تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

دون الثانى ؛ يحصل خلقهما للفناء ، وذلك خارج عن الحكمة ؛ وهو ما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].

وقال قائلون : للحق الذي وجب له عليهم بالامتحان والابتلاء ، خلقهما للشهادة له على الممتحن.

أو يقول : خلقهما بالحق : أي : بالحكمة. وقوله : (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).

أن كان الخطاب [به](١) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيصير كأنه قال : قد رأيت وعلمت أن الله خالق السموات والأرض بالحق.

وإن كان الخطاب به لغيره من أولئك يقول : اعلموا أن الله خلق السموات والأرض بالحق ؛ لم يخلقهما عبثا باطلا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).

قال بعض أهل التأويل : هذه المخاطبة يخاطب بها أهل مكة ؛ يذكر قدرته وسلطانه على بعثهم بعد الموت والهلاك ؛ يقدر على إذهابكم وإهلاككم ، ويقدر أيضا أن يأتى بغيركم ، فعلى ذلك : يقدر على بعثكم بعد مماتكم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).

قال أهل التأويل : أي : عليه هين يسير ، ولكن عندنا ـ والله أعلم ـ : (وَما ذلِكَ) : أي : ذهابكم وفناؤكم عليه ليس بشديد عليه ولا شاقّ ؛ ليس كملوك الأرض إذا [ذهب](٢) شيء من مملكتهم يشتد ذلك عليهم ، فأمّا الله سبحانه وتعالى لا يزيد الخلق في سلطانه ولا في ملكه ؛ ولا ينقص فناؤهم وذهابهم منه شيئا ؛ كقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [آل عمران : ٥٤] أي : شديد عليهم وهو ما وصفهم ـ عزوجل ـ : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ذكر مكان العزة الشدة ، ومكان الذلة ـ هاهنا ـ الرحمة.

أو أن يكون قوله : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي : ما بعثكم وإحياؤكم بعد الممات على الله بشاقّ ولا شديد.

قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

٣٨١

وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ)(٢٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً).

قال مقاتل (١) : خرجوا إلى الله من قبورهم جميعا ، وقال : (جَمِيعاً) لأنه لا يغادر أحد إلا بعث.

ويحتمل وجوها أخر سوى ذلك : وهو أن قوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) : أي : لأمر الله ؛ أو لوعده الذي وعد أنهم يبعثون. أو يريد الحكم ، الله يحكم في بعثهم.

(وَبَرَزُوا) : أي : ظهروا به ووجدوا ؛ فيكونون [به](٢) موجودين ظاهرين بعد أن كانوا فائتين ذاهبين غائبين ؛ أي : عندهم في الدنيا أنهم [كانوا](٣) فائتين غائبين عن الله ؛ فيومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأحوالهم ؛ وهو ما ذكرنا في قوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة : ٩٤] وقوله (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١] وأمثاله ، أي : يعلمهم مجاهدين صابرين كما علمهم غير مجاهدين وغير صابرين ؛ وكقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الحشر : ٢٢] يعلمهم شهودا كما علمهم غيبا.

فعلى ذلك قوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي : يكونون له موجودين ظاهرين والله أعلم.

وإضافة البروز إليه في الآخرة وإن كان بروزهم له في الدارين جميعا ، [وكذلك المصير](٤) إليه والمرجع إليه والمآب ونحوه ؛ فهو ـ والله أعلم ـ لما لا ينازع أحد في البروز في ذلك اليوم ؛ وقد ينازعونه في الدنيا.

أو خصّ ذلك البروز بالإضافة [إليه](٥) ؛ لما هو المقصود من إنشائه إياهم وخلقهم ؛ ليس المقصود في خلقهم وإنشائهم الأول ؛ ولكن الآخر ؛ فخص ذلك بالإضافة إليه. والله أعلم.

__________________

(١) قاله البغوي في تفسيره (٣ / ٣٠) لم ينسبه لأحد.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : وكذلك من المصير.

(٥) سقط في أ.

٣٨٢

وقوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) أي : يومئذ يعلمون أنه كان لا يخفى عليه شيء ؛ وكأنهم لم يكونوا يعلمون ؛ قبل ذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).

قال قائلون (١) : قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) : أي : دافعون عنا من عذاب الله ؛ إذ كنّا لكم أتباعا وأنتم متبوعين ؛ فادفعوا عنا ذلك. لكن هذا بعيد ؛ أن يطلبوا منهم دفع العذاب عنهم وقد رأوهم في العذاب ؛ فلو قدروا على دفع [ذلك](٢) عنهم ؛ لدفعوا أولا عن أنفسهم ؛ إلا أن يكون فيهم حيرة وعمى ؛ كما كان في الدنيا ، فللحيرة ما قالوا ؛ كقوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ...) [الإسراء : ٧٢].

والأشبه أنهم يطلبون عنهم رفع بعض العذاب عنهم ، وتحمل بعض لأن مئونة الأتباع في العرف يتحملها المتبوع ؛ فيطلبون منهم رفع شيء وتحمل بعض ما حل بهم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) [غافر : ٤٧] طلبوا منهم تحمل بعض ما حلّ بهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ).

قال بعض أهل العلم : إن الكفرة جميعا ـ أتباعهم ومتبوعهم ـ أعلم بهداية الله من المعتزلة ؛ لأنهم قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) علموا أن الله ـ عزوجل ـ لو هداهم لاهتدوا ؛ ويملك هدايتهم ، والمعتزلة يقولون : قد هدى الله جميع الكفرة وجميع الخلائق ؛ فلم يهتدوا ، وأنه لو أراد أن يهدي أحدا لم يملك ، والكفرة ـ حيث قالوا : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) رأوا وعلموا أن الله لو هداهم لاهتدوا ؛ لأنهم لو لم يهتدوا بهدايته إذا هداهم لم يعتذروا إلى أتباعهم (لَهَدَيْناكُمْ) ، [وكذلك](٣) قال إبليس : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] أضاف الإغواء إليه ؛ وهم (٤) يقولون : لا يغوي الله أحدا ، فإبليس [أعلم بهذا](٥) من المعتزلة.

وقولهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ) أي : لو رزقنا الله الهدى وأكرمنا به لهديناكم ؛ ولكن لم يرزقنا ذلك ولم يكرمنا.

وقال أبو بكر الأصم : تأويل قولهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) : لو كان الذي كنا عليه

__________________

(١) قاله ابن جرير (٧ / ٤٣٢).

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : وهو.

(٥) في ب : بهذا أعلم.

٣٨٣

هدى لهديناكم ؛ فهذا صرف ظاهر الآية عن وجهها بلا دليل ؛ فلو جاز له هذا جاز لغيره صرف جميع الآيات عن ظاهرها بلا دليل مع [أن](١) الأتباع ؛ قد علموا أن الذي كانوا عليه لم يكن هدى ؛ فلا معنى لهذا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ).

قال أهل التأويل (٢) : إنهم قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نجزع لعل الله يرحمنا ؛ فجزعوا حينا ؛ فلم يرحموا ، ثم قالوا : تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا ؛ فلم يرحموا ؛ فعند ذلك قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) لكن لا يحتمل أن يقولوا ذلك بعد الامتحان والاختبار ، لكن كأنهم قالوا ذلك بالذى سمعوا ؛ وهو قوله : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور : ١٦] ولما سمعوا ذلك عند ذلك قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي : منجى ومخلص ، لا يحتمل أن يقولوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) في أول أحوالهم وأمورهم ، ولكن يحتمل ما ذكر أهل التأويل أنهم يقولون ذلك عند الإياس.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ).

قال بعضهم (٣) : (قُضِيَ الْأَمْرُ) : أي : أدخل أهل الجنة الجنة ؛ وأهل النار النار ؛ يقوم إبليس خطيبا في النار ؛ فخطب كما ذكر.

وقال قائلون : (قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : ميّز وبيّن أهل الجنة من أهل النار ؛ قبل أن يدخل أهل النار النار ؛ وأهل الجنة الجنة ـ قام خطيبا فخطب لأتباعه كما ذكر.

ويحتمل قوله : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لما فرغ من الحساب ومن أمرهم ؛ عند ذلك يخطب ؛ ما ذكر ؛ وهو كقوله : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف : ٢٩] أي : لما فرغ من السماع ؛ فعلى ذلك هذا.

وقال بعضهم : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لما نزل بهم العذاب.

ويشبه أن يكون قوله : (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) هو أن الله كان وعد أن يقوم إبليس خطيبا لهم ؛ فقضى الأمر ؛ أي : أنجز ما وعد ؛ أنه يخطب أو أن يكون لأهل الكفر لجاجات ومنازعات فيما بينهم يوم القيامة ؛ كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ؛ وكقوله : (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ...) الآية [المجادلة : ١٨]

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قاله محمد بن كعب وابن زيد أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٦٤٠ ، ٢٠٦٤١).

(٣) قاله ابن جرير (٧ / ٤٣٣).

٣٨٤

يكذبون في الآخرة ، ويكون لهم لجاجة على ما كان منهم في الدنيا ، أو يحتجون فيقولون : إن إبليس هو كان غلبنا وقهرنا ؛ لأنه كان يرانا ونحن لم نكن نراه ؛ فالمغلوب المقهور غير مأخوذ بما كان منه في حكمك ، يحتجون بمثل هذه الخرافات واللجاجات ، ويقولون : هو الذي أضلنا ، فيقوم عند ذلك إبليس خطيبا بينهم وقال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) حتى أقهركم وأغلبكم إلا الدعاء ؛ فاستجبتم لي طائعين ؛ غير مقهورين ولا مضطرين والله أعلم بذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ).

يشبه أن يكون وعده ما وعد على ألسن الرسل : أن البعث ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والعذاب ـ كائن لا محالة. أو جميع ما أوعد من مواعيده ـ فذلك كله حقّ أي : كائن لا محالة.

(وَوَعَدْتُكُمْ).

يحتمل ما ذكر ؛ حيث قال : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) [الأنفال : ٤٨] وأمثاله من عداته ؛ كانت كلها أماني وغرورا وكذبا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) يحتمل السلطان وجهين :

أحدهما : أي ما كان لي عليكم من ملك وقهر وغلبة أقهركم وأغلب عليكم إلا الدعاء ؛ فاستجبتم لي طوعا. ويحتمل قوله : (مِنْ سُلْطانٍ) : من حجة وبرهان ؛ أي : لم يكن لي حجة وبرهان على ما دعوتكم إليه ؛ إنما كان لي دعاء ووساوس ، وكان مع الرسل حجج وبراهين ، فتركتم إجابتهم ؛ واستجبتم لي بلا حجة وبرهان ؛ أي : لم أقهركم ، ولم أغلب عليكم ؛ لكن هذا لا يصح ؛ لأنه لو كان له عليهم سلطان القهر والغلبة لكانوا معذورين غير معذبين ؛ لأن المقهور والمغلوب مضطر ؛ فالمضطر معذور ؛ ولكن السلطان هو الحجة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ).

ليس مراده ـ لعنه الله ـ أنه لا يلام ؛ ولكن مراده : أن ارجعوا إلى لائمة أنفسكم واشتغلوا بها ؛ فإن ذلك كان منكم لم يكن مني إلا الدعاء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ).

قيل (١) : ما أنا بناصركم وما أنتم بناصري ، وقيل (٢) : ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثين

__________________

(١) قاله الحسن وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٦٤٧ ، ٢٠٦٥٦).

(٢) قاله الشعبي ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٦٤٤) وعن قتادة (٢٠٦٤٩) ومجاهد (٢٠٦٥١ ، ٢٠٦٥٤) وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٤١).

٣٨٥

لي ، وقيل : ما أنا بمانعكم وما أنتم بمانعي ، ما نزل بي هذا كله واحد.

وقوله : (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أي : ما أنا بمالك إغاثتكم وإنقاذكم ، وما أنتم بمالكي إغاثتي ، وإلا لو كان لهم ملك ذلك لفعلوا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).

أي : كفرت بما أشركتموني في عبادة الله وطاعته ؛ أي : كنت بذلك كافرا.

