الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

مذكور في كتب الأمثال ، وإنما هو مذكور في كتب اللغة منسوبا إلى قول العرب ، كما في مادة « عدا » من التهذيب (١) ولسان العرب وغيرهما ، لكنّ السيّد المدني عدّه في الأمثال لأنّه موضوع على حدّها.

* وفي مادة « برد » قال في المثل منهما : « وقع بينهما قدّ برود يمنية » أي بلغا أمرا عظيما من الشّر. وقد ذكر هذا القول من المجاز في الاساس ، وكذلك عدّه الزبيدي في التاج من المجاز ، وهو مذكور في القاموس وتكملة الصاغاني ، وغيرها من المصادر ، غير معدود مثلاً. فعدّه السيّد المصنف مثلاً.

ومثل ذلك قولهم : « هي لك بردة نفسها » فهو في التهذيب (٢) والتاج وتكملة الزبيدي وغيرها ، غير معدود مثلا ، وقد عدّه السيّد مثلاً.

ومثله قولهم « هو لبردة يميني » إذ هو في التهذيب (٣) واللسان والتاج وتكملة الزبيدي ، غير معدود مثلاً.

هذا إلى كثير من الأمثلة التي يطول المقام بذكرها جميعا ، وفيما ذكرنا منها كفاية للتدليل على ما قلنا من أنّ السيّد المدني يعدّ ما فيه ملاك المثل وما وضع على حدّ المثل مثلا ، وإن لم يذكر في كتب الأمثال : ، وذكرته معاجم اللغة مساكتة عليه أو مصرّحة بانه من أقوال العرب فقط.

هذا ، مع حسن الالتفات وجامعيته في المثل ، فإنه رحمه‌الله أخذ المثل النبوي ولم يفته أن يضعه في المثل من كتابه ، ففي مادة « كلأ » من طرازه ذكر هذا المثل « من مشى على الكلاّء قذفناه في الماء » وقال : أي من مشى على شاطئ النهر القيناه في

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١١٤.

(٢) التهذيب ١٤ : ١٠٧.

(٣) التهذيب ١٤ : ١٠٧.

٣٦١

وسطه ، يريد : من وقف موقف التهمة لمناه. وقد ضرب هذا المثل في الحديث لإلزام الحدّ من يعرّض بالقذف. وهو كما في النهاية الأثيرية (١) مثل ضربه النبيّ لمن عرّض بالقذف. وهذا المثل غير مذكور في كتب الأمثال ، مع أنّه مثل نبويّ ، والأولى أن يوضع قبل غيره في كتب الأمثال.

هذا ، ولسعة السيّد المصنف ، وإيمانه بتطور اللغة وامتدادها وشمولها وعدم وقوفها عند حدّ معين ، نراه يذكر أمثال المولدين دون أن يقتصر على أمثال العرب القدماء.

* ففي مادة « كمأ » ذكر في المثل : « هو كالكمأة لا أصل ثابت ولا فرع نابت » قال : يضرب لمن لا نسب له ولا حسب. وهذا المثل ذكره الميداني في أمثال المولّدين (٢).

ومضافا إلى كل ذلك ذكر بعض الأمثال غير الموجودة في كتب الأمثال المتداولة ولم نعثر عليها في معاجم اللغة أيضا ، مما يعني أنّه اطلّع على قدر كبير من كتب الأمثال وكتب الأدب ، فذكر من خلال سعة اطلاعه ما ليس موجودا في متناول الايدي من المصادر المعروفة المتداولة.

* ففي مادة « خطأ » : قال : « اخطأت استه الحفرة » يضرب لمن طلب أمرا فلم ينله ، ولمن لم يصب موضع حاجته. ومثله « أخطأ سهمه الثغرة ». وهذا الثاني غير موجود في كتب الأمثال ومعاجم اللغة.

ومثله ما ذكره في مادة « برد » : « وقع بينهما فتباتّا بردة يمينة » أي تخاصما حتّى

__________________

(١) النهاية ٤ : ١٩٤.

(٢) انظر مجمع الأمثال ٢ : ١٧٢ / أمثال المولّدين.

٣٦٢

شاقّا ثيابهما الغالية. وهو مثل يضرب في شدة الخصومة ؛ لأنّ برود اليمن لنفاستها لا تشقّ الا لأمر عظيم.

وهو مع كل هذه الميزات الغنية لا يركن إلى شرح القدماء لبعض الأمثال بما لا يتطابق مع وضعها ، فيأتي هو برأيه الخاص في الشرح.

ففي المثل من مادة « سبب » قال : « المزاح سباب النوكى » أي إذا ما زحت الأحمق فقد شاكلته الأحمق سبّة ، هكذا قال الميداني.

وعندي أنّ معناه : أنّ الأحمق إذا مازحك سبّك وهو يظن أنّه يمزح. يضرب في التحذير عن ممازحة الحمقى.

وهذا تصريح منه رحمه‌الله بعدم ارتضائه تفسير السابقين ، وبأنّه صاحب رأي ونظر في المثل من لغة العرب.

