تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٤

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٥٩

عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) على أن سؤاله ليس بسؤال استخبار واستظهار له ؛ ولكن سؤال توبيخ وتقرير ، أو سؤال شهادة ؛ وعلى هذا يخرج الابتلاء منه والامتحان ؛ لتقرير الأمر والنهي ، لا لإظهار شيء خفي عليه ، وإن كان في الشاهد يكون كذلك (١).

أو أن يصير ما قد خفي عليهم باديا ظاهرا عندهم ؛ فسمى ذلك الأمر منه والنهي ؛ ابتلاء وامتحانا ؛ لما [هو] عند الخلق ابتلاء وامتحان ، وإن كان عند الله لا يحتمل ذلك ؛ فسمي بالذي فيما بينهم ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ).

قال الحسن (٢) : يكون ميزانا (٣) له كفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات ؛ فمن ثقلت موازينه دخل الجنة ، ومن خفت موازينه دخل النار.

وقال غيره (٤) من أهل التأويل : يريد ب «الموازين» الحسنات والسيئات نفسها ؛ فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار. إلى هذا ذهب (٥) أكثر أهل التأويل ، ولا يحتمل ما قالوا.

أما قول الحسن : ميزان له كفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات ـ لا يحتمل ؛ لأنه قال : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). إذا ثقلت (٦) إحدى الكفتين (٧) خفت الأخرى ، وإذا خفت إحداهما ثقلت الأخرى ؛ فكل واحدة (٨) منهما فيمن تثقل موازينه وتخف ، وقد أخبر في الآية أن من ثقلت موازينه (٩) فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت

__________________

(١) في أ : لذلك.

(٢) ذكره بمعناه السيوطي في الدر (٣ / ١٢٩) وعزاه لابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن الحسن ، به.

(٣) في أ : ميزان.

(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٧٠) ونسبه إلى مجاهد والضحاك والأعمش وغيرهم.

(٥) في ب : يذهب.

(٦) في ب : ثقل.

(٧) في أ : الكفتان.

(٨) في ب : واحد.

(٩) الذي يوضع في الميزان يوم القيامة ، قيل : الأعمال وإن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.

قال البغوي : يروى هذا عن ابن عباس ، كما جاء في الصحيح أن «البقرة» و «آل عمران» يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن ، وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا القرآن ـ

٣٦١

__________________

ـ الذي أسهرت ليلك ، وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر : فيأتي المؤمن شاب حسن اللون ، طيب الريح ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح. وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.

فالأعمال الظاهرة في هذه النشأة بصور عرضية ، تبرز على هذا القول في النشأة الآخرة بصور جوهرية ، مناسبة لها في الحسن والقبح. فالذنوب والمعاصي تتجسم هناك ، وتتصور بصورة النار ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)[التوبة : ٤٩] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ...) الآية [النساء : ١٠] ، وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق من يشرب من إناء الذهب والفضة : «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم». ولا بعد في ذلك ؛ ألا ترى أن العلم يظهر في عالم المثال في صورة اللّبن؟!

وقيل : صحائف الأعمال هي التي توزن ، ويؤيده حديث البطاقة ؛ فقد أخرج أحمد والترمذي وصححه ، وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة. فينشر له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيقول : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا ، يا رب! فيقول : أفلك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل ، فيقول : لا. يا رب ، فيقول : بلى. إن لك عندنا حسنة ؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج له بطاقة فيها «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» فيقول : يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فيقال : إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة».

وقيل : يوزن صاحب العمل ، كما في الحديث : «يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة». ثم قرأ : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)[الكهف : ١٠٥].

وفي مناقب عبد الله بن مسعود ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أتعجبون من دقة ساقيه؟! والذي نفسي بيده ، لهما في الميزان أثقل من أحد».

قال الحافظ ابن كثير : وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار ، بأن يكون ذلك كله صحيحا فتارة توزن الأعمال ، وتارة يوزن محلها ، وتارة يوزن فاعلها. والله أعلم. انتهى.

قال أبو السعود : وقيل : الوزن عبارة عن القضاء السوي ، والحكم العادل. وبه قال مجاهد والأعمش والضحاك ، واختاره كثير من المتأخرين ؛ بناء على أن استعمال لفظ الوزن في هذا المعنى شائع في اللغة والعرف بطريق الكناية. قالوا : إن الميزان إنما يراد به التوصل إلى معرفة مقادير الشيء. ومقادير أعمال العباد لا يمكن إظهارها بذلك ؛ لأنها أعراض قد فنيت. وعلى تقدير بقائها ، لا تقبل الوزن. انتهى ، وأصله للرازي.

قال في العناية : فمنهم من أول الوزن بأنه بمعنى القضاء ، والحكم العدل ، أو مقابلتها بجزائها ؛ من قولهم : وازنه ، إذا عادله. وهو إما كناية أو استعارة. بتشبيه ذلك بالوزن المتصف بالخفة والثقل ، بمعنى الكثرة والقلة. والمشهور من مذهب أهل السنة : أنه حقيقة بمعناه المعروف. انتهى.

فإن جمهور الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل.

قال في فتح البيان : وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فلم يأتوا في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه. بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية ، وليس في ذلك حجة لأحد. فهذا إذا لم تقبله عقولهم ، فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم : من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، حتى جاءت البدع كالليل المظلم ، وقال كل ما شاء ، وتركوا الشرع خلف ظهورهم. ـ

٣٦٢

موازينه (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ).

ولا يحتمل ـ أيضا ـ ما قال غيره من أهل التأويل : إنه أراد ب «الموازين» : الحسنات ، والسيئات ؛ لأن الآية في المؤمنين والكافرين ، فلا سيئة ترجح في المؤمن مع إيمانه ، ولا حسنة ترجح في الكافر مع شركه ، إلا أن يقال : إن توزن حسناته وتقابل بسيئاته دون إيمان ، وكذلك الكافر تقابل سيئاته بحسناته دون الشرك ؛ فذهبت حسناتهم التي كانت لهم في الدنيا بما أنعم الله عليهم في الدنيا ؛ فقد عجل لهم جزاء حسناتهم التي عملوا في الدنيا ؛ بما أنعم عليهم في الدنيا.

وأما المؤمن فيتجاوز عن سيئاته ويتقبل عنه أحسن ما عمل ؛ كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦].

أو أن يكون ما ذكر من الميزان هو الكتاب الذي ذكر في آية أخرى ؛ كقوله (١) :

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق : ٧ ـ ٩] الآية ، [و](٢) كما قال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) [الحاقة : ٢٥].

