الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

وقال الاستاذ سعيد الخوري الشرتوني في مقدمة أقرب الموارد : المقصد الثاني : « في تساهل اللغويين في التعريف الدوري وفي تصور تعريف النبات والحيوان » : اعلم أنّ الدور في التعريف هو أن يعرّف الشيء بشيء ثمّ يعرّف هو أيضا بالذي عرّن به ، وهو لا يفيد الإيضاح المقصود من التعريف ، ولهذا كان معيبا عند المناطقة ، مثال ذلك قول القاموس : تنجّح الحاجة واستنجحها : تنجزها ، ثمّ قوله : تنجز الحاجة واستنجزها : استنجحها ، فقد فسّر تنجّح بـ « تنجّز » ثمّ فسّر تنجّز بـ « استنجح » فبقي المعنى محجوبا لا يستخرج الا بعد تدبّر أكثر ما في المادّتين ، وهذا مجرّد تساهل ، وإلاّ لما كان يعجز المجد أو غيره أن يقول تنجّح الحاجة : سأل قضاءها أو طلب الفوز بها (١) ..

وفي هذا المجال تظهر عناية السيّد المصنّف الفائقة بالافهام والتفهيم باسلس عبارة وأوضحها ، واجلى تعريف وأظهره ، فهو لم يقف عند حدّ التخلص من التعريف بالدور ، والتعريف بالمساوي أو الأخفى.

بل حرص على أن يخلّص القارئ من الإحالات ؛ فإذا كانت اللفظة مفسّرة بلفظة غير مفهومة لكنها مذكورة في مادة أخرى ، فسّرها في مكانها وفكّ أسرها وازال غموضها ، وفيما سنعرضه من نماذج أكبر دليل على ما نقوله من هذه الميزة الواضحة للطراز على سائر المعاجم.

* ففي مادة « حمأ » قال الفيروزآبادي في القاموس : ورجل حمئ العين كخجل :

__________________

(١) مقدمة أقرب الموارد ١ : ٩. وهنا نرى السيّد المصنف لا يفوته ذلك فقد قال في مادة « نجح » : وتنجّح حاجته واستنجحها : تنجزها. ثمّ قال في مادة « نجز » واستنجز حاجته وتنجّزها : طلب قضاءها.

٢٨١

عيون. وجاء الزبيدي ليشرحها فقال : ( و ) يقال ( رجل حمئ العين ، كخجل : عيون ) مثل نجئ العين ؛ عن الفراء ، قال : ولم نسمع له فعلا.

وفي التكملة للصاغاني : وإنّه لحمئ العين ، مثل نجئ العين ، عن الفراء ؛ قال : ولم نسمع منه فعلا.

وفي العباب : وإنّه لحمئ العين ، عل فعل ، مثل نجئ العين ، عن الفراء : إذا كان عيونا ، ولم نسمع له فعلا.

وهكذا دارت عباراتهم في هذا المدار ، مقتصرة على تفسير حمئ بـ « نجئ » ، أو ذاكرة ان الحمئ العين هو العيون ، وهنا لا يهتدي طالب اللغة العربية إلى المعنى المفسّر به فضلا عن المفسّر ، فيضطر إلى مراجع مادتي « نجأ » و « عان » ليرى المعنى الذي فسّروا به ، ثمّ ليفهم المعنى المراد تفسيره.

وهنا تبدو ميزة الطراز ومنهجية السيّد المصنف حيث قال : رجل حمئ العين ، كحذر : شديد الإصابة بالعين. فشرح المعنى باسهل عبارة واقربها مأخذا ، بلا حاجة إلى مراجعة « نجأ » ولا « عان » ، إذ أنّه لم يقتصر كما فعلوا على اجترار ما قاله الفرّاء تساهلا وقلة اعتناء ومبالاة ، وإلاّ فلا معنى لعدولهم عمّا صنعه السيّد المصنف.

* ومادة « دهدأ » اهملها الجوهري ولم يستدركها عليه الصاغاني في تكملته ، ولا ذكرها في عبابه ، وفاتت على الفيروزآبادي ، فاستدركها عليه الزبيدي ، وهذه المادة ذكرها أبو زيد ، فذكرها من ذكرها مجترّا الفاظه.

ففي لسان العرب : أبو زيد : ما ادري أيّ الدّهدإ هو ، كقولك ما ادري أيّ الطّمش هو ، مهموز مقصور. وذكر عين هذه العبارة الزبيدي في تاجه مستدركا على القاموس.

٢٨٢

وقال الزبيدي في التكملة والذيل والصلة لما فات صاحب القاموس : الدهدأ ، مهموز مقصور ، أهمله صاحب القاموس ، وقال أبو زيد : يقال لا أدري أي الدهدأ هو؟ أي أيّ الطّمش هو؟

وعباراتهم هذه المجترة لعبارة أبي زيد لا تكاد تروي الغليل ، ولا تفهم القارئ ، لأنّ الطّمش ليس باعرف من « الدهدأ » ، وهنا يضطر طالب اللغة إلى مراجعة مادة « طمش » للعثور على المعنى المراد التفسير به.

