تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

اعتداء ، والمكر هو ما ذكرنا أنه الأخذ من حيث الأمن ، من حيث لا يشعرون به.

وقال أبو عوسجة : المحال عندى من المكر.

وقال أبو عوسجة : المعقبات الحفظة الذين يحفظونه بأمر الله ، ويقال عقبته أي : حفظته ، وأما قوله (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد : ٤١] أي : لا رادّ لحكمه قال ويقال في غير هذا أعقب فلان فلانا ، أي : ذهب هو وجاء هو ، ويقال : عقبت أي : رجعت ، ومأخذهما من العقب ، ويقال : رجع على عقبيه ، أي : من حيث جاء.

وقال القتبي (١) : معقبات : ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار إذا مضى فريق خلف بعده فريق آخر يحفظونه من أمر الله ، أي : بأمر الله.

وقوله : (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) [الرعد : ١١] أي : ولى ، مثل قادر وقدير ، وحافظ وحفيظ وذلك جائز في اللغة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) يحتمل وجهين :

يحتمل أي : له عبادة الحق ، وليس لمن دونه عبادة الحق ، أي : هو المستحق للعبادة ليس ممن يعبد دونه بالذى يستحق العبادة وعبادة الحق [له](٢) ليس لمن دونه.

والثاني : له دعوة الحق ؛ أي : له إجابة دعوة الحق ليس يملك من دونه إجابة من دعا بالحق.

فعلى التأويل الأول الدعوة : العبادة ، وعلى الثاني الدعوة : الإجابة ، أي : له إجابة دعوة من دعا بالحق والله أعلم هو يملك إجابة دعوة الخلق ، فأما من عبد دونه ودعي دونه لا يملك ذلك ، يدل على ذلك قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) أي : والذين يدعون من دونه لا يملكون الإجابة ، أو لا يملكون ما يأملون من عبادتهم الأصنام فيكون مثله ما ذكر (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) وهو (٣) ضرب مثل من يدعو من دون الله كباسط (٤) كفيه إلى الماء هو ـ والله أعلم ـ ليس من يدعو من دون الله إلا كباسط كفيه إلى الماء فيدعو الماء ، فكما (٥) لا يجيبه الماء وإن دعاه فعلى ذلك من يدعو الأصنام لا يملكون إجابته ، والله أعلم بذلك ، أو أن يكون وجه ضرب هذا المثل أن من عبد دون الله أو دعا من دونه ليس إلا كباسط كفيه إلى الماء وهو على بعد من

__________________

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢٥).

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : وجه.

(٤) في ب : بباسط.

(٥) في ب : فكذا.

٣٢١

الماء ، فكما لا يصل هو إلى الماء ، لا يصل من عبد دون الله إلى ما يأمل ويطمع ، أو يحتمل من وجه آخر ، وهو أن الماء يغترف (١) إذا قبض الكف ، ولا سبيل إلى الاغتراف إذا بسطت ، فعلى ذلك من عبد دون الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي : دعاؤهم وعبادتهم لا يعقب لهم إلا الخسار في الآخرة حاصله : يضل ذلك كله عنهم لا يصلون إلى ما يأملون بالدعاء والعبادة ، كقوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ٢٤].

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) يحتمل قوله : (يَسْجُدُ) على حقيقة السجود يسجد له المؤمن والكافر جميعا أما المؤمن فإنه يسجد له بالاختيار والطوع.

ويحتمل ما ذكر من السجود وجوها :

أحدها : حقيقة السجود فإن كان هذا فهو في الممتحنين خاصة.

والثاني : سجود الخلقة فإن كان على هذا فهو في جميع الخلائق جعل الله في خلقة كل شيء دلالة وحدانيته وآية ألوهيته وربوبيته.

والثالث : سجود الأحوال ، فهو في المؤمن والكافر جميعا أما المؤمن فهو يسجد له في كل حال وأما الكافر فإنه يسجد له ويخضع في حال الشدة والضيق ولا يسجد له في حال السعة والرخاء ويشبه أن يكون الكافر يكون سجوده لله اختيارا وطوعا حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] إنهم ؛ وإن عبدوا الأصنام ؛ فيرون السجود والعبادة لله ، لكنه لم يقبل ذلك منهم ؛ لإشراكهم غيره في ذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).

أي : يسجد ظلالهم بالغدو والآصال ، ينتقل ظل كل أحد بانتقال نفسه ؛ ينتقل حيث تنتقل نفسه ؛ فذكر الغدو والآصال ؛ لأنه بالغدو والعشي يظهر الظل.

ويحتمل السجود : أنه يسجد له ؛ أي : يخضع له من في السموات والأرض طوعا وكرها ؛ فإن كان على الخضوع ؛ فهو في الخلائق كلهم ؛ في البشر وغير البشر ؛ وذي الروح وغير ذي الروح.

(وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي : ظلالهم تخضع له أيضا بالغدو والآصال.

__________________

(١) في أ : يفترق.

٣٢٢

ويحتمل : أن يكون المراد من السجود سجود الخلقة : فيسجد له خلقة كل أحد. فإن قيل : ما معنى الغدوّ والآصال؟ قيل : يحتمل : أبدا دائما : ليس على مراد (١) الوقت ؛ ولكن على الأوقات كلها.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ)(١٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ).

أمره أن يسألهم : من رب السموات والأرض؟ ثم أمره أن يجيب هو لهم ؛ فيقول الله وهو في الظاهر دعوى ، أكثر ما في هذه الآية دعوى ، وبعضه حجاج ، وهو قوله : (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، وقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) لأنهم يقرون بهذا ؛ لا يخلقون كخلقه ؛ ولا يملكون دفع الضر ؛ ولا جرّ النفع.