وقال بعضهم : الوزن هو العدل ؛ كقوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) [الأنبياء : ٤٧] لم يقل : نضع الموازين بالقسط ، ولكن قال : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) ، والقسط : هو العدل ، فهو إخبار عن العدل أنه يعدل بينهم يومئذ.

__________________

ـ وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ، ويتحد قبولهم لها. بل كل فريق يدعي على العقل ما يطابق هواه ، ويوافق ما يذهب إليه هو ومن تابعه ؛ فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم. يعرف هذا كل منصف. ومن أنكره فليصف فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب ؛ فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه. وقد ورد ذكر الوزن والميزان في مواضع من القرآن كقوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)[الأنبياء : ٤٧] ،. وقوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) [المؤمنون : ١٠٢ ـ ١٠٣] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)[النساء : ٤٠] ، وقوله : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ)[القارعة : ٨ ، ٩] ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّا مذكورة في كتب السنة المطهرة ، وما في الكتاب والسنة يغني عن غيرهما ؛ فلا يلتفت إلى تأويل أحد أو تحريفه ، مع قوله تعالى وقول رسوله الصادق المصدوق ، والصباح يغني عن المصباح. انتهى.

وخلاصته ؛ أن الأصل في الإطلاق : الحقيقة ، ولا يعدل عنها إلى المجاز إلا إذا تعذرت ، ولا تعذر هاهنا.

ينظر : تفسير القاسمي (٧ / ٩ ـ ١٤).

(١) في ب : بقوله.

(٢) سقط في أ.

٣٦٣

وقال بعضهم (١) : الوزن يومئذ الحق ، أي : الجزاء يومئذ الحق ؛ يجزي للطاعة الحسنة والثواب ، وللسيئة عقاب وعذاب ، فهو حق.

وقال بعضهم : قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) [أي](٢) : الطاعة حق ، كل مطيع يومئذ فهو حق.

ويحتمل أن يكون الوزن الحدود ، والتقدير كقوله : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر : ١٩] ، أي : محدود مقدر ؛ فعلى ذلك قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) ، أي : الحد يومئذ الحق ، لا يزاد على السيئات ، ولا ينقص من الحسنات التي عملوا في الدنيا ، والله أعلم بما أراد بالوزن.

ثم قال أهل التأويل (٣) في قوله : (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، أي : غبنوا ؛ وذلك أنه ما من أحد من مؤمن وكافر إلا وله في الجنة والنار منزل وأهل ، فيرث المؤمن المنزل الذي كان للكافر في الجنة ، ويرث الكافر المنزل الذي للمؤمن في النار ؛ فذلك الخسران الذي خسروا ، لكن هذا لا يحتمل أن يكون الله ـ تعالى ـ يجعل للكافر في الجنة منزلا وأهلا مع علمه أنه لا يؤمن ، ويختم على كفره ، ويحتمل الخسران الذي ذكر هو أنهم خسروا في الدنيا والآخرة لما فات عنهم النعم التي كانت لهم في الدنيا ولم يصلوا إلى نعيم الآخرة ، فذلك هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

[و] قوله عزوجل : (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) قال الحسن : ب «آياتنا» : ديننا يكذبون ، ولكن كذبوا حججنا (٤). «يظلمون» أي : يضعونها في غير موضعها ، وهو ما ذكر من ظلمهم الآيات ؛ لأن الظلم هو وضع الشيء [في](٥) غير موضعه ، ثم المسألة فيمن ارتكب كل ذنب وكبيرة في حال كفره عمره ثم آمن في آخره ، صار ما كان ارتكب في حال كفره من الكبائر مغفورا معفوّا عنه غير مؤاخذ بها ، ومن ارتكب ذلك في حال إيمانه ، وختم على الإيمان لم يعمل الإيمان في تكفيره وكان مؤاخذا به ، وذلك والله أعلم ؛ لوجهين :

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٣٢) (١٤٣٣٤) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٢٩) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٣).

(٤) في أ : بآياتنا.

(٥) سقط في أ.

٣٦٤

أحدهما : أن ليس على الكافر أنفس أفعال الطاعات وأعينها (١) ، إنما عليه قبول تلك الأعمال ، فإذا أسلم ، فقد قبلها ولم يكن عليه في ذلك الوقت إلا القبول ؛ لذلك لم يؤاخذ بما كان منه من الأعمال.

وأما المؤمن فعليه أنفس أفعال (٢) تلك الطاعات ، وتلك الأعمال ، وقد كان منذ (٣) القبول [آخذا بما كان](٤) منه التفريط في تلك الأعمال.

والثاني : أن الكافر إذا أسلم بعد ما ارتكب من الكبائر ؛ لم يجرح إيمانه ، ولا أدخل فيه نقصا ؛ فلم يؤاخذ بما كان منه لما قدم على (٥) ربه بإيمان كامل.

وأما المؤمن إذا ارتكب كبائر فقد جرح (٦) الإيمان ، وأدخل [فيه](٧) النقصان بعمله الذي يخالف الإيمان ، ولا يوافقه ؛ لذلك افترقا.

ويشبه أن يكون قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) على التمثيل ليس على تحقيق الميزان والخفة ، ولكن على الوصف بالعظم لأعمال المؤمنين وبالخفة والتلاشي لأعمال الكافرين ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ ضرب لأعمال المؤمنين المثل بالشيء الثابت والطيب ، ووصف أعمالهم بالثبات والقرار فيه ، وضرب لأعمال الكافرين المثل وشبهها بالشيء التافه التالف ، ووصفها بالبطلان والتلاشي كقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) [إبراهيم : ٢٤] : وصف أعمالهم بالطيب والثبات والقرار ، ووصف أعمال الكافرين بالخبث والتلاشي والبطلان كقوله : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) [إبراهيم : ٢٦] ، وقال في آية أخرى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) [الأعراف : ٥٨] ، وقال : (وَالَّذِينَ َفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ، وكقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد : ١٧] ونحوه من الآيات : وصف أعمال المؤمنين بالثبات

__________________

(١) في ب : وأعلاها.

(٢) في ب : أقوال.

(٣) في أ : منه.

(٤) سقط في ب.

(٥) زاد في أ : ندم.

(٦) في أ : خرج.

(٧) سقط في أ.