وأما عبارة السيّد المصنف فهي رافعة لهذا الغموض تماما ، شارحة للمعنى احسن شرح ، حيث قال : الدهدأ ، كجعفر : الناس ، يقال : ما أدري أيّ الدهدأ ، انت؟ أي الناس.

* وفي مادة « رتأ » من القاموس ، قال : والرّتآن الرّتكان.

وجاء الزبيدي ليشرحها في تاجه فلم يوضح أكثر مما في القاموس ، فقال : ( والرتآن ) محركة ممدودة مثل ( الرتكان ) وزنا ومعنى.

وقال الصاغاني في التكملة : « رتأ » أهمله الجوهري ... والرّتآن مثل الرتكان.

وفي العباب : والرتآن مثل الرّتكان.

وهنا لا يكاد القارئ يفهم الرتكان ، فلا يفهم الرتآن أيضا ، فكان عليهم ان يبدلوا العبارة « الرتكان » أو يفسّروها ليتضح المعنى ، وهذا ما صنعه السيّد المصنف ، فقال : الرتآن كالرتكان زن ومعنى ، وهو مقاربة البعير خطوه. فاغنانا من مراجعة مادة « رتك » أو مادة « رتو » لفهم معنى الرتآن.

* وفي مادة « كأكأ » رددوا عبارة أبي عمرو الشيباني حيث قال : الكأكاء الجبن الهالع.

ففي القاموس : والكأكاء كسلسال الجبن الهالع.

٢٨٣

وشرحها الزبيدي فقال : ( والكأكاء كسلسال ) عن أبي عمرو انه ( الجبن الهالع ) ...

وفي التكملة للصاغاني : وقال أبو عمرو : الكأكاء ، بالمد : الجبن الهالع.

وفي العباب : أبو عمرو : الكأكاء ـ بالفتح والمد ـ الجبن الهالع.

وفي اللسان : أبو عمرو : الكأكاء : الجبن الهالع.

فها هم كلّهم يصرّحون باجترارهم عبارة أبي عمرو ، وإذا كان للقدماء عذر في ذلك ، حرصا على حفظ اللغة في عصور تدوينها الأولى ، فينقلون نصّ العبارات تدليلا على صحة نقلهم وإشارة إلى المصدر المنقول عنه ، وأمّا الآن ، وبعد تدوين اللغة ، وكثرة معاجمها ، وثبات اركانها ، فلا معنى لاجترار الكلمات ، بل لابد من توخّي العبارة الاسهل والطريق الأقرب لأيصال لغتنا الأم ، ولذلك قال السيّد علي خان في هذه المفردة :

الكأكاء كصلصال : الجبان الهلوع. فوضع اسم الفاعل بدلا عن الوصف بالمصدر ، وصيغة فعول « هلوع » للمبالغة بدلا عن اسم الفاعل « هالع » ، فإنّ « هلوع » تؤدّي المبالغة التي ارادوها من الوصف بالمصدر للمبالغة ، وهي اوضح منها ، واستعمل « الجبان » بلا مبالغة وهي أيضا أوضح من الوصف بالمصدر « الجبن ».

* وفي مادة « كدأ » قالوا : كدئ الغراب إذا صار كانه يقيء في شحيجه ففي التهذيب : كدئ الغراب في شحيجه يكيدأ كدأ (١).

وفي المحيط : وكدأ الغراب في شحيجه يكدأ كدءا : كأنّه يقيء (٢).

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٣٢٦.

(٢) المحيط ٦ : ٣٠٦.

٢٨٤

وفي التكملة : وكدأ الغراب في شحيجه يكدأ كدءا ، كنكد ينكد نكدا ، كأنّه يقيء من شحيجه.

وفي أفعال ابن القطاع : و [ كدئ ] الغراب في شحيجه كأنّه يقيء كذلك (١).

وفي القاموس : وكدئ الغراب كفرح صار كأنه يقيء في شحيجه. واضطرّ صاحب التاج أن يشرح قوله « في شحيجه » فقال : بالشين المعجمة ثمّ الحاء المهملة وبعد الياء جيم ، أي صوته في غلظ.

وفي لسان العرب : وكدئ الغراب يكدأ كدأ إذا رايته كأنّه يقيء في شحيجه.

وقد استعرضنا بعض عباراتهم لتقف على ما قلنا من اعادتهم نفس الكلمات ، غافلين أو متغافلين عن مدى إيفائها للشرح ، ومدى إفهامها لمن يريد اللغة العربية ، وهنا نرى عبارة السيّد المصنف خالية عن تعقيدهم ، موصلة للمعنى ، عادلة عن لفظة الشحيج إلى النغيق المعروفة لكل سامع عربيّ ، فقال : كدئ الغراب : ردّد في نغيقه كأنه يريد أن يقيء.

* وقال الفيروزآبادي في مادة « مسأ » مسأ القدر فثأها ، وأحال الزبيدي على مادة « فثأ » فقال : وقد تقدم معناه.

وفي العباب : مسأت القدر : فثأتها.