والذي يمكن أنّ نلخّصه مما مرّ في المثل هو أنّه كشأنه في باقي الكتاب منهما أبوابا وفصولا ، لم يخل من جديد ، فهو سلس العبارة واضح المقصد ، واف بالمطلوب ، مع الاعراض عن التطويل بلا طائل ، والابتعاد عن الاختصار المخل ، وهو قبل كل ذلك يمتاز بالشمولية والإيمان بالتطور اللغوي ، ولذلك لم يغفل ذكر أمثال المولدين ، والميزة المهمة عنده كما تقدم هي ذكره من الأمثال ما لم يذكروه ، وعدّه أقوال العرب التي وضعت على حدّ المثل أمثالا ، وتفسيره بعض الأمثال بغير ما فسروه ، وبالتالي فإنّه قدّم للمعاجم العربية ما لم يكن عندها ، واستدرك عليها ما لم يستدرك من قبله.

٣٦٣

خلاصة ما مرّ

اتضح من خلال ما مرّ بعض محاسن كتاب الطراز في اللغة ، ودوره في تطوير المعجم اللغوي العربي ، وكيف أنّ الإمام اللغوي العلاّمة الاديب السيّد عليّ خان المدني سلك مسلك الاستدراك والنقد.

وقد أوضحنا بعض الشيء عن نقده للقاموس ونواحي ذلك النقد ودفاعاته عن الجوهري ، في جانب ، ونقده للجوهري والقاموس معا في جانب ثان ، ونقده ثالثا لكلّ من جافى الحقيقة من اللغويين وأئمتهم.

واستعرضنا نماذج من ذلك ، مشفوعة بتنبيهاته العامّة على بعض الأغلاط والأوهام والتصحيفات دون ذكر أسماء أشخاص بأعيانهم ، مضافا إلى كل ذلك ما نبّه عليه من أغلاط الرواة والمحدثين وأوهامهم ، وما هو من لحن العامّة ، وما هو غلط مشهور ، وما ضارعها مما يقع في اللسان العربي ، ودعونا جادّين إلى دراسة شاملة لهذه الناحية من معجم الطراز.

وكذا الحال بالنسبة للمنهج العامّ للكتاب ، فقد أوضحنا التقسيم الخماسي له ، وما ابتكره من منهج في إفراد اللغة العامّة مضيفا إليها المجاز ، فاصلا له عن الاستعمالات الحقيقية ، ثمّ إفراده اللّغة في كتاب الله العزيز ، ثمّ الأثر ، ثمّ المصطلح ، ثمّ المثل.

وأوضحنا ما يختزن هذا التقسيم والإفراد من فوائد وميزات ، وكيف طوّر هذا التقسيم العمل المعجميّ ؛ تفصيلا وتسهيلا للتناول ، وأنّ السيّد المصنف كان بحق المطور والمنمق للمنهج الاستدراكي النقدي في اللغة بل كان هو المبتكر الأول لهذه المنهجية في تدوين معاجم اللغة العربية.

وفي إطار تحقيقنا النهائي لبابى الهمزة والزاي منه ، وبعض الباء ، وما اقتنصناه

٣٦٤

عن تحقيقنا الأوّلى لباب الراء وبعض إفاداتنا عليه ، كل ذلك مضافا إلى ما استللناه على عجالة من كتاب الصاد ، استلهمنا من كل هذه المواضع الرسم الهيكلي العام والميزات المهمة التي فاق بها باقي المعاجم اللغوية التي عليها المعوّل والمدار اليوم.

ولعلّ مواصلة التحقيق النهائيّ لكل أبواب هذا المعجم وفصوله ـ إن قدّر ذلك للاخوة الذين أنيطت بهم مهمة إتمام تحقيق الباقي من هذا الكتاب ـ يكشف عن مزيد من الميزات ، وعن خطوط تفصيلية أعمق وأدقّ في منهجية هذا المعجم الفريد والمسمّى بحق الطراز الأوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعول وعلى كل حال ، فإن أهمّ ميزات هذا الكتاب ومجمل خطوط منهجية المؤلف كانت هي :

١ ـ ابتكاره التقسيم الخماسي ـ في خطة تأليف معجم اللغة العربية ـ ويدخل في ضمنه إفراده المجاز عن الحقيقة.

٢ ـ امتيازه بتكريس الجهود في العمل المعجمي على المنهج النقدي ، وبيان الأوهام والأغلاط والتصحيفات والهفوات و و و، وكان القسط الأوفر منها منصبا على نقده للفيروزآبادي في قاموسه ، ونقوداته على أنحاء وأقسام يحتاج بيانها إلى دراسة مفصّلة. وقد مرّ ذكر هاتين الميزتين.

٣ ـ امتيازه بسعة العمل الاستداركي في اللغة ، وذكره ما لم يذكر في المعاجم اللغوية المتداولة ، وبرمجته المحبكة في كيفية التدوين ، وهذا العمل يتجسّم على أكثر من صعيد :

أ ـ ما استدركه من اللغات والاستعمالات المبثوثة في مختلف كتب اللغة ـ دون معاجمها ـ وكتب الأفعال ، والدواوين وشروحها ، وكتب النحو والصرف و و و، ووضع كل ما لم يذكروه في موضعه

٣٦٥

من المعجم.