ويحتمل : [(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي : كفرت بما أشركتموني في عبادة الله وطاعته ، أي : كنت بذلك كافرا ، ويحتمل (إِنِّي كَفَرْتُ)](١) أي : تبرّأت اليوم ؛ مما أشركتموني مع الله في الطاعة والعبادة من قبل.

أحد التأويلين يرجع إلى أنه يتبرأ في ذلك اليوم ؛ وقتما قام خطيبا.

والثاني : إني (٢) كنت تبرأت من ذلك في الدنيا ، وقتما أشركوه (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : أذن لهم بالدخول في الجنة.

قوله : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، وقوله : (خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).

الإذن هاهنا كأنه الرحمة ؛ أي : خالدين فيها برحمة ربهم.

(تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ).

[يحتمل السلام الثناء](٣) أي : يثنون على ربهم ؛ كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...) الآية [فاطر : ٣٤].

وقوله ـ عزوجل ـ : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) قال بعضهم : يسلم بعضهم على بعض ، ويحيى بعضهم بعضا بالسلام.

وقال بعضهم : السلام هو اسم كل خير ويمن وبركة ؛ كما قال : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً ...) الآية [مريم : ٦٢] والله أعلم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : أى.

(٣) في ب : يحتمل السلام ويحتمل الثناء.

٣٨٦

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ)(٢٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ).

قد ذكرنا أن كلمة (أَلَمْ تَرَ) حرف تنبيه عن عجيب كان بلغه ؛ فغفل عنه ، أو تنبيه عن عجيب لم يبلغه.

وقال أبو بكر الأصم : هي كلمة يفتتح بها العرب عند الحاجة ؛ يقول الرجل لآخر : ألم تر إلى ما فعل فلان ؛ ونحوه. هذا يحتمل في غيره من المواضع وأما في هذا فإنه غير محتمل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) قيل : بين الله مثلا وأظهر.

(كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ).

قال أبو بكر الكيسانى : (كَلِمَةً طَيِّبَةً) : هو هذا القرآن ، (كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) : هي الكتب التي أحدثها الناس ، شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ وهي النخلة ؛ على ما ذكر ؛ إن ثبت ، أو كل شجرة مثمرة. وشبه الكتب التي أحدثها الناس بالشجرة الخبيثة ؛ وهي التي لا تثمر. وقال : إنما شبه القرآن بالشجرة الطيبة ؛ لأن الشجرة الطيبة هي باقية إلى آخر الدهر ؛ ينتفع بها الناس بجميع أنواع المنافع ، لا يقطعونها ؛ فهى تدوم وتبقى دهرا ، فعلى ذلك القرآن ينتفع به الناس وهو دائم أبدا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ).

أصلها ثابت لها قرار ، فعلى ذلك : القرآن هو ثابت بالحجج والبراهين ؛ والكتب التي أحدثها أولئك هي باطلة فاسدة ؛ لا حجة معها ولا برهان ؛ كالشجرة الخبيثة التي هي غير مثمرة ؛ لا بقاء لها ولا قرار ولا ثبات.

وقال بعضهم (١) : الكلمة الطيبة : هي الإيمان والتوحيد ؛ شبهها بالشجرة الطيبة ؛ وهي التي تثمر وتنمو وتزكو هي على ما وصفها ـ عزوجل ـ في قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) ، فعلى [ذلك](٢) الإيمان والتوحيد لا يزال يثمر لأهله الخيرات والأعمال

__________________

(١) قاله الربيع بن أنس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٦٦٠).

(٢) سقط في أ.

٣٨٧

الصالحات ؛ كالشجرة التي وصفها أنها تؤتي أهلها أكلها في كل حين وكل وقت ، أصلها ثابت بالحجج والبراهين ، وفرعها في السماء ، في كل وقت يرتفع ويصعد به العمل إلى السماء.

و [الكلمة](١) الخبيثة : هي الكفر ؛ لأنه لا منفعة لأهلها فيها ، إذ لا عاقبة له ولا حجة معها ولا برهان ، إنما شيء أخذوه عن شهوة وأمانيّ ، فكان كالشجرة الخبيثة التي لا ثمرة لها ، ولا منفعة لأحد فيها ، فهى لا تبقى ولا تدوم. فذلك قوله : (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).

ويشبه أن يكون ضرب المثل لغير هذا المعنى ؛ وهو أنه ذكر جواهر طيبة وجواهر خبيثة ؛ مما يقع عليها الحواس ويقع عليها البصر ؛ ليكون كل جوهر من هذه الجواهر التي يقع عليها الحواس ؛ ويقع عليها البصر ـ من خبيث أو طيب ـ دليلا وشاهدا على ما غاب عن الخلق ؛ ولا يقع عليها الحواس. وهكذا جعل الله تعالى هذه المحسوسات والأشياء الظاهرة ـ دليلا وشاهدا لما غاب عنهم ؛ ولا يقع عليه الحسّ ، تدرك بالعقول التي تركب فيهم ؛ ليرغب الطيب ؛ مما يقع عليه الحسّ والبصر ؛ على الموعود الغائب ، ويحذر الخبيث المحسوس عما غاب وأوعد ، وكذلك هذه الآلام والأمراض والشدائد التي جعل في هذه الدنيا ؛ لتزجرهم عن الأفعال التي بها يستوجبون مثلها في الآخرة ، وكذلك النعم التي في الدنيا واللذات ، جعلها لتدلهم على النعم الدائمة.

على هذا يجوز أن يخرج لا أنه أراد بالشجرة الطيبة الشجرة نفسها أو بالشجرة [الخبيثة الشجرة](٢) نفسها ولكن ما وصفنا. والله أعلم بذلك.

وقال قائلون (٣) : ضرب الله مثل الشجرة الطيبة مثلا للمؤمن ؛ هو في الأرض وعمله يصعد إلى السماء كل يوم ؛ فكما تؤتي الشجرة أكلها كل حين كذلك المؤمن يعمل لله في ساعات الليل والنهار (٤).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) قاله ابن عباس وعطية العوفي والربيع بن أنس ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٠٦٦٢ ، ٢٠٦٦٣ ، ٢٠٦٦٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٤٢ ، ١٤٣).

