تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٥٩

جميعا ؛ كما قال : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) [هود : ٩١] ، وكقول قوم لوط للوط : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١٦٧] وكقول قوم نوح : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] ، وما أخبر عن قول هؤلاء لرسولنا حيث قال : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال : ٣٠] قد كان من القوم إلى الأنبياء والرسل ـ عليهم‌السلام ـ المعنيان جميعا التوعد بالقتل والإخراج جميعا ؛ فعلى ذلك يحتمل ذلك من (١) قوم شعيب ما ذكرنا ، والله أعلم. وكذلك كانوا يقولون للرسل جميعا ؛ حيث قالوا : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ ...) [إبراهيم : ١٣] الآية ، هكذا (٢) كانت عادة جميع الكفرة [أنهم](٣) كانوا يخوفون الرسل بالإخراج مرة وبالقتل مرة ثانية.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا).

يحتمل قوله : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) لما عندهم أنه كان على دينهم الذي هم عليه لما لم يروا منه عبادته لله فيما [عبده](٤) سرّا ، فقالوا : (لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) على ما كان عندهم أنه على ذلك ؛ وهو كما قالوا الصالح : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) [هود : ٦٢] كان عندهم أنه على دينهم قبل ذلك ، فعلى ذلك يحتمل قول هؤلاء لتعودن من العود إلى ما كان عندهم أنه على ذلك.

ويحتمل على ابتداء (٥) الدخول فيها والاختيار ؛ كقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).

على منع الدخول فيها ؛ لا أنهم (٦) كانوا فيها ، ثم أخرجهم فعلى ذلك الأوّل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ).

يقول : لنعودن في ملتكم ، وإن كنا كارهين ، أي : [قد](٧) تأبى عقولنا ، وتكره طباعنا من (٨) الدخول في ملتكم فكيف نعود فيها؟ (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها).

يحتمل قوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) وجوها ثلاثة :

__________________

(١) في أ : عن.

(٢) في أ : هذه.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في ب.

(٥) في أ : الابتداء.

(٦) في أ : لأنهم.

(٧) سقط في أ.

(٨) في أ : عن.

٥٠١

أحدها : أن ذلك منه إخبار عن قومه لا عن نفسه ، أي : افتروا على الله كذبا إن عادوا في ملتكم بعد إذ نجاهم الله منها ، وما يجوز لهم أن يعودوا فيها ، وأما هو فإنما أجابهم عن نفسه بما ذكر في سورة هود : (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ) [هود : ٩٣] ، أجاب هو قومه كما أجاب غيره من الرسل قومهم حين أوعدوهم (١) بالقتل والعقوبة ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثم كيدون فلا تنظرون» ، [وكما قال هود : (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ)](٢) [هود : ٥٤ ـ ٥٥] ونحو ذلك من الجوابات التي كانت من الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ لأقوامهم.

ويحتمل أن يكون على الابتداء من غير أن كان فيها ؛ كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ) [الرعد : ٢] رفعها ابتداء من غير أن كانت موضوعة ، وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] إخراج ابتداء لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم.

ويحتمل ما ذكرنا أنه أجابهم على ما عندهم أنه كان على دينهم ، فأجاب لهم على ما عندهم أنه على ذلك ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) أي : ما يجوز لنا أن نعود فيها ، وقول شعيب : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) تعريض تسفيه منه إياهم أنكم (٣) قد افتريتم على الله كذبا لا تصريح ؛ حيث لم يقل : قد افتريتم أنتم على الله كذبا ، قال : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) ، وذلك منه تلطف بهم وترقق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).

اختلف في تأويله :

قال الحسن : من حكم الله ـ عزوجل ـ أن من قبل دينه وأطاع رسوله أن يكون وليّا له ، وسمى مؤمنا ، ومن رد دينه وعصى رسوله يتخذه عدوّا له ، ويكون كافرا.

وقال أبو بكر الكيساني : قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) : أن يتعبدنا ، ويمتحننا ببعض ما كانوا يتقربون به.

ويشرع لهم ما يحل ويسع ، لم يرد به الدين [الذي هم](٤) عليه ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأن سؤالهم كان العود إلى ملتهم ، فعلى ذلك خرج الثنيا.

وقال أبو جعفر بن حرب : قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) : إلا أن يأمرنا الله بما يؤيسهم

__________________

(١) في أ : وعدوهم في التوبة (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ) [٦٧].

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : أنهم.

(٤) في ب : مما.

٥٠٢

بذلك (١) على الإياس ، وقطع الرجاء ، أي : لا يشاء الله البتة ذلك ؛ كما يقال : كان كذا إن صعدت السماء ، وكقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ، فعلت كذا ، مما يعلم أنه لا يكون ؛ فعلى ذلك هذا كله بعيد محال.

أما قول الحسن : إن من حكم الله أنه (٢) من ردّ دينه وعصى رسوله ، أنه يكون من الكافرين ، ومن قبل دينه وأطاع رسوله ، يكون من المؤمنين ، فليس فيه سوى أنه يقول (٣) : إنه يعلم من كفر به ومن آمن به ، فلا معنى للاستثناء لو كان التأويل ما ذكر.

وأما قول أبي بكر : إنه يتعبدهم ويمتحنهم بما يتقربون في دينهم وملتهم مما (٤) يجوز أن يأذن في ذلك ، فذلك لا يحتمل ؛ لأنه ذكر الملة التي كانوا هم عليها ، فإليها ترجع الثنيا (٥) لا يجوز [أن تصرف الثنيا](٦) إلى غيرها.

__________________

(١) في أ : يؤمهم على ذلك.

(٢) في ب : أن.

(٣) في ب : أن يقول.

(٤) في أ : ما.

(٥) من الاستثناء ، والاستثناء لغة : مصدر «استثنى» ، تقول : استثنيت الشيء من الشيء ، إذا أخرجته ، ويقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيّا ، ولا مثنوية ، ولا استثناء ، كله واحد.

وذكر الشهاب الخفاجي أن الاستثناء في اللغة والاستعمال يطلق على : التقييد بالشرط ، ومنه قوله تعالى (وَلا يَسْتَثْنُونَ)[القلم : ١٨] ، أي : لا يقولون : «إن شاء الله».