ب ـ استدراكه بعض المواد اللغوية كاملة ، مثل مادة « برب » و « بعقب » و « خشلب » و « قدعج » وغيرها.

ج ـ ما استدركه مستفيدا من مواطن القياس المطّرد في اللغة.

د ـ ما استدركه مستفيدا من كتب التفسير والأثر والمثل والطب والحيوان ، وكتاب المرصّع لابن الاثير ، وتذكرة الانطاكي البصير وغيرها من الكتب.

هـ ـ ما استدركه من اللغات الموجودة في مواضع أخرى من معاجم اللغة ، كذكره في المهموز ما ذكروه في المعتل ، أو في أماكن أخرى.

و ـ ما استدركه من ذكره للأفعال ـ وخصوصا الثلاثية ـ منها ـ التي لم تذكر في المعاجم اللغوية مع حسن ترتيبه بالذكر لها ، الثلاثي ثمّ الرباعي ، ثمّ المزيد ...

ز ـ ما استدركه من ذكره لحركة عين المضارع ، مما لم تذكره المعاجم اللغوية ، د كما في مادة « هرد » و « خسر » مما هو أجلى وأوضح في بيان هذا النوع من الاستدراك.

ح ـ ما استدركه من ذكره وبيانه لحروف التعدية ، واختلاف المعاني بحسب اختلافها مضافا إلى تفسيره الفعل المتعدي بحرف ما من حروف الجرّ ، بفعل آخر يتعدى بنفس الحرف لا بغيره كما يصنعونه في المعاجم اللغوية.

ط ـ ما استدركه من ذكره لجلّ ـ أو كلّ ـ الوجوه واللغات ، من

٣٦٦

جموع ومصادر وأسماء وسائر المشتقات ، ومن وجوه إعرابية ، كما في مادة « هوأ » في ذكره لغات « هأ » و « هاء ».

ي ـ توفيقه بين أصول اللغة والاشتقاق الصرفي وبين مسموعاتها ، وإثبات النتيجة الصحيحة المستوحاة من بينهما.

ك ـ ما استدركه من معاني اللغات مقتنصا لها من استعمالاتها ، كما في مادة « أوب » من تفسيرهم الأوب بالنحل ، في حين فسّره السيّد المصنف بالمطر ، لأنّه هو المتلائم مع البيت الشعري الوارد فيه ، ومثله ما في مادة « جأب ».

ل ـ ما ذكره مما لم يذكروه في معاجمهم من الفوائد اللغوية والنحوية والصرفية ، وجمعه للاقوال ، وطرحه لآرائه فيها ، ويتجلى رأيه في مثل ما في مادة « وهب » من تصحيحه « وهبته منه ».

٤ ـ امتيازه بسلاسة العبارة في الإفهام والتفهيم ، وخلوصها من الغموض والتعريف بالأخفى أو المساوي ، وهي ميزة مطردة في كلّ الطراز امتاز بها عن باقي المعاجم.

٥ ـ امتاز هذا الكتاب في المجاز مضافا إلى خصوصية الإفراد وسلاسة العبارات بميزات أخرى ، هي :

أ ـ ذكره لمجازات لم تذكر في عامة المعاجم ، ويدخل في ضمنها تنبيهه على ما هو مجاز من الاستعمالات التي ذكروها دون التنبيه على ذلك.

ب ـ شرحه لعبارات الأساس. وهي تكاد تكون أهمّ ميزاته في

٣٦٧

المجاز.

ج ـ ذكره وجه المجاز ، وبيانه للعلاقة التي صحّ من خلالها الاستعمال المجازي ، وصاربها المجاز مجازاً.

٦ ـ وامتاز الطراز في « الكتاب » مضافا إلى خصوصية الإفراد وسلاسة العبارات بميزات أخرى ، هي :

أ ـ عدم اقتصاره على محض التفسير اللغوي ، بل إشفاعه ببيان المعنى المراد من الآية القرآنية من خلال التفاسير ، وعدم إغفاله من الآراء التفسيرية آراء أهل التأويل والباطن.

ب ـ عنايته بالقراءات القرآنية ، وذكره للقراءة الموافقة للمادة اللغوية المبحوث فيها ، وهذا وإن ذكر أحيانا في المعاجم إلاّ أنّه قليل بالنسبة الى ما ذكره السيّد المصنف في الطراز.

ج ـ ذكره تفاسير الآيات التى تخصّ أهل البيت عليهم‌السلام ، ونقله ما ورد عن السنة النبوية الشريفة وأقوال آل محمّد في تفسير بعض الآيات ، كما في مادة « عهد » في تفسير قوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ).

د ـ تحقيقاته وتدقيقاته في شرح بعض الآيات القرآنية بما لم يذكره أحد من أئمّة المفسرين ومشهوريهم ، كرأية الذي طرحه في مادة « لألأ » في تفسير قوله تعالى ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ).

