الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

بمطره ، وهو سيل درء نعت بالمصدر.

وقال فيها أيضا : تدارأوا : اختلفوا وتدافعوا في الخصام ، كادّارأوا ، وأصله تدارأوا ، فأدغمت التاء في الدال ، وجيء بالف الوصل لانه لا يبتدأ بالساكن.

وقد نبه السيّد المصنّف في هذين الاخيرين على ما هو معلوم واضح ، حرصا منه على تنبيه أكبر قدر من طلاب ورواد اللغة العربية على دقائقها وأصولها ، وإن كانت معلومة واضحة عند الكثير منهم.

* وقال في مادة « ذرأ » فيما يخص كلمة الذرّيّة : قال أبو عبيد : تركت العرب الهمز في أربعة أشياء لكثرة الاستعمال : في الخابية وهي من « خبأ » ، والبريّة وهي من « برأ الله الخلق » ، والنبيّ وهو من النّبإ ، والذريّة وهي من « ذرأ الله الخلق ». قال يونس : وأهل مكة يخالفون العرب في ذلك فيهمزونها جميعاً.

* وقال في مادة « ذمأ » : « ذمأه ، كمنعه : أهلكه ، والشيء : شقّ عليه وكرهه ، كذمئه بالكسر ، يقال : ذمأتني وذمئتني هذه الريح : إذا كانت منتنة فشقت عليه وكرهها. وامّا « ذمأ عليه » فلكونه بمعنى شقّ ، وإنّما أصله أن يتعدّى بنفسه ».

* وقال في مادة « رنأ » : « يرنأ لحيته : خضبها به ، والياء في أوّله زائدة قطعا ؛ لاجماعهم على أنّها لا تكون مع ثلاثة أصول إلاّ زائدة ، سواء كانت أوّلاّ أو وسطا أو أخيراً ».

* وقال في مادة « روأ » « روّأ في الأمر تروئة : نظر فيه وفكّر وتدبّر ، والاسم الرويّة ـ بياء مشدّدة ، جرت على ألسنتهم بغير همز تخفيفا ، قلبوا الهمزة ياء وأدغموها في الياء ، وربّما همزوها على الأصل ـ : وهي خلاف البديهة ».

* وقال في مادة « سبأ » « سبأ ـ كسبب ـ اسم رجل ، وهو أبو عرب اليمن كلّها ... وهو منصرف على أنّه اسم له أو للحيّ ، وممنوع على أنّه اسم للقبيلة : ، ثمّ سمّيت مدينة مأرب

٢٦١

بسبإ ـ وبينها وبين صنعاء ثلاث ليال ـ وهي مصروفة على أنّها اسم للبلد ، وممنوعة على أنّها اسم للمدينة ».

* وقال في المثل من هذه المادة : ذهبوا أيدي سبا وأيادي سبا ...

والجزآن مبنيان أو معربان ، أو الأوّل مبني والثاني معرب. وألزمت ياء أيدي وأيادي السكون ، وسكّنت همزة سبا ، ثمّ قلبت ألفا بناء أو تخفيفا فيهما ، وقد ينوّن « سبأ » بعد قلب الهمزة ألفا.

* وقال في مادة « سوأ » : « أسأت به الظنّ ، وسؤت به ظنّا ، تعرّف الظن مع الرباعي ، وتنكّره مع الثلاثي ، وأمّا « أسات به ظنّا » فقال أبو عمرو : لغة لا خير فيها ».

* وقال فيها أيضا ، والسّيّئة : الفعلة القبيحة ، ونقيض الحسنة ، والذنب ، أصلها سيوئة ، قلبت الواو ياء وادغمت. فبين هنا وجه كون هذه الكلمة في المعتل الواوي مع أنّ صورتها هي المعتل اليائي حرصا منه على رفع الوهم واللبس ، وبيان وجه صنيعه وصنيع اللغويين في وضعها في « سوأ ».

* وقال في نفس المادة بعد ان ذكر مصادر « سوأ » : « قال الخليل في هذه المصادر : سوائية فعالية كعلانية ، وسواية بترك الهمز واصله الهمز ، ومسائية مقلوب مساوئة ؛ كرهوا الواو مع الهمزة ، ومساية بحذف الهمز تخفيفا ».

* وقال في مادة « ضهيأ » : « الضّهيأ : المرأة لا تحيض ، والتي لا ثدي لها ولا البن ، كالضّهيأة والضّهياة والضّهياء بالمدّ ».

قال سيبويه : هي ممدودة على فعلاء ، وهمزتها زائدة.