٣٦٥

والقرار ، وأعمال الكفرة بالذهاب والبطلان ؛ فعلى ذلك قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) وصف بالعظم والقرار [والثبات](١) ، وقوله : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وصف بالبطلان والتلاشي ألا يكون لهم من الخيرات : [شىء ينتفعون به](٢) في الآخرة ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(١٠)

وقوله عزوجل : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) قال أبو بكر الكيساني : «مكناكم» ، أي : ملكناكم فى الأرض (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) تتعيشون بها ، يذكرهم نعمه ومنته [عليهم](٣) [بما ملكهم فى الأرض](٤) ، وجعل لهم منافع ليشكروا (٥) عليها.

وقال الحسن : «مكناكم» ، أي : جعلناكم مستخلفين [في الأرض](٦) : يذكرهم ـ عزوجل ـ أيضا ـ نعمه عليهم بما جعلهم خلفاء الأولين ، وجعل لهم معايش ويخوفهم زوال ذلك عنهم بما صار ذلك لهم بزوالها عن الأولين ، وأمكن أن يذكرهم هذا بما جعل لهم مكان القرار ، وموضع الانتشار والتقلب والتعيش ، والبشر لا بد له من ذلك ، وكله يرجع إلى واحد كقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) [العنكبوت : ٦٧] أي : جعلنا الحرم آمنا لكم بحيث تأمنون فيه وتتقلبون وتتعيشون فيه ، ويتخطف الناس من حولهم ، [فهو] يذكر لهم [عظيم](٧) نعمه ومننه التي جعلها لهم هذا إذا كان الخطاب به لأهل مكة ، وإن كان الخطاب به للناس كافة ، فيخرج على تذكير النعم لهم حيث جعل الأرض لهم بحيث يقرون فيها ويتقلبون فيها.

وقوله عزوجل (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) يحتمل وجوها ، وكذلك قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) :

أحدها : أنهم كانوا يقرون أنه خالقهم بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] ، كانوا يقرون بألوهيته ويصرفون العبادة إلى غيره ؛ فلذلك قال :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : لا في الدنيا ولا.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في ب.

(٥) زاد في أ : الله.

(٦) في أ : عمن تقدمهم بمكانهم.

(٧) سقط في ب.

٣٦٦

(قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ).

والثاني : ألا تشكرونه ولا تذكرونه البتة.

والثالث : يحتمل (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي : المؤمنون يشكرون ، ولا يشكر (١) أولئك ، والمؤمنون قليل وهم أكثر.

والرابع (٢) : أي : ليس في وسعهم القيام بشكر [جميع ما أنعم عليهم ؛ لكثرة نعمه لا يتهيأ لهم القيام بشكر واحدة ، فكيف يشكرون](٣) الجميع؟! فذلك الشكر قليل.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)(١٣)

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) قال الحسن : قوله (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أراد آدم خاصة (٤) ؛ لأنه قال : (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) أخبر : أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم بعد الخلق ، ولو كان المراد منه نحن ، [لكان السجود بعد خلقنا](٥) وقد كان السجود قبل ذلك.

وقال غيره (٦) : المراد منه البشر كله ؛ لأنه قال (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [أخبر أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم](٧) ، ولو كان المراد آدم بقوله (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) خاصة ، لكان [لا بد أن](٨) يذكر آدم ثانيا ؛ فدل أنه أراد به ذريته.

وقال بعضهم خلقناكم : [أى] آدم ، (ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) في أرحامكم ، ويحتمل ما قال الحسن ، ويحتمل وجها آخر : وهو أن (٩) قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ) أي : قدرناكم من ذلك الأصل وهو نفس آدم ؛ لأن الخلق [هو التقدير](١٠) ؛ كما تقول : أنا خلقته ، أي : قدرته ،

__________________

(١) في أ : يشكروا.

(٢) في ب : والثالث.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر : البحر المحيط (٤ / ٢٧٢) ، واللباب (٩ / ٢٧) ، وتفسير القرطبي (٧ / ١٠٩).

(٥) في أ : بعد خلقناكم ثم صورناكم.

(٦) ينظر : البحر المحيط (٤ / ٢٧٢) ، واللباب (٩ / ٢٧) ، وتفسير الخازن (٢ / ٤٨٤) ، وتفسير الرازي (١٤ / ٢٦) ، وتفسير القرطبي (٧ / ١٠٩).

(٧) سقط في أ.

(٨) في أ : لا.

(٩) في ب : كأن.

(١٠) في ب : خلق يقدر.

٣٦٧

يقول : ـ والله أعلم ـ (خَلَقْناكُمْ) : أى قدرناكم جميعا من ذلك الأصل و (١) الكيان ، ومنه صورناكم ، (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) أي : وقد قلنا للملائكة (اسْجُدُوا لِآدَمَ) وذلك جائز في اللغة.

وقد يقول بعض أهل الكلام : إن النطفة هي إنسان بقوة ، ثم تصير إنسانا بفعل.

ويقول بعضهم : هي كيان الإنسان ، فجائز أن يكون إضافته إلى ذلك الطين كما هو كيان وأصل لنا.

وقوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) قال الحسن (٢) : إبليس لم يكن من الملائكة ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ وصف الملائكة جملة بالطاعة له والخضوع بقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] وقال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] وغيره من الآيات ولم يكن من إبليس إلا كل سوء (٣) ، وقال أيضا : خلق الملائكة من نور وإبليس من نار على ما ذكر ، والنار ليست من جوهر النور ؛ دل أنه ليس من الملائكة.

وقال في (٤) قوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) : مثل هذا يجوز أن يقال : دخل هذه الدار أهل البصرة إلا رجلا من أهل الكوفة ، دل الاستثناء على (٥) أن دخل [هنالك](٦) أهل الكوفة ؛ فعلى ذلك يدل استثناء إبليس على أن [كان هناك](٧) أمر بالسجود لآدم لغير الملائكة أيضا ، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك فائدة : أنه كان من الملائكة أو من غيره ، إنما علينا أن نعرف أنه عدوّ لنا ، وقد ذكرنا هذا فيما سبق (٨).

وقوله عزوجل : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) قيل : قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي : ما منعك أن تسجد على ما ذكر في آية أخرى و [لا زائدة](٩).

وقوله عزوجل : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ...) بم علم عدو الله أن المخلوق من النار خير من المخلوق بالطين إلا أن يقال بأن النار جعلت لمصالح الأغذية ،

__________________

(١) في ب : في.

(٢) ينظر : اللباب (٩ / ٢٨ ـ ٢٩) ، وتفسير الرازي (١٤ / ٢٧).