٧ ـ وامتاز هذا الكتاب في « الأثر » مضافا إلى خصوصية الإفراد وسلاسة العبارات ، بميزة اعتماده بشكل كبير على الأثر النبوي الصحيح ، وانفرد من بين المعاجم ـ تبعا للرضي الاسترابادي ، والشيخ الطريحي ـ بالأخذ بكلام أهل

٣٦٨

البيت عليهم‌السلام حجة لا تشكيك فيها ، فذكر كلماتهم وأقوالهم وشرحها في « الأثر » ، فاعتمد كثيرا على ما في نهج البلاغة ، والصحيفة السجادية ، والكافي ، والفقيه ، والتهذيب ، وكتب الأدعية ، والمصادر الإمامية الأخرى.

٨ ـ وامتاز « الطراز الاول » في « المصطلح » مضافا إلى خصوصية افراد ، بالسعة والشمول في ذكر المصطلحات لشتى العلوم ، دون الاقتصار على مصطلحات علوم اللغة العربية كما هو دأب معاجم اللغة المتداولة ، فقد ذكر المصطلحات الفلسفية ، والمنطقية ، والعرفانية ، والصوفية ، والفقهية ، و و و ... إلى جانب مصطلحات علوم اللغة العربية ، وذلك لما ذهب إليه من الرأي الصحيح الصائب ، القائل بوجود أصول لغوية لجميع المصطلحات العربية للعلوم.

٩ ـ وامتاز هذا الكتاب القيم في « المثل » مضافا إلى خصوصية الإفراد وسلاسة العبارة ، بالشرح الكامل للمثل ، وذكر وجوههه ومعانيه إن تعدّدت باختصار واف ، دون تطويل بلا طائل.

وإلى جانب ذلك نراه يتحف شرحه للأمثال بالتفاتاته الذكية ، الرافعه للإهمال ، كما في مادة « فرأ » في شرح المثل : « كل الصيد في جوف الفرا » حيث نبه على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمثّل به في أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، لا أبي سفيان بن حرب ، وغيرها.

والميزة المهمة في « المثل » هي عدّه ما فيه ملاك المثل مثلا ، وإن ذكر في كتب اللغة ومعاجمها على أنّه من أقوالهم ، ولم يذكر في كتب الأمثال ، وقد ذكرنا جملة صالحة من أمثلة ذلك.

٣٦٩

بقي شيء

وهو أنّ ما ذكرناه من محاسن كتاب الطراز الأول ، وميزاته التي فاق بها سائر المعاجم اللغوية من حيث التقسيم والترتيب المنهجي ، ومن حيث غنائه في النقد والاستدراك ، ومن حيث التحقيقات الأنيقة الرشيقة التي تضجّ بين دفتيه ، كل هذا لا يمنعنا من القول بأن هذا الكتاب ككل كتاب غير كتاب الله لا يخلو من الخطأ والوهم ، وكما قال السيّد المصنف في خطبة كتابه :

وهيهات ، إنّ الكتاب الذي لا ريب فيه إنّما هو كتاب الله الذي لا يضلّ مقتفيه ، وما سواه فهو مظنة للاختلاف.

فأما في مجال نقده للفيروزآبادي والجوهري وغيرهما.

* ففي مادة « حفسأ » وهّم السيّد المصنف الجوهريّ لأنّه ذكر « الحفيسأ » في « حفس » ، فتابع الفيروزآباديّ في قوله : ووهم أبو نصر في إيراده في « ح ف س ».

وإذا غضضنا النظر عن أصل التوهيم (١) ، فإنّا نقول : إنّ السيّد المصنف فاته أن يشير إلى غفلة الفيروزآباديّ ، حيث أعاد ذكر « الحفيسأ » في « حفس » دون تنبيه عليه ، وقد تعجب من صنيع الفيروزآباديّ هذا ابن الطيب الفاسي في إضاءة الراموس (٢) ، والزبيدي في تاج العروس (٣).

* وفي مادة « رقأ » ، قال : الرقوء ، كرسول : ما يوضع على الدم ليرقأ ، ومنه قول قيس بن عاصم لولده : « لا تسبوا الإبل ، فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة » أي بها يحقن الدم لأنّها تدفع في الديات ، فكيفّ صاحب الثار عن طلبه ، فيحقن دم القاتل.

__________________

(١) لأنّ أبا حيان والفارابي وغيرهما صرّحوا بزيادة الياء ، في « حفس » ليس بخطأ قطعي.

(٢) انظر إضاءة الراموس ٣ : ١٣٧.

(٣) انظر تاج العروس المادة.

٣٧٠

ووهم الجوهري فقال : في الحديث ...

وهذا التوهيم صحيح قطعا طبقا لمبنى الإمامية من اختصاص لفظ الحديث في الاصطلاح بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا بناء على مباني العامة فلا وهم للجوهري.

قال المامقاني : ولا يخفى عليك أنّ تسمية ما انتهى إلى غير المعصوم من الصحابي والتابعي « حديث » مبنيّ على أصول العامّة ، وأما أصحابنا فلا يسمّون ما لا ينتهى إلى المعصوم حديثاً (١).