(٤) كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله ـ عزوجل ـ قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠]. ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طيب الصورة والشكل والمنظر ، والطعم ، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابتا ، أى : راسخا آمنا من الانقطاع ، والزوال ويكون فرعها في السماء ؛ لأن ارتفاع الأغصان يدل على ثبات الأصل ، وأنها متى ارتفعت كانت بعيدة عن عفونات ـ

٣٨٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّ حِينٍ).

قال قائلون (١) : كلّ عام ؛ لأنها تثمر في كل عام مرة.

وقال قائلون (٢) : ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت إدراكها.

وقال قائلون (٣) : كل عشية وغدوة ؛ كقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧].

وقال قائلون (٤) : شهرين ؛ وأمثاله.

ويشبه أن يكون ما ذكرنا : أنه ليس في وقت دون وقت ، ولكن الأوقات كلها في كل وقت وكل ساعة.

فإن قال لنا ملحد : إن الكلمة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الطيبة ـ [هى](٥) كلمتنا ، ونحن المراد بذلك. والكلمة الخبيثة التي ضرب الله مثلها بالشجرة الخبيثة ـ هى كلمتكم ؛ وأنتم المراد بها لا نحن.

قيل : قد سبق لهذا المثل أمثال ودلائل على أن الكلمة الطيبة هي التي لها عاقبة وآخرة ، وكل أمر له عاقبة والنظر في آخره ـ فهو الحق ، والذي أنتم عليه لا عاقبة له (٦) ولا آخرة ، وفي الحكمة : إن كل أمر لا عاقبة له ـ فهو باطل ؛ والكفر لا عاقبة [له](٧).

والثاني : أن الإيمان والتوحيد له الحجج والدلائل ، والكفر مما لا حجة له ولا دلائل ؛ إنما هو مأخوذ بالأماني والشهوة : من تسويل الشيطان وتزيينه ؛ لذلك كان ما ذكرنا.

وتحتمل الكلمة الطيبة ـ أيضا ـ : أن تكون الوحي الذي أوحى الله إلى رسوله ، والكلمة الخبيثة : ما أوحى الشيطان إليهم ؛ كقوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ ...) الآية

__________________

ـ الأرض ، فكانت ثمارها نقية طاهرة عن جميع الشوائب ، ووصفها أيضا بأنها : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) والحين في اللغة هو الوقت : والمراد : أن ثمار هذه الشجرة تكون أبدا حاضرة دائمة في كل الأوقات ، ولا تكون مثل الأشجار التي تكون ثمارها حاضرة في بعض الأوقات دون بعض.

ينظر : اللباب (١١ / ٣٨٠).

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٧٢١ ، ٢٠٧٢٣) وعن عكرمة (٢٠٧١٧) ومجاهد (٢٠٧١٩) وغيرهم.

(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٧٠٦ ، ٢٠٧١٢) وعن عكرمة (٢٠٧٠٧ ، ٢٠٧١١) وسعيد ابن جبير (٢٠٧١٣) وغيرهم.

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٦٩٣ ، ٢٠٧٠١) وعن الضحاك (٢٠٧٠٢) ، والربيع بن أنس (٢٠٧٠٣ ، ٢٠٧٠٤).

(٤) قاله سعيد بن المسيب ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٧٢٤).

(٥) سقط في أ.

(٦) في ب : عليه.

(٧) سقط في أ.

٣٨٩

[الأنعام : ١٢١] فوحي الله : هو ثابت دائم ينتفع به أهله (١) في الدنيا والعاقبة ، ووحي الشيطان : هو باطل مضمحلّ لا عاقبة له ؛ ولا ينتفع به أهله. والله أعلم بذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ).

قال بعضهم (٢) : استؤصلت ، وقيل : انتزعت. وقال أبو عوسجة : اقتلعت من أصلها ؛ يقال : جثثت الشجرة أجثها جثّا : إذا قلعتها من أصلها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَها مِنْ قَرارٍ).

هو ما ذكرنا. وقال بعض أهل التأويل : شبه كلمة الشرك بحنظلة قطعت ؛ فلا أصل لها في الأرض ولا فرع في السماء ؛ أي : لا يصعد له عمل (٣) ، وشبه كلمة الإيمان ؛ في نفعها وفضلها وثباتها وقرارها في الأرض ؛ بما ذكر من الشجرة. والله أعلم.

ثم من الناس من احتج بهذا المثل في خلق الإيمان والكفر ؛ فقال : لأنه ضرب مثله بما هو خلق ؛ وهو الشجرة ؛ فعلى ذلك الإيمان.

ولكن عندنا لا بهذا يجب أن يستدل على خلقه ، ولكن لما ثبت أن منشئهما واحد لأنه لو كان منشئهما مختلفا لكان لا يضرب مثل هذا بهذا ولا هذا بهذا ؛ فإذا ضرب دل أن منشئهما واحد ؛ فإذا ثبت ذلك دل على ما وصفنا.

ومن الناس من استدل بهذا أنه يزداد وينقص (٤) ؛ حيث شبهه (٥) بالشجرة ؛ وهي تزداد وتنقص ، ونحن نقول : ليس فيه دلالة ما ذكروا ؛ لأن الشجرة في نفسها ليست بذي حدّ ، والإيمان ذو حدّ ؛ فما يزداد [إنما](٦) هو في حق التزيين والتحسين. وأمّا الإيمان نفسه : فإنه لا يزداد ؛ كالشجرة إذا تورقت وخرجت (٧) ثمارها توصف بالزينة والحسن ، فأمّا نفس الشجرة : فلا توصف بالزيادة ؛ فعلى ذلك الإيمان.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ).

يحتمل : يبين الله الأمثال التي يقع عليها الحس ، ويقع عليها البصر ، والأشياء الظاهرة ؛ لتدلهم على ما استتر وغاب عنهم ، يدركون بالعقول ما استتر وخفي بالظاهر والمحسوس.

__________________

(١) في ب : أهلها.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٧٤٠).

(٣) في ب : عمل ولا حمل.

(٤) في ب : ينتقص.

(٥) في ب : شبه.

(٦) سقط في أ.

(٧) في ب : خرج.

٣٩٠

(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لعلهم يتعظون.

وقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) الكلمة الطيبة : تحتمل التوحيد وفروعها : هي الخوف ، والخشوع ، والخضوع ، والرغبة [والرهبة](١). وأكلها : هو الأعمال الصالحة والخيرات تكون منه.

