تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٦

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٦

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) تأويله ـ والله أعلم ـ : كل الذي نقص عليك أو قصصنا عليك من أنباء الرسل ، نبأ بعد نبأ ، ونبأ على إثر نبأ ؛ ما نثبت به فؤادك.

وقوله : (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) يحتمل وجوها.

أحدها : نثبت به فؤادك ؛ لما يحتمل أن نفسه كانت تنازعه وتناقشه بأن الذي أنزل عليه أو يأتى به ملك ، أو كان ذلك من إيحاء الشيطان وإلقائه عليه ووساوسه ، فقص عليه من أنباء الرسل وأخبارهم ؛ ليكون له آية بينه وبين ربه ؛ ليعلم أن ما أنزل عليه وما يأتي به إنما هو ملك من الله ؛ جاء ليدفع به نوازع نفسه وخطراته ؛ إذ لا سبيل للشيطان إلى معرفة تلك الأنباء ، ولا في وسعه إلقاؤها عليه ، فيكون له بها طمأنينة قلبه ، وهو كقول إبراهيم ؛ حيث قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ...) الآية [البقرة : ٢٦٠] ، كأن نفس إبراهيم تنازعه في كيفية إحياء الموتى ، فسأل (١) ربه ليريه ذلك ؛ ليطمئن بذلك قلبه ، وإن كان يعلم أنه يحيي الموتى ، وأنه قادر على ذلك.

والثاني : قص عليه أنباء الرسل واحدا بعد واحد ؛ ليثبت به فؤاده ليعلم كيفية معاملتهم قومهم ، وما ذا لقوا من قومهم ، وكيف صبروا على أذاهم ليصبر هو على ما صبر أولئك ، وليعامل هو قومه بمثل معاملتهم.

ويشبه أن يكون قوله : (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) بنبأ بعد نبأ ؛ لتنظر وتتفكر في كل نبأ وخبر ، وتعرف ما فيه ، فيكون ذلك أثبت في قلبه (٢) ، وهو كقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢] بإنزال الآية واحدة بعد واحدة ، وسورة بعد سورة ، وذلك أثبت في فؤاده من إنزاله جملة ؛ لأنه يزدحم في مسامعه وفؤاده ، وإذا كان بالتفاريق نظر وتفكر ، فهو أثبت في قلبه وفؤاده ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) قال بعضهم : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) أي : في هذه الأنباء التي قصها عليك جاءك فيها الحق ، وهو ما ذكرناه.

وقال بعضهم : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) أي : في هذه السورة الحق (٣) ، وهو ما ذكر من

__________________

(١) في ب : نسأله.

(٢) في ب : قوله.

(٣) أخرجه ابن جرير عن كل من :

أبي موسى (١٨٧٥٥ ، ١٨٧٥٦) ، وابن عباس (١٨٧٥٧ ، ١٨٧٦١) ، ومجاهد (١٨٧٦٢ ، ١٨٧٦٥ ، ١٨٧٧٢) ، وسعيد بن جبير (١٨٧٦٦) ، وأبي العالية (١٨٧٦٧) ، والربيع بن أنس (١٨٧٦٨) ، والحسن (١٨٧٦٩ ، ١٨٧٧١ ، ١٨٧٧٥) ، وقتادة (١٨٧٧٣ ، ١٨٧٧٤). ـ

٢٠١

الأنباء : نبأ بعد نبأ ، وهو كالأول.

وقال بعضهم : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) أي : في هذه الدنيا الحق (١) ؛ يعني : الآيات والحجج والبراهين لرسالته ودينه (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : جاءك ما تعظ به قومك ، وتذكر به المؤمنين.

[وقوله : (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) خص المؤمنين بذلك لما يكون منفعة الموعظة والذكرى للمؤمنين](٢) وإلا هو موعظة وذكرى للكل.

قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٢٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) المكانة هي : المنزلة والقدر ، يقول : اعملوا أنتم على مكانتكم ومنزلتكم التي لكم عند أتباعكم ، كأنه يخاطب به الأشراف منهم والرؤساء (إِنَّا عامِلُونَ) على المكانة والمنزلة التي لنا عند الله فننظر أينا أرجح؟ نحن أو أنتم؟ وأينا أخسر نحن أو أنتم؟

وقوله ـ عزوجل ـ : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ) يخرج على وجهين :

أحدهما : على التوبيخ والتخويف عند ما بالغ في الحجاج فلم ينجع فيهم ، فقال عند ذلك كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ونحوه.

والثاني : على الإعجاز مما (٣) أرادوا به من المكر والكيد بقوله : اعملوا ما تريدون وأنا أعمل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْتَظِرُوا) أنتم بنا ذلك (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) بكم ذلك.

أو يقول هذا لما كانوا يوعدونه ويخوفونه من أنواع الوعيد ، فيقول : انتظروا بنا ذلك ما تخوفوننا إنا منتظرون بكم ما نخوفكم نحن ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال بعض أهل التأويل : ولله غيب

__________________

ـ وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٤٦) وزاد نسبته لعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس ، ولأبي الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري ، ولأبي الشيخ عن سعيد بن جبير والحسن البصري.

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٤٤) (١٨٧٧٦ ، ١٨٧٧٧) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٤٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، ولأبي الشيخ عن الحسن البصري.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : لما.

٢٠٢

نزول العذاب وغيب ما في الأرض ؛ كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب ؛ كقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) [العنكبوت : ٥٣] وكقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] وقوله : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فقال : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : علم ذلك عند الله ، وكقوله : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٥٨] وأمثاله.

ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على الله من إنزال القرآن ، وجعل الرسالة في غيره كقولهم (١) : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] و (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] فقال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ ...) الآية [الزخرف : ٣٢] ، وقال : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] فعلى ذلك قوله : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا إلى الخلق ، والله أعلم بما أراد (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم (فَاعْبُدْهُ) أي : اعبده في خاص نفسك (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) في تبليغ الرسالة إليهم ؛ أي : لا يمنعنك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة ، ولا تخافن منهم ، فإن الله يحفظك من كيدهم ومكرهم بك ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] و (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) هذا يؤيد ما ذكرناه ؛ أي : ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهم ؛ بل يعلم ذلك ، وينصرك ، وينتصر منهم ، وهو كقوله لموسى وهارون : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى. قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى. قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٤ ، ٤٦] أي : اسمع قوله وجوابه [إياكما ، وأرى ما يفعل ، أي : أنصركما فلا تخافا ؛ فعلى ذلك الأول ، والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم](٢).

* * *

__________________

(١) في أ : كقوله.

(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.

٢٠٣

[سورة يوسف عليه‌السلام](١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٢)

قوله ـ عزوجل ـ : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).

ذكر تلك ، وهي كلمة إشارة إلى شيء سبق ذكره ، ولم يتقدم فيه ذكر شيء يشار إليه ، وذكر آيات ـ أيضا ـ وليس هنالك ذكر آيات أو شيء يكون آية في الظاهر ، لكنه يشبه أن يكون قوله : (تِلْكَ) بمعنى : هذه آيات ، ويجوز استعمال «تلك» مكان «هذه» ، على ما يجوز ذكر «ذلك» مكان «هذا» ؛ كقوله : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ١ ، ٢] ، أي : هذا الكتاب.

أو أن يكون قوله : (تِلْكَ) إشارة إلى ما في السماء ، أي : الذي في السماء آيات الكتاب.

أو يقول : (تِلْكَ) إشارة إلى [ما في اللوح المحفوظ أو إشارة إلى](٢) ما في الكتب المتقدمة ، أي : تلك آيات الكتاب.

(الْمُبِينِ) يحتمل المبين أنها آيات الرسالة ، أو بين أنها من عند الله.

وقوله : (آياتُ الْكِتابِ) هذا ـ أيضا ـ يشبه أن يخرج على وجهين :

أحدهما : إشارة إلى الحروف المقطعة المعجمة فقال : تلك الحروف المقطعة إذا جمعت كانت آيات الكتاب.

أو أن يكون الله أراد أمرا لا نعلم ما أراد ، فيقول : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) ، أي : ذلك الذي أراد هو آيات الكتاب ، والله أعلم بما أراد.

وقوله : (الْمُبِينِ).

قيل : (الْمُبِينِ) ، أي : ليبين فيه الحلال والحرام ، وما يؤتى وما يتقى ؛ كقوله : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩].

وقال بعضهم : ليبين بركته وهداه ورشده ، أو بين فيه الحق من الباطل ، والعدل من الجور.

والكتاب هو اسم ما يكتب ، وسمي قرآنا ؛ لما يقرأ ، وكتابا (٣) ؛ لما عن كتاب أخذ ورفع والقرآن لما قرئ عليه.

__________________

(١) في ب : السورة التي فيها ذكر يوسف النبي عليه‌السلام.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : أو كتابا.

٢٠٤

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) قوله : (أَنْزَلْناهُ) : الهاء كناية عن الكتاب الذي تقدم ذكره.

(قُرْآناً عَرَبِيًّا) أنزله بلسان العرب ، ولا ندرى بأى لسان كان في اللوح المحفوظ ، غير أنه أخبر أنه أنزله بلسان العرب ، وهكذا كل كتاب أنزل إنما أنزل بلسان المنزل عليهم ، لم ينزل بغير لسانهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

ما لكم وما عليكم ، وما تأتون وما تتقون ، أو تعقلون أن هذه الأنباء التي يخبركم بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الله ـ تعالى ـ لأنها كانت في كتبهم بغير لسانه ، فأخبر على ما كانت في كتبهم ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.

أو لعلكم تعقلون بأن فيه شرفكم ؛ لأنكم تصيرون متبوعين لما يحتاج الناس إلى معرفة ما فيه ، ولا يوصل ذلك إلا بكم فتكونون متبوعين والناس أتباع لكم ؛ وهو كقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠] ، قال أهل التأويل : أي : فيه شرفكم ، والله أعلم.

قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (٦)

وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ).

قال بعضهم : قوله : (نَقُصُّ عَلَيْكَ) ، أي : نبين عليك أحسن البيان (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ).

وقال بعضهم : (نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي : نخبرك أحسن ما في كتبهم من القصص ، وأحسن ما في كتبهم من الأنباء والأحاديث.

وقوله : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : أصدقه ، وكذلك قوله (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً) [الزمر : ٢٣] ، وأحسن الحديث : أصدقه وأحسن القصص (١) ؛ أي : أصدقه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ) أي : وقد كنتم من قبله (لَمِنَ الْغافِلِينَ).

__________________

(١) قال القرطبى : وذكر العلماء لكون هذه القصة أحسن القصص وجوها :

أحدها : أنه ليست قصة في القرآن تتضمن من العبر والحكم ما تتضمن هذه القصة ؛ لقوله تعالى في آخرها : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ)[يوسف : ١١١]. ـ

٢٠٥

عن هذه الأنباء ، وعن قصصهم ؛ فهذا يدل أن الإيمان بجملة الأنبياء والرسل إيمان ، وإن لم يعرف أنفس الأنبياء وأنفس الرسل وأساميهم ؛ لأنه أخبر أنه كان غافلا عن أنبائهم ، وعن قصصهم ، ولا شك أنه كان مؤمنا بالله مخلصا ، وبالله العصمة.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أحسن القصص : كلام الرحمن.

وقال مجاهد : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣] : كلام ربّ العالمين.

وقوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) يخرج على وجهين :

أحدهما : أن يكون الذي سألوا عنه رسول الله عن قصة يوسف صيرورة بني إسرائيل بمصر ، وقد كانوا من قبل بالشام ، فقال : تلك الأنباء والقصص نجعلها آيات هذه السّورة التي هي من الكتاب المبين.

