الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

المرأة كثيره الاولاد شبهت بالجرادة.

* وقال في مادة « شنأ » : وشنئت لك هذا فلا أرجع فيه أبدا ، إذا طابت له نفسه به ؛ لأنّه إذا شنئه أعطاه لبغضه إياه ، وإذا أحبّه منعه. ومنه شوانئ المال : لما لا يضنّ به ، كأنّها شنئت فلم تمنع.

وهذا الاستعمال لم يذكره الزمخشري في المجاز ، وذكروه عن ابن الاعرابي بدون تفسير ، وفسّره اللحياني ، لكنّه لم يبين وجه المجازية.

* وفي مادة « وطأ » قال : ومن كلامهم : أعوذ بالله من طئة الذليل ـ كعده ـ أي من أن يطأني ؛ لأنّ وطأته اشدّ ؛ لسوء ملكته.

وعلة اختصاص هذا العياذ بالله من خصوص وطئة الذليل ، فذكره السيّد المصنف قال في اللسان : قال ابن الاعرابي : دابة وطيء بيّن الطّأة بالفتح ، ونعوذ بالله من طئة الذليل. ولم يفسره. وقال اللحياني : معناه من أن يطأني ويحقرني.

وفي التاج : ونعوذ بالله من طئة الذليل ، ومعناه من أن يطأني ويحقرني ؛ قاله اللحياني.

فذكروه ولم يذكروا العله ، فذكرها السيّد المصنف بقوله ؛ لأنّ وطأته اشدّ ؛ لسوء ملكته.

* وفي مادة « هزأ » ، قال : مفازة هازئة بالركب : أي فيها سراب ؛ كأنّ السراب بها يهزأ بالقوم. وغداة هازئة : شديدة البرد ؛ كأنّها تهزأ بالناس حين يعتريهم الانقباض والرعدة.

والذي في الاساس : مفازة هازئة بالركب : أي فيها سراب وهزّاءة بهم ، والسراب يهزأ بالقوم ويتهزأ بهم. ولم يذكر العلة « كأن السراب بها يهزأ بالقوم » فجاء بها السيّد المصنف موضحا وجه الاستعمال. وأما « غداة هازئة » فقد ذكر وجه الاستعمال

٣٠١

كالزمخشري تماما.

* وفي مادة « وكأ » قال : ضربه حتّى أتكأه ، كأضجعه : أي القاه على هيئة المتكئ. فبين الوجه والعلاقة كما صنع الزمخشري في الاساس.

* وقال في مادة « جرب » : حرب جرباء : شديدة تجرب من قارفها ، أي تهلكه ، كالناقة الجرباء التي تجرب ما قارفها من الإبل. وهذا الاستعمال لم نعثر عليه في المعاجم اللغوية المتداولة ، ولم يذكر في الاساس ، وهو صحيح قطعا ؛ لما ذكره السيّد المصنف من وجه المجازية.

* وقال في مادة « برد » : اذاقك الله البردين : برد الغنى وبرد العافية ، والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهناءة ، أنّ الهواء والماء لمّا كان طيبهما ببردهما ـ خصوصا في أرض الحجاز وتهامة ـ قالوا : هواء بارد ، وماء بارد على سبيل الاستطابة ، ثمّ كثر حتّى قيل عيش بارد ، وغنيمة باردة.

وهذا الاستعمال ، والوجه المصحح له في المجاز لم يذكر في موضعه من المعاجم ، وهو صحيح قطعا طبق ما قرره السيّد المصنف من وجه العلّة المصححة له في المجاز.

وقريب من هذا ما ذكره رحمه‌الله من قوله : وبرده كقتله زنة ومعنى. وهذا ما لم يذكروه ، بل اقتصروا على ذكرهم برد بمعنى مات ، كأنّه عدم حرارة الروح.

ومثلها قوله رحمه‌الله : بردت الحديد : إذا سحلته ؛ كأنّك قتلته. والمذكور في القاموس والتاج والجمهرة واللسان والصحاح وغيرها هو « بردت الحديد إذا حككته بالمبرد » دون ذكر العلّة التي ذكرها السيّد المصنف من التشبيه بالقتل ، وبالتالي وضعه في المجاز.