(٣) في أ : شر.

(٤) في ب : من.

(٥) في أ : ألا.

(٦) سقط في ب.

(٧) في أ : قال هنالك.

(٨) في أ : تقدم.

(٩) في ب : إلا فائدة.

٣٦٨

فمن هنا وقع له ذلك أنها خير من الطين ، فيقال : إن النار وإن جعلت لصلاح الأغذية ؛ فالطين جعل لوجود الأغذية فالذي جعل لوجود (١) الشيء هو أنفع وأكبر مما جعل لمصالحه ، ولعل الأغذية تصلح للأكل بغيرها بالشمس وغيرها.

وبعد فإن الطين مما يقوم للنار ويطفئها ويتلفها ، والنار لا تقوم للطين ولا تتلفه ؛ فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يقع من هذا الوجه أنها أفضل وأخير من الطين.

ثم اختلف في الجهة التي كفر عدو الله إبليس :

قال بعضهم : إن إبليس عدو الله لم ير [لله على نفسه](٢) طاعة بأمر السجود لآدم ؛ لذلك كفر.

وقال آخرون : إنما كفر عدو الله لما لم ير الأمر بالخضوع والطاعة ممن (٣) فوقه لمن دونه حكمة ؛ فكفر (٤) لما لم ير أنه وضع الأمر بالسجود موضعه ، بل رآه لعنه الله واضعا [أمرا في](٥) غير موضعه.

وقال غيرهم : كفر عدو الله بالاستكبار والتكبر على آدم لا لمعنى آخر.

وقيل (٦) : أول من أخطأ في القياس وزلّ فيه إبليس لعنه الله.

وقوله عزوجل : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) اختلف فيه :

قال بعضهم (٧) : قوله : (فَاهْبِطْ مِنْها) ، يعني من السماء ؛ لأنه لعنه الله كان في السماء ، فأمر بالهبوط منها ؛ لما جعل السماء معدنا ومكانا للخاضعين المتواضعين ، فأمر بالهبوط منها إلى مكان جعل ذلك المكان مكان الخاضعين والمتكبرين جميعا وهي الأرض ، والأرض معدن الفريقين جميعا.

وقال بعضهم (٨) : الأمر بالهبوط منها أمر بالخروج من الأرض إلى جزائر البحور (٩) ؛ لأن الأرض هي قرار أهلها وجزائر البحور (١٠) ليست مكان قرار لأحد ؛ ليكون فيها على

__________________

(١) في ب : بوجود.

(٢) في أ : لنفسه.

(٣) في أ : من.

(٤) في ب : تكثر.

(٥) في أ : أمره.

(٦) ينظر : تفسير البغوي (٢ / ٤٨٦) ، واللباب (٩ / ٣٤).

(٧) ينظر تفسير البغوي (٢ / ٤٨٦) ، واللباب (٩ / ٣٦) ، ونسبه الرازي (١٤ / ٣٠) إلى بعض المعتزلة.

(٨) ينظر اللباب (٩ / ٣٦).

(٩) في ب : البحر.

(١٠) في ب : البحر.

٣٦٩

الخوف أبدا ؛ ألا ترى أنه قال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١] والبحار مما [تميد](١) بأهلها.

وأمكن أن يكون الأمر بالهبوط منها أمرا بالخروج من الصورة التي كان فيها إلى صورة أخرى لا يعرف أبدا ولا يرى عقوبة له لتركه أمر الله وارتكابه نهيه (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) في تلك الصورة أو في تلك الأرض ؛ حتى لا يقر أبدا ، ويكون على خوف أبدا.

ويحتمل في السماء ؛ لما ذكرنا.

وقوله عزوجل : (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) وجه صغاره : أنه ما من أحد ذكره إلا وقد لعنه ، ودعا عليه باللعن ، فذلك صغاره ، وأمكن أن يكون صغاره ؛ لما صيره بحال يغيب عن الأبصار ، ولا يقع عليه البصر ، أو لما طرده عن رحمة الله.

قوله تعالى : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)(١٧)

وقوله عزوجل : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

اختلف فيه :

قال بعضهم (٢) : أنظره إلى النفخة الأولى ؛ لئلا يذوق الموت ؛ فيصل (٣) حياة الدنيا بحياة الآخرة ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر : ٣٧].

وقال بعضهم : أنظره إلى يوم البعث.

وظاهر ما خرج من الخطاب أن يكون أنظره إلى يوم البعث ؛ [لأنه سأل ربه أن ينظره إلى يوم البعث حيث](٤) قال : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، فقال : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) خرج ذلك جوابا لسؤاله ، وما ذكر من الوقت المعلوم.

وفي آية أخرى يجيء أن يكون هو (٥) ذلك اليوم.

وقال غيره : أنظره ولم يبين له ذلك الوقت الذي أنظره إلى ذلك الوقت ؛ حتى يكون أبدا على خوف ووجل ؛ ألا ترى أنه قال : (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي

__________________

(١) في أ : لا يمتد.

(٢) ينظر : تفسير البغوي (٢ / ٤٨٧) ، واللباب (٩ / ٣٦).

(٣) في أ : فيتصل.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : بعد.

٣٧٠

بَرِيءٌ مِنْكُمْ) [الأنفال : ٤٨] لو كان الوقت الذي أنظره معلوما عنده ، لكان (١) لا يخاف الهلاك بدون ذلك الوقت ؛ دل أنه كان غير معلوم عنده.

وقوله عزوجل : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).

قال الحسن : قوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) ، أي : بما لعنتني (٢).

والإغواء هو اللعن كقوله (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الحجر : ٣٧] أى : من الملعونين ؛ فيعني ذلك قوله (أَغْوَيْتَنِي) أي : لعنتني. وقال أبو بكر الكيساني : أضاف الإغواء إلى نفسه ؛ لما كان سبب ذلك منه ، وهو (٣) الأمر الذي أمره بالسجود لآدم والخضوع له.

ويجوز أن يضاف إليه (٤) ذلك ؛ لما كان منه السبب نحو قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة : ٤٩] فطلب (٥) منه الإذن بالقعود ، ولا تكلفني بما لا أقوم فتفتنني بذلك ، وقال : إنما أضاف ذلك إليه ؛ لما كان منه سبب ذلك الافتتان ؛ فعلى ذلك هذا.

