تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

شيء ؛ حيث اتهمهم يعقوب في بنيامين (١) بخيانة (٢) كانت منهم في يوسف ؛ وإن لم يظهر له منهم في أخيه شيء ، وهو حجة لأصحابنا : أن من ظهر فسقه في شيء أو كذبه في أمر ، صار مجروح الشهادة في غيره.

وقوله : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

أي : إن أرسلته فإنما أعتمد على حفظ الله ، وإليه أكل في حفظه ؛ لست أعتمد على حفظكم.

(وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

أي : هو بكل مكروب وملهوف أرحم من كل راحم ؛ لأن كل من يرحم إنما يرحمه برحمة نالها منه. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ).

هذا قد ذكرناه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما نَبْغِي) هذا يحتمل : ما نبغي سوى الثمن ؛ فقد رد إلينا دراهمنا أو يكون قوله : (ما نَبْغِي) وراء هذا كبير شيء ؛ إنما نبغي ثمن بعير واحد وثمن بعير واحد يسير ؛ لأنه قد ردت بضاعتنا ؛ وهو ثمن عشرة أبعرة.

(وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ).

لأنه ذكر أن يوسف كان لا يعطي كل رجل إلا حمل بعير واحد ، ولا يعطي أكثر من ذلك ؛ فقالوا : ونزداد كيل بعير به ؛ ومن أجله.

(ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).

قال بعضهم : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : سريع لا حبس فيه : وقال بعضهم : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : ييسر علينا الكيل ، ولا يحبس عنا الطعام ، ولا يثقل عليه ذلك ؛ بقوله : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) [يوسف : ٥٩ ، ٦٠] فإن لم نأته به فلا كيل لنا ؛ وقد حبسنا عنه. والله أعلم.

ويشبه أن يكون فيه وجه آخر أقرب مما قالوا وهو : أن قوله : (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : طلب ثمن كيل بعير يسير ؛ لأنه قد ردت إليهم بضاعتهم ؛ وهو ثمن كيل عشرة أبعرة ؛ فإنما احتاجوا إلى ثمن كيل بعير واحد ؛ فقالوا : طلب ثمن كيل بعير واحد يسير ، وتكلفة سهلة ؛ وهو ثمن كيل بعير بنيامين (٣). والله أعلم.

__________________

(١) في الأصول : ابن يامين.

(٢) في أ : بجناية.

(٣) في الأصول : ابن يامين.

٢٦١

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ).

أي : حتى تأتوني بمواثيق من الله ؛ وبعهود منه.

(لَتَأْتُنَّنِي بِهِ).

فيه دلالة أنه وإن قال (١) : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) واعتمد في الحفظ على الله ، ورأى الحفظ منه ، لم يرسله معهم إلا بالمواثيق والعهود من الله ، وهذا أمر ظاهر بين الناس ؛ أنهم وإن كان اعتمادهم على الله وإليه يكلون في جميع أمورهم في الأموال والأنفس ، ومنه يرون الحفظ فإنه يأخذ بعضهم من بعض المواثيق والعهود ؛ فعلى ذلك يعقوب أنه وإن أخبر أن اعتماده واتكاله (٢) في حفظ ولده على الله لم يرسله معهم إلا بعد ما أخذ منهم العهود والمواثيق.

(لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ).

أي : إلا أن يجمعكم أمر ويعمكم ، ويحيط بكم الهلاك جميعا ؛ فعند ذلك تكونون معذورين ؛ فإما أن يخص به أمر فلا.

والثاني : إلا أن يجيء أمر عظيم يمنعكم عن رده ؛ كأنه خاف عليه من الملك ؛ حيث طلب منهم أن يأتوه به.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ) يعقوب (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : الله على المواثيق والعهود التي أخذتها منكم شهيد ، أو يقول : الله له حفيظ ؛ كما قال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً). والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).

قال بعضهم من أهل التأويل : إن يعقوب خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا ذوي صور وجمال وبهاء ؛ فخشي عليهم العين ؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا متفرقين (٣).

وقال بعضهم : خشى عليهم البيات والهلاك ؛ لأنهم كانوا أهل قوة ومنعة ؛ فيخافهم أهل البلد ويفرقون منهم السرقة ؛ فأمرهم بالتفرق ، وهو قول ابن عباس ؛ فإذا كانوا

__________________

(١) في أ : كان.

(٢) في أ : وكلامه.

(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٤٩) عن كل من : الضحاك (١٩٤٩٣ ، ١٩٤٩٧) ، وقتادة (١٩٤٩٤ ، ١٩٤٩٥) ، وابن عباس (١٩٤٩٦) ، ومحمد بن كعب (١٩٤٩٨) ، وابن إسحاق (١٩٥٠٠).

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٤٩) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وابن المنذر عن محمد بن كعب ، ولابن جرير عن الضحاك ، ولابن أبي حاتم عن مجاهد ، ولعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.

٢٦٢

متفرقين فلا يهلكون الكل ؛ وإنما يهلك بعضهم وينجو بعض أو لا يدرى ما أراد بهذا.

وقال بعضهم : علم يعقوب أنهم لا يهلكون ؛ لما رأى يوسف من الرؤيا أن يسجد له إخوته ، ولكن خاف عليهم أن تصيبهم النكبة ؛ لذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة ، أو من سكك متفرقة ، أو من طرق متفرقة (١) ، أو ما قالوا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).

أي لا أدفع عنكم من الله من شيء ؛ إن أصابكم نكبة أو عين ، فإن قيل : لو كان أمره إياهم بالتفرق ؛ لخوف العين ؛ أو لخوف أهل البلد منهم السرقة والإغارة ، كيف لم يأمرهم [بذلك](٢) في المرة الأولى ؛ وخوف العين؟ لم يخش ذلك لما قد يقع الاجتماع ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه : أنه يخافهم أهل البلد إذا رأوهم مجتمعين أنهم لصوص وأنهم كذا ، ولكن جائز أن يكون في المرة الأولى لم يخش ذلك ؛ لما قد يقع الاجتماع في أمثال أولئك من الرفقاء والصحابة ، فلا يكون في ذلك الخوف الذي ذكروا. وإذا عادوا في المرة الثانية ؛ قد يحتمل ذلك الخوف من العين ؛ وغيره ، إذا علم أهل البلد أن ذلك العدد تحت أب واحد ، أو أمرهم بالتفرق على (٣) الأبواب ؛ بمحنة امتحن بذلك ، وأمر به ، أو لمعنى (٤) غاب عنا لا نحتاج إليه. والله أعلم.