والاستثناء في اصطلاح الفقهاء والأصوليين إما أن يكون لفظيّا أو معنويّا أو حكميّا ، فالاستثناء اللفظي هو : الإخراج من متعدد ب «إلا» ، أو إحدى أخواتها ، ويلحق به في الحكم الإخراج ب «أستثني» و «أخرج» ونحوهما على لفظ المضارع ، وعرفه السبكي بأنه : الإخراج ب «إلا» أو إحدى أخواتها من متكلم واحد.

وعرفه صدر الشريعة الحنفي بأنه : المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه ، ب «إلا» أو إحدى أخواتها. فعرفه بالمنع ، ولم يعرفه بالإخراج ؛ لأن الاستثناء عند الحنفية لا إخراج به ؛ إذ لم يدخل المستثنى في المستثنى منه أصلا حتى يكون مخرجا.

فالاستثناء لمنعه من الدخول ، والفقهاء يستعملون الاستثناء أيضا بمعنى قول : «إن شاء الله» في كلام إنشائي أو خبري.

وهذا النوع ليس استثناء حقيقيّا ، بل هو من متعارف الناس. فإن كان ب «إلا» ونحوها فهو استثناء حقيقي ، أو «استثناء وضعي» ، كأن يقول : لا أفعل كذا إلا أن يشاء الله ، أو : لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله ، ومن العرفي قول الناس : إن يسر الله ، أو : إن أعان الله ، أو : ما شاء الله.

وإنما سمي هذا التعليق ـ ولو كان بغير «إلا» ـ استثناء ؛ لشبهه بالاستثناء المتصل في صرفه الكلام السابق له عن ظاهره.

والاستثناء المعنوي هو : الإخراج من الجملة بغير أداة استثناء ، كقول المقر : له الدار ، وهذا البيت منها لي. وإنما أعطوه حكم الاستثناء ؛ لأنه في قوة قوله : له جميع الدار إلا هذا البيت.

والاستثناء الحكمي يقصد به أن يرد التصرف مثلا على عين فيها حق للغير ، كبيع الدار المؤجرة ؛ فإن الإجارة لا تنقطع بذلك ، والبيع صحيح ، فكأن البيع ورد على العين باستثناء منفعتها مدة ـ

٥٠٣

وأما قول من يقول بالإياس وقطع الطمع عن ذلك : فذلك ـ أيضا ـ بعيد ؛ لأن الإياس إنما يكون فيما يعلم أنه لا يكون البتة من نحو ما ذكر من قوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ونحوه ، وأمّا مثل هذا فإنهم لا يفهمون منه الإياس وقطع الرجاء ، بل كانوا يأتون بالفواحش ، ويقولون : الله أمرهم بذلك ، فأنّي يقع لهم الإياس بذلك؟!

وأمّا عندنا فإنه على حقيقة المشيئة ، وذلك أن من علم الله منه أنه يختار الكفر ، ويؤثر ذلك على فعل الإيمان والطاعة ـ يشاء ذلك له على [ما](١) علم أنه يختار ، ومن علم منه أنه لا يختار ذلك لا يشاء ؛ إذ لا يجوز أن يعلم منه غير الذي يكون أو أن يشاء غير الذي علم أنه يكون منه ؛ لأنه جهل وعجز.

وأصله : أن شعيبا خاف أن تسبق (٢) منه زلة (٣) ويصير منه الاختيار لذلك فيشاء الله بذلك الزيغ والضلال ، وكذلك جميع الأنبياء خافوا ذلك ؛ كقول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ حيث قال : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الأنعام : ٨٠] وقول يوسف حيث قال : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [يوسف : ٧٦] كان خوف الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ أكثر من خوف غيرهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).

معناه ـ والله أعلم ـ أنه لا (٤) نعلم إلى ما ذا تصير عاقبة أمرنا ، وعلم الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا).

قيل (٥) : على الله اعتمدنا فيما تخوفنّنا (٦) من الإخراج ، وإليه نلجأ في سلطانه وملكه ، وبه نثق في وعده بما يعدنا من النصر والظفر على الأعداء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ).

__________________

ـ الإجارة.

ينظر : لسان العرب (ثني) ، وحاشية ابن عابدين (٢ / ٥٠٩) ، وروضة الناظر (١٣٢) وجمع الجوامع وحاشية البناني (٢ / ٩) ، والتوضيح ومعه التلويح على التوضيح (٢ / ٢٠).

(٦) في أ : يخوفونا.

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : سبق.

(٣) الزلة : استرسال الرّجل بغير قصد ؛ ومنه قيل للذنب بغير قصد : زلة ؛ تشبيها بزلة الرّجل. ينظر : المفردات (٣١٣) (زلل) ، المصباح المنير (٣٠٢) (زلل) ، الكليات (٢ / ٤١٥) ، التوقيف (٣٨٨).

(٤) في ب : أن لا.

(٥) ذكره ابن جرير (٦ / ٤) بمعناه.

(٦) سقط في أ.

٥٠٤

قيل (١) : قوله : (افْتَحْ) ، أي : احكم بيننا وبين قومنا بالحق.

روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ما كنت أعلم ما معنى الفتح في الآية حتى تزوجت امرأة من بني كذا ، فوقعت بيننا مخاصمة ، فقالت لي : تعال حتى أفاتحك إلى فلان ، فعند ذلك عرفت أن المفاتحة هي المحاكمة (٢).

وقوله : (بِالْحَقِ) قيل (٣) : هو العذاب الذي كان وعد لهم أن ينزل عليهم بتكذيبهم شعيبا وبأذاهم إياه.

ثم [ليس](٤) للمعتزلة أدنى تعلق بقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) ، يقولون : هو الدعاء والسؤال ، وإن كان لا يحكم إلا بالحق ، فعلى ذلك يقولون في قوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ونحوه وكذلك يقولون في قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لكن عندنا يخرج قوله : (احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] و : (افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) على وجوه :

أحدها : يقول : ربنا افتح بيننا بحكمك وهو الحق.

والثاني : يقول : رب احكم بالحق في حادث الوقت كما حكمت في الوقت الماضي ، وهو كقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] وهو النبوة والهداية.

والثالث : على استعجال العذاب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ).

قد ذكرنا أن الملأ هم كبراؤهم وسادتهم ، يقولون للأتباع والسفلة : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ).

قال أبو بكر (٥) : لجاهلون.