* وفي مادة « جزز » قال : قطع الله جزاجزه : مذاكيره ؛ شبهت بالجزاجز من الصوف

٣٠٢

تعلّق على الهودج. وهذا الاستعمال لم يذكر في الاساس ، وذكر في القاموس وغيره « الجزاجز المذاكير » فقط ، ذكروها وقالوا أنّها مذاكير البعير ، واضعيها في قسم الحقيقة ، أي دون تنبيه على أنّها من المجاز ، ودون ذكر للعلة التي ذكرها السيّد المصنف التي جعلتها من المجاز.

* وقال في مادة « لوز » : وهي ملوّزة العينين : في شكل اللوزتين ، غير مدوّرتين. وهذا المعنى لم نعثر عليه في هذا الموضع من المعاجم المتداولة ، نعم ذكروا في مادة « مسح » قولهم : المسحاء : النجفاء التي عينها ملوّزة ، ولم يشرحوا العين الملوّزة ، ولا ذكروا ما ذكره السيّد المصنف من أنّها من المجاز تشبيها بشكل اللوزة فهي ليست مدوّرة.

* وقال في مادة « بصص » : وبصبص عندي بذنبه : أي تملّق ؛ كما يبصبص الكلب طمعا.

وقد اقتصر في الصحاح واللسان والقاموس والتاج وغيرها على قولهم التبصبص التملّق ، وتبصبص : تملّق.

وأما الزمخشري في الاساس فانه ذكر العلّة المصحّحه له ، فقال : وبصبص عندي بذنبه إذا تملّق. وسكت عن ذكر العلّة ، فذكرها السيّد المدني موضحا أنّ ذلك مأخوذ من بصبصة الكلب بذنبه عند الطمع أو الخوف.

وبعد كل ما ذكرنا من ميزات الطراز الأول في اللغة العامة والمجاز ، يظهر واضحا أثر السيّد المصنف في اغناء اللغة العربية وذكر مفرداتها واستعمالاتها ، الحقيقية والمجازية ، كما يتضح أثره ودقته في تطوير العمل المعجمي للّغة العربية ، وهو بنفس الوقت يدلنا بما لا يقبل الشك على أنّ اللغة العربية بحر لا يدرك ساحله فضلا عن عمقه وعبابه ، وعلى أنّ الحاجة ما زالت قائمة للقيام بعمل معجمي ضخم

٣٠٣

شامل يجمع اكبر قدر ممكن من لغات العرب ومفرداتها وألفاظها واستعمالاتها ، فإن هناك الكثير الكثير مما لم تحوه الاسفار والكتب المختصة بالعمل المعجمي حسبما عرفناه من نهج السيّد المصنف ، إذ استدرك قدس‌سره ، قسما كبيرا وحظا وافرا منها ، فحقّ بعد هذا أن يعدّ هذا الامام من مجدّدي اللغة ومطوّري العمل المعجمي للغة العربية.

٣٠٤

الكتاب العزيز

أفرد السيّد المصنّف الكتاب العزيز بالذكر بعد انتهائه من بيان الفصول اللغوية ، وإحاطته بكلام العرب ولغاتها ، وقد تقدم القول في بيان أهميّة هذا الإفراد وتسهيله التناول ، وانه منهج جديد لم نعهد أحدا من اللغويين سبقه إليه.

أ ـ إنّ المؤلف لم يقتصر في منهجه على محض التفسير اللغويّ ، ولم يقف عند ما قاله الفراء والنحاس والزجاج وابن جني وغيرهم من أساطين اللغة ، بل راح يعتني ببيان الوجه المراد من الآية ، فصبّ جلّ اهتمامه على التفاسير المعتبرة ، وأخذ الزبدة منها ، وانتخاب ما يراه هو ; أقرب إلى معنى الآية ، فلذا يذكر تارة ما في تفسير الكشاف ، وأخرى ما في تفسير أبي السعود ، و و و ...

* ففي الكتاب من مادة « بوأ » ذكر قوله تعالى : ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) أي تتحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان قبل قتلي ، أو ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك.

والمراد بإرادة تحمل الإثم عقوبته ؛ لأنّ المظلوم يريد عقاب الظالم ، فلا يرد « كيف جاز ان يريد معصية أخيه وكونه في النار »؟

وهذا التفسير مأخوذ من كشاف الزمخشري بأدنى تفاوت (١).

__________________

(١) الكشاف ١ : ٦٢٥.