قال السيّد المصنف في المصطلح من مادة « اثر » : الأثر عند المحدّثين أعمّ من الحديث والخبر ؛ فالحديث ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والخبر ما روي عن غيره ، والأثر أعمّ منهما.

لكنّ السيّد المصنف غفل عن توهيمه هذا ، فعاد في المصطلح من مادة « حدث » ليقول : الحديث ما روي من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الصحابي أو التابعي.

* وفي مادة « لجأ » وهّم الفيروزآباديّ الجوهريّ في « عمر بن لجأ » ، وادعى أنّ لجأ جدّ عمر لا أبوه ، مع أنّ المطبق عليه الشائع الذائع في كتب الأنساب هو ما ذكره الجوهريّ (٢) ، فكان على السيّد المصنف الدفاع عن الجوهري هنا.

* وقال السيّد المدني في مادة « نتأ » : النتاءة ، كسلافة : ماء لبني عميلة أو لغني.

وبهذا ضبطه ياقوت في معجم البلدان حيث وزنه فقال : النّتاءة بالضم ، وبعد

__________________

(١) مقباس الهداية ١ : ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) انظر ما قاله صاحب التاج هنا. ولم يذكر ما ذكره الفيروزآبادي إلاّ الصاغاني في العباب ؛ حيث قال : عمر بن الاشعث بن لجأ التيمي ، شاعر.

٣٧١

الألف همزة ثمّ هاء (١).

وضبط في نسخ القاموس « النّتأة ، كهمزة » ولم ينبه السيّد المصنف على هذا الغلط.

* وفي مادة « نيأ » ، قال السيّد المصنف : ناء اللحم وغيره كباع نيئا ونيوءا ونيوءة : لم ينضج.

وهذا هو الصحيح الذي عليه أهل اللغة ، فهو في الصحاح والمصباح والنهاية الأثيرية واللسان ، وغيرها ، فهو ناء ينيء كباع يبيع.

والذي في القاموس : و [ ناء ] اللحم يناء فهو نيء بيّن النّيوء والنّيوءة : لم ينضج ، يائية ، وذكرها هنا وهم للجوهري.

فما ذكره الفيروزآبادي من مضارع « ناء » مخالف لما عليه أهل اللغة ، وفات السيّد المصنف تغليطه ، وما ذكره من تغليط الجوهري أيضا غير صحيح ، ولم يردّه السيّد المصنف ولا دافع عن الجوهري (٢).

ومثل هذا ليس بنادر في منهجه النقدي ، لكنّه قليل قياسا بضخامة العمل النقدي في معجمه « الطراز ».

وأمّا ما يتعلق بالاستدراك :

فقد وقع في الطراز بعض المآخذ التي أخذت عليه ، نذكر هنا بعضا منها لبيان الصورة النزيهة لهذا المعجم والحقيقة المتوخّاة دون تعصب أو تحيّز ، على أن ذكرها لا يعدّ نقصا بمقدار ما يعدّ تقييما لعظمة هذا المعجم الذي تكاد المآخذ عليه

__________________

(١) معجم البلدان ٥ : ٢٦٠.

(٢) انظر تاج العروس في هذا الموضع.

٣٧٢

تضمحلّ وتتضاءل إلى جنب محاسنه وميزاته الجمة الوافرة ، وقديما قال الشاعر :

كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه

فإنّ حصرها بعدد معدود يدلك على جملة المحاسن والمميزات التي يتحلى بها.

والذي يمكن أن نأخذه على الطراز هو عدم دقته في الأوزان التي وزن بها الكلمات التي أراد بيان وزنها وضبطها ، فإنّ هذا المأخذ هو أبرز ما رأيناه من المآخذ على هذا المعجم ، فإنه لم يلحظ في الوزن إلاّ صورة الكلمة فقط دون لحاظ ما يفيد وزنها من مبالغة أو تكرار أو.

* ففي مادة « وكأ » ، قال : والتّكأة ، كرطبة : الرجل الكثير الاتّكاء. فوزن تكأة الذي هو فعلة للمبالغة بـ « رطبة » التي هي مفرد الرّطب ، ولا سنخية ولا مماثلة بين الموزون والموزون به إلاّ في صورة الكلمة.

فصنيع الفيروزآبادي في مادة « وكأ » حيث وزنها بـ « همزة » هو الأوفق بالوزن ، ومعنى المبالغة.

ومثل ذلك صنع ابن منظور في مادة « وكأ » حيث قال : التّكأة بوزن الهمزة : ما يتّكأ عليه ، ورجل تكأة : كثير الاتّكاء.

وفي التهذيب : وقال أبو عبيد : تكأة بوزن فعلة (١).

وفي الصحاح : رجل تكأة مثال همزة : كثير الاتكاء ...

فوزنه بـ « همزة » هو الأوفق بالاشتقاق ، وهو الذي استعمله أرباب المعاجم (٢)

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٣٣٤ / مادة « تكأ ».

