تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٥٩

وقوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ).

قال بعضهم (١) : ادعوا ، أي : اعبدوا ربكم ؛ كقوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) [غافر : ٦٠] ذكر في الابتداء الدعاء وفي آخره العبادة ، فكان الأمر بالدعاء أمرا بالعبادة.

وقال بعضهم (٢) : الدعاء هاهنا هو الدعاء ، وقد جاء «أن الدعاء مخ العبادة» (٣) ؛ لأن العبادة قد تكون بالتقليد ، والدعاء لا يحتمل التقليد ، ولكن إنما يكون عند الحاجة لما رأى في نفسه من الحاجة والعجز عن القيام بذلك ؛ فعند ذلك يفزع إلى ربه ، فهو مخ العبادة من هذا الوجه.

وقال بعض أهل التأويل في قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) أي : وحّدوا ربكم تضرعا وخفية.

قيل : (تَضَرُّعاً) خضوعا ، (وَخُفْيَةً) إخلاصا.

وقيل (٤) : (تَضَرُّعاً) : ظاهرا. (وَخُفْيَةً) : سرا.

وأصله : أن اعبدوا ربكم في كل وقت وكل ساعة ، أو ادعوا خاضعين مخلصين.

وقوله ـ عزوجل ـ : إنه لا يحب المعتدين : قيل : المجاوزين الحد بالإشراك بالله.

وقيل (٥) : لا يحب الاعتداء في الدعاء ؛ نحو أن يقول : اللهم اجعلني نبيا أو ملكا أو أنزلني في الجنة منزل كذا ، وموضع كذا.

وروي عن عبد الله بن مغفل (٦) سمع ابنه (٧) يقول : «اللهم إني أسألك الفردوس ؛

__________________

(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣١٢) ونسبه للزجاج وكذا الرازي في تفسيره (١٤ / ١٠٩).

(٢) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٢٠).

(٣) أخرجه الترمذي (٣٣٧١) ، والطبراني في الأوسط (٣٢٢٠) من حديث أنس بن مالك وانظر ضعيف الترمذي للعلامة الألباني (٦٦٩).

(٤) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٥١٥) (١٤٧٨٧) عن ابن عباس وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧١) وزاد نسبته لابن المنذر وأبي الشيخ عن ابن عباس ولأبي الشيخ عن قتادة.

(٥) أخرجه ابن جرير (٥ / ٥١٥) عن أبي مجلز بنحوه وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧١) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وذكره أبو حيان في البحر (٤ / ٣١٣) ، والبغوي في التفسير (٢ / ١٦٦).

(٦) عبد الله بن مغفل بن عبد نهم بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة بن ذؤيب بن سعد بن عداء بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، المزني ، أبو سعيد ، وقيل : أبو عبد الرحمن ، وقيل : سكن المدينة ، ثم تحول إلى البصرة ، وابتنى بها دارا ، قرب المسجد الجامع ، وهو من أصحاب الشجرة.

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن عبد الله بن سلام ، وأبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة ، ـ

٤٦١

وأسألك كذا ، فقال له عبد الله : سل الله الجنة ، وتعوذ به من النار ، فإني سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سيكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور» (١).

ويحتمل الاعتداء في الدعاء : هو أن يسأل ربه ما ليس [هو](٢) بأهل له ؛ نحو : أن يسأل كرامة الأخيار والرسل.

وأصل الاعتداء : هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له (٣).

وعن الحسن (٤) ، قال في قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) : علمكم كيف تدعون ربكم ، وقال للعبد الصالح [حيث](٥) رضي دعاءه : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) [مريم : ٣].

وقال أنس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عمل البر كله نصف العبادة ، والدعاء نصف العبادة» (٦).

ومنهم من صرف قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) إلى الدعاء ، وقال : يكره للرجل أن يرفع صوته في الدعاء ، ويروون على ذلك حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سمع قوما يرفعون أصواتهم في الدعاء ، فقال : «أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، ولكن ...» (٧).

__________________

ـ وعثمان بن عفان.

روى عنه : ثابت بن أسلم البناني وثابت بن عبيد الأنصاري ، وأبو الوازع جابر بن عمرو ، والحسن البصري ، وحميد بن هلال العدوي ، وسعيد بن جبير.

أول من دخل من باب مدينة تستر عبد الله بن مغفل المزني ـ يعني : حين فتحها.

مات سنة سبع وخمسين ، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي وقيل : مات سنة إحدى وستين.

وقال أبو عمر بن عبد البر : مات سنة ستين.

ينظر : تهذيب الكمال (١٦ / ١٧٣ ـ ١٧٥) ، تاريخ القدوري (٢ / ٣٣٣) ، وتهذيب التهذيب (٦ / ٤٢) ، والإصابة (٢ / ٤٩٧٢) ، والاستيعاب (٣ / ٩٩٦) ، والتقريب (١ / ٤٥٣).

(٧) قال في تهذيب الكمال (١٦ / ١٧٤) وهو غير مسمى يقال : اسمه يزيد بن عبد الله بن مغفل.

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٨٦ ، ٨٧) ، (٥ / ٥٥) ، وأبو داود (١ / ٧٢) كتاب الطهارة باب الإسراف في الماء (٩٦) ، وابن ماجه (٥ / ٣٨٠) كتاب الدعاء باب كراهية الاعتداء في الدعاء حديث رقم (٣٨٦٤).

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر عمدة الحفاظ (٣ / ٥٢).

(٤) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٥١٤) (١٤٧٨٥) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧٢) وزاد نسبته لابن المبارك وأبي الشيخ.

(٥) سقط في ب.

(٦) ذكره الهندي في كنز العمال (٣١٣٧) وعزاه لابن منيع عن أنس بن مالك.

(٧) أخرجه البخاري (٧ / ٥٣٧) كتاب : المغازي ، باب : غزوة خيبر (٤٢٠٥) ، وكتاب الدعوات (١١ / ٢١٧) باب قول «لا حول ولا قوة إلا بالله» (٦٤٠٩) ، وأيضا كتاب الدعوات (١١ / ١٩١) باب : الدعاء إذا علا عقبة (٦٣٨٤) وكتاب التوحيد (١٣ / ٣٨٤) باب : وكان الله سميعا بصيرا (٧٣٨٦) ومسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٥ / ٢٠٧٦) باب : استحباب خفض الصوت بالذكر (٤٤ / ٢٧٠٤).