وحكى أبو عمرو الشيباني : امرأة ضهياءة ، كطرفاءة.

قال ابن جني : من قال « ضهياء وطرفاء » فالهمزة عنده للتأنيث ، ومن قال « ضهياءة وطرفاءة » فالتاء للتأنيث والهمزة زائدة ؛ كيلا يلزم الجمع بين علامتي التأنيث ؛ سميت

٢٦٢

بذلك لانها ضاهأت الرجال.

فاستعرض السيّد المصنّف خلاصة الاقوال في الضهيأ والضهياءة ، وهل انّهما من المهموز أو المقصور ، متخلّصا من الاخلال بعدم ذكر اشتقاقها ووزنها الصرفي ومن التطويل في ذكر ذلك والاسهاب (١).

* وقال في مادة « طرأ » : « طرآن ، كعثمان ، جبل فيه حمام كثير ، إليه ينسب الحمام الطرآنيّ ، وقال أبو حاتم : حمام طرآني ، لا يعرف من أين جاء ، والعامة تقول : طوراني ، وهو خطأ ». فلم يفته نقل تنبيه أبي حاتم على خطأ العامة في هذه اللفظة.

* وقال في الأثر من مادة « فجأ » : « وفي الدعاء : أعوذ بك من فجاءة نقمتك ، أي المعاجلة بالانتقام ، وهي بالضمّ والمدّ ، أو بالفتح [ فحأة ] كتمرة ، ولا تقل : فجأة ـ كغرفة ـ فإنه غلط مشهور ».

* وقال في مادة « فيأ » : « والفيء : الخراج والغنيمة ، ولا تقل الفيء بالإبدال والادغام ، لان باب ذلك الزائد ، ولا يكون في الأصل إلاّ ضرورة ».

* وقال في مادة « قثا » : « وارض مقثأة ، كمرحلة : ذات قثّاء ، يقال هذه مقتأة فلان ، وقد تضم العين ، والعامة يقولون : مقثاة ـ كمشكاة ـ وهو تحريف ». وهذا الغلطان وغيرهما من أغلاط العامة كثيرا ما ينبّه عليها السيّد المصنّف في طرازه مع أنّ المعاجم اللغوية المشهورة خلت من التنبيه عليها.

* وقال في مادة « نأنأ » : « هو رأي منانأ ، وأصله منأنأ فيه ، فحذفوا الصلة تخفيفا ».

* وقال في مادة « هزأ » « رجل هزّاء كعبّاس ، وهزأة كرطبة : يهزأ بالناس ، وكغرفة : يهزأ منه الناس ، وكذلك كل ما جاء على فعلة ـ بضم الفاء وفتح العين ـ من النعوت فهو

__________________

(١) انظر مادتي « ضهأ » و « ضها » من المعاجم ، وقارنه بصنيع السيّد المصنف.

٢٦٣

في معنى فاعل ، وما جاء منها على فعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ فهو في معنى مفعول ». وهذه القاعدة في الفرق بين « فعلة » و « فعلة » لم تذكر في معجم من المعاجم التي عليها المدار. وإن ذكروا أنّ الهزأة بمعنى الهزّاء الذي يهزا بالناس ، والهزأة هو الذي يهزأ منه الناس.

* وقال في مادة « هنأ » : « المهنأ ، كمركب : ما اتاك بلا تعب ، وما سرّك وساغ لك ولذّ ، ومصدر بمعنى الهناءة ، تقول : لك المهنأ ، وهنيئا لك ، أي هناءة لك ؛ أقيمت الصفة مقام المصدر ، فنصبت على المصدرية ، والأصل « هنؤ هناءة لك » ، فحذف الفعل وجوبا إبانة لقصد الدوام واللزوم ، إذا كان وضعه على الحدوث والتجدد ، واطّرد ذلك كما في « حمدا لك » و « شكرا لك » وجوّز كونه نصبا على الحال المؤكّدة نحو « قم قائما » و « تعال جائيا ». وهذه الفائدة النحوية الاعرابية لا توجد في غير الطراز في هذا الموضع.

* وقال في مادة « هيأ » : « هم هيئتهم ـ بالنصب على التشبيه بالظرف ـ أي في هيئتهم ؛ شبّهت [ الهيئة ] بالمكان فجعلت خبرا عن الجثة ». وهذه الفائدة اخت سابقتها.

* وقال في الأثر من مادة « وجأ » : « ضحّى بكبشين موجوئين » ولا تقل موجأين ـ كمكرمين ـ فإنه من خطا الرواة.