وقوله : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : لا أدفع عنكم [من الله من شيء إن أصابكم نكبة أو عين وإن تفرقتم إن الحكم إلا لله ، هذا تفسير قوله : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : لا أدفع عنكم](٥) بما أحتال ما قدر الله وقضاه ؛ أن يصيبكم ؛ [فيصيبكم](٦) لا محالة [وينزل بكم (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي : ما الحكم في ذلك إلا لله ما في حكمه وقضائه أن يصيبكم فيصيبكم لا محالة](٧).

وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

هذا أصل كل أمر يخاف المرء ، وأن يأخذ بالحذر ، ويتوكل ـ مع ذلك ـ على الله ؛ على ما أمر يعقوب ـ عليه‌السلام ـ بنيه بالحذر في ذلك ، ثم توكل على الله في ذلك.

__________________

(١) في ب : مختلفة.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : في.

(٤) في ب : بمعنى.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في ب.

(٧) سقط في أ.

٢٦٣

والحذر هو العادة في الخلق ، والتوكل : تفويض الأمر إلى الله ، والاعتماد عليه. والله أعلم.

وقوله : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) من أبواب متفرقة.

(ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).

أي : ما كان يدفع ذلك عنهم ما حكم الله عليهم أنه يصيبهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها).

الحاجة في النفس : أحد شيئين : إما الرغبة ، وإما الرهبة ؛ كقوله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) فعلى ذلك حاجة يعقوب ، لا تخلو : إما أن كانت رغبة منه ؛ في تفرقهم ، أو رهبة في اجتماعهم ؛ قضى تلك الحاجة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ).

يشبه أن يكون هذا صلة ما قال يعقوب لبنيه : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) أي : وإنه لذو علم لما أمرهم بالدخول على التفرق ؛ والنهي عن الاجتماع.

وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

ما أراد بقوله : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) : من السكك المتفرقة ، ما كان يغني عنهم من قضاء الله شيئا إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ، يقول : بدأها فتكلم بها.

(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) يقول : حافظا لما علمناه (١) ، وقيل : حافظا له ؛ عالما به ، وقيل : (لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) أي : عمل بجميع ما علم وانتفع به ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) لم ينتفعوا بما علموا.

ويحتمل : وإنه لذو علم بقصة (٢) يوسف من أولها إلى آخرها ؛ كما (٣) أخبرناه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

وجائز أن يكون قوله : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) أي : ما أصابه من الحزن (٤) ؛ بذهاب يوسف وأخيه ، وما أصابه من الشدة والنكبة لم يؤثر ذلك في علمه الذي علمناه ، وإن أثر ذلك في نفسه وبدنه ، أي علمه بما علمناه بعد ما أصابه ما أصابه ؛ كهو ما كان قبل ذلك ،

__________________

(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٣٨) ، وكذا الرازي (١٨ / ١٤١).

(٢) في ب : بقصته.

(٣) في ب : لما.

(٤) في أ : الخوف.

٢٦٤

لم يعمل فيه ولم يؤثر.

وعن الحسن ـ فيما أظن ـ في قول يعقوب لبنيه : (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) قال : أما والله ما كانت به طيرة تطير بها ؛ ولكن قد علم أو ظن أن يوسف سيلقى أخاه ؛ فيقول : إني أنا أخوك.

وأكثر أهل التأويل قالوا : قوله : (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) أي : خيفة العين على بنيه ؛ لجمالهم ، وبهائهم ، وحسن صورهم ، أو لما يكون لواحد كذا كذا عددا من البنين فيقصدون قصدهم بالنكاية عليهم لما ذكرنا أو ما أراد بذلك. والله أعلم.

قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ)(٧٩)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ).

هذا يحتمل وجهين :

يحتمل أنهم لما دخلوا البلد الذي فيه دعا يوسف أخاه وحن إليه ويحتمل أنهم دخلوا جميعا على يوسف ؛ فضم أخاه إلى نفسه ؛ فقال : إني أنا أخوك.

قال بعض أهل التأويل لم يقل [له](١) : أنا أخوك : بالنسبة ؛ ولكنه قال : أنا أخوك : مكان أخيك الهالك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَبْتَئِسْ).

يقول : لا تحزن.

__________________

(١) سقط في ب.

٢٦٥

(بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

هذا يحتمل وجهين :

يحتمل : لا تبتئس بما كان عمل إخوتك ؛ كأنه لما دعاه فضمه إلى نفسه ـ شكا إليه من إخوته ؛ فقال عند ذلك : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

ويحتمل : [فلا](١) تبتئس بما يعمل بك هؤلاء ؛ أي : خدمه وعماله ، كأنه أخبره بما كان يريد أن يكيد بهم ؛ من جعل الصاع في رحله ؛ فقال : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بك ؛ لأنه لا يجوز أن يجعل أخاه متهما ، يقرف به من غير أن ظهر منه شيء ؛ وقد أخبره (٢) أنه أخوه. والله أعلم.

دلّ أنه أراد أن يعلمه ما يريد أن يكيد بهم ؛ ليكون هو على علم من ذلك. [وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) هو ما يهيأ للخروج ؛ ولذلك يقال لمتاع المرأة : جهاز](٣) وقوله : ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ).

السقاية : قيل : هي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك (٤) ، وقيل : هو الصاع الذي كان يكال به الطعام ؛ ولكن لا نعلم ما كان ذلك سوى أنا نعلم أنها كانت ذات قيمة وثمن ؛ ألا ترى أن ذلك الرسول قال : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) فلولا أنها كانت ذات قيمة وثمن وإلا لم يعط لمن جاء به حمل بعير الطعام ، وكان قيمة الطعام عندهم في ذلك الوقت ما كان.