٤٦٢

وقوله : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها).

قال بعضهم (١) : قوله : (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد ما بعث الرسل بإصلاحها من الدعاء إلى عبادة الله ، والطاعة ، ويأمرون بالحلال ، وينهون عن الحرام.

وقال بعضهم : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) : بعد ما خلقها طاهرة عن جميع أنواع المعاصي ، والفواحش ، وسفك الدماء ، وغير ذلك.

ويقال : (بَعْدَ إِصْلاحِها) بعد ما أعطاكم أسبابا تقدرون [بها] على الإصلاح ، وما به تملكون إصلاحها.

وجائز أن يكون المراد بإصلاح الأرض : أهلها ، أي : لا تفسدوا أهلها ؛ وهو كقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) [الطلاق : ٨] والقرية لا توصف بالعتوّ ، ولكن أهلها.

وقوله ـ عزوجل ـ (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً).

قال بعضهم (٢) : خوفا : لما كان في العبادة من التقصير ، وطمعا في التجاوز والقبول ؛ لأنه لا أحد يقدر أن يعبد ربه حق عبادة لا تقصير فيها.

وعلى ذلك روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة أحد إلا برحمته ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ :! قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (٣).

وعلى ذلك ما روى (٤) : «أن الملائكة يقولون يوم القيامة : ما عبدناك حق عبادتك» (٥).

ويجب على كل مؤمن أن يكون في كل فعل الخير خائفا ، راجيا الخوف للتقصير ، والرجاء للقبول (٦).

وقال بعضهم (٧) : خوفا من عذابه ونقمته ، وطمعا في جنته.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

قال أهل التأويل إن الجنة قريب من المحسنين ، ويقولون : أراد بالقريب : الوقوع فيها ،

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧٢) وعزاه لابن أبي حاتم عن أبي صالح بنحوه.

(٢) ذكره الرازي (١٤ / ١١٠) في تفسيره بنحوه.

(٣) أخرجه البخاري (١١ / ٣٠٠) كتاب : الرقاق ، باب : القصد والمداومة (٦٤٦٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٦٩) كتاب : صفات المنافقين ، باب : لن يدخل أحد الجنة بعمله (٧١ / ٢٨١٦) عن أبي هريرة بنحوه.

(٤) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٧٠) وعزاه لعبد بن حميد عن أبي عيسى بنحوه.

(٥) في ب : العبادة.

(٦) كما يصور لنا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٦٠ ـ ٦١]

(٧) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٦٦) بنحوه.

٤٦٣

والنزول ، ويحتمل أن يكون المراد بالرحمة صفته ، فيكون تأويله : إن منفعة رحمة الله قريب من المحسنين.

وقال الحسن : إن رحمة الله ـ وهي الجنة ـ قريب من الخائفين.

وقال بعضهم : في قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) أي : إجابة الله قريب إلى من استجاب دعاءه ، ويحتمل ما ذكرنا من منفعة رحمة الله قريب إلى من ذكر.

ثم المحسنين يحتمل المحسنين إلى أنفسهم ، أو المحسنين إلى خلقه ، أو المحسنين إلى نعم الله ، أي : أحسنوا صحبة نعمه ، والقيام لشكرها ، واجتناب الكفران بها. أو يريد الموحدين.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).

يذكرهم عزوجل في هذا حكمته وقدرته ونعمه ؛ ليحتج بها عليهم بالبعث ، أما حكمته فبما يرسل الرياح والأمطار ، ويسوقها إلى المكان الذي يريد أن يمطر فيه ما لم يعاينوا ذلك وشاهدوه ما عرفوا ، أن كيف يرسل المطر من السماء ، وكيف يرسل الريح ، ويسوق السحاب ، ففي ذلك تذكير حكمته إياهم. وأما نعمه : فهو ما يسوق السحاب بالريح إلى المكان الذي فيه حاجة إلى المطر ، فيرسل على ذلك المكان المطر ، وذلك من عظيم نعمه ؛ ليعلم أن ذلك كان برحمته ، لا أنهم كانوا مستوجبين لذلك.

وأما ما ذكرهم من قدرته : فهو ما ذكر من إحياء الأرض بعد ما كان ميتة ؛ ليعلم أن الذي قدر على إحياء الأرض ، وإخراج النبات والثمر بعد ما كان ميتا ، لقادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد موتهم ، على ما قدر على إحياء الأرض بالنبات وإحياء النخل بالثمار بعد ما كان علم (١) كلّ أن لا نبات فيها ولا ثمار فيه ؛ فإذا خرج النبات منها والثمار من النخيل على ما خرج في العام الأول ، دل ذلك على وحدانيته وقدرته على إحياء الموتى وبعثهم بعد ما ماتوا وصاروا ترابا على قدر ما ذكرنا ، والله أعلم.

وفي قوله : (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) دلالة ألا تفهم من اليدين الجارحتين على ما يفهم من الخلق ، كما لم يفهم أحد بذكر اليد في المطر الجارحة ؛ لأنه لا جارحة له ؛ فعلى ذلك لا يفهم من ذكر اليد له الجارحة من قوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٤٦] ، وكذلك قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] لم يفهم من قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) الجارحة للقرآن ، فعلى ذلك لا يفهم [مما ذكر](٢) من يديه

__________________

(١) في ب : بعد ما علم.

(٢) في أ : ما ذكر.

٤٦٤

الجارحة ، ومن فهم ذلك فإنما يفهم لفساد في اعتقاده.

وكذلك ما ذكر من الاستواء على العرش ، والاستواء إلى السماء ، لا يفهم [منه ما يفهم](١) من استواء الخلق ؛ لأنه بريء عن جميع مشابه الخلق ، ومعانيهم ، وهو ما وصف حيث قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].

وقوله ـ عزوجل ـ : يرسل الرياح ـ نشرا ـ نشرا ـ بشرى ـ والنشر : هو من جمع نشور (٢) ، وهو من الإحياء ، ونشرا من التفريق ، وبشرى بالباء ـ : من البشارة ، ثم قيل في قوله : «نشرا» الله عزوجل هو الذي يفرق ويسوق ذلك السحاب.