والكلمة الخبيثة : هي الشرك. وفروعها : ما يكون منه في الشرك ؛ من القساوة (٢) ، والتمرد ، والعناد. وأكلها : هو الأعمال التي تكون منه في الشرك.

أو أن يكون الكلمة الطيبة : هي الأعمال. وفروعها : هي الشرائع والأحكام التي تعمل. وأكلها : هو ما يثاب عليه في الدنيا والآخرة أبدا. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

ذكر مرة بالتثبيت ومرة بذكر الزيادة ؛ بقوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] ومرة بذكر الابتداء والتجديد ؛ بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) [النساء : ١٣٦]. وقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] فالتجديد والابتداء في حادث الوقت ؛ لأن تلك الأفعال تنقضي وتذهب ولا تبقى ، وأما الزيادة على ما كان يضم شيئا إلى ما كان ، والثبات على ما كان فكله واحد في الحقيقة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ).

أضاف الإضلال مرة إلى نفسه ؛ ومرة إلى الشيطان ، ولا شك أن ما أضيف إلى الشيطان إنما أضيف على الذم ، فإذا كان ما ذكر ؛ فتكون الجهة التي أضيف إلى الله ـ غير الجهة التي أضيف إلى الشيطان ، الجهة التي أضيف إلى الله : هو أن خلق [فعل](٣) الضلال من الكافر ، وما أضيف إلى الشيطان : هو على التزيين والتسويل ؛ لتصح الإضافتان. ولو كان على التسمية ـ على ما يقوله المعتزلة : إذ (٤) سماه ضالا ـ لكان كل من سمى آخر ضالا كافرا جاز أن يسمى مضلا ، فإذا لم يسم ـ بتسميته ضالا أو كافرا ـ مضلا دل أنه إنما سمى الله نفسه مضلا ؛ لتحقيق الفعل له فيه ؛ وهو ما ذكرنا : أن خلق فعل الضلال منه.

والمعتزلة يقولون : إن الله هدى الخلق جميعا ؛ لكنهم لم يهتدوا وضلوا من غير أن يكون الله أضلهم. فهذا صرف ظاهر الآية إلى غيره بلا دليل.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : الفساد.

(٣) سقط في ب.

(٤) في ب : أن.

٣٩١

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ).

وعلى قول المعتزلة : لا يقدر أن يفعل ما يشاء ؛ لأنهم يقولون : شاء إيمان جميع البشر ؛ ولكنهم لم يؤمنوا ؛ وكذلك قال : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٦] وهم يقولون : أراد إيمانهم ؛ لكنه لم يفعل ما أراد ؛ ولا يملك ، وقد أخبر أنه : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) و (ما يَشاءُ) وهم يقولون : لم يملك [أن يفعل](١) ما شاء وأراد ، بل العباد يقولون ما شاءوا غير ما شاء هو ، فتأويلهم خلاف لظاهر القرآن. والله أعلم.

وقوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) على تأويل من يقول : إن الكلمة الطيبة هي القرآن ، يكون القول الثابت هو القرآن.

يقول ـ والله أعلم ـ يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا ؛ حيث تلقوه بالإجابة والقبول والعمل به ، وفي الآخرة ؛ أي : بالآخرة والبعث ؛ يقرون به ، (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) ؛ حيث تركوا الإجابة له ، وتلقوه بالرد ، والمكابرة ، والعناد.

ومن يقول : الكلمة الطيبة : التوحيد والإيمان ـ يكون القول الثابت : هو الإيمان ؛ يثبتهم في الحياة الدنيا باختيارهم ؛ وفي الآخرة ، قيل : في قبورهم ؛ يثبتهم لإجابة منكر ونكير ، ويمكن لهم ذلك ، ويضل الله الظالمين الذين تركوا الإجابة له في الحياة الدنيا وفي القبور ؛ حيث تركوا الإجابة في الدنيا.

ويحتمل أن يكون قوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ؛ هو ما ذكر ، (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس : ٢٥] ثبت من أجاب الله إلى ما دعا في الدنيا ، وفي الآخرة يهديه الطريق الذي به يوصل إلى دار السلام ، والكافر حيث ترك إجابته إلى ما دعاه ، ويضله في الآخرة طريق دار السلام ؛ بترك إجابته في الدنيا. والله أعلم بذلك.

وقوله : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) في هداية من اختار الإجابة والاهتداء ، وإضلال من اختار ترك الإجابة والغواية.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)(٣٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً).

__________________

(١) سقط في أ.

٣٩٢

اختلف في نزوله : قال بعضهم : هذه [السورة](١) كلها نزلت بمكة إلا هذه الآية فإنها نزلت بالمدينة. وقال بعضهم : نزلت بمكة كلها.

فمن يقول : نزلت بالمدينة ـ يقول : قوله : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ) هو بدر ؛ أي : حملوهم إلى بدر حتى قتلوا ؛ لأنه لم يكن بمكة بدر ؛ إنما كان بالمدينة.

ومن يقول : نزلت بمكة ـ يقول : (دارَ الْبَوارِ) : هي جهنم ؛ على ما فسّره ظاهر الكتاب ، وهو الأشبه بظاهر الآية ؛ لأنه بيّن تلك الدار ؛ فقال : (جَهَنَّمَ).

وفي الآية دلالة أن الآية [كانت](٢) في عظمائهم وكبرائهم ؛ حيث قال : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ ...) الآية.

ثم اختلف في النعمة ؛ التي ذكر أنهم بدلوها كفرا ؛ فهى تحتمل وجوها :

أحدها : أن الله ـ عزوجل ـ قد أنعم عليهم في هذه الدنيا ؛ ووسعها عليهم ؛ فحرموا تلك النعم على أنفسهم ؛ فجعلوها للأصنام التي عبدوها وسيبوها ؛ ولم ينتفعوا بها ، من نحو البحيرة التي ذكر ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامى ، وما جعلوا للأصنام هو ما ذكر (وَهذا لِشُرَكائِنا) [الأنعام : ١٣٦] ، فذلك تبديل النعمة كفرا ؛ حيث حرموا ما أنعم الله عليهم وأحل لهم.

