عن وفاء ما وعد ، فذلك عجز وخلف في الوعد ، فنعوذ بالله من السرف في القول ، والزيغ عن الحق (١).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) يعني : القرآن.

(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ).

قال الحسن : قوله : يا أيها الذي تدعي أنه نزل عليه الذكر : إنك لمجنون ؛ فيما تدعي من نزول الذكر ، هو على الإضمار الذي قال الحسن ، وإلا في الظاهر متناقض ؛ لأنهم كانوا لا يقرون بنزول الذكر عليه ؛ لأنهم لو أقروا نزول الذكر عليه لكان قولهم متناقضا فاسدا.

(إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) سموه مجنونا ، والذي حملهم على تسميتهم إياه مجنونا وجوه :

أحدها : [أنهم](٢) لما رأوه أنه قد أظهر الخلاف لذوي العقول منهم والأفهام ، والدعاء إلى غير ما هم فيه ؛ فرأوا أنه ليس يخالف أهل العقول والفهم إلا بجنون به ؛ فسموه مجنونا.

والثاني : رأوه قد أظهر الخلاف للفراعنة والجبابرة ، الذين كانت عادتهم القتل والهلاك من أظهر الخلاف لهم ؛ في أمر من أمورهم الدنياوية ؛ فكيف من أظهر [الخلاف لهم](٣) في الدين؟ فظنوا أنه ليس يخالفهم ، ولا يخاطر بنفسه وروحه إلا لجنون فيه.

والثالث : قالوا ذلك لما رأوه ؛ كان يتغير لونه عند نزول الوحي عليه ؛ فظنوا أن ذلك لآفة فيه ، ومن تأمل حقيقة ذلك علم أن من قرفه بالجنون فيه (٤) هو المجنون لا هو ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ...) الآية [الأعراف : ١٨٤] وقال : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] أخبر أنهم لو تفكروا عرفوا أنه ليس به جنة ، ولكن عن معاندة ومكابرة ؛ يقولون ؛ وجهل ، وسموه مرة ساحرا ؛ فذلك تناقض في القول ؛ لأنه لا يسمى ساحرا إلا لفضل بصر وعلم ؛ فذلك تناقض.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

تأويله ـ والله أعلم ـ يقولون له : إنك تزعم أن الملائكة يأتونك بالوحي ، فهلا أظهرت

__________________

(١) في أ : الخلق.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : لهم الخلاف.

(٤) في أ : به.

٤٢٢

لنا إذا أتوك ؛ فننظر إليهم أملائكة هم ـ على ما تزعم ـ أم شياطين؟

وقال بعضهم : لو ما تأتينا بالملائكة فيشهدون أنك رسول الله ، وأنك أرسلت على ما تدعي من الرسالة ؛ فقال : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) : [إلا بالموت](١)(وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ).

قال بعضهم : أن ليس في وسع البشر رؤية الملائكة على صورتهم ؛ فقال : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) : إلا بالموت ، لو رأوا ؛ لماتوا ؛ لما لم يجعل في وسعهم رؤية الملائكة ، وهو كقوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ...) الآية [الأنعام : ٨] أخبر أنه لو أنزل [عليهم الملك](٢) ـ لماتوا ؛ إذ ليس في وسعهم رؤية الملائكة (٣) على صورتهم ، ثم أخبر أيضا أنه لو جعله ملكا لجعله رجلا ، ويكون في ذلك لبس على أولئك.

وقال بعضهم : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) : أي : إلا بالحجج والآيات والبراهين على الرسل ، وعلى من هو أهل لذلك ، ليس على كل أحد.

وقال بعضهم (٤) : (إِلَّا بِالْحَقِ) : أي : إلّا بالعذاب الذي يكون فيه هلاكهم ، وهكذا إن الملائكة لا تنزل إلا بالعذاب الذي فيه هلاكهم أو بالحجج والبراهين. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) يعني القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وفيما وكل الحفظ إلى نفسه ؛ لم يقدر أحد من الطاعنين (٥) مع كثرتهم منذ نزل موضع الطعن فيه ، وذلك يدلّ أنه سماوي ، وأنه محفوظ.

وقال بعضهم (٦) : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) : أي : محمدا عليه أفضل الصلوات : أي : نحفظه بالذكر الذي أنزل عليه ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] وكقوله : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي ...) الآية [سبأ : ٥٠] أخبر أنه إنما يهتدي بما يوحي إليه ربّه ، فعلى ذلك يحفظه بالقرآن الذي أنزل عليه.

ويحتمل [أن يكون](٧) الذكر : النبوة ؛ أي : إنا نحن نزلنا النبوة ، وإنا له : أي :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : عليه.

(٣) في أ : الملك.

(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢١٠٢٨ ، ٢١٠٢٩) وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم : كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٥).

(٥) في أ : الطاغين.

(٦) قاله البغوي (٣ / ٤٤).

(٧) سقط في ب.

٤٢٣

لرسوله ؛ لحافظون له : بالنبوة والرسالة.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(١٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ).

قيل : في ملك الأولين. وقيل : في فرق الأولين. وقيل : في جماعات [الأولين](١) ، وهو واحد.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

يصبر رسوله على استهزاء قومه إياه ، وأذاهم له.

يقول ـ والله أعلم ـ : لست أنت المخصوص بهذا ، ولكن لك شركاء وأصحاب في ذلك ؛ ليخف ذلك عليه ويهون ؛ لأن العرف في الخلق أن من كان له شركاء وأصحاب في شدة أصابته أو بلاء يصيبه ـ كان ذلك أيسر عليه ، وأهون من أن يكون مخصوصا به ، من بين سائر الخلائق. والله أعلم.