ثم يحتمل قوله : (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) وجوها :

أحدها : أن شعيبا كان يحذر قومه بالتطفيف (٦) في الكيل والوزن ، ويأمرهم بوفاء حقوق الناس ، بقوله : فأوفوا الكيل ولا تكونوا كذا. وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤ ـ ٥) (١٤٨٧٢) عن السدي.

(٢) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٢٤) (١٤٨٦٧ ، ١٤٨٦٩ ، ١٤٨٧٥). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس.

(٣) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ١٤٧) وكذا ابن عادل في اللباب (٨ / ٢٢٦).

(٤) سقط في ب.

(٥) انظر البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٣٤٧).

(٦) التطفيف لغة : البخس في الكيل والوزن ، ومنه قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] ـ

٥٠٥

الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) [هود : ٨٥] ، فيقول الكبراء والرؤساء للسفلة : لئن اتبعتم شعيبا في دينه وما يأمركم به من وفاء الحق للناس ، فإنكم إذا لخاسرون للأرباح.

والثاني : أنه كان يحذرهم ويمنعهم عن عبادة الأصنام والأوثان ، ويدعوهم إلى عبادة الله ، ويرغبهم في ذلك ، وهم كانوا يعبدون تلك الأصنام لتقربهم (١) عبادتهم إياها (٢) إلى الله زلفى ، وتكون (٣) لهم شفعاء في الآخرة ، فقالوا : لئن اتبعتم شعيبا فيما يدعوكم إليه وينهاكم عنه ، لكنتم من الخاسرين ، لا شفعاء لكم في الآخرة.

والثالث : أنهم كانوا يوعدون شعيبا بالإخراج بقولهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) فقالوا : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) وهو (٤) يخرج لا محالة فتخرجون أنتم فصرتم من الخاسرين ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ).

قيل (٥) : الصيحة.

وقيل (٦) : الزلزلة.

قيل (٧) : أصابهم حرّ شديد ، فرفعت لهم سحابة ، فخرجوا إليها يطلبون الروح تحتها [فلما كانوا تحتها](٨) سال عليهم العذاب ، ورجفت بهم الأرض ، فهلكوا ، وهو ما ذكر في آية أخرى عذاب يوم الظلة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ).

قد ذكرنا قوله : (جاثِمِينَ) فيما تقدم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ).

__________________

ـ فالتطفيف : نقص يخون به صاحبه في كيل أو وزن.

ينظر لسان العرب (طفف) ، تاج العروس (طفف) والصحاح (طفف).

(١) في ب : ليقرب.

(٢) في ب : إليها.

(٣) في ب : ويكون.

(٤) في أ : وهي.

(٥) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٥١) وتفسير أبي حيان (٤ / ٣٤٧).

(٦) انظر تفسير ابن جرير (٦ / ٥).

(٧) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥ ـ ٦) (١٤٨٧٦) عن السدي ، وفي (١٤٨٧٨) عن ابن إسحاق بنحوه.

(٨) سقط في أ.

٥٠٦

هو ـ والله أعلم ـ مقابل قولهم : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) وجواب لهم يقول : الذين كذبوا شعيبا هم الخاسرون لا الذين اتبعوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا).

قيل (١) : كأن لم يعيشوا فيها ، ولم ينعموا قط.

وقيل (٢) : كأن لم يقيموا فيها.

قال القتبي : يقال : غنينا بمكان كذا وكذا ، أي : أقمنا ، ويقال للمنازل : مغان ، واحدها : مغنى ، ويقال : كأن لم يغنوا فيها ، أي : كأن لم يكونوا فيها قط.

وهو ـ والله أعلم ـ لما كانوا يستقلون نعم الله عليهم ، ويستحقرونها ، حتى قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، وقوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) [يونس : ٤٥] ونحوه ، وكله إخبار عن قطع آثارهم أنه لم يبق منهم أحد يحزن عليهم أو يبكي عليهم ، حتى قال شعيب : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ).

وجائز أن يكون قول شعيب حيث قال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) [الأعراف : ٩٣] حين علم أنهم يهلكون ، وينزل بهم العذاب ، أي : لا أحزن عليهم [على] ما ذكر.

وقال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ، قال ذلك في الوقت الذي قال : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) يقول : كيف أحزن على قوم وعملهم ما ذكر.

وقوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ).

حين رآهم هلكى ، فقال : فكيف آسى على قوم ، أي : كيف أحزن على قوم قد كذبوني ، واختاروا عداوتي ، وصاروا علي أعداء ، فكيف أحزن عليهم بالهلاك ، وهم أعدائي.

وقوله : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ). قد ذكرنا هذا.

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٩٥)

قوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٧) (١٤٨٨٠ ، ١٤٨٨١) عن ابن عباس. ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٧) (١٤٨٨٢) عن ابن زيد. ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

٥٠٧

في الآية إضمار ـ والله أعلم ـ من وجهين :

أحدهما : قوله : وما أرسلنا في قرية من نبي فكذبوه إلا أخذنا أهلها المكذبين له بالبأساء ، وما ذكر ، وإلا لا يحتمل أن يرسل إليهم رسولا ثم يأخذهم بما ذكر من غير أن كان منهم رد وتكذيب له.

والثاني : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) أهلكناها (مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) قبل الهلاك (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) ثم لم يأخذ الله قوما بالهلاك قبل أن يبعث رسولا إليهم ، وقبل : أن يغيّروا هم ما أنعم عليهم بأنفسهم ؛ كقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً ...) [القصص : ٥٩] الآية ؛ وقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ، وقال : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد : ١١] وقال : (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩] وغير ذلك من الآيات ، أخبر أنه لا يأخذهم بالعذاب والهلاك إلا بعد قطع العذر لهم من جميع الوجوه ، وإن كان له الإهلاك قبل أن يبعث إليهم الرسول لما ركب فيهم من العقول السليمة مما بها يوصل إلى فهم كل ما جعل فيهم من آثار وحدانيته وآيات (١) ربوبيته ، وما جعل لهم من السمع والنطق ما به يوصل إلى سمع كل ما غاب والنطق بكل ما يريدون ، ما لم يجعل ذلك لغيرهم من البهائم ، وما أنعم عليهم من تصوير الصور ما لم يتمن أحد تحويله (٢) منها إلى غيرها من الصور ، لكنه لا يهلكهم إلا بعد بعث الرسل إليهم لما أن الخلق على مراتب ؛ منهم من يفهم بالعقل لا يحتاج إلى معونة السمع ، وهم الحكماء والعلماء الذين يدركون الأشياء بالبديهة ، ومنهم من لا يدرك إلا بمعونة السمع وهم كالصبيان ، إنهم لا يدركون إلا بالسمع وفضل التنبيه ، ومنهم من لا يدرك بالعقل ذلك ولا بالسمع حتى تصيبهم الشدائد والعبر (٣) في أنفسهم وفيما أنعم عليهم ، وهم كالبهائم الذين لا عقل لهم ولا سمع ، ولكن يعرفون الشدائد وما يصيبهم من البلاء ، فعلى ذلك يمتحنهم عزوجل ، ويبتليهم بالشدائد والبلايا أولا ، فإن رجعوا عن ذلك وعرفوا نعمه ، وإلا أهلكهم بعد ذلك فعند ذلك ينتهون ويتذكرون (٤) ، وذلك قوله : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام : ٤٢].

