الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

بنفطويه عنه فاستخفّ به ، ولم يوثّقه في روايته.

ودخلت يوما عليه فوجدته سكران لا يكاد يستمرّ لسانه على الكلام ، من غلبة السكر عليه ، وتصفّحت كتاب الجمهرة له فلم أره دالا على معرفة ثاقبة ، وعثرت منه على حروف كثيرة أزلّها عن وجوهها ، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفا كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها ، فأثبتها في كتابي في مواقعها منه ، لأبحث عنها أنا أو غيري ممّن ينظر فيه ، فإن صحّت لبعض الأئمّة اعتمدت ، وإن لم توجد لغيره وقفت ، والله الميّسر لما يرضاه وما يشاء » (١).

وقد مرّ عليك هجاء نفطويه وتحامله على ابن دريد.

وجاء ابن خالويه فاستدرك على مواضع من الجمهرة ، ونبه على أوهام وتصحيفات لابن دريد قال السيوطي ـ بعد أن ذكر هجاء نفطويه لابن دريد وذهابه إلى أنّ هذا الطعن كان لما بينهما من منافرة عظيمة (٢) ـ :

« قلت : ظفرت بنسخة بخطّ أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللغوي ، وقد قرأها علي ابن خالويه بروايته لها عن ابن دريد وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواضع منها ، ونبّه على بعض أوهام وتصحيفات » (٣).

__________________

(١) تهذيب اللغة للازهري ١ : ٣١.

(٢) المزهر ١ : ٩٣.

(٣) المزهر ١ : ٩٥.

٨١

من خطّأ قطرباً

وهو محمد بن المستنير البصري المعروف بقطرب ، ألف في معاني القرآن ، والعلل في النحو ، والاشتقاق ، والمصنّف الغريب في اللغة ، والرد على الملحدين في متشابه القرآن ، وقد نقد آراءه بعض الأعلام كالأزهري ، فقال :

« .. ومن نظراء الليث محمد بن المستنير المعروف بقطرب ، وكان متّهما في روايته عن العرب ، أخبرني أبو الفضل المنذري أنّه حضر أبا العباس أحمد بن يحيى فجرى في مجلسه ذكر قطرب فهجّنه ولم يعبأ به.

وروى أبو عمرو في كتابه الياقوتة نحوا من ذلك ، قال : وقال قطرب في قول الشاعر :

مثل الذّميم على قزم اليعامير (١)

زعم قطرب أنّ اليعامير واحدها يعمور : ضرب من الشجر ، وقال أبو العباس : هذا باطل ، سمعت ابن الأعرابي يقول : اليعامير : الجداء ، واحدها يعمور ، وكان أبو إسحاق الزجاج يهجّن من مذاهبه في النحو أشياء نسبه إلى الخطأ فيها » (٢).

__________________

(١) صدره :

ترى لأخفافها من خلفها نسلا.

ترى لا خفاقها من خلفها تلا

(٢) تهذيب اللغة ١ : ٣٠.

٨٢

من خطّأ الصاحب بن عبّاد

هناك نقود واستدراكات وردت على الصاحب بن عباد (١) ، منها نقودات الأزهري على أحمد بن محمد البشتيّ المعرف بالخارزنجي ، والّتي هي بطبيعة الحال نقود على الصاحب بن عباد ؛ لأنّ الصاحب أخذ من الخارزنجي كثيرا ، فتخطئة الخارزنجي تعني تخطئه الصاحب كذلك.

فللخارزنجي كتب مثل كتاب العين ، والتفصلة والتفضلة ، وتفسير أبيات أدب الكاتب ، قال الأزهري :

فنظرت في أوّل كتاب البشتيّ (٢) [ ويعني به الخارزنجي ] فرأيته أثبت في صدره الكتب المؤلفة الّتي استخرج كتابه منها فعدّدها (٣) ...

ثمّ قال : قال أحمد بن محمد البشتيّ : استخرجت ما وضعته في كتابي من هذه الكتب ...

ثمّ قال : ولعلّ بعض الناس يبتغي العنت بتهجينه والقدح فيه ، لأنّي أسندت ما

__________________

(١) قال الزبيدي في تاج العروس في مادة ( م ض ع ) والمضغة ، بالضم : بقية الكلام ، هكذا نقله الصغاني في كتابه عن ابن عباد ، ووجد هكذا في نسخ المحيط ، وهو غلط والصواب بقية من الكلأ ، ولم ينبه عليه الصاغاني وأورده صاحب اللسان على الصواب ، ولله در الجوهري حيث قال : ان المحيط لابن عباد فيه ، اغلاط فاحشة ، ولذا ترك الأخذ منه.

(٢) ويعني به كتاب تكملة العين وهو مفقود اليوم.

(٣) وهنا عدد الازهري اسماء الكتب الّتي أخذ منها الخارزنجي تركناها للاختصار ( انظر تهذيب اللغة ١ : ٣٢ ـ ٣٣ ).

٨٣

فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع.