كأن هذه الآية صلة قولهم : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) ، فكأنه لما سمع هذا اشتد عليه ، وضاق صدره بذلك ؛ فعند ذلك قال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ...) إلى آخره ، يصبره على أذاهم وهزئهم به ؛ فإنما يشتد عليه ذلك ؛ على قدر شفقته ونصيحته لهم ، وكان بلغ نصيحته وشفقته لهم ما ذكر : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء : ٣] وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] كادت نفسه تهلك ، أو ذكر هذا له لما أن هؤلاء ـ أعني قومه ـ إنما استهزءوا به تقليدا لآبائهم ، واستهزاء بهم وتلقنوا منهم ، لا أنهم أنشئوا ذلك من أنفسهم ، وأولئك ـ أعني : الأوائل ـ إنما استهزءوا برسلهم ، لا تقليدا بأحد ، ولكن إنشاء من ذات أنفسهم ، فمن استهزأ بآخر [فشتمه ؛ تقليدا](٢) واقتداء وتلقنا ـ كان ذلك أيسر عليه وأخف ممن فعل به من ذاته ؛ لأنه إنما يلقن المجانين والصبيان ومن به آفة ، بمثل ذلك ؛ فهم الذين يعملون بالتلقين ، وأما العقلاء السالمون عن الآفات ـ فلا ، فذلك أهون عليه من استهزاء أولئك برسلهم والله أعلم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : تقليدا وشتمه.

٤٢٤

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ).

اختلف فيه : قال بعضهم (١) : كذلك نسلك التكذيب والاستهزاء في قلوب المجرمين ؛ لا يؤمنون به ، يقول : من حكم الله أن يسلك التكذيب في قلب من اختار التكذيب وكذبه ، ومن حكمه أن يسلك التصديق في قلب من صدقه واختاره ؛ كقوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] وكقوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦].

وقال بعضهم (٢) : قوله : (كَذلِكَ) نجعل الكفر والتكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) بكفرهم ؛ كقوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ...) الآية [الأنعام : ٢٥] وقوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [المائدة : ١٣] ونحوه.

ويحتمل قوله : (نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) الحجج والآيات ؛ ليكون تكذيبهم وردّهم [الآيات والحجج](٣) ، وتكذيبهم تكذيب عناد ومكابرة ، لا يؤمنون به.

وقوله : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي : مثل الذي سلكنا في قلوب المؤمنين ؛ من قبول الآيات والحجج ، والتصديق لها ؛ لما علم أنهم يختارون ذلك ـ نسلك (٤) في قلوب المجرمين ؛ من تكذيب الآيات والحجج وردها ؛ لما علم منهم الرد والتكذيب لها. هذا يحتمل ، ويحتمل غير هذا مما ذكرنا. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ).

يحتمل قوله : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب ، والردّ ، والمعاندة ، والمكابرة ، بعد قيام الحجج والآيات.

ويحتمل : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) : الهلاك والاستئصال عند مكابرة حجج الله ، ومعاندتهم إياها.

وقال بعض أهل التأويل (٥) : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) أي : نجعله ؛ على ما ذكرنا ، الكفر بالعذاب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ، (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي : لا يصدقون بالعذاب (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) بالتكذيب لرسلهم بالعذاب ، فهؤلاء يستنون بسنتهم.

وقال أبو عوسجة : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) : أي : ندخله ؛ يقال : السالك : الداخل ، والسلوك : الدخول ، وسلكت أدخلت ، وتصديقه : قوله : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) [الشعراء :

__________________

(١) قاله البغوي (٣ / ٤٥).

(٢) قاله سفيان ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٠٤٠).

(٣) في ب : الحجج والآيات.

(٤) في أ : مثلك.

(٥) هو قول سفيان كما تقدم.

٤٢٥

٢٠٠] وقال : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) [القصص : ٣٢] أي : أدخل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ).

يخبر ـ عزوجل ـ عن سفههم وعنادهم في سؤالهم الآيات ؛ وطلب نزول الملائكة بقوله : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يقول : إن سؤالهم الآيات ؛ وما سألوا متعنتين مكابرين ؛ ليسوا هم بمسترشدين ، لكن أهل الإسلام لا يعرفون تعنتهم بالذكر ؛ حيث قال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ ...) الآية [الأنعام : ١٠٩] ثم قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] وذلك أن المؤمنين كانوا يشفعون لهم بسؤالهم الآيات لعلهم يؤمنون ؛ فأخبر : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) فعلى ذلك قوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يخبر أنهم بسؤالهم نزول الملائكة ؛ معاندين مكابرين ـ ليسوا بمسترشدين.

ثم اختلف فيه : قال بعضهم (١) : قوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) : يعني على الملائكة بابا حتى رأوا ، وعاينوا الملائكة ينزلون من السماء ويصعدون ؛ فلا يؤمنون ؛ وقالوا : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) قيل (٢) : حيرت وسدت ، (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) : أي : سحرت أعيننا ؛ فلا نرى ذلك.

وقال بعضهم : قوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً) أي : لهم (باباً مِنَ السَّماءِ) كقوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] أي : للنصب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَظَلُّوا فِيهِ) حتى (يَعْرُجُونَ) فيه ويعاينون نزول الآيات ويشاهدون كل شيء (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) يؤيس رسوله وأصحابه عن إيمانهم ، وقوله تعالى : (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) يقولون ذلك لشدة تعنتهم وسفههم ، وينكرون معاينة ذلك.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١٠٤٣ ، ٢١٠٤٦) وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٦).

(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٠٥١ ، ٢١٠٥٢) وعن ابن جريج (٢١٠٥٣) والضحاك (٢١٠٥٤).

٤٢٦

أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٢٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) قيل : نجوما ، ويحتمل البروج : المنازل التي ينزل فيها الشمس والقمر والنجوم ، جعل لكل واحد من ذلك منزلا ، ينزل في كل ليلة في منزل على حدة. ويحتمل ما ذكر من البروج : هي مطالع [ما ذكر](١) من الشمس والقمر والنجوم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) [يعني السماء للناظرين](٢).