وقوله : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

(قُلْ) إنما أمره أن يسألهم من رب السموات والأرض ، ولم يقل من ربكم فإنما [أمره أن يسألهم](٢) ما لا يتجاسرون أن يقولوا الأصنام التي يعبدونها هي أرباب السموات والأرض فلا بد أن يقروا الله رب السموات والأرض ، فإذا أقروا بهذا أنه رب السموات والأرض قد دخل ما في السموات والأرض في ربوبيته ، إذ السموات والأرض ، إنما خلقهما لأهلهما ؛ فإذا كان ربّ السموات والأرض ـ كان ربّ ما فيهما.

وقال بعضهم : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) أمره أن يسألهم ثم يسبقهم بالإجابة ؛ لأنه هو السابق بكل خير ، وهم يجيبون له أنه رب السموات والأرض.

دليله : حرف أبي وابن مسعود وحفصة ؛ حيث قرءوا من رب السماوات والأرض قالوا الله يدل إنه أمره أن يسبقهم بالإجابة ، كما كان هو السابق على كل خير.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ).

يقول ـ والله أعلم ـ إذا أقررتم أن رب السموات والأرض هو الله ؛ وهو الإله ؛ فكيف

__________________

(١) في أ : المراد.

(٢) سقط في ب.

٣٢٣

اتخذتم من دونه هذه الأصنام آلهة أربابا وعبدتموها (١) أو كيف جعلتم من ليس هو رب السموات والأرض ـ أولى ممن (٢) أقررتم بالعبادة له أنه ربهما؟ والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) إذ لا يملكون نفعا لأنفسهم ، ولا دفع الضر عنها ؛ فكيف يملكون نفع غيره أو دفع ضرّ عن غيره؟ فعرفهم أنهم (٣) لا يملكون ذلك ؛ وأن الله هو المالك ؛ فكيف تركتم عبادة من يملك ذلك ؛ وعبدتم من لا يملك؟.

فيخرج تأويله على وجهين :

أحدهما : يقول : لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا ، فكيف اتخذتم دون الله آلهة؟.

والثاني : لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا مع وجود الحاجة فيها ؛ فكيف تعبدون على رجاء النفع لكم بقولكم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].

وقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).

أي : تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها أنها عمي لا تبصر شيئا ؛ والله هو البصير ؛ فكيف تركتم عبادة من يبصر ؛ وعبدتم من لا يبصر؟ هل يستوى ذلك؟ أي : لا يستوي.

أو يقول [لهم](٤) : إنكم بعبادتكم الأصنام طمعتم شفاعتهم عند الله ؛ وهم عمي وأنتم بصراء ؛ فهل رأيتم أعمى يقود بصيرا في الشاهد؟ أو هل رأيتم من لا يبصر يكون دليلا لبصير؟ فإذا لم تروا ذلك ؛ فكيف طمعتم من الأصنام ذلك.

وقال أهل التأويل : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) : الأعمى : الكافر ، والبصير : المؤمن.

(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ).

الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان. ووجه قولهم ؛ حيث شبهوا (٥) الكفر بالظلمة ، والإيمان بالنور ؛ لأن الظلمة تحجب وتستر كل شيء ، والنور يرفع ذلك الحجاب وذلك الستر ؛ فالإيمان له دلائل وحجج ؛ ترفع تلك الحجب والستر ؛ فينور له كل شىء. والكفر ليس له حجج ودلائل ترفع ذلك ؛ فهو ظلمة لم يضئ له شيئا ، والإيمان نور ؛ حيث أضاء له ، ونور كل شيء له بالدلائل والحجج التي ذكرنا. فصار الكافر كالأعمى لا يبصر شيئا ؛

__________________

(١) في أ : وعهدتموها.

(٢) في أ : من.

(٣) في أ : أنه.

(٤) سقط في ب.

(٥) في أ : شهدا.

٣٢٤

لأنه في الظلمة ، والمؤمن كالبصير ؛ لأن معه الدلائل والحجج.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ).

أي : بل جعلوا لله شركاء في العبادة ؛ بعد ما علموا أنهم لا يملكون لهم نفعا إن عبدوها ولا ضرّا إن تركوا العبادة لها.

وقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ).

أي : خلق هؤلاء الأصنام ؛ التي عبدوها وأشركوها في ألوهيته ؛ كخلق الله ؛ فتشابه عليهم خلقه من خلق الأصنام ؛ أي : عرفوا أنها لم تخلق شيئا كما خلق الله ؛ فكيف أشركوا هذه الأصنام في عبادة الله وألوهيته ؛ وهم كأنهم قد أقروا أن الله هو خالق كل شيء؟

وهذا ينقض على المعتزلة قولهم ؛ حيث قالوا : إن الله لم يخلق أفعال العباد (١) ولا يقدر على خلقها ؛ فإذا كان الله لم يخلقها ؛ فهم خلقوها ـ على زعمهم ـ فيكون موضع تشابه الخلق عليهم ـ على قولهم ـ فيدل على بطلان قولهم وفساد مذهبهم. والله الموفق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) في السموات والأرض (وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ).

أي : كل شيء دونه تحت قدرته وقهره وسلطانه ، والأصنام التي تعبدونها مقهورة مغلوبة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ...) إلى آخر ما ذكر من الأمثال ؛ إلى قوله (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).

قال بعض أهل التأويل : هذا مثل ضربه الله لليقين والشك ؛ فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها : فأمّا الشك فلا ينفع منه عمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله ، وهو قوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) [وهو الشك](٢) ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) وهو اليقين ، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبيثه في النار ؛ كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك ؛ وهو قول ابن عباس رضي الله عنه (٣).

__________________

(١) في أ : الخلق.

(٢) سقط في ب.

(٣) أخرجه ابن جرير (٢٠٣١٠ ، ٢٠٣١١) وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٠٣).

٣٢٥

وقال قتادة : قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) الصغير بصغره والكبير بكبره.

(فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) يقول : رابيا (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) والجفاء : ما يتعلق بالشجر من الزبد ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ؛ فضرب المثل للحق والباطل.