قال : وإنما إخباري عنهم إخبار من صحفهم ، ولا يزري ذلك على من عرف الغثّ من السمين ، وميّز بين الصحيح والسقيم ، وقد فعل مثل ذلك أبو تراب صاحب كتاب الاعتقاب ، فإنّه روى عن الخليل بن أحمد ، وأبي عمرو بن العلاء ، والكسائي ، وبينه وبين هؤلاء فترة.

قال : وكذلك القتيبي ، روى عن سيبويه والأصمعي وأبي عمرو ، وهو لم ير منهم أحدا. ثمّ قال الأزهري تعليقا على ذلك :

« وقد اعترف البشتي بأنّه لا سماع له في شيء من هذه الكتب ، وأنّه نقل ما نقل إلى كتابه من صحفهم ، واعتلّ بأنّه لا يزري ذلك بمن عرف الغثّ من السمين ، وليس كما قال ، لأنّه اعترف بأنّه صحفي ، والصحفيّ إذا كان رأس ماله صحفا قرأها فإنّه يصحّف فيكثر ، وذلك أنّه يخبر عن كتب لم يسمعها ودفاتر لم يدر أصحيح ما كتب فيها أم لا ، وإن أكثر ما قرأنا من الصحف الّتي لم تضبط بالنقط الصحيح ، ولم يتولّ تصحيحها أهل المعرفة ، لسقيمة لا يعتمدها إلاّ جاهل ».

ثمّ عرّج الأزهري على أمر آخر وهو تجاسر البشتي على الخليل و ...

والحقّ هو أنّ الأزهرى لم ينصف في محاكمته للبشتي ، لأنّ كون السماع لا يساوق الصحة دائما أمر مفروغ عنه ، ولكن من سمعوا وقعوا أيضا في الغلط والتصحيف والتحريف فهاهم أئمّة اللغة العربية صحّفوا وحرّفوا ووقعوا في أفحش الأغلاط ، كالأصمعي وقطرب ، وأبي عمرو بن العلاء ، والمفضّل بن سلمة ، والخليل وسيبويه ، وابي الخطاب والأخفش وابن الأعرابي والفراء واللحياني والجاحظ وثعلب وابن قتيبة والمبرد وابن السّكّيت ، وقد فصّل حمزة بن الحسن الاصبهاني هذه التصحيفات في كتابه ( التنبيه على حدوث التصحيف ).

٨٤

وأمّا النكتة الثانية التي ذكرها ، فجوابها : أنّ هناك الكثير ممّن استدركوا على الخليل أو صحّحوا له بعض أخطائه ، ولو راجعت كتاب كشف الظنون لرأيت اسماء من خطّأوا الخليل.

والمهم لدينا هنا ليست محاكمة الأزهري ، وإنّما المقصود هو أنّ منهج التخطئة والتغليط كان شائعا ذائعاً.

من خطّأ الجوهري

هناك جمع من الأعلام قد استدركوا أو نقدوا الصحاح للجوهري رغم تأثّرهم به ، منهم :

أبو محمد عبد الله بن برّي المصري ( ت ٥٨٢ ) صاحب التنبيه والإيضاح عما وقع من الوهم في كتاب الصحاح.

والحسن بن محمد بن الحسن الصغاني صاحب التكملة والذيل والصلة.

وأبو الفضل محمد بن عمر بن خالد القرشي المعروف بجمال القرشي ( كان حيا سنة ٦٨١ ) في كتابه ( القراح بتكميل الصحاح ).

والشيباني القفطي ( ت ٦٤٦ ) حيث ألّف كتاب ( الاصلاح لما وقع من الخلل في الصحاح ).

وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن أحمد الأندلسي المالكي المعروف بابن النجاح الاشبيلي ( ت ٦٥١ ) ، حيث كتب كتاب ( نقود على الصحاح ).

وصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي ( ت ٧٦٤ ) في كتاب ( نفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم ).

وأبو الفضل محمد بن عمر القرشي في كتابه ( نور الصباح في أغلاط الصحاح )

٨٥

وغيرها من الكتب.

قال أبو زكريا الخطيب التبريزي عن الصحاح : « إلاّ أنّه مع ذلك فيه تصحيف لا يشك في أنّه من المصنّف لا من الناسخ ، لأنّ الكتاب مبنيّ على الحروف ... قال : ولا تخلو هذه الكتب الكبار من سهو يقع فيها أو غلط ، وقد ردّ على أبي عبيدة ( معمر بن المثنى ) في الغريب المصنّف مواضع كثيرة منه ، غير أنّ القليل من الغلط الّذي في الكتب إلى جنب الكثير الذي اجتهدوا فيه وأتعبوا نفوسهم في تصحيحه وتنقيحه معفوّ عنه » (١).

وقال القفطي : ( .. ولمّا دخلت منه نسخة إلى مصر نظرها العلماء فاستجودوا مأخذها وقربه ، ولمحوا فيها أوهاما كثيرة انتدبوا لإصلاحها وزادوا فيها بعض ما لعله اخلّ به من ألفاظ لغوية ، الحاجة داعية إليها ، فلا شبهة في أنّه نقلها من صحف فصحّف ، وانفرد في تصريف الكلمة برأيه فحرّف ) (٢).

