الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

وفي صفحه ١٩١ عدّه ضمن من دافع عن الصحاح بالخصوص تحت الرقم (٦٢).

ويفهم من ترتيب الاستاذ العطار أن للسيد عليّ خان ثلاثة كتب : أحدها شرح للقاموس ، والآخر نقد له ، وثالث استنصار للجوهري ، لأنّه تارة ذكره ضمن شراح القاموس ، وأخرى فيمن نقده ، وثالثة فيمن استنصر ودافع عن الصحاح والجوهري.

فهل أنّ للسيد علي خان رسالة مستقلّة في الاستنصار للجوهري؟ إنّ هذا ما لم نره ولم نعرفه ، ولعلّه مما انفرد به الأستاذ العطار.

نعم ، ذكر الميرزا عبد الله الأفندي وجود رسالة للمصنف في أغاليط القاموس ، ويفهم من كلامه أنّها غير الطراز ؛ لقوله بعد أن ذكر كتاب ( الطراز الأول ) : « ورسالة في اغاليط الفيروزآبادي في القاموس وهي رسالة حسنة » (١).

فإن كان الأستاذ العطار يفهم من وجود هذه الرسالة وجود التلازم بين تغليط الفيروزآبادي والتصحيح للجوهري فذاك شيء ، وإن لم يذهب إلى ذلك فكان عليه أن يذكر أنّه كرّر ـ أسماء كتب السيّد عليّ خان المدني ـ باعتبار المواضيع ، وما رسمه من تقسيم وليست هي عناوين مستقلة ، هذا كلّه بغض النظر عن أنّ تعريف الطراز بأنّه شرح للقاموس مجازفة واضحة!

والحق أن رسالة التغليط إن ثبتت فلا تثبت التلازم بين تخطئة المؤلف للفيروزآبادي والتصحيح للجوهري ، لأنّك ستقف لاحقا على تخطئة المؤلف للجوهري أيضا في بعض المواضع من كتابه هذا : وهذا لا يخالف ما نذهب إليه من أنّ همّ المؤلف كان الاستنصار للجوهري عموما في الطراز.

__________________

(١) مقدمة الصحاح : ١٧٧.

٦١

وعليه ، فلو أردنا الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة وتصويبها فنقول : أن السيّد علي خان لم يكتب في اللغة إلاّ كتاب ( الطراز الأول ) ، وبما أن هذا الكتاب فيه نقود للفيروزآبادي وتصحيحات للجوهري ـ وشرح للقاموس حسب ما ادعاه ـ فقد عدّها الأستاذ ـ تساهلا ـ كتبا مستقلة (١).

نعم يمكن إفراد كلّ من الموضوعين في رسالة لاحقا ، والقول بأنّ : له رسالة كذا وكذا مستلاّت من الطراز ، لكنّه الآن قول وادّعاء لا يمكن البت به قبل أوانه.

ويؤيد ما قلناه هو عدم وجود نسخ لهذه الرسائل المزعومة في المكتبات العامة ، ولم يذكرها الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه ( الذريعة إلى مصنفات الشيعة ) بل اكتفى بذكر الطراز الأول وحده دون الكتابين الآخرين المزعومين.

ولو صح وجود رسالة له في الأغاليط أو الاستنصار للجوهري لذكرهما الزبيدي في تاج العروس ضمن عدّه لأسماء من شرح أو استدرك أو نقد الفيروزآبادي لقوله :

« ... ومنهم كالمستدرك لما فات ، والمعترض عليه بالتعرض لما لم يات ، كالسيّد العلاّمة عليّ بن محمد معصوم الحسيني الفارسي » (٢).

وهو واضح في أنّه ليس لسيّدنا المترجم له كتاب آخر غير الطراز ، وإلاّ لذكره.

__________________

(١) وخصوصا لو اعتقد الاستاذ بان الاستدارك بالمواد والشواهد والرجال والبلدان و .. هو يعني الشرح ، حيث إن كتاب سيدنا المترجم له ليس بشرح بالمعنى المتصور كالتاج و .. ، نعم في جملته توجد زيادات واستداركات على القاموس ، فهو ليس بشرح بل هو كتاب مستقل ، فتامل.

(٢) مقدمة تاج العروس ، للزبيدي ١ : ٣.

٦٢

المؤلّف

يعدّ كتاب ( الطراز الأول ) من أهم كتب السيّد عليّ خان المدني ، كما يعدّ من الكتب الّتي كتبت استدراكا ، ونقدا على كتب وأقوال الآخرين ، إذ عرفنا وجود نهجين أساسيين في كتابة اللغة.

أحدهما : الجمع والترتيب المعجمي المجرّد لمفردات اللغة.

وثانيهما : الاستدراكي النقدي الناظر على مناهج السابقين من اللغويين.

وبما أن كتابنا من النمط الثاني ، كان لزاما علينا ـ قبل بسط الكلام عن المؤلّف ـ الإشارة إلى أمرين :

أحدهما : إلى المنهج العام عند اللغويين ، وتفسيرنا لبعض مصطلحاتهم كالمثلث ، الضد ، الإبدال ، المعرب ، القلب.