__________________

(١) في ب : وآثار.

(٢) في أ : تأويله.

(٣) في أ : الغير.

(٤) في ب : يتفكرون.

٥٠٨

وقوله : (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) قد ذكرناه في صدر الكتاب (١).

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).

أي : لكي يكون عليهم التضرع ، أو لكي يلزمهم التضرع والتذكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ).

وهو ما ذكر أهل التأويل السعة (٢) والرخاء بعد الشدة والقحط (٣) ، وما حل بهم من البلايا (حَتَّى عَفَوْا).

قيل : جمعوا وأكثروا ، أي : كشف عنهم ذلك حتى كثروا فعند ذلك أهلكهم بغتة ؛ لأن الهلاك في حال الشدة والبلاء لا يكون أخذا ببغتة ؛ لأن كل من حل به بلاء وشدة يخاف فيه الهلاك فإذا أهلك في تلك الحال لم يكن أخذا بالهلاك بغتة.

ألا ترى أنه سمى الموت الذي يموت به المؤمن من غير مرض (٤) حل به بغتة (٥) ، والذي [يموت بمرض](٦) يتقدم الموت لا ، وأن الموت في الوجهين جميعا لا يعلم بحلوله ، لكنه إذا لم يتقدمه مرض فهو لا يخاف منه ، وإذا كان به مرض خاف منه فلم يكن (٧) فجأة ، فعلى ذلك إذا أخذوا في حال الشدة لم يكن أخذا بالبغتة لما يخافون فيه الهلاك ، وإذا كانوا في سعة ورخاء لا يخافون فيؤخذون في تلك الحال ، فذلك أخذ ببغتة.

وقال : (حَتَّى عَفَوْا).

__________________

(١) ينظر تفسير سورة البقرة آية (١٧٧).

(٢) في أ : بالسعة.

(٣) القحط : انقطاع المطر ويبس الأرض ، ويطلق على قلة خير الشيء ، ينظر لسان العرب (قحط) ، والمعجم الوسيط (٢ / ٧١٦) (قحط).

(٤) المرض في اللغة : إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها ، وقال ابن دريد : المرض السقم وهو نقيض الصحة ، قال ابن الأعرابي : المرض : النقصان ، يقال : بدن مريض ، أي : ناقص القوة.

وقال الحراليّ : ضعف في القوى يترتب عليه خلل في الأفعال.

وقال الراغب : خروج البدن عن الاعتدال الخاص وهو ضربان : جسمي ، وروحاني وهو عبارة عن الرذائل كجهل وجبن ونفاق وغيرها ؛ سميت به لمنعها عن إدراك الفضائل كمنع المرض للبدن عن التصرف الكامل أو لمنعها عن تحصيل الحياة الأخروية ، أو لميل النفس به إلى الاعتقادات الردية ، كما يميل المريض إلى الأشياء المضرة.

ينظر : التعريفات للجرجاني : ٢٢٣ ، لسان العرب (مرض) ، والتوقيف على مهمات التعاريف ص (٦٤٩).

(٥) في أ : موت فجاءة.

(٦) في أ : يمرض.

(٧) في أ : لم يكن.

٥٠٩

قيل (١) : كان أهلك بعضهم وترك بعضا حتى عفوا ، أي : كثروا من ذلك البعض ، ولكن الوجه فيه ما ذكرنا من البأساء والضراء والشدائد والقحط ، ثم كشف ذلك عنهم فكثروا ، ثم أهلكهم ، والله أعلم.

قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ).

قالوا : إن آباءنا قد كان ينزل ذلك بهم وتصيبهم مرة شدة ومرة نعمة ولم يكن ذلك بعقوبة لهم ، فعلى ذلك ما يصيبنا من الشدائد والبلايا ليس ذلك بعقوبة لنا ، ولكن دوران الدهر وتصرفه على الشدّة والبلاء مرة ، ومرة على الخصب والسّعة ، ثم أخبر أنه أخذهم بغتة بعد قولهم : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ).

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٩٩)

قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا).

قيل : آمنوا واتقوا قبل أن يهلكوا بعد ما أصابهم من الشدائد والبلايا ؛

(لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ ...) الآية.

أي : لأعطوا كل خير ينال من السماء والأرض ، والبركة ما ينال من كل خير على غير ـ مئونة [وقيل :] البركة : كل شيء ينال بلا تبعة عليه ولا شدة ـ ذكر هاهنا أنه يفتح عليهم بركات من السماء والأرض لو آمنوا واتقوا ، وذكر إذا لم يؤمنوا ونسوا ما ذكروا به أنه يفتح عليهم أبواب كل شيء ، ولم يذكر البركة ، ففيما لم يذكر البركة ينقصهم ما فتح عليهم من كل شيء ويسوؤهم وفيما ذكر فيه البركة بعد الإيمان لا يلحقهم من ذلك تبعة ولا غرم ، [والله أعلم](٢).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يحتمل قوله : ولكن كذبوا النعم التي أنعمها عليهم ، أي : الرسل ، فأخذناهم بما كانوا يكسبون من التكذيب ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٩) عن كلّ من : ابن عباس (١٤٨٩٢ ، ١٤٨٩٣ ، ١٤٨٩٨) ، مجاهد (١٤٨٩٤ ، ١٤٨٩٥) ، السدي (١٤٨٩٦) ، الضحاك (١٤٨٩٩) ، ابن زيد (١٤٩٠١) ، إبراهيم (١٤٨٩٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩٢) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

(٢) سقط في ب.