وقيل : الريح هو الذي يرسل ، ويسوق ذلك السحاب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) قيل : أقلت : حملت (٣). وقيل : رفعت (٤) الماء ، وهو واحد ، ثقالا مما فيه من الماء (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) إلى بلد ميت ، فأنزلنا به الماء ؛ أي : البلد.

(فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ).

[قال بعضهم : من كل الثمرات ما يشاهدون من الثمرات](٥).

كذلك يخرج الموتى بعد ما ماتوا وذهب أثرهم كما أخرج النبات والثمار من الأرض والنخل (٦) من بعد ما ماتوا وذهب أثر ذلك النبات وذلك الثمار ، فعلى ذلك يخرج الموتى بعد ما ذهب أثرهم حتى لم يبق شيء.

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام : ١٥٢] : وتتفكرون وتعرفون قدرته وسلطانه على الإحياء بعد الموت ، أو تذكرون ، أي : تتعظون.

وبعد ، فإن إعادة الشيء في عقول الخلق أهون وأيسر من ابتداء الإنشاء.

ألا ترى أن الدهرية والثنوية وهؤلاء قد أنكروا الإنشاء لا من شيء ، ورأوا وجود الأشياء وخروجها وإعادتها عن أصل وكيان وهو ما ذكر.

«وهو أهون عليه» ، أي : في عقولكم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قيل : هو جمع نشور ، نحو رسول ورسل. ويقال : نشرت الرياح نشرا ، أي صرت. وأنشد لجرير.

نشرت عليك فذكرت بعد البلى

ريح يمانية بيوم ماطر

ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ٢٠٤).

(٣) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٢٣).

(٤) في أ : وفتحت.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : والنخيل.

٤٦٥

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً).

ذكر المثل ولم يذكر المضروب ، وأهل التأويل قالوا : ضرب المثل للمؤمن والكافر ، ثم يحتمل ضرب المثل وجوها.

أحدها : أنه وصف الأرض التي يخرج منها النبات بالطيب ، ووصف الأرض التي لا يخرج منها النبات بالخبث ، فعلى ذلك المؤمن لما كان منه من الأعمال من الطاعة لربه ، والائتمار لأمره موصوف هو بالطيب ، وجعله من جوهر الطيب ، والكافر لما يكون منه من الأعمال الخبيثة ، ولا يكون له من الأعمال الصالحة من الطاعة لربه خبيث (١) ، كما أن الأرض التي يخرج منها النبات الذي ينتفع به موصوفة بطيب الأصل والجوهر ، والتي لا يخرج منها النبات ولا ينتفع به موصوفة بخبث الأصل.

وأمكن أن يكون من وجه آخر ، وهو أن الله ـ عزوجل ـ جعل هذا القرآن مباركا ، شفاء للخلق على ما وصفه الله تعالى في غير موضع من الكتاب (٢) ، ووصف الماء الذي ينزل من السماء بالبركة والرحمة (٣) ، فإذا نزل ذلك الماء المبارك في الأرض الطيبة الجوهر ، خرج منها النبات ، والأنزال ينتفع بها ، وإذا نزل في الأرض السبخة (٤) الخبيثة ، لم يخرج لخبث أصلها ، فعلى ذلك هذا القرآن هو مبارك شفاء ، فيسمعه المؤمن ، فيتبعه ، ويعمل به ، والكافر يسمعه ولا يتبعه ، ولا يعمل به ، فصار مثل المؤمن الذي يسمع هذا القرآن ويتبعه ويعمل بما فيه ، كمثل الماء الذي يدخل في الأرض فيخرج منه النبات ؛ لطيب جوهرها وأصلها ، والكافر مثل الأرض (٥) التي لا يخرج منها النبات لخبث أصلها وجوهرها ، وأصله : أنه ضرب مثل الذي هو مستحسن بالعقل بالذي هو مستحسن

__________________

(١) في أ : حيث.

(٢) قال الله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) [الأنعام : ٩٢] ، وقال تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام : ١٥٥] ، وقال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢] ، وقال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤].

(٣) قال تعالى في سورة ق : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : ٩].

(٤) سبخت الأرض سبخا : كانت ذات نزّ وملح لا تكاد تنبت. ينظر المعجم الوسيط (١ / ٤١٢) (سبخ).

(٥) في ب : والكافر بالأرض.

٤٦٦

بالطبع ؛ لأن ما حسن في الطبع فإنما معرفته حسن ، وما حسن في العقل فإنما يعرف حسنه بالدلائل وهو غائب ، فضرب مثل الذي معرفة حسنه بالعقل [وهو غائب بالذي معرفة حسنه حس ومشاهدة فالإيمان حسن وغائب ضرب مثله بالذي طريق معرفة حسنه بالحس](١) والمشاهدة ، وهو ما ذكر من النبات الذي يخرج من الأرض ، وذلك يدلّ على طيب أصلها وجوهرها ، والتي لا تخرج شيئا [هو](٢) لخبث جوهرها وأصلها ، فعلى ذلك المؤمن والكافر ، ثم حسن عمل هذا وطيبه وقبح عمل الآخر وخبثه إنما يظهر في الآخرة وذلك يوجب البعث (٣) لأنهما جميعا استويا في هذه الدنيا ، فدل أن هنالك دارا أخرى فيها يظهر الطيب من الخبيث طاب عمل المؤمن ، وجميع ما يكون منه حسنا لطيب أصله ، وخبث عمل الكافر وقبح ما يكون منه لخبث أصله ، كالأرض التي ذكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) يحتمل بعلمه وتكوينه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا نَكِداً).

قال الحسن (٤) : خبيثا ، أي : لا يخرج إلا خبيثا.

وقال أبو بكر : نكدا ، أي : لا منفعة فيه.

وقيل (٥) : إلا عسيرا (٦).

وقيل (٧) : إلا قليلا وهو واحد.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).

أي : لقوم ينتفعون بالآيات.

قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ)(٦٤)

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : البغض.