وهنا لابد من الرجوع إلى مادة « فثأ » لنرى معنى « فثأ القدر » ثمّ منها نفهم معنى « مسأ القدر » ، فمادة « مسأ » إذن لم تحل المشكلة ولم تف بالتفهيم ، ولذلك عدل السيّد المصنف عن هذا التعريف بالمساوي أو الأخفى ، بل عن هذه الاحالة في الواقع ، عدل عن ذلك إلى قوله : مسأ القدر : سكّن غليانها.

__________________

(١) الأفعال لابن القطاع ٣ : ١٠٢.

٢٨٥

* وفي مادة « هدأ » قالوا : هدئ جنئ.

قال الازهري : قال [ المنذري عن أبي الهيثم ] : وهدئ وهيئ إذا انحنى (١).

وقال الصاغاني في مادة « هتأ » من التكملة : وهتئ الرجل إذا انحنى مثل هدئ. ولم يذكر معنى الفعل « هدئ » في مادة « هدأ ».

وفي أفعال ابن القطاع : هدئ هدأ مالت منكباه إلى صدره (٢). وذكر مثلها السرقسطي في أفعاله (٣).

وفي القاموس : هدئ كفرح فهو أهدأ : جنئ ، واهدأه الكبر.

وشرحها في التاج قائلا : ( وهدئ كفرح ) هدأ ( فهو أهدأ : جنئ ) بالجيم ، أي انحنى ، يقال منكب اهدأ ( واهدأه الكبر ) أو الضرب.

وفي لسان العرب : وهدئ هدأ. فهو أهدأ : جنئ ، وأهدأه الضرب أو الكبر.

فهذه عباراتهم ، تارة مبهمة تماما في قولهم : « جنئ » ، وتارة تفسّر هدئ بـ « انحنى » وأخرى بأن هدئ بمعنى مال منكباه إلى صدره مع أنّ « جنئ » ليست باوضح من « هدئ » ، والانحناء غير واف بالشرح ، وكذلك ميل المنكبين غير موضع تماما.

نعم ، ذكروا أن الأهدأ هو الاحدب ، والأنثى هداء ، لكنهم اقتصروا على ما عرفت من العبارات ولم يقولوا « هدئ : حدب » ، وهنا لا بد لطالب العربية ان يقرأ كل مادة « هدأ » ويراجع « جنا » ليعرف ما تفسيرهم بالضبط.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥.

(٢) الأفعال ١ : ٣٦١.

(٣) الأفعال للسرقسطي ١ : ١٧٧.

٢٨٦

ولذلك عدل السيّد عن عباراتهم ، حيث جمع كل معانيها ، وما حاموا حوله بأخصر عبارة وأدقّها واسهلها ، فقال : هدئ الرجل هدأ : حدب وانحنى خلقة أو كبرا.

* ومن مادة « كلأ » تتتبين هذه الميزة التي قلناها جلية ، ويتضح اهتمامه بسهولة العبارة وايصالها المعنى من خلال انتقاده للقاموس في ذكره عبارة موهمة في هذه المادة ، فقال :

كلأ الدّين كلوءا ، كخضع خضوعا : تأخّر ، فهو كالئ. وعمره : طال وانتهى ، وعبارة القاموس توهم أن مصدر هذا كمصدر ما قبله ، وهو خطأ.

فصّرح السيّد المصنف بسوء عبارة الفيروزآبادي حيث قال : كلأه كمنعه ، كلأ وكلاءة وكلاء ـ بكسرهما ـ : حرسه ، وبالسوط : ضربه ، والدّين تأخّر.

وهذه العبارة موهمة أنّ مصدر « كلأ الدين » هو : « كلأ وكلاءة وكلاء » ، مع أنّ المنصوص عليه هو ما اوضح السيّد المدني من ان مصدر « كلأ الدين » هو « كلوءا » ، لا كلأ (١) ولا كلاءة ولا كلاء ، وقد صرّح الفيومي في المصباح والزمخشري في الاساس وغيرهما بانّ مصدر كلأ الدين هو كلوءا لا غير ، فما قد يتوهم من عبارة القاموس إنّما كان لسوء العبارة وايهامها.

* وفي مادة « جأب » عدل السيّد المصنف عن قول سائر اللغويين : « الجأب : المغرة » لأنّ المغرة ليست باعرف من الجأب ، فيحتاج مع هذه العبارة إلى مراجعة مادة « مغر » ، ولذلك عدل المصنف عنها وذكر معنى المغرة مباشرة ، فقال : الجأب : الطين الأحمر الذي يصبغ به.

* وفي مادة « جدب » قالوا : جادبت الابل العام : إذا أجدبت السنة فلم تجد ما

__________________

(١) وإذا صح نقل ابن منظور لهذا المصدر في الدّين فيبقى المصدران الآخران.

٢٨٧

تأكله إلاّ الدرين.

