تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً).

أي : طعنا وعيبا فيه ، دلّ هذا على أن الآية في الرؤساء منهم والقادة الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل الله ويبغون في دين الله الطعن والعيب ؛ فما وجدوا إلى ذلك سبيلا قط.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).

الضلال : يحتمل وجوها :

يحتمل : (الضلال) : أي : هلكوا هلاكا لا نجاة فيه قط.

ويحتمل الحيرة والتيه ؛ أي : تحيروا فيه وتاهوا حتى لا يهتدوا أبدا.

ويحتمل (الضلال) البطلان ؛ أي : في بطلان بعيد ؛ حتى لا يصلحوا أبدا ، وهو في قوم علم الله أنهم لا يهتدون أبدا ؛ ويختمون (١) على الضلال ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٨)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ).

لو كان غيره من الكتب أرسلت بغير لسان الأمم لكان هذا الكتاب يجب أن يكون مبعوثا بلسان قومه ؛ لأنه جعل هذا الكتاب نفسه حجة وآية لرسالته ؛ لأنهم يعجزون عن إتيان مثله ؛ وهو كان بلسانهم ؛ ليعلموا أنه [جاء من الله](٢) ؛ إذ لو كان من اختراع الرسول ـ لقدروا [هم](٣) على اختراع مثله ؛ لأن لسانهم مثل لسانه ، فإذا عجزوا عن إتيان مثله ـ دلّ أنه منزّل من الله تعالى لا من عند الخلق.

ثمّ يحتمل قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) وجوها :

قال قائلون : هذا بعد ما اختلفت الألسن ؛ أرسل هذا وفيه أنباء أوائلهم الذين كان

__________________

(١) في ب : يجتمعون.

(٢) في ب : من الله جاء.

(٣) سقط في أ.

٣٦١

لسانهم غير لسان هؤلاء ، وأخبارهم ليعلموا أنه إنما عرف تلك الأنباء والأخبار التي كانت بغير لسانهم بالله.

وقال بعضهم : أرسل بلسان قومه ؛ لئلا يكون لهم مقال كقوله : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ...) الآية [فصلت : ٤٤].

والثالث : أنه إذا كان بلسانهم يكون آلف وأقرب إلى القبول ؛ من إذا كان بغيره ؛ إذ كل ذي نوع وجنس يكون بجنسه ونوعه آلف من غير نوعه وجوهره ؛ [وهو](١) كقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] إذ ليس في وسع البشر رؤية الملك والنظر إليه على ما هو عليه ، فعلى ذلك : كل ذي لسان يكون بلسانه أفهم وأقرب للقبول وآلف من غيره (٢).

وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).

قال قائلون : ليكون أبين لهم وأفهم.

وقال قائلون : ليبين لهم فيفهموا قول رسولهم.

وقوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).

أي : يضل الله من آثر سبب الضلال ، ويهدي من آثر سبب الذي به يهتدي ؛ يهديه ذلك.

وقال قائلون : يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء : هذا حكم الله ؛ أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءا [أنه](٣) يضل من آثر سبب الضلال ؛

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ومعنى الآية : وما أرسلنا من رسول إلا بلغة قومه.

فإن قيل : هذه الآية تدل على أن النبي المصطفى ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ إنما بعث للعرب خاصة فكيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وبعثت إلى الناس عامة».

فالجواب : بعث إلى العرب بلسانهم والناس تبع لهم ، ثم بعث الرسل إلى الأطراف يدعوهم إلى الله ـ تعالى ـ ويترجمون لهم بألسنتهم.

وقيل : المراد من قومه أهل بلدته ، وليس المراد من قومه أهل دعوته ؛ بدليل عموم الدعوة في قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) وإلى الجن أيضا ؛ لأن التحدي ثابت لهم في قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ)[الإسراء : ٨٨].

قال القرطبي : (ولا حجة للعجم ، وغيرهم في هذه الآية ؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ ترجمة يفهمها لزمته الحجة وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه».

ينظر : اللباب (١١ / ٣٣٦).

(٣) سقط في أ.

٣٦٢

ويهدي من يشاء [هذا حكم الله : أن يضل المكذبين ويهدي المصدقين](١) ؛ أي : من آثر سبب الاهتداء.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [العزيز](٢) ؛ لأن جميع الخلائق مفتقرون إليه لأنه يعزّ من عزّ.

أو أن يكون العزيز : هو الذي لا يغلب ، والحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في الحكم والتدبير ، أو الحكيم في بعث الرسل وفي جميع فعله ، ولم يؤخذ عليه في فعله خطأ قط ، مصيب وضع كل شيء موضعه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا).

يحتمل آياته : حججه وبراهينه التي أرسل بها على وحدانية الله وألوهيته.

ويحتمل آياته : التي بعثها إلى موسى ليقيمها على رسالته. إن شئت قلت : آياته : حججه وإن شئت سميتها أعلاما ، والآيات والأعلام والحجج ـ كله واحد ؛ فيكون أعلام وحدانية الله وألوهيته أو أعلام رسالته.

وقال قائلون : (بِآياتِنا) : أي : بديننا ، أي : أرسلنا موسى بديننا ، ليدعوهم إليه.

(أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).

وعلى ذلك بعث جميع الرسل والأنبياء ، بعثوا ليخرجوا قومهم من الظلمات إلى النور ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ).

التذكير : هو العظة ؛ أي : عظهم بأيام الله.

قال قائلون (٣) : أيام الله : نعمه.

قال قتادة : أمره (٤) أن يذكرهم بنعم الله التي أنعمها عليهم ؛ فإن لله عليكم أياما من النعم ؛ كأيام القوم ؛ كم من خير قد أعطاه الله تعالى لكم ؛ وكم من سوء [قد](٥) صرفه

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) ورد في معناه حديث مرفوع عن أبي بن كعب ، أخرجه ابن جرير (٢٠٥٧٩) والنسائي وعبد الله بن أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٣٢).

وهو قول مجاهد أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٥٦٧ ، ٢٠٥٧٤) وعن سعيد بن جبير (٢٠٥٧٥) وقتادة (٢٠٥٧٦ ، ٢٠٥٧٧).