٣٠٥

* وأخذ من الزمخشري في نفس المادة تفسير قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما اشدّ تمكّن ، على تنزيل الحال منزلة المكان ، أو ضمّن التبوّء معنى اللزوم ، أو تبوّءوا الدار وأخلصوا الإيمان ، على حد :

علفتها تبنا وماء بارداً

أو تبوّءوا دار الهجرة ودار الإيمان ، فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأوّل وعوّض عنه اللام ، أو تسمّى المدينة بالإيمان لانها مظهره ومصيره (١).

* وصرّح في مادة « جيأ » بأخذه عن الزمخشري ، فقال في قوله تعالى : ( فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ ) ألجأها واضطرّها الطلق ، قال جار الله : هو منقول من « جاء » إلاّ أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء (٢).

* وقال في مادة « قرأ » : ( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) قال الأصمعي : جاء هذا على غير قياس ، والقياس وثلاثة اقرؤ ، لأنّ القروء للجمع الكثير ، ولا يجوز ان يقال ثلاثة فلوس ، بل ثلاثة أفلس ، فإذا كثرت فهي الفلوس.

وأجيب بأن المراد ثلاثة من القروء ، أو لمّا كانت كل مطلّقة يلزمها الكثرة ، فالقروء كثيرة وإن كانت في القسمة ثلاثة ، أو هو من إيراد جمع الكثرة في مقام جمع القلّة بطريق الاتساع ، فإن ايراد كلّ من الجمعين مكان الآخر شائع ذائع.

والزمخشري في كشافه لم يذكر الا الوجه الأخير ، فلم يقتصر السيّد المصنف على صنيعه ، ورآه ـ والحق معه ـ ناقصا ، فجاء بالأوجه الثلاثة ، وهي مذكورة في

__________________

(١) الكشاف ٤ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥.

(٢) الكشاف ٣ : ١١.

٣٠٦

كتاب الإملاء لأبي البقاء العكبري (١).

* وقال في مادة « ذنب » : ( ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) جميع ما فرط منك ممّا تعدّه ذنبا ؛ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو ذنب أمتك بشفاعتك ، وإضافته إليه للاتصال بينه وبينهم ، أو ذنبك عند المشركين حيث دعوت إلى التوحيد فيما تقدّم وتأخّر.

وهذه الوجوه التفسيرية مأخوذ بعضها بتلخيص من تفسير مجمع البيان (٢) ، أو نراها موجودة في مجمع البحرين (٣) وأضاف الرأي الأول إليها ، وقد ذهب السيّد إلى هذا التفسير لأنّه يمثّل الوجه الشيعي الإمامي الصحيح في تفسير هذه الأية الكريمة ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد البشر ، معصوم ، ليس له شيء من الذنوب ، ولذلك احتج إلى شرح هذه الآية المباركة ، وهذا ما لم يصنعه اللغويون لأنّهم يفسرون الذنب طبق اللغة فقط دون ملاحظة المنسوب إليه هذا الذنب ، وهو الرسول المطهر من الرجس والذنب.

* وقال في مادة « ردد » في تفسير قوله تعالى : ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ ) أي حكمه وجزائه ، وفي الردّ إشارة إلى ان الروح كانت موجودة قبل البدن فتعلقت به زمانا ثمّ ردّت إلى موضعها الاصلي من عالم الارواح بحكم : ( ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ).

وهذا التفسير مأخوذ معناه من التفسير الكبير للرازي (٤).

* وقال في نفس المادة في تفسير قوله تعالى : ( وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا ) ، أنرجع إلى الشرك والكفر بإضلال المضلين ، والتعبير عنه بالردّ على الاعقاب ؛ لزيادة تقبيحه

__________________

(١) املاء ما منّ به الرحمن ١ : ٦٩.

(٢) مجمع البيان ٥ : ١١٠ ـ ١١١.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٥٩.

(٤) التفسير الكبير ١٣ : ١٧.

٣٠٧

بتصويره بصورة ما هو علم في القبح ؛ اذ كان إدبارا بعد الإقبال مع ما فيه من الاشارة إلى ان الكفر حالة قد نبذت ظهريّا. ومثله : ( لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ ). وهذا التفسير مأخوذ من تفسير أبي السعود (١).

هذا ، والحقّ هو ان السيّد المصنف أكثر من الأخذ من الزمخشري في كشافه ، والطبرسي في مجمع بيانه ، والاعتماد عليهما ، وإن أخذ عن غيرهما الكثير أيضا ، وأضاف هو من بنيّات أفكاره وأبكارها ، ما استقاه من تفاسير آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد اعتنى السيّد المصنف أيضا في خلال فصله لـ « الكتاب » بأراء أهل التأويل والباطن ، فذكر شيئا لا يستهان به من آرائهم وتفسيراتهم.