(٤) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ١١٨) ولم ينسبه لأحد ، وابن عادل في اللباب (٩ / ١٧٢).

(٥) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٦٨).

(٦) في ب : إلا عسرا.

(٧) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٦٨).

٤٦٧

قوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) كما أرسلناك إلى قومك ولست أنت بأول رسول ؛ كقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩].

وفيه دلالة أن الإيمان يصح بالأنبياء والرسل ، وإن لم تعرف أنسابهم ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ ذكر الأنبياء والرسل بأساميهم ، ولم يذكر أنسابهم ، دل ذلك أن الإيمان يكون بهم [إيمانا](١) وإن لم تعرف (٢) أنسابهم ؛ وكذلك يصح الإيمان وإن لم تعرف (٣) أسماؤهم ؛ لأن من الأنبياء من لا يعرف اسمه ، فيصح الإيمان بجملة الأنبياء ، وإن لم تعرف أسماؤهم ، وفي ذلك دلالة إثبات رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أخبر عن رسالة نوح ، فدل أنه بالله عرف ذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

قيل : قوله : (اعْبُدُوا اللهَ). ، أي : وحدوا الله ، سموا التوحيد (٤) عبادة لأن العبادة ، لا تكون ولا تصح إلا بالتوحيد فيها لله خالصا سمي بذلك مجازا [إذ يجوز](٥) أن يكون عبادة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

أي : ما لكم من الإله الحق الذي ثبتت ألوهيته وربوبيته بالدلائل [والبراهين](٦) من إله غيره.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

قال بعضهم : (إِنِّي أَخافُ) ، أي : إني أعلم أن ينزل عليكم عذاب يوم عظيم إن متم على هذا.

أو قال بعضهم : الخوف هو الخوف ، وهو خوف إشفاق ، وذلك يحتمل أن يكون في الوقت الذي كان يطمع في إيمان قومه ، ثم آيسه الله عن إيمان قومه بقوله : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦].

وقوله ـ عزوجل ـ : (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

هو يوم عظيم للخلق ؛ كقوله : (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [المطففين : ٥]. (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِ

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : يعرف.

(٣) في ب : يعرف.

(٤) في ب : سموا العبادة توحيدا.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

٤٦٨

الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦] وهو عظيم للخلق على ما وصف.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ).

هم أشراف قومه وسادتهم ؛ كقوله : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ...) [الأحزاب : ٦٧] الآية ، وكانوا هم أضداد الأنبياء والرسل ؛ لأنهم كانوا يدعون الناس إلى ما يوحي إليهم الشياطين ، والرسل كانوا يدعون إلى ما يوحي إليهم الله ، وينزل عليهم ؛ لذلك قالوا : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ؛ لأنهم ظنوا أن ما أوحى إليهم الشيطان هو الحق ، وأن ما يدعو (١) إليه الرسل هو ضلال وباطل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ).

أي : لست أنا بضال ؛ لأنه إذا نفى (٢) الضلال عنه ، نفى أن يكون ضالا ، وهو حرف رفق ولين ، وعلى ذلك أمر الأنبياء والرسل أن يعاملوا قومهم ؛ لأن ذلك أنجع (٣) في القلوب ، وإلى القبول (٤) أقرب.

(وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، والعالم هو جوهر الكل.

ويحتمل قوله : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : لفي خطأ مبين ، ثم يخرج على وجهين :

أحدهما : نسبوه إلى الخطأ ؛ لما رأوه خالف الفراعنة والجبابرة (٥) الذين كانت همتهم القتل لمن خالفهم.

والثاني : نسبوه إلى الخطأ ؛ لأنه [ترك](٦) دين آبائه وأجداده ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي).

رسالته التي أمرني بتبليغها إليكم ، قبلتم أو رددتم ؛ [أوعدتم أو وعدتم](٧) لأني أبلغها

__________________

(١) في ب : يدعون.

(٢) في أ : إذا تقى.

(٣) نجع الشيء نجوعا : نفع وظهر أثره ، يقال : نجع الدواء في العليل ونجع العلف الدابة ، ويقال نجع القول في سامعه والعقاب في المذنب ، ويقال : أنجع الرجل : أفلح. ينظر المعجم الوسيط (٢ / ٩٠٣) (نجع).

(٤) في ب : القلوب.

(٥) الجبار في صفة الإنسان غالبا للذم كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [١٥] ، فالجبابرة هم من يقهرون غيرهم والمراد بهم الملوك والسلاطين. ينظر : عمدة الحفاظ بتصرف (١ / ٣٤٦).

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في أ.

٤٦٩

على أي حال استقبلتموني ، أو يقول : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) رسالته التي أرسلها إلىّ.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) يحتمل قوله : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) : أي : أدعوكم وآمركم إلى ما فيه صلاحكم ، وأنهاكم عما فيه فسادكم ، والنصيحة هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح ، والنهي عما فيه الفساد ، وتكون النصيحة لهم ، ولجميع المؤمنين.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «ألا إن الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله (١) [ولجميع المؤمنين]» (٢).

قال الشيخ أبو الفداء (٣) الحكيم (٤) ـ رحمة الله عليه ـ : النصيحة : هي النهاية من صدق العناية ، ثم أخبر أنه يبلغهم رسالات به (٥) ، ولم يبين فيم ذا؟! في كتاب أنزله عليه ، أو بوحي (٦) في غير كتاب يوحى إليه ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى التصديق له فيما يبلغ إليهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

قد أتاه من الله العلم بأشياء ما لم يأت أولئك مثله ، وهو كقول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) [مريم : ٤٣] ، ويحتمل قوله : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) من العذاب أنه (٧) ينزل بكم (ما لا تَعْلَمُونَ) أنتم إذا دمتم (٨) على ما أنتم عليه.

وقوله : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ).

أي : تعجبون بما جاءكم ذكر من الله على يدي رجل منكم ما لا أقدر أنا ولا تقدرون أنتم على مثله ، كانوا يعجبون وينكرون أن يكون رسل الله من البشر بقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] ، (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) ، ونحو ذلك (٩) كانوا ينكرون رسالة البشر وما ينبغي لهم أن ينكروا ذلك ؛ لأنهم قد كانوا رأوا

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٣١٢ ، ٣١٣) كتاب : الإيمان ، باب : بيان أن الدين النصيحة (٩٥ / ٥٥) ، وأحمد في المسند (٤ / ١٠٢) ، وأبو داود (٢ / ٧٠٤) (٤٩٤٤) كتاب الأدب : باب في النصيحة ، والنسائي (٧ / ١٥٦) ، والحميدي (٨٣٧) عن تميم الداري.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : القاسم. وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.