(٤) في ب : أمرهم.

(٥) سقط في ب.

٣٦٣

الله تعالى عنكم ، [وكم من كرب نفسه الله تعالى عنكم](١) ، وكم من غمّ (٢) فرجه الله تعالى عنكم ؛ فاللهم ربنا لك الحمد.

وقال قائلون (٣) : أيام الله : وقائعه ؛ أي : ذكّرهم بوقائع الله في الأمم السالفة ؛ كيف أهلكهم لما كذبوا [الرسل](٤).

هذا يحتمل : أن يذكرهم بنعم الله التي كانت على المصدقين بتصديقهم ؛ وهو ما أنجى المصدقين من التعذيب والإهلاك ؛ إهلاك تعذيب.

أو ذكر المكذبين منهم بالوقائع التي كانت على أولئك بالتكذيب ؛ وهو الإهلاك.

ويشبه أن يكون قوله : (بِأَيَّامِ اللهِ) : الأيام المعروفة نفسها ، أمره أن يذكرهم بها ؛ لأن الأيام تأتي بأرزاقهم ؛ وتمضي بأعمالهم وأعمارهم ؛ إن كان خيرا فخير وإن كان شرّا فشر ، وتفني أعمارهم وآجالهم ، وفيما تأتى بأرزاقهم نعمة (٥) من الله عليهم ، وفي ذهاب أعمارهم وآجالهم إظهار سلطان الله وقدرته ، فأمره أن يذكرهم بذلك. والله أعلم.

هذا يشبه أن يكون أمر موسى أن يذكر بني إسرائيل ما كان عليهم من فرعون ؛ من أنواع التعذيب ، ثم الإنجاء من بعد ، يقول ـ والله أعلم ـ ذكّرهم الأيام الماضية وما يتلوها ، وهذا أشبه وأقرب. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) قد ذكرنا أن الصبر : هو كف النفس عن معاصي الله وعن جميع مناهيه ، والشكر : هو الرغبة في طاعته ، أخبر أن فيما ذكر آيات لمن كف نفسه عن المعاصي ؛ ورغب في طاعته ، لا لمن تطاول على الرسل ؛ وتكبر عليهم ؛ وترك إجابتهم ؛ ولم يرغب فيما دعوه إليه ، ليس لأمثال هؤلاء عبرة وآية ولكن لمن ذكرنا.

ويشبه أن يكون الصبار والشكور كناية عن المؤمن لأن كل من (٦) آمن بالله ووحّده ـ اعتقد الكفّ عن جميع معاصيه ، والرغبة في كل طاعته ، وإن كان يقع أحيانا في معصيته (٧) ، فكأنه قال : إن في ذلك لآيات للمؤمنين ، على ما ذكر في غيره من الآيات ؛

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : كرب.

(٣) قاله مقاتل ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٢٦).

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : نعم.

(٦) في أ : مؤمن.

(٧) في ب : معصية.

٣٦٤

من ذلك قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر : ٧٧] و (لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات : ٢٠] و (لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ؛ ونحوه. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ).

يشبه أن يكون [هذا](١) على الإضمار ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى ؛ أي : اذكروا نعمة الله عليكم (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ...) الآية [المائدة : ٢٠].

واذكروا أيضا : (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) قيل يعذبونكم (سُوءَ الْعَذابِ).

وقال قائلون : يكلفونكم سوء العذاب (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ).

السوم : الإذاقة والتعريض ؛ يقال : سامني كذا : أي : أذاقني وعرضني ، ويقال : سمت الدابة على الحوض : أي : عرضتها.

(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) هذا أيضا قد ذكرناه ؛ فيما تقدم في سورة البقرة والأعراف. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ).

قال بعضهم (٢) : (وَإِذْ تَأَذَّنَ) قال ربكم. وقيل (٣) : إذ أعلم ربكم وأخبر ، والعرب ربما قالت : أفعلت في معنى تفعلت ؛ فهذا من ذلك (٤) ، ومثله في الكلام : أوعدنى وتوعدنى ؛ وهو قول الفراء ، وحقيقته : وعد ربكم أو كفل ربكم ؛ لئن شكرتم لأزيدنكم ، لم يقل : لئن شكرتم نعمة كذا ، ولا بيّن أي نعمة : النعم كلها ، أو نعمة دون نعمة ، ولا قال : شكرتم بما ذا ، وقال لأزيدنكم ؛ لم يذكر الزيادة في ما ذا ؛ ومن أي : شيء هى.

فيشبه أن يكون قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) بالتوحيد ؛ أي : وحّدتم الله في الدنيا ؛ فيما خلقكم خلقا ؛ وركّب فيكم ما تتلذذون وتتنعمون في الدنيا ؛ وفيما قومكم من أحسن تقويم. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) النعم الدائمة في الآخرة ؛ فيصير على هذا التأويل كأنه قال : لئن أتيتم شاكرين في الآخرة لأزيدنكم النعم الدائمة ، وإلى هذا يذهب ابن عباس رضي الله عنه ؛ أو قريب منه ؛ ألا ترى أنه قال :

(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) أي : ولئن كفرتم ولم توحدوه ؛ وأشركتم غيره فيه ؛

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) قاله ابن مسعود وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٥٨٣ ، ٢٠٥٨٤).

(٣) قاله البغوي في تفسيره (٣ / ٢٧).

(٤) في ب : ذاك.

٣٦٥

وصرفتم شكر تلك النعم إلى غيره إن عذابي لشديد.

ويحتمل أن يكون كل نعمة يشكرها يزيد له من نوعها في الدنيا ؛ ويدوم ذلك له.