وثانيهما : بيان منهج الاستدراك النقدي وكيفية تطور المعاجم اللغوية من حيث الكمّ والموادّ اللغوية العربية بحيث صارت المعاجم بمرور الزمان تحوي الكثير من المبعثر في بطون الكتب والمنتشر في الرسائل ، وفي شروح دواوين العرب وغيرها ثمّ الوقوف عند تخطئات الآخرين.

وهل أنّهم كانوا محقّين فيما قالوه ، أم وردت نقودات وردود عليهم؟

وهل أنّ المؤلّف وفّق لما كان يرجوه وصحت نقوداته على الاخرين ، ام أنّه وقع فيما وقعوا فيه؟ وان كان الاخير يستدعي وقتا طويلا لاثباته ، لكننا سعينا وبقدر المستطاع اعطاء صورة عما فعله المؤلف في كتابه وللقارئ ان يحكم بالنتيجة.

مشيرين إلى أننا قد اكثرنا الشواهد في هذه الدراسة ؛ لان بيان منهجية كاملة

٦٣

وتثبت مدعيات ضخمة عن الكتاب والمؤلف لا يمكن تطبيقه بشاهد وشاهدين ، إذ كلما كثرت الشواهد اقترب المدعى إلى الصواب ، ولولاه لصارت هذه الدراسة مدعيات بلا ادلّة ، أو قل مدعيات ضخمة بادلّة قليلة.

المنهج العام عند اللغويين.

هذا عنوان عام كان علينا بحثه ، لكن في غير هذه المقدمة التي لا نتوخّى إلاّ إيقاف القراء على الضروري من المعلومات والمقدّمات ، مكتفين بما وضحناه سابقا عن مناهج اللغويين ، آملين أن نوفق للكلام عنها بشكل أوسع في مكان آخر.

وكذا الحال بالنسبة لتفسيرنا للمصطلحات ، فهي كثيرة ولا تسع هذه المقدمة بيانها ، فاكتفينا بذكر خمسة اصطلاحات منها كنموذج ، وذلك لشيوعها وكثرة استعمالها في المعاجم ، وإليك الكلام عن :

المثلّث

وهي الكلمة الّتي اختلف ضبطها على ثلاثة صور ( الضم ، الكسر ، الفتح ) مع الاتفاق ، أو الاختلاف في المعنى.

ومثال الأول ـ أعني مع الاتفاق في المعنى ـ فإنه قد يأتي في حركة فاء الفعل مثل : الغمر ، الغمر ، الغمر. وأخرى في عين الفعل ك‍ : الرّجل ، الرّجل ، الرّجل. وثالثة ، تكون في ضمتين تقابلان فتحتين وكسرتين ك‍ : السّمسم ، السّمسم ، السّمسم.

ومثال الثاني ـ أي مع الاختلاف في المعنى ـ فهو ك‍ : البضع ، بالفتح : تقطيع اللحم ، والشقّ ، والريّ من الماء ، والبضع : مصدر بضعت المراة ، إذا باشرتها.

البضع والبضع ، بالفتح والكسر : ما بين واحد إلى خمسة في قول أبي عبيدة وفي قول غيره : ما بين واحد إلى عشرة.

٦٤

البضع ، بالضم : النكاح.

وغالب ما في كتابنا والمصادر هو من الشق الأول ، وقد اهتم الأعلام بالمثلّث فجمعوها في مصنفات ، بعضها مفقودة ك‍ ( كتاب أبي زيد الانصاري ( ت ٣١٥ ) (١) ، والوشاء ( ت ٣٢٥ ) (٢) ، والشمشاطي ( كان حيا ٣٧٧ ) (٣) ، والهروي ( ت ٤٣٣ ) (٤) ، وأبي بكر يحيى بن علي الشيباني ( ت ٥٠٢ ) (٥) ، وأبي حفص البلنسي القضاعي ( ت ٥٧٠ ) (٦) ، والزواوي المغربي الحنفي ( ت ٦٢٨ ) (٧) ، وعز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة ( ت ٨١٩ ) (٨) وغيرهم.

وأخرى مخطوطة نأمل لها أن ترى النور ككتاب القزاز النحوي ( ت ٤١٢ ) (٩) ، وابن الحوري ( ت ٥٥١ ) (١٠) ، والطائي ( ت ٦٧٢ ) (١١) ، والمجد الفيروزآبادي ( ت ٨١٧ ) (١٢).

__________________

(١) معجم الادباء ١١ : ٤١٦ ، بغية الوعاة ١ : ٥٨٢ ـ ٥٨٣.

(٢) الفهرست لابن النديم ١٢٦ ، معجم الادباء ١٧ : ١٣٢ ، بغية الوعاة ١ : ١٨.

(٣) معجم الادباء ١٤ : ٢٤١.

(٤) انظر العباب حرف الهمزة.

(٥) البلغة في شذور الذهب ١٦٨.

(٦) بغية الوعاة ٢ : ٢٢٣ ، الذيل الكملة لكتابي الموصول والصلة.

(٧) بغية الوعاة ٢ : ٣٤٤.

(٨) كشف الظنون ٢ : ١٥٨٧.