يقول ـ والله أعلم ـ كما اضمحل هذا الزبد ؛ الذي ظهر فوق الماء ؛ فصار جفاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته ، كذلك يضمحل الباطل عن أهله ؛ كما اضمحل هذا الزبد ؛ وكما مكث هذا الماء في الأرض ، وقر قرارها فأمرعت ورجيت بركته كذلك ، وأخرجت له نباتها ؛ كذلك يبقى الحق لأهله ؛ كما بقي هذا الماء في الأرض.

(وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) يقول : يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار ؛ وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله.

(أَوْ مَتاعٍ) يعني هذا الحديد والصفر (١) الذي ينتفع به ؛ وفيه منافع ، يقول : كما بقي خالص هذا الحديد وهذا الصفر ؛ حين أدخل النار وذهب خبثه ؛ كذلك يبقى الحق لأهله كما (٢) بقي خالصهما.

وقال الكلبي : قوله : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو القرآن ؛ فاحتمله القلوب بأهوائها ؛ ذو (٣) اليقين على قدر يقينه ، وذو الشك على قدر شكه ؛ فاحتملت الأهواء باطلا كثيرا وجفاء : فالماء هو الحق ، والأودية هي القلوب ، والسيل الأهواء ، والزبد الباطل ، والحق المتاع والحلية.

قال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فالزبد وخبث الحديد وخبث المتاع : هو الباطل ؛ من أصاب من هذا شيئا لم ينتفع به ، فكذلك الباطل يوم القيامة لا ينتفع بباطله. وأمّا الحلية والماء والمتاع : فهو الحق ؛ من أصاب شيئا منه انتفع به ، وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينتفع بالحق. أما الحلية : فالذهب والفضة ، وأما المتاع : فالصفر والحديد والرصاص والنحاس ، ونحوه ، ليس شيء من هذا ينتفع به حتى يدخل النار ؛ فيميز صفوه من خبثه.

وقال الحسين بن واقد : وهو قول مقاتل ؛ ضرب الله مثل الكفر والإيمان ؛ ومثل الحق

__________________

(١) في أ : والصهر.

(٢) في أ : ما.

(٣) في أ : دون.

٣٢٦

والباطل ، فقال : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) ، سال الوادي الكبير على قدر كبره ؛ والصغير على قدر صغره ؛ فاحتمل السيل زبدا رابيا أي : عاليا ، ثم قال : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) ؛ الذهب والفضة ، ثم قال : (أو متاع) الشّبه والحديد والصفر والرصاص ، (زبد مثله) : أي : للسيل زبد مثله لا ينتفع به ؛ [والماء ينتفع به](١) ، وللحلي والمتاع أيضا زبد مثل زبد السيل ؛ إذا أدخل النار ؛ وهو خبثه لا ينتفع به والحلى والمتاع ما خلص منهما ينتفع به فمثل الأودية مثل القلوب ومثل السيل مثل الأهواء ومثل الماء والحلي والمتاع الذي ينتفع به مثل [الحق ، ومثل زبد الماء وخبث الحلي والمتاع الذي لا ينتفع به مثل](٢) الباطل فكما ينتفع بالماء وما خلص من الحلي والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا ؛ فكذلك الحق ينفع أهله في الآخرة ؛ وكما لا ينفع الزبد ؛ وخبث الحلي ؛ وخبث المتاع أهله في الدنيا ؛ فكذلك الباطل لا ينفع أهله في الآخرة (كَذلِكَ) أي : هكذا يضرب الله الأمثال ، أي : يبين الله ما ذكر من مثل الحق والباطل ، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) قال : يعني يابسا ؛ فلا ينتفع به ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء ؛ (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فيسقون ويزرعون عليه وينتفعون به.

فهذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد ؛ يقول : هكذا يبين الله الأمثال والأشباه (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) أي : أجابوا (لِرَبِّهِمُ) في الدنيا ؛ بالإيمان والتوحيد (الْحُسْنى) لهم ؛ وهي الجنة في الآخرة.

ضرب الله مثل الإيمان والحق ؛ ووصفهما بالثبات والقرار والطيب ؛ بالأرض الطيبة مرة ؛ وشجرة طيبة ثانيا ، وضرب مثل الكفر والباطل ؛ بالأرض الخبيثة ؛ والشجرة الخبيثة ، ووصفهما بالخبث والذهاب ؛ فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ...) [إبراهيم : ٢٤ ، ٢٥] وقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) [إبراهيم : ٢٦] وقال : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...) الآية [الأعراف : ٥٨] وضرب مثل المؤمن مرة بالبصير والسميع ، ومثل الكافر بالأعمى والأصم ؛ فقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) [هود : ٢٤] وضرب مثل الكفر ؛ مرة بالظلمات ؛ ومرة بالرماد والموت ، ومثل الإيمان بالنور والضياء والحياة ؛ ونحوه.

فهذه الأمثال التي ضرب الله ـ عزوجل ـ تخرج كلها مخرج الدعوى في الظاهر ؛ إذ

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

٣٢٧

ليس فيها بيان الحق منها ؛ وبيان المحق من غير المحق ؛ سوى أن فيها : هل يستوي ذا مع ذا؟ لا يستوى على ما ذكر ، وهل يستوي الطيب والخبيث ؛ أو البصير والسميع [أو](١) الأصم والأعمى ؛ أو الميت [و](٢) الحي ؛ أو الظلمات والنور؟ وأمثاله ، هذا كله غير مستو. وكل أهل الأديان وإن ـ اختلفت مذاهبهم ـ يقول كل : أنا الذي عليه هو الحق ؛ والباطل هو الذي عليه غيري ، وينفى كل عن نفسه العمى والصمم (٣) ؛ وكونه في ظلمة ؛ ويدعي كونه في النور ؛ ونحوه. فليس في نفس الأمثال التي ضربت بيان الحق من الباطل والمحق من غيره ؛ فذلك يعرف بغيرها بالدلائل والحجج والبراهين ؛ وهو ما ذكر (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ...) الآية [العنكبوت : ٤٣] فبالدلائل والحجج والبراهين يعرف الحق من الباطل والمحق من غير المحق ؛ فللإيمان والحق دلائل وحجج يعرف ذوو العقول ـ بالعقول ـ حسنه وطيبه ، وما يعقب من ثمرته ، ويبين قبح الكفر والباطل لذوى العقول بالعقول ، واستخباثهم الباطل ؛ وما يعقبه (٤) لأهله من الخبث والقبح والشرّ.