أو تلك آيات حجج وبراهين لرسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ هي من أنباء الغيب عنهم ، فعلم الأنباء عنها بالله سبحانه وتعالى.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) دل قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) إن إخوة يوسف كانوا علماء وعيون الأرض ، نجوما يقتدى بهم ويهتدى ؛ إذ بالنجوم يقتدى في الأرض ، وبها يهتدون الطرق والمسالك.

ودل قوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) حيث ـ خرج على أبويه ـ أنه كان بهما جميع منافع الخلق ؛ إذ بهما صلاح جميع الأغذية في الأرض ، ونضج جميع الفواكه والأنزال ، وجميع المنافع التي بالناس حاجة إلى ذلك.

ودل قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) أن الرؤيا تخرج على عين ما رأى ، وتخرج على غيره بالمعنى الذي يتصل به ؛ لأنه رأى الكواكب

__________________

ـ وثانيها : لحسن مجاوزة يوسف عن إخوته ، وصبره على أذاهم ، وعفوه عنهم بعد التقائهم عن ذكر فعلهم ، وكرمه في العفو عنهم ، حتى قال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)[يوسف : ٩٢].

وثالثها : أن فيها ذكر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ والصالحين ، والملائكة ، والجن ، والشياطين ، والإنس ، والطير ، وسير الملوك ، والمماليك ، والتجار ، والعلماء ، والجهال ، والرجال ، والنساء وحيلهن ومكرهن ، وذكر التوحيد ، والفقه ، والسير ، وتعبير الرؤيا ، والسياسة ، والمعاشرة ، وتدبير المعاش ، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا.

ورابعها : أن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما.

وخامسها : أن «أحسن» هنا بمعنى : أعجب.

وسادسها : سميت أحسن القصص ، لأن كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة ، وانظر إلى يوسف ، وأبيه وإخوته ، وامرأة العزيز ، قيل : والملك أيضا أسلم بيوسف ، وحسن إسلامه ، ومستعبر الرؤيا ، والساقي ، والشاهد ـ فيما يقال ـ فما كان أمر الجميع إلا إلى خير ، والله ـ تعالى ـ أعلم. ينظر : اللباب (١١ / ٦ ، ٧).

٢٠٦

والشمس والقمر فخرج على إخوته وأبويه ؛ كأن المراد بالكواكب والنجوم ، غير الكواكب ، وغير الشمس والقمر ، وذلك لمعنى ، وذكر السجود وخرج على عين السجود وحقيقته ، وكذلك ما رأى إبراهيم في المنام ذبح ولده خرج الذبح على [حقيقة الذبح](١) هو ذبح الكبش ، ورأى ابنه ، وكان المراد منه الكبش ، فهذا أصل لنا أن الخطاب يخرج والمراد منه على عين ذلك الخطاب لا غير ، وقد يخرج لمعنى فيه ، فإذا اتصل ذلك المعنى بغير ، وجب ذلك الحكم.

وفيه جواز الاجتهاد وطلب المعنى في المخاطبات ، وكذلك ما ظهر في الناس من تعبير الرؤيا على الاجتهاد ، يدل على جواز العمل بالاجتهاد.

قال بعض أهل التأويل : إن يوسف لما قصّ رؤياه على أبيه بين يدى إخوته قال له : هذه رؤيا النهار ليست بشيء.

وقال ليوسف في السرّ : إذا رأيت رؤيا بعد هذا ، فلا تقصها على إخوتك.

لكن هذا كذب ؛ فلا يجوز أن يكذب رسول الله يعقوب يقول له : رؤيا النهار ليست بشيء ، ثم يعبر له في السرّ ، ولا يتوهم على نبي من أنبياء الله الكذب ، وهو كذب ، فإن كان فهو بالأمر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ).

دل قوله : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) على أن ما رأى يوسف من سجود (٢) الكواكب له ، وسجود الشمس والقمر أنه إنما كان رأى ذلك في المنام ، ويدل ما ذكر في آخره أيضا على ذلك ، وهو قوله : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ١٠٠] ودل قوله : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) أن يعقوب إنما عرف ذلك بالوحي ؛ حيث قطع القول في قوله : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) ، ولم يستثن في ذلك ، وقد فعلوا به ما قال.

وفيه دلالة أن إخوته قد كانوا يعرفون تعبير الرؤيا ، وكانوا علماء حكماء ؛ حيث قال : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) ، لأنهم لو كانوا لا يعرفون تأويلها ولا علموا تعبيرها لم يكن لينهاه عن أن يقص على إخوته ؛ لأنه لو قصها أو لم يقصها إذا لم يعلموا سواء ، وفيه دلالة أن الأخ [لا](٣) يتهم في أخيه ، ويكون من الأخ الخيانة إلى أخيه (٤) ، والأب والأم

__________________

(١) في أ : حقيقته.

(٢) في ب : السجود.

(٣) سقط في أ.

(٤) في الآية دليل على تحذير المسلم أخاه المسلم ، ولا يكون ذلك داخلا في معنى الغيبة ؛ لأن يعقوب قد حذر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته ؛ فيكيدوا له كيدا ، وفيها أيضا : دليل على جواز ترك ـ

٢٠٧

يتهمان في الابن ، والولد يتهم في والديه ، ولا يكون من بعض إلى بعض خيانة في الغالب ؛ لأن يعقوب نهى ولده يوسف أن يقصها على إخوته ، وأخبر أنهم إذا علموا بذلك كادوه وحسدوه ، ولم ينهه بمثله في أمه ؛ دل أن الأخ لا يتهم في شهادة أخيه ، ويتهم الأب والأم في شهادتهما لولدهما ، وكذلك الولد يتهم في والديه ، ولهذا قال أصحابنا : إن شهادة الوالد لولده لا تقبل ، وكذلك شهادة الولد لوالديه ، وأما شهادة الأخ لأخيه تقبل وإنما كان كذلك ؛ لما ينتفع الولد بمال والديه ، والوالد بمال ولده ، ولا ينتفع الأخ بمال أخيه ، وكل من انتفع بمال آخر اتهم في شهادته له ، ولم تقبل شهادته ، وكل من لم ينتفع به قبلت ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

ظاهر العداوة.