والثاني : تلك النعمة محمد أو القرآن أو الإسلام وهو نعمة ، كذبوهم [وكفروهم](٣).

أو أن يكونوا بدلوا الشكر الذي عليهم ـ بما أنعم عليهم كفرا ، جعلوها سببا للكفر ؛ فلم يشكروه بما أنعم عليهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) حقيقته يخرج على وجهين :

أحدهما : بدلوا وصرفوا ما أنعم الله عليهم ؛ وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أنفسهم ؛ حتى أخذ منهم ؛ بدلوا به كفرا.

والثاني : بدلوا به كفرا بعد ما سألوا ربهم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ ...) الآية [النحل : ٣٨] ؛ فلم يشكروا ما أنعم عليهم ، وبدلوا الشكر كفرا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

٣٩٣

أي : أنزلوا ، دل هذا أن الآية نزلت في الرؤساء من الكفرة ، والأئمة منهم ؛ حيث أخبر أنهم أحلوا قومهم دار البوار. ذكر (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) على الماضي ؛ لأنه قد وجد منهم الجناية بالإحلال في دار البوار ، وذكر في دخولهم جهنم على الاستئناف ؛ بقوله : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) لما لم يوجد بعد سيوجد ، ويجوز أن يستدل بهذا لأصحابنا لمسألة : وهي أن العبد إذا حفر بئرا ثم أعتق ؛ فوقع في البئر إنسان : ينظر إلى قيمة العبد يوم حفر ؛ لأن الحفر منه جناية ، وإلى الواقع فيه يوم الوقوع لا يوم الحفر ؛ لأنه لم يوجد بعد يوم الحفر جناية.

أو أن يقال : أحلوا أرواحهم دار البوار ؛ فتدخل أجسادهم يومئذ ، لم تدخل بعد.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) ثم فسرّ أنهم لم أحلوا قومهم دار البوار؟ فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) : أعدالا وأمثالا ، (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ).

يحتمل قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) في العبادة ؛ يعبدون كما يعبد الله ، أو في التسمية ؛ يسمونها آلهة ؛ كما يسمى الله ، جعلوا له أندادا في هذين الوجهين ، يذكر سفههم ؛ حيث جعلوا ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا ينفع ، ولا يدفع ، ولا يضر [أمثالا وأعدالا](١) لله ؛ على علم منهم أن الله هو الذي خلقهم ، ورزقهم ، وينعم عليهم ، وهو الذي يدفع عنهم كلّ بلاء وشدة.

وجائز أن يكون قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) هو تفسير ما ذكر ؛ من تبديل النعمة كفرا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (تَمَتَّعُوا) بهذه النعم التي ذكر أنهم بدّلوها كفرا.

(فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) هذا في قوم ماتوا على الكفر ، أو يقول : قل تمتعوا في الدنيا أو تمتعوا بالكفر فإن مصيركم إلى النار ، هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا وفيه دلالة إثبات الرسالة.

وقال أبو عوسجة : البوار : الهلاك والفناء ، يقال : بار الرجل يبور بورا ؛ فهو بائر ، وقوم بور أي : هالكون. ويقال : بارت السوق ، وبارت السلعة : إذا كسدت ويقال : بارت المرأة تبور بوارا ؛ فهى بائرة : إذا كبرت. وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعوذ بالله من بوار الأيّم» (٢) ؛ قيل : يعني من كسادها. والله أعلم.

__________________

(١) في ب : أعدالا وأمثالا.

(٢) أخرجه الربيع بن حبيب في المسند (٢ / ٣٠) عن جابر بلفظ : «إذا خطب إليكم كفء فلا تردوه ؛ فنعوذ بالله من بوار البنات».

٣٩٤

قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ)(٣١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ).

يحتمل [إقامة الصلاة](١) إقامة الإيمان بها ؛ كقوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٦] هو إقامة الإيمان به ، إذ لا يحتمل الحبس إلى أن يقيموا إقامة الفعل والوفاء ؛ إذ في ذلك حبسهم أبدا.

ويحتمل إقامة الوفاء بها والفعل ؛ لأنه إنما خاطب المؤمنين على إقامتها ، وقد سبق [منهم ما ذكرنا ؛ من](٢) الإيمان بها. [كيف يحتمل الأمر بإقامتها إقامة الإيمان به ، وقد سبق منهم ما ذكرنا من الإيمان بها](٣) قيل : هذا جائز يأمرهم بإقامة الإيمان بها في حادث الوقت ؛ إذ للإيمان حكم التجدد في كل وقت ؛ وهو كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) [النساء : ١٣٦] أي : آمنوا في حادث الوقت ؛ فعلى ذلك هذا يحتمل الأمر بإقامتها ـ إقامة الإيمان بها.

ويحتمل ما ذكر من إقامة الصلاة في الآية ؛ والإنفاق ـ هي الصلاة المعروفة المعهودة ، والزكاة المعروفة المفروضة ؛ والإدامة لهما واللزوم بهما ، ويحتمل القبول والوفاء بهما.

[وقوله ـ عزوجل ـ :](٤)(وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً).

قال الحسن (٥) : الأمر بالإنفاق مما رزقناهم الزكوات المفروضات ؛ ألا ترى أنه ذكر الوعيد في آخره وقال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) ولا يحتمل الوعيد في صدقات التطوع ؛ وهو ما ذكر أيضا في آية أخرى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [المنافقون : ١٠] ولا يحتمل طلب الرجوع والتأخير إلى أجل في النوافل ؛ دل أنه أراد به الزكوات المفروضات.

وقال بعضهم : (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا) : هي التطوع ، والعلانية : الفريضة ؛ لأن الفريضة لا بدّ من أن تظهر وتعلن ، وليس في أدائها رياء والله أعلم.

[وقوله ـ عزوجل ـ](٦) : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) بياض في ب.

(٥) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٨٢٣).

(٦) بياض في ب.