٥١٠

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ).

خرج هذا في الظاهر مخرج الاستفهام ، ولكن في الحقيقة على الإيجاب ؛ كقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ ...) [النور : ٥٠] الآية ، هذا في الظاهر وإن خرج مخرج الشك والارتياب ، فهو في الحقيقة على الإيجاب ؛ كأنه قال : في قلوبهم مرض وارتابوا وخافوا أن يحيف الله عليهم ، فعلى ذلك قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) [أو أمن أهل القرى](١) على الإيجاب ، كأنه قال : قد أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا ، (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) الآية.

ثم اختلف في قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) إلى آخر ما ذكر :

قال الحسن : هذه الآيات في الأمم السالفة ، أخبر عن أمنهم بنزول بأس الله وعذابه بهم ، لكن ذكر في هذه الأمة ليكونوا على حذر عن مثل صنيعهم.

وقال الآخرون : هذه الآيات في قرى (٢) هذه الأمة لا في الأمم السالفة ، يقول : أمن هؤلاء بأسنا كما أمن أولئك منه فإنهم إذا صنعوا مثل صنيعهم ينزل بهم في الآخرة من العذاب مثل ما أنزل بأولئك في الدنيا من العذاب.

وقوله : (بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) و (ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)

أخبر أن العذاب إنما نزل بهم في حال الأمن وهو وقت النوم واللعب ؛ لأنه هو وقت الغفلة والسهو ، وآمن ما يكون الإنسان إنما يكون في حال النوم ، وإنما نزل بهم في وقت الغفلة والسهو ، يذكر بهذا ـ والله أعلم ـ أهل مكة وغيرهم من الكفرة بتكذيبهم رسول الله ؛ لئلا يكونوا آمنين عن بأس أبدا في وقت من الأوقات ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).

المكر في الشاهد : هو أن يراقب من عدوه حال غفلة لينتقم منه وينتصر ، فإذا كان ما ذكرنا فسمّى ما ينزل بهم من العذاب في حال الغفلة مكرا ، وعلى ذلك الامتحان فيما بين الخلق : هو استظهار ما خفي على بعضهم من بعض ، فيأمرون بذلك وينهون ، فسمى الله ـ تعالى ـ ذلك امتحانا لمعنى الأمر والنهي ، وإن كانت الخفيات عن الخلق ظاهرة له بادية عنده.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).

فالآية على المعتزلة ؛ لأنهم يأمنون مكر الله في الصغائر [حيث قالوا : الصغائر](٣)

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : قوى.

(٣) سقط في أ.

٥١١

مغفورة ، ليس له أن يعذبهم عليها ، فهو أمن من مكره ، وييأسون من رحمته لقولهم في الكبائر : إنه ليس له أن يعفو عنهم ، وقد أخبر (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] وهم قد أيسوا من رحمة الله في الكبائر ، وأمنوا مكره في (١) الصغائر ، فهاتان الآيتان على المعتزلة.

وقوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) أي : جزاء مكرهم [سمي](٢) جزاء المكر مكرا ، [كما](٣) سمى جزاء السيئة سيئة ، وجزاء الاعتداء اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ، ولا سيئة ، فعلى ذلك تسمية جزاء المكر مكرا ، وإن لم يكن [الثانى](٤) مكرا ، والله أعلم.

ألا ترى أنه لم يجز أن يسمى مكارا ولو كان على حقيقة المكر لسمي بذلك ؛ فدل أنه جزاء ، وجائز أن يكون المراد من مكره جزاء مكرهم سمّي الجزاء باسم المكر ؛ لأنه جزاؤه ؛ كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] والثانية ليست بسيئة.

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(١٠٢)

قوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها).

على تأويل من يجعل الآية في الأمم السالفة ، يقول : أو (٥) لم يوفقوا ولم يهدوا للصواب بهلاك أمة بعد أمة ، وقوم بعد قوم ، وعلى تأويل من يقول بأن الآية في هذه الأمة ، يقول : ألم يبن لهؤلاء الذين ورثوا الأرض من بعد هلاك أهلها أن لو نشاء أصبناهم [بعذاب](٦) بذنوبهم ، كما أصاب أولئك العذاب بذنوبهم.

وقوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) ، أي : من بعد هلاك أهلها.

وقوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ) على إسقاط الواو والألف ، أي : لم يهد للذين يرثون الأرض.

__________________

(١) في أ : عن.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : ألم.

(٦) سقط في ب.

٥١٢

ثم يحتمل قوله : لم يهد لهم أولم يتفكروا بما أهلك الأولين وما حل بهم بتكذيبهم الرسل أنهم كانوا إذا تركوا التفكر والنظر فيهم وما نزل بهم لم يهد لهم.

والثاني : قد هداهم لكن نفى ذلك عنهم لما لم ينتفعوا به ، وهو ما نفي عنهم من السمع والبصر والعقل لما لم ينتفعوا به.

ويحتمل على غير إسقاط [أو] كأنه قال : أو لم يهد للذين يرثون الأرض ، أو لم يهدهم الرسول قدرة الله في إهلاك الأمم الخالية ، فعلى ذلك هو قادر على إهلاك الذين يرثون الأرض من بعد أهلها يحتمل هذه الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم.

أو يقول : أو لم يهد لهم وراثة الأرض من بعد هلاك أهلها أنهم بما أهلكوا حتى يرتدعوا ويمتنعوا عن مثله.

وقوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) يخرج على وجهين :

أحدهما : قد هداهم وبين لهم أن من تقدمهم ، إنما هلكوا بما أصابوا من ذنوبهم من التكذيب والعناد ، لكن لم يهتدوا لعنادهم.

والثاني : لم يهدهم لما لم يتفكروا فيها ، ولم ينظروا ، على التلاوة قرئت بإسقاط [الواو](١).

وقوله : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ).

فإن كانت في الأمم السالفة ، فقوله : أن لو نشاء أصبنا قوما بعد قوم بذنوبهم.