وقال موسى حين قتل ذلك الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] بدء كل شر يكون من الشيطان ، يقذف في القلوب ، ويخطر في الصدور ، ثم تكون العزيمة على ذلك والفعل من العبد ، وهو ما قال : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [الأعراف : ٢٠٠] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ ...) الآية [الأعراف : ٢٠١].

والطيف والنزغ : هو القذف والوسوسة ، فإذا ذكر الله ذهب.

وقيل : الكيد والمكر سواء ، وهو قول أبي عوسجة.

وقال القتبي (١) : الكيد : هو الاحتيال والاغتيال (٢).

وقيل : الكيد : هو أن يطلب إيصال الشر (٣) به على غير علم منه ؛ وكذلك المكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ).

تأويله ـ والله أعلم ـ أي : كما اجتبى ربك أبويك بالرسالة والنبوة ، واصطفاهم بأنواع الخيرات ، وأتم نعمته [عليهم ، كذلك ليجتبيك ربك ويتم نعمته](٤) عليك وعلى آل يعقوب.

__________________

ـ إظهار النعمة عند من يخشى غائلته حسدا ، وفيها أيضا : دليل على معرفة يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ بتأويل الرؤيا ؛ فإنه علم من تأويلها : أنه سيظهر عليهم.

ينظر : اللباب (١١ / ١١٤).

(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢١٢).

(٢) ذكره بمعناه البغوي (٢ / ٤٠٩) ، وكذا أبو حيان (٥ / ٢٨١).

(٣) في أ : شر.

(٤) سقط في أ.

٢٠٨

ويحتمل قوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي : كما اجتباك ربك بالرؤيا التي أراك ، يفعل ذلك بك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ، قيل : تعبير الرؤيا (١).

وقال بعضهم : علمه تأويل الصحف التي كانت لإبراهيم وغيره ، وعلمه تأويل تلك الصحف والأحاديث.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها).

قال بعضهم : كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق حين أراد ذبح ابنه ، فجعل مكانه كبشا ؛ فعلى ذلك يتم نعمته عليك ، ويسجد لك إخوتك وأبويك.

ثم من الناس من استدل بهذا أن الذبيح كان إسحاق ؛ لأنه ذكر إتمام نعمته على إبراهيم وإسحاق.

ودل قوله : (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) على أنه قد اجتباهم بالنبوة من بعد ـ أعني : أولاد يعقوب ـ لأن ولده من آله ، وقد أخبر أنه يجتبيهم ويتم نعمته عليهم ؛ كما فعل بأبويه (٢) : إبراهيم وإسحاق ، وكذلك روي عن الحسن أنه قال في إخوة يوسف : نبئوا بعد ما صنعوا بيوسف ما صنعوا.

وقال بعضهم : تأويل الأحاديث : العلم والكلام (٣).

قال : وكان يوسف أعبر الناس ، وهو ما قال الله ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [يوسف : ٢٢].

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) بما صنع به إخوته ، أو عليم بما ذكر من التمام ، (حَكِيمٌ) : وضع كل شيء موضعه ، والله أعلم.

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ)(١٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) الآية.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥١) (١٨٨٠٣) عن مجاهد. وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

(٢) في أ : بأبويهم.

(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥١) (٤ ـ ١٨٨) عن ابن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن زيد.

٢٠٩

آية للسائل إذا كان السائل مسترشدا ، وكذلك القرآن كله ، هو حجة وآية للمسترشد ، وأما المتعنت فهو آية عليه.

ثم يحتمل قوله : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) : السائلين الذين سألوا ؛ على ما ذكر في بعض القصة أن اليهود سألوا النبي عن أمر يوسف ونبئه ، فأخبرهم بالحق في ذلك على ما كان ، فهو آية لهم إن ثبت ذلك.

ويحتمل قوله : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) : السائلين الذين يسألون من بعد إلى آخر الدهر عن نبأ يوسف ، كل من سأل عن خبره ونبئه فهو آية لهم.

ثم وجه جعله آية يحتمل وجوها :

أحدها : أنه جعل قصة يوسف ونبأه [سورة ، وتلك السورة هي آيات الكتاب ؛ على ما ذكر : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) ؛ جعل قصة يوسف ونبأه](١) آيات من الكتاب.

ويحتمل ـ أيضا ـ أنه جعل آية ؛ أي : حجة لنبوة رسوله ورسالته ؛ لأن قصته ونبأه كان في كتبهم بغير لسانه من غير ترجمة أحد منهم ولا تعليم ، ثم أخبرهم على ما كان في كتبهم من غير زيادة ولا نقصان دل أنه أنما علمه بالله ـ تعالى ـ لا أنه أخذه من كتبهم ، وهو ما ذكر في القصة أن اليهود سمعوا النبي يقرأ سورة يوسف ، فقالوا : يا محمد ، من علمكها؟ قال : «الله علمنيها» فعجبوا من قراءته إياها على ما كانت في كتبهم ؛ دل أنه إنما عرفها بالله تعالى (٢).

ثم يحتمل أن يكون آية لمن سأل عن حجة رسالته ، أو هو آية لمن سأل عنها ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).

في الآية دلالة أن لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالعطف عليه والميل إليه ، إذا كان فيه معنى ليس ذلك في غيره ؛ ولهذا قال أصحابنا : إنه لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالهبة له أو الصدقة عليه إذا لم يقصد بها الجور على غيرهم (٣) من الأولاد.

ثم يحتمل تخصيص يعقوب يوسف وأخاه بالحب لهما وجوها :

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط في ب.

(٢) أخرجه البيهقى في الدلائل (٦ / ٢٧٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣) وعزاه للبيهقى في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

(٣) في ب : غيره.