* وقال في الأثر من مادة « وجأ » : « من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في جهنم » أي يطعن بها نفسه مرة بعد أخرى ، فالتفعّل هنا للعمل المتكرر ، أو للتكلّف لأنه عن غير رضى ».

* وقال في مادة « صطر » : « كل سين وقعت بعدها طاء جاز قلبها صادا قياسا مطّردا ».

٢٦٤

* وقال في مادة « خصص » : « وتخصص به : أي انفرد ، وقالوا : الأصل في لفظ الخصوص وما يتفرع عنه أن يستعمل بإدخال الباء على المقصور عليه ، أي ما له الخاصة ، فيقال : خصّ المال بزيد ، أي هو له دون غيره ، لكنّ الشائع في الاستعمال ادخالها على المقصود ـ اعني الخاصة ـ كما قال تعالى ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) ».

* وقال في مادة « قصص » : « قصصت الشعر والريش قصّا ، كمدّ : قطعته.

والظفر : قلّمته ، كقصّصته تقصيصا ، وقصّيته ، والأصل « قصّصته » بتشديد الصاد ، فاجتمع ثلاثة أمثال ، فابدل أحدها ياء للتخفيف ، فقيل : قصّيته ».

* وذكر في نفس المادة فائدة أخرى عن سيبويه ، فقال معلقا على نقلهم القصاصاء بمعنى القصاص : « وقد قال سيبويه : ليس في كلامهم فعالاء ، والكلمة إذا كان لم يروها إلاّ واحد لم يجب ان تجعل أصلا ، لأنّه يجوز أن تكون كذبا أو غلطا ».

فهذه بعض الفوائد التي ذكرها في اللغة وما هو صحيح منها وما هو من غلط العامة أو من التحريف ، وبعض الفوائد في النحو ووجوه الإعراب ، وبعض الفوائد في الصرف ووجوه الاشتقاق وارجاع الكلمة إلى اصلها اللغوي ، وهي اكثر الفوائد التي عنى بها ، هذه الفوائد ينقلها تارة عن ابن جني وأبي عبيد وأبي عمرو الشيباني والخليل وأبي حاتم وسيبويه وغيرهم مصرّحا بالنقل عنهم ، وتارة يذكرها بلا تحديد للمنقول عنه ، وإنما هي من خزين ملكاته في مختلف فنون الادب ، يحاول أن لا يغفل عن ذكر شيء منها في موضعه.

وأمّا ما يخصّ جمعه للأقوال في الموضع المختلف فيه ، فهو أيضا يذكر ذلك معتنيا بها ، جامعا لها في مكان واحد ، مع أنهم قد يذكرونها في أماكن متفرقة ، أو يذكرون بعضها في محله من معاجمهم ، وقد لا يذكرونها في محلها أصلا ، وكل ذلك يذكره باختصار وبلا تطويل ، فيعرض خلاصة الآراء ولباب الأقوال في المسألة ، إما

٢٦٥

ساكتا أو مرجحا لبعضها على بعض أو مشعرا بذلك.

* ففي مادة « ألأ » قال : « الإلاء ، كسحاب ويقصر : شجر مرّ الطعم حسن المنظر ؛ لأنّه دائم الخضرة ، واحدته بهاء.

وهمزته اصلية عند سيبويه ، قال في كتابه : وأمّا ألاءة وأشاءة فتصغيرهما أليّئة واشيّئة ؛ لأنّ الهمزة ليست مبدلة ، ولو كانت كذلك لكان الحرف خليقا أن يقولوا فيه ألاية ، كما قالوا في عباءة : عباية ، وفي صلاءة : صلاية ، فليس له شاهد من الياء والواو ، فإذا كان كذلك فهو عندهم مهموز ، ولا يخرجها إلاّ بأمر واضح.

وذكره الجمهور في المعتل ؛ كأنّهم رأوه مشتقّا من ألا يألو ، أي قصّر في طعمه مع حسن منظره ، وهو كرأي بعضهم في الألوة أنّها مشتقّة من ذلك ؛ كأنّها لا تألو ريحا وذكاء عرف.

ونصّ صاحب جامع اللغة على أنّه واويّ ويائيّ ؛ وقالوا : سقاء مألوء ومألوّ ومأليّ ـ بالهمز والواو والياء ـ إذا كان مدبوغا به ».