وهنا لا بد من مراجعه المعاجم للعثور على معنى الدرين ليتوصّل من خلال ذلك إلى معنى ما شرحوا به من عبارة ، لكن السيّد المصنف لم يقتصر على عبارتهم هذه وما شاكلها ، بل ذكرها وشرح الدرين في نفس الموضع ، فقال : جادبت الابل العام : إذا اجدبت السنة فلم تجد ما تاكله إلا الدرين ، وهو يبيس كل حطام من نبت أو شجر. ولم يصنع أحد هذا الصنيع الجميل في تسهيل فهم اللغة.

* وفي مادة « جعب » قالوا : الجعب ما اندال من تحت السرة إلى القحقح ، فقد عبر بذلك الصاحب في المحيط والصاغاني في التكملة والفيروزآبادي في القاموس ، وغيرهم.

وهذه العبارة كما ترى فيها خفاء معنى « القحقح » وربما خفاء كلمة « اندال » فلذلك عدل السيّد إلى عبارة أوضح وأقرب للفهم ، فقال : الجعب : مندلق البطن من تحت السرّة إلى عظم الدبر. فاغنى عن مراجعة معنى القحقح.

وفي هذا السياق أيضا نرى تسهيله للاستعمالات وايضاحه لها وفك غوامضها ، فضلا عن تسهيله عبارات الشرح.

ففي مادة « فطأ » اقتصرت المصادر والمعاجم المتداولة على عبارة « فطأ بها : حبق » ، وهي عبارة تعتمد على خلفية السامع وفهمه ، وإلاّ فهي بنفسها غير واضحة ، ولذلك عدل السيّد المصنف عنها واوضح معناها فقال : « فطأ بريح بطنه : حبق » فأتى بالألفاظ التي دلت عليها الهاء في « بها » لرفع الخفاء.

* وفي مادة « نزأ » قالت المصادر « نزأ فلانا على الشيء : حمله عليه » مقتصرة على ذلك ، لكن السيّد المصنف أبي إلاّ ان يطبق استعمالا لغويا لهذه التركيبة اللغوية ، فقال : « نزأ الرجل فرسه على قرنه : حمله عليه » فجاء بها في غاية الوضوح

٢٨٨

في كيفية الاستعمال ، حيث ذكر الفاعل في « نزأ » ظاهرا « الرجل » وذكروه مستترا ، وذكروا « فلانا » فعوّضها بالمفعول « فرسه » ، وقالوا « على الشيء » دون تحديد لذلك الشيء ، فعوضها السيّد المصنف بقوله « على فرسه ». فلم يبق أيّ إبهام في هذا الاستعمال.

* وفي مادة « وجأ » قالوا : وجأت به الأرض ، إذا ضربتها به ، وهي وإن كانت غير خافية كل الخفاء. الاّ أنّها غير وافية تماما بمعنى هذه الجملة ، ولذلك اوضحها السيّد المصنف هنا فقال : « وجأ به الارض : صرعه ، كأنّه ضربها به » ، فأوضح ان معناها هو الصّرع ، وان ضرب الارض به إنما هو كناية عن الصرع ، فلم يبق المصنف أيّ إجمال أو خفاء في هذا الاستعمال.

وفي نهاية ما ذكرناه من ميزات كتاب الطراز الاول ـ في اللغة العامة ـ ومنهجية السيّد المصنف في تصنيفه ، لابدّ لنا من القول ، بأنّ هناك ميزات جمة أخرى ، كعنايته بالمعرّب واستدراكه بعض المعربات عليهم ، مثل ما صنع في ذكر « بي بي » بمعنى السيدة ، معربة عن الهندية.

وهناك ميزات أخرى مثل اختياره للافصح وإن ورد غيره في اللغة ، كما صنع ذلك في مادة « حدأ » حيث فرق بين الحدأة كقصبة بمعنى الفأس ، وبين الحدأة كعنبة بمعنى الطائر الخبيث ، مع أنّ كلاّ من هذين المعنيين ورد فيه الفتح والكسر ، ونقله اللغويون ، لكنّه أثبت الفرق طبق اللغة الأفصح كما صرحوا بذلك.

هذا إلى ميزات كثيرة لا يسع المجال لذكرها ، لأنّ ما اشرنا إليه انما هو مقدمة للكتاب وتعريف له ، أما بيان ميزات الكتاب بأجمعها ، والمباني اللغوية والنحوية والصرفية وغيرها فيه بشكل دقيق ، إنما هو من مهمّة الدراسات المطولة ، فلا يسعنا هنا الاّ ان ندعو الباحثين ورواد العربية إلى القيام بدراسات موسعّة شاملة دقيقة عن

٢٨٩

هذا المعجم الذي سمى بحق الطراز الاول في لغة العرب المعول والمؤوّل ، وعن منهجية السيّد المصنف وخطته في تأليفه.