وقال بعض المعتزلة : هذا قول إبليس (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) وقد كذب عدو الله لم يغوه الله ؛ فيقال لهم فإن كان إبليس عدو الله قد كذب فى قوله (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) فيما أغويتني فتقولون بأن نوحا ـ صلوات الله [عليه] ـ قد كذب حيث قال : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] ، أضاف الإغواء إليه ؛ دل هذا على أن إبليس لم يكذب بإضافة الإغواء إلى الله.

ولكن عندنا أنه أضاف الإغواء إلى نفسه ؛ لما خلق فيه فعل الغواية والضلال ، على ما ذكرنا في غير موضع ، ليس كما قال هؤلاء : إنه أضيف إليه لمكان ما كان منه سبب ذلك ؛ لأنه لو جاز أن يضاف فعل الإغواء إليه لسبب الإغواء لجاز أن يضاف ذلك إلى الرسل والأنبياء ؛ لأنه كان منهم الأمر لقومهم والدعاء إلى توحيد الله ، ثم كذبوا في ذلك ؛ فكان سبب إغواء أولئك هم الرسل ، وذلك بعيد.

وكذلك لو كان الإغواء هو اللعن ، لكان كل لاعن عليه فهو مغويه.

وقال بعضهم : (أَغْوَيْتَنِي) أي : خذلتني.

والوجه فيه : ما ذكرنا : أنه خلق فيه فعل الغواية والضلال ، وكذلك من كل كافر خذله ؛

__________________

(١) في أ : مكان.

(٢) ينظر : اللباب (٩ / ٤٠) ذكره دون نسبه إلى قائله.

(٣) في ب : ومن.

(٤) في أ : مثل.

(٥) في أ : سأل.

٣٧١

لما علم منه أنه يختار الغواية والضلال.

وقوله عزوجل : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) [هو المكث] ليس على حقيقة القعود ، ولكن على المنع عن السلوك في الطريق أو على التلبيس عليهم الطريق المستقيم والستر عليهم ؛ لأن من قعد في الطريق منع الناس عن السلوك فيه.

وقوله عزوجل : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧] قال : الحسن (١) : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل الآخرة ؛ تكذيبا بالبعث والجنة والنار ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) قال : من قبل دنياهم يزينها لهم ويشهيها (٢) إليهم ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) قال : من قبل الحسنات يثبطهم عنها ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) قال : من قبل السيئات يأمرهم بها ، ويحثهم عليها ، ويزينها في أعينهم.

وعن مجاهد (٣) : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) قال : من حيث يبصرون (وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من حيث لا يبصرون.

وقيل (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل آخرتهم ، فلأخبرنهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ، على ما ذكر الحسن.

(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من قبل دنياهم : آمرهم بجمع الأموال فيها لمن بعدهم من ذراريهم وأخوف عليهم الضيعة ، فلا يصلون من (٤) أموالهم زكاتها ، ولا يعطون لها حقها ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) من قبل دينهم ، فأزين لكل قوم ما كانوا يعبدون ، فإن كانوا على ضلالة زينتها لهم ، وإن كانوا على هدى شبهته (٥) عليهم ، حتى أخرجهم منه ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من قبل اللذات والشهوات فأزينها لهم.

هذا الذي ذكر أهل التأويل يحتمل.

ثم ذكر الأمام والخلف وعن أيمان وعن شمال ، ولم يذكر فوق ولا تحت ؛ فيحتمل أن يدخل ما فوق وما تحت بذكر أمام واليمين والشمال والخلف ؛ كقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً

__________________

(١) روي مثله عن ابن عباس وغيره

أخرجه الطبري في تفسيره (١٤٣٧٤ إلى ١٤٣٨٢) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٣٦) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) في أ : ويشتهيها.

(٣) أخرجه الطبري (١٤٣٨٣ ، ١٤٣٨٤).

(٤) في أ : في.

(٥) في أ : شبهة.

٣٧٢

مِنَ السَّماءِ) [سبأ : ٩] دخل «ما فوق» بذكر ما بين أيديهم ، ودخل «ما تحت» بذكر ما خلفهم ؛ فعلى ذلك هذا يدخل «ما تحت» و «ما فوق» بذكر ما ذكر ؛ فيصير كأنه قال : فيأتيكم من كل وجه.

ويحتمل أنه لم (١) يذكر هذا ؛ لما أنه لا سلطان له على منع الأرزاق والبركات ؛ لأن أرزاق الخلق والبركات مما ينزل من السماء من المطر ، ويخرج من الأرض من النبات ؛ فليس له سلطان يمنع (٢) إنزال المطر وإخراج النبات من الأرض ، وله سلطان على غير ذلك.

أو يكون (٣) لما يشغلهم ويشهيهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من اللذات والشهوات لما [إذا رأى أشياء أعجبته](٤) أتبع النظر إليها واحدا بعد [واحد](٥) من أمام ووراء ويمين وشمال ، ولا كذلك من تحت ولا من فوق أو أن (٦) يكون ؛ لما روى عن ابن عباس (٧) ـ رضي الله عنه ـ أنه لما (٨) تلا هذه الآية قال : [إن](٩) الله منعه من أن يأتيهم من فوقهم ، ولو كان ذلك لما نجا أحد ، فأعمالهم تصعد إلى الله ، ورحمته تنزل عليهم.

وقال قتادة (١٠) : أتاك اللعين من كل نحو يا ابن آدم ، غير أنه لا يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة ربك ؛ إنما تأتيك (١١) الرحمة من فوقك.

والذي ذكرنا أنه على التمثيل أنه يأتيه من كل جانب أشبه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) يخرج على وجهين :

أحدهما : ليس على إرادة «بين» و «خلف» و «أيمان» و «شمال» ولكن على إرادة

__________________

(١) في أ : ولم.

(٢) في ب : على منع.

(٣) في أ : ويكون.

(٤) في أ : آمنوا أي شيئا أعجبه.

(٥) سقط في أ.

(٦) في أ : وأن.

(٧) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٤٤٧) (١٤٣٨٧) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لعبد بن حميد واللالكائي عن ابن عباس.

(٨) في ب : أنه إذا.

(٩) سقط في أ.

(١٠) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لأبي الشيخ عن عكرمة مولى ابن عباس.

(١١) في ب : يأتيك.

٣٧٣

الجهات كلها ؛ كأنه يقول : لآتينهم (١) من كل جهة.

والثاني : ما ذكر الحسن (٢) وأهل التأويل : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) : الآخرة تكذيبا بها ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) : الدنيا تزيينا بها عليهم ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) : الحسنات ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) : السيئات.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ).