(٩) نسخة منه في المكتبة الرضوية على مشرفها السّلام.

(١٠) نسخة في مكتبة عباس العزاوي.

(١١) نسخة منه في الظاهرية ، وقد طبع بشرح احمد بن الامين الشنقيطي بمطبعة الجمالية بمصر سنة ١٣٢٩.

(١٢) نسخ منه في دار الكتب والخزانة العامة بالرباط.

٦٥

وثالثة مطبوعة ك‍ كتاب مثلثات قطرب ( ت ٢٠٥ ) والّذي حقّقه الدكتور رضا السويس ، وكتاب المثلّث لابن السيد البطليوسي ( ت ٥٢١ ) ، وكتاب نيل الأدب في نظم مثلثات العرب لحسن بن علي قورية الخليلي ( ت ١٢٦٢ ) المطبوع ببولاق سنة ١٣٠٢ ، وهناك منظومة بعنوان ( نفحة الاحكام في مثلث الكلام ) للشيخ عبد الهادي الابياري (١٣٠٥).

وقد حقق الأستاذ الدكتور صلاح مهدي الفرطوسي كتاب المثلث لابن السيد البطليوسي في مجلدين ، وطبعته دار الرشيد ببغداد عام ١٩٨١.

ونحن قد أكّدنا سابقا بأنّ النوع الأول من المثلثات ( أي المتفقة في المعاني ) يرجع إلى اختلاف لهجات العرب ، إذ لم يعهد أن تنطق قبيلة واحدة بالفاظ مختلفة.

وإليك بعض المثلثات في كتاب الطراز :

* قال المصنف في مادة « بدأ » : كان ذلك في مبدء الأمر ـ ويضم ـ ومبتدئه ، وفي بدأته مثلثة ، وفي بدأته محرّكة : في أوّله.

* وفي مادة « بذأ » : بذؤ ـ كقرب ـ ويثّلث بذاء وبذاءة.

* وفي مادة « برأ » : برئ المريض مثلثّثة ـ برءا بالضمّ ويفتح وبروءا.

* وفي مادة « بهأ » : بهأت به ـ مثلثة العين ـ بهأ وبهوءا : أنست به.

* وفي مادة « نسأ » قال : نسئت المرأة ، بالبناء للمفعول : تأخّر حيضها فرجي حملها ، أو ظهر وحملت أوّل ما تحمل ؛ عن الاصمعي. وهي نسء مثلّثة ونسوء ـ كصبور ـ لا نسيء.

* وفي مادة « هنأ » قال : والهناء ـ ككتاب : القطران ؛ تقول : هنأت الإبل ـ كمنعتها ـ أهنؤها ( مثلّثة النون ) هنأ وهناء ، كدبغ ودباغ ، إذا طليتها به ، فهي مهنؤة ، والاسم الهنء ، كعهن.

٦٦

* وفي مادة « خمص » قال : خمص بطنه ـ بتثليث الميم ـ خمصا كفلس وسبب وقفل ...

* وفي مادة « قصص » قال : وقصاص الشعر وقصاصته مثلّثين ، والضم أعلى.

الضد

وهو استعمال كلمة واحدة في معنيين كالقرء للحيض والطهر ، والغريم للطّالب والمطالب ، والقنيص للصائد والصيد ، والمسجور للمملوء والفارغ ، والضد هو نوع من الاشتراك اللفظي.

قال أبو الحسين أحمد بن فارس : من سنن العرب في الأسماء أن يسمّوا المتضادّين باسم واحد نحو الجون للأسود والجون للابيض (١).

وقد أنكر ابن درستويه وجود مسألة الضد في الكلام العربي ، وكتب كتابا في إبطال الأضداد (٢) ، لكنّ ابن فارس ردّه بكتاب ، فقال في الصاحبي ( ... وقد جردنا في هذا كتابا ) (٣).

وهناك كتب كثيرة ألّفت في الضد ، ككتاب قطرب ( ت ٢٠٦ ) ، والأصمعي ( ت ٢١٦ ) وأبي محمد عبد الله بن محمد بن هارون التوزي ( ت ٢٣٠ ) ، وابن السكيت ( ت ٢٤٤ ) والسجستاني ( ت ٢٥٥ ) ، وابن الأنباري ( ت ٣٢٨ ) وابن الطيب اللغوي ( ت ٣٥١ ) وابن الدهان ( ت ٥٦٩ ) والصغاني ( ت ٦٥٠ ) وغيرهم.

__________________

(١) الصاحبي : ٦٦.

(٢) انظر المزهر ١ : ٣٩٦.

(٣) الصاحبي في فقه اللغة ٦٦ ـ ٦٧.

٦٧

وإليك بعض الاضداد المذكورة في كتاب الطراز :

* قال المصنف في مادة « جفأ » : جفأت الباب : أغلقته وفتحته ؛ ضدّ.

* وفي مادة « رقأ » : رقأ بينهم ، كمنع : أفسد وأصلح ؛ ضد.

* وفي مادة « نوأ » ناء ينوء نوءا : نهض وارتفع بمشقّة وثقل ، وسقط ؛ ضد.