(٤) لم أعثر له على ترجمة.

(٥) في ب : ربي.

(٦) في أ : يوحى.

(٧) في أ : أن.

(٨) في أ : أدمتم.

(٩) في ب : ونحو هذا.

٤٧٠

تفضيل بعض البشر على بعض ، وفي وضع الرسالة فيهم ـ أعني في الرسل ـ تفضيلهم ، وذلك قد رأوا فيما بينهم ، ولله تفضيل بعضهم على بعض ؛ إذ له الخلق والأمر ، [ولكل](١) ذي ملك وسلطان أن يصنع في ملكه ما شاء من تفضيل بعض على بعض وغيره.

أو يقول : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : على يدي رجل منكم ، ولو كان جاء الذكر على من هو من غير جوهركم ، كان في ذلك لبس واشتباه عليكم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَكُمْ) عذاب الله : ولتتقوا معاصيه (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) : إن اتقيتم ما نهاكم (٢) [عنه](٣) ، أو كان في قومه من يجوز أن يرحم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكَذَّبُوهُ).

يعني نوحا [فيما](٤) دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، ونهاهم عن عبادة غير الله ، أو كذبوه فيما آتاهم من آيات نبوته ورسالته.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْجَيْناهُ).

يعني نوحا ، والذين آمنوا في الفلك (٥).

(وَأَغْرَقْنَا).

الذين كذبوا بآياتنا ، إذا كان إهلاك القوم إهلاك تعذيب وعقوبة ، ينجي أولياءه ويبقيهم إلى الآجال التي قدر لهم ، ويكون ذلك نجاة لهم من ذلك العذاب الذي حل بالأعداء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) : [أي : بآياتنا](٦) التي جعلناها (٧) لإثبات

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في أ : نهيتكم.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في أ.

(٥) الفلك : السفينة ، ويكون جمعا ، ويكون واحدا ؛ فمن الأول قوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فأعاد ضمير الجمع على لفظ الفلك. ومن الثاني قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) فوصفه بالمفرد ، وهذا مما خرج عن القاعدة ، فكان لفظ مفرده كلفظ جمعه ، وهو جمع تكسير ، وعند الأخفش مما اشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل ورد سيبويه هذا بقولهم : فلكان في التثنية.

وقيل : فلك جمع فلك ، نحو أسد وأسد ، والفلك كل ما استدار ومنه فلكة المغزل وفلكت الجدي : جعلت في لسانه مثل فلكة المغزل لتمنعه من الرضاع. وفي حديث ابن مسعود : «تركت فرسي كأنه يدور في فلك» قال بعض الأعراب : الفلك : الموج إذا هاج البحر واضطرب ، وذلك أنه أصابته عين.

ينظر عمدة الحفاظ (٣ / ٢٩٨) ، ومعاني القرآن للأخفش (٢ / ٥٦٦) ، والنهاية (٣ / ٤٧٢).

(٦) سقط في أ.

(٧) في ب : جعلناه.

٤٧١

رسالته ونبوته ، ويحتمل : كذبوا بآياتنا التي أعطيناه لوحدانية الله وألوهيته.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ).

عموا عن الحق.

قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ)(٧٢)

قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً).

أي : وأرسلنا هودا إلى عاد ، وهو على ما ذكر في نوح ، وهو قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩] ؛ فعلى ذلك قوله : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) ، أي : إلى عاد أرسلنا هودا.

ثم تحتمل الأخوة وجوها أربعة :

أخوة (١) النسب ، وأخوة الجوهر (٢) ، ويقال هذا إذا كان من جوهره ، ولا يقال ذلك في غير جوهره ، وأخوة المودة والمحبة ، وأخوة الدين ، ثم لم يكن بين هود وقومه أخوة الدين ، ولا أخوة المودة ، لكن يحتمل أخوة النسب ؛ لأن البشر على بعد من آدم كلهم أولاده ، فإذا كانوا كذلك فهم فيما بينهم بعضهم إخوة بعض ؛ كأولاد رجل واحد ، يكون

__________________

(١) الأخ لغة من ولده أبوك وأمك ، أو أحدهما. فإن كانت الولادة لأبوين فهو الشقيق ، ويقال للأشقاء الإخوة الأعيان. وإن كانت الولادة من الأب فهو الأخ لأب ، ويقال للإخوة والأخوات لأب أولاد علات.

وإن كانت الولادة من الأم فهو الأخ لأم ، ويقال للإخوة والأخوات لأم : الأخياف.

والأخ من الرضاع هو من أرضعتك أمه ، أو أرضعته أمك ، أو أرضعتك وإياه امرأة واحدة ، أو أرضعت أنت وهو من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن ، أرضعتك إحداهما وأرضعته الأخرى.

ينظر : العذب الفائض (١ / ٧٦) ، وتاج العروس (أخو) ، والمغني (٧ / ٤٧٢).

(٢) في ب : المودة.

٤٧٢

بعضهم إخوة بعض ، وأخوة الجوهر على ما ذكرنا ، يقال : هذا أخ هذا إذا كان من جنسه وجوهره ، فهذين الوجهين (١) يحتملان (٢) ، والوجهان الآخران لا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

أي : اعبدوا الله الذي يستحق العبادة [و](٣)(ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي : ليس لكم من معبود سواه ، وهو المعبود في الحقيقة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلا تَتَّقُونَ).

عبادة غير الله ، أو : أفلا تتقون الله في عبادتكم غيره ، وفي تكذيبكم هودا ، أو أن يقول : أفلا تتقون عذاب الله ونقمته عليكم

بمخالفتكم إياه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ).

قد ذكرنا قول الملأ من قومه (٤) ، أي : أشراف قومه وسادتهم (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ).