٢١٠

أحدها : لما رأى فيهما من الضعف في أنفسهما ، والعجز في أبدانهما ، فازدادت شفقته لهما وعطفه عليهما لذلك ، وهذا مما يكون فيما بين الخلق.

أو كان ذلك منه لهما لصغرهما ، وهذا ـ أيضا ـ معروف في الناس أن الصغار من الأولاد يكونون (١) عندهم أحب ، وقلوبهم إليهم أميل ، وعليهم (٢) أعطف ، ولهم أرحم من الكبار منهم.

أو خصهما بذلك لفضل خصوصية كانت لهما إما من جهة الدين ، أو العلم ، أو غيره ، أمره الله بذلك لذلك من دون غيرهما.

أو لما بشر يعقوب بنبوة يوسف ، فكان يفضله على سائر أولاده ، ويؤثره عليهم لذلك.

وإنما قالوا : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) بآثار تظهر عندهم ، وإلا حقيقة المحبة لا تعرف.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).

قيل : العصبة : الجماعة (٣).

وقال بعضهم : العصبة من عشرة إلى أربعين (٤) ، والعصبة : الجماعة ، أي : نحن جماعة ولنا منعة ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن التسعة مع الإمام تكون منعة يستوجبون ما تستوجب السرية إذا دخلت دار الحرب ، فغنمت غنائم يخمس منها.

وقوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

لم يعنوا ضلال الدين ؛ إنما قالوا ذلك ـ والله أعلم ـ إنا جماعة تقدر على دفع من يروم الضرر به ، ويقصد قصد الشر بنفسه وماله ، ونحن أولو قوة ، بنا يقوم معاشه وأسبابه ، فكيف يؤثر هؤلاء علينا؟! وكذلك قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] ، لم يرد به ضلال الدين ، ولكن وجها آخر ، وقالوا ذلك ؛ لما كانت له منافع من أنفسهم لم تكن تلك المنافع من يوسف وأخيه ، وأبدا إنما يؤثر المرء حب من له منافع من قبله ، لا حبّ من لا منفعة له منه ، فهو فيه في ضلال مبين ؛ حيث يؤثر حب من لا منفعة له منه على حب من كانت له منه منافع وأمثاله ، والله أعلم.

وقولهم : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).

لا يحتمل أن يكونوا عزموا على قتله ، ولكن على المشاورة فيما بينهم : نفعل ذا أو ذا ؛

__________________

(١) في ب : يكون.

(٢) في أ : عليه.

(٣) ذكره ابن جرير (٧ / ١٥٢) ، والبغوي (٢ / ٤١١).

(٤) ذكره البغوي (٢ / ٤١١) ، وأبو حيان في البحر (٥ / ٢٨٤).

٢١١

كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ، ليس على العزيمة على واحد ، ولكن على المشورة فيما بينهم ، يدل على ذلك قوله : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أنهم أرادوا أن يخلو وجه أبيهم لهم ، لا قتله ، إنما أرادوا غيبته عنه.

وقال بعضهم : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).

أى : يقبل عليكم أبوكم بوجهه.

وقال بعضهم : أي : يفرغ لكم من الشغل بيوسف (١).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ).

يحتمل : (صالِحِينَ) ، أي : تائبين.

وقال بعضهم : تكونوا صالحين عند أبيكم من بعده (٢).

وقال بعضهم : يصلح أمركم وحالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف (٣).

وجائز أن تكونوا قوما صالحين في الآخرة ، وقالوا : إنهم تابوا قبل أن يزلوا ويعصوا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ).

قال أبو عوسجة : يعني : في قعر البئر ، والغيابة : ما يغيبه ويواريه ، والجب : البئر ، والجباب جمع.

وقال أبو عبيدة (٤) : الغيابة : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ).

أي : يرفعه بعض السيارة ؛ ولذلك يقال للطائر : يلتقط الحبّ ، ويلقط : أي : يرفع.

(إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) : إن كنتم لا بد فاعلين أن تغيبوه عنه.

وأما قول أهل التأويل إن قوله : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) قاله فلان أو فلان ، فذلك مما لا نعرفه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، والله أعلم.

وقال أبو عوسجة (٥) : السيارة أصلها من السير ، هو مثل المسافر ، وهي القافلة ؛ يعني : العير.

وقيل : الجب : الركية التي لم تطو بالحجارة ، فإذا طويت فليس بجب (٦).

__________________

(١) ذكره ابن جرير (٧ / ١٥٢) والبغوي (٢ / ٤١٢).

(٢) في ب : بعد.

(٣) ذكره البغوي (٢ / ٤١١) ، وبمعناه ذكره الرازي (١٨ / ٧٦).

(٤) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٠٢).

(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٥٤) (١٨٨٢١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٦) انظر ابن جرير (٧ / ١٥٤) والبغوي (٢ / ٤١٢).

٢١٢

قوله تعالى : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(١٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ).

دل قوله : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) على أنهم قد طلبوا إخراجه من أبيهم غير مرة ؛ لأن مثل هذا الكلام لا يتكلم به مبتدأ على غير مسابقة شيء من أمثاله ، فدل أنهم قد استأذنوه في إخراجه غير مرة.

(وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ).

الناصح : هو الدال على ما به نجاته ، أو الدال على كل خير ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

كأن يعقوب صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاف على نفسه ـ أعني : يوسف ـ الضيعة بتركهم حفظه (١) ، فأمنوه على ذلك بقولهم : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

وخاف عليه الضياع من جهة الجوع بتركهم حفظه أوقات الأكل فأمنوه على ذلك بقولهم : (يَرْتَعْ) أي : يأكل.

وخاف قلبه أن يكلفوه أمرا يشق عليه ويشتد ، فأمنوه [أيضا على ذلك](٢) بقولهم (وَيَلْعَبْ) لأنه ليس في اللعب مشقة ولا شدة ، فخاف عليه الضياع بالوجوه التي ذكرنا ، فأمنوه على تلك الوجوه كلها حتى استنقذوه من يديه.

وقوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ).

قال بعضهم : يرتع : يأكل ، ويلعب : يلهو كأنه خرج جوابا لقوله : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ، قالوا له : لا تحزن عليه فإنه يرتع ويلعب ؛ على التقديم والتأخير.

وقال بعضهم : يرتع : ينشط (٣) ، ويلعب : يتلهى (٤).

__________________

(١) في ب : حفظهم.

(٢) في ب : على ذلك أيضا.

(٣) في أ : ينبسط.

(٤) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ١٥٥ ، ١٥٦) عن كلّ من :

ابن عباس (١٨٨٢٦ ، ١٨٨٢٧) ، وقتادة (١٨٨٢٨ ، ١٨٨٢٩ ، ١٨٨٣٠ ، ١٨٨٣٥) ، والضحاك (١٨٨٣١ ، ١٨٨٣٢ ، ١٨٨٣٦) ، والسدي (١٨٨٣٣ ، ١٨٨٣٤).

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

٢١٣

وقرئ بالنون (١) : نرتع ونلعب.

قال القتبي (٢) : نرتع ، أي : نأكل ؛ يقال : رتعت الإبل : إذا رعت ، وارتعتها : إذا تركتها ترعى ، ويقرأ نرتع ، بكسر العين ، والمراد منه أن نتحارس ويرعى بعضنا بعضا ؛ أي : يحفظه ، ومنه يقال : رعاك الله ؛ أي : حفظك الله.

وقوله : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) قالوا : يلعب فيما يحل ويسع من نحو الاستباق وغيره ، وهو ما ذكروا : (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) ، واللعب في مثل هذا يحل ، وقد روي ـ أيضا ـ في الخبر أنه قال : «لا يحل اللعب إلا في ثلاث» وفيه : «معالجة الرجل فرسه أو قوسه ، وملاعبة الرجل امرأته» ، أخبر أنه لا يحل إلا ثلاث ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).

قال : إني ليحزنني ، عند الواقع به والغائب عنه من النعمة التي أنعمها عليه ؛ لأنه كان نعمة عظيمة له فات النظر إليه ، فذكر الحزن على ما فات عنه ، وذكر الخوف لما خاف وقوعه في وقت يأتي وما سيقع ؛ فهذا تفسير قوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢] لا يحزنون ؛ لأنه موجود للحال ، غير فائت (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ، أي : لا يخافون فوته ؛ لأن خوف فوت النعمة ينقص على صاحبه النعمة ، فآمنهم على ذلك ، وهو ما ذكرنا أن الحزن يكون بالواقع للحال ، والخوف على ما سيقع ، والله أعلم.

__________________

(١) في (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) أربع عشرة قراءة :

إحداها : قراءة نافع : بالياء من تحت ، وكسر العين.

الثانية : قراءة البزي ، عن ابن كثير : نرتع ونلعب بالنون وكسر العين.

الثالثة : قراءة قنبل ، وقد اختلف عليه : فنقل عنه ثبوت الياء بعد العين وصلا ووقفا ، وحذفها وصلا ووقفا ، فيوافق البزي في أحد الوجهين عنه ، فعنه قراءتان.

الخامسة : قراءة أبي عمرو ، وابن عامر : نرتع ونلعب بالنون ، وسكون العين والباء.

وقرأ جعفر بن محمد : نرتع بالنون ، ويلعب بالياء ، ورويت عن ابن كثير.

وقرأ العلاء بن سيابة : يرتع ويلعب بالياء فيهما ، وكسر العين وضم الباء.

وقرأ أبو رجاء كذلك ، إلا أنه بالياء من تحت فيهما.

والنخعى ويعقوب : نرتع بالنون ، ويلعب بالياء.

وقرأ مجاهد وقتادة ، وابن محيصن : يرتع ويلعب بالياء.

والفاعلان في هذه القراءات كلها مبنيان للفاعل.

وقرأ زيد بن علي : يرتع ويلعب بالياء من تحت فيهما مبنيين للمفعول.

وقرئ : نرتعى ونلعب بثبوت الياء ورفع الباء.

وقرأ ابن أبي عبلة : نرعى ونعلب.

فهذه أربع عشرة قراءة منها ست في السبع المتواتر وثمان في الشواذ.

(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢١٢).

٢١٤

وقوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).

قال بعض أهل التأويل : كان يعقوب ـ عليه‌السلام ـ رأى في المنام أن يوسف أخذه الذئب (١) ، فمن ثمة قال : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنّ رؤيا الأنبياء أكثرها [صدق وحق](٢) ، فلا يحتمل أن رأى ذلك ثم يقول : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) أو يدعه يذهب معهم ، لكنه خاف عليه أكل الذئب على ما يخاف على الصبيان في المفاوز والبراري ؛ إذ الخوف على الصبيان في المفاوز والبراري والضياع عليهم يكون بالذئب أكثر من [أي] وجه آخر ؛ لأنه جائز أن يفترسه سبع من السباع عند مغافصته إخوته واشتغالهم بما ذكر من الاستباق ، ولا يحتمل الضياع من الناس يأخذه واحد من بين نفر.

وقال بعض أهل التأويل : إن قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) كناية عن بنيه ؛ أي : أخاف أن تهلكوه وتضيعوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).

أولو قوة.

(إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ).

تأويله ـ والله أعلم ـ : لئن أكله الذئب ونحن عصبة ؛ أي : جماعة (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) أي : كأنا نحن سلمناه إلى الذئب ، وعرضناه للضياع ؛ هذا ـ والله أعلم ـ معنى الخسران الذي ذكروا ، وإلا لم يلحقهم الخسران إذا أكله الذئب ؛ لأنه إذا كان بهم قوة المنع فلم يمنعوه فكأنهم ضيعوه.

قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ)(١٨)

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) : [غيابة الجب](٣) قد ذكرناه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

يحتمل قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) : وحي نبوة ، أو وحي بشارة النجاة من ذلك الجب ، أو

__________________

(١) ذكره الرازي (١٨ / ٧٨) ، وابن عادل في اللباب (١١ / ٤٥) ، والبغوي (٢ / ٤١٣).