وإن كانت في المتأخرين فيكون قوله : أن لو نشاء أصبنا هؤلاء بذنوبهم على ما أصاب أولئك بذنوبهم ، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ، والطبع يحتمل الختم ، أي ونختم (٢) على قلوبهم ، ويحتمل الطبع ظلمة الكفر ، أي : ستر قلوبهم بظلمة الكفر ؛ كقولهم : وكل شيء ستر شيئا وتغشاه فهو طبع.

(فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) يحتمل وجهين :

يحتمل لا يسمعون لما لا ينتفعون به.

ويحتمل : لا يسمعون ، أي : لا يجيبون ؛ كقوله : سمع الله لمن حمده (٣) ، قيل :

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : ختم.

(٣) لفظه خبر ، ومعناه : الدعاء بالاستجابة. قال الخطابي : معنى «سمع» : استجاب ، قال : قد يحتمل أن يكون دعاء من الإمام للمأمومين ؛ لأنهم يقولون : ربنا لك الحمد. وعلى مذهب أكثر العلماء في جمع الإمام والمأموم بين كلمتين ، فتشيع الدعوة من كلا الطائفتين لنفسه ولأصحابه.

ينظر المطلع على أبواب المقنع ص (٧٦).

٥١٣

أجاب الله لمن حمده ، أي : دعاءه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها).

قوله : (نَقُصُّ عَلَيْكَ) أي : قصصنا عليك : بما قص (١) عليه من الأنبياء ، يخبر رسوله أن القرى التي كانت من قبل قد سألوا رسلهم الآيات ، فجاءوا بها ، ولم يصدقوها ، فعلى ذلك هؤلاء ، إنك لو أتيت ما سألوك من الآيات لم يؤمنوا بها ، ولم يصدقوها ، يخبره عن تعنتهم ومكابرتهم وعنادهم.

والثاني : يذكر أن الآيات ليس يجب أن يأتوا بها من الجهة التي يريدون ، إنما يجب أن يأتوا بما هو حجّة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) [يحتمل وجوها](٢) :

يحتمل الأنباء التي أنبأت الرسل أقوامهم من نزول العذاب بهم بالتكذيب والكفر بها.

ويحتمل البينات التي تدل على صدق الرسل بما يقولون ويخبرون بعد ما سألوهم الآيات ، لكن ردوها ردّ عناد ومكابرة بعد ما عرفوا أنها حق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ).

أي : ما كانوا ليؤمنوا لما رأوا بأسنا بما كذبوا من قبل ، أي : لا ينفعهم إيمانهم عند رؤيتهم بأس الله ؛ كقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام : ١٥٨].

ويحتمل : ما كانوا ليؤمنوا بسؤالهم الآيات إذا أتاهم الآيات بما كذبوا من قبل ؛ لأن تركهم الإيمان وتكذيبهم الرسل ليس لما لم يكن لهم الآيات ، ولكن للتعنت ، فأخبر أنهم وإن سألوا الآيات فإنهم لا يؤمنون.

والثالث : ما كانوا ليؤمنوا بما يخبرهم (٣) الرسول من إتيان العذاب بهم بما كذبوا من قبل من الأنباء (٤).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ).

يحتمل العهد المذكور وجوها ثلاثة :

أحدها : عهد الخلقة ؛ لما في خلقة كل أحد من الشهادة بالوحدانية له والألوهيّة ، فلم يوفوا بتلك العهود بل نقضوها.

__________________

(١) في أ : ما قص.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : بما أخذهم.

(٤) في أ : الأنبياء عليهم‌السلام.

٥١٤

والثاني : العهد الذي أخذ الله عليهم على ألسن الرسل ؛ كقوله : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ...) [المائدة : ١٢] الآية ، فلم يوفوا بذلك.

والثالث : ما أعطوا هم من أنفسهم من العهد ؛ كقول فرعون لموسى : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٤٩] ، فلم يوفوا بما أعطوا هم من العهود.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ).

[أي](١) وقد وجدنا أكثرهم فاسقين بنقض العهد ، والله أعلم.

قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ)(١٠٧)

(وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ)(١١٢)

قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى).

يحتمل قوله : ثم بعثنا من بعد هلاك قرون كثيرة موسى رسولا بآياتنا إلى فرعون وملئه ، يحتمل قوله : (بِآياتِنا) ، حججنا ، ثم يحتمل حجج وحدانية الله وألوهيته ، ويحتمل آيات رسالته ونبوته ، وعلى قول الحسن : بآياتنا : ديننا ، وعلى ذلك يتناول جميع الآيات التي ذكرت في القرآن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ).

إن موسى كان مبعوثا إليهم جميعا إلى فرعون والملأ والأتباع جميعا ، لا أنه كان مبعوثا إلى فرعون وملئه خاصة دون الأتباع ، وكذلك ذكر في مكان آخر إلى فرعون خاصّة (٢) ، وهو بعث إليهم جميعا ، لكن يخرج تخصيص ذكر (٣) هؤلاء القادة ـ والله أعلم ـ لما أن

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) كما في قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [طه : ٢٤] ، (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦].

(٣) في أ : ما ذكر.

٥١٥

الذي ينازع الأنبياء والرسل هم الكبراء والرؤساء دون الأتباع والسفلة ، والأتباع هم الذين يصدرون لآراء الكبراء ، ويتبعونهم فيما يدعونهم إليه ، وعلى ذلك سموا الكبراء والرؤساء أضداد الرسل ، وإلا كان موسى مبعوثا إليهم جميعا ؛ الوضيع منهم والرفيع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَظَلَمُوا بِها).

قال بعضهم : قوله : (فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا بالآيات والحجج التي أتى [بها](١) موسى إلى فرعون وقومه ، سمي ظلما ؛ لأنهم سموا تلك الآيات سحرا بعد ما عرفوا أنها منزلة من الله ، فوضعوها غير موضعها ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه.

وقال قائلون : قوله : (فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا نعم الله التي أنعمها عليهم حيث عبدوا غيره ، فصرفوا شكر تلك النعم إلى غير الذي أنعمها عليهم ، فذلك ظلم ، شكروا من لم ينعم عليهم وصرفوا عمن أنعم عليهم ، والله أعلم.

ويحتمل : ظلموا الأتباع بتلك الآيات حيث منعوهم عن اتباع الرسول واستتبعوهم.

أو يقول : ظلموا بها أنفسهم حيث تركوا اتباعها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).