[ذكر](٥) هاهنا ظنهم في تكذيبهم الرسول ، [و] في موضع آخر قطعوا في التكذيب وهو قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) [المؤمنون : ٣٨] ، فكان قوله : (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ابتداء ما دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، كانوا على ظن فيه لما كان عندهم صدوقا أمينا قبل دعائهم إلى ما دعاهم ، فلما أن أقام عليهم آيات الرسالة والنبوة وأظهر عندهم عيب ما عبدوا غير الله ، وأبطله ، وتحقق ذلك عندهم ـ عند ذلك قالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) [المؤمنون : ٣٨] ؛ ليعلم أنهم عن عناد ، كذبوا (٦) الرسل ، فقال : (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) إن الرسل ـ عليهم‌السلام ـ كانوا أمروا أن يعاملوا الخلق بأحسن معاملة ، وهو على ما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ حيث قال له : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف : ١٩٩] وقوله ـ عزوجل ـ : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) [المؤمنون : ٩٦] ونحوه ، فعلى ذلك الرسل الذين كانوا من قبل كانوا مأمورين بذلك ؛ لذلك قال لهم هود لما تلقوه بالتكذيب والتسفيه قال : ليس بي ما تقولون وتنسبونني إليه ، (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ

__________________

(١) كذا في الأصل والصواب الرفع فهذان الوجهان.

(٢) في ب : يحتمل.

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : قوله.

(٥) سقط في ب.

(٦) في أ : وكذبوا.

٤٧٣

رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) ، أي : أدعوكم إلى وحدانية الله ، وعبادته ، والتمسك بالدين الذي به نجاتكم ، وكل من دعا آخر إلى ما به نجاته فهو ناصح له.

ويحتمل قوله : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) ، أي : كنت ناصحا لكم قبل هذا أمينا فيكم ، فكيف تكذبونني وتنسبونني إلى السفه ، وأنا أمين على الرسالة والوحي الذي وضع الله عندي؟!

وقوله ـ عزوجل ـ : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) : شئتم أو أبيتم.

أو يقول : أبلغكم رسالات ربي خوفتموني أو لم تخوفوني ، قبلتم عني أو لم تقبلوا.

أو يقول : أبلغكم رسالات ربي ، فكيف تنسبونني إلى السفه والافتراء على الله؟!

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).

يحتمل قوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) وجوها :

أحدها : أنه جعلكم خلفاء قوم أهلكهم بتكذيبهم الرسل ، ولم يهلككم ، فاحذروا أنتم هلاككم بتكذيبكم الرسول كما أهلك أولئك بتكذيبهم الرسل.

أو أن يقال : جعلكم خلفاء قوم صدقوا رسولا من البشر وهو نوح ، فكيف كذبتموني في دعوى الرسالة لأني بشر ودعائي إلى عبادة الله ووحدانيته؟! هذا تناقض.

والثاني : أن اذكروا نوحا وهو كان رسولا من البشر ، فكيف تنكرون أن يكون الرسول [بشرا]؟ وكان الرسل جميعا من البشر.

والثالث : أن اذكروا نعمة الله التي أنعمها عليكم من السعة في المال ، والقوة في الأنفس ، وحسن الخلقة ، والقامة ، وكان لعاد ذلك كله ؛ كقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ....) الآية [الفجر : ٦ ـ ٧]. هذا في السعة في المال ، وأما القوة في الأنفس والقامة ما ذكر في قوله : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] ، أو قوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، فيه وصف لهم بالقوة ، وطول القامة ، وعلى ذلك فسر بعض أهل التأويل (١).

وقوله : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) يعني : قوة وقدرة.

وقال غيره (٢) : هو الطول والعظم في الجسم ، وذكر الله ـ عزوجل ـ في عاد أشياء أربعة خصّهم بها من بين غيرهم.

أحدها : العظم في النفس ؛ كقوله : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً).

__________________

(١) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٣٠) ، وتفسير أبي حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٢٨).

(٢) انظر المصدر السابق.

٤٧٤

والقوة ، في قوله : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥].

والسعة في الأموال بقوله : (بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) [الفجر : ٦ ـ ٧].

وفضل [العلم](١) ، بقوله : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت : ٣٨].

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ).

قال بعضهم : الآلاء : هي [في](٢) دفع البلايا ، والنعماء هي في سوق النعماء إليه ، ولكن هما واحد ؛ لأنه ما من بلاء يدفع عنه إلا وفي ذلك سوق نعمة أخرى إليه ؛ ولأن الله ـ تعالى ـ ذكر في سورة الرحمن الآلاء بجميع ما ذكر إنما ذكر على سوق النعم إليه قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣] حيث قال : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ١ ـ ٤] إلى [آخر](٣) ما ذكر من السورة ، وهو ذكر في سوق النعم لا في دفع البلايا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

أي : تفلحون إن ذكرتم نعمه ، وشكرتم له عليها ، ولم تصرفوا عبادتكم وشكركم إلى غيره ، أو يقول : لكي يلزمكم الفلاح ، أو حتى تكونوا من أهل الفلاح.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا).

هذا يدل أن رسالته التي يبلغها إليهم هي دعاؤه إياهم إلى عبادة الله [وحده](٤) ، وتركهم عبادة من دونه ، حيث قالوا : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) [ولا شك](٥) أنه إنما جاءهم ليعبدوا الله وحده ، وجاءهم ليذروا ما كان يعبد آباؤهم.

ثم في قولهم (٦) تناقض ؛ لأنهم كانوا ينكرون أن يكون من البشر رسول بقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون : ٣٣] لم يرضوا برسالة البشر ، ورضوا بألوهية الأحجار والخشب ، ثم يقلدون آباءهم في عبادتهم غير الله ، وفي آبائهم من يعبد الله لا يعبد غيره ، وهم الذين [نجوا](٧) مع نوح ، فكيف لم

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في ب.

(٦) في ب : فعلهم.

(٧) سقط في أ.

٤٧٥

يقلدوا من نجا منهم ، ولم يعبدوا غير الله دون أن قلدوا الذين عبدوا غير الله؟ فذلك تناقض ، حيث اتبعوا من هلك منهم بتكذيبهم الرسل (١) وعبادتهم غير الله ، ولم يتبعوا من نجا منهم.