وفي قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) لطف وفضل ؛ لأن الشكر هو المجازاة والمكافأة لما سبق ، والله تعالى لا يكافئ فيما أنعم ؛ لأنهم يستزيدون لأنفسهم الزيادة بالشكر الذي ذكر ؛ فهو ليس بشكر في الحقيقة ، لكن هذا [منه لطف](١) ذكره ؛ وهو كما قال الله تعالى : (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً ...) الآية [الحديد : ١٨] وقال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ...) الآية [التوبة : ١١٠] فهذه الأنفس والأموال في الحقيقة لله ؛ ليست لهم ؛ فهم فيما يقرضون ، [يقرضون](٢) لأنفسهم ، وكذلك في الشراء يشترون لأنفسهم من مولاهم ، لكنه ذكر شراه [من أنفسهم](٣) ؛ لطفا منه وفضلا ؛ فعلى ذلك فيما ذكر من الشكر له يطلبون الزيادة لأنفسهم ؛ لطفا منه ، وإن كان الشكر في الظاهر موضوعه المكافأة لما سبق ، فهو فيما بين الرب والعباد ليس بمكافأة ؛ ولكن سبب الزيادة ، ولكن سمي شكرا ؛ لطفا منه وفضلا على ما ذكر التصدق قرضا ؛ والله أعلم ، ألا ترى أنه قال : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : غني [بذاته ، ليس يأمر ما يأمر لحاجة نفسه ، ولا لمنفعة له ، ولكن ما امتحنكم إنما امتحنكم لحاجة أنفسكم ، ولمنفعة أبدانكم. وقال بعضهم (٤) : قوله : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : غني](٥) عن عبادة خلقه ؛ حميد عند خلقه ؛ وهو ما ذكرنا أنه ليس يأمرهم فيما يأمر لمنفعة نفسه أو لحاجة نفسه ؛ ولكن لمنافع تحصل للخلق ولحوائج تبدو لهم ، وكذلك النهي عما ينهى ليس ينهى لخوف مضرّة تلحقه ؛ ولكن للضرر يلحقهم ولآفة تتوجه إليهم.

يخبر ـ عزوجل ـ عن غناه ؛ عما يأمر خلقه من طاعته وعبادته وتوجيه الشكر إليه.

والحميد : هو الذي لا يلحقه الذمّ في فعله ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنهم ؛ [وإن كفروا](٦) وكان علم الله منهم أنهم يكفرون ؛ فعلمه بذلك لا يجعله في إنشائهم مذموما. والله أعلم.

__________________

(١) في ب : لطف منه.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) قاله على بن أبي طالب ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٥٨٩).

(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٦) سقط في ب.

٣٦٦

قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ)(١٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ ...) الآية.

يشبه أن يكون الخطاب لأهل الإيمان منهم ، والرسل خاطبهم ـ عزوجل ـ تصبيرا [منه لهم](١) وتنبيها على تكذيب الكفرة إياهم ؛ وأذاهم واستهزائهم بهم ؛ فقال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : قد أتاكم نبأ الذين من قبلكم ما فيه مزجر لكم عن مثل معاملتهم الرسول ، وهو ما ذكره : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [القمر : ٤] إنه نزل بهم بتكذيبهم الرسل والاستهزاء بأتباعهم ، يذكر (٢) هذا لهم ؛ ليهون ذلك عليهم وليخف ؛ لأن من علم أن له شركا فيما بلي به وامتحن كان ذلك [عليه أهون](٣) وأخف من أن يكون هو المخصوص به.

ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل الكفر منهم ؛ يقول : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : قد أتاكم خبر الذين من قبلكم ؛ [أنه ما ذا أنزل بهم بتكذيبهم الرسل واستهزائهم بأتباعهم ؛ فينزل بكم](٤) ما نزل بهم ؛ لأن الذي أنزل ذلك عليهم حي قادر على إنزال مثله ؛ فيخرج ذلك مخرج [التوقيح و](٥) التوبيخ والتعيير والوعيد ؛ ليحذروا

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : يذكرهم.

(٣) في ب : أهون عليه.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في أ.

٣٦٧

عن صنيع أولئك. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ).

فيه دلالة أن تكلف معرفة الأنساب وحفظها إلى آدم شغل وتكلف ؛ لأنه أخبر أن فيهم من لا يعلمه إلا الله وروي في الخبر أنه كان ينسب إلى مضر ، ولا ينسب إلى أكثر من ذلك.

قال أبو بكر الأصم : قوله : (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) [يكذب من ادعى معرفة الأنساب المتقدمة ؛ لأنه قال : (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ)](١) وقد أخبر أيضا أنه لم يقصّ عليه خبر الكل بقوله : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر : ٧٨] فمن البعيد أن يتكلف تعرف ما لم يقصّ على رسوله والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ).

قيل : البينات : بينات على وحدانية الله وألوهيته ، ويحتمل الحجج التي أتوا بها الرسل على إثبات الرسالة والنبوة.

وقال بعضهم : البينات : ما يتّقون ، وما يأتون ، وما يحل عليهم وما يحرم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ).

يحتمل أن يكون هذا على التمثيل والكناية عن التكذيب وترك الإجابة ؛ لأن رد الأيدى في أفواههم يمنعهم عن التصديق ؛ كقوله : (كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ...) الآية [الرعد : ١٤] إذا ترك إجابته ، وقوله : (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٩] وأمثاله.

ويشبه أن يكون على تحقيق جعل الأيدي في أفواههم ، ثم يخرج على وجهين :

أحدهما : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) : في أفواه الرسل : فيقولون إنكم كذبة.

ويحتمل : ردّ الأيدي في أفواه أنفسهم يصوتون ويستهزءون بهم وبأتباعهم ؛ كقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ...) الآية [الأنفال : ٣٥] وقد ذكرنا معناه في موضعه ؛ فعلى ذلك [هذا يحتمل ذلك ،](٢) والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ...) الآية.

[وقد ذكرنا معناه](٣) ؛ يحتمل قوله : (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) التوحيد ؛ لأنهم أرسلوا بالدعاء إلى توحيد الله والعبادة له ، يدل على ذلك قولهم : (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

٣٦٨

مُرِيبٍ) وقول الرسل (أَفِي اللهِ شَكٌّ ...) الآية.

ويحتمل قوله : (إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) من إثبات الرسالة ، وإقامة الحجة عليها ، (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) من التصديق بالرسالة والنبوة.