وفي قوله : (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) دلالة نقض قول من ينهى عن النظر إلى السماء من القراء ؛ لأنه أخبر أنه زينها للناظرين ، ولا يحتمل أن يزينها [للناظرين](٣) ثم ينهى عن النظر إليها ، دل أنه لا بأس [للناظرين](٤) ، وقال في آية أخرى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها ...) الآية [الأنعام : ٩٧] وقال في موضع آخر : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [الملك : ٥] وجعل الله في الشمس والقمر والنجوم منافع : يهتدون بها الطرق في ظلمات الليل ، وجعلها مصابيح في الظلمات (٥) ، وأخبر أنه زينها للناظرين ؛ لأن ما يقبح (٦) في العين من المنظر (٧) لا يتفكر الناظر فيه ولا ينظر إليه ؛ فزينها لهم ؛ ليحملهم ذلك على التفكر فيه ، والنظر إليها ؛ ليعلموا أنه تدبير واحد ؛ حيث جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ مع بعد ما بينهما ، وجعل أشياء هي في الظاهر أشباها ؛ وهي في الحقيقة كالأضداد لها ، ومنها ما هي في الظاهر أضداد ، وهي كالأشكال ؛ نحو النور والظلمة : هي في الظاهر أضداد ، صارت كالأشكال ؛ حيث تضىء النجوم في ظلمات الليل ؛ حتى ينتفع بذلك أهل الأرض ، وهما في الظاهر أضداد ، فصارت بما يظهر من منافعها كالأشكال (٨) ، وجعل لا ينتفع بضوء النجوم مع نور القمر ، ولا ينتفع بنور القمر مع ضوء الشمس ، وهن أشكال ؛ فصارت بما يذهب كل واحد [منهما](٩) بسلطان الآخر ؛

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : للناظر.

(٥) في أ : ظلمات.

(٦) في أ : يفتح.

(٧) في أ : النظر.

(٨) في ب : أشكال.

(٩) سقط في ب.

٤٢٧

كالأضداد ليعلم أنه تدبير واحد ؛ حيث صارت الأضداد كالأشكال ، والأشكال كالأضداد في حق المنفعة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَفِظْناها) يعني : السماء ، (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) ذكر أن الشياطين كانوا يصعدون السماء فيستمعون من أخبار السماء من الملائكة ، مما يكون في الأرض ؛ من غيث وغيره ، ثم زادوا فيها ما شاءوا فيلقون ذلك إلى الكهنة ؛ فيخبر الكهنة الناس ، فيقولون : ألم نخبركم [بالمطر](١) في يوم كذا وكذا ، وكان حقّا ، ثم منعوا عن ذلك ـ عن صعودهم ـ أعنى السماء ، وحفظوا عنهم ، فجعلوا يسترقون السمع ، فسلط الله الشهب عليهم ، حتى يقذفون ؛ وهو قوله : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً) [الصافات : ٨ ، ٩] وقوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ١٠].

ويحتمل (وَحَفِظْناها) : أي : أهلها من الشيطان الرجيم لما ذكرنا من ذكر أشياء من القرية والمصر والعير ، وغيره ، والمراد منه : أهله ، فعلى ذلك هذا ، إلا أن أهل السماء بأجمعهم أهل ولاية الله ؛ وأهل طاعته ، وأما أهل الأرض : ففيهم من الغاوين الضالين ، فهم أولياء الشيطان ؛ كقوله : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ...) الآية [النحل : ١٠٠].

ويحتمل حفظ السماء نفسها : بالملائكة ، وهو ما ذكر : (وَيَقْذِفُونَ ...) الآية. ويحتمل : بالشهب ؛ التي في غير آي من القرآن.

وقال بعضهم (٢) : (رَجِيمٍ) : اللعين ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : من كل شيطان لعين واللعين : ـ فى اللغة ـ : فهو المطرود المبعد ، وهو على ما ذكر (دُحُوراً).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) [ق : ٧] وقال في آية أخرى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١] يعني الجبال ، في ظاهر هذا أن الأرض كأنها تضطرب وتنكفئ بأهلها ، فأثبتها بالجبال ، وإلا من طبعها التسفل والانحدار ، وكذلك الجبال من طبعها التسفل والانحدار ، فكيف كان ثباتها بشيء [كان](٣) طبعه التسفل والتسرب؟ إلا أن يقال : إن طبعها كان الاضطراب والانكفاء فأثبتها بالجبال عن الاضطراب والانكفاء ؛ أو أن يقال : من طبعها ما ذكرنا : التسفل والانحدار ؛ إلا أن الله ـ بلطفه ـ أثبت ما هو طبعه التسفل ، بما (٤) هو طبعه كذلك ؛ ليعلم لطف الله وقدرته ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٧).

(٣) سقط في ب.

(٤) في أ : ما.

٤٢٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ).

قال بعضهم (١) : (فِيها) : يعني في الجبال ، (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) : يعني : ما يوزن من نحو : الذهب ، والفضة ، والحديد ، والرصاص ، ونحوه مما يستخرج منها ، وهذا كأنه ليس بصحيح ؛ لأنه لا يقال في الذهب ، والفضة والحديد : إنه أنبت (٢) في الأرض ؛ كما يقال ذلك لنبات وما ينبت فيها ، وإنما يقال للذهب ، والفضة ، والحديد : جعلنا فيها ، أو خلقنا فيها (٣).

وقال بعضهم (٤) : (وَأَنْبَتْنا فِيها) : يعني : في الأرض ؛ من كل ألوان النبات ، (مَوْزُونٍ) : أي : معلوم مقدر بقدر ؛ كقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).

ويحتمل : وأنبتنا فيها ما يصير موزونا في الآخرة من الزروع وغيرها من الحبوب ، أو ما ذكرنا ؛ أي : معلوم مقدر ، والله أعلم ، ليس على الجزاف ؛ على ما يكون من فعل جاهل على غير تدبير ولا تقدير.

ويحتمل قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) : ما لو اجتمع الخلائق ـ لم يعرفوا قدر ما يزداد وينمو من النبات ؛ في لحظة واحدة ؛ وطرفة عين ، في أول ما يخرج ويبدو من الأرض ، وذلك موزون عنده ؛ معلوم قدره ، ليعلم لطفه ، وقدرته ، وتدبيره ، وعلمه ، وأنه تدبير واحد ؛ حيث لم يختلف ذلك ؛ ولم يتفاوت. والله أعلم.