يذكر ـ عزوجل ـ سفههم وتناقضهم في القول في إنكارهم الرسول من البشر ، ولكن ذكر سفههم وتناقضهم بالتعريض لا بالتصريح ، وكذلك عامة ما ذكر في كتابه من سفههم إنما ذكر بالتعريض.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

إنه كان يعدهم (٢) العذاب إن لم يصدقوه فيما يدعوهم إليه ، وترك تقليدهم آباءهم في عبادتهم غير الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ).

قال بعضهم : الرجس : العذاب ، أي قد وجب (٣) عليكم العذاب بتكذيبكم هودا ، وتقليدكم (٤) آباءكم في عبادتكم غير الله ، (وَغَضَبٌ) : وهو العذاب أيضا.

وجائز : أن يكون الرجس هاهنا الخذلان ، وحرمان التوفيق والمعونة ، أي : قد وقع عليكم ووجب الخذلان ، وحرمان التوفيق باختياركم ما اخترتم.

وقال بعضهم : الرجس : هو الإثم والخبث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج : ٣٠] ، وقوله : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠] وقوله : «اللهم إني أعوذ بك من الرجس» (٥) النجس الخبيث المخبث من الشيطان الرجيم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها).

ومجادلتهم ما قالوا : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ) ويحتمل في (أَسْماءٍ) أي : بأسماء سميتموها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).

__________________

(١) في ب : الرسول.

(٢) في أ : بعد.

(٣) في ب : وقع.

(٤) في أ : أو تقليدكم.

(٥) أخرجه ابن ماجه (١ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨) كتاب الطهارة باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء (٢٩٩) عن أبي أمامة ، وذكره الزبيدي ، في إتحاف السادة المتقين (٢ / ٣٣٩) ، والهندي في الكنز (١٧٨٧٥) وعزاه لأبي داود في المراسيل عن الحسن مرسلا ، ولابن السني عن أنس مرفوعا.

٤٧٦

قيل (١) : حجة ، أي : لم ينزل لهم حجة في عبادتهم غير الله.

وقيل : السلطان هاهنا عذر ، أي : لم ينزل لهم عذرا في ذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَظِرُوا).

أي : انتظروا أنتم وعد الشيطان.

(إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وعد الرحمن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : من حجة في تسميتهم الأصنام التي عبدوها دون الله ما سموها آلهة وشفعاء ونحوه ، كأنهم إنما جادلوه في تسميتهم آلهة وشفعاء ، وأن ليس لهم حجة ولا عذر في عبادتهم غير الله ، ولا في إشراكهم غيره في العبادة والألوهية.

(فَانْتَظِرُوا) : قال الحسن : انتظروا أنتم مواعد الشيطان ، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) : لمواعد الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنْجَيْناهُ) يعني هودا (وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا).

إن من حكم الله أنه (٢) إذا أهلك قوما إهلاك تعذيب ، استأصلهم (٣) وأنجى أولياءه ونصرهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) يحتمل قوله [برحمة منا](٤) : برحمته التي هداهم عزوجل ، ولو لا رحمته ما اهتدوا ، لكنه رحمهم فهداهم ، فبرحمته اهتدوا ، [و](٥) يحتمل أنه [إنما](٦) أنجاهم من العذاب برحمة منه ، وإلا كانت لهم ذنوب وخطايا يستحقون بها العذاب ، لكنه أنجاهم برحمة منه وفضل (٧) ، والله أعلم.

وفيه : أن من نجي إنما نجي برحمته وفضله ، وإن كان رسولا لا باستيجاب منه النجاة ، وهو ما روي حيث قال : «لا يدخل الجنة أحد (٨) إلا برحمة الله ، قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».

__________________

(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٧٠) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٢٩).

(٢) في ب : له.

(٣) استأصل الشيء : قلعه بأصله ، ينظر المعجم الوسيط (١ / ٢٠) (أصل).

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

(٧) في أ : برحمته وفضله.

(٨) في ب : أحد الجنة.

٤٧٧

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا) [(بِآياتِنا) قيل دابر الذين كذبوا أي : أواخر الذين كذبوا واستأصلهم فلم يبق منهم أحد ، وقيل (دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا)](١) أي : أصل الذين كذبوا بآياتنا ، ولم يبين لنا آياته التي أعطاها (٢) هودا ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة سوى ما أخبر أن ما حل بهم من العذاب إنما حل بتكذيبهم الرسول ، وذلك كان سنة وحكمة في الأمم السالفة.

قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(٧٩)

قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).

قد ذكرنا أنه صلة قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [الأعراف : ٥٩] كأنه قال :

وأرسلنا إلى ثمود (٣) أخاهم صالحا (٤).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : أعطى.

(٣) ثمود : قبيلة من العرب البائدة ، اشتهرت باسم أبيها ، فلا يقال فيها : إلا ثمود بغير «بني» ، وبذلك ورد القرآن الكريم. كانت مساكنهم بالحجر ، ووادي القرى بين الحجاز والشام.

ينظر : نهاية الأرب للقلقشندي مخطوط ق (٨٩ ـ ١) ، صبح الأعشى للقلقشندي (١ / ٣١٣) ، والأغاني للأصفهاني طبعة دار الكتب (٦ / ٢٨٠) ، وتاج العروس للزبيدي (٢ / ٣١٢) ، والصحاح للجوهري (١ / ٢١٥) ، ونهاية الأرب للنويري (٢ / ٢٩٢) ، ومعجم البلدان لياقوت (٢ / ٢٠٢) ، وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ص (١١٢ ـ ٢١٥).