وقال القتبي (٥) : (زَبَداً رابِياً) أي : عاليا على الماء (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أي : حلي أو متاع آنية يعنى من فلزّ الأرض وجواهرها ؛ مثل الرصاص والحديد ؛ ونحوه ، والذهب والفضة ؛ حيث تعلوها ـ إذا أذيبت ـ مثل زبد الماء. والجفاء ما رمى به الوادي إلى جنباته ؛ يقال : أجفأت القدر بزبدها : إذا ألقت زبدها عنها.

وقال أبو عوسجة : (رابِياً) : أي : مرتفعا فوق ظهر الماء ؛ وهو واحد ، ويقال : زبد الماء : إذا صار له زبد (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) هو من الحلي ؛ من الذهب والفضة ؛ مما يتحلى به ؛ (فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي : باطلا لا ينتفع به ، وأما الجفاء : فهو إظهار التهاون بالإنسان ؛ وقلة الاكتراث له ؛ والاستخفاف به. وقال : الجفاء هو الغثاء ، ويقال : قد أجفأ (٦) الوادي : إذا علاه ذلك ثم جرى به الماء.

قال أبو عوسجة : والغثاء ـ عندي ـ : ما حمله السيل ؛ من العيدان والبعر ؛ وما يشبه ذلك.

وقال القتبي (٧) : قوله : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) [الأعلى : ٥] أي : يبسا.

قال أبو عبيد (٨) : الجفاء الجمود ، ويذهب إلى أن الزبد يجمد ويجتمع على الماء ، ثم

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : الصم.

(٤) في أ : يعقب.

(٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٢٧).

(٦) في أ : انجفا.

(٧) ينظر : تفسير غرايب القرآن (٥٢٤).

(٨) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٢٩).

٣٢٨

يذهب بمائها.

وقال الفراء يذهب جفاء : أي : يذهب سريعا كما جاء.

وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : ويشبه أن يكون المثل الذي ضرب بالماء هو للدين وهو أن الدين الحق الذي أنزل من السماء واحد ؛ لكن الناس اتخذوا أديانا متفرقة ، ومذاهب (١) مختلفة ؛ كقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) [الأنعام : ١٥٣] فالدين الذي أمر بسلوكه واتباعه واحد ؛ وهو كالماء الذي أنزل من السماء واحد صاف ؛ وهو الأصل ؛ فحذف (٢) منه أشياء لا يعبأ به ولا يكترث ؛ فعلى ذلك السبل. أو أن يكون وجه ضرب مثله بالماء ؛ وهو أن الماء إذا أنزل من السماء أنزل [طيبا عذبا](٣) ، لكن اختلف ألوانه وطعومه باختلاف جواهر الأرض ؛ بعضه خرج مالحا أجاجا ، وبعضه مرّا لا ينتفع به ؛ وبعضه عذب ، وذلك على اختلاف جواهر الأرض ، وإلا كان المنزّل من السماء كله عذب طيب ؛ فالذي ينتفع به واحد ؛ وهو العذب. فعلى ذلك الدين الذي ينتفع به ـ واحد ؛ والبواقي لا ينتفع بها كالمياه المرة والمالحة ، أو يكون غير هذا ؛ ونحن لا نعرفه والله أعلم.

قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٢٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) أي : أجابوا ربهم فيما دعاهم إليه ، وإنما دعاهم إلى السبب الذي يوجب لهم دار السلام وهي الجنة بقوله : [(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس : ٢٥] دعاهم إلى دار السلام ومكن لهم من الإجابة له والرد ، فمن أجابه فيما دعاه كان له دار السلام](٤) ، والحسنى الذي ذكر ،

__________________

(١) في ب : ومذاهبنا.

(٢) في أ : فحدث.

(٣) في ب : عذبا طيبا.

(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.

٣٢٩

ومن رد دعاءه كان له النار ودار الهوان ؛ فأيهما اختار ، فله الموعود الذي وعد ؛ إن اختار إجابته إلى ما دعاه ؛ فله النعيم الدائم الذي وعد ودار السلام ؛ وإن اختار الرد وترك الإجابة ، فله ما وعد من العذاب الدائم والهوان.

والأمثال التي ذكر أنها (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) هو هكذا للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، وكذلك ما ذكر من القرآن أنه هدى ورحمة للمؤمنين ، وأمّا على أهل الكفر ؛ فهو عمى وضلال. وكذلك قوله : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١٤] وأمّا قلوب الكفرة فما ذكر : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] و (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠] وأمثاله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ).

أي : ضعفه معه ؛ لافتدوا به ، يذكر هذا ـ والله أعلم ـ أن الذي (١) كان يمنعهم عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه ـ رغبتهم في هذه الدنيا ؛ وميلهم إليها ؛ يتمنون ـ لما يحل فيهم من العذاب والشدائد ـ أن يكون لهم ما في الأرض جميعا أن يفتدوا به.

(أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ).

أي : يحاسبون حسابا يسوءهم ؛ لأن حسناتهم التي عملوها وطمعوا الانتفاع بها ـ لم تنفعهم بل صارت كالسراب الذي ذكر : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ولم يتجاوز عن سيئاتهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : الذي يأوون إليه ؛ هو جهنم وبئس المهاد ؛ لما يسوءهم ذلك والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) أي : من يعلم الحق حقّا كمن هو يعمى عنه ولا يعلم؟ أو من يعلم الحقّ أنه حق ؛ كمن يعلمه باطلا؟ ليسا بسواء ؛ كقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩].