(٢) نعم ، وزن الفيومي في المصباح « التكأة » اسما لما يتكأ عليه ـ لا بمعنى الكثير الاتكاء ـ بـ « رطبة ».

٣٧٣

كما رأيت بعض نماذج ذلك ، فلا وجه للعدول عن هذا الوزن.

* وفي مادة « دبأ » ، قال : الدّبّاء ، كتفاح : اليقطين. ثمّ عاد في مادة « دبب » فقال : الدّباء ، كثفّاء : القرع. فوزن نفس الكلمة تارة بـ « تفّاح » وهو الأوصح الاعرف ، وتارة أخرى بـ « ثفّاء ».

* ووزن في المثل من مادة « جلأ » ذرّوح بـ « سفّود » ، ثمّ عاد في مادة « ذرح » فوزن ذرّوح بـ « دبّوس ».

وربّما ادعى بعضهم أنّ هذا التفنن في الوزن إنّما هو للتدليل على براعة المصنف وإلمامه بلغات العرب ، والأوزان التي عليها كلماتهم ، ولكن هذا القول فيه تعسّف ، لأنّ الهدف من تأليف المعجم اللغوي ـ وكما قلنا ـ هو إيصال اللغة لطالبيها لا استعراض القدرات ، وأنّ المهم هو تفهيم القارئ بوزن الكلمة واشتقاقها من خلال تنظيرها بكلمة معروفة متداولة.

وإذا أردت التحقق مما قلناه فخذ مثلا لسوء عدم الالتزام بأوزان خاصّة في وزن الكلمات.

* ما في مادة « خرأ » قال : ومخرّئ كمحدّث : أحد جبلي الصفراء ، والآخر : مسلّح ، كمحدّث أيضاً.

وهذا النص ورد مضبوطا ضبط القلم في نسخة « ت » فقط ، مع أن كتب البلدان والسيرة النبوية والمغازي ناطقة بوزن هذين الجبلين بـ « مفعل » كمحسن ، وربّما ضبطا في بعض المصادر بفتح الميم « مفعل » ، وعلى كلا التقديرين فإنّ ضبطهما بالتشديد مما لم يذكره أحد.

وبمراجعة مادة « سلح » من الطراز ترى الضبط الصحيح الذي عليه المصادر ، حيث قال : « مسلح ... كمحسن أحد جبلي الصفراء » وفرّقه عما هو كمحدّث فانه اسم

٣٧٤

شعب ...

فلماذا إذن لم يضبطه ويزنه في مادة « خرأ » بـ « محسن »؟!

إنّ عدم التزام ألفاظ مخصوصة ، ولا ملحوظ فيها ما في أصل الكلمة الموزون بها ، مما يربك المعجم ويضيع على طالب العربية سهولة الفهم والتناول.

ولعلّ خير من ضبط الأوزان ورفع الخلل في هذا المجال ، هو صاحب معيار اللغة ، حيث قال :

إنّ القوم قد سلكوا مسلك الإهمال في مقام البيان ، واقتصروا في جلّ ما كتبوا في هذا الفن على الإعراب والإشكال دون ذكر الأوزان ، ووقعت كتبهم بأيدي المستنسخين الغير المطلعين من العرب والعجم ، فحصل فيها الزيادة والنقصان ... ولكنني لم أقتصر على ذكر الأوزان فضلا عن الاقتصار على الإعراب ، بل عقدت فصلا في المقدمة وأوردت فيه كلّ ما وزنت به من أول الكتاب إلى آخره ، وبيّنت حروفها وإعرابها ، كيما إن وقع في أثناء الكتاب زيادة أو نقصان أو تصحيف رجعوا إليها وصحّحوها (١).

وهذا النقص لم يسلم منه كتاب الطراز ، رغم أن مصنفه رفع كثيرا من مساوئ المعاجم اللغوية المتقدمة عليه.

ومن المآخذ على الطراز أنّه رغم استدراكه كثيرا من المواد واللغات عليهم إلاّ أنّه لم يذكر بعضها مما هو موجود ومدوّن في معاجم اللغة.

* فلم يذكر في الطراز ، مادة « ثطأ » مع أنّها ومفرداتها واستعمالاتها موجودة

__________________

(١) معيار اللغة ١ : ١ ـ ٢.

٣٧٥

مذكورة في الصحاح والعباب والتكملة والقاموس واللسان والتاج.

* وذكر في القاموس والعباب والتكملة والتاج مادتي « فلأ » و « فنأ » ، وذكر اللسان مادة « فنأ » دون « فلأ » ، ولم يذكر السيّد المصنف في الطراز لا مادة « فلأ » ولا « فنأ ».

ومن المآخذ عليه خطأه في ترتيب المواد اللغوية في بعض الأحيان ، حيث ذكر مادة « حفتأ » ثمّ « حفسأ » ثمّ « حفأ » ، وذكر القاموس « حفأ » ثمّ « حفسا » ولم يذكر « حفتأ » مع أنّه أحال عليها في مادة « حفت » ، وذكر الزبيدي في التاج « حفتأ » ثمّ « حفأ » ثمّ « حفسأ » ، والسيّد المصنف والزبيدي كلاهما أخطأ في الترتيب ، إذ المفروض أن يكون تسلسل المواد كالاتي : « حفأ » ثمّ « حفتأ » ثمّ « حفسأ ».