٣٩٥

(يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) : أي : يوم لا يقدر أحد أن يبيع نفسه من ربه ؛ وفي الدنيا يقدر أن يبيع نفسه من ربه ؛ كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٠٧] وقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى) [التوبة : ١١١] وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا يقدر أحد بيع نفسه من ربه ، ويحتمل نفسه. قوله : (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) : أي : لا ينفعه بيع نفسه منه في ذلك اليوم ؛ وإن باع ؛ كقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام : ١٥٨] ، وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ...) الآية [غافر : ٨٤] فعلى ذلك الأول.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا خِلالٌ) : هو مصدر خاللت ؛ وهو من الخلة والصداقة.

ثم هو يحتمل وجهين :

أحدهما : ألا تنفعهم الخلة التي كانت بينهم في الدنيا ؛ لأن كل خلة كانت في الدنيا مما ليست لله فهي تصير عداوة في الآخرة ؛ كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ ...) الآية [الزخرف : ٦٧] أخبر أن الأخلاء ؛ الذين كانوا يخالون في الدنيا ؛ للدنيا ـ فهم الأعداء إلا الخلة التي كانت لله ؛ فهى تنفع أهلها ؛ وهو ما ذكر ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] وأمثاله ، يخبر أن الخلة [التي](١) كانت بينهم في الدنيا ؛ لا لله ؛ فهى تصير عداوة في الآخرة ؛ حتى يتبرأ بعضهم من بعض ، ويلعن بعضهم بعضا.

والثاني : أن يكون لهم شفعاء وأخلاء ؛ ولكن لا يشفعون ؛ كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] أو يشفع لهم لكن لا تقبل ؛ كقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨].

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(٣٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) إلى آخر ما ذكر. فيه دلالة أن تدبير الله محيط متسق بجميع ما في السموات والأرض ، وعلمه محيط بجميع الخلائق ؛ حيث ذكر [أنه :](٢)(وَأَنْزَلَ مِنَ

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

٣٩٦

السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) يعني البشر ، جعل (١) منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ [مع](٢) بعد ما بينهما ؛ دل أنه عن تدبير ، فعل هذا وعلم ، وأنه تدبير واحد ؛ عليم ؛ قدير.

ثم ما ذكر : من تسخير السموات والأرض ؛ مع شدة السماء وصلابتها ، وغلظ الأرض وكثافتها ، وتسخير البحر ؛ مع أهواله وأمواجه ، وتسخير الأنهار الجارية ، وتسخير الشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار لهذا البشر.

في ذلك كله وجهان :

أحدهما : يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ من المنافع التي جعل لهم ؛ في تسخير هذه الأشياء التي ذكر لهم ؛ على جهل هذه الأشياء أنهن مسخرات لغيرهن ؛ يستأدي بذلك شكرها.

والثاني : يذكر سلطانه وقدرته ؛ حيث سخر هذه الأشياء ؛ مع شدتها ، وصلابتها ، وغلظها ، وأهوالها. ومن قدر على تسخير ما ذكر ـ قادر على البعث والإحياء بعد الموت.

ويحتمل ما ذكر ؛ من تسخير الأشياء التي ذكر : أنه أنشأ هذه الأشياء مسخرة مذللة لنا ، والثاني : سخر لنا ؛ أي : علّمنا من الأسباب والحيل التي يتهيّأ لنا الانتفاع بها والتسخير.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ).

فيه لغتان وتأويلان قال بعضهم : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِ) ؛ على التنوين ؛ (ما سَأَلْتُمُوهُ) على الجحد ؛ أي : آتاكم من غير أن سألتم الأشياء التي ذكر أنه سخرها لنا ؛ أي : آتاكم من غير سؤال ولا طلبة.

والثاني : وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه ؛ لأنه أعطانا أشياء قبل أن نعلم أنه يجب أن نسأله ؛ حيث خلق هذه الأشياء التي ذكر من قبل أن يخلقنا.

وقال الحسن (٣) : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) ؛ قال : ما لم تسألوه ؛ وهو ما ذكرناه ؛ فإن قيل : إنا نسأل أشياء لم نعطها ؛ فما معنى الآية؟ قيل بوجوه (٤) :

أحدها : ذكر حرف التبعيض ؛ وهو ما قال : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ).

والثاني : وآتاكم علم منافع ما سألتموه قبل أن تسألوا ؛ وجهه علم الانتفاع به. والثالث : وآتاكم من كل ما يحق السؤال ويليق به.

__________________

(١) في ب : أنه جعل.

(٢) سقط في أ.

(٣) أخرجه ابن جرير (٢٠٨٢٩) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٥٨).

(٤) في ب : لوجوه.

٣٩٧

على هذه الوجوه تخرج الآية. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها).

قال بعضهم : لا تحصوها ؛ أي : لا تشكروها ؛ أي : لا تقدروا شكرها. وقال بعضهم (١) : أي : لا تقدروا إحصاءها وعدها ، وهكذا إن أقل الناس نعمة لو تكلف إحصاء ما أعطاه ما قدر عليه ؛ من حسن الجوهر والصورة ، واستقامة التركيب والبنية ، وسلامة الجوارح ، وغير ذلك مما لا سبيل له إلى ذكرها وإحصائها ؛ إلا بعد طول التفكر والنظر.

وقال بعضهم : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ) : لا تحيطوا بكنهها ونهايتها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

[لظلوم](٢) : أي : ظلم نفسه ؛ حيث صرفها إلى غير الجهة التي جعلت وأمر ، وأدخلها في المهالك ، وألقاها فى (٣) التهلكة (٤).

كفّار لنعمه ؛ حيث صرف شكرها إلى غير الذي جعلها له. والله أعلم.

واستدل بعض المعتزلة بقوله : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) أن صاحب الكبيرة يخلد في النار ؛ لأنه أوعد بترك الصلاة والزكاة التخليد أبدا ، وترك الصلاة والزكاة من غير عذر ـ من الكبائر ، دل أنه ما ذكرناه.

فنقول نحن ـ وبالله التوفيق ـ : إن الآية تحتمل الأمر بإقامة الصلاة ؛ وما ذكر من الزكاة والصدقة إقامة الإيمان بها ؛ على ما ذكرنا من تأويل بعض المتأولين ، فإن كان على هذا على إقامة الإيمان بها ـ فمن ترك ذلك فهو ـ يخلد أبدا لا شك فيه ، أو يكون من استحل تركها ؛ فهو بالاستحلال يكفر ؛ فهو يخلد ، أو يترك لعذر ؛ فهو لا يخلد على اتفاق القول.