* وفي مادة « ورأ » قال : وراء : ظرف مكان تكون بمعنى خلف وبمعنى قدّام ؛ ضدّ وبمعنى سوى عن الفرّاء ومجرّدة بمعني الجانب.

* وفي مادة « هأهأ » قال : وهأهأ بالكلب : زجره ، وأشلاه ؛ ضد.

* وفي مادة « قرأ » والقرء بالفتح والضم والأوّل اشهر : الحيض والطهر ؛ ضدّ ... وأقرأت المرأة : حاضت وطهرت ؛ ضدّ.

* وفي مادة « لفأ » قال : لفأه حقّه ، كمنعه : انتقصه وبخسه ، وأعطاه إيّاه كلّه ؛ ضدّ.

* وفي مادة « قلص » قوله : قلصت البئر : نزحت ، وكثرت ماؤها ، وارتفع إلى أعلاها ؛ ضدّ. قال : والقلص ، كفلس : كثرة الماء وقلّته وهو من الأضداد.

* وقد غفل السيّد المصنف ان ينبه في مادة « دأدأ » على انه من الأضداد ، لقوله : « دأدأ الصبيّ : سكّنه ، و ـ مهده : حرّكه ».

الإبدال أو التعاقب

ويعنى بالإبدال هو جعل حرف مكان آخر مع الإبقاء على بقية الحروف وترتيبها وهيئتها ، كأن يقول ثوم وفوم ، حثوان وحثيان ، حثيث وحفيف.

قال ابن فارس في كتابه في فقه اللغة : من سنن العرب إبدال الحروف ، وإقامة بعضها مقام بعض ، يقال : « مدحه ومدهه » ،

٦٨

و « فرس رفل ، ورفن » ، وهو كثير مشهور قد ألّف فيه العلماء (١).

وممّن ألّف في الإبدال ابن السكيت ( ت ٢٤٤ ) ، وأبو إسحاق الزجاجي ( ت ٣٣٧ ) وأبو الطيب اللغوي ( ت ٣٥١ ) وغيرهم.

وقد اختلفوا في التسمية ، هل هي الإبدال أم التعاقب؟ فذهب بعض إلى تسميتها إبدالا ، وذهب بعض آخر كابن جني إلى أنّها تعاقب.

ويجري هذا الإبدال تارة بين حرف واحد مثل قضم وقطم ، وقد يجري بين حرفين ك‍ ( سحق وسهك ) ، فالحاء بدل من الهاء وهما أختان ، والقاف بدل من الكاف وهما أختان.

وقد يجري بين حروف ثلاثة في الكلمة الواحدة نحو ( درأ وطلع ) ، فالدال والطاء متعاقبتان لأنّهما نطعيتان ، والراء واللام ذلقيتان واختان ، والهمز والعين أختان حلقيتان.

وقد علمت بذلك أنّ ما مر عليك في حكاية الأصمعي عن الأعرابي ( سقر ، صقر ، زقر ) كان من هذا الإبدال الشائع الصحيح في لغة العرب.

وإليك بعض الإبدال في كتاب الطراز ، ذاكرين ما كان لغة منهم فيه أيضا ، لأنّها تناسب الإبدال :

* قال في مادة « دربأ » : دربأت فلانا ، كدربيته ، بابدال الهمزة ياء ، كما قالوا في دهدهته دهديته.

* وفي مادة « شسأ » : الشاسئ الجاسئ ، ابدلت الجيم شينا ، كما قالوا في مدمج مدمش.

__________________

(١) المصدر نفسه.

٦٩

* وفي مادة « شمأ » قال : الشّمأ : الشّمع ، كسبب فيهما ـ وهو موم العسل ـ أبدلت العين همزة ، لغة تميمية ، قال الخليل : تميم تبدل الهمزة من العين ، والعين من الهمزة ، يقولون في خبع : خبأ ، وفي نزأ : نرع.

* وفي مادة « صدأ » : الصّدأ ، كجبل : اللطيف الجسم ، وأصله الصّدع ، بالعين أبدلت همزة ، كما قيل في أباب عباب.

* وفي مادة « صرأ » قال : صرأ : صرخ ، أبدلوا الخاء المعجمة همزة ، قال الأخفش عن الخليل : هو من غريب ما أبدلوه.

* وفي مادة « عنظأ » قال : عنظأ الرجل : لغة في حنظأ ـ بالحاء المهملة ـ أي بذئ وأفحش في كلامه.

* وفي مادة « فرأ » قال : الفرأ ، كرشأ وفضاء : حمار الوحش ، وتبدل همزته ألفا ، فيقال : فرى كثرى. الجمع فراء وافراء كجبال واسباب.

* وفي مادة « فشأ » قال : « تفشأ المرض فيهم : انتشر ، لغة في المهملة » وقد كان المصنف قد قال قبلها فى مادة « فسأ » تفسأ فيهم المرض : فشا وانتشر.

* وفي مادة « ورأ » قال : وتورّأت عليه الأرض : لغة في تودّأت ( بالدال ).