قال أبو عوسجة : (فَظَلُّوا فِيهِ) : أي : صاروا يومهم (يَعْرُجُونَ) : يرتفعون ويصعدون.

وقال غيره : ظلوا : أي : مالوا ، كقوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) [الشعراء : ٤] أي : مالت ، وقال : قوله : (سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) : أي : حيرت ؛ يقال : تسكر بصره : إذا تحير ، وقال : يقال أيضا تحيرت ، يقال : سكر الله بصره : أي : حيره ، وسكرت الريح تسكر سكرا : إذا سكنت ، ويقال : ليل ساكر ، أي : ساكن ، وسكرت الماء أسكره سكرا : أي : حبسته (٥) ،

__________________

(١) قاله عكرمة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٨).

(٢) في أ : أثبت.

(٣) ثبت في حاشية ب : لا يبعد أن يكون قوله : (وَأَنْبَتْنا فِيها) بمعنى خلقنا ؛ فيصح قول هذا التأويل ، ومصداقه قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أى : خلقكم منها ، على أنه لا مانع من إطلاق حقيقة الإنبات على مثل الذهب والفضة ؛ لأن كل ما برز من التراب ، وخرج يقال فيه : نبت ، والله أعلم. كاتبه.

(٤) قاله ابن جرير (٧ / ٥٠١) ، والبغوي (٣ / ٤٧).

(٥) في أ : حبسه.

٤٢٩

والسكر : السدّ ، والسكور جمع ، والسكر : مصدر سكر يسكر سكرا ؛ فهو سكران ، وقوم سكرى وسكارى ، والسكرة : الغمرة ، والغمرة : الشدة ، وقال ـ عزوجل ـ : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) [سورة ق : ١٩] أي : شدته.

وقال القتبي (١) : سكرت : غشيت ، ومنه يقال : سكر النهر : إذا سدّ ، فالسكر اسم ما سكرت ، وسكر الشراب منه ؛ إنما هو الغطاء على العقل والعين.

وقال الحسن (٢) : سكرت ـ بالتخفيف ـ : سحرت. وقوله ـ عزوجل ـ (بُرُوجاً) : قال : اثنا عشر برجا ، وأصل البرج الحصن والقصر وقوله : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) يقول : حفظناها من أن يصل إليها شيطان أو يعلم من أمرها شيئا إلا استراقا ، ثم يتبعه شهاب مبين : أي : كوكب مضيء.

وقال أبو عوسجة : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) : يقال : استرقت السمع : أي : تغفلت قوما حتى سمعت حديثهم ؛ وهم لا يعلمون ، وهكذا لو علم الملائكة أن الشياطين يسترقون السمع ، ويختطفون ـ لمنعوا من ذلك ، وامتنعوا عن التكلم به ؛ حتى لا يستمعون كلامهم ، وحديثهم. و (شِهابٌ) : كوكب ، وقيل : الشهاب : خشبة في طرفها نار ، والشهبان جماعة.

وقال بعضهم : (شِهابٌ مُبِينٌ) لرسول الله كان له خاصّة لم يكن قبل والله أعلم.

وقوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي : في الأرض والجبال.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ).

قال الحسن : أي : جعلنا [لكم](٣) في الأرض معايش ما تتعيشون به ، ولمن حولكم أيضا ، جعل فيها معايش ، لا ترزقونه أنتم ؛ إنما ذلك على الله ، هو يرزقهم وإياكم.

وقال بعضهم (٤) : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) : الوحوش والطير ، وأما الأنعام : فإنه قد أشركهم البشر في المعايش ، وكان غير هذا أقرب وأوفق : وهو أن أهل مكة كانوا (٥) يمنّون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقولون : نحن ربيناه ، وغذيناه ، وأنفقنا عليه ، ورزقناه ؛ ثم فعل بنا كذا ، فخرج هذا جوابا لهم : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) أي : محمدا.

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٥).

(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ٤٥).

(٣) سقط في ب.

(٤) قاله منصور ، أخرجه ابن جرير (٢١٠٩١) وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٧٨).

(٥) في أ : كأنهم.

٤٣٠

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ).

يحتمل هذا ـ والله أعلم ـ : وإن من شيء يخزن في الخلق ـ إلا عندنا خزائنه ؛ [أي](١) : إلا عندنا تلك الخزائن ؛ أي : ما تخزنون من الأشياء ، فتلك عندنا وفي خزائننا.

(وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).

على هذا (وَما نُنَزِّلُهُ) : أي : ما نعطيه (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) : أي : وإن كان عندكم مخزونا محبوسا ـ فإن ذلك كله في خزائنه ، أعطى من شاء ، وحرم من شاء.

ويحتمل قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) والخزائن : هي الأمكنة الخفية التي تخزن فيها الأموال ، وبواطن من الأرض ، يقول ـ والله أعلم ـ : وإن من شيء كان في بواطن الأرض ، وأمكنة خفية ـ إلا عندنا تدبير ذلك وعلمه ، يخبر أن تدبيره وعلمه في الخفية من الأمكنة ـ كهو في الظاهر ؛ لا يخرج شيء عن تدبيره وعلمه ، بل كل ذلك في تدبيره وعلمه (٢).

وقال الحسن : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) : أي : الماء الذي جعل به حياة كل شيء ، ولا يخرج شيء عن منافعه ، فهو خزائن الأشياء كلها ، وبه قوام كل شيء ، وقال : ألا ترى أنه قال : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ، ذكر الإنزال : وهو الذي ينزل من السماء طاهرا. هذا الذي قاله محتمل ، لكن تمامه أن يقال : إن الماء خزانة ، والخزانة (٣) : هي الموضع الذي يخزن فيه ، وفي الماء قوة ومعنى ؛ يكون فيه حياة الخلق ، ومنافعهم ، فيما جعل فيه لا في نفس الماء ، ألا ترى أنه يصيب عروق الشجر ؛ فتظهر منافعه في غصونها ؛ في أعلاها ؛ فثبت أن فيه قوة سرية ، ومعنى يكون المنافع بها لا بنفس الماء ، والله أعلم بذلك.