هذا الخطاب في الظاهر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان المراد بالخطاب غيره ، أمر كلا بالنظر في عاقبة المفسدين لما حل بهم بفسادهم ؛ لأن من نظر في عاقبة ما حل بغيره بمعصية أو فساد يمتنع عن مثله ، وأمكن أن يكون الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لوجهين :

أحدهما : لما له بما حل بهم بعض التسلي لأذاهم إياه ؛ لأن من توسم (٢) حلول الهلاك على عدوه في العاقبة صبر على أذاه ، ويكون (٣) له بعض التسلي في ذلك [والثاني](٤) يذكرهم وينبئهم بما يحل بهم في العاقبة ؛ ليمتنعوا عما ارتكبوا من المعاصي ؛ لأن ذلك أزجر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

فإن قيل : كيف قال إني رسول الله وذلك يخرج في الظاهر مخرج الامتداح (٥) والتزكية ، وقد نهينا (٦) عن ذلك ؛ لأنه أخبر [أنه] بمحل الذي توضع (٧) الرسالة فيه ، وأنه

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : توهم.

(٣) في أ : أو يكون.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : الأضداد.

(٦) في أ : نبهنا.

(٧) في أ : يوضع.

٥١٦

أهل لها؟ قيل : ليس فيه امتداح نفسه ولا تزكية له ؛ لأنه إنما يذكر منة الله تعالى أنه جعله بحيث توضع (١) فيه الرسالة ، وجعله أهلا لها والتزكية والامتداح إنما يقع فيما هو فعله حقيقة لا فعل الله ، أو إن (٢) كان تزكية وامتداحا فهو أمر بذلك ، فجاز ذلك بالأمر.

أو أراد بذلك تعريفه ؛ لما كان من عادة الملوك أنهم إذا بعث بعضهم إلى بعض رسولا (٣) فإنهم لا يستقبلون الرسل بالمكروه والشر ، بل يعظمون الرسل ويكرمونهم ، وإن كان بينهم معاداة ، فذكر أنه رسول من ربّ العالمين ؛ لئلا يستقبل بالمكروه.

وقوله : (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) قيل : العالم : هو جوهر الكل ، وهو قول الفلاسفة.

وقال أبو بكر الأصم : رب العالمين ، أي : مليك الخلائق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ).

قال أهل التأويل : إن موسى لما قال لفرعون [إني رسول من رب العالمين فقال له كذبت فعند ذلك قال له موسى (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، وأمكن أن يكون ذلك منه على غير تكذيب القول من فرعون ولكنه قال ذلك ؛ لما أنه](٤) حقيق على كل أحد أكرمه الله بالرسالة واختاره لها ألا يقول على الله إلا الحق ، أو أن يقول : إني رسول من ربّ العالمين حقيق على [بعد](٥) ما أكرمني بالرسالة أن لا أقول على الله إلا الحق.

وقوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) : قد ذكرنا ألا يصح الابتداء بهذا إلا بعد أن يسبق من فرعون كلام خرج ذلك الكلام من موسى جوابا لما كان منه ، وهو ما قال أهل التأويل : [أنه قال له : لما قال : إني رسول من رب العالمين إليك ـ : كذبت ؛ لم يرسلك إلينا ، وكلاما نحو هذا ؛ فعند ذلك قال : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أي ما كان ينبغي لي أن أقول على الله الكذب وهو كما](٦) قال عيسى (٧) : (سُبْحانَكَ ما

__________________

(١) في أ : يوضع.

(٢) في أ : وإن.

(٣) في ب : برسول.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

(٧) هو خامس أولي العزم من الرسل الذين أمر الله رسوله محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يصبر كما صبروا : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] وقد خلق الله عيسى ـ عليه‌السلام ـ من أم بلا أب كما خلق الله آدم ـ عليه‌السلام ـ بلا أم ولا أب ، وخلق حواء من ضلع آدم بلا أم ولا أب ، فلله الخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ ـ

٥١٧

يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) [المائدة : ١١٦] ، لما قال له : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله كان ذلك القول من عيسى [بعد](١) ما ادعى قومه على عيسى أنه قال لهم ذلك ، وكذلك قول الملائكة : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤١] بعد ما قال لهم : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] ، فعند ذلك قالوا : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) [سبأ : ٤١] ، خرج ذلك القول منهم جواب ما تقدم ، فعلى ذلك قول موسى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، خرج على تقدم قول كان منهم ، والله أعلم.

ومن قرأ (٢) : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) فتأويله : محقوق : على ألا أقول على الله إلا الحق ، ومن قرأ بتشديد علىّ (٣) فتأويله : حق علىّ ألا أقول على الله إلا الحق (٤).

__________________

ـ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] وأم عيسى ـ عليها‌السلام ـ مريم ابنة عمران من سلالة داود عليهم‌السلام ، وعيسى آخر أنبياء بني إسرائيل ، وليس بينه وبين نبي الإسلام ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أحد من الأنبياء كما ثبت عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «أنا أولى الناس بابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي» ، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أنا أولى الناس بعيسى ـ عليه‌السلام ـ والأنبياء إخوة أولاد علات ، وليس بيني وبين عيسى نبي».

ينظر رسالة الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية ص (٧٠).

(١) سقط في أ.

(٢) القراءة الأولى هي قراءة العامة «على أن» ب «على» التى هي حرف جر داخلة على «أن» وما في حيزها ، وأما قراءة التشديد فهي قراءة نافع والحسن. ينظر : إتحاف الفضلاء (٢٢٧) ، البحر المحيط (٤ / ٣٥٥) ، التبيان للطوسي (٤ / ٥٢٠) ، تفسير الطبري (١٣ / ١٤) ، النشر لابن الجرزي (٢ / ٢٧٠).

(٣) وهي قراءة نافع والحسن كما في المصادر السابقة.

(٤) قراءة نافع فيها وجوه :

أحدها : أن يكون الكلام قد تم عند قوله : (حقيق) ، و (على) خبر مقدم ، (ألا أقول) مبتدأ مؤخر ، كأنه قيل : على عدم قول غير الحق ، أي : فلا أقول إلا الحق.

الثاني : أن يكون (حقيق) خبرا مقدما ، و (ألا أقول) مبتدأ على ما تقدم بيانه.