* وفي مادة « حذأ » قال : « حذئت الشاة حذأ ، كتعبت : لغة في حدئت بالدال المهملة » وكان قد ذكر في مادة « حدأ » قولهم : حدئت الشاة : اشتكت من انقطاع سلاها في بطنها.

* وفي مادة « دثأ » قال : الدّثئي ، كعجمي : المطر يكون بعد الربيع ، أو ما يجيء صيفا ، ونتاج الغنم فيه. والدّفئي ـ بالفاء ـ لغة فيه.

واعادها في مادة « دفأ » فقال : والدّفئي ، ـ كعجمي ـ من المطر ، كالّدثئي بالمثلثة زنة ومعنى. فلاحظ كيف ذكر مادة دفأ في محلها وأحال على ما ذكره في دثأ.

٧٠

* وفي مادة « وبأ » قال : وبأ إليه ، وأوبأ ، لغة في ومأ وأومأ : إذا أشار إليه.

* وفي مادة « ودأ » قال : دأني لغة في دعني ، وهذا يناسب من يجعل العين همزة.

* وفي مادة « طرص » قال لغة في الطّرس.

* وفي مادة « قفص » قال : في شرحه للأثر ( بيوت القافصة ) أي الجماعة القافصة : وهم اللّئام والصاد بدل من السين ؛ من قولهم : عبد أقفس وأمة قفساء.

* وفي مادة « قمص » : والقمّصى ـ كزمّكى ـ لغة في القبّصى بالموحدّة ، وهو العدو السريع.

المعرب

وهو تعريب كلمة أجنبية إلى العربية وفق قواعد وأصول مكتوبة في كتب المعرّبات ، وهذا التغيير تارة يكون بإبدال حرف من حرف ، أو زيادة حرف ، أو نقصان حرف ، أو إبدال حركة بحركة ، أو إسكان متحرّك ، أو تحريك ساكن و ....

كأن يبدلوا الكاف قافا في العربية ( كاشان ، قاسان ) أو الشين سينا ( دشت ، دست ).

وقد يغيّرونه إلى أنحاء مختلفة ك‍ ( كربك ، كربج ، قربق ).

وقد عرفّه المصنّف السيّد علي خان المدني في المصطلح من مادة « عرب » ، قال :

المعرّب ، كمعظّم : ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها وتكلّمت به على منهاجها ، تقول : عرّبته العرب تعريبا ، وأعربته إعرابا.

٧١

وهناك مصنفات في المعرّب من الكلام الأعجمي ، أشهرها ما هو لابن منصور الجواليقي ( موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر المتوفى ٥٤٠ ) ، وللبشبيشي المتوفى (٨٣٠) كتاب ( التذييل والتكميل لما استعمل من اللفظ الدخيل ) وللشهاب الخفاجي المتوفى (١٠٦٩) ( شفاء العليل فيما ورد في كلام العرب من الدخيل ) وكتب اخرى لغيرهم.

وإليك بعض المعرّبات في الكتاب :

* قال في مادة « أمص » : الآمص والآميص ، كصاحب وهابيل : معرّب الخاميز : وهو مرق السّكباج المبرّد المصفّى من الدّهن ، وأصله : يخ آميز : أي المخروج بالثّلج ، وتبدل الهمزة عينا فيقال : عامص وعاميص ؛ وهو بالعربية الهلام.

* وفي مادة « قربج » قال : القربج ، كقرطم : لغة في الكربج بالكاف ، وهو الحانوت ، معرّب كربه.

* وفي مادة « طبرزد » قال : الطبرزد ـ كزبرجد ـ من السكّر والملح : الصلب الشديد ، وإذا أطلق يراد به السكّر الأبلوج معرّب تبرزد ، والتبر بالفارسية : الفاس كأنّه نحت من جوانبه بفاس ، يقال : سكّر طبرزد ، فيكون صفة تابعة له في الإعراب.

* وفي مادة « مرج » قال : المرج ، كفلس : الأرض الواسعة ذات النبات ترعى فيها الدوابّ ، معرّب مرز.

* وفي مادة « منج » قال : المنج ، كفلس : مالزق من التمر بعضه ببعض اثنتان وثلاث ، والبنج أو حبّه ، معرّب منك.

وبالضمّ : اللوز المرّ أو شجره ، والماش الأخضر معرّب منك ـ كقفل ـ وهي لفظة هنديّة.

* وفي مادة « يرج » قال : اليارج ، بفتح الراء : لغة في اليارق ؛ وهو الدستبند أو

٧٢

الدملج أو السوار أو غير الملويّ منه وهو القلب ، معرّبان.

القلب

وهو تقديم بعض حروف الكلمة على بعض ك‍ ( رجب ، جبر ، بجر ، جرب ، ربج ، برج ) وقد مر الكلام عنه سابقا ويعرف عن الصرفين بالقلب المكاني وعند اللغوين بالاشتقاق الأكبر أو الاشتقاق الكبير ..

واللغويون درسوا ظاهرة القلب الاشتقاقيّ وعلاقة القلب المكاني باختلاف اللهجات ثمّ وصلوا إلى عدم وجود علاقة بينها وبين اختلاف اللهجات (١).