(مُرِيبٍ) : هذا يدل أنهم كانوا على شكّ مما يعبدون من الأوثان والأصنام ؛ لأنهم لو كان لهم بيان في ذلك وحجة ودعاء إليه ؛ لكانوا لا يقولون : (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) ولكن كانوا يقطعون فيه القول ؛ فدل أنهم كانوا [على شك وريب](١) ؛ في عبادتهم الأصنام والأوثان التي عبدوها.

ثم الشك والريب ؛ قال بعضهم : هما سواء ، وقال بعضهم : الشك : هو الشك المعروف ، والريب : هو النهاية في الشك.

وقال بعض أهل التأويل (٢) في قوله ـ تعالى ـ : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) : أي : عضوا على أصابعهم غيظا على ما دعوا.

وقال بعضهم (٣) : ردوا عليهم قولهم أو كذبوهم ، وهو ما ذكرنا بدءا ؛ وقال : ردوا عليهم بأفواههم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ).

أي : أفي ألوهية الله شك ؛ أو في عبادة الله شك؟ أي : ليس في ألوهيته ولا في عبادته شك [إذ تقرون أنتم أنه إله وأنه معبود ، وكذلك أقر آباؤكم أنه إله وأنه معبود ، فليس في ألوهيته ولا في عبادته شك](٤) ؛ إنما كان الشك في عبادة من تعبدون دونه ، من الأوثان والأصنام وألوهيتها ؛ لأن آباءكم أقروا بألوهية الله وأنه معبود ، حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] وأقروا أنه خالق السموات والأرض ، وفاطر جميع ما فيهما بقولهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] وإن الأصنام التي عبدوها لم تخلق شيئا ؛ فليس في الله شك عندكم إنما الشك فيما تعبدون دونه ؛ أو في وحدانية الله.

أو يقول : أفي الله شك أنه معبود ؛ أي : ليس في الله شك أنه لم يزل معبودا إنما الشك

__________________

(١) في ب : في شك مريب.

(٢) قاله ابن مسعود ، أخرجه ابن جرير (٢٠٥٩٤ ـ ٢٠٦٠٣) ، وعبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٣٥).

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٠٦٠٦ ، ٢٠٦٠٨) وأبو عبيد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٣٥).

(٤) سقط في أ.

٣٦٩

في الأصنام التي قالوا : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ؛ فأما في الله فلا شك أنه لم يزل معبودا فاطر السموات والأرض.

يشبه أن يكون على الإضمار ؛ أي : أفي الله شك وقد تقرون أنه فاطر السموات والأرض ؛ وتعلمون أنه خالقهما.

ويحتمل أن يكون على الاحتجاج ؛ أي : أفي الله شك وهو فاطر السموات والأرض؟! أي : تعلمون أنه فاطر السموات والأرض وتقرون أنه خالقهما.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ).

هذا يحتمل [وجهين : يحتمل](١) : ليغفر لكم ذنوبكم التي كانت لكم في حال الفترة إذا أسلمتم.

وفيه دلالة ـ والله أعلم ـ : أن المآثم التي كانت لهم في وقت الفترة ـ مأخوذة عليهم ؛ ثم وعد لهم المغفرة إذا أسلموا.

والثاني : وعد المغفرة والتجاوز ؛ لما كان منهم من الافتراء على الله ؛ والقول فيه بما لا يليق به ؛ إذا أسلموا وتابوا عن ذلك ؛ أي : إنكم ، وإن افتريتم على الله وقلتم فيه ما قلتم ؛ وكذبتم رسله ، فإذا أسلمتم وتبتم وصدقتم رسله ـ غفر لكم ذلك كله وفيه ذكر لطفه وحسن معاملته خلقه (٢).

ويحتمل أيضا قوله : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) جواب ما قالوا : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧].

[ويحتمل أيضا قوله : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)](٣) يقول : إذا أسلمتم وتبتم لا تتخطفون ؛ ولكن تبلغون إلى آجالكم المسماة ويؤخركم إلى أجل مسمّى.

يتعلق المعتزلة بظاهر هذه الآية أن لكل إنسان أجلين : أجل في حال إذا كان فعل فعل كذا ، وأجل في حال إذا فعل كذا ؛ لكن جعل الأجلين إنما يكون بجهل في العواقب ممن من يجهل العواقب ، فأمّا الله سبحانه وتعالى فهو عالم بما كان ويكون ؛ فلا يحتمل أن

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قال ابن الخطيب : دلت الآية على أنه ـ تعالى ـ يغفر الذنوب من غير توبة في حق المؤمن ؛ لأنه قال : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وعد بغفران الذنوب مطلقا من غير اشتراط التوبة ؛ فوجب أن يغفر بعض الذنوب مطلقا من غير التوبة ، وذلك البعض ليس هو الكفر ؛ لانعقاد الإجماع على أنه ـ تعالى ـ لا يغفر الكفر إلا بالتوبة عنه والدخول في الإيمان ؛ فوجب أن يكون البعض الذي يغفر من غير التوبة ما عدا الكفر من الذنوب.

ينظر : اللباب (١١ / ٣٥١).

(٣) سقط في ب.

٣٧٠

يجعل له أجلين ؛ وهو عالم بما يكون ؛ فإنما جعله أجله بالذى علم أنه يكون منه ؛ في الوقت الذي جعله ، والله الموفق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا).

في قولهم تناقض من وجهين :

أحدهما : أنهم تركوا طاعة رسلهم واتباعهم ؛ لأنهم بشر مثلهم ؛ [ثم أطاعوا آباءهم واتبعوهم في عبادة الأصنام ، وهم بشر مثلهم](١) حيث قالوا : (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) فذلك تناقض في القول.

والثاني : أنهم لم يروا الرسل متبوعين ؛ [لأنهم](٢) بشر ثم لا يخلوهم بأنفسهم من أن يكونوا متبوعين استتبعوا غيرهم دونهم ، أو كانوا أتباعا لغيرهم ؛ حيث قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] فذلك تناقض في القول.

(فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ).