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).

[أي](٢) إنما يتذكر ـ بالتذكير أولو الألباب وذوو العقول ؛ الذين ينتفعون بعقولهم ولبّهم.

ثم بين من هم فقال : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ).

يحتمل عهد الله عهد خلقه ؛ يوفون بما في خلقتهم [من العهد](٣) ؛ إذ في خلقة كل أحد ـ دلالة وحدانيته ، وشهادة ألوهيته ؛ فوفوا ذلك العهد.

__________________

(١) في أ : الذين.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في ب.

٣٣٠

ويحتمل : عهد الله ما جرى على ألسن الرسل ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ؛ وهو ما ذكر في آية أخرى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ...) الآية [آل عمران : ٨١] (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية [آل عمران : ١٨٧].

(وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ).

العهد والميثاق واحد ، وسمي العهد ميثاقا ؛ لأنه يوثق المرء ، ويمنعه عن الاشتغال بغيره. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الصلات التي أمر الله بها أن توصل على جهات ومراتب : أما ما بينه وبين المؤمنين : ألّا يحب لهم إلا ما يحب ولا يصحبهم إلا بما يحب هو أن يصحب ، وأما فيما بينه وبين محارمه : أن يؤوى ويحفظ الحقوق التي جعل الله لبعضهم (١) على بعض ؛ ولا يضيعها. وأما فيما بينه وبين الرسل : فهو أن من حقهم أن يوصل الإيمان بالنبيين جميعا ؛ والكتب كلها.

هذا والله أعلم الصلة التي أمر الله أن يوصل بها.

(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إما في التقصير فيما أمر أن يوصل ، وإما بالتفريط في ذلك ، وترك الصلة.

(وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ).

أي : شدة الحساب ؛ حين لم تنفعهم حسناتهم ؛ ولا يتجاوز عن شيء من سيئاتهم ؛ فذلك يسوءهم. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر : هو كف النفس وحبسها عما تهواه ؛ على ما تكره ويثقل عليها.

ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب ، وعلى أداء ما افترض الله عليهم وأمرهم بها ، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي ، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا (٢). والله أعلم.

__________________

(١) في ب : بعضهم.

(٢) واعلم أن العبد قد يصبر لوجوه :

إما أن يصبر ليقال : ما أصبره! وما أشد قوته على تحمل النوائب!

وإما أن يصبر لئلا يعاب على الجزع.

وإما أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء ، وإما أن يصبر لعلمه أن الجزع لا فائدة فيه.

فإذا أتى بالصبر لأحد هذه الوجوه ، لم يكن داخلا في كمال النفس ، أما إذا صبر على البلاء لعلمه أن البلاء قسمة القاسم الحكيم العلام ، المنزه عن العبث والباطل ، والسفه وأن تلك القسمة مشتملة على حكمة بالغة ، ومصلحة راجحة ، ورضي بذلك ؛ لأنه لا اعتراض على ـ

٣٣١

[وقوله : (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) يحتمل وجهين. يحتمل : ابتغاء رضوان الله.

ويحتمل : ابتغاء وجه يكون لهم عند الله](١) ، وهو المنزلة والرفعة ، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة : وجيها كقوله : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [آل عمران : ٤٥] أي : ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة. وعلى ذلك يخرج قوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] أي : ثمّ الجهة التي أمر الله أن يتوجه إليها ، فعلى ذلك هذا (صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي : ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم ؛ أو ابتغاء رضوان الله ومرضاته والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ).

أي : داموا على إقامتها ؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها ؛ ولكن داموا على إقامتها ، وعلى ذلك قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [الانعام : ٧٢] أي : دوموا على إقامتها. ويحتمل قوله : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي : جعلوها قائمة أبدا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً).

يحتمل كل نفقة : الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده ، (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي : ينفق في كل وقت ؛ سرّا من الناس وعلانية منهم أي : ينفق على جهل من الناس ؛ وعلى علم منهم ؛ ينفقون على كل حال ؛ لا يمنعهم علم (٢) الناس بذلك عن الإنفاق ، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ).

أي : يدفعون بالحسنة السيئة ، ثم يحتمل وجهين :

أحدهما : يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم ؛ كقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ ...) الآية [فصلت : ٣٤]. والثاني : يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف ، ولا يكافئون بالسيئ السيئ ؛ وبالشر الشر ؛ ولكن يدفعون بالخير.

وقال بعضهم : في قوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي : إذا سفه عليهم حلموا ،

__________________

ـ المالك في تصرفه في ملكه ، فهذا هو الذي يصدق عليه أنه صبر ابتغاء وجه ربه ؛ لأنه صبر لمجرد طلب رضوان الله.

ينظر : اللباب (١١ / ٢٩٤).

(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٢) في ب : حال.

٣٣٢

والسفه سيئة ؛ والحلم (١) حسنة.

(أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).

أي : عقبى أولئك الذين صبروا ؛ على ما ذكر ؛ من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا ؛ والصبر على أداء ما أمر به وافترض عليهم ؛ والانتهاء عما (٢) نهى عنه ـ الدار التي دعاهم إليها بقوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥].

والثاني : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أي : عقبى حسناتهم دار الجنة ، وأولئك لهم عقبى هذه الدار الجنة ، أو عاقبتهم دار الجنة.

ثم نعت تلك الدار (٣) ؛ فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها).

عدن : قال أهل التأويل (٤) : عدن : هو بطان (٥) الجنة ؛ وهو وسطها ، وقال بعضهم : عدن هو الإقامة ؛ أي : جنات يقيمون فيها ؛ يقال : عدن : أي : أقام.