ورغم ما قلناه من سلاسة عبارته ووضوحها في مجمل الطراز ، إلاّ أنّه ربّما فاقت عبارات غيره في الوضوح عبارته ، لكنّ ذلك في موارد قليلة تضمحلّ وتندثر مقابل عبارته في كل الكتاب ، فإنه في مجمل كتابه يتوخى العبارة الواضحة السلسلة كما مرّ عليك ، وإذا جاء بعبارة ليست بهذا الوضوح فإنّما ذلك في المواطن التي مرّ قريبا بيانها من كتابه.

ففي مادة « كرفأ » مثلا قال : كرفأت القدر : كثأت. ولم يبين معنى « كثأت » ولم يقل : أزبدت للغلي ، ولم يراع مزيد الإيضاح في العبارة ؛ وذلك لقرب مرور مادة « كثأ » حيث قال فيها : كثأت القدر : أزبدت للغلي ، هذا هو منهجه العام في سلاسة العبارة ، لكنه ربّما تخطى عن ذلك كما :

* في مادة « ثفأ » حيث قال : ثفأ القدر : فثأها. وهذا تعريف بالأخفى أو المساوي ، ولم تأت مادة « فثأ » بعد ، فكان عليه شرحها بأن يقول : ثفأ القدر : فثأها ، أي سكّن غليانها بالماء ، كما هو دأبه في مثل هذه الموارد.

٣٧٦

* وفي مادة « ربأ » قال : مربأة البازي ميقعته. وهذا تعريف بالأخفى أو المساوي ، مما يحوج الطالب إلى مراجعة مادة « وقع » ، مع أن عبارات باقي المعاجم أوضح منها ، ففي اللسان والتاج وغيرهما : مربأة البازي : منارة يربأ عليها ، أو مكان البازي الذي يقف فيه.

وفي العباب : المربأة والمربأ والمرتبأ : المرقبة ، ومنه قيل لمكان البازي الذي يقف فيه مربأة.

* وفي مادة « قضأ » قال : قضئت العين : احمرّت وفسدت ورهل مأقها. مع أنّ عبارة القاموس واللسان أوضح ، حيث قالا : احمرّت واسترخت مآقيها.

وفي المحيط : قضئت عينه قضأ : أي قرحت (١).

وفي الجمهرة : قضئت عينه ... إذا فسدت (٢). وفي موضع آخر منه : قضئت عين الرجل : إذا احمّرت ودمعت (٣).

هذا وقد وقعت بعض الأغلاط في الطراز يترجّح قويّا أنّها من أغلاط النسّاخ ، لعدم حصولنا على مخطوطة الطراز التي بخط السيّد قدس‌سره (٤) ، ولأنّ وقوعها من مثله قدس‌سره شيء شبيه بالمحال.

وذلك مثل ذكره في الكتاب من مادة « جزأ » قوله تعالى : ( لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) الفريقين المختلفين في مدّة لبثهم ، أحدّهما : أصحاب الكهف ، والآخر : الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك ، أو كلاهما من أصحاب الكهف ، أو هما

__________________

(١) المحيط ٥ : ٤٦٣.

(٢) جمهرة اللغة ٢ : ٩١٠.

(٣) جمهرة اللغة ٢ : ١١٠٢.

(٤) وهي في مكتبة السماوي في العراق.

٣٧٧

طائفتان من المؤمنين في زمانهم اختلفوا في مدّة لبثهم.

وأعاد نفس الآية ونفس التفسير بتفاوت في العبارات في مادة « حزب » ولم نعثر على قراءة « أي الجزئين » ليصح إيرادها في مادة « جزأ » فيبقى احتمال الغلط من النسّاخ هو الراجح.

ومثل ذلك ما حصل في مواضع قد لا تتجاوز الثلاثة من تقديم المصطلح على الأثر ، أو المثل على المصطلح ، والذي يترجح أنّه من أغلاط النساخ.

يضاف إلى كل ذلك بعض الأخطاء التي أشرنا إليها في هوامش التحقيق ، وبعض اللغات التي فاته ذكرها ـ برغم شموليته في مثل هذه المواطن كما ذكرنا سابقا ـ كما في مادة « هأهأ » حيث ذكر « هئ هئ » دعاء للإبل للعلف ، ولم يذكر « هأهأ » مع أنّها مذكورة في معاجم اللغة.