سألوا الحجة على ما دعوا إليه من ألوهية الله تعالى وربوبيته ، أو على ما ادعوا من الرسالة من الله ، وفي كل شيء وقع عليه بصرهم دلالة وحدانية الله وألوهيته ، لكنهم سألوا ذلك سؤال تعنت وعناد ، وكذلك قد أقاموا الحجج على ما ادعوا من الرسالة ؛ لكنهم تعاندوا وكابروا في ردّ ذلك فسألوا سؤال آية وحجة ؛ تضطرهم وتقهرهم على ذلك ، أو يكون عند إتيانها هلاكهم ؛ فأجابهم الرسل فقالوا : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : ما كان لنا أن نأتيكم بآية تكون بها هلاككم ؛ إنما ذلك إلى الله : إن شاء فعل ؛ وإن شاء لم يفعل.

وقوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).

أي : ما نحن إلا بشر مثلكم ، [ولكن الله يمن على من يشاء ، في دلالة](٣) رد قول الباطنية ؛ لأنهم ينكرون كون الرسالة في جوهر البشرية ؛ ويقولون : إنما تكون الرسالة في جوهر الروحانية ؛ فهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إنما أجابوا قومهم ؛ حيث قالوا لهم : ما أنتم إلا بشر مثلنا ؛ وقولهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) لم يذكروا شيئا سوى البشرية ؛ فدل أن قول الباطنية باطل ؛ حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).

(وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

٣٧١

فيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يختص أحدا بالرسالة ؛ إلا من كان منه ما يستحق به الرسالة ؛ وهم صلوات الله عليهم ؛ لم يذكروا سوى منة الله عليهم ، دل أنه يمن عليهم ويختصهم ؛ لا بشيء [من الاستحقاق و](١) يكون منهم من الأعمال ؛ ولكن بالمنة (٢) والفضل منه عليهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).

هو ما ذكرنا : الإذن موضوعه الإباحة ، هو مقابل الحجر ؛ لكن الإذن المذكور في القرآن ليس كله على وجه واحد ؛ ولكن يتجه في كل موضع ويحتمل على ما يليق (٣) به ، قال الله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٥١] أي : بنصر الله ؛ لأن الهزيمة هي موضع النصر ؛ تحمل عليه ، وقال : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ٤٩] أي : بإنشاء الله ؛ [فعلى ذلك الإذن هاهنا ؛ حيث قال : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بإنشاء الله](٤) السلطان وإجرائه على أيدينا.

ويحمل الإذن المذكور في القرآن على ما يصلح ويليق بما تقدم ذكره.

ويحتمل الإذن هاهنا الأمر ؛ أي : بأمر الله نأتي أي : إن أمرنا الله بذلك نأتى به.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

يشبه أن يكون ذكر هذا على إثر وعيد وأذى كان منهم إليهم ؛ فقالوا : على الله يتكل ويعتمد المؤمنون في دفع وعيدكم وأذاكم.

وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) هذا يخرج على وجهين :

أحدهما : على الأمر ؛ أي : على الله توكلوا أيّها المؤمنون ؛ في جميع ما يتوعدكم أهل الكفر ؛ وفي جميع أموركم.

ويحتمل على الإخبار عن صنيع المؤمنين أنهم إنما يتوكلون على الله ، [وبه يعتمدون](٥) في جميع أمورهم ؛ ومنه يرون كل خير وبرّ ، لا بالأسباب التي لهم ولا يرون منها. وأما أهل الكفر فإنما يتوكلون ويعتمدون بالأسباب ؛ ومنها يرون كل سعة وخير. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ).

كأن هذا يخرج على إثر جواب كان منهم ؛ لما قال الرسل : (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : المنة.

(٣) في أ : يتعلق.

(٤) سقط في ب.

(٥) في ب : ويعتمدون به.

٣٧٢

بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فأجابوهم بحرف ؛ فعند ذلك قال الرسل : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) لكنه لم يذكر ما كان منهم ؛ ولكن ذكر جواب الرسل لهم : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) قال بعضهم : وقد بين لنا سلوك سبلنا.

وعندنا قوله : (وَقَدْ هَدانا) أي : وفق لنا السلوك في السبل التي علينا أن نسلكها ؛ وأكرم لنا ذلك ؛ أي : ما لنا ألا نتوكل عليه في النصر والظفر عليكم ؛ وقد وفقنا وأكرمنا السلوك في السبل التي علينا سلوكها ، وذلك أعسر من القيام للأعداء والنصر بهم ؛ وقد أكرمنا ما هو أعسر وأعظم ؛ فإن ينصرنا أولى. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا).

يحتمل أن يكون هذا قبل أن يأمروا بالقيام لهم والاستنصار منهم ؛ أمروا بالصبر على أذاهم ؛ فقالوا : (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا).

ويشبه أن يكون قوله : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أنهم قالوا ذلك ؛ لما كان أهل الكفر في كثرة ؛ وكان أهل الإسلام وأتباع الرسل في قلة ؛ يستقلون أهل الإسلام ويعاتبون على ذلك ؛ فقالوا عند ذلك : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) بالنصر على أعدائنا ؛ والغلبة عليهم ، وقد أكرمنا بما ذكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) كأنه يخرج على الأمر ؛ أي : على الله فتوكلوا ؛ لا تتوكلوا [على](١) غيره.

ويشبه أن يكون على الخبر ؛ أي : لا يتوكل المؤمن إلا على الله ؛ لا يتوكل على غيره ؛ كقول الرسول حيث قال : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ...) الآية [هود : ٥٦] وهو قول هود ، وقول المؤمنين : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا ...) الآية [الأعراف : ٨٩] ونحوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا).

الإخراج يحتمل وجوها ثلاثة :

أحدها : على حقيقة الإخراج من البلد إلى غيره من البلدان والأرضين.

ويحتمل الإخراج : الحبس (لَنُخْرِجَنَّكُمْ) ؛ أي : لنحبسنكم عن [الانتفاع بالبلد](٢) وبأهله وبما فيه ، ويحتمل الإخراج : القتل ؛ أي : نقتلنكم ؛ وقد كان أهل الكفر يوعدون ويخوفون الرسل وأتباعهم بهذه الثلاثة ؛ كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : الانتفاع بها بالبلد.

٣٧٣

[الأنفال : ٣٠] ونحوه.