٢٩٠

المجاز

إنّ من غاية الصعوبة ، ومنتهى التعقيد ، معرفة ما هو حقيقي وما هو مجازي من لغة العرب واستعمالاتها ، وقد كان اللغويّون يدوّنون ما يسمعونه من كلمات واستعمالات حريصين على جمع أكبر ما يستطيعون منها ، دون أن يسجلوا وجه ذلك المنقول المستعمل ؛ أهو حقيقي أم مجازيّ؟ لأنّ غرضهم الأول كما عرفت هو التثبت من صحة الصدور عن العرب وعدم صحته ، دون عناية بوجهه وكيفيته. حتّى أنّ جميع معاجم العربية لم تذكر المجاز في موادّها ، أي انها حينما تنقل لغة أو استعمالا ما عن العرب ، لا تشير إلى كونه حقيقيّا أو مجازيّا ، بل إنّ الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ ه‍ ـ والذي يعدّ أوّل من فصل بين الحقيقة والمجاز ـ رماه بعضهم بأنّه لم يشخص الحقيقة عن المجاز تماما لعدم استقرار المعنى الاصطلاحي للمجاز.

قال الاستاذ أمين الخولي في مقدمته على الاساس : لكن كاتب هذه الكلمات [ يعني نفسه ] لا يساير القوم كثيرا في التسليم بهذه الخصيصة [ أي افراده الحقيقه عن المجاز ] والاهتمام بتلك الميزة في اساس البلاغة ، لاسباب ، منها : ان المعنى الاصطلاحي المستقر للمجاز اللغوي لم يكن قد بلغ مداه عند ما كتب جار الله كتاب اساس البلاغة.

٢٩١

وليس المهم هنا مناقشة رأي الاستاذ المذكور ، بقدر ما يهمّنا القول بأنّ فصل المجاز عن الحقيقة ، وتشخيصه وتعيينه ، مهمه صعبة جدا شاقة ، وأنّ اللغويين القدامى ـ وكقدر متيقن حتّى عصر الزمخشري ـ ما كانوا يفصلونهما عن بعضهما ، مما جعل القيام بهذه المهمة أمرا غايه في الصعوبة ، فلا يستطيعها إلاّ الأوحدي من اللغويين وأرباب الادب.

هذا وقد كتب الأصوليون في مباحث الألفاظ بحوثا قيمة جدّا جدير بالأدباء أن لا يغفلوها وان يضعوها نصب أعينهم ، في كيفية التفريق بين الحقيقة والمجاز ، وما هو المصحح للمجاز من العلاقات أو على نحو الحقيقة الادعائية وهو المجاز الذي أصّله السكاكي ، أو لغيره من الوجوه المصحّحه للمجاز (١) ، بصرف النظر عن الرأي البعيد القائل بعدم وجود المجاز أصلا في كلام العرب وان كل ما استعملوه فهو على نحو الحقيقة.

وفي زحمة هذا الخلاف ، والاختلاف في تعريف المجاز رأينا أن نثبت ما عرّف به السّد المصنف المجاز ، في مادة « جوز » فقال :

المجاز : ما عدل به من اللفظ عما يوجبه أصل اللغة ، وهو ما استعمل في غير ما وضع له لمناسبة بينهما ، فإن كانت العلاقة المصحّحة له غير المشابه فهو مرسل ؛ كاليد في النعمة ، لانها مصدرها ، وإلاّ فاستعارة ؛ كالأسد في الشجاع.

والمجاز العقلي : إسناد الفعل إلى غير ما حقّه أن يسند إليه ، ك‍ « بنى الأمير المدينة » ، أو إيقاعه على غير ما حقّه ان يوقع عليه

__________________

(١) انظر على سبيل المثال وقاية الاذهان : ١٠١ ـ ١١٩.

٢٩٢

ك « أجريت النهار » ، أو إضافة المضاف إلى غير ما حقّه أن يضاف إليه ك‍ « سارق الليلة » ؛ كل ذلك لملابسة مّا ، ويسمّى مجازا حكيما وإسنادا مجازيّا.

والمجاز اللغوي : هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بالتحقيق لا بالتأويل في اصطلاح به التخاطب مع قرينة مانعة عن ارادته ، أي إرادة معناها في ذلك الاصطلاح ، ولا يكون إلاّ في المفرد.

والمجاز المركّب : هو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي ، أي بالمعني الذي يدل عليه ذلك اللفظ بالمطّابقة للمبالغة في التشبيه ؛ كما يقال للمتردد في أمر : أراك تقدم رجلا وتؤخّر أخرى.

وفي باب المجاز من الطراز وجدنا ثلاث ميزات مهمّة ـ مضافا إلى أصل ميزة إفراده المجاز عن الحقيقة ـ نستعرض هنا بعض نماذجها ليقف القارئ عليها :

أ ـ ذكره لمجازات لم تذكر في عامة المعاجم.

وهذه الميزة تضارع أختها المذكورة في ميزات اللغة العامة ، وهي نتيجة طبيعة لسعة اطلاعه ، وعنايته بالمجاز ، ولذلك ذكر من المجازات ما ليس متداولا في معاجم اللغة المتداولة.

* ففي مادة « فيأ » ، قال : جاءنا فيء من جراد : طائفة. وهذا المجاز لم نجده في المعاجم المتداولة ، وإنما اقتصروا على أنّه يقال للقطعة من الطير : فيء.