(٢) في ب : حق وصدق.

(٣) سقط في أ.

٢١٥

بشارة الملك له والعز.

ثم قوله : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

قال بعضهم : هو قول يوسف (١) حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ ...) الآية [يوسف : ٨٩] (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) [يوسف : ٩٠] هذا الذي نبأهم يوسف وهم لا يشعرون بذلك.

ويشبه أن يكون قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) أي : إلى يعقوب (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، ويكون قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) هو ما قال لهم : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ...) الآية [يوسف : ٨٧] أمرهم أن يطلبوه ويتحسسوا من أمره ؛ كأنه علم أنه حي ؛ كقوله (٢) : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنه حي ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) [يوسف : ٩٤] ولهذا قال حين ألقى الثوب على وجهه فارتد (٣) بصيرا : (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وذلك تأويل قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) إن كانت الآية في يعقوب ، وإن كانت في يوسف فهو ما ذكرنا ، والله أعلم بذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) الآية.

فى الآية دلائل :

أحدها : أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب ، ولا يصير كافرا ، ومن ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان ؛ لأن إخوة يوسف همّوا بقتل يوسف ، أو طرحه في الجب ، والتغييب عن وجه أبيه ، وإخلائه عنه ، وذلك لا يخلو منهم : إما أن تكون صغيرة أو كبيرة :

فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ...) الآية [يوسف : ٩٧] ؛ دل أنهم إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها.

وإن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان ؛ حيث صاروا أنبياء من بعد وصاروا قوما صالحين ؛ حيث قالوا : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩].

دل ما ذكرنا على نقض قول المعتزلة في صاحب الصغيرة أن لا تعذيب عليه ، وصاحب الكبيرة أنه خرج من الإيمان ، ونقض قول الخوارج في قولهم : إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافرا مشركا.

__________________

(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ١٥٨) (١٨٨٤٣ ، ١٨٨٤٦) عن مجاهد ، والبغوي (٢ / ٤١٣).

(٢) في ب : لقوله.

(٣) في أ : وارتد.

٢١٦

وفيه نقض قول من يقول : إن من كذب متعمدا أو وعد فأخلف أو اؤتمن فخان يصير منافقا ؛ لأن إخوة يوسف اؤتمنوا فخانوا ، ووعدوا فأخلفوا ، وحدثوا فكذبوا ، فلم يصيروا منافقين ؛ لأنهم قالوا : أكله الذئب ، [ولم يأكله](١) ، وهو كذب ، واؤتمنوا ، فخانوا حين ألقوه في الجبّ ، ووعدوا أنهم يحفظونه ، ولم يحفظوه.

فإن قيل : روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثلاث من علامات النفاق : من إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن [خان ، وإذا وعد أخلف]» (٢) فكيف يوفق بين الآية والخبر؟! إذ هو لا يحتمل النسخ ؛ لأنه خبر ، والخبر لا يحتمل النسخ.

قيل : يشبه أن يكون هذا في قوم خاص من الكفرة اؤتمنوا بما أودع في التوراة من نعت (٣) محمد ، فغيروه ، ووعدوا أن يبينوه ، فأخلفوا وكتموه ، وحدثوا أنهم بينوه ، فكذبوا ، أو يصير (٤) منافقا بما ذكر ، إذا كان ذلك في أمر الدين ، وأما في غيره : فإنه لا يصير به منافقا ، ولا يكون ذلك من أعلام المنافق ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ).

هذا القول منهم له في الظاهر عظيم ؛ لأنهم قالوا : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) ، ولا يحتمل أن يكونوا عنده صدقة ثم يكذبهم ، يكون نبي من الأنبياء يعلم صدق إنسان ثم لا يصدقه ؛ هذا بعيد ، لكن يحتمل قولهم : وما أنت بمؤمن لنا في هذا ولو (٥) كنا صادقين عندك من قبل في غير هذا.

أو يكون قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، أي : تتهمنا ولا تصدقنا ؛ لأنه اتهمهم ؛ حيث قال : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فاعترضت له التهمة ، وليس في الاتهام تكذيب ؛ إنما فيه الوقف ؛ لأن من ائتمن آخر في شيء ثم اتهمه فيه ، لا يكون في اتهامه إياه تكذيبه ؛ فعلى ذلك قولهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، أي : تتهمنا لما سبقت من التهمة ولو كنا صادقين.

__________________

(١) في ب : ولما أكله.

(٢) أخرجه مسلم (١ / ٧٨) كتاب الإيمان ، باب بيان خصال المنافق (١٠٧ ، ١١٠ / ٥٩) ، والترمذي (٤ / ٣٧٣) باب ما جاء في علامة المنافق (٢٦٣١) ، وأحمد (٢ / ٣٩٧ ، ٥٣٦) ، وأبو يعلى (٦٥٣٣) ، وأبو عوانة (١ / ٢١) ، وابن عدي (٧ / ٢٦٩٩) ، والبغوي (٣٦) ، والبيهقي (٦ / ٢٨٨) عن أبي هريرة. وفي ب : فخان إذا وعد فأخلف.

(٣) في أ : بعث.

(٤) في أ : فيصير.

(٥) في أ : وما.

٢١٧

على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية ، وإلا لم يجز أن يكون نبي من الأنبياء يكذب من يعلم أنه صادق في خبره وقوله.

فإن قيل في قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) : كيف خاف ذلك وقد قال له يعقوب : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ ...) الآية [يوسف : ٦] ؛ أنبأه أنه يجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث ويتم [عليه نعمته](١) ، فكيف خاف عليه أكل الذئب والضياع ، وذلك لا يحتمل أن يقول له إلا بعلم من الله والوحي إليه؟

قيل : يحتمل أن يكون ما ذكر على شرط الخوف أنه يخاف مما ذكر فيكون له ما قال من الاجتباء ، وتعليم الأحاديث ، وإتمام النعمة عليه.