فإذا كان ما ذكرنا محتملا دل أن الآية مخصوصة.

ثم معرفة تخليد صاحب الكبيرة إنما هي بالدلائل سوى هذا ، إذ ليس في ظاهر الآية دلالة التخليد ؛ لما ذكرنا من احتمال الخصوص ، دل أنه إنما يطلب الدليل من وجه آخر.

__________________

(١) قاله البغوي في تفسيره (٣ / ٣٦).

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : إلى.

(٤) وقال ابن الخطيب : كأنه يقول : إذا حصلت النعم الكثيرة ، فأنت الذي أخذتها وأنا الذي أعطيتها ، فحصل لك عند أخذها وصفان : وهما : كونك ظلوما كفارا ، ولي وصفان عند إعطائها وهما : كوني غفورا رحيما ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول : إن كنت ظلوما فأنا غفور ، وإن كنت كفارا فأنا رحيم ، أعلم عجزك ، وقصورك ، فلا أقابل جفاك إلا بالوفاء.

ينظر : اللباب (١١ / ٣٩٢).

٣٩٨

قال القتبي (١) : (وَلا خِلالٌ) مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة ، والاسم الخلة والمخلة ؛ وهي الصداقة.

وقال أبو عوسجة : (وَلا خِلالٌ) : قال : من المخالة ؛ يعني المودة. (دائِبَيْنِ) : قال : يجريان أبدا ، وهو من الدوب ؛ أي : التعب.

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٤١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً).

أي : مأمنا ، سمي آمنا ، لما يأمن الخلق فيه ؛ كما سمي النهار مبصرا ، والنهار لا يبصر ولكن يبصر فيه ، ومثله كثير.

ثم يحتمل قوله : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) قال بعض أهل التأويل : إنما طلب إبراهيم أن يجعله آمنا على أهله وولده خاصة ، لا على الناس كافة ؛ إذ قد سفك فيه الدماء ، وهتك فيه الحرم ؛ دل أنه جعله آمنا على أهله وولده خاصة ، ولكن لو كان ما ذكروا محتملا ـ ما يصنع (٢) بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ...) الآية [العنكبوت : ٦٧] وقوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة : ١٢٥] وغيره من الآيات.

أخبر أنه جعل تلك البقعة مأمنا للخلق يأمنون فيها.

ثم يحتمل وجهين :

أحدهما : جعله آمنا بحق الابتلاء والامتحان ، ألزم الخلق حفظ تلك البقعة عن سفك الدماء فيها ، وهتك الحرم ، وغير ذلك من المعاصي ، وإن كانوا ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يصلح ؛ كالمساجد التي بنيت للعبادة وإقامة الخيرات ـ ألزم أهلها وعلى جميع الخلائق حفظها عن إدخال ما لا يصلح ولا يحل ، ثم إن الناس قد ضيعوا ذلك ، وعملوا فيها ما لا يليق بها ولا يصلح ، فعلى ذلك الحرم الذي أخبر أنه جعله مأمنا.

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٣٣).

(٢) في أ : يضع.

٣٩٩

والثاني : جعله مأمنا بالخلقة من ذا الوجه ، يجوز أن يقال : كيف سفك فيه الدماء وهتك فيه الحرم ؛ وهو بالخلقة جعله مأمنا؟

قيل : يجوز هذا بحق العقوبة ؛ وإن كان [بالخلقة](١) آمنا ؛ ألا ترى أنه قال : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ...) الآية [النساء : ١٦٠] الطيبات بالخلقة حلال ؛ لكنه حرم عليهم ذلك بالظلم الذي كان منهم ؛ بحق العقوبة والانتقام ، فعلى ذلك الحرم ؛ جعله مأمنا بالخلقة ، ثم قتل فيه عقوبة ؛ لما كان منهم من المعاصي. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) الآية.

فإن قيل : كيف دعا وطلب منه العصمة ؛ وقد عصمه بالنبوة والرسالة ؛ واختارهما (٢) له من ذلك كله؟

قال بعض أهل التأويل : إنما سأل عصمة ولده وذريته ؛ لما علم أن ذريته قد يختلفون في دين الله وتوحيده ، وما ذكر نفسه ؛ لما المعروف أنّ من دعا لآخر بدأ بنفسه.

قالت المعتزلة : دعاء إبراهيم وطلبه العصمة ؛ مما ذكر ؛ يدل أنه [قد](٣) يجوز أن يدعى بدعوات عبادة ؛ وإن كان قد أعطاه ذلك ، أو يعلم أنه مغفور.

قيل : دعاء إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم‌السلام ؛ يجوز أن يكون عصمتهم كانت مقرونة [بما طلبوه](٤) منه ، وسألوه وتضرعوا إليه ؛ إذ معلوم أنهم لم يستفيدوا تلك العصمة ؛ بإهمالهم [أنفسهم](٥) وتركهم إياها سدى ؛ بل إنما أوجب لهم ذلك بما أجهدوا أنفسهم في طاعة الله.

ثم الآية على المعتزلة من وجهين :

أحدهما : أن إبراهيم طلب منه العصمة عن عبادة الأصنام ، وهو علم أنه يعتصم إذا عصمه عن ذلك ، واهتدى إذا هداه ، وهم يقولون : الله يعصم ولا يعتصم العبد ، ويهدي ولا يهتدي العبد. ويقولون : إذا أعطى أحدا ذلك ، خرج ذلك من يده ، ولا يملك إعطاء ذلك ، فعلى قولهم تخرج دعوات الرسل على الاستهزاء أو على الكتمان ؛ لأن من سأل من آخر شيئا يعلم أنه ليس ذلك عنده ؛ فهو هزء ، أو سأل وهو يعلم أنه قد أعطاه ذلك ؛ فهو كتمان ، وكان خوف الأنبياء والرسل والكبراء من الخلق أشد وأكثر على دينهم ، والزيغ عما هم عليه ؛ لما خافوا أن يكونوا عند الله على غير ما هو عند أنفسهم ، كانوا أبدا

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : اختارها.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

٤٠٠