٢٩٣

* وفي مادة « هذأ » ، قال : ومن المجاز : هذأ ليله سيرا وسهرا : قطعه ؛ قال :

وليلة ما ترى كواكبها

قد بت بالراسمات اهذؤها

وهذا المعنى لم يذكروه أصلا لا في الحقيقة ولا في المجاز ، استدركه السيّد المصنف عليهم ونبه على انه من المجاز ، وهذا الشاهد نقله السرقسطي في كتابه الافعال نقلا عن ابي عثمان بن جني ، ولم يوقف له على قائل ، وإنّما قرّره المصنف في المجاز لأنّ اصل الهذء هو القطع ، يقال : هذأته بالسيف هذءا ، أي قطعته ، فيكون قطع الليل بالسير مجازاً.

* وقال في مادة « رجح » : ومن المجاز : وقد ترجّحت به الأرجوحة ، ومنه ترجّحت به الأمانيّ : إذا لعبت به أرته حصول ما ليس بحاصل.

وفي مادة « شيخ » ذكر عدّة مجازات لم يذكروها في هذه المادة ، وهي شائعة مستعملة متناثرة في بطون الكتب ، وربّما ذكروا بعضها في المعاجم لكن لا في مظانّها ، قال :

ومن المجاز : هو شيخ القوم : كبيرهم قدراً.

وهو شيخ فلان : استاذه الذي قرأ عليه.

وهو من مشايخ الحنفية : من علمائهم المتبحرين.

وشيخ الإسلام : أطلقه السلف على المتّبع لكتاب الله وسنّة رسوله من المتبحرين في العلوم العقلية والنقلية ، وربما وصف به من طال عمره في الإسلام ، ثمّ صار لقبا لمن ولي القضاء الأكبر ، ولمن يؤتى منصب الفتوى.

وقد ذكر في القاموس واللسان والتاج في مادة « قبب » أنّ القبّ من المجاز بمعنى شيخ القوم ، وهو مأخوذ من القبّ بالفتح بمعنى الرئيس ، والراس الأكبر. ولم يذكروا البواقي.

٢٩٤

وإنّما عد كل ذلك مجازا لأنّ حقيقة الشيخ هو من أسنّ وانتهى شبابه ، وابتداء الشيخوخه من اربعين أو خمسين أو احدى وخمسين إلى الثمانين ، أو إلى آخر العمر ، فاستعماله في الكبير قدرا والاستاذ والعلماء والقضاة وغيرها ، كل ذلك يكون من المجاز.

* وقال في مادة « فأد » : « ومن المجاز : أنشدنا من بنيات فؤاده ، أي من شعره ». وهذا المجاز لم يذكروه في مظنه ، أي في مادة « فأد » وهو مذكور في قول عمر : دعوا أبا عبد الله [ خوات بن جبير ] يتغنّى من بنيات فؤاده (١) ، يعني من شعره.

* وفي مادة « حذر » قال : « ومن المجاز : نزل به حذره ، ما كان يحذره ويخافه ».

* وفي مادة « حصر » ذكر عدة مجازات فقال : « حصرت الشيء : استوعبته ضبطا فلم أغفل منه شيئاً.

وحصرت الغرماء في المال : أصله حصرت قسمة المال في الغرماء ؛ لان المنع لا يقع عليهم ، بل على غيرهم من مشاركيهم لهم في المال ، ولكنه جاء على طريق القلب ؛ كما يقال : ادخلت القلنسوة في رأسي (٢).

وعدد محصور : معلوم الكمية. وهو كثير يتجاوز الحصر : أي لا يمكن ضبطه عدّا ».

* وفي مادة « صدر » ذكر استعمالات عديدة مجازية لمعنى الصدر ، منها ما ذكروه غير منبهين على أنّه من المجاز ، مثل قوله : الصدر من الكتاب والكلام : مقدمه ، ومن النهار وغيره : أوله ، وذهب صدر من الشيء : طائفة منه.

ومنها ما لم يذكروه اصلا فذكره السيّد في المجاز ، مثل قولهم : الصدر الاول ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ٢٥ : ٤٨٣ ، والسنن الكبرى ٥ : ٦٩.

(٢) فإن أصله « أدخلت رأسي في القلنسوة » ولاحظ ما قلناه من إفاداته وآرائه الخاصّة.

٢٩٥

وفي صدر الإسلام. وهي أمثالها استعمالات شائعة مبثوثة في الكتب ، لكنهم في معاجمهم لم يذكروها في مظانّها ومواضعها ، أعني « صدر ».

ومثل هذه المجازات التي ذكرها كثيرة في الطراز ، تعلم من خلال ملاحظة أبواب الكتاب وفصوله ، ولو جمعت وقورنت بما في الاساس للزمخشري ، وغراس الاساس لابن حجر العسقلاني ، وما في المصادر اللغوية عامة من المجازات التي لم يصرّحوا بمجازيتها ، أو صرّح المتأخرون بها كالزبيدي لجاء عملا ضخما ، يسدّ الفراغ الذي ما زال قائما في فرز وفصل المجاز عن الحقيقة في لغة العرب.

ب ـ شرحه لعبارات الأساس.