وقال الباخرزي صاحب الدمية : « ... فهو أحسن من الجمهرة ، وأوقع من تهذيب اللغة ، وأقرب متناولا من مجمل اللغة ، هذا مع تصحيف فيه في مواضع عدّة أخذها عليه المحقّقون ، وتتبّعها العالمون ، ومن ما ساء قط؟! ومن له الحسنى فقط »؟!

فإنّه رحمه‌الله غلط وأصاب ، وأخطأ المرمى وأصاب ، كسائر

__________________

(١) في تقييداته على الصحاح والّتي اطلع عليها الزبيدي في خزانة الامير أزبك ( مقدمة التاج : ٥ ).

(٢) إنباه الرواة ١ : ١٩٥.

٨٦

العلماء الذين تقدّموه ، أو تأخّروا عنه ، فإنّي لا أعلم كتابا سلّم إلى مؤلفه فيه ، ولم يتبعه بالتتبّع من يليه » (١).

وقال الفيروزآبادي في مقدمة كتابه :

( ولمّا رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري وهو جدير بذلك ... ) الخ.

إلى أن يقول :

« واختصصت كتاب الجوهري من بين الكتب اللغوية ـ مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة والأغلاط الفاضحة ـ لتداوله واشتهاره بخصوصه واعتماد المدرّسين على نقوله ونصوصه .. » (٢).

وبهذا يتبيّن أنّ الجوهريّ كان آخر من توجّهت نحوه سهام النقد والانتقاد قبل الفيروزآبادي ، وقد كان الأخير من الذين وجّهوا نقوده على الجوهري ، فإنّه كان يريد مناقشة الجوهري وإظهار عجزه للقارئ لكنّه عجز أن يرسم منهجا خاصا به أو يجدّد فيه ولو بعض التجديد ـ كما فعل السيد علي خان في طرازه ـ بل راح يترسّم منهج الجوهري في النظام والترتيب ولم يوفّق في كثير من مؤاخذاته على الجوهري كما سيتبين لك.

__________________

(١) انظر الدمية في ترجمة الجوهري.

(٢) انظر مقدمة القاموس.

٨٧

من خطّأ الفيروزآبادي

القاموس كغيره من الكتب اللغة ، فيه الغث والسمين ، والشهد والحنظل ، وفيه الصحيح كما فيه الأوهام والاغاليط والتصحيفات.

وهذا الكتاب نال من الشهرة وذيوع الصيت ما ندر أن يناله كتاب آخر من كتب اللغة ومعاجمها ، حتّى أنّ لفظة القاموس التي معناها البحر العظيم ووسطه ومعظمه وقعره الأقصى صارت علما لغويّا لمعجم الفيروزآبادي ، ثمّ لذيوع هذا الكتاب وشهرته بين الناس صارت كلمة القاموس تطلق توسّعا على كل معجم لغوي أو غيره ، فيقال : القاموس اللغوي ، والقاموس الانجليزي ، وقاموس الأمثال ، وقاموس الرجال ، وغيرها (١).

ورغم ما ناله هذا الكتاب من الإعجاب ، وما قيل في مدحه وإطرائه ، ورغم ما كتب حوله من تأليفات في مختلف زواياه ، بالشرح والاختصار والتوضيح وفك غوامضه ونقده وتوهيمه والمقارنة بينه وبين الصحاح ، رغم كل ذلك نرى أنّ هذا المعجم اللغويّ على جلالته كأنّه كتاب رموز وطلاسم ، جعل مؤلفه ، اللغة من خلاله في قوالب جامدة متحجرة ، بحيث إن القارئ فيه لا يتذوق حلاوة اللغة وحسن استعمالاتها وشواردها ونوادرها ، ولا يجد الروح الحية النابضة التي امتازت بها لغة العرب ، ولا يحس بطلاوتها وحسن رونقها ، وجمال تنوع أساليبها ، وفنون ملحها ونوادرها وحكاياتها.

وحسبك دليلا على ذلك أنّك تجد أئمّة اللغة والمعنيين بها كأنّهم لم يكادوا يستسيغون بقاءه على ما هو عليه ، لما فيه من الوعورة والصعوبة والاختصار

__________________

(١) انظر المعجم الوسيط ٢ : ٧٥٨ ، ومقدمة الصحاح : ١٧٣.

٨٨

بأسلوب جاف وعبارة جامدة ، فلذلك كتبوا له الشروح والتعليقات والحواشي وحاروا في فكّ غوامضه.

فقد كتب الزّبيدي ( ت ١٢٠٥ ) « تاج العروس من جواهر القاموس » وهو شرح للقاموس ، وكتب محمد ابن طيب الفاسي ( ت ١١٧٠ ) « إضاءة الراموس » في شرحه أيضا ، والف أحمد عاصم بن جناني العينتابي الرومي ( ت ١٢٣٥ ) « الاقيانوس في شرح وترجمة القاموس » هذا إلى غيرها من الشروح التي ليس هنا محل ذكرها.