لكن الحصيلة النهائية التي يقف عليها الباحث بوضوح وجلاء هي أنّ معجم الطراز هو الاول في بابه مملوء بالمحاسن ، تضجّ صفحاته بالاستدراكات والنقودات ، وهو خال من كثير من معايب ونواقص المعاجم اللغوية ، سالم من الحشو والغثاء ، جديد مبتكر في طريقته ، مبتكر في منهجيته ، وما وقع فيه من النواقص قد لا يعدّ شيئا في قبال محاسنه ، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ السيّد المصنف صنفه في أخريات سنيّ حياته الشريفة ، وأنّه كان مصابا بعلل الشيخوخة وأمراضها ، وعلى نسخة سبطه علي اصغر حكمت الشيرازي من الطراز ما يدلّ على ذلك وتضرّعه إلى الله وتوسّله بالنبيّ وآله لنيل الشفاء ، فتكون بعض النواقص مرجعها إلى النسّاخ كما عرفت ، وبعضها لعدم امتداد العمر به ليتم كتابته وتنقيحه ومراجعته ، مضافا إلى علته وكبر سنه ، ونحن على يقين أنّه لو كان قد امتدّ به العمر فأتم كتابه وراجعه ونقحه وأضاف إليه ، لجاء الكتاب أجود بمرّات مما هو عليه الآن.

٣٧٨

قصة الكتاب

قبل برهة من الزمن لفت نظري مقال قرأته في صحيفة عربية مفاده : أن الشيعة يدّعون بأنّهم هم الذين أسّسوا علوم الإسلام ، لقول الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لأبي الأسود الدؤلي : الكلمة : اسم وفعل وحرف ...

ثمّ تهجّم صاحب المقال على الشيعة ، فقال : العكس هو الصحيح ، فالشيعة اليوم هم عيال على أهل السنة والجماعة ، لكونهم يأخذون النحو والصرف واللغة والبلاغة منهم ، ولو راجعت مراكز الإشعاع الفكري عندهم كالنجف وكربلاء وقم ومشهد ... لرأيتهم يعتمدون الكتب السنيّة في حوزاتهم العلمية كقطر الندى ، والمغني ، وألفية ابن مالك ، وشرح ابن عقيل ، والسيوطي ، والمختصر ، والمطوّل للتفتازاني إلى غير ذلك.

فابن هشام سنّيّ حنبلي ، وابن عقيل والسيوطي والتفتازاني و ... سنيّون شافعيّون ، فكيف بهؤلاء الشيعة وقولهم أنّهم هم الّذين أسّسوا العلوم؟؟!!

قال هذا صاحب المقال وكأنّه لا يعلم بأن كثرة الكتب المؤلفة في النحو والصرف لا تنافي كون الإمام عليّ هو مؤسس علم النحو والصرف و ...

وكذا تغافل الكاتب عن أنّ هناك فرقا بين العلوم الآلية والعلوم الاستقلالية ، فعلم النحو والصرف واللغة والبلاغة وأمثالها إنّما هي من العلوم الآلية والتي يستعين بها الطالب على فهم كلام العرب ، فلا ضير ولا اشكال في أخذ الشيعيّ بكتاب السني أو السنيّ بكتاب الشيعي ، وهما معا يمكنهم الاخذ بكلام المسيحيّ أو اليهودي كما هو الملاحظ اليوم ، حيث يرجع كلاهما بلا حذر إلى كتاب المنجد وهو كتاب

٣٧٩

لشخص مسيحيّ وقد تعهدت الكنيسة الكاثوليكية ومطبعتها بطبعه ونشره!!

ولا أدري كيف خفي على الكاتب ما للشيعة واتباع أهل البيت من دور في علوم الإسلام؟! ولم هذا التحامل عليهم؟!

ألم يكن الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ وهو إمام النحو العربي وأستاذ سيبويه ورائد العمل المعجمي العربي ـ من الشيعة؟!

ألم يكن الصاحب بن عبّاد صاحب المحيط ـ والذي مدح أهل البيت بما شاء الله من الشعر ومن الأبيات والقصائد ، والذي نقش على خاتمه « على الله توكلت وبالخمس توسّلت » ـ من الشيعة؟!

ألم يكن ابن دريد صاحب الجمهرة من الشيعة؟! وهو الذي قد جرح لذكره مناقب أمير المؤمنين كمنقبة ردّ الشمس لعلي عليه‌السلام وغيرها من مناقبه؟!

ألم يكن ابن السكّيت من الشيعة؟! وهو الذي قتله المتوكل حين سأله عن ابنيه ـ المعتز والمؤيد ـ أهما أحبّ إليك أم الحسن والحسين؟ فقال ابن السكيت : « والله إنّ قنبرا خادم عليّ خير منك ومن ابنيك ».

ألم يكن يحيى بن يعمر الوشقي العدواني الّذي نقّط المصاحف من الشيعة؟!

ألم يكن نجم الأئمّة الرضيّ الاسترابادي من الشيعة؟!

وألم يكن الشريفان الرضىّ والمرتضى من الشيعة؟!

ألم تطبع تركيا ومصر ـ وحديثا جامعة قاريونس / ليبيا ـ شرح نجم الأئمّة الرضيّ الاسترابادي الشيعي على الكافية؟!

وألم تدرّس نصوص أعلام الشيعة كالرضيّ والمرتضى في جامعة بغداد والقاهرة و ...

وألم وألم ...

٣٨٠