* ففي مادة « برأ » صرّح بالأخذ عن الغزالي ، وذلك في تفسير قوله تعالى : ( هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ). قال : قال الغزالي :

قد يظنّ أنّ هذه الثلاثة مترادفة. راجعة إلى الخلق والاختراع ، والأولى أن يقال : ما يخرج من العدم إلى الوجود يحتاج اوّلا إلى التقدير ، وثانيا إلى الايجاد على وفق التقدير ، وثالثا إلى التصوير والتزيين ، كالبناء ، يقدّره المهندس ، ثمّ يبنيه الباني ، ثمّ يزيّنه النقاش ، فالله سبحانه خالق من حيث أنّه مقدّر ، وبارئ من حيث إنه موجد ، ومصوّر من حيث إنه يرتب صور المخترعات أحسن ترتيب ويزيّنها أكمل تزيين.

* وقال في مادة « فأد » في شرح قوله تعالى : ( الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) تعلوها وتشتمل عليها ، وتخصيصها بالذكر لما انّ الفؤاد الطف شيء في البدن واشدّه تألّما بأدنى اذى يمسّه ، فكيف إذا علته نار جهنم وغشيته ؛ لأنّه محل الكفر والعقائد الفاسدة والنيّات الخبيثة ، فهو اشدّ تعذيبا من سائر الجسد.

__________________

(١) تفسير أبي السعود ٣ : ١٤٩.

٣٠٨

وعند أهل التأويل : إذا كانت النار أمرا معنويا فلا ريب انه لا يتألّم بها إلاّ الفؤاد ، الذي هو محل الادراكات والعقائد.

فلاحظ نقله لآرائهم وعنايته بها ، مع أنّها قد لا تكون من اللغة في شيء. بل هي خلاف الظاهر قطعا ، وإلاّ فكيف ساغ ان تكون النار معنوية غير مادية. ومثل هذه النقول تجدها متناثرة في الكتاب ، يوردها السيّد في مناسباتها ، فهو في الكتاب يفسّر المعنى اللغوي ، ثمّ المعنى المراد من خلال آراء المفسّرين وعقائد الفرقة الحقة ، كما أنّه يذكر آراء أهل الباطن والتأويل في تفسير بعض الآيات.

ب ـ وفي جانب ثان لاحظنا عناية السيّد المصنف بالقراءات القرآنية ، وإيراده بعض القراءات طبق المادة اللغوية المبحوث فيها الكتاب العزيز ، وإن كانت قراءة المصحف اليوم لا تناسب وضعها في المادة المبحوث عنها.

* ففي الكتاب من مادة « ربأ » قال :

« اهتزّت وربأت » ، هكذا قرأ أبو جعفر بالهمز في السورتين الحج وفصّلت ، أي ارتفعت ؛ لأنّ النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض.

فهنا نراه يذكر الآية الشريفة في « ربأ » بناء على قراءة من القراءات ، ويشرحها بمعنى الارتفاع ، وهي طبق قراءة المصحف ( اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ* ) فهي من المقصور « ربا » لا من المهموز « ربأ » ، قال الراغب في مفرداته : ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ* ) أي زادت زيادة المتربّي.

* وفي مادة « رجأ » قال في قوله تعالى :

( قالوا أرجئه وأخاه ) أخّر أمره وأمر أخيه ولا تعجل بقتلهما ، وعن الكلبي : احبسه وأخاه ، وهو خلاف اللغة ، إلاّ أن يقال « حبس المرة نوع من التأخير في أمره ».

٣٠٩

ففسر الآية من خلال قراءة « أرجئه » ولذلك جاء بها « رجأ » وفسّرها من الإرجاء بمعنى التأخير ، مع انها في قراءة المصحف بترك الهمز « أَرْجِهْ » في اللسان : أرجأ الأمر : أخّره ، وترك الهمزلغة. وقال ابن السكيت : أرجأت الأمر وأرجيته : إذا أخّرته. وقرئ : أَرْجِهْ وأرجئه. فالآية على قراءة المصحف لا بد أن تفسر في « رجا » المقصور (١).

* ومثل ذلك قوله تعالى :

( وآخرون مرجوون لامر الله ) مؤخرون موقوفون لما يرد من الله فيهم من عذاب أو توبة. وقراءة المصحف : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ).