فإنّ المعجم اللغوي يراد منه إيصال اللغة إلى أكبر عدد من طالبيها ، فهو في الواقع ينبغي له أن يكون موصلا للّغة ، قريب التناول. شارحا لمفرداتها واستعمالاتها وغوامضها ، لا أنّه يحتاج إلى شرح وإيضاح وتبيين ، وإلاّ لقلّت فائدته ، وانحصرت بطبقة خاصة من خبراء اللغة والمختصين بها كما هو الواقع اليوم.

ولهذا الذي قلناه اضطر البعض أن يشرح مغلقه ، فالّف محمد بن يحيى القرافي « القول المأنوس بشرح مغلق القاموس » ، وألّف علي بن أحمد الهيتي ( الذي كان حيّا سنة ١٠٥٢ ه‍ ) « مختصر القاموس » وحل فيه رموز القاموس ، ووضع جم غفير من اللغويين عليه حواشي وتعليقات وإيضاحات.

وعلى كل حال ، فإن ما يهمنا الآن هو أنّ الفيروزآبادي تحامل على الجوهري تحاملا غريبا ، وحاول بكل حيلة توهيمه وتغليطه حتّى فيما كان الجوهري هو المصيب فيه ، فوقع المجد الفيروزآبادي نفسه في كثير مما وهّم فيه الجوهري ، فما وهمّ فيه الجوهريّ مدخول عليه وقد سبقه غيره إليه كما صرح السيّد المصنف بذلك في خطبة كتابه.

ومن هنا ألّف علماء اللغة ونحاريرها الكتب والرسائل والدراسات في المقارنة والموازنة بين الصحاح والقاموس ، واستنصر كثير منهم للجوهري وردوا

٨٩

الفيروزآبادي ، ومن ثمّ الّف الكثير منهم تأليفات خاصة في أوهام الفيروزآبادي وأغلاطه.

ولا يخفى عليك أنّ الدفاع عن الجوهري وتغليط الفيروزآبادي متلازمان في كثير من الأحيان ، بل إنّ شراح القاموس كالزبيدي في تاج العروس لم يعدموا أن يدلوا بدلوهم ويبينوا ما وقع في القاموس من الاغلاط والأوهام والتصحيفات والتحريفات وغيرها.

فمن الكتب التي ألّفت في مجال المحاكمة بين الصحاح والقاموس والاستنصار للجوهري ، وتغليط القاموس :

١ ـ « بهجة النفوس في المحاكمة بين الصحاح والقاموس » للقرافي المصري ، المتوفى ١٠٠٨ ه‍.

٢ ـ « الداراللقيط في أغلاط القاموس المحيط » لمحمد بن مصطفى الداوودي ، المعروف بداود زاده ( ت ١١٠٧٢ ه‍ ) جمع فيه الأغلاط التي عزاها الفيروزآبادي إلى الصحاح وردّ عليها.

٣ ـ « رسالة العنقاء المغرب الواقع في القاموس » للشيخ محمد عبد الرحمن الدنوشري الشافعي ( ت ١٠٢٥ ).

٤ ـ « مرج البحرين » لأويس القاضي ابن محمد ، المعروف بـ « ويس » ( ت ١٠٣٧ ) أجاب فيه على اعتراضات الفيروزآبادي على الصحاح.

٥ ـ « الوشاح وتثقيف الرماح في رد توهيم المجد للصحاح » لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد العزيز التادلي.

٦ ـ « فلك القاموس » لعبد القادر بن أحمد اليمني ، من تلاميذ الطيب الفاسي ، علّل في مقدمته إعجاب الناس بالقاموس ، وفضّل الصحاح عليه ، وتتبع فيه ما وهّمه

٩٠

فيه الفيروزآبادي ، وردّ عليه.

٧ ـ كتاب أبي عبد الله محمد بن أحمد الدلائي الشهير بالمسناوي ( ت ١١٣٦ ه‍ ) وهو نقد للقاموس ودفاع عن الصحاح.

٨ ـ « الجاسوس على القاموس » لأحمد فارس الشدياق ، حيث نقد فيه الفيروزآبادي وبين أغلاطه ومعايب القاموس.

٩ ـ « تصحيح القاموس » لأحمد تيمور باشا.

هذا ، إلى كثير غيرها من الكتب والرسائل والحواشي التي لم يخل شيء منها من الإشارة إلى تغليطات وأوهام الفيروزآبادي ، والدفاع عن الجوهري ، والتنبيه على تحامل الفيروزآبادي عليه.

وفي هذا المجال يبرز الإمام اللغوي العلاّمة الاديب السيّد علي خان المدني في طليعة العلماء اللغويين الذين استنصروا للجوهري ، وتتبعوا عثرات وزلات الفيروزآبادي ، حيث قال رحمه‌الله في مقدمة طرازه الأوّل :

وإني لأعجب من المجد الفيروزآبادي ، وهو المتسم بالامامة في معرفة الالسان الضاديّ ، إذ صنّف قاموسه ، وشنّف قابوسه ، وتصدّى للتنبيه على أغلاط الجوهري في صحاحه ، وخاض في غمر التشنيع عليه وضحضاحه ، زاعما أنّه لم يقصد بذلك مراء ، ولا تنديدا به وإزراء ، بل استيضاحا للصواب ، واسترباحا للثواب ، وحذرا من أن ينمى إليه التصحيف ، أو يعزى إليه الغلط والتحريف ، كيف خالف قوله فعله ، وزلت بقدمه نعله؟!