(٤) هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشج بن عبيد بن جاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو عمرو بن العلاء : سميت ثمود ؛ لقلّة مائها ، والثمد : الماء القليل ، وكانت مساكن ثمود الحجر بين (الحجاز) و (الشام) ، وكانوا عربا ، وكان صالح صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أفضلهم نسبا ، فبعثه الله تعالى إليهم رسولا ؛ وهو شاب ، فدعاهم حتى شمط فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ، ولما طال دعاؤه إياهم اقترحوا أن يخرج لهم النّاقة آية ، فكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله تعالى في كتابه ؛ قال : وقالوا : وكان عقر الناقة يوم الأربعاء ، وانتقل صالح بعد هلاك قومه إلى (الشام) ـ

٤٧٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَخاهُمْ) قد ذكرنا أنه تحتمل الأخوة وجوها أربعة : أخوة النسب ، وأخوة الجوهر والشكل على ما يقال : هذا أخو هذا إذا كان من جوهره وشكله ، وأخوة المودة والخلة ، وأخوة الدين ، ثم يحتمل أن يكون ما (١) ذكر من إخوة صالح [كان أخوهم](٢) في النسب ، أو في الجوهر على ما ذكرنا في هود ، ولا يحتمل أن يكون في المودة والدين ، وأما أخوة النسب فإنه يحتمل لما ذكرنا أن بني آدم كلهم إخوة ، وإن بعدوا ؛ لأنهم كلهم من أولاد آدم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).

قد ذكرنا أن الرسل بأجمعهم إنما بعثوا ليدعوا الخلق إلى وحدانية الله ، والعبادة له ؛ وأن لا معبود سواه يستحق العبادة من الخلق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قيل فيه بوجهين.

قيل : (بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، ما ذكر من الناقة التي جعلها الله آية لرسالة صالح ، وهي (٣) : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً)(٤).

وقيل : (بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، آيات ظهرت لهم على لسان صالح ، وجرت على يديه ما يدلّ على رسالة صالح ونبوته ، لكنهم كابروا تلك الآيات في التكذيب وعاندوا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً).

وجه تخصيص إضافة تلك الناقة إلى الله يحتمل وجوها ، وإن كانت النوق كلها لله في الحقيقة :

أحدها : لما خصت تلك بتذكير عبادته تعالى (٥) إياهم ووحدانيته تعظيما لها ، على ما خصت المساجد بالإضافة إليه ، بقوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن : ١٨] ؛ لما جعلت تلك البقاع لإقامة عبادة الله ، فخصت بالإضافة إليه [تعظيما لتلك البقاع فعلى ذلك هذه الناقة خصت بالإضافة إليه](٦) لما جعلها الله آية من آياته خارجة من غيرها من النوق

__________________

ـ بمن أسلم معه ، فنزلوا رملة (فلسطين) ، ثم انتقل إلى (مكة) ، فتوفي صالح بها ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وكان أقام في قومه عشرين سنة ، والله أعلم. ينظر : تهذيب الأسماء (١ / ٢٤٨).

(١) في أ : بكونها.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : وهو.

(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٣١) ، وكذا الرازي في تفسيره (١٤ / ١٣٢).

(٥) في ب : عبادة الله.

(٦) سقط في أ.

٤٧٩

مخالفة بنيتها بنية غيرها ؛ إما خلقة ، وإما في ابتداء إحداثها وإنشائها أو في أي شيء كان ، فأضافها إليه لذلك ، والله أعلم.

ثم لا يجب أن يتكلف المعنى الذي له جعل الناقة آية ؛ لأنه ـ جلّ وعلا ـ لم يبين لنا ذلك المعنى ، فلو تكلف ذكر ذلك فلعله يخرج على خلاف ما كان في الكتب الماضية ، فهذه القصص وأخبار الأمم الماضية إنما ذكرت في القرآن ؛ لتكون آية لرسالة محمد ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ فلو ذكرت على خلاف ما كان [كان] لهم في ذلك مقال.

ويحتمل معنى الإضافة إليه وجها آخر ، وهو : أنه لم يجعل منافع هذه الناقة لهم ، ولا جعل عليهم (١) مئونتها (٢) ، بل أخبر أن ذروها تأكل في أرض الله ، جعل مئونتها فيما يخرج من الأرض ، ليست كسائر النوق التي جعل مئونتها عليهم ، ومنافعها لهم بإزاء ما جعل عليهم من المؤن ، فمعنى التخصيص بالإضافة إليه لما لم يشرك فيها أحدا ولا في منافعها ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ).

دلالة أن تلك الناقة كان غذاؤها مثل غذاء سائر النوق ، وإن كانت خارجة عن طباع سائر النوق من جهة الآية ؛ ليعلم أنها وإن كانت آية لرسالته ودلالة لنبوته (٣) فتشابهها لسائر النوق في هذه الجهة لا يخرجها عن حكم الآية ، فعلى ذلك الرسل وإن كانوا ساووا غيرهم من الناس في المطعم والغذاء لا يمنع ذلك من أن يكونوا رسلا ، والله أعلم بذلك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ).

يحتمل : لا تتعرضوا لها قتلا ولا قطعا ولا عقرا (٤) لما ليست هي لهم ، (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ

__________________

(١) في ب : لهم.

(٢) يقال : مانه ـ مونا : احتمله وقام بكفايته فهو ممون. تقول : مان الرجل أهله كفاهم ، يقال تمون فلان : أكثر النفقة على عياله والمئونة : القوت وما يدخر منه. ينظر : المعجم الوسيط (٢ / ٨٩٢) (مان).

(٣) في أ : النبوة.

(٤) العقر ـ بفتح العين ـ لغة الجرح ، يقال : عقر الفرس والبعير بالسيف عقرا : قطع قوائمه ، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم ، والعقر لا يكون إلا في القوائم ، ثم جعل النحر عقرا ؛ لأن ناحر الإبل يعقرها ثم ينحرها ، والعقيرة : ما عقر من صيد أو غيره.

وقد استعمله الفقهاء بالمعنيين الواردين.

أحدهما : بمعنى الجرح ، وهو الإصابة القاتلة للحيوان في أي موضع من بدنه إذا كان غير مقدور عليه.

جاء في الشرح الصغير للمالكية : العقر : جرح مسلم مميز وحشيّا غير مقدور عليه إلا بعسر.

وفي البدائع : الجرح في أي موضع كان ، وذلك في الصيد وما هو في معنى الصيد.

والثاني : بمعنى ضرب قوائم الحيوانات.

ينظر : لسان العرب (عقر) ، والمصباح المنير (عقر) ، وبدائع الصنائع (٥ / ٤٣) ، والشرح الصغير (١ / ٣١٥) ، وحاشية ابن عابدين (٣ / ٢٣٠).

٤٨٠