(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ).

أي : نادى مناد : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ).

لا يحتمل أن يكون يوسف يأمر رسوله أن يقول لهم : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ؛ وقد علم أنهم ليسوا بسارقين ، ولكن قال لهم ذلك المنادي الذي ناداه ـ والله أعلم ـ : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) من نفسه ، وهو من بعض من يتولى كيل الطعام على الناس ، وأمثاله لا يبالون الكذب [أو قال](٥) لهم ذلك قوم كانوا بحضرتهم : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). أو أن يكون على

__________________

(١) في ب : قوله فلا.

(٢) في ب : أخبر.

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٣) (١٩٥٢١) وعن قتادة ، و (١٩٥٢٢) عن ابن عباس ، و (١٩٥٢٤) عن مجاهد.

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.

(٥) في أ : وقال.

٢٦٦

الاستفهام والتقرير. فإن كان [هذا](١) ـ فهو يحتمل من يوسف ؛ وأما غيره فلا ؛ لأنه كذب.

وضم يوسف أخاه يحتمل وجهين :

يحتمل لمكان سؤاله إياهم أن يأتوا به ، أو لمكان فضله ومنزلته ليعلموا أن ما كان ليوسف وأخيه عند أبيهم (٢) من فضل المحبة والمنزلة من الله ؛ إذ جعل ذلك لهما عند الملك وغيره. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ).

أي : إناء الملك ؛ سمّاه مرة صاعا ؛ ومرة سقاية ، فيجوز أن يستعمل في الأمرين جميعا ؛ في الاستسقاء والكيل جميعا.

(قالُوا) ـ لمناديه ـ (ما ذا تَفْقِدُونَ).

قال أبو عوسجة : أي أضللتم ؛ يقال : افتقدتك وتفقدتك أي : تعهدتك.

وقال القتبي (٣) : (فَلا تَبْتَئِسْ) : هو من البؤس ، والسقاية : المكيال ؛ وقيل : مشربة الملك ، وصواع الملك ؛ وصاعه ـ واحد (٤).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).

قيل : ضمين لذلك الطعام ؛ وكفيل به (٥). والزعيم : كأنه أيضا اسم لرئيس من القوم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ).

هذا يحتمل وجوها :

يحتمل أنهم قالوا ذلك ؛ لأنكم رددتم إلينا الدراهم وجعلتم في أوعيتنا ، ثم رددنا عليكم ؛ مخافة أن نعرف بالسرقة والفساد في الأرض ؛ فكيف تقرفونا بهذا؟!

والثاني : أنكم تعلمون أنا أبناء النبي والرسول ، والأنبياء لا يكون منهم السرقة و [لا](٦) الفساد في الأرض ، ومثل هذا لم يظهر في أهل بيتنا قط ولا قرفنا به ؛ فكيف قرفتمونا بهذا؟!

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : أبيه.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢١٩).

(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٣) (١٩٥٢٣) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن الأنباري وابن أبي حاتم عن مجاهد.

(٥) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٢٥٦ ، ٢٥٧) عن كل من : ابن عباس (١٩٥٤٨) ، وسعيد بن جبير (١٩٥٥٣) ، وقتادة (١٩٥٥٤ ، ١٩٥٥٥) ، والضحاك (١٩٥٥٦ ، ١٩٥٥٧) ، ومجاهد (١٩٥٥٨).

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥١) وزاد نسبته لابن المنذر عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومجاهد مثله.

(٦) سقط في أ.

٢٦٧

والثالث : أنكم تروننا صوّامين قوامين ؛ ومن هذا فعله ورأيه فإنه لا يتهم بالسرقة. أو أن يكون قوله : (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) لما رأوهم دخلوا من أبواب متفرقة ، ولو كانوا سراقا لدخلوا مجموعين ؛ لأن عادة السّراق الاجتماع لا التفرق.

ثم قالوا : (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ).

أي : إن كان فيكم من يكذب ويظهر ذلك منه ؛ فما جزاؤه؟.

(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ).

هذا يحتمل وجهين :

يحتمل قوله : (فَهُوَ جَزاؤُهُ) أي يصير رقيقا مملوكا بها له ، أو يصير محبوسا بها عنده. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ).

ظاهر هذا الكلام : أن يكون يوسف هو الذي فتش أوعيتهم ، وطلب ذلك فيها ؛ حيث نسب ذلك إليه بقوله : (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ).

لكنه نسب إليه ؛ لمّا بأمره فتّش ؛ إذ الملوك لا يتولون (١) ذلك بأنفسهم وفيه أنه قد فصل بينهم وبين بنيامين ؛ حيث سمّى هذا أخاه ، ولم يسم أولئك ؛ بقوله : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) ، وهو يخرج على وجهين :

أحدهما : أنه قد ذكر لهذا أنه أخوه ؛ حيث قال له : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) [يوسف : ٦٩] ؛ ولم يذكر لأولئك فسمى هذا أخا له ، ونسب إليه بالأخوة ؛ لما كان ذكر له ، ولم يسم أولئك ؛ لما لم يذكر لهم أنه أخوهم.

والثاني : أنه لم يكن لهذا ـ أعني بنيامين لمكان يوسف ـ سوء صنيع ، ولا شر ، بل هو على الأخوة والصداقة التي كانت بينه وبينه. وأمّا أولئك ـ أعني غيره من الإخوة ـ فقد كان منهم إليه ما كان من سوء صنيعهم ، وقبح فعالهم ؛ فيخرج ذلك مخرج التبرى من الإخوة بسوء ما كان منهم إليه ؛ وهو [كقوله لنوح](٢) ـ عليه‌السلام ـ حين قال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) نفى أن يكون من أهله ؛ بسوء عمله وفعله ؛ غير صالح.

فعلى ذلك الأول يشبه أن يكون على هذا. والله أعلم.

__________________

(١) في أ : يأتون.