فوقع في الأغلاط والأوهام ، فيما تحار فيه ثواقب الأفهام ، ومن التصحيف والتحريف ، والغلط في مسائل النحو والتصريف ، فيما

٩١

لا يكاد يقضى منه العجب ، ولا تنقضي عن طرفيه جمادى ورجب ، كما ستقف عليه في أثناء الكتاب مفصلا ، وتجده في أطوائه إن شاء الله تعالى محصّلا. على أنّ ما تتبع به كلام الجوهريّ وتعقّب ، ونقّر عنه بزعمه ونقّب ، أكثره مسبوق إليه ، ومدخول فيه عليه.

وهنا يصبّ السيّد المدنيّ قسطا وافرا من جهده على تبيين أغلاط الفيروزآبادي وأوهامه ، وتصحيفاته وتحريفاته ، وما وقع فيه من الطوامّ من الأغلاط في مسائل النحو والصرف ، فذكر السيّد المصنف جملة وافرة من ذلك ، بحيث لو أنّها جمعت لصارت كتابا مستقلاّ يستحق الدراسة والبحث ، فإنّه أودع في تغليطاته عيون المباحث وروائع الالتفاتات ودقائق العربية كما سترى بعض ذلك قريبا.

ولم يكن السيّد المصنف إلاّ طالبا للحقيقة ، غير متحامل عبثا على الفيروزآبادي ، ولذلك نراه ربّما دافع وردّ تغليطات بعض من غلّطه تحاملا ، ففي مادة « هرأ » ، قال :

وهرئ القوم والنّعم ، على ما لم يسمّ فاعله : اشتدّ عليهم البرد ، فالقوم مهرؤون ، والنّعم مهروءة ، ولا تقل : هرئوا ولا هرئت ، بالبناء للفاعل ، وما ذكره الفيروزآبادي من قوله : « وبخط الجوهريّ : هرئ ، كسمع ، وهو تصحيف » يريد أنّه وجد بخطّه مضبوطا بفتح الفاء وكسر العين على وزن سمع ، لا أنّه وجد بلفظ قوله « كسمع » كما توهّمه كثيرون فتعقبوه بأنّ نسخ الصحاح ليس فيها لفظة « كسمع ».

فالمصنف أنصف في الدفاع عن الفيروزآبادي ، وأقرّ ما ذكره من الخطأ الموجود في نسخ الصحاح ، ولم يتمحّل في الدفاع عن الجوهري كما صنع ذلك الزبيدي في

٩٢

التاج (١).

هذا ، ولم يقتصر السيّد المصنف على تغليط الفيروزآبادي ، بل غلّط ووهّم أئمّة آخرين من أئمّة اللغة وتعقب عليهم ، مثل أبي عبيدة وأبي حيان وأبي علي الفارسي وابن الأثير والجوهري وغيرهم ، فمثّل بذلك منهج النقد خير تمثيل ، لأنّه يستخلص ما يراه صوابا من بين ركام المنقولات ، ثمّ يبيّن ما وقع للآخرين من مجافاة للصحيح.

وبتقسيم أوّليّ لمنهجه النقدي يمكننا أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام :

أوّلها : ما نقد فيه الفيروزآبادي في القاموس

وثانيها : ما نقد فيه الجوهري والفيروزآبادي معا.

وثالثها : ما نقد فيه الآخرين.

وهناك أيضا نقودات متفرّقة أخرى في ثنايا الكتاب يعرفها اللبيب من خلال مطالعته ، كما في مادة « ببب » حيث نبّه الفيروزآبادي على ثلاثة أغلاط للجوهريّ فيها ، فزاد عليها السيّد المصنف غلطا رابعا له لم يتنبّه له الفيروزآبادي.

قال الجوهري في « ببب » : يقال للأحمق الثقيل : ببّة ... وهو أيضا اسمّ جارية ؛ قال الراجز :

لأنكحنّ ببّه

جارية خدبّه

مكرمة محبّه

تجبّ أهل الكعبه

أي تغلبهم حسنا.

وقال الفيروزآبادي : وقول الجوهري : ببّة اسم جارية غلط ، واستشهاده بالرّجز أيضا غلط ، وإنّما هو لقب عبد الله بن الحرث ، وقوله قال الراجز غلط أيضاً

__________________

(١) انظر تاج العروس ١ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩.

٩٣

والصواب : قالت هند بنت أبي سفيان وهي ترقّص ولدها : لانكحنّ ... الخ.

وقال السيّد المصنف : « وببّة ، كحبّة : الاحمق الثقيل ... ولقب ... عبد الله بن حارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، لأنّه كان أصمّ وبه لوثة ، أو هو صوت كان يصوّت به في طفوليّته فلقّب به ، وكانت امه هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أميّة ترقّصه به وهو صبي ، فتقول : لأنكحنّ ببّه ... الرجز ، أي تغلبهم حسنا.