ثم ما ذكر من الخزائن ، والرياح ، والماء ، والمطر ، وغير ذلك من النعم ؛ يذكر على الاحتجاج عليهم ؛ لأنه إنما أنشأ هذه الأشياء ، وخلقها لهؤلاء ، لا أنه أنشأها لنفسها ، فإذا كان أنشأها لهم ـ فلا يحتمل أن يتركهم سدى ؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم (٤) ولا يجعل لهم عاقبة يثابون أو يعاقبون (٥) ؛ ولذلك قال في آخره : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : حكمه.

(٣) في أ : والخزائن.

(٤) في أ : يمنحهم.

(٥) في أ : ويعاتبون.

٤٣١

وقوله : (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) على التأويل الأول : ما ذكرنا ، أي : ما نعطيه إلا بقدر معلوم ؛ وإن خزنه وحبسه. ويحتمل : (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي : بقدر سابق معلوم ، ذلك إن كان على هذا ـ فإنه يدل على أن ما يكون ويحدث ـ إنما يكون لقدر سابق ؛ لا يكون غير ما سبق تقديره.

أو (بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) محدود ؛ أي : ليس ينزل جزافا ، ولكن معلوما محدودا. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ).

قال بعضهم : (لَواقِحَ) : حوامل.

وقال بعضهم : هذا لا يصح ، لو كان على هذا ـ لكان ملاقح وملقحات.

وقال أبو عوسجة : (لَواقِحَ) تلقح الشجر : أي : تنبت ورقها وهي ملقحة ، وقال : يقال : ناقة لاقح : أي : حامل قد حملت ، ونوق لواقح ، ويقال : حرب لاقح : أي : شديدة ، وسحاب لاقح : الذي فيه ماء ـ أي : مطر ـ وريح لاقح : أي : ملقح تلقح الشجر ؛ أي : تنبت ورقه وحمله ، ويقال : ملقح ، ويقال : ألقح الرجل إذا لقحت إبله ؛ أي : حملت ، ورجل ملقح ، واللقوح : الناقة التي معها ولد صغير ، والجمع : لقاح ، وجمع الجمع : لقائح ، واللقح : اللواقح ؛ وهي الحوامل من الإبل.

قال القتبى (١) : قال أبو عبيدة (٢) : (لَواقِحَ) : إنما هي ملاقح ؛ جمع ملقحة ، يريد أنها تلقح الشجر ، وتلقح السحاب ؛ كأنها تنتجه ، واللواقح : المنتجة الثمار من الأشجار ، والسحاب ، وغيره. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ).

هو ما ذكرنا على التأويل في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) ، وعلى تأويل الحسن : هو ما ذكر من الماء والمطر.

(وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) : أي : حابسين لما جرى به الذكر ؛ من المطر والماء ؛ الذي ذكر أنه أنزل من السماء. ويحتمل (وَما أَنْتُمْ لَهُ) أي : لله (بِخازِنِينَ) : أي : ليست خزائنه في أيديكم ؛ ولا بيد أحد ، ولكن بيد الله ، عزوجل.

وعلى تأويل الآخر : (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) : بمدبرين ما خزن في الأرض ودفن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ).

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٧).

(٢) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٤٨).

٤٣٢

أي : الباقون ، يفنى الخلق كله ؛ فيبقى هو ، ولذلك سمي من خلف الميت وارثا ؛ لأنه يموت ويبقى الوارث ؛ وهو باق وكذلك يخرج قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠] والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ).

قال بعضهم : ولقد علمنا المستقدمين من المكذبين منكم ؛ ما حل بهم بالتكذيب ، وقد علمنا المستأخرين من المكذبين منكم.

وقال بعضهم : ولقد علمنا من كان منهم ومات ، وقد علمنا المستأخرين : من يكون منهم ويولد ؛ ولذلك قال : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) : من مضى ومن بقي لم يكن بعد ؛ إلى يوم القيامة.

وقال الحسن (١) : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) في الخير (الْمُسْتَأْخِرِينَ) في الشّر.

وقال بعضهم (٢) : في القرن الأول والآخر ، لكنه بعيد (٣).

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

الحكيم : هو الذي يضع الأشياء مواضعها.

والثاني : هو الذي يجعل الأشياء مواضعها (٤) ، فالأول قد يعرف الخلق وضع الأشياء مواضعها ، وأما الثانى : فلا يكون ذلك إلا بالله.

وقوله : (عَلِيمٌ) : عليم بمصالح الخلق ، وما لهم وما عليهم. أو عليم بوضع الأشياء مواضعها.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٢١١٣٣ ، ٢١١٣٢) وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨١).

(٢) قاله مجاهد ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٤٨).

(٣) قال القرطبى : هذه الآية تدل على فضل أول الوقت في الصلاة ، وعلى فضل الصف الأول ، وكما تدل على فضل الصف الأول في الصلاة ، كذلك تدل على فضل الصف الأول في القتال ؛ فإن القيام في وجه العدو ، وبيع العبد نفسه لله ـ تعالى ـ لا يوازيه عمل ، ولا خلاف في ذلك.

ينظر : اللباب (١١ / ٤٤٩).

(٤) في أ : موضعها.