(٢) في ب : كقول نوح.

٢٦٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ).

دل هذا أنه قد كان منه أيضا التفتيش والطلب في وعاء أخيه ؛ على ما كان في أوعيتهم [لا يستخرجها](١) على غير تفتيش.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ).

هذا يحتمل وجهين :

يحتمل (كَذلِكَ كِدْنا) أي علمنا يوسف ـ من أول الأمر إلى آخره ـ ما يكيد ويحتال في إمساك أخيه عنده ومنعه عنهم ؛ لأن يخلو لهم وجه أبيهم جزاء ما طلبوا هم : أن يخلو لهم وجه أبيهم ؛ بتغييب يوسف عن أبيه ؛ لأن أباهم قال : (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦] فلما بلغه ذلك الخبر ـ تولى عنهم ؛ وهو قوله : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ...) الآية [يوسف : ٨٤] ؛ هذا ـ والله أعلم ـ جزاء كيدهم الذي كادوا بيوسف ليخلو لهم وجه أبيهم ؛ ليتولى عنهم أبوهم ، هذا يشبه أن يكون.

والثاني : (كِدْنا لِيُوسُفَ) أي : علمناه أن كيف يفتش أوعيتهم لئلا يشعروهم أنه عن علم استخرجها من وعاء أخيه ؛ لا عن جهل وظن ، فعلمه البداية في التفتيش بأوعيتهم ؛ لئلا يقع عندهم أنه عن علم ويقين يأخذه.

يشبه ـ والله أعلم ـ أن يخرج قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) على هذين الوجهين. أو (كِدْنا لِيُوسُفَ) أي : أمرنا يوسف بالكيد بهم ؛ جزاء ما عملوا بمكانه لما اهتموا بإمساك أخيهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).

أي في حكم الملك ، ذكر أن حكم إخوة يوسف وقضاءهم فيهم : أن من سرق يكون عبدا بسرقته للمسروق منه ، ويستعبد بسرقته ، ومن حكم الملك : أن يغرم السارق ضعفي ما سرق ؛ ويضرب ويؤدب ؛ ثم يخلى عنه ، ولا نعلم ما حكم الملك في السرقة ، سوى أنه أخبر أن ليس له أخذ أخيه في دين الملك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك ، أو يجعل له حق الأخذ وحبسه ؛ وإن لم يكن ذلك في حكمه.

أو أن يكون قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) على ما كان من إبراهيم : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) الآية [الأنعام : ٨٠] وكان الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ يذكرون الثنيا على حقيقة المشيئة ، أو يقول : إلا أن يكون في علم الله مني زلة ؛ فأستوجب عند ذلك الكون في دين ذلك الملك ؛ فيشاء ما علم مني ، وكذلك قول إبراهيم حيث قال :

__________________

(١) في ب : لم يخرجها.

٢٦٩

(وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الأنعام : ٨٠] أي : لا أخاف ما تشركون به ؛ إلا أن يكون مني ما أستوجب ذلك بزلة ؛ فيشاء الله ذلك مني.

وقوله ـ عزوجل ـ : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ).

الدرجات : هن الفضائل ؛ يرفع بعضهم فوق بعض بالنبوة والعلم ، وفي كل شيء.

(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

ما من عالم وإن لطف علمه وكثر إلا قد يكون فوقه من هو ألطف علما منه وأكثر وأعلم في شيء أو يكون قوله : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) وهو الله تعالى ؛ فوق كل ذى علم ؛ يعلمهم العلم ، والله أعلم.

من يقول : إنه عالم إلا بعلم يحتج بظاهر هذه الآية ؛ حيث قال : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أثبت لغيره العلم ولم يذكر لنفسه ؛ بل قال : (عَلِيمٌ) ؛ لكنه إذا قال : (عَلِيمٌ) أثبت العلم ولأنه إذا قال : وفوق كل العلماء عليم يكون كذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ).

قال بعض أهل التأويل : كانت سرقته : أنه كان صنم من ذهب لجده أبي أمّه يعبده ؛ فسرق ذلك منه لئلا يعبد دون الله (١) ، ولكنا لا نعلم ذلك ؛ ونعلم أنهم كذبوا في قولهم (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) وأرادوا أن يتبرءوا منه ، وينفوا ذلك عن أنفسهم ، ليعلم أنه ليس منهم.

فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) عند الله.

قيل : إن يوسف أسر هذه الكلمة (٢) في نفسه ؛ لم يظهرها لهم أو أسر ما اتهموه بالسرقة.

وجائز أن يكون قولهم : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) خاطبوا به أخاه بنيامين دون يوسف : [إن سرقت](٣) فقد سرق أخ له من قبل ؛ يقولون فيما بينهم.

وقد ذكر في بعض الحروف (٤) : إن يسرق فقد سرق أخ لهم من قبل بالتشديد فإن

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٦٥) عن كل من : سعيد بن جبير (١٩٦٠٥) ، وقتادة (١٩٦٠٦ ، ١٩٦٠٧) ، وابن جريج (١٩٦٠٨).

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٣ ـ ٥٤) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا ، وزاد نسبته لأبي الشيخ عن ابن جريج ، لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم بمثله عن زيد بن أسلم.

(٢) في أ : هذا القول.

(٣) في ب : أسرقت.

(٤) الجمهور على (سَرَقَ) مخففا مبنيا للفاعل ، وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي ، وابن أبي شريح عن الكسائي ، والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين : (سَرَقَ) مشددا مبنيّا للمفعول ، أي : نسب إلى السرقة ؛ لأنه ورد في التفسير أن عمّته ربّته ، فأخذه أبوه منها ، فشدت في وسطه منطقة كانوا ـ

٢٧٠

ثبت ؛ فالتأويل هو لقولهم.

وقال بعضهم : قوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي أنتم شر صنعا بيوسف.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) من الكذب أنه سرق أخ له من قبل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ).

أرادوا والله أعلم أن يرقّوا قلبه بهذا ، (إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) لما يكون قلب الشيخ بولده الصغير أميل ؛ وهو عنده آثر وأكثر منزلة منا.

(فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

لما أحسن إليهم في الكيل ؛ والإنزال في المنزل والضيافة والقرى ؛ قد رأوه وعلموه محسنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ).

قيل : هذا قول يوسف. (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله (أَنْ نَأْخُذَ) ونحبس بالسرقة (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) فإن قيل : كيف تعوذ على ترك أخذه ؛ وأخذ غيره مكانه ، ولم يكن وجب له حق الأخذ ؛ إذ لم يكن سرقه وإنما يتعوذ على ترك ما لا يسع تركه؟

قيل : إنه لم يتعوذ على ترك أخذ أخيه ، إنما تعوذ على أخذ غير من وجد المتاع عنده.

(إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) عندكم لو أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده ؛ إذ في حكمهم أخذ من سرق بالسرقة والحبس بها. والله أعلم.

قوله تعالى : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ

__________________

ـ يتوارثونها من إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ففتشوا فوجدوها تحت ثيابه ، فقالت : هو لي ، فأخذته كما في شريعتهم ، ومن هنا تعلم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه ، كما فعلت به عمته ، وهذه القراءة منطبقة على هذا.

ينظر اللباب (١١ / ١٧٣).

٢٧١

رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٨٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ)(١).

قيل : أيسوا عن أن يردّ إليهم أخوهم.

(خَلَصُوا نَجِيًّا).

قيل : خلوا من الناس وخلصوا منهم ؛ يتناجون فيما بينهم في أمر أخيهم ، أو في الانصراف إلى أبيهم ، أو في المقام فيه (٢).

(قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا).

قال أهل التأويل : كبيرهم في العقل ليس في السن ؛ وهو فلان (٣).

قال بعضهم : وهو يهوذا (٤) ، وقال بعضهم : هو شمعون. ولكن لا نعلم من كان قائل هذا لهم ، ولا نحتاج إلى معرفة ذلك ؛ سوى أن فيه : (قالَ كَبِيرُهُمْ) إمّا أن كان كبيرهم في العقل ؛ أو كبيرهم في السن.

(أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ) (ألم تعلموا) و (ألم تروا) حرفان يستعملان في أحد أمرين : في الأمر ؛ أن اعلموا ذلك ، أو في موضع التنبيه والتقرير (٥) ؛ وهاهنا كأنه قال ذلك على التقرير والتنبيه ؛ أي : قد علمتم (أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ).

هذا يدل أن التأويل في قوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦] هو إلا أن يعمكم أمر ويجمعكم ؛ فتهلكون فيه جميعا ، وليس كما قال بعض أهل التأويل : إلا أن يجيء ما يمنعكم عن ردّه ؛ أي : إلا أن تغلبوا فتعجزوا عن ردّه ؛ لأنه قد جاء ما يمنعهم عن ردّه ، ثم أبي أكبرهم الرجوع إلى أبيه ؛ دل أن التأويل هو هذا ، ومن يقول : إن التأويل في قوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) [يوسف : ٦٦] إلا أن يجيء ما يمنعكم عن الردّ ؛ استدل بقوله : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) ؛ فلو كان على ما يعمهم ويجمعهم ، لم يكن ليأمرهم بالرجوع إلى أبيهم ؛ دل أنه ما ذكر.

__________________

(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ٢٦٨) (١٩٦٢٢) عن أبي إسحاق ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٤) وعزاه لابن جرير عن ابن إسحاق ، وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٢).

(٢) أخرجه ابن جرير بمعناه (٧ / ٢٦٩) عن كل من : السدي (١٩٦٢٣) ، وقتادة (١٩٦٢٤) ، وابن إسحاق (١٩٦٢٥).

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم بمثله عن قتادة.

(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٦٩ ، ٢٧٠) (١٩٦٢٦ ، ١٩٦٢٨) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٤ ، ٥٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٢) ونسبه لابن عباس والكلبي.

(٥) في أ : والتقريب.

٢٧٢

وأما أهل التأويل الأول يقولون : إن قوله : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ) ليس على الأمر ؛ ولكن إذا رجعتم إلى أبيكم ؛ فقولوا : إن ابنك سرق وكذلك يخرج قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) ليس على الأمر ؛ ولكن لو سألت أهل القرية وأهل العير ؛ لأخبروك أنه كما قلنا ؛ فعلى ذلك قوله : (ارْجِعُوا) ليس على الأمر ؛ ولكن لو رجعتم إليه ؛ فقولوا كذا.

وقوله عزوجل ـ : (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ).

أي : من قبل ما ضيعتم أمر أبيكم في يوسف ؛ أو ضيعتم أمر الله ووعده في يوسف.

(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي).

[هذا يحتمل وجهين : يحتمل حتى يأذن لي أبي بالرجوع إليه ؛ إذا ظهر عنده عذرنا وصدقنا في أمر ابنه أو يأذن لي أبي](١) بالمنازعة في القتال مع الملك حتى أستنقذ أخي وأستخلصه منه.

(أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) في الرجوع أيضا أو في القتال معه.

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أو يحكم الله لي بإظهار عذرنا وصدقنا عند أبينا.

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) في إظهار العذر ؛ لأنه إذا حكم بإظهار العذر ظهر ذلك في الخلق جميعا ، ولا كذلك حكم غيره ؛ لأن كل من يحكم بحكم ؛ يجوز إنما يحكم بحكم ؛ هو حكم الله ؛ فهو خير الحاكمين وكذلك قوله : (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف : ٦٤] لأن (٢) من رحم من الخلق ؛ إنما يرحم برحمته ؛ فهو أرحم الراحمين.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ).

يحتمل على الأمر ؛ على ما هو [في](٣) الظاهر. ويحتمل ما ذكرنا ؛ أي : لو رجعتم إليه ؛ فقولوا : يا أبانا إن ابنك سرق يشبه أن يكون هذا منه تعريضا في التخطئة ؛ على ما كان يؤثره على غيره من الأولاد ؛ أي الذي كنت تؤثره علينا بالمحبة وميل القلب إليه ـ قد سرق ، ويشبه أن يكون ليس على التعريض ؛ ولكن على الإخبار ؛ على ما ظهر عندهم من ظاهر الأمر.

(وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) بما أخرج المتاع من وعائه.

(وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : لأنه.

(٣) سقط في ب.

٢٧٣

هذا على التأويل الذي قيل في قوله : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) أي : يعمكم ويجمعكم ؛ أي : ما كنا نعلم ـ وقت إعطاء العهد (١) والميثاق ـ أنه يسرق ؛ وإلا لم نعطك العهد على ذلك.

ويحتمل : (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) وقت ما أخرج المتاع من وعائه ؛ واتهم أنه سرق ، أو لم يسرق ، أو هو وضع الصاع في رحله ، أو غيره وضع أي : ما كنا نعلم في الابتداء أن الأمر يرجع إلى هذا ؛ وإلا لم نخرجه معنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها).

أي لو سألت أهل القرية وأهل العير ؛ لأخبروك أنه على ما نقول.

(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) على ذلك ؛ على ما ظهر لنا ؛ من استخراج الإناء من وعائه (٢) والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً).

فإن قيل : كيف قال لهم : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) وجعل ما أخبروه من تسويل أنفسهم وتزيينها ؛ ولم يخالفوه فيما أمرهم في أمر بنيامين ، ولا تركوا شيئا مما أمرهم به ؛ وليس هذا كالأول ؛ الذي قال لهم في أمر يوسف : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ...) الآية ؛ لأنه قد كان منهم خلاف لما أمرهم به ؛ والسعي على إهلاكه ، فكان ما ذكر من تسويل أنفسهم وتزيينها في موضع التسويل والتزيين ، وأمّا هاهنا فلم يأت منهم إليه خلاف ، ولا ترك لأمره ؛ فكيف قال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) لكن يشبه أن يكون قال

__________________

(١) في أ : الوقت.

(٢) قال القرطبي : دلت هذه الآية على أن كل من كان على حق ، وعلم أنه قد يظن به أنه على خلاف ما هو عليه ، أو يتوهم ـ أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه ، ويصرح بالحق الذي هو عليه ؛ حتى لا يبقى متكلم ، وقد فعل هذا نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله للرجلين اللذين مرا ، وهو قد خرج مع صفية بنت حيى من المسجد : «على رسلكما ، إنما هي صفية بنت حيى» ؛ فقالا : سبحان الله! وكبر عليهما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا. أو قال : شيئا» متفق عليه.

فإن قيل : كيف استجاز يوسف أن يعمل هذا بأبيه ، ولم يخبره بمكانه ، ويحبس أخاه مع علمه بشدة وجد أبيه عليه ؛ ففيه معنى العقوق ، وقطيعة الرحم ، وقلة الشفقة؟

فالجواب : أنه فعل ذلك بأمر الله ـ عزوجل ـ أمره به ليزيد في بلاء يعقوب ؛ فيضاعف له الأجر ، ويلحقه في الدرجة بآبائه الماضين.

وقيل : إنه لم يظهر نفسه لإخوته ؛ لأنه لم يأمن أن يدبروا في أمره تدبيرا فيكتموه عن أبيه ، والأول أصح.

ينظر : الجامع لأحكام القرآن (٩ / ١٦١) ، واللباب (١٠ / ١٨٧).

٢٧٤

ذلك ؛ لأنهم لما اتّهموا جميعا بالسرقة ؛ فقيل : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠] قالوا : (لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) [يوسف : ٧٣] قطعوا فيه القول ؛ أنهم لم يكونوا سارقين ، وهو كان فيهم ؛ فكيف قطعتم فيه القول بالسرقة (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) ؛ ولكن سولت لكم أنفسكم أمرا من البغض والعداوة ؛ من الإيثار له وليوسف عليهم ؛ والميل إليهما دونهم ؛ حيث قالوا : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف : ٨] والله أعلم.

فسولت لكم أنفسكم ببعضكم وعداوتكم حتى تركتم التفحص عن حاله وأمره ، أن لا كل من وجد في رحله شيء يكون هو واضع ذلك الشيء ؛ بل قد يضع غيره فيه ؛ على غير علم منه.

وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ).

قد ذكرناه.

وقوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً).

قال أهل التأويل : قال : (يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) ؛ لأنهم صاروا جماعة ؛ يوسف وبنيامين أخوه ، ويهوذا وشمعون قد تخلفا لسبب حبس يوسف أخاه ، أو يوسف وأخوه (١).

وقال بعض أهل التأويل : إن جبريل أتى يعقوب على أحسن صورة ؛ فسأله عن يوسف ؛ أفي الأحياء أم في الأموات؟ فقال : بل هو في الأحياء ؛ فقال عند ذلك : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً).

أو علم يعقوب أن يوسف في الأحياء ، وأنه غير هالك ؛ لما رأى يوسف ؛ من الرؤيا ؛ من سجود الكواكب والشمس والقمر له ؛ علم أنه في الأحياء ، وأنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه ، وغير ذلك من الدلائل ، لكنه كان لا يعلم أين هو؟ فقال ذلك (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ).

أي أعرض عنهم وعاتبهم (٢) ؛ حين أخبروه أن ابنه سرق.

وقال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ).

__________________

(١) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ٢٧٤) (١٩٦٤٩) عن قتادة ، و (١٩٦٥٠) عن ابن إسحاق.

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٥ ، ٥٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولابن المنذر بمثله عن ابن جرير.

(٢) في أ : وعابهم.

٢٧٥

قيل : يا حزنا على يوسف (١) ، وقيل يا جزعا (٢).

وقال القتبي (٣) : الأسف أشد الحسرة ؛ وأصله : أن الأسف كأنه النهاية في الحزن : أن الحزين إذا بلغ غايته ونهايته ؛ يقال : أسف. وهو النهاية في الغضب أيضا.

كقوله : (فَلَمَّا آسَفُونا) أي : لما أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] وقوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) [الأعراف : ١٥٠].