وقول الجوهري : ببّة اسم جارية ، وإنشاده هذا الشعر شاهدا عليه ، لراجز ، وروايته : لأنكحن ـ بفتح الهمزة (١) ـ أربعة أغلاط ، لم يتفطّن الفيروزآبادي للرابع منها ».

وهناك شيء لا يستهان به من هذا القبيل في الكتاب وتداخل في تغليطات بعض المغلّطين ، لكن المهم منها هو الأقسام الثلاثة التي ذكرناها ، وإليك مفرداتها من فصل الهمزة من الطراز :

الأوّل : ما نقد فيه الفيروزآباديّ

وهذا القسم يتضمن الكثير من دفاعات السيّد المصنف عن الجوهري في أثناء نقده للفيروزآباديّ ، وهذا هو الذي أوقع أحمد عبد الغفور عطار في الوهم فعدّ استنصاره للجوهري رسالة على حدة كما تقدمت الإشارة إليه ، فلا تغفل.

* قال في مادة « أبأ » الأباء ، كسحاب : الأجم ، أو من الحلفاء والقصب خاصة ثمّ أطلق على القصب نفسه ؛ كإطلاق الوشيج على الرّماح ، وهو في الأصل شجرة أو

__________________

(١) الموجود في الصحاح « لأنكحن » بضم الهمزة.

٩٤

عروقها الواحدة أباءة.

قال الفيروزآباديّ : هذا موضع ذكره كما حكاه ابن جني عن سيبويه ، لا المعتل كما توهّمه الجوهريّ وغيره ، انتهى.

ولم يتوهّم الجوهريّ ولا غيره ، بل رأوه من الإباء بمعنى الامتناع ؛ تفاديا من جعله من باب سلس لقلّته ، وخاصّة إذا كانت الفاء واللام همزة مع ثقلها ، واسم الجنس إذا صحّ فيه اشتقاق حمل عليه.

قال الرضيّ وغيره : قالوا : أصل أباءة أباية وإن لم يسمع ؛ لأنّ فيها معنى الإباء وهو الامتناع ؛ لامتناعها من السلوك بما ينبت فيها من القصب وغيره.

ومن العجيب أنّ الفيروزآباديّ ذكره في المعتل أيضا قائلا : هو الأجمة من الحلفاء ؛ لأنّ الأجمة تمنع ، والقصب ، وموضعه المهموز ، انتهى.

وهو ظاهر التناقض ؛ فإنّ قوله « لأنّ الأجمة تمنع » يقتضي أنّها من الإباء ، فهي معتلّة كما ذهب إليه الجمهور ، وهو يناقض قوله « وموضعه المهموز » ، وقوله هنا « هذا موضع ذكره لا المعتل » ، فإن زعم أنّ المهموز هو الذي بمعنى القصب دون الذي بمعنى الأجمة فقد وهم في الفرق بينهما ، ولا قائل به ، فكان المتوهّم هو لا غيره (١) ، وهذه أوّل غلطاته ، وبدء فرطاته عفا الله عنه.

* وقال في مادة « أشأ » الأشاء ، كسحاب : صغار النخل ، واحدته بهاء ، وهمزته عند سيبويه أصلية ، وعند الجمهور منقلبة عن واو أو ياء ؛ لقلّة باب أجأ ، ولتصغيره على أشيّ ، ولهذا لم يذكروه إلاّ في المعتل.

__________________

(١) لاحظ دفاعه عن الجوهري في ضمن محاكمته ونقده وتغليطه للفيروزآبادي.

٩٥

وتوهيم الفيروزآباديّ للجوهريّ (١) في ذكره هنا تعنّت ، على أنّه تابعه عليه فأعاد ذكره ثمّة غير منبّه عليه.

* وقال في مادة « جبأ » : وجبّى بالضمّ والتشديد : اسم لعدّة قرى ، موضعه « جبب » لأنّه بالف مقصورة ، لا ممدودة كما توهّمه الفيروزآباديّ فذكره هنا ، فقد نصّوا على أنّه في الأصل اسم أعجميّ ، وليس في كلام العجم ممدود ، قالوا : وكان القياس أن ينسب إليه جبّيّ أو جبّويّ أو جبّاويّ كنسبتهم إلى حبلى ، لكنّهم نسبوا إليه جبّائيّ نسبتهم إلى الممدود على غير قياس.

* وقال في مادة « حشأ » : والمحشأ ، كمنبر : كساء غليظ يؤتزر به ، وقول الفيروزآبادي : يتّزر به ، غلط ؛ لقوله بنفسه « ولا تقل اتّزر به » (٢).

* وقال في مادة « رجأ » أرجأت الأمر : أخّرته ووقّفته. وأرجأت الحامل : دنت لأن يخرج ولدها ، والناقة : دنا نتاجها ، فهي مرجئ ومرجئة ، والصائد : أخفق. وترك الهمز لغة في الكلّ.