٤٣٣

خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(٤٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وقال في آية آخرى : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) [الأنعام : ٢] ، وقال : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١] ، وقال في آية أخرى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢] ، وقال : (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحج : ٥](١) ، ذكر مرة الحمأ المسنون ؛ وقيل (٢) : هو الطين الأسود المتغير ، وذكر مرة التراب ، ومرة الطين اللازب : وهو الملتزق ، ومرة من سلالة الطين ، فيشبه أن يكون على الأحوال ، واختلاف الأوقات : كان في حال الأول ترابا ، وفي حال طينا لازبا ، وفي حال حمأ مسنونا ؛ وهو الذي اسودّ وتغير ؛ لطول مكثه ، وصلصالا وفخارا. فقبل أن يكون خلقا مركبا الجوارح فيه والعظام ـ كان على هذه الأحوال الثلاثة على ما أخبر من تغير أحوال أولاده ؛ حيث قال : (خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) [الحج : ٤] ذكر فيه أحولا ثلاثة قبل أن يخلق لحما وعظما ، في حال كان نطفة ، ثم صار علقة ، ثم صار مضغة.

فعلى ذلك يحتمل ما ذكر في آدم : من تراب ، وطين ، وحمأ ونحوه ، إن كان على اختلاف الأحوال على ما ذكرنا.

أو أن يكون على التشبيه والتمثيل ، ووجه التمثيل بالطين : الذي ذكر ؛ وهو أن الطين الذي يكون كالصلصال ، والفخار ، واللازب ؛ ونحوه ـ هو الطين الطيب ؛ الذي يكون منه البنيان ، والأوانى ، والقدور ، وجميع أنواع المنافع. وأما الطين الذي يخبث ـ فإنه لا يتخذ منه شيء مما ذكرنا ، ولا يتهيأ اتخاذ شيء من ذلك ، فشبه خلق آدم بالطين الذي يجتمع فيه جميع أنواع المنافع ، فعلى ذلك جمع في آدم جميع أنواع المنافع والخير ، كالطين الطيب.

ثم فيه دلالة قدرته ، وسلطانه ، وذكر نعمه ؛ حيث أخبر أنه خلق آدم من تراب وطين ؛

__________________

(١) ثبت في حاشية ب : وقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ وقال : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ...) ، الآية. وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ). كاتبه.

(٢) قاله ابن جرير (٧ / ٥١٢).

٤٣٤

وما ذكر ، وليس في التراب ، ولا في الطين ـ من أثر البشرية ـ شيء ، وكذلك ليس في النطفة التي خلق البشر منها [من] أثر البشرية شيء ؛ ليعلم أنه قادر على إنشاء الأشياء من شيء ، ومن لا شيء ؛ إذ ليس فيما ذكر من الطين والتراب ؛ الذي خلق منه أبا البشر من أثر البشرية فيه [شيء](١) ، ولا في النطفة التي خلق منها أولاده ؛ من أثر البشرية والإنسانية من اللحم ، والعظم ، والشعر ، وغيره ، وما ركب فيهم : من العقل ، والعلم ، والتدبير ، والجوارح ، وغير ذلك ـ شيء ؛ ليعلم قدرته وسلطانه على خلق الأشياء : لا من شيء ؛ وليعرفوا نعمه التي أنعمها عليهم ؛ حيث أخبر أنه خلق آدم من طين لازب ، وصلصال ، وما ذكر ، وذلك وصف الطين الطيب ؛ لأن ما خبث من الطين لا يبلغ المبلغ الذي وصفه ، ولا يصير إلى تلك الحال (٢) ، وإن طال مكثه ؛ لأنه لا ينتفع به [لا](٣) من اتخاذ البنيان ، والأواني ، والقدور ، ولا ينبت الزروع أيضا ، فيحتمل على التمثيل الذي ذكرنا لا على التحقيق ، أو على التحقيق على الأحوال المختلفة. فدل أنه إنما خلقه من طين [لازب](٤) ؛ طاب أصله.

فعلى ذلك يحتمل النطفة التي يخلق منها البشر تكون طاهرة ، وهي لا تصيب شيئا ، وهي على غير الوصف الذي يخرج ؛ لأنه قال : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] وقال : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : ٨].

والصلصال : قال بعضهم : هو التراب اليابس. والحمأ : الطين الأسود. والمسنون : [المنتن المتغير](٥).

وقال بعضهم : الصلصال : هو الذي إذا ضربته تصوت ؛ ومنه يقال : صلصلة اللجام والفرس ؛ إذا كان يصلصل ؛ وهو قول ابن عباس (٦) رضي الله عنه.

وقال القتبي (٧) : الصلصال : الطين اليابس الذي لا يصيبه النار ؛ فإذا نقرته صوّت ، فإذا مسته النار ـ فهو فخار : والمسنون : المتغير الرائحة ، والمسنون ـ أيضا ـ : المصبوب ، وسننت الشيء : إذا صببته صبّا سهلا ، وسنّ الماء على وجهك ، وهو قول القتبي (٨).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : الجبال.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : المتغير المنتن.

(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٢).

(٧) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٧).

(٨) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٨).

٤٣٥

وقال أبو عوسجة : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) : الحمأ : التراب الأسود يكون في أسفل البئر ، ومن هذا سمّي الحمي ؛ لأنه يحمي أن يرعى ، ويقال : حميت الحرب ، والشمس ، والتنور ، يحمى : إذا اشتد حره. ومسنون : أي : مخلوق.

وقال الحسن : المسنون : الذي سن عليه خلقة الخلق ؛ يعني أولاده على خلقته ؛ أي : على خلقته خلق الخلق ، وأمثال هذا. والله أعلم بذلك.

وقوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ).

قال بعضهم (١) : الجانّ : هو إبليس. وقال بعضهم (٢) : الجانّ : هو أبو الجن ، وإبليس : هو أبو الشياطين ؛ سمّوا شياطين لتمردهم في فعلهم ، ذلك مقتدر من فعلهم ، ألا ترى أنه ذكر من الإنس والجن شياطين ؛ وهو قوله : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] ؛ وذلك لتمردهم ، والجانّ مقتدر عن الجن. والله أعلم بذلك.

والسموم : قال بعضهم (٣) : السموم : لهب النار ؛ وليس له دخان ؛ وهو المارج من نار ، والمارج هو المنقطع (٤) منها.