لم يخف على السيّد المصنف ما في الاساس من غزارة المادة ، لكنه بنفس الوقت لم يكن ليقنع بما صنعه الزمخشري من نقله ركاما من الاستعمالات المجازية غير شارح ومبين لها ، اعتمادا على استنباط العربي معانيها وتفسيراتها مما قدّمه من استعمالات حقيقية في المادة ، أو اتكالا على مجاز مشابه آخر مذكور في المادة ، أو لمعروفية الاستعمال وشهرته.

ويبدو أنّ صنيع الزمخشري هذا لم يرق السيّد المصنف ، لما فيه من تضييع جانب من التفهيم وتبسيط تناول اللغة ، ولما فيه من تشويش محتمل قد يحصل في كثير من موارده ، فلذلك عمد المصنف إلى شرح هذه المواطن ، وذكر معانيها ، فجاء صنعه هذا ميزة وأضحة في المجاز ، إذ كلّ من رأيناه نقل عن الزمخشري عباراته رأيناه قد نقلها بعينها دون شرح ولا إيضاح ، والوحيد الذي فك غوامضها وشرح معانيها وبسّط فهمها هو السيّد المصنف.

٢٩٦

* ففي مادة « بأبأ » قال في المجاز من الاساس ، هو ابن بجدتها ، وبؤبؤها. فترك السيّد المصنف هنا « هو ابن بجدتها » وشرحها في مادة « بجد » شرحا وافيا ، لكنه قال هنا ، وهو محل استشهادنا : « هو ابن بؤبؤ هذا الأمر عالم به خبير ». ففسّر العبارة وأوضحها ، عطفا على « بجدتها » مع أنّ الموجود في الاساس المطبوع « وبؤبؤها » بالرفع ، وهذا يقتضي أن تكون العبارة « هو بؤبؤها » ، فصحّحها السيّد المصنف ـ أو لعلها كانت في نسخته صحيحة ـ وشرحها.

* وقال الزمخشري في المجاز من مادة « بكأ » : ( وركيّ بكيّ ) ولم يذكر معناها اعتمادا على ما ذكره قبلها من قولهم ( بكؤت العين : قلّ ماؤها ). لكن السيّد لم يقتنع بذلك فقال : ركيّ بكيء : قليلة الماء. وترك كلمة « بكئ » على حالها من الهمز ، مع أنّها قد نقلت بالياء المشدّدة حيث قلبت همزتها للإتباع كما صرحوا بذلك ، فتركها على أصلها لانها من مادة « بكأ » ، وشرح عبارة الاساس ولم يتركها على إهمالها.

* وقال الزمخشري في المجاز من مادة « جشأ » : وجشأ البحر بأمواجه.

فقال السيّد المصنف : جشأ البحر بأمواجه : قذف.

* وقال الزمخشري في المجاز من مادة « وطأ » : وطئهم العدد وطأة منكرة ... وثبّت الله وطأته. وفلان وطيء الخلق ... ودابّة وطيئة بيّنة الوطاءة ، وهو في عيش وطيء ، وأنا أحب وطاءة العيش وهذه الاستعمالات حشدها الزمخشري حشدا دون شرح منه لمعناها ، فأخذها السيّد المصنف وقال :

ومن المجاز : وطئهم العدوّ وطأة منكرة : أخذهم أخذا شديدا وطحنهم ...

وثبّت الله وطأتك : سدّدك ونصرك.

وفلان وطيء الخلق : دمثه ...

ودابة وطيئة : سهلة السير منقادة.

٢٩٧

وهو في عيش وطيء ، ووطاءة من العيش ، كسحابة : في خفض منه.

* وفي المجاز من مادة « فقأ » ، قال الزمخشري : « فقأ الله عنك عين الكمال ». وسكت ، ونقلها الزبيدي بعينها دون أي شرح ، لكن السيّد المصنف ، قال : فقأ الله عنه عين الكمال : صرف عنه شرّها.

وهذا الذي ذكرنا نماذج منه منهج مطّرد عند السيّد المصنف ، فهو دائما ينظر إلى ما نقله الزمخشري في اساسه من المجازات ويشرحها ويفكّ غوامضها ، بل لا يفوتنا أن نقول أن نفس هذا المنحى قد سار به السيّد المصنف في المعاني الحقيقة أيضاً.

* فقد قال الزمخشري في اساسه : « فلان يتفيأ الإخبار ويستفيئها » ، وسكت ، ونقل عين هذه العبارة في التاج دون زيادة ، فأخذها السيّد المصنف وقال : « وهو يستفيء الاخبار ويتفيّأها : يتتبعها ؛ كأنّه يطلب رجوعها إليه » ، فشرحها موضحا معنى التفعّل والاستفعال ولم يقتصر على عبارة الاساس ولا على ما قاله الصاحب بن عباد : « وأفاؤوها أخبارا : أي جاءونا بها ».

« وتفيّأت الأخبار » فانه الآخر نقل الاستعمال ساكتا عن شرحه اعتمادا على فهم السامع ، لكن السيّد المصنف أخذ خلاصة المعنى ، واعتمد عبارة الزمخشري وشرحها.