قال الجوهريّ : يقال : رجل مرجئ ، مثال مرجع ، والنسبة إليه : مرجئيّ ، مثال مرجعيّ ، هذا إذا همزت ، فإذا لم تهمز قلت : رجل مرج ، مثال معط ، وهم المرجيّة بالتشديد.

وتعقّبه الفيروزآباديّ ، فقال : إذا لم تهمز فرجل مرجيّ بالتشديد ، وإذا همزت فرجل مرجئ كمرجع ، لا مرج كمعط ، ووهم الجوهريّ ، وهم المرجئة بالهمز ، والمرجية بالياء مخفّفة لا مشدّدة ، ووهم الجوهريّ ، انتهى.

__________________

(١) لاحظ دفاعه عن الجوهريّ واستنصاره له.

(٢) انظر مادة « أزر » من القاموس.

٩٦

وهو الواهم لا الجوهري (١) ، وذلك من جهاتٍ :

إحداهما : قوله : « إذا لم تهمز فرجل مرجيّ بالتشديد » وهو غلط صريح ، والصواب : مرج كمعط ، إلاّ أن يريد النسبة ، وهو خلاف الظاهر من عبارته.

الثانية : قوله : « إذا همزت فرجل مرجئ كمرجع ، لا مرج كمعط ووهم الجوهري » وهو تشنيع بحت ، فإن الجوهريّ لم يقل « إذا همزت فرجل مرج كمعط » بل قال : « إذا لم تهمز قلت : رجل مرج ، مثال معط ، وهو صحيح بل متعيّن.

الثالثة : قوله : « وهم المرجئة بالهمز ، والمرجية بالياء مخفّفة لا مشدّدة ، ووهم الجوهريّ » فإنه توهّم أنّ الجوهريّ أراد بقوله « وهم المرجيّة ، بالتشديد » اسم الفاعل ، وإنما أراد النسبة مع عدم الهمز ، وهو صحيح ، وكيف يتوهّم أنّه اراد به اسم الفاعل مع قوله « إذا لم تهمز قلت : رجل مرج مثال معط »؟! ولكنّ هذا الرجل أغري بتتبّع العثرات مع سوء فهمه ، والله المستعان .

* وفي مادة « رزأ » قال : وفلان كريم مرزّأ ، كمعظّم : يصيب الناس من ماله فيقع النقصان فيه لسخائه.

وقول الفيروزآباديّ : وهم الجوهريّ في تخفيفه ، لا أصل له ، بل هو بالتّشديد في ما صحّ من نسخ الصحاح (٢) ، فإن وقع في نسخته مخفّفا فالغلط من ناسخها.

* وفي مادة « سيأ » قال : وقول الفيروزآبادي « تسيّأت الأمور : اختلفت » تصحيف (٣) إنّما هو تشيّأت بالمعجمة ، كأنّها صارت أشياء مختلفة.

* وفي مادة « شيأ » قال : واختلفوا في منع أشياء ... وقال الكسائي : هي جمع

__________________

(١) لاحظ دفاعه عن الجوهري واستنصاره له.

(٢) لاحظ إن هذا التغليط بناء على ما في نسخة الفيروزآباديّ من الصحاح حسب ما يظهر.

(٣) ادعى المصنف أنّه تصحيف ، مع أنّ غير الفيروزآباديّ نقله بالسين.

٩٧

شيء ، ووزنها أفعال ، كبيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، ومنعت الصرف لشبهها بحمراء في كونها جمعت على أشياوات كما جمعت حمراء على حمراوات.

قال الجوهريّ : وهذا القول يدخل عليه ألا يصرف أبناء وأسماء.

وتعقبه الفيروزآباديّ بأنّه لا يلزم ، لأنّهم لم يجمعوا أبناء وأسماء بالألف والتاء.

وهذا عجيب منه ، فإنّ كتب الصنعة كاد أن لا يخلو منها كتاب من حكاية أبناوات وأسماوات ... إلاّ إن كان لم يطّلع عليه ، فلم يكن للبدار بالإنكار وجه (١).

* وقال في مادة « صرأ » قال الفيروزآباديّ : أهملوه ، وليس كذلك (٢) ، قال حفص الأمويّ :

هلاّ بنا غالبا سألت إذا

هاج من الجربياء مصرؤها

قال السيرافي : الجربياء الشمال ، ومصرؤها هبوبها ، وعلى هذا فهو مصدر صرأت الريح ـ كمنعت ـ إذا هبّت.

وصرأ : صرخ ؛ أبدلوا الخاء المعجمة همزة. قال الأخفش ، عن الخليل : هو من غريب ما أبدلوه.

* وفي مادة « غأغأ » قال : الغأغأ ، كسلسل : أصوات الخطاطيف الجبلية ؛ وهي العواهق. وقول الفيروزآباديّ : العواهق الجبلية ، لا وجه له (٣) ؛ فإنّ الخطّاف لا يقال له : عوهق ، حتّى يكون جبليا ، كما أنّ الحمار لا يقال له : فرأ ، إلاّ إذا كان وحشيّا.