هذا من عدو الله ظن ظنه لا قاله حقيقة ، لكن الله ـ عزوجل ـ أخبر أنه قد صدق ظنه بقوله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠].

قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٢١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (اخْرُجْ مِنْها).

يحتمل (مِنْها) : من السماء.

ويحتمل من الأرض.

ويحتمل من الصورة التي كان فيها على ما قلنا في قوله : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها). وقيل : الجنة (٣).

وقوله ـ عزوجل ـ : (مَذْؤُماً مَدْحُوراً).

قيل (٤) : مذموما مدحورا (٥) ، أي : مذموما ملوما عند الخلق جميعا.

مدحورا قيل (٦) : مقصيّا مبعدا عن (٧) كل خير. قال أبو عوسجة (٨) : مذءوم ومذموم

__________________

(١) في أ : لأتيناهم.

(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦) (١٤٣٧٥ ، ١٤٣٧٦) عن ابن عباس ، (١٤٣٧٧) عن قتادة ، (١٤٣٧٨) عن إبراهيم ، (١٤٣٧٩ ، ١٤٣٨٠) عن الحكم ، (١٤٣٨١) عن السدي ، (١٤٣٨٢) عن ابن جريج.

وذكره بمعناه السيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس ولابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.

(٣) ذكره ابن جرير (٥ / ٤٤٨) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ١٥١).

(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٤ / ٢٧٨) ونسبه للكلبي ، والسيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٥) في ب : ملوما.

(٦) أخرجه ابن جرير بمعناه (٥ / ٤٤٨) (١٤٣٩٥) (١٤٣٩٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٧) في ب : من.

(٨) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٤٨) (١٤٣٩٢) (١٤٣٩٣) عن السدي ومجاهد بنحوه ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٣٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

٣٧٤

ومدحور واحد مباعد مطرود (١).

وقوله : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).

أخبر ـ عزوجل ـ أنه يملأ جهنم من إبليس ومن تبعه وأطاعه ؛ لأنهم [إنما](٢) يتبعونه ويطيعونه في الكفر والشرك بالله.

تعلق الخوارج بظاهر قوله : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) ، وكل مرتكب معصية تابع له ؛ لذلك استوجب الخلود.

وقالت المعتزلة : كل مرتكب كبيرة بوعيد هذه الآية ؛ لأنه تابع له.

وعندنا : ليس لهم في الآية حجة في تخليد من ذكروا في النار ؛ لأنه إنما ذكرت على أثر نقض (٣) الدين ورد التوحيد ؛ فكأنه قال : لمن تبعك في نقض الدين وردّ التوحيد لأملأن جهنم منكم أجمعين.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما).

كان السكون في موضع من القرار فيه والأمن ؛ كقوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [يونس : ٦٧] ؛ لتقروا فيه وتأمنوا ؛ فقوله لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أسكنهما عزوجل ليقروا فيها ويأمنوا من [كل ما](٤) ينقصهما من تلك النعم التي أنعم عليهما ؛ لأن الخوف ، مما ينقص النعم ويذهب بلذتها ، فلما أسكنهما عزوجل الجنة أمنهما عن ذلك كله.

ثم فيه أن أول المحنة والابتلاء من الله لعباده إنما يكون بالإنعام والإفضال عليهم ، ثم بالجزاء والعدل بسوء ما ارتكبوا ؛ لأنه عزوجل امتحن آدم أولا بالإفضال والإنعام عليه ؛ حيث أسجد [له ملائكته](٥) ، وأسكنه جنته ، ووسع عليه نعمه ، ثم (٦) امتحنه بالشدائد وأنواع المشقة ؛ جزاء ما ارتكبوا من التناول من الشجرة التي نهاه عن قربانها ، فهو ما ذكرنا أن [شرط](٧) امتحانه عباده في الابتداء يكون بالإفضال والإنعام ، ثم بالعدل والجزاء لسوء صنيعهم.

__________________

(١) في ب : مطرد.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : نقيض.

(٤) في أ : أن.

(٥) في ب : ملائكته له.

(٦) في أ : و.

(٧) سقط في أ.

٣٧٥

ألا ترى أنه قال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] أخبر أن ما يصيبنا هو من كسب أيدينا وهو جزاء ما كسبنا.

[وفيها وفي غيرها من القصص والذكر دليل إثبات](١) رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونبوته ؛ لأنه [أخبر عما كان](٢) من غير أن اختلف إلى أحد ممن يعرف ذلك ولا نظر (٣) في الكتب التي فيها [ذكرها](٤) دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.

ثم اختلف أهل التأويل في الجنة (٥) التي أسكن عزوجل آدم فيها وزوجته :

قال بعضهم : [هي](٦) الجنة التي يكون عود أهل الإسلام إليها في الآخرة ، ولهم وعد عزوجل تلك.

وقال بعضهم : هي جنة أنشأها لآدم ليسكن فيها في السماء ، ولكن لا ندري ما تلك الجنة ، وليس لنا إلى معرفة تلك الجنة حاجة ، إنما الحاجة إلى ما ذكر من المحن.

واختلف ـ أيضا ـ في الشجرة التي نهي آدم عن قربانها :

قال بعضهم : هي شجرة العلم.

وقال بعضهم (٧) : هي شجرة الحنطة.

وقد ذكرنا أقاويل أهل التأويل واختلافهم في صدر الكتاب قدر ما حفظناه (٨).

وكذلك اختلفوا في وسوسة الشيطان لآدم وحواء : أنه كيف وسوس إليه (٩) ومن أين

__________________

(١) في ب : وفيه وفي غيرها من القصص الذي ذكر دليله لإثبات.

(٢) في أ : أخبرهما.

(٣) في أ : أو ينظر.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : جنة.

(٦) سقط في أ.

(٧) أخرجه ابن جرير (١ / ٢٧٠) (٧٣١) عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٨) ثم اختلف في تلك الشجرة.

فقال بعضهم : هي شجرة العنب ، ولذلك جعل للشيطان فيها حظا لما عصيا ربهما بها.

وقيل : إنها كانت شجرة الحنطة ؛ ولذلك جعل غذاء آدم وحواء ـ عليهما‌السلام ـ وغذاء أولادهما منها إلى يوم القيامة ليقاسوا جزاء العصيان والخلاف له.

وقيل : إنها شجرة العلم لما علما من ظهور عورتهما ، ولم يكونا يعلمان قبل ذلك وهو قوله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) [الأعراف : ٢٢] والله أعلم.