وقوله : ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ).

فإن قيل : كيف خص بالذكر الآباء والأزواج والذرية ؛ وهم قد دخلوا في قوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) وفي قوله : (يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) فما معنى تخصيصهم بالذكر؟

هذا يحتمل وجوها :

أحدها : أنهم أسلموا ؛ فاخترموا (٦) ؛ أي : ماتوا كما أسلموا ؛ ولم يكن لهم مما ذكر من الخيرات والحسنات ؛ فأخبر أن هؤلاء [يدخلونها ـ أيضا ـ](٧) ويلحقون بأولئك.

والثاني : لم يبلغوا الدرجة التي بلغ أولئك ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ أنه يبلغهم درجة أولئك ويلحقهم به ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) الآية [الطور : ٢١] يضم بعضهم إلى بعض في الآخرة كما كانوا في الدنيا ، يضم كل ذي قرين في الدنيا قرينه إليه في الآخرة.

وفي قوله : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) وما ذكر دلالة أن صلاح غيره وإن قرب منه لا ينفعه ؛

__________________

(١) في أ : والحكم.

(٢) في ب : الذي.

(٣) في أ : الجار.

(٤) قاله ابن مسعود ، أخرجه عبد الرزاق والفريابى وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٠٨).

(٥) في ب : بطنان.

(٦) في أ : فاحترموا.

(٧) في أ : يدخلوها.

٣٣٣

حتى يكون في نفسه صلاح ، حيث قال : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ ...) إلى آخر ما ذكر ؛ وهو ما قال لنوح : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦] دل هذا أن صلاح والده أو قريبه لا يجدي له نفعا في الآخرة والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ).

هذا يحتمل أن يكون لمقامهم ومنازلهم أبواب ؛ فيدخل عليهم من كل باب ملك.

والثاني : يحتمل أن [يكون](١) يأتي كل ملك بتحفة [غير التحفة](٢) التي أتى بها الآخر على اختلاف خيراتهم وقدر أعمالهم.

(مِنْ كُلِّ بابٍ) أي : من كل نوع من التحف. وفيه وجهان :

أحدهما : أن الملائكة يكونون خدم أهل الجنة ، وفي ذلك تفضيل [البشر](٣) عليهم.

أو أن يكون على حق المصاحبة ؛ لما أحبوا هم أهل الخير من البشر في الدنيا ؛ لخيرهم ؛ فجعل الله بينهم الرفقة ، والصحبة في الآخرة والله أعلم بذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) كقوله : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [إبراهيم : ٢٣].

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هو ما ذكرنا في قوله أولئك لهم عقبى الدار.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) العهد قد ذكرناه في غير موضع ، وكذلك النقض.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ).

كل حرف من هذه الحروف يقتضي معنى الحرف الآخر ؛ إذا نقضوا العهد ، والميثاق : قد قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ؛ وسعوا في الأرض بالفساد ، وإذا قطعوا ما أمر الله به أن يوصل : نقضوا العهد ؛ وسعوا في الأرض بالفساد ؛ إلا أن يقال : إن نقض العهد يكون بالاعتقاد ؛ وذلك يكون [بينهم وبين ربهم](٤) ، وكذلك قطع ما أمر الله به أن يوصل إذا كان الأمر الذي أمر به صلة الإيمان بالنبيين والكتب جميعا ؛ فإن كان صلة الأرحام ؛ فهو فعل ؛ والسعي في الأرض بالفساد فعل أيضا ؛ من زنا أو سرقة أو قطع الطريق ، وغير ذلك من المعاصي [ما كان ، فهو الإفساد في الأرض والله أعلم. والإفساد في الأرض يحتمل :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : منهم وبين نسائهم.

٣٣٤

منعهم الناس [من] الإيمان به وتصديقه أو غيره من المعاصي](١) أو قطع الطريق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يحتمل ما أمر الله به أن يوصل : ما ذكرنا من وصل الإيمان ببعض الرسل بالكل (٢) وبجميع الكتب ، ويحتمل (٣) : صلة الأرحام التي فرض عليهم صلتهم ؛ قطعوا ذلك.

أو أمرهم أن يصلوا أعمالهم بما اعتقدوا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

اللعنة : هي الطرد ـ في اللغة ـ والإبعاد ؛ كأنهم طردوا وأبعدوا عن رحمة الله في الآخرة ، أو طردوا وأبعدوا من هداية الله وإرشاده في الدنيا.

(وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

قد ذكرنا أنهم دعوا إلى دار ؛ وحذروا عن دار : دعوا إلى دار السلام ؛ فإن أجابوا فلهم الحسنى ؛ على ما ذكر ، وحذروا عن دار الهوان ؛ [فإن لم يحذروا فلهم](٤) دار السوء والهوان.

أو سماها سوء الدار ؛ لما يسوء مقامهم فيها ، أو ذكر لأهل النار سوء الدار مقابل ما ذكر لأهل الجنة : حسن المآب وحسن الثواب والحسنى.

قوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ)(٣٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ).

يرغبهم فيما عنده ويؤيسهم عما في أيدي الخلق ، ويقطع رجاءهم عن ذلك ؛ لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان به ، ويحملهم على تكذيب الرسل ؛ وترك الإجابة ـ هذه الأموال التي كانت في أيدي أولئك ، وبها [رأوا دوام](٥) الرئاسة والعز والشرف لهم في هذه

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٢) في أ : ما لكل.

(٣) في أ : ومحتمل.

(٤) في أ : فلم يحذر.

(٥) في أ : رأونا.