ثم في وعيدهم الذي أوعدوا الرسل وجوها ثلاثة حيث تجاسروا إقبال الرسل بمثل هذا الوعيد ومع الرسل آيات وحجج :

أحدها : أنهم رأوا أنفسهم مسلّطين على أولئك ؛ قاهرين عليهم ، وكانوا أهل كبر وتجبر ؛ ألا ترى أنه قال : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [إبراهيم : ١٥] دل هذا أنهم كانوا رأوا أنفسهم ـ كما ذكرنا ـ أهل تسليط وتجبر.

والثاني : قالوا ذلك لهم ؛ لما لم يكن عندهم ما يدفعون حجج الرسل وبراهينهم ؛ فهمّوا قتلهم وإخراجهم ؛ لعجزهم عن دفع ما ألزمهم الرسل ، وهكذا الأمر المتعارف بين الخلق : أنّ الخصم لا يقصد إهلاك خصمه ؛ ما دام له الوصول إلى الحجاج ؛ فإذا عجز عن ذلك فعند ذلك يهمّ بقتله ويقصد إهلاكه.

والثالث : جواب الرسل إياهم عند القول إليه بالقول الذي ليس فوقه أحسن منه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا).

الملة : الدين ؛ كقوله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] : «لا يتوارث أهل الملتين» (١) وقوله [تعالى] : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣] أي : دين إبراهيم.

وقوله : (لَتَعُودُنَ) ليس أنهم كانوا فيها وتركوها ؛ ولكن على ابتداء الدخول فيها على ما ذكرنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ).

وعد لهم النصر ؛ والظفر عليهم ؛ والتمكين في أرضهم مع قلة [عدد](٢) أتباع الرسل وضعف أبدانهم ؛ ومع كثرة الأعداء وقوة أبدانهم ؛ ليعلموا أنهم قالوا ذلك بوحي من الله ؛ ووعده إياهم ، لا من حيث أنفسهم ، والله أعلم. فكان على ما أخبروا ؛ فكان ذلك من آيات رسالتهم ، وما ينبغي لهم أن يطلبوا [لهم](٣) من الرسل الآيات والحجج على ما ادعوا ؛ لأنهم لم يدعوهم إلى طاعة أنفسهم أو عبادتها ؛ إنما دعوهم إلى وحدانية الله تعالى وألوهيته ، وجعل الطاعة والعبادة له دون ما عبدوها من الأصنام ، وذلك في شهادة خلقتهم ؛ وشهادة كل خلقة ؛ وإن لطف وصغر ؛ فلم يحتاجوا إلى أن يقيموا البراهين

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٥٠) كتاب الفرائض : باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ، حديث (٦٧٦٤) ، ومسلم (٣ / ١٢٣٣) كتاب الفرائض ، حديث (١ / ١٦١٤).

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

٣٧٤

والحجج على ما ادعوا ودعوهم إليه ؛ لكنهم كانوا قوما معاندين مكابرين لا يقبلون قولهم ولا يصدقونهم ؛ تعنتا منهم وتكبّرا ، لم ينظروا في خلق الله ليدركوا آثار وحدانيته وألوهيته ؛ فكلفوا إقامة الحجج والآيات ؛ لئلا يكون لهم مقال واحتجاج ، وإن لم يكن لهم الاحتجاج. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي ...) الآية.

قوله ـ تعالى ـ ذلك يحتمل وجوها ؛ لأنه قد سبق خصال ثلاث ؛ ما يحتمل رجوع هذا الحرف إلى كل واحد من ذلك.

أحدها : قوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فيحتمل قوله ذلك : المن والفضل لمن خاف مقامي وخاف وعيد. وسبق أيضا قوله : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي : ذلك الهدى والسبل التي هدانا إليها ؛ أي : ذلك الهدى والهداية لمن خاف مقامي وخاف وعيد. وسبق أيضا : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ...) الآية أي : ذلك النصر والظفر بهم والتمكين في الأرض لمن خاف [مقامي وخاف](١) وعيد.

ثم قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) قال بعضهم : خاف مقامي في الدنيا والآخرة ، وتأويله ـ والله أعلم ـ أي : خاف سلطاني ونقمتي وعذابي في الدنيا والآخرة ، أمّا في الدنيا لما نزل بمكذبي رسله وأنبيائه ، وخاف وعيده وعذابه في الآخرة حيث وعد أنه يحل بهم بالتكذيب وترك الإجابة.

وقال بعضهم : خاف مقامي في الآخرة ؛ وهو كقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦] يخاف ذلك المقام ، وخاف ما وعد من العذاب في النار.

ثم قوله : (مَقامِي) حيث أضاف إليه ، ليس في الاشتباه بأقل من قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ؛ وأقل من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) [الفجر : ٢٢] وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ ...) الآية [البقرة : ٢١٠] وأمثاله ؛ فكيف اشتبه هذا على [أهل](٢) التشبيه ؛ ولم يشتبه قوله : (مَقامِي) ؛ حيث سألوا في ذلك ؛ ولم يسألوا في هذا ؛ وهذا إن لم يكن أكثر في الاشتباه ؛ فليس بأقل ، والأصل في هذا وأمثاله ؛ من قوله : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر : ٣] (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) [الأنعام : ٦٠] (وَإِلَيْهِ مَآبِ) [الرعد : ٣٦] و (مَآبِ) [الرعد : ٣٠] ذكر هذا ؛ وإن كان الخلائق جميعا في الدارين جميعا ـ يكون مصيرهم ومرجعهم إليه ؛ لأنه ـ جل وعلا ـ لم يخلقهم للمقام في الدنيا (٣) والدوام فيها ؛

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : الدارين.

٣٧٥

إنما خلقهم للزوال عنها والفناء ، والمقام في الآخرة والدوام فيها ؛ لكن خلقهم في هذه الدنيا ـ ليمتحنهم ويبتلون فيها ؛ ثم يصيرون إلى دار المقام ، فالآخرة هي المقصودة في خلقهم في الدنيا ؛ لا الدنيا ؛ فإذا كان كذلك أضاف المصير إلى نفسه ، لما هو المقصود في خلقهم ؛ وإن كانوا في الدنيا والآخرة صائرين إليه ، غير غائبين عنه طرفة عين ؛ ولا فائتين ، وبالله النجاة.