وقال بعضهم : من جنس النار ؛ كأنه أراد لهبها (٥) ، وقال (٦) : (نارِ السَّمُومِ) : الحارّة التي تقتل ، فإذا كان السموم ، والمارج ـ ما ذكر بعضهم أنه لهب النار ـ فمن طبعه الارتفاع والعلوّ ، فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الارتفاع والعلو ؛ وهو الجانّ الذي ذكر ، والطين طبعه التسفل والانحدار إلى الأرض ؛ فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الهوى إلى الأرض ، والميل إليها.

والجانّ : قال أبو عوسجة : الجنّ : واحد الجانّ ، والجمع (٧) : جانّ ؛ سمي ذلك لاستجنانه. وقال غيره : الجن : الجماعة ، والجانّ الواحد.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أي أتممته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وقال في آية أخرى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) [الأنبياء : ٩١].

__________________

(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢١١٦٤) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٣).

(٢) قاله البغوي (٣ / ٤٩) ونسبه لابن عباس.

(٣) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١١٦٧).

(٤) في ب : المقطع.

(٥) في أ : لهبا.

(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢١١٦٥ ، ٢١١٦٦) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما ، في الدر المنثور (٤ / ١٨٣).

(٧) في ب : الجميع.

٤٣٦

لم يشتبه (١) هذا على الناس ، ولم يفهموا [من قوله](٢) : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] ما فهموا من نفخ الخلق ، فما بالهم فهموا من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الفرقان : ٥٩] و (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] ونحوه ـ استواء الخلق؟ بل فهم نفخه من فهم نفخ الخلق أكثر من استوائه ؛ لأنه أمكن صرف الاستواء إلى وجوه ؛ ولا يمكن صرف النفخ فيه ، لكنه اشتبه عليهم ؛ لأنهم اقتدروا فعل الله بفعل الخلق ، ولا يجب أن يقتدروا بالخلق على ما لم يقتدروا في قوله : [حدود الله ، وحكم الله](٣) ، وعباد الله ، وخلق الله ، وأمثاله. وقد أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] أو تلقين من الشيطان.

وقوله : (رُوحِي رُوحَنا) أي : الروح الذي به حياة الخلق ؛ أي : خلق الذي يكون به حياة الخلق على ما ذكرنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).

يحتمل أن يكون قوله : (خالِقٌ بَشَراً) ما ذكر خبر أنه سيفعل ، وأمر لهم بالسجود ؛ فيكون الأمر بالسجود بعد ما خلقه إياه ، فهذا يدلّ أنه قد يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ).

ظاهر الأمر بالسجود ؛ والاستثناء ـ الذي ذكر ـ يدل أن إبليس من الملائكة ؛ لأن فيهم كان الأمر بالسجود ، ومنهم وقع الثنيا ، وقد ذكرنا اختلافهم وأقاويلهم فيما تقدم ؛ مقدار ما حفظناه.

قال : والأصل بأن كل ما خرج مخرج الاستثناء ـ فيجب أن يسقط اسم ما أجمل ؛ نحو قول الرجل الآخر : لك علي عشرة إلا درهما ، يسقط [الاستثناء ما](٤) أجمل من الاسم حتى [صار](٥) تسعة ، وكذلك إذا قال : ألف إلا خمسين ، وإذا لم يسقط ذلك الاسم ـ فلا بد أن يكون الكل فيه مضمرا ؛ نحو قول الرجل : رأيت علماء بلدة كذا إلا فلانا ـ يجب أن يضمر فيه حرف الكل ، حتى يقع على كل ؛ نحو أن يقول : رأيت كل علماء بلدة كذا إلا

__________________

(١) في أ : يشبه.

(٢) في ب : من خلقه قوله.

(٣) في ب : حكم الله ، وحدود الله.

(٤) في ب : الاستثناء اسم ما.

(٥) سقط في ب.

٤٣٧

فلانا ، فعلى ذلك تخصيص العموم.

وقال الحسن : في قوله : (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) قال : الصلصال : هو الطين الحرّ الذي يتصلصل من صلابته ويبوسته ، والحمأ الطين ، والمسنون : قال : مسنون خلقته ؛ فهو سنة للخلق بعده من ذريته ؛ أن يخلقوا على خلقته ؛ وكقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢] يقول : استلها من بين ظهراني الطين ؛ لا من كل طين خلقه ، وكذلك قال في تناسل ذريته ؛ وهو قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ليس من كل ماء خلقه ؛ ولكن استلها من بين ظهراني الماء. وقال : الجانّ : إبليس ؛ هو أبو الجن (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) : أي : من قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) : يقول : السموم : هو اسم من أسماء جهنم ، ولها أسماء كثيرة ، أخبر أنه خلقه من نار السموم ؛ أي : جهنم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وقال في موضع آخر : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) [البقرة : ٣٤] وقال له : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ، وقال في موضع آخر : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف : ١٢] ، وقال في موضع آخر [(ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] ، وقال في موضع آخر](١) : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦].

ذكر مثل هذا على اختلاف الألفاظ ، ومعلوم أن هذه المخاطبات معه ـ لم تكن معه مرارا ؛ ولكن بمرة واحدة.

وقال أبو بكر الأصم : ذكر الله تعالى قصة إبليس ، وقصة الأنبياء جميعا في مواضع على اختلاف الألفاظ ؛ لأنها كذلك كانت في كتبهم ، فذكرها على ما في كتبهم ؛ ليعلموا أن نبى الله إنما عرف ذلك بالله ؛ ليدلهم على صدقه ، وفيه دلالة أن اختلاف الألفاظ وتغييرها ـ لا يوجب اختلاف الحكم بعد ألّا يغير المعنى ، فهذا يدل أن الخبر إذا أدّي معناه على اختلاف لفظه ـ فإنه يجوز ، وكذلك إذا قرأ بغير لسان الذي أنزل ـ فإنه يجوز إذا أتى بمعناه. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).

قوله : (فَاخْرُجْ مِنْها) : قال بعضهم : اخرج من السماء إلى الأرض. وقال بعضهم :

__________________

(١) سقط في أ.