٣٣٥

الدنيا ؛ فقال (١) : هو الباسط لذلك ؛ والقاتر لا أولئك ، هو يوسع على من يشاء ، ويقتّر على من يشاء ؛ ليس ذلك إلى الخلق ، وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه ، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه ، ليعلموا (٢) [أن](٣) التوسيع في الدنيا والبسط لا يدل على الولاية ، ولا التقتير والتضييق على العداوة ، ليس كما يكون في الشاهد ؛ يوسع على الأولياء ويبسط ، ويضيق على الأعداء ؛ لأن التوسيع في الدنيا والتضييق بحق المحنة وفي الآخرة ، بحق الجزاء ، ويستوي في المحنة الولي والعدوّ ، ويجمع بينهما في المحنة ؛ ويفرق بينهما في الجزاء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا).

يحتمل قوله : (وَفَرِحُوا) صلة ما تقدم ؛ وهو قوله : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ ...) إلى قوله : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) ، ويفرحون بالحياة الدنيا.

ثم الفرح يحتمل وجوها :

يحتمل : فرحوا بالحياة الدنيا ؛ أي : رضوا بها ؛ كقوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] أي : فرحوا ، سرورا بها.

فإن قيل : إن المؤمن قد يسرّ بالحياة الدنيا؟

قيل : يسرّ ولكن لا يلهيه (٤) سروره بها ؛ ولا يغفل عن الآخرة ، وأما الكافر : فإنه لشدة سروره بها وفرحه عليها ؛ يلهى عن الآخرة ؛ وعن جميع الطاعات. وهكذا [العرف في](٥) الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء ؛ فإنه يلهى عن غيره ويغفل عنه.

أو يكون قوله : (وَفَرِحُوا) أي : أشروا وبطروا ؛ كقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] وهو الأشر والبطر. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ).

تأويله ـ والله أعلم ـ أي : ما الحياة الدنيا ـ مع طول تمتعهم بها بتمتع (٦) الآخرة ـ إلا كمتاع ساعة أو كمتاع شيء يسير ؛ وهو كقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦] وكقوله : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥] يظنون ـ مع طول

__________________

(١) في ب : فقالوا.

(٢) في ب : ليعلم.

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : يلهمه.

(٥) في أ : يعرف.

(٦) في أ : تمتع.

٣٣٦

ما متعوا في هذه الدنيا ـ عند متاع الآخرة كأنهم ما متعوا بها إلا ساعة ؛ فعلى ذلك قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) ، وهو ما ذكر في موضع آخر : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة : ٣٨] عند متاع الآخرة ؛ لأن متاع الآخرة ونعيمها دائم متصل غير منقطع ؛ لا يشوبه آفة ولا حزن ولا خوف ، ومتاع الدنيا منقطع غير متصل ؛ مشوب بالآفات والأحزان ؛ لذلك كان قليلا عند متاع الآخرة ونعيمها.

وقال بعض أهل التأويل : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) أي : إلا لهو وباطل لكن الوجه فيه ما ذكرنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).

يحتمل سؤالهم الآية أنفس الآيات التي أتت بها الرسل من قبل قومهم ، أو سألوا آيات سموها ، كقوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا ...) الآية [الإسراء : ٩٠] (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ...) [الإسراء : ٩٣] إلى آخر ما ذكر من الآيات ، سألوها منه ، أو سألوه آيات تضطرهم وتقهرهم (١) على الإيمان ؛ كقوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤].

وفيه دلالة أنه (٢) لو شاء لأنزل عليهم آيات ؛ لآمنوا كلهم بها ، واهتدوا ، وعنده (٣) أشياء لو أعطاهم لكان ذلك سبب اهتدائهم وتوحيدهم ؛ وكذلك لو أعطى أشياء لكان ذلك سبب كفرهم جميعا ؛ كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ...) الآية [الزخرف : ٣٣] لكنه لا ينزل الآية على شهواتهم وأمانيهم ، ولكن ينزل أشياء ؛ تكون عند النظر والتأمل (٤) حجة ؛ فمن تأمّل فيها وتفكّر لاهتدى وآمن بالاختيار ، ومن أعرض عنها ولم يتفكر ضل وزاغ بالاختيار.

ويحتمل قوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) [الشعراء : ٤] أي : [إن نشأ](٥) إيمانهم واهتداءهم ننزل عليهم آية ، وذلك تأويل قوله على أثر سؤالهم الآية.

(قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ).

أي : ينزل من الآيات ما يهتدي بها المنيب إليها والمقبل ، ويضل (٦) المعرض عنها ؛

__________________

(١) في أ : وتقررهم.

(٢) في أ : آية.

(٣) في أ : هذه.

(٤) في أ : التأويل والنظر.

(٥) في أ : يشأ.

(٦) في أ : ويضر.

٣٣٧

والصادر بالاختيار ، ويكون اهتداؤهم باختيارهم ؛ [وضلالهم باختيارهم](١) ؛ لا بالاضطرار والقهر ؛ ألا ترى أنه قال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) وهو القرآن الذي أنزله على رسوله ؛ فهو وصف المقبل المنيب إلى ذكر الله ؛ يسكن وتطمئن قلوبهم بالتأمل (٢) والتفكر فيها وأصله أن الله ـ عزوجل ـ : شاء اهتداء من علم أنه يختار الاهتداء والإيمان ، وشاء ضلال من علم أنه يختار فعل الضلال والزيغ ، يشاء [لكل](٣) ؛ لما علم منه أنه يختار ذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وتسكن إليه.

وقال بعض أهل التأويل (٤) : هو في الحلف في الخصومات ؛ ألا في الحلف بالله ؛ [تطمئن وتسكن](٥) قلوب الذين آمنوا لا تطمئن بالحلف بغير الله.

وقال بعضهم : ألا بالقرآن ؛ وبما في القرآن من الثواب ، تسكن وتطمئن قلوب الذين آمنوا.