ذكر الله ـ عزوجل ـ أنباء الرسل الماضية وأتباعهم ؛ وأنباء أعدائهم ؛ وما عامل بعضهم بعضا ، وما نزل بالأعداء ـ بما عاملوا رسلهم ـ من العذاب والاستئصال وأنواع البلايا ، وما أكرم رسله وأتباعهم وأولياءهم من النصر على أعدائهم ؛ والظفر بهم ، والتمكين في الأرض ، وجعل ذلك كله كتابا بالحكمة ؛ يتلى ليعلم ؛ [أن كيف](١) يعامل الأعداء والأولياء ؛ وليرغب فيما استوجب الأولياء من الكرامات وليحذروا عن مثل صنيع الأعداء ؛ وليعلموا أن كيف عامل الله رسله وأولياءه ، وكيف عامل الرسل ربّهم ، أضاف الرسل جميع ما نالوا (٢) من الخيرات والكرامات إلى الله ؛ كأن لا صنع لهم في ذلك ؛ حيث قالوا : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، ذكر قوله : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ليعلم أن الخير ليس يكون بالجوهر ؛ ولكن بفضل من الله تعالى وبرحمته ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) وأمثاله ، أضافوا ذلك إليه ؛ كأنهم لا صنع لهم في ذلك.

وذكر الله ـ عزوجل ـ ما أكرم أولياءه ورسله ؛ من النصر والتمكين والإنزال في الديار ، كأنهم استوجبوا ذلك بفعل كان منهم ؛ وهو قوله : (ذلِكَ) أي : ذلك النصر والتمكين ، وما ذكرنا من الوجوه (لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ) ذكر أنهم (٣) استوجبوا ذلك ، لا أن كان ، (ذلِكَ) من الله بحق إفضاله وامتنانه ؛ ليعلموا معاملة الله رسله وأولياءه ، ومعاملة الرسل والأولياء لسيدهم ومولاهم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَفْتَحُوا).

يحتمل وجهين :

أحدهما : الاستنصار ؛ استنصروا الله على أعدائهم ؛ كقوله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٨٩] أي : يستنصرون.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : تأتونا.

(٣) في ب : كأنهم.

٣٧٦

والثاني : (وَاسْتَفْتَحُوا) أي : تحاكموا إلى الله في النصر للأحق منهم ؛ والأقرب إلى الحق ؛ كقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا ...) الآية [الأعراف : ٨٩] وهو التحاكم إليه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

هو ما ذكرنا : تحاكموا إلى الله ؛ فنصر أولياءه ، وأهلك أعداءه ، على ما ذكر أن أبا جهل قال : اللهم دينك القويم (١) وأياديك الحسنة ، أيّنا كان أحبّ إليك وأقرب إلى الحق ـ فانصره ؛ فنصر المؤمنين وأهلك الأعداء.

وقوله : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي : تجبر على رسله وأوليائه ، والعنيد : قيل (٢) : المعرض المجانب عن الحق والطاعة.

وقال بعضهم : الجبار : القاتل على الغضب والضارب على الغضب ؛ وهو ما ذكرنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي : من وراء عذاب الدنيا لهم عذاب جهنم.

[و](٣) قوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) : الوراء : قد يستعمل في أمام وخلف ؛ أي : من أمام ما حلّ بهم جهنم ، ويحتمل : وراء ما أصابهم ؛ ما ذكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ).

أى : يسقى في جهنم صديدا مكان ما يسقون في الدنيا ؛ وهو الذي يسيل من القروح [والجروح](٤) ، جعل الله للكافرين (٥) في الآخرة مكانا بما كان لهم في الدنيا ؛ لباسا وشرابا وطعاما ؛ ما كانت تكرهه أنفسهم ، جعل مكان ما يسقون في الدنيا من الماء ـ في النار : الصديد والغسلين والحميم ، ومكان الطعام في الدنيا ـ في النار : الزقوم والضريع ، ومكان اللباس : القطران ونحوه ، ومكان القرين والصديق في الدنيا : يجعل قرينه الشيطان ، كقوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] إذ ذلك كله يمنعهم عن دين الله ؛ ويصدهم عن ذكره ، ليكون جزاؤهم من نوع ما كان يمنعهم في الدنيا عن طاعته.

ثم قال بعضهم (٦) : إن الصديد الذي يسقون : هو أن النار تجرحهم وتقرحهم ؛ فيسيل ـ من ذلك ـ الصديد ؛ فيسقون من ذلك.

__________________

(١) في أ : القديم.

(٢) قاله إبراهيم ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٦١٩ ، ٢٠٦٢٠) ، وعن قتادة (٢٠٦٢١ ، ٢٠٦٢٢ ، ٢٠٦٢٣) وابن زيد (٢٠٦٢٤ ، ٢٠٦٢٥) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ١٣٧).

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : للكافر.

(٦) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٠٦٢٩ ، ٢٠٦٣٠) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٣٨).

٣٧٧

وقال بعضهم : لا ؛ ولكن يجعل شرابهم فيها صديدا ؛ كشراب أهل الجنة وطعامهم من غير أصل.

وقوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ويحتمل : يسقى من ماء في ظنهم ماء ؛ وهو في الحقيقة صديد. ويحتمل أن يكون في الحقيقة والظاهر صديدا ؛ لكن يشربون ؛ رجاء أن يدفع عطشهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَتَجَرَّعُهُ).

قال أبو عوسجة : التجرع : ما يشربه مكرها عليه.

(وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ).

يقال : أسغته : أي : أدخلته في الحلق ؛ يقال : أسغته [فساغ ، أي : دخل سهلا من غير أن يؤذيه ، وكذلك قيل في قوله : (سائِغٌ شَرابُهُ) [فاطر : ١٢] أي : سهل في الحلق](١) وساغ في حلقه ؛ إذا دخل دخولا سهلا لا يؤذيه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ).