* وقال الزمخشري في مادة « كفأ » من اساسه : « انكفأ إلى وطنه وتكفّأت بهم الأمواج » وسكت دون شرح ، فأخذهما السيّد المدني ، وقال :

تفكّأت بهم الأمواج : تقلبت ...

وانكفأ إلى وطنه : رجع.

* وقال الزمخشري في مادة « مرأ » هذا مما يمرئ الطعام. وسكت عليها دون

٢٩٨

شرح ، فقال السيّد المصنف : هذا مما يمرئ الطعام : أي يجعله مريئا.

وهذا العمل لم نعهد أحدا عمله قبله ولا بعده حتّى يوم كتابة هذه الاسطر ، وهو عمل ذكيّ ورائع في تسهيل ايصال اللغة وشرحها وفك غوامضها خصوصا المجاز منها الذى يحتاج إلى دقة وتأمّل في فهمه ، فتركه بلا شرح تساهل في غير محلّه ، وليس فيه إلاّ بتر سلاسة اللغة وتعقيد تناول معانيها.

ج ـ ذكره وجه المجاز

ومن الأمور التي عنى بها السيّد المصنف هي ذكره لوجه المجاز ، وتبيينه له في مواطن خفائه ، ولذلك عدّ بعض ما ذكروه في الحقيقة مجازا ، بل عدّ بعض ما ذكره الزمخشري في الحقيقة مجازا ، فلم يعتن بصنيع الزمخشري رغم إكباره له وتأثره الخاص بآرائه ، بل حتّى بعباراته ، لكنه حين يبدي رأيه الخاص طبق خزينه العلمي وأدلته ، لا يهمه أن يخالف الزمخشري وأمثاله ، لأنّ الرأي الأمتن هو هدفه المتوخى والذي يسعى إليه ، وفي هذا المجال نراه يذكر وجه المجازية ويهتم به في « المجاز » لكي لا يكون كلامه مجرّد ادّعاء ولكي يتضح للقارئ الوجه الذي سوّغ أن تعد المفردة أو الاستعمال من المجاز لا من الحقيقة.

* ففي المجاز من مادة « دفأ » ، قال : إبل مدفئة ، ومدفأة ، بضمّ اولهما وكسر الفاء وفتحها ، وتشدّدان : كثيرة العدد ، وكثيرة الأوبار والشحوم ؛ لأنّ بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها ، ولأنّ شحومها وأوبارها تدفئها.

وهذا المجاز موجود في الأساس بإضافة رفضها السيّد المصنف فلم يذكرها ، قال الزمخشري في الاساس : ومن المجاز : إبل مدفئة ومدفّئة : كثيرة ؛ لأن بعضها

٢٩٩

يدفئ بعضا ، ومن تخلّلها أدفأته ، وقيل تبنى البيوت بأوبارها ... وروي بفتح الفاء ، أي تدفئها شحومها وأوبارها.

فقد رضي السيّد كل ما قاله الزمخشري في وجه المجاز إلاّ ما ادعاه من أنّها قيل لها ذلك لأنّ من تخلّلها أدفأته ، وقيل تبنى البيوت بأوبارها ، لأنّ حالة التخلل بينها قليلة لا تصحح التسمية المطلقة لها ، وكذلك بناء البيوت بأوبارها ، فإنه بعد ذبحها ، ونسبة التدفئة حين ذاك إليها بوجه بعيد جدّا ، لذلك أعرض عنه السيّد المصنف.

* وقال في المجاز من مادة « سرأ » سرأت المرأة ، وسرّأت تسرئة : كثر أولادها ؛ شبّهت بالجرادة في كثرة بيضها ؛ لانها تبيض تسعا وتسعين بيضة على ما جاء في الخبر.

وهذا الاستعمال ذكر في المحيط (١) ، والجمهرة (٢) ، والتكملة والعباب عن الجمهرة والقاموس ولم ينبه على مجازيته الزبيدي ، والافعال للسرقسطي (٣) ولابن القطاع (٤) ، واللسان ، وغيرها دون تنبيه على مجازيته ، ولم يذكر في الاساس أصلا ، وذكره الخليل في العين مشعرا بمجازيته واختصاص الاستعمال الحقيقي بـ « سرات الجرادة أي ألقت بيضها » فانه بعد أن ذكر هذا المعنى في الجرادة قال : وربّما قيل سرأت المرأة إذا كثر ولادها وولدها ، وفي الشعر أحسن (٥).

وهنا ذكر السيّد المصنف هذا الاستعمال في المرأة من المجاز ، وأوضح وجه المجازية والوجه المسوّغ لاستعماله في المرأة ، وهو كثرة بيض الجرادة ، فإذا كانت

__________________

(١) المحيط ٨ : ٣٧٣.

(٢) الجمهرة ٢ : ١٠٩٩.

(٣) الأفعال للسرقسطي ٣ : ٥٢٣.

(٤) الأفعال لابن القطاع ٢ : ١٥٤.

(٥) العين ٧ : ٢٩٢.

٣٠٠