لا نريد الإطالة في هذا المجال بل نريد الإشارة إلى كون هذه الظاهرة اللغوية هي من مظاهر التنوّع اللغوى عند العرب ، وهي موجودة في معاجم اليوم ، وهم تارة يشيرون إلى كونها من المقلوب واخرى لا يشيرون؟.

وقد عرف السيّد علي خان المقلوب في كتابه ( الطراز ) بقوله :

« والقلب في علم التصريف يقال لمعنيين : أحدهما : تصيير حرف العلة إلى حرف علة آخر. والثاني : تصيير حرف مكان حرف بالتقديم والتاخير ك‍ جذب وجبذ ».

وإليك بعض المقلوب في كتاب الطراز :

* قال المصنف في مادة « بسأ » في شرح الحديث « لو كان أبو طالب حيا لراى سيوفنا وقد بسأت بالمآثل » : أي مرنت على الفتك بهم وهم أفاضل القوم ، مقلوب الأماثل.

* وفي مادة « تفأ » قال : تفئّة الشيء ، كتحلّة : أوانه وإبّانه ، كأنّه مقلوب تئفّة ،

__________________

(١) انظر كلام ابن دريد « باب الحروف التي قلبت وزعم قوم من النحوين ، أنّها لغات ».

٧٣

بتقديم الهمزة ، فلاحظ قوله « كأنه » فإنّ الذي في التاج أنّها لغة أخرى.

* وفي مادة « ثفأ » قال : « ثفأ القدر : فثأها. وفي مادة « فثأ » قال : فثأت القدر سكنت غليانها بالماء ... » ولم ينص ولم ينبه على أنّها من المقلوب.

* في مادة « روأ » قال : راء كجاء لغة في رأي مقلوبة منها.

* وفي مادة « صيأ » قال : صاء الفرخ والعقرب والفأر والخنزير يصيء صيئا ، من باب جاء : صاح وصوّت وأصله صأى يصأى صئيا ، ثمّ قلبوه ، كما قالوا في رأي راء ، وفي شأه شاءه.

* وفي مادة « ضاء » قال : والضّئاء بهمزتين بينهما الف : مقلوب الضّياء.

* وفي مادة « كيأ » قال : كاء عن الامر ـ كباع ـ كيأة : هابه وجبن عنه ولم يقدم عليه ، ككاء كوءا ـ من باب قال ـ وكأوا على القلب.

* وفي مادة « ماء » قال : ماء السّنّور يموء مواء ، كغراب بهمزتين : صاح ، وهو مقلوب مأى ـ مهموز العين ـ كقولهم في صأى صاء ، وفي رأى راء.

* وفي مادة « نوأ » قال : ناء الرّجل : بعد ، مقلوب من نأى ، كراء من رأى.

* وفي مادة « ومأ » قال : ووامأه مؤامأة : حاكاه وباراه ، مقلوب وا أمه ، أو لغة فيه.

* وفي مادة « شيص » قال : الشيصى ، كعيسى ، وتمدّ أو هو ضرورة والفصيح : القصر ، أو بالعكس ، وواحدته : شيصة وشيصاة.

* وفي مادة « ربص » قال التربص : الترقب ، التوقف ... قيل : هو مقلوب التصبر.

* وفي مادة « رفص » قال الرّفصة ، كغرفة : نوبة الماء ، وهي قلب الفرصة.

كانت هذه مصطلحات عامة تستعمل كثيرا في كتب اللغة ، ولا يختص بها مؤلف دون آخر إلاّ سعة وضيقا ، وقلّة وكثرة ، وقد ذكر المترجم له في ( طرازه ) كثيرا منها جريا مع المشهور. ونحن لا نرى ضرورة لحصر تطبيقاتها في الكتاب ، وإن فعلها بعض الكتاب الجدد فيما قدّمه من دراسة معجميّة لأحد الكتب اللغوية!!

٧٤

المنهج الاستدراكيّ النقديّ في اللغة

تقدّمت الإشارة إلى المعنى بهذا المنهج ، والمراد منه هو استدراك ما فات على المعاجم السابقة من اللغات العربية والمعربّة والحقيقية والمجازية ، والفصحى وغيرها ، وذكر اسماء الأماكن والاعشاب والادوية وغيرها ، وإثبات ذلك في محالّه من الأبواب والفصول اللغوية ، كما علمت بأنّ المراد من النقد هو التنبيه على ما وقع لهم من الأغلاط والتصحيفات ، ونقل ما هو غير ثابت ، وما هو من غلط العوام وأشباهها من الوجوه التي تستدعي التوقف عندها والنقد لها ، خصوصا مع بعد الزمان عن اللغة الأمّ وابنائها ، مما يزيد في مثل تلك الأغلاط والأوهام.

وقد صرّح المؤلف في مقدمة ( الطراز ) بأنّه أودع كتابه ما لم تحوه المعاجم المتداولة ، وإنّه فاقها بالاستدراك والانتقاء والنقد فقال :

« على أنّك أيها الفطن الألمعي ، واللقن اللوذعي ، إذا وعيت ما أوعيت ، وفليت ما أمليت ، رأيته قد حوى ما لم تحوه البحور المحيطة ، وخيطت شواكله على ما خلت عنه المهارق البسيطة ... ».