* ومثل ذلك قوله تعالى :

( ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ) تؤخر من تشاء منهن وتضمّ اليك من تشاء ، أي تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء ، أو تطلّق من تشاء وتمسك من تشاء ، أو لا تقسم لأيّتهنّ شئت وتقسم لمن شئت ، وكان عليه‌السلام يقسم بين أزواجه فابيح له ذلك ، أو تترك تزويج من شئت من نساء أمّتك وتتزوج من تشاء ، وكان عليه‌السلام إذا خطب امرأة لم يكن لغيره ان يخطبها حتّى يدعها.

* وفي مادة « نوأ » قال :

( وَنَأى بِجانِبِهِ ) قرأ أبو جعفر « وناء » كجاء ، وهو إمّا من النوء بمعنى النهوض مستثقلا ، فيكون عبارة عن الاستكبار ، كما يقال « شمخ بأنفه » ، وإما مقلوب « نأى » أي بعد بنفسه عن شكر النعمة. فهي على

__________________

(١) انظر مادة « رجا » من اللسان.

٣١٠

قراءة المصحف وعلى القلب تكون من مادة « نأي » ، وعلى معنى النهوض تكون من « نوأ » وعلى هذا التفسير والمعنى ذكرها السيّد المصنف في « نوأ ».

وذكر القراءات كثير في فصل الكتاب ، لكنّ الحقّ ان القراءات أكثر بكثير مما ذكره السيّد المصنف ، وقد فاته أن يذكر الكثير منها ، كما في مادة « فرأ » حيث قال : « وأمر فريء : عظيم ؛ لغة في المعتل » ، وهنا كان من الأنسب أن يذكر في الكتاب قوله تعالى ( لقد جئت شيئا فريئا ) ، فإنّ ابن حيوة قرأ بها في سورة مريم (١).

ج ـ وفي الكتاب من الطراز تظهر ميزة جميلة جدّاً ، ومنهجية جديدة في تناول تفاسير « الآيات » التي تخصّ أهل البيت عليهم‌السلام.

دون الاقتصار على شرحها بمجرّد اللغة ، بل يتناول المراد من الآية أو الآيات المباركة ، طبق ما ورد عن السنّة الشريفة ، وأقوال الأئمّة عليهم‌السلام ، وذلك ما أغفلته كتب اللغة أو تغافلت عنه (٢).

* ففي الكتاب من مادة « نبأ » قال :

( عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) هو القرآن ؛ لإنبائه بالغيب ، أو بناء البعث والقيامة ، أو ما اختلفوا فيه من إثبات الصانع وصفاته وسائر آياته ونبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي اخبار أهل البيت هو عليّ عليه‌السلام ، وفي ذلك يقول القائل :

__________________

(١) انظر معجم القراءات القرانية ٤ : ٤٣.

(٢) يستثنى من ذلك مجمع البحرين الذي عنى عناية فائقة بذلك ، لكنّه ليس معجما لغويّا ، بل هو كتاب مختص موضوعه بغريب الكتاب والأثر.

٣١١

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

وبكلّ من ذلك فسّر قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ) ، أو هو هنا ما أنبأ به من قوله قبله ( قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ).

وهذا التفسير وارد عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وموجود متناقل في كتب الفريقين ، وقد أنشد فيه الشعراء فأكثروا ، وقذ ذكر السيّد المصنف قول الناشئ الصغير المتوفى ٣٦٥ ولم يعزه لقائل لأنّ من المصادر القديمه ما ذكر هذا الشعر لعمرو بن العاص (١) ، ولم تذكر هذا التفسير كتب اللغة ، إخلالا منها بما هو الحق اليقين ، ولكنّ الحقيقة لا تهتضم ، فإذا اهتضمت انتصرت لنفسها.

* وفي مادة « دبب » قال في الكتاب :

( أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) هي من اشراط الساعة ينشق لها الصفا فتخرج منه ، أو من المسجد الحرام ، أو من شعب جياد ، أو شعب أبي قبيس ، أو الطائف ، ليلة الجمعة ، والناس سائرون إلى منى ، معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتضرب المؤمن بالعصا بين عينيه فتنكت نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتّى يضئ لها وجهه ، وتكتب بين عينيه « مؤمن » وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه ، فتفشو النكتة حتّى يسودّ لها وجهه ، وتكتب بين عينيه « كافر ».