أو خاف ذلك على ما خافوا جميعا على ما هم عليه من الدين وإن عصموا عما خافوا جميعا ؛ حيث قال إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥] ، ومعلوم أن إبراهيم لا يعبد الأصنام ، وقال يوسف : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١] وأمثاله ، وهو ما ذكرنا في غير موضع أن العصمة لا تزيل الخوف ، ولا تؤمن عن ارتكاب مضاداته ؛ بل يزيد الخوف على ذلك الأخيار والأبرار ؛ كان خوفهم وإشفاقهم على دينهم أكثر من غيرهم ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ).

قال بعضهم : أي : نشتد إلى الصيد (٢).

وقال أبو عوسجة : (نَسْتَبِقُ) هذا من السباق ؛ أي : يعدون حتى ينظروا أيّهم يسبق (٣) ؛ أي : يتقدم من صاحبه ويغلبه في العدو.

وقال القتبي (٤) : (نَسْتَبِقُ) ، أي : ننتضل (٥) ، يسابق بعضنا بعضا في الرمى ؛ يقال : سابقته فسبقته ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ).

الدم لا يكون كذبا ، لكنه ـ والله أعلم ـ جاءوا على قميصه بدم قد كذبوا فيه أنه دم يوسف وأن الذئب أكله (٦) ، ولم يكن.

__________________

(١) في ب : نعمته عليه.

(٢) ذكره البغوي بمعناه (٢ / ٤١٤) ونسبه للسدى.

(٣) في ب : يستبق.

(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢١٣).

(٥) انظر تفسير البغوي (٢ / ٤١٤) ، وابن جرير (٧ / ١٥٩) ، والرازي (١٨ / ٨١).

(٦) قال بعض العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم ، قرن الله بهذه العلامة تعارضها ، وهي سلامة القميص من التخريق ؛ إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس ـ

٢١٨

وقال الفراء : (بِدَمٍ كَذِبٍ) : بدم مكذوب ، والعرب قد تستعمل المصدر في موضع المفعول.

ثم قال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ).

أي : زينت لكم أنفسكم. والتسويل : هو التزيين في اللغة ؛ وتأويله ـ والله أعلم ـ أي : زينت لكم أنفسكم ودعتكم إلى أمر تفصلون وتفرقون به بيني وبين ابني.

لكنا لا نعلم ما ذلك الأمر الذي زينت أنفسهم لهم ، ويشبه أن يكون ذلك قوله : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يحتمل وجهين :

يحتمل : صبر لا جزع فيه ، جميل نرضي بما ابتلينا به ؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الجزع.

والثاني : صبر جميل : كف النفس عن الجزع ، وجميل : لا مكافأة فيه ؛ لأنهم بما فعلوا بيوسف كانوا مستوجبين للمكافأة.

فقال : (فَصَبْرٌ) كف النفس عن الجزع بذلك ، وجميل لا مكافأة فيه. والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ...) الآية ؛ أي : وبالله أستعين على الصبر بما تصفون.

أو يقول : إني به أستعين على ما تقولون من الكذب حين تزعمون أن الذئب أكله ونحوه.

قوله تعالى : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٢١)

وقوله : (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ).

السيارة : هي جماعة السائرين كالمسافرين.

__________________

ـ القميص ـ ويسلم القميص من التخريق. ولما تأمل يعقوب ـ عليه‌السلام ـ القميص ، ولم يجد فيه خرقا ولا أثرا ، استدل بذلك على كذبهم ، وقال لهم : تزعمون أن الذئب أكله ، ولو أكله لشق قميصه.

ينظر : اللباب (١١ / ٤١).

٢١٩

(فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ).

الوارد : هو طالب الماء ومستقيه.

(فَأَدْلى دَلْوَهُ).

أي : أرسل دلوه في البئر.

وقوله (١) : (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ).

قال بعضهم : بشرى هو اسم ذلك الرجل الذي كان مع المدلي الدلو ، فقال له : (يا بُشْرى هذا غُلامٌ) ؛ كما يقال : يا فلان ، هذا غلام.

وقال بعضهم : هو من البشارة ؛ كأنه قال له : أبشر بهذا الغلام.

وفي بعض القراءات : يا بشراي على الإضافة إلى نفسه ؛ فكأنه بشر نفسه ؛ أي : البشرى لي بهذا الغلام.

ويشبه أن يكون هذا كناية كلام كان هنالك ، لكن لم يبين لنا ذلك ، والله أعلم بذلك ؛ كقوله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أخبر أنه أقسم ؛ لكن لم [يبين لنا] ما ذلك القسم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً).

قال بعضهم : الإسرار : هو اسم الإخفاء والإظهار جميعا ؛ كقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) [سبأ : ٣٣] ، أي : أظهروا الندامة ، فإن كان ما ذكر أنه اسم لهما جميعا فكأنه قال : أظهروه بضاعة ؛ فإن (٢) كان على حقيقة الإخفاء والإسرار فهو على الإضمار ؛ كأنه قال : وأسرّوا على ما كان وأظهروا بضاعة لئلا يطلب أصحابهم في ذلك شركة.

(وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ).

أي : عليم بما عمل إخوة يوسف بيوسف ، أو عليم بما عمل السيارة من الإسرار والإظهار ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي : باعوه بثمن بخس (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ).

قال بعضهم : البخس : هو النقصان ؛ أي : باعوه بثمن لا يباع مثله بمثله.

وقال بعضهم : البخس [هو](٣) الظلم (٤) ؛ باعوه ظلما ، وأخذوا ثمنه ظلما ؛ لأنهم

__________________

(١) في أ : وحده.

(٢) في ب : وإن.

(٣) سقط في ب.

(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٦٩) (١٨٩٢٦ ، ١٨٩٢٧) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٨) وزاد نسبته لأبي الشيخ عن قتادة.

٢٢٠