ثمّ راح يذكر الجمهرة والصحاح والمحكم والعباب والتهذيب والمجمل ولسان العرب والقاموس ، ويبين ميزة طرازه عليها ، وهذا ما عنيناه بالمنهج الاستدراكي ، فإنه استدرك على هذه المعاجم الكثير مما خلت عنه كما ستقف عليه لاحقا ، واودع معجمه ما يروق ويحسن ، وتستعذب جنا عذباته الالسن ، إلى غير ذلك من النكت والملح ونخب الموضوع والمصطلح ، مع التقصي في البيان والتبيين.

٧٥

ومن جهة ثانية اعتنى المصنف بمنهج النقد والتثبت في النقل ، حيث صرح بذلك في مقدمته فقال أنّه يتثبت في المداحض والمزال ، ويتعمق في التمييز بين الراجح والزال ، ولا يجمد على ما وجده في كتاب ، فقال :

« فإنّ هذه اللغة الشريفة الّتي رفع الله مقدارها ، وجعل على ألسنة خيرته من خلقة مدارها ، لم تكن تؤخذ إلاّ بالسماع والتلقين ، أو الرواية الوافية ببلج الحق وثلج اليقين ، وعلى هذا جرى السلف من العلماء في سالف الدهر ، فجنوا من رياضها يانع الثمر ونافح الزهر ، وما كانوا ليتّكلوا على ما في بطن صحيفة ومتن مجلة ما لم يشافهوا به الجهابذة من المشايخ الجلة ، ثمّ طمست آثار تلك الأعلام ، وعمّت سبل الهدى غاشية الظلام ، وحار طرف الدليل ، وطاح صوت الحادي ، وأمسى الخرّيت ينادي : إنّه الليل وأضواج الوادي.

فلم يبق إلاّ الرجوع إلى ما أودعه العلماء في بطون الدفاتر ، والنهوض إلى الاقتباس منها بعزم غير فاتر ، وإذ قد تعذّر الاستفهام عند الاستبهام ، والحصول على الصواب ، بالسؤال والجواب.

فمن اللازم للّبيب الحازم أن يتثبت في المداحض والمزال ، ويتعّمق في الميز بين الراجح والزال ، وأن لا يأمن غائلة التعجيل ، بالمبادرة إلى الإثبات والتسجيل حتّى يتقصّى في الاستقراء ، لا سيّما عند التصنيف والإقراء ، فمن جمد على ما وجد في كتاب ، فقد استهدف لنبل اللوم وسهام العتاب ، وكأين

٧٦

ممن صنف وألف ، وكلّف نفسه من كلفة الإفادة ما كلّف ، ما زاد على أن ملأ المزاد ، بما وجد ورأى ، وأكتب ونأى ، ولم يدر أخطا أم أصاب ، وجنى الشهد أم الصاب؟ فهو حاطب ليل ، وخاطب ويب وويل ».

وهذا المنهج النقدي لم يكن بدعا من السيد المصنف ، بل كان وما زال محط انظار المحققين من اللغويين الذين لا يذعنون لكلّ منقول بسهولة إلاّ بعد التحقيق والتثبت من النقل وصحته ، خصوصا بعد تطاول الأزمان وترامي الأقطار ، واختلاف النسخ اليوم بشكل أكثر بكثير من السابق ، حتّى أنّ الخليل وهو إمام اللغة ومؤسس معجمها لم يسلم من النقد والتغليط ، وقل مثل ذلك في ابن دريد وغيره من أئمّة اللغة وأساطينها ، وهذا يعني أنّ الحقيقة هي الهدف لا التقديس ، وأنّ ضبط اللغة العربية والحفاظ على سلامتها هو الهدف المنشود.

ومن هنا كان السيّد المصنف ممن واصلوا هذا الطريق لكن بعناية كبيرة قد لا توجد في معجم آخر ، فإنّه حاول أن يوضح كل ما فيه اختلاف ، والتنبيه على ما وقع لهم من أغلاط واوهام وتصحيفات وتحريفات كما سعى إلى إثبات الفصيح ، والتنبيه على المولّد وعلى أغلاط العامّة ، على أنّه وبلا ريب صبّ اهتمامه الأوّل على بيان أغلاط الفيروزآبادي بالذات كما سيأتيك إيضاح ذلك ، ولكنّه لم يقتصر على أغلاطه ، بل غلّط حتّى الجوهري وغيره من أئمّة اللغة ، مما يدلّ على أنّه كان جادّا في تطبيق منهجه النقدي بعد تطبيق منهجه الاستدراكي.

وبمرور سريع على سير تغليطات وتخطئات من لحق لمن سبق يتبين لنا أهمية هذا المنهج في تهذيب اللغة وصقلها وتنقيتها وإيصالها إلى الأجيال بافضل شكل ممكن ، خال عن الشوائب :

٧٧

من خطّأ الخليل

كان هذا هو منهج كثير من اللغويين القدامى ، حيث كانوا يستدركون وينقدون من سبقهم ، وما كانوا ليتكّلوا على المصنفات.