وقوله : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ).

يحتمل أن يكون لا على إظهار القول باللسان ؛ ولكن إخبار عما في ضميره ، وذلك جائز ؛ كقوله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [الإنسان : ٩] أخبر عما في قلوبهم ؛ لا أن قالوا ذلك باللسان. ويحتمل القول به على غير قصد منه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهُوَ كَظِيمٌ).

الكظم : هو كف النفس عن الجزع ؛ وترديد الحزن في الجوف على غير إظهار في أفعاله ، والجزع هو ما يظهر في أفعاله ؛ والذى يهيج الحزن هو الذي يهيج الغضب ، إلا أن الحزن يكون على من (٤) فوقه ؛ والغضب على من تحت يده ، وسبب هيجانهما واحد ، أو أن يكون الكظيم : هو الذي يمسك الحزن في قلبه والغم ، كأنه هو الذي يستر ويغطى القلب ؛ إذا حل به ، والهم : هو ما يبعث على القصد من الهم به. والحزن : هو على ما يؤثر التغيير في الخلقة ؛ ولا يظهر في الأفعال [والجزع يظهر في الأفعال](٥) ولا يغير الخلقة عن حالها ، لذلك عمل في ضعف نفس يعقوب ، وعمل في إهلاك بعضه ، حيث ذهبت عيناه وابيضت من الحزن ، والكظيم : ما ذكرنا ؛ هو الذي يردد الحزن في جوفه ولا يظهر ويكفه عن الجزع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا تَاللهِ).

هو يمينهم مكان : والله أو بالله ، وكذلك قال إبراهيم : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧].

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٧٤ ، ٢٧٥) عن كل من : ابن عباس (١٩٦٥٢) ، ومجاهد (١٩٦٥٣) ، وقتادة (١٩٦٥٧ ، ١٩٦٥٨ ، ١٩٦٥٩) ، والضحاك (١٩٦٦١ ، ١٩٦٦٢ ، ١٩٦٦٣).

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٦) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وابن المنذر عن قتادة.

(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٧٤) (١٩٦٥٤ ، ١٩٦٥٥) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢١).

(٤) في ب : ما.

(٥) سقط في أ.

٢٧٦

وقوله ـ عزوجل ـ : (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ).

أي لا تزال تذكر يوسف ولا تنسى ذكره ؛ حتى تسلو ؛ من حزنه ، كأنهم دعوه إلى السلوّ من حزنه ؛ لأنه بالذكر يتجدد الحزن ويحدث ، فقالوا له : لا تزال تذكر يوسف.

(حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً).

قيل : دنفا (١) وقيل : (حَرَضاً) : هرما (٢) ؛ وأصل الحرض : الضعف.

(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ).

كذلك صار يعقوب ضعيفا في بدنه من الحزن ؛ وصار بعض بدنه من الهالكين ؛ حيث ابيضت عيناه ؛ وذهبتا من الحزن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ).

قال القتبي (٣) : الحرض : الدنف ، والبث : أشدّ الحزن ؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثّه ؛ أي : يشكوه ، وكذلك روي في الخبر : (من بثّ فلم يصبر) (٤) ؛ أي : شكا ، وما ذكر من الشكاية إلى الله ليس على إظهار ذلك باللسان ؛ ولكن إمساك في القلب.

وقال الحسن : (أَشْكُوا بَثِّي) أي : حاجتي وحزني إلى الله (٥) ، ويشبه أن يكون البث والحزن واحدا ذكر على التكرار.

وقال بعضهم : الحرض : الذي قد ذهب عقله من الكبر.

(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) فتموت والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

قال بعض أهل التأويل : قوله : أعلم من الله من تحقيق رؤيا يوسف ؛ أنه كائن ما لا تعلمون : أنتم وأنا سنسجد له (٦).

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : [قوله](٧) : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أنه حي

__________________

(١) ذكره ابن جرير (٧ / ٢٧٨) والسيوطي في الدر (٤ / ٥٩) وعزاه لابن الأنباري والطستي بمثله عن ابن عباس.

(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٧٩) (١٩٦٩٧ ، ١٩٦٩٨) عن قتادة ، و (١٩٦٩٩) عن الحسن.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢١).

(٤) أخرج ابن جرير (٧ / ٢٨٤) (١٩٧٣٨) عن مسلم بن يسار مرسلا ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٥٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق عن مسلم بن يسار مرسلا.

(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨١) (١٩٧١٧ ـ ١٩٧٢٠) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ عن الحسن.

(٦) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨١) (١٩٧٢١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٧) سقط في ب.

٢٧٧

لم يمت وهو ما ذكر (١) ؛ أنه كان يعلم من الله ما لا يعلمون هم.

ويشبه أن يكون قوله : أعلم من الله ؛ أي : أنتفع بعلمي ما لا تنتفعون أنتم ، وأصله : أن إخوة يوسف لو علموا أن أمر يوسف يبلغ ما بلغ من الملك والعز ـ ما قصدوا قصد تغييبه عن والده ، ولا سعوا فيه فيما سعوا من إفساد أمره ، لكنهم لم يعلموا والله أعلم ـ أو علم من الله شيئا لم يبين ما لا يعلمون هم ؛ كقول إبراهيم [...](٢) ، وما ذكر أهل التأويل : أن يعقوب قال : كذا ؛ من النياح على يوسف والجزع عليه ؛ لا يحتمل ذلك ؛ لأنه قال ـ حين أخبروه بذلك ـ : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وما ذكروا هم منه ليس هو بصير ؛ فضلا أن يكون جميلا.

وقوله : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ).