والقول في ماهيتها لا يجوز إلا من طريق الوحي. ولا وحي في تلاوتها. ولا يجوز القطع على شيء من ذلك.

(٩) في أ : عليه.

٣٧٦

كان ، وهذا ـ أيضا ـ قد ذكرناه في تلك القصة. والحسن يقول (١) : إنما وسوس إليهما (٢) من الدنيا لا (٣) أن كان دخل الجنة.

وقال بعضهم (٤) : وسوس إليهما من رأس الجنة ومن فيها بكلمتهما (٥).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ).

لم يرد [به](٦) الدنو منها ، ولكن أراد الذوق والأكل منها ؛ لأنه قال : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) [الأعراف : ٢٢] ، دل أن النهي لم يكن للدنو منها ، ولكن للذوق والأكل منها.

وفيه : أن الامتحان من الله مرة يكون بالحل ، ومرة يكون بالحرمة ؛ لأنه أذن [له](٧) التناول مما فيها من أنواع النعم ، وحرم عليه التناول من واحدة منها ؛ فذلك محنة منه ، ثم النهي عن التناول من (٨) الشيء يخرج على وجوه :

أحدها : ينهى بحق الحرمة لنفسه ، وينهى بحق إيثار الغير عليه ، وينهى عن التناول منه لداء فيه وآفة ، وينهى لما يخرج التناول منها بحق الجزاء فلم يكن بعد وقت الجزاء له.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما).

قوله : (ما وُورِيَ) أي : ستر وغطي ، وسوءاتهما : عورتهما ، والسوءة : العورة في اللغة (٩).

__________________

(١) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٩).

(٢) في أ : إليه.

(٣) في أ : إلا.

(٤) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٩).

(٥) في أ : بكلهما.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في أ.

(٨) في ب : عن.

(٩) العورة في اللغة : الخلل في الثغر وفي الحرب ، وقد يوصف به منكرا ، فيكون للواحد والجمع بلفظ واحد ، وفي القرآن الكريم : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزاب : ١٣] فهنا ورد الوصف مفردا والموصوف جمعا.

وتطلق على الساعة التي تظهر فيها العورة عادة للجوء فيها إلى الراحة والانكشاف ، وهي ساعة قبل الفجر ، وساعة عند منتصف النهار ، وساعة بعد العشاء الآخرة ، وفي التنزيل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور : ٥٨].

وكل شيء يستره الإنسان أنفة وحياء فهو عورة.

وهي في الاصطلاح : ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرجل أو المرأة ، أو هي ما يجب ستره ـ

٣٧٧

وفيه أنه يجب أن نكون على حذر من شر إبليس اللعين ؛ لئلا يجد فرصة علينا ؛ فإنه أبدا على [سلب](١) النعم [التي](٢) أنعمها الله على عباده ، حيث (٣) احتال كل حيلة (٤) ؛ حتى أبدى لهما ما ووري وستر عنهما من العورة وعمل في إخراجهما من النعم واللذات ، وأوقعهما في الشدائد والمشقة.

وفيه أنه ليس [حال](٥) عليه أشد من أن رأى أحدا في النعم والسعة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ).

قد ذكرنا معنى هذا ـ أيضا ـ في صدر الكتاب (٦).

__________________

ـ وعدم إظهاره من الجسم ، وحدّها يختلف باختلاف الجنس وباختلاف العمر ، كما يختلف من المرأة بالنسبة للمحرم وغير المحرم. ينظر : لسان العرب : عور ، والمصباح المنير (عور) ، وتفسير القرطبي (١٢ / ٣٠٥) ، والشرح الصغير (١ / ٢٨٣).

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : وحيث.

(٤) الحيلة لغة : الحذق في تدبير الأمور ، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود ، وأصل الياء واو ، وهي ما يتوصل به إلى حالة ما ، في خفية.

وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث. وقد تستعمل فيما فيه حكمة.

وأصلها من الحول ، وهو التحول من حال إلى حال بنوع تدبير ولطف يحيل به الشيء عن ظاهره ، أو من الحول بمعنى القوة. وتجمع الحيلة على : الحيل.

أما في الاصطلاح فيستعمل الفقهاء الحيلة بمعنى أخص من معناها في اللغة ، فهي نوع مخصوص من العمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال ، ثم غلب استعمالها عرفا في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى حصول الغرض ، بحيث لا يتفطن لها إلا بنوع من الذكاء والفطنة.

ينظر : المصباح المنير مادة : (حول) واللسان مادة : (حول) ، ومفردات الراغب مادة : (حول) ، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص (٤٠٥) ، وأعلام الموقعين (٣ / ٢٤٠).

(٥) سقط في أ.

(٦) قال المصنف في تفسير سورة البقرة : احتج الحسن بأن نسيانه نسيان تضييع واتباع الهوى ، لا نسيان الذكر بأوجه.

أحدها : ما جرى في حكم الله ـ تعالى ـ من العفو عن النسيان الذى هو ترك الذكر ، وألا يلحق صاحبه اسم العصيان. وقد عوقب هو به ، ونسب إلى العصيان بقوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)[طه : ١٢١] : مع ما تقدم القول فيه أن يكونا من الظالمين.

والثانى : أنّ عدوّه قد ذكّره لو كان ناسيا ؛ حيث قال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ). الآية [الأعراف : ٢٠] ، وقوله : (وَقاسَمَهُما). [الأعراف : ٢١] ، وقوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)[الأعراف : ٢٢].

ولو كان نسيان الذكر لم يكونا ليغترا بالقسم والإغواء عن ذلك ، ولا وصفا بأن استزلهما الشيطان ونحو ذلك. ـ

٣٧٨

__________________

ـ فثبت أنه كان نسيان تضييع ، وذلك كقوله : (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى)[طه : ١٢٦] ، وقوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا)[الأعراف : ٥١].

وغير ذلك مما ذكر فيه النسيان ومعناه التضييع ، سمي به لما كان كل منسيّ متروكا ، وترك اللازم تضييع ، أو بما ينسى ويغفل عما يحل به من نعمة الله ، فسمي به كما وصف ذنب المؤمن بجهالة الجهلة بما يحل به لا بجهله بحقيقة فعله. أو سمي به من حيث لا يقصد بذلك عصيان الرب أو طاعة الشيطان.

وإلى ذلك يصرف بعض وجوه النسيان لا حقيقته.

ومن يقول بأنه كان على النسيان فهو يخرّج النسيان على وجوه :

أحدها : أنه لكثرة ما كان بينه وبين عدوه من التراجع اشتغل قلبه بوجوه الدفاع له والفكر في الأسباب التى بها نجاته ، ويتخلص من مكايده ، حتى أنساه ذلك ذكر العهد.