ومن الذين استدركوا على الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ أوّل من صنّف في اللغة وفق برنامج صوتي خاص ـ هو المفضل بن سلمة (١) وأبو بكر بن دريد والجهضمي والسدوسي وغيرهم ، فبعض هؤلاء اختلفوا معه في المنهجية والترتيب ، والبعض الآخر اعترض عليه لتفرّده بذكر كلمات لم تسمع ، أو لإهماله أبنية مستعملة (٢) ، أو عدم استيفائه الصيغ الواردة في كلام ، أو إشارات منهم إلى وجود أخطاء صرفية وتصحيفات وتحريفات في العين (٣).

وقد أشار ابن منظور إلى ذلك وهو في معرض النقد للخليل ، فقال :

( كأن واضعه شرع للناس موردا عذبا وحلّأهم عنه ، وارتاد لهم مرتعا ومنعهم منه ، قد أخّر وقدّم ، وقصد أن يعرب فأعجم ، فرّق الذهن بين الثنائي المضاعف والمقلوب وبدّد الفكرة باللفيف والمعتل والرباعي والخماسي ، فضاع المطلوب ) (٤).

__________________

(١) وقد رده أبو محمّد بن درستويه في كتاب خاص ، قال السيوطي ( ورواه بن درستويه وله كتاب في الردّ على المفضل بن سلمة فيما نسبه من الخلل إليه ) المزهرا : ٨٩.

(٢) انظر تخطئة ابن دريد للخليل ، وأنّه صحف ( يوم لغات ) بالغين المعجمة ، وإنما هي بالمهملة ( المزهر ٢ : ٣٥٣ ).

(٣) انظر جرد ذلك في المزهر ٢ : ٣٨١ ـ ٣٩٠ عن الزبيدي في استدراكه على العين.

(٤) انظر مقدمة لسان العرب ١ : ٧.

٧٨

قال ابن جني في الخصائص :

أما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل ، فضلا عن نفسه ، ولا محالة أنّ هذا التخليط لحق هذا الكتاب من قبل غيره ، وإن كان للخليل فيه عمل فإنّما هو أنّه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء ، ولم يله بنفسه ، ولا قرّره ولا حرّره ، ويدلّ على أنّه قد كان نحا نحوه أنّني أجد فيه معاني غامضة ونزوات للفكر لطيفة ، وصنعة في بعض الأحوال مستحكمة ، وذاكرت به يوما أبا علي فرأيته منكرا له.

فقلت له : إن تصنيفه منساق متوجّه ، وليس فيه التعسف الذي في كتاب الجمهرة ، فقال : الآن إذا صنّف إنسان لغة بالتركية تصنيفا جيدا أيؤخذ به في العربية! أو كلاما هذا نحوه (١).

أمّا الزّبيدي في مختصر العين فقد وضّح سرّ كثرة الأغلاط في العين بقوله :

« وذلك أنّا قلنا في صدر الكتاب ونحن نربأ بالخليل عن نسبة الخلل إليه أو التعرض للمقاومة له ، بل نقول : إنّ الكتاب لا يصحّ له ولا يثبت عنه ، وأكثر الظنّ فيه أنّ الخليل سبّب أصله ، وثقّف كلام العرب ، ثمّ هلك قبل كماله ، فتعاطى إتمامه من لا يقوم في ذلك مقامه ، فكان ذلك سبب الخلل الواقع فيه والخطأ الموجود فيه.

هذه لفظتنا نصا ، وقد وافقنا بذلك مقالة أبي العباس أحمد بن

__________________

(١) السيوطي في المزهر ١ : ٧٩ عن الخصائص ٣ : ٢٨٨.

٧٩

يحيى ثعلب (١) قبل أن نطالعها أو نسمع بها حتّى ألفيناها بخطّ الصولي في ذكر فضائل الخليل.

قال الصولي : سمعت أبا العباس ثعلبا يقول : إنّما وقع الغلط في كتاب العين ، لأنّ الخليل رسمه ولم يحشه ، ولو أنّ الخليل هو حشاه ما بقي فيه شيئا ، لأنّ الخليل رجل لم ير مثيله.

قال : وقد حشا الكتاب قوم علماء إلاّ أنّه لم يؤخذ عنهم الرواية ، وإنما وجد بنقل الورّاقين ، فلذلك اختل الكتاب » (٢).

من خطّأ ابن دريد

وأمّا ابن دريد ، فقد خطّأه الأزهري ونفطويه وابن خالويه وغيرهم ، إما استنصارا للخليل أو تخطئة مباشرة لنفسه.

قال الأزهري عن ابن دريد ما نصه :

« وممّن ألف في عصرنا الكتب فوسم بافتعال العربية وتوليد الألفاظ الّتي ليس لها أصول ، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي صاحب الجمهرة وكتاب اشتقاق الأسماء ، وكتاب الملاحن ، وحضرته في داره ببغداد غير مرّة ، فرأيته يروي عن أبي حاتم ، والرياشي ، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي ، فسألت إبراهيم بن عرفة الملقب

__________________

(١) ذلك مذكور في المزهر ١ : ٧٨.

(٢) المزهر ١ : ٨٢.

٨٠