الثالث : (ألا أقول) فاعل ب (حقيق) كأنه قيل : يحق ويجب ألا أقول ، وهذا أغرب الوجوه ، لوضوحه لفظا ومعنى ، وعلى الوجهين الأخيرين تتعلق (على) ب (حقيق) ؛ لأنك تقول : (حق عليه كذا) قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)[الأحقاف : ١٨]. وعلى الوجه الأول يتعلق بمحذوف على ما تقرر.

وأما رفع (حقيق) فقد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا مقدما ، ويجوز أن يكون صفة ل (رسول) ، وعلى هذا فيضعف أن يكون (من رب) صفة ؛ لئلا يلزم تقديم الصفة غير الصريحة [على الصريحة] ، فينبغي أن يكون متعلقا بنفس (رسول) ، وتكون (من) لابتداء الغاية مجازا.

ويجوز : أن يكون خبرا ثانيا. ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر على قراءة من شدد الياء ، وسوغ الابتداء بالنكرة حينئذ تعلق الجار بها. ـ

٥١٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

يحتمل : (بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ما يبيّن وحدانية الله تعالى وألوهيته.

ويحتمل : ببينة الرسالة (١) ما يبين أني رسول رب العالمين ، غير كاذب عليه ولا مفتر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : لا تستعبدهم ؛ فإنهم ليسوا بعبيد ، لم يرد إرسالهم معه ، ولكن طلب استنقاذهم من العبودة ؛ كقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٢٢].

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

دل قول فرعون : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أن موسى أراد بقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...) : الآية.

ودل قوله : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أنه [لعنه الله](٢) قد كان عرف أنه ليس بإله ، وعرف عبودة نفسه حيث طلب منه الآية على صدق ما ادعى من الرسالة ، ولو كان عنده أنه إله ، لكان قال لموسى : أنا الإله فمتى أرسلتك ، ولم يطلب منه (٣) الآية.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ).

قال أبو عوسجة الثعبان : الحيّة (٤) : قال : كل حيّة تسمى ثعبانا ، والثعابين جماعة.

__________________

ـ فقد تحصل في رفعه أربعة أوجه ، وهل هو بمعنى فاعل ، أو بمعنى مفعول؟ الظاهر أنه يحتمل الأمرين مطلقا ، أعنى على قراءة نافع وقراءة غيره.

وقال الواحدي ناقلا عن غيره : إنه مع قراءة نافع محتمل للأمرين ، ومع قراءة العامة بمعنى مفعول فإنه قال : (و «حقيق» على هذه القراءة ـ يعني قراءة نافع ـ يجوز أن يكون بمعنى فاعل).

قال شمر : (تقول العرب : حق على أن أفعل كذا).

وقال الليث : (حق الشيء ، معناه : وجب ، ويحق عليك أن تفعله ، وحقيق على أن أفعله ، فهذا بمعنى فاعل) ، ثم قال : (وقال الليث : وحقيق بمعنى مفعول ، وعلى هذا تقول : فلان محقوق عليه أن يفعل.

قال الأعشى :

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته

وأن تعلمي أن المعان موفق

وقال جرير :

 ...............................

قصر فإنك بالتقصير محقوق

ثم قال : (وحقيق على هذه القراءة ـ يعني قراءة العامة ـ بمعنى : محقوق) انتهى ينظر : اللباب (٩ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩).

(١) في أ : الرسل له.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : عنه.

(٤) الحية : اسم يطلق على الذكر والأنثى ، فإن أردت التمييز قلت هذا حية ذكر ، وهذه حية أنثى ، قاله ـ

٥١٩

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : الثعبان هي الحيّة الذكر (١).

وقوله : (مُبِينٌ) أي : مبين أنها حية ، وهو كما ذكر (٢) : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠].

(مُبِينٌ) : لا يشك أحد أنها ليست بحيّة ، ويحتمل (مُبِينٌ) أي : مبين أن ذلك التغيير والتحويل لا يكون إلا من الله تعالى.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ).

ذكر نزع يده ولم يذكر من ما ذا ، فهو ما ذكر في آية أخرى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [النمل : ١٢] [أي : من غير أذى ولا آفة](٣) ، وقال أهل التأويل (٤) : من غير برص (٥) ، ولكن عندنا : من غير سوء من غير أن تستقبح (٦) أو تستقذر ؛ لأن خروج الشيء عن خلقته وجوهره مما يستقذر ، فأخبر أنه لم يكن كذلك.

فإن قيل لنا : ما الحكمة في إدخال يده جيبه على ما هي عليه وإخراجه إياها بيضاء من غير أن كانت كذلك قبل أن يدخلها ، وكذلك صيرورة العصا [حية](٧) بعد ما طرحها على الأرض دون أن تصير حية وهي في يده قبل ذلك؟ [قيل](٨) ـ والله أعلم ـ : إنه إنما أراهم آيته بعد ما أخرج العصا عن سلطانه وتدبيره ؛ ليعلم أنها إنما صارت لا بتدبيره وتغييره ولكن بالله عزوجل ، وكذلك اليد صيرها آية بعد ما غيبها عن بصره وتدبيره ؛ ليعلم أنها صارت كذلك لا به ولكن بالله عزوجل والآية : هي التي تخرج عن وسع الخلق وتدبيرهم.

__________________

ـ المبرد في «الكامل». وإنما دخلته الهاء ؛ لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة ، على أنه قد روي عن بعض العرب : رأيت حيّا على حية ، أي : ذكرا على أنثى. وفلان حية ذكر. والنسبة إلى الحية : حيوي ، والحيوت : ذكر الحيات ، أنشد الأصمعي :

ويأكل الحية والحيوتا

ويخنق العجوز أو تموتا

وذكر ابن خالويه لها مائتي اسم.

ينظر : حياة الحيوان (١ / ٢٤٩).

(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٦) (١٤٩٢٢).

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩٧) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ من طرق عن ابن عباس.

(٢) في أ : ذكرنا.

(٣) في ب : أذى وآفة.

(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٧) (١٤٩٢٦) و (١٤٩٢٧) عن ابن عباس وغيره.

(٥) بياض يقع في الجسد لعلة. ينظر المعجم الوسيط (١ / ٤٩) (برص).

(٦) في أ : يستقبح.

(٧) سقط في أ.

(٨) سقط في ب.

٥٢٠