والسبب الذى يدفع الأشياء عن الأوهام في الشاهد كثرة الاشتغال وإنما كان النسيان عدوا في الأمور وسببا للعفو ؛ لأنه لا يخرج الآخذ به عن الحكمة ، وذلك معلوم في الشاهد ، أن من أقبل على أمر وأخذ في تحفظه وتذكره عمل عليه ذلك ، وإذا أحب ذلك مع الاشتغال بغيره من الأمور صعب عليه. بل الغالب في مثله الخفاء.

وجائز معاتبة آدم مع ذلك وتسميته عصيانا بأوجه :

أحدها : أنه لم يكن امتحن بأنواع مختلفة يتعذر عليه وجه الحفظ في ذلك ، وإنما امتحن بالانتهاء عن شجرة واحدة بالإشارة إليها ؛ فجائز ألا يعذر في مثله.

وكذلك النسيان فيما يعذر في الشاهد ، إنما يعذر في النوع الذى يبلى به وتكثر به النوازل.

ألا ترى أنه يعذر بالسلام في الصلاة ، وترك التسمية في الذبيحة ونحو ذلك ، ولا يعذر في الأكل في الصلاة ، وفى الجماع في الحج ، ونحو ذلك؟! فمثله الأمر الذى نحن فيه.

والثانى : أنه جائز أخذ الأخيار ومعاتبة الرسول بالأمر الخفيف اليسير الذى لا يؤخذ بمثل ذلك غيره ؛ لكثرة نعم الله عليهم وعظم منّته عندهم ، كما أوعدوا التضاعف في العذاب على ما كان من غيره.

وعلى ما ذكر في أمر يونس عليه‌السلام من العقوبة بماء لعل ذلك من عظيم خيرات غيره ؛ إذ فارق قومه عما عاين من المناكير فيهم ، وفعل مثله من أحد ما يوصف به غيره.

وكذلك ما عوتب به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما خطر بباله تقريب أجلة إشفاقا عليهم ، وحرصا على إسلامهم ومن يتبعهم على ذلك مما لعل من دونه لا يعدل شيء من خيراته بالذي عوتب به ، وبالله التوفيق.

والثالث : أنه لما عوتب بالذي يجوز ابتداء المحنة به ، ولمثله خلقه حيث قال لملائكته : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة : ٣٠] لكنه بكرمه ، وبالذي عوّد خلقه من تقديم إحسانه وإنعامه في الابتلاء على الشدائد والشرور ، وإن كان له التقديم بالثاني ، وذلك في جملة قوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ)[الأعراف : ١٦٨] ، وقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء : ٣٥] وبالله التوفيق.

وعلى ما في ذلك من مبالغة غيره ، والزجر عن المعاصي ، وتعظيم خطره في القلوب ؛ إذ جوزي أبو البشر وأول الرسل منهم ـ على ما فضله بما امتحن فيه ملائكته بالتعلم منه ، والسجود ـ بذلك القدر من الذلة ؛ ليعلم الخلق أنه ليس في أمره هوادة ، ولا في حكمه محاباة ؛ فيكونون أبدا على حذر من عقوبته ، والفزع إليه بالعصمة عما يوجب مقته ، وألا يكلهم إلى أنفسهم ؛ إذ علموا بابتلاء من ـ

٣٧٩

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).

قال الحسن قاسمهما في وسوسته إياهما إني لكما لمن الناصحين وهذا الذي يقول الحسن يومئ إلى أن آدم قد علم أنه الشيطان.

وقال أبو بكر الكيساني : إنه قد وقع عند آدم أن الشجرة التي نهاه ربه أن يتناول منها هي المفضلة على جميع الشجر ، فلمّا وسوس إليه الشيطان ، وقال له ما قال : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ؛ فوافق ظنّه قول اللعين وما دعاهما إليه ، ثم اشتغل فنسي ذلك ؛ فتناول على النسيان [والنسيان](١) على وجهين :

نسيان الترك على العهد ، ونسيان السهو ، ولا يحتمل أن يكون آدم ترك [ذلك](٢) عمدا ؛ فهو على نسيان السهو ، إلى هذا يذهب أبو بكر الأصم أو كلام نحوه.

وقرأ بعضهم (٣) قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، بكسر اللام من الملك ؛ ذهب في ذلك إلى ما قال : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى). وقراءة العامة الظاهرة : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، بنصب اللام من الملائكة ، وقد ذكرنا جهة رغبة آدم في أن يصير ملكا ؛

__________________

ـ الذي ذكرت محله في قلوبهم بذلك القدر من الذلة ولا قوة إلا بالله.

والثاني : أن يكون حفظ النهي عنه لكنه خطر بباله النهي عن وجه لا يلحقه فيه وصف العصيان ، أو نسي قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) وقد ذكرنا النهي في وقت الفعل ، ولكن يسمى الوصف بالفعل من الظلم والنهي ؛ لعله سبق إلى وهمه غير جهة التحريم ، إذ يكون النهي على أوجه :

أحدها : للحرمة.

والثاني : نهي لما فيه من الداء وعليه في أكله ضرر ، وهذا معروف في الشاهد بما عليه الطباع ، نهي قوم عن أشياء محللة هي لهم ما يؤذي ويضر ، فيحتمل أن يسبق إلى وهمه ذلك ، لما وعد له في ذلك من عظم النفع.

يحتمل ما خوف به ليصل إلى ما وعد على ما سبق وجه النهي إلى ما وجه من حيث الضرر والمشقة.

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) هي قراءة علي ، وابن عباس والحسن ، والضحاك ، ويحيى بن أبي كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير (ملكين) بكسرها ، قالوا : ويؤيد هذه القراءة قوله في موضع آخر : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] والملك يناسب الملك بالكسر ، وأتى بقوله (مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] ولم يقل : أو تكونا خالدين ؛ مبالغة في ذلك ؛ لأن الوصف بالخلود أهم من الملكية أو الملك ؛ فإن قولك : فلان من الصالحين ، أبلغ من قولك : صالح ، وعليه (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢].

ينظر : اللباب (٩ / ٥٦) ، والإعراب للنحاس (١ / ٦٠٤) ، والإملاء للعكبري (١ / ١٥٦) ، والبحر المحيط (٤ / ٢٧٩) ، والتبيان للطوسي (٤ / ٣٩٧).

٣٨٠