٤٣٨

اخرج من الأرض إلى جزائر البحر. وقال بعضهم (١) : اخرج من الجنة ، وأمثاله أو اخرج من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة ، وجائز أن يقال : اخرج من كذا : أي : تحول من مكان كذا إلى مكان كذا على حقيقة الخروج ، ولسنا ندري كيف كان كذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (رَجِيمٌ) قيل (٢) : الرجيم : الملعون. وقيل : الرجيم : ما يرجم بالكواكب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ).

اللعنة : هي الطرد ـ في اللغة ـ والخذلان ، طرد عن رحمته إلى يوم الدين ، حتى لا يهتدي إلى دين الله وهداه ، ثم يوم الدين له العذاب الدائم واللعنة القائمة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).

لعن اللعين ، وطرد عن رحمته إلى يوم الدين ؛ أي : لا تدركه الهداية ؛ لأن الهداية في الدنيا إنما تدركه برحمته ، والرحمة في الآخرة هي العفو عما لزمه ؛ ووجب عليه.

مسألة تكلموا فيها : ما الحكمة في خلق الله تعالى إبليس ؛ مع علمه ما يكون منه : من إفساد خلقه ، والدعاء إلى المعاصي ، وإنظاره إلى يوم الوقت المعلوم ؛ وقد علم أنه إنما ينظره ؛ ليفسد عباده ، [فمع ما](٣) علم أنه (٤) يكون منه فما الحكمة في خلقه؟

قال بعضهم : خلق إبليس وأهل المعاصي ؛ مع علمه ذلك ؛ ليعلم أنه لم يخلق لمنافع نفسه ، ولا لحاجة نفسه ، وأن معاصيه لا تضره ، ولا تدخل نقصانا في ملكه ، فخلقه ـ مع علمه بما يكون منه ـ ليعلم أنه لم يخلق الخلق لمنافع نفسه ولا لحاجته ، ولكن لمنافع أنفسهم ولحاجاتهم.

وقال بعضهم : خلق الأعداء والأولياء ؛ نظرا للأولياء ؛ ليعلم أولياؤه الاختصاص الذي اختصهم به ، ولو كانوا جميعا أولياءه ـ لم يعرفوا (٥) فضيلة الله ؛ واختصاصه إياهم ، وهكذا النعم وإحسان الله ، لا يعرف بنفس النعم ونفس الإحسان ؛ وإنما يعرف بالبلايا والشدائد التي تحل ، فعلى ذلك الأولياء : لو لم يكن الأعداء لم يعرفوا اختصاص الله

__________________

(١) قاله البغوي (٣ / ٥٠).

(٢) قاله قتادة وابن جريج ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢١١٧٢ ، ٢١١٧٣).

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : ما.

(٥) في ب : يعلموا.

٤٣٩

لهم ، وفضائله التي أكرمهم بها (١).

وقال بعضهم : خلق الأعداء نظرا للأولياء على ما ذكرنا ، لكن من وجه آخر [](٢) ، وأصله أن الله ـ عزوجل ـ جائز أن ينشئ (٣) أشياء فيها حكمة وسرية ؛ لا يبلغها علم الخلق ، ولا يدركها حكمة البشر ، على ما جعل النعم الظاهرة فيها ـ حكمة معنى لا يبلغه علم (٤) الخلق ؛ ولا حكمة (٥) البشر ، وكذلك البلايا والشدائد فيها حكمة لا يبلغها علم الخلق ، فعلى ذلك جائز أن خلق إبليس ، وعصاة الخلق ؛ لحكمة جعل في ذلك ؛ حكمة لا يبلغها علم الخلق ، ولا يدركها حكمة البشر ، على ما ذكرنا : من النعمة الظاهرة ؛ والشدائد الظاهرة ، وأصله أن الله تعالى خلق الخلق على علم منه أنهم يعصون ؛ ويعاندون (٦) ، لكن مكن لهم من الاختيار والإيثار ـ ما به نجاتهم وهلاكهم ؛ إذا اختاروا ذلك ، فإذا اختاروا ما به نجاتهم ـ نجوا ، وإذا اختاروا ما به هلاكهم ـ هلكوا ، فيكون هلاكهم باختيارهم ، ونجاتهم باختيارهم. وأصله : ما ذكرنا في غير موضع ؛ أنه أنشأهم في هذه الدنيا ؛ ليمتحنهم فيها ، وفي خلق ما ذكر : من إبليس ؛ وغيره من الأعداء ؛ ليتم لهم المحنة ، وفي ترك خلق ذلك ذهاب المحنة ؛ وهي دار الامتحان.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).

قال بعض أهل التأويل (٧) : إلى النفخة الأولى وقيل : إلى النفخة الثانية ، ونحوه. لكنا لا نعلم ذلك ، وكأنه تعالى أنظره إلى الوقت المعلوم ؛ ولم يبين له ذلك الوقت ، ولم يطلعه عليه ؛ حيث قال : (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ...) الآية [الأنفال : ٤٨] أخبر أنه يرى ما لا يرون هم ، وأنه يخاف الله ، ولو كان بيّن له الوقت المعلوم ـ لكان لا يخاف هلاكه قبل ذلك الوقت ، فهذا يدل [على](٨) ما ذكرنا. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ).

قال الحسن : قوله : (بِما أَغْوَيْتَنِي) : أي : لعنتني. وهذا منه احتيال وفرار عن مذهب

__________________

(١) ثبت في حاشية ب : ونظرا للوجوه التي يمكن تعريف الأولياء بها ما اختصهم به ، فما المرجح لهذا على غيره؟ إذ يجوز أن يصرفهم بالإلهام مثلا. كاتبه.

(٢) بياض بالأصل نبّه عليه الناسخ.

(٣) في أ : ينشق.

(٤) في أ : على.

(٥) في أ : حكم.

(٦) في ب : ويعادون.

(٧) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٨٤).

(٨) سقط في أ.

٤٤٠