* وفي مادة « غرقأ » قال : الغرقئ ، كحصرم : قشرة البيض الملتزقة ببياضه ؛ يشبّه

__________________

(١) لاحظ قصور الفيروزآباديّ في النحو.

(٢) لاحظ قلة بضاعة الفيروزآباديّ في الاستقصاء في مستعملات اللغة.

(٣) لاحظ عدم دقة الفيروزآباديّ في شروحه اللغوية ، أو قصور باعه وعدم معرفته بهذا الفرق الظريف.

٩٨

بها الثياب في جودة النسج.

قال الزجّاج : همزته زائدة ؛ لأنّه في معنى الغرق ؛ لأنّ هذه القشرة تحتوي على ما تحتها وتخفيه ويخفيها ما فوقها.

وقال ابن جنّي : هي أصلية ؛ لأنّه لا يحكم بزيادة الهمزة في غير الأول إلاّ بثبت ، وما ذكر من الاشتقاق ليس بقاطع بل هو احتمال ، ولو سلّم فيجوز أن يكون المعنى واحدا مع اختلاف الأصلين ، كما في كرف الحمار ، أي رفع رأسه ، والكرفئ : السحاب ؛ لارتفاعه.

ومن عجيب ما يحكى أنّ الجوهري ذكر هذا اللفظ هنا ، ونبّه على أنّ همزته زائدة ـ في قول الفراء ـ لأنّه من الغرق ، وتبعه الفيروزآباديّ في ذكره هنا غير منبّه على ذلك ، ثمّ قال في « غ ر ق » : همزته زائدة وهذا موضعه ، ووهم الجوهريّ ، وهو تحامل غريب (١).

* وفي مادة « فندأ » قال : الفندأوة ، بالكسر : الفأس الحادّة ، كالفندأية ، الجمع فناديد على غير قياس. وفرق الفيروزآباديّ بين الكلمتين وحكمه بزيادة الهمزة في الأولى ، وأصالتها في الثانية ، تحكّم بحت (٢) ؛ فإنّهما ونظائرهما من باب فنعلو عند سيبويه ، فالهمزة أصليّة عنده في جميع الباب.

* وفي مادة « فيأ » قال : وجاء فلان على تفيئة فلان ، كتريكة : على أثره ؛ والتاء

__________________

(١) لاحظ بيانه لتحامل الفيروزآباديّ على الجوهريّ بلا مسوّغ ، فإن لأصالة الهمزة وزيادتها وجه ، وقد نبه الجوهريّ على ذلك في « غرفأ ». ثمّ قال السيّد المدني بعد ذلك وغرقأت الدجاجة بيضها : باضته وليس عليه إلاّ الغرقئ ، و [ غرقأت ] البيضة : خرجت كذلك ، قال أبو حيّان : وهو دليل على أصالة الهمزة فيه. فقوّى ما صنعه الجوهريّ.

(٢) لاحظ عدم ضلوع الفيروزآباديّ في الاشتقاق والتصريف.

٩٩

مزيدة. قال جار الله : هي مقلوبة من التئفّة ؛ قدّمت العين واللام ـ أعني الفائين ـ على الفاء ـ أعني الهمزة ـ ثمّ أبدلت ثانية ياء ؛ كقولهم : تظنّيت ، ولو كانت تفعلة من الفيء لخرجت على زنة تهيئة ، وعلى هذا فموضع ذكرها « أ ف ف » لا هنا كما توهّمه الفيروزآباديّ (١).

* وفي مادة « قدأ » قال : القندأو ، كحنطأو ، وبالهاء : الصلب الشديد ، والجريء المقدم ، والغليظ القصير ، وشديد الرأس ، وكبيره الحقير الجثّة المعروق ، والسيّئ الخلق ، والسيّئ الغذاء ، والجمل السريع ، والناقة قندأوة.

وفأس قندأوة : حادّة.

قال الفيروزآباديّ : ووهم أبو نصر فذكره في الدال. وهو تعقّب في غير محلّه ، فلعلّه لا يرى همزته أصليّة ؛ فقد اختلف القوم في هذا اللفظ وما هو على وزنه على أقوال :

فقال ابن دريد : وزنه فِعْلَأْوٌ ؛ قال في الجمهرة : لم يجئ على فعلأوة إلاّ سندأوة : جريء ، ورجل حنطأوة : عظيم البطن ، وكنثأوة : عظيم اللحية وقندأوة : صلب شديد ، وعندأوة نحوه. وذكر الجوهريّ له في الدال بناء على هذا القول.

وقال السيرافيّ : الأولى أن يحكم بأصالة جميع حروف ما جاء على هذا الوزن ، فيكون كجردحل ، وعلى هذا فموضعه المعتلّ.

وقال الفرّاء : الزائد في هذا الوزن إمّا النون وحدها فهو فنعلّ ، وإمّا النون مع الهمزة فهو فِنْعَأْل. وجعل النون زائدة على كلّ حال.

وقال سيبويه : الواو مع ثلاثة أصول من الغوالب فيحكم بزيادتها ، وكلّ واحدة

__________________

(١) لاحظ عدم ضلوع الفيروزآباديّ في الاشتقاق والتصريف.

١٠٠