وروى عن عليّ عليه‌السلام : انها ليست بدابة لها ذنب ، ولكن لها لحية ، كأنه

__________________

(١) انظر الغدير ٤ : ٢٨. ونسب أيضا في بعض المصادر إلى ابن الفارض.

٣١٢

يشير إلى أنّها رجل.

وعن ابن عباس : انها دابة من دواب الارض لها زغب وريش واربع قوائم.

وهذا المروي عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام غير موجود في كتب اللغة ، وهو موجود في كتب التفسير الشيعية ، وهذا المروي من ادلة الرجعة ، ورجوع أمير المؤمنين عليه‌السلام عند ظهور الحجة عجل الله فرجه.

* وفي مادة « قلب » قال في الكتاب :

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ترددك في تصفّح أحوال المتهجدين من أصحابك ، روى أنه لما نسخ فرض التهجّد طاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيوت أصحابه يتصفح ما هم عليه ، فوجدها كبيوت الزنابير ذكرا وتلاوة.

أو تصرّفك في المصلّين بالقيام والركوع والسجود إذا أقمتهم.

أو تنقل روحك من ساجد إلى ساجد ؛ لقوله عليه‌السلام : « لم ازل انتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ».

وهذا الرأي الأخير ، هو الذي عليه شيعة آل محمّد أخذا عن ائمتهم ، وهو معنى تواتر عندهم في الروايات والادعية والزيارات ، مثل ما ورد في زيارات الحسين عليه‌السلام : اشهد أنك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة ، لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها.

وقد استدل الامامية بهذه الآية والاحاديث الواردة في شأنها ، على طهارة آباء وامهات النبيّ والأئمّة ، من الرجس والفواحش والزنا والكفر والشرك ، وانهم كانوا جميعا مسلمين مؤمنين ، خلافا لما ذهب إليه من الرّشد في خلافهم من كفر عبد الله والد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى طالب والد عليّ عليه‌السلام ، وغيرهما من آبائهما الكرام.

٣١٣

* وفي مادة « شهد » قال في الكتاب :

( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ) المراد بـ « من كان » محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والبينة : القرآن ، ويتلوه شاهد من الله هو جبرئيل ؛ نزل بأمر الله ، أو شاهد من محمّد هو لسانه ، أو شاهد هو بعض محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ... إلى آخر ما قاله في تفسيرها.

وهذا الوجه الأخير هو الذي عليه ائمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو المروي عنهم بلا خلاف ، وقد رواه الأعلام من أبناء العامة في كتبهم وتفاسيرهم ومجاميعهم الحديثية ، لكن كتب اللغة لم تذكر ذلك ، لما أسّسه الاولون ، فتلاقفه الآخرون ، غافلين أو متغافلين عما ورد في شان آل محمّد من الآيات الكريمة.

* وفي مادة « عهد » قال في الكتاب :

( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) هو العهد بالامامة المطلوبة ، أي من كان ظالما من ذريتك لا يناله عهدي إليه بها ، وانما ينال من ليس بظالم ، وهذا ليس ردّا لدعوته عليه‌السلام بل إجابة لها ، وإسعاف لطلبته بأبلغ معنى ، وذلك انه طلب الامامة لأولاده المؤمنين لا محالة ؛ لعلمه بأنّها لا تصلح للكفرة والظلمة ، فأجيب بانها لا تتعداهم إلى غيرهم ، كما إذا قيل لمن اشرف على الموت : أوص لابنك بشيء ، فيقول : لا يرث مني اجنبي ، أي كل ما يبقى منّي فهو لابني ، فكيف أوصي لهم بشيء.

وفيه دليل على عصمة الأنبياء ، وعدم صلاحية الظالم للإمامة. انتهى.

٣١٤

وهذا الذي ذكره السيّد المصنف هو خلاصة راي الإمامية في الآية الشريفة ، وجماع ما أتى عن أهل البيت في تفسيرها ، وفي استدلالهم بها على وجوب عصمة الإمام ، وأنّ من تلبس بالظلم ولو آنا ما فإنّه لا يصلح للإمامة ولا يناله العهد.

ففي الكافي مثلا ، بسنده عن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل ، قال : فقال تعالى : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) فقال الخليل عليه‌السلام سرورا بها ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ، قال الله تبارك وتعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة (١).