قال قائلون : يأتيهم الغمّ والهم من كل مكان ، وكذلك المتعارف في الخلق : إذا اشتد بهم الغم والهم والشدة ، يقال : كأنك ميت ؛ أو تموت غمّا.

وقال بعضهم : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) أي : أسباب الموت ؛ ما لو كان من قضائه الموت فيها ـ لماتوا ؛ لشدة ما يحل بهم ، ولكن قضاؤه ؛ ألا يموتون فيها (٢).

(وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) موت حقيقة يستريح من العذاب.

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٢) واعلم أن الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة :

فمنها : ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات ، كقوله تعالى : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)[الحديد : ١٧].

ومنها : زوال القوة العاقلة ، وهي الجهالة ، كقوله تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)[الأنعام : ١٢٢] ، (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)[النمل : ٨٠].

ومنها : الحزن والخوف المكدران للحياة ، كقوله تعالى (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)[إبراهيم : ١٧].

ومنها النوم ، كقوله تعالى ـ عزوجل ـ : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)[الزمر : ٤٢].

وقد قيل : النوم : الموت الخفيف ، والموت : النوم الثقيل ، وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل ، والسؤال ، والهرم ، والمعصية ، وغير ذلك ، ومنه الحديث : «أول من مات إبليس ؛ لأنه أول من عصى».

وحديث موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين قال له ربه : «أما تعلم أن من أفقرته فقد أمته؟».

ينظر : اللباب (١١ / ٣٦٠).

٣٧٨

وقوله : (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) قال بعضهم : من كل ناحية من فوق ؛ ومن تحت ؛ [ومن خلف](١) ومن قدام ؛ كقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦] وقال : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١] أخبر أن النار تأتيهم وتأخذهم من كل جانب ومن كل جهة.

ويحتمل (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : أي : ومن كل سبب من تلك الأسباب التي تأتيهم ؛ ما لو كان قضاؤه الموت ـ لماتوا بكل سبب من تلك الأسباب.

وقال بعضهم : أي : ليس من موضع من جسده ومن سائر جوارحه ـ إلا الموت يأتيه منها ؛ من شدة ما يحل بهم ؛ حتى يجدوا طعم الموت وكربه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ وَرائِهِ) أي : ومن وراء ذلك العذاب ـ عذاب غليظ لا ينقطع ولا يفتر ، وصفه بالغلظ والشدة ؛ لدوامه والإياس عن انقطاعه. والله أعلم.

قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)(١٨)

وقوله ـ عزوجل ـ : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) هو ـ والله أعلم ـ : على التقديم [والتأخير](٢) ؛ أي : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد اشتدت به الريح.

ثم تحتمل (أَعْمالُهُمْ) : الأعمال التي كانت لهم في حال إيمانهم ، ثم كفروا ، بما (٣) أحدثوا من الكفر ؛ أبطل ذلك الأعمال الصالحة في الإيمان ؛ وهو ما ذكر : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة : ٥].

أو يكون محاسنهم التي كانت لهم في حال الكفر ؛ طمعوا أن ينتفعوا بتلك المحاسن في الآخرة ؛ فما انتفعوا بها ؛ فصارت كالرماد الذي تذروه الريح الشديدة ؛ لم ينتفع صاحب ذلك الرماد به بعد ما عملت به الريح ما عملت ؛ فعلى ذلك : الأعمال الصالحة التي عملوها في حال كفرهم ، أو أعمالهم الصالحة التي كانت لهم في حال الإيمان ؛ ثم أحدثوا الكفر ـ لا ينتفعون بها.

وقال في آية أخرى : (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) [النور : ٣٩] فيشبه أن يكون هذا في أعمالهم السيئة في أنفسها فرأوها صالحة حسنة ؛ كقوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] فشبه ما كان في نفسه سببا بالسراب ؛ لأنه لا شيء هنالك ؛ إنما يرى

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : ما.

٣٧٩

خيالا ، فعلى ذلك : أعمالهم السيئة في أنفسها فرأوها حسنة صالحة ، وما كان وما شبه بالرماد ـ فهى أعمالهم الصالحة في أنفسها ؛ لكن الكفر أبطلها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ).

[اليوم لا يكون عاصفا ؛ ولكن على الإضمار ؛ كأنه قال : في يوم فيه ريح عاصف](١) كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [غافر : ٦١] النهار لا يبصر ولكن يبصر فيه أو يبصر به.

والعاصف : قيل : هو القاصف الكاسر الذي يكسر الأشياء. أو يكون قوله : (اشْتَدَّتْ بِهِ) ، والعاصف والقاصف ـ حرفان يؤديان جميعا معنى واحد.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) كالرماد الذي ذكرنا أن صاحبه لا يقدر به بعد ما عملت به الريح وذرته. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).

يحتمل : ذلك الكفر هو الضلال البعيد ؛ لا نجاة فيه أبدا.

أو ذلك [الكفر](٢) الذي أتوا به بعيد عن الحق والله أعلم.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ)(٢٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).

(أَلَمْ تَرَ) حرف تنبيه عن عجيب بلغه وعلم به غفل عنه ، أو نقول : حرف تنبيه عن عجيب لم يبلغه بعد ولم يعلم به. على هذين الوجهين يشبه أن يكون والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).

قال عامة أهل التأويل : بالحق أي : للحق ، وتأويل قولهم ـ والله أعلم ـ : للحق : أي : للكائن (٣) لا محالة ؛ وهي الآخرة (٤) ؛ لأنه خلق العالم الأول للعالم الثاني ؛ والمقصود في [خلق](٥) هذا العالم هو العالم الثاني ؛ فكان خلقهما للثاني لا للأول [لأنه لو كان للأول](٦)

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : للكافرين.

(٤) ثبت في حاشية ب : لقائل أن يقول : ما معنى خلقهما للآخرة ، وهما لا يبقيان ، بل يفنيان ويبدلان كما أخبر جل وعلا ، اللهم إلا أن يكون على حذف مضاف ، أي : خالق ما فيهما ؛ بدليل ما استشهد به من قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ...) الآية. فالذى فيهما من بنى آدم يجرى فيه التأويل الذي ذكره ، والله أعلم. كاتبه.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

٣٨٠