قال أهل التأويل : تحسسوا : اطلبوه واستخبروا عنه وعن أخيه (٣) ، لكن غير هذا كأنه أقرب ؛ وهو من وقوع الحس عليه ؛ كأنه قال : اذهبوا فانظروا إليه وإلى أخيه ؛ لأنهم إن لم يكونوا يعلمون أن يوسف أين هو ـ فلقد كانوا يعلمون من (٤) حال أخيه بنيامين أنه أين هو ؛ فلو كان على الطلب والبحث والاستخبار ؛ على ما قاله أهل التأويل ؛ إن احتمل في يوسف فذلك لا يحتمل في أخيه ؛ إذ هم كانوا يعلمون مكانه وأين هو ؛ وإن كانوا لا يعلمون مكان يوسف ولا أين (٥) هو ، وهو إنما أمرهم أن يتحسسوا عنهما جميعا ؛ فدل ـ والله أعلم ـ أنه من وقوع الحسّ والبصر عليهما ؛ لا من البحث والطلب ـ والله أعلم ـ فكأنه علم بالوحي أنه هنالك وأخوه معه ، لكنه لم يخبر بنيه أنه هنالك ؛ لما علم أنهم يتكاسلون ويتثاقلون عن الذهاب إليه ؛ فإنما أمرهم بذلك أمر تعريض لا أمر تصريح.

أو أن يكون قوله : (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ) على الإضمار ؛ أي : تحسسوا من يوسف واسألوا منه ردّ أخيه ؛ لما علم أن أخاه يكون معه.

وقال عامة أهل التأويل : إنما قال لهم هذا ؛ وعلم أنه في الأحياء ؛ لأنه رأى ملك الموت ؛ فقال له : هل قبضت روح يوسف مما قبضت من الأرواح؟ قال : لا (٦).

__________________

(١) انظر تفسير البغوي (٢ / ٤٤٥).

(٢) بياض في ب.

(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٦).

(٤) في ب : عن.

(٥) في ب : وأين.

(٦) ذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦١) وعزاه لابن أبي حاتم عن النصر بن عربي ، وكذا ذكره البغوي (٢ / ٤٤٥).

٢٧٨

وقال بعضهم : رأى في المنام ملك الموت ؛ فقال له ما ذكرنا ؛ فعند ذلك قال هذا القول.

لكنا نقول : إنه كان عالما بأنه في الأحياء ؛ ليس بهالك ؛ لما رأى من الرؤيا وغيره ؛ فعلم أنه لا يهلك إلا بعد خروج رؤياه على الصدق والحق ، لكنه لم يكن يعلم أنه أين هو من قبل ، ثم علم من بعد بالوحي عن مكانه وحاله ؛ فأمر بنيه أن يأتوه ؛ فينظروا إليه وإلى أخيه.

وأصل هذا : أن ما حلّ بيعقوب ـ من فوت يوسف وغيبته عنه ـ محنة امتحنه ربه ، وبلية ابتلاه بها ؛ يبتلى بذلك ؛ حسرة عليه ؛ ألا ترى أن يوسف لو أراد أن يعلم أباه يعقوب عن مكانه وحاله ؛ لقدر عليه ؛ لأنه كان يعلم بمكان أبيه ، وأن يعقوب لا يعلم بمكان يوسف ؛ فلم يعلمه (١) إلا بعد الأمر بالإعلام. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ).

قيل : من رحمة الله (٢).

(إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).

أخبر أنه لا ييئس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ؛ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته فلا ييئس من رحمته ، وأمّا الكافر ؛ فإنه لا يعلم (٣) رحمة الله ولا تقلبه في رحمته ؛ فييأس من رحمته.

فنهاهم عن الإياس ؛ لما كان عندهم أنه هالك ؛ حيث قالوا : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] لما قال لهم : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) [يوسف : ٩٤] وأخوه كان محبوسا بالسرقة ؛ والمحبوس لا يرد في حكمهم.

أو يقول : نهاهم ؛ وإن لم يكونوا آيسين ؛ ثم قوله : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) خبر عن الله ؛ أخبر أنه لا ييئس من [رحمة الله](٤) إلا القوم الكافرون ، وكذلك ما بشر إبراهيم بالولد ؛ حيث قالوا : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [الحجر : ٥٥] نهاه عن القنوط ؛ ولا يحتمل أن يكون إبراهيم قانطا عن ذلك ؛ لكنه نهاه ثم أخبر فقال :

__________________

(١) في أ : يفعله.

(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥) (١٩٧٤١ ، ١٩٧٤٢) عن قتادة ، و (١٩٧٤٤) عن الضحاك.

وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولابن جرير عن الضحاك مثله.

(٣) في أ : لا يعرف.

(٤) في ب : رحمته.

٢٧٩

(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر : ٥٦] والآية ترد على المعتزلة قولهم ؛ لقولهم : إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في النار وأنه ليس بكافر ؛ وهو آيس ـ على قولهم ـ من روح الله ، وقد أخبر أنه (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) وهم يقولون : إن صاحب الكبيرة آيس من روح الله ، وهو ليس بكافر.

قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي على يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) سموه عزيزا ، لما لعلهم يسمّون كل ملك عزيزا ، أو سموه عزيزا ؛ لما كان عند ذلك عزيزا ؛ بقوله : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) [يوسف : ٢١] أو لما كان بالناس إليه حاجة بالطعام الذي في يده ؛ وهو كان غنيّا عما في أيديهم والله أعلم.

قولهم : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ).

قال أهل التأويل : أصابنا الشدة والبلاء من (١) الجوع (٢).

(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ).

قيل : دراهم نفاية مبهرجة لا تنفق في الطعام ؛ كاسدة (٣) ؛ لأنه كان في عزّة ؛ وتنفق في غيره.

وقال أبو عوسجة : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي قليلة. وكذلك قال القتبي (٤) : أي قليلة. وقال ابن عباس : هي الورق الرّديئة (٥) التي لا تنفق حتى يوضع (٦) منها.

__________________

(١) في أ : و.

(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٤٤٦) ، وكذا أبو حيان بمثله في البحر (٥ / ٣٣٦).

(٣) أخرجه ابن جرير بمثله (٧ / ٢٨٦) (١٩٧٤٨ ، ١٩٧٥٣) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٢٢).

(٥) في أ : الردية.

(٦) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٨٥) (١٩٧٤٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٦٢) وزاد نسبته لأبي عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

٢٨٠