* وفي مادة « كثر » قال في الكتاب :

( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) هو الكثير من الخير ، أو نهر في الجنة لا يظمأ من شرب منه ابدا ، أو نهر فيها تتفجر منه الانهار ، أو نهر فيها أعطاه الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوضا عن ابنه ، أو حوضه الذي ترد عليه امته يوم القيامة ، أو النبوة ، أو الكتاب ، أو الشفاعة ، أو كثرة الأصحاب والاتباع ، أو كثرة النسل والذرية ؛ فقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد ابنته فاطمة عليها‌السلام ، حتّى لا يحصى عددهم ، واتصل إلى يوم القيامة مددهم ، وكلّ داخل في الخير الكثير.

فشرحه للآيه بكثر النسل والذرية يوافق ما عن أهل البيت خصوصا بملاحظة تعبير قريش إياه بانه أبتر لا عقب له ، فعوّضه الله بالذرية من الزهراء عليها‌السلام ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كل نسب وسبب منقطع إلى يوم القيامة الا نسبي وسببي ». وهذا التفسير موافق للغة والاحاديث وشان النزول. وقد اغفلته كتب اللغة ، مقتصرة على ذكر باقي

__________________

(١) الكافي ١ : ١٩٩. وانظر الكافي ٢ : ٦٠٠ كذلك.

٣١٥

المعاني.

* وفي مادة « عبس » قال في الكتاب :

( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ذهب اكثر المفسرين على أنّ الذي عبس هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأعمى هو ابن ام مكتوم ، وذلك أنه اتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فقال : يا رسول الله أقرئني وعلّمني مما علّمك الله ، وكرّر ذلك وهو لا يعلم شغله بالقوم ، فكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت.

وقيل : انها نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء ابن ام مكتوم ، فلما رآه تقذّر منه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكر عليه.

والتفسير الاول هو ما اطبقت عليه تفاسير العامة ، والثاني ما اطبقت عليه تفاسير الإمامية ، وقد روي عن الصادق عليه‌السلام ان الآية نزلت في رجل من بني امية كان عند النبيّ فجاء ابن ام مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكر عليه (١).

فقد ذكر السيّد الرأي الصائب لأهل البيت عليهم‌السلام ، آخذا العبارة من حديث جعفر بن محمّد الصادق عليهم‌السلام ، في حين ان الكتب اللغوية لم تتطرق إلى هذا التفسير ولا أشارت إليه.

__________________

(١) انظر مجمع البيان ٥ : ٤٣٧.

٣١٦

د ـ وتظهر إلى جانب هذه الميزات المذكورة ميزة أخرى ، وهي تدقيقه في تفسير بعض الآيات التي أشكل تفسيرها ، وطرحه رأيه هو مستندا إلى ما عنده من ادلّة وشواهد.

ففي مادة « لألأ » ذكر رأيا انفرد به من بين المفسرين في تفسير قوله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) ، حيث ذكر الآراء المطروحة في تفسير الآية الكريمة ، ثمّ لم يرتض ذلك حتّى طرح رأيه الذي حققه هو بنفسه رحمه‌الله ، قال :

( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) أي من البحرين الملح والعذب ، قالوا : نسبة خروجهما إلى البحرين ـ مع أنهما لا يخرجان إلاّ من الملح ـ لأنهما انما يخرجان من ملتقى الملح والعذب ، أو لأنّهما لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد صحّ نسبته إليهما ، وقيل هو على حذف المضاف ، أي من أحدهما (١).

والحقّ أنّ اللؤلؤ يخرج من البحر الملح ، ومن الأمكنة التي فيها عيون عذبة في مواضع من البحر الملح ، كما شوهد ، ويؤيّده قوله تعالى : ( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ). بل قال يحيى بن ماسويه في كتاب الجواهر : مغاص الصين في الماء العذب في خور الصين ، وهو مغاص كبير يخرج منه متاع كثير ، ويقع فيه اللؤلؤ الكبار. فلا حاجة إلى هذه التكلّفات.

__________________

(١) هذه الآراء الثلاثة ، ذكر الزمخشري في كشّافه الاثنين الأولين منها انظر الكشاف ٤ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، وذكرهما الطبرسي أيضا في ممع البيان ٥ : ٢٠١. وأمّا الرأي الأخير فهو راي أبي علىّ الفارسي كما في تفسير القرطبي ١٦ : ٢٩.