ويشبه أن يكون قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي : تفرح وتستبشر قلوب الذين آمنوا بذكر الله ألا بذكر الله تستبشر وتفرح قلوب الذين آمنوا ؛ لأنه ذكر في الكفرة الفرح بالحياة الدنيا ؛ وهو قوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) [يونس : ٧] وذكر في المؤمنين الاستبشار والفرح بذكر الله ، وفي أولئك ذكر أن قلوبهم تشمئز بذكر الرحمن وتستبشر بذكر من دونه ؛ وهو قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر : ٤٥] أخبر الله تعالى أن قلوب المؤمنين تستبشر وتفرح بذكر الله ، وقلوب أولئك تستبشر [وتفرح](٦) بذكر من دونه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) يخرج على وجهين :

أحدهما : تطمئن قلوبهم بذكر الله لهم ، وذكر الله لهم التوفيق والتسديد والعصمة ، ونحوه.

والثاني : تطمئن قلوبهم بذكرهم الله ، وذكرهم الله : إحسانه ونعمه وعظمته وجلاله ، ونحوه.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : والتأمل.

(٣) سقط في أ.

(٤) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٧).

(٥) في ب : تسكن وتطمئن.

(٦) سقط في أ.

٣٣٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

[طوبى](١) قيل (٢) : خير لهم وغبطة ، وقيل (٣) : حسنى لهم ونعمى لهم ، وقيل (٤) : يقال : طوبى لك ؛ إن أصبت خيرا ، وقيل (٥) : هو اسم الجنة بلسان الحبشة ؛ وقيل (٦) : بالهندية ، وقيل (٧) : اسم شجرة في الجنة أصلها في دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وأغصانها في دار أمته ، فإن كان هذا ، وهو اسم شجرة ؛ فذلك لا يستقيم إلا [على تقدمة كان](٨) أهل الكتاب ؛ ادعوها لأنفسهم ؛ فأخبر أنها للذين آمنوا لا لهم كقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] [ثم](٩) قال ـ عزوجل ـ : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [البقرة : ١١٢] ادعوا الجنة لأنفسهم ؛ فأخبر أنها ليست لهم ؛ ولكن للذي أسلم وأخلص وجهه لله ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكونوا ادعوا طوبى لأنفسهم فأخبر أنها ليست لهم ، ولكن للذين آمنوا.

وإن كان في مشركي العرب ؛ فهم ينكرون البعث والجنة والنار ، فيشبه أن يكونوا قالوا : إن كان بعث على ما تقولون وجنة وطوبى ؛ فهي لنا ؛ كقوله : (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦].

وقال بعضهم : (طُوبى) : كلمة مدح الله ثوابهم ، وغبطهم بها.

وقال بعضهم : (طُوبى) : كرامة أعد الله لأوليائه ، وهي مذكورة في الكتب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ).

أي : كما أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [وقال كل واحد من الرسل](١٠) : (رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ...) الآية أي : كل رسول كان

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٠٣٦٥ ، ٢٠٣٦٧) وأبو الشيخ عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١١١).

(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٠٣٦٩ ، ٢٠٣٧٠) وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، كما في الدر المنثور (٤ / ١١١).

(٤) هو قول قتادة السابق.

(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٣٧٣ ، ٢٠٣٧٤).

(٦) قاله سعيد بن مسجوح أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٣٧٥ ، ٢٠٣٧٦) وعن سعيد بن جبير أخرجه ابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ١١١).

(٧) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٠٣٨٢) وعن أبي هريرة (٢٠٣٨٣ ، ٢٠٣٨٥) وشهر ابن حوشب (٢٠٣٨٤ ، ٢٠٣٨٦) وغيرهم.

(٨) في أ : تقدمه عن.

(٩) سقط في أ.

(١٠) في أ : وقالوا.

٣٣٩

أرسل قبلك كان أمر أن يقول ما ذكر ؛ كذلك أرسلناك إلى قومك رسولا ، وإن كانوا يكفرون بالرحمن ؛ فقل أنت ما قال أولئك الرسل : (رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ...) الآية ، لم تخل أمة عن رسول ؛ كقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].

(لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧] [يقول : أرسلناك لتتلو أنباء الرسل والأمم الذين كانوا من قبلك عليهم ؛ ليكون آية](١) لرسالتك ؛ ليعلموا أنك إنما علمت تلك الأنباء بالله تعالى.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ).

يقول ـ والله أعلم ـ هم يكفرون بالرحمن ؛ وفي كل الخلائق آية توحيد الرحمن وألوهيته ؛ ولا في كل الخلائق آية لرسالتك ، وهم مع ذلك كله يكفرون بالرحمن ؛ فعلى ذلك يكفرون بآيات رسالتك.

وقال أبو بكر الأصم : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) هو صلة قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) [الرعد : ٧] وكانوا هم أهل التعبد (٢) من الكبراء ؛ فقال : لو جئتهم (٣) بقرآن سيرت به الجبال ؛ أو قطعت به الأرض ؛ أو كلم به الموتى ، يقول : لو جئت بذلك كله كان أمرهم التكذيب والعناد ؛ وهو كقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ...) الآية [الأنعام : ١١١] وقوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ ...) الآية [الحجر : ١٤] يخبر ـ عزوجل ـ عن عنادهم (٤) أنهم لا يؤمنون بالآية ـ وإن عظمت ـ إلا أن يشاء الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) كقوله : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] أي : الأمر لله ؛ من شاء أن يؤمن فيؤمن ، ومن شاء ألا يؤمن فلا يؤمن البتة.

وقال بعضهم : [قوله :](٥)(وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) أي : يكفرون باسم الرحمن ؛ لأنهم قالوا : إن محمدا كان يدعونا إلى عبادة الله وتوحيده فالساعة يدعونا إلى عبادة الرحمن وألوهيته ؛ فذلك عبادة اثنين ؛ فقال : (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : دعائي إلى عبادة الرحمن وألوهيته وهو دعائي إلى عبادة الله ، وهو واحد ليس هو باثنين ولا عدد ؛ كقوله :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : التعهد.

(٣) في أ : جئتم.

(٤) في أ : عبادهم.

(٥) سقط في أ.

٣٤٠