٣١٧

وهنا تظهر عبقرية السيّد المصنف ، وضلوعه في علم التفسير ، غير مقتصر على مجرّد النقل دون التحقيق والتدقيق ، بل جامعا بين النقل والتحقيق ، والمعنى اللغوي والمرويّ ، مع عنايته بالقراءات وجمعه لأقوال المفسرين حتّى أهل التاويل والباطن منهم ، ومع كل ذلك كان رحمه‌الله يتحف كل ذلك بارائه القيمة وتحقيقاته الرشيقة التي ينفرد بها ، معرضا عن التكلف والابعاد في التفسير ، مع وجود حقائق ملموسة على صحة ما يذهب إليه.

٣١٨

الأثر

كان النزاع محتدما منذ أقدم العصور بين اللغويين والنحويين في صحّة الاحتجاج بالحديث النبوي ، وعدم صحّته ، وذهب بعضهم إلى عدم صحة الاحتجاج به ، معللّين ذلك بأنّ الرواة ربّما نقلوا بالمعنى ، ومنهم رواة أعاجم مضافا إلى أنّ منهم اللحّانين ، إلى غير هذه الوجوه ممّا حاول المعلّلون لعدم الاحتجاج بالحديث النبوي التمسّك به.

وكان أوّل من أثار هذه الزوبعة ، هو سيبويه الذي لم يحتج في كتابه « الكتاب » بالحديث النبوي ، بل لم نجد في فهرست أحاديث كتابه الضخم إلا سبعة أحاديث نبوية ، وقد أثّرت عظمة هذا الكتاب على اللاحقين فراحوا يتّبعون أثره ويصطنعون المعاذير لسيبويه والتبريرات لصنيعه ذاك.

وادعى ابن الضائع الأندلسي المتوفى سنة ٦٨٠ ه‍ وأبو حيان الأندلسي المتوفى سنة ٧٤٥ ه‍ أنّ أئمة المصرين البصرة والكوفة لم يحتجوا بشيء من الحديث النبوي.

قال الدكتور مهدي المخزومي : « أما الحديث فلم يجوّز اللغويون والنحاة الأوّلون كأبي عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر ، والخليل بن أحمد ، وسيبويه من البصريين ، وكالكسائي والفراء وغيرهما

٣١٩

من الكوفيين الاستشهاد به » (١).

وسواء كانت هذه النقول صحيحة على إطلاقها ، أم كان ابن الضائع وأبو حيّان هما المدّعيين لها لحاجتهم إلى ردّ ابن مالك الذي اطلق الاحتجاج بالحديث ، فإن مما لا شك فيه أنّ بعض اللغويين والنحاة لم يكونوا يحتجون بالحديث النبوي الشريف ؛ وإذا ذكروه فعلى وجه التبرّك والاستظهار ، فكان ذلك من أكبر الخلل عندهم (٢).

وقد سارت اللغة عكس التيار الذي أراده ذلك البعض ، فيتصدى لهم الأئمّة في اللغة والنحو ، وفتحوا باب الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف ، وكان على رأسهم فى زمن بروز هذه الدعوى ابن مالك المتوفى سنة ٦٧٢ ه‍ حيث اعتمد الحديث النبوي أصلا من أصول اللّغة والنحو.

وذكر الدماميني المتوفى سنة ٨٢٧ ه‍ أن كثيرا من الأئمّة قبل ابن مالك كانوا يعتمدون الحديث بلا تردّد ، وعدّ منهم ابن جني ( ت ٣٩٢ ه‍ ) وابن فارس ( ت ٣٩٥ ه‍ ) والجوهري ( ت ٣٩٨ ه‍ ) ، وابن سيدة ( ت ٤٥٨ ه‍ ) والسهيلي ( ت ٥٨١ ه‍ ) وابن بري ( ت ٥٨٢ ه‍ ) وابن خروف ( ت ٦٠٩ ه‍ ) ، وقال : إنّ أحدا من علماء العربية لم يخالف ذلك الا ابا حيان وابن الضائع وتابعهما من بعد جلال الدين السيوطي (٣).

وفي عسر هذا المخاض ، لم نجد لهم كلاما واضحا صريحا في مدى الاحتجاج بكلام أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، سوى ما ذهب إليه الرضي الاسترابادي المتوفّى سنة

__________________

(١) الخليل بن أحمد الفراهيدي : ٧٩. للدكتور المخزومي.

(٢) انظر كتاب مدرسة الكوفة : ٥٨. للمخزومي.

(٣) انظر الاستشهاد بالحديث في اللغة : مقال لمحمد الخضر حسين ، مجلة مجمع اللغة العربية ٣ : ١٩٩.

٣٢٠