فالسيّد المصنف هنا جمع الآراء في اشتقاق هذه الكلمة من الهمز أو من المعتل ، وإذا كانت من المعتل فهل هي من الواوي أو اليائي؟ ومن خلال جمعه للآراء ونقله لها ، استشفّ منها رأيه في المسألة ، فإنّه بعد أن نقل كلام سيبويه ودليله ، نقل رأي الجمهور في كونها واويّة وتبيينهم لوجه ذلك ، ثمّ نقل ثالثة نصّ جامع اللغة في أنه واوى ويائي ، مشعرا بعدم دقة الرأيين الأوّلين ، فكانه رحمه‌الله يذهب إلى الرأي الثالث وإن خالف سيبويه والجمهور ، لكنه في نفس الوقت وضعها في المهموز لكي لا يغفل رأي مثل سيبويه.

* وقال في مادة « أوأ » : « آء ، كباب : ثمر السرح ، وشجر أو نجم ؛ لقول الأزهري : لا ساق له ، واحدته آءة ، وأصلها أوءة كسوءة.

٢٦٦

قال سيبويه : إذا أشكلت عليك الالف في موضع العين فاحملها على الواو ؛ لأنّ الأجوف أكبر ، فتصغيرها أويئة.

والأخفش يحملها على الياء لأنّها أخفّ ، فيقول : أييئة ».

فذكر رأي سيبويه بعد أن ذهب إلى أنّ عينها واو ، مشعرا بتعليل ما ذهب إليه ، ثمّ ذكر رأي الأخفش في حمل العين على الياء ، جمعا للأقوال ، وحرصا على عدم الإخلال بالوجه والرأي الآخر.

* وقد وردت عن العرب عدة كلمات لا غير اختلفوا في وزنها ، وما هو الأصلي من حروفها وما هو الزائد منها ، وهي الحنطأو ، والحنظأو ، والسّندأو ، والعندأو ، والفندأوة ، والقندأو ، والكنتأو ، والكنثأو ، وقد ذكر السيّد المصنف الاختلافات في اشتقاقها :

فقال في مادة « حطأ » : « والحنطأو ، كجردحل وبهاء : القصير السمين ، والعظيم البطن ، كالحنطئ كزبرج ».

وقال في مادة « حظأ » : « والحنظأو ، كالحنطأو زنة ومعنى ، ووزنهما فنعلو ».

وقال في مادة « سندأ » « السّندأو ، كقرطعب ، وبهاء : المقدم الجرىء ، والخفيف ، والعظيم الراس مع رقة جسمه ... قال سيبويه : وزنه فنعلو ، فهذا موضع ذكره (١). وقيل : فنغال ، فموضعه المعتل. وقيل : فعلأ وفموضعه « سند » ».

وقال في مادة « عندأ » « العندأو ، كجردحل ويفتح ، وبهاء فيهما : الصلب الشديد ... قال سيبويه : وزنه فنعلو ، والزموه الواو الزائدة ؛ لانّ الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها. قالوا : والمسموع من هذا الوزن عدة الفاظ كلّها ثانية نون وآخره

__________________

(١) وضعت في النسخ بعد مادة « سلطأ » والصواب جعلها بين مادتي « سخأ » و « سرأ ».

٢٦٧

واو. وهي : حنطأو ـ بطاء مهمله ومعجمة ـ وسندأو ، وقد تقدّمن ، وعندأو ، وفندأو بالفاء ، وقندأو بالقاف ، وكنتأو بتاء ومثلثة ، وعنزهو ، وسيأتين ».

وقال في مادة « فندأ » : « الفندأوة ، بالكسر : الفأس الحادة ، كالفندأية الجمع فناديد على غير قياس ، وفرق الفيروزآبادي بين الكلمتين وحكمه بزيادة الهمزة في الاولى واصالتها في الثانية تحكّم بحت ؛ فإنهما ونظائرهما من باب فنعلو عند سيبويه ، فالهمزة أصلية عنده في جميع الباب ».

وقال في مادة « قدأ » مفصّلا : القندأو ، كحنطأو وبالهاء : الصلب الشديد ... وفأس قندأوة : حادّة ... اختلف القوم في هذا اللفظ وما هو على وزنه على أقوال :

فقال ابن دريد : وزنه فِعْلَأْو ؛ قال في الجمهرة : لم يجئ على فعلأوة إلاّ سندأوة : جريء ، ورجل حنطأوة : عظيم البطن ، وكنثأوة : عظيم اللحية وقندأوة : صلب شديد ، وعندأوة نحوه. وذكر الجوهري له في الدال بناء على هذا القول.

وقال السيرافيّ : الأولى أن يحكم باصالة جميع حروف ما جاء على هذا الوزن ، فيكون كحجردحل ، وعلى هذا فموضعه المعتلّ.

وقال الفراء : الزائد في هذا الوزن إمّا النون وحدها فهو فنعلّ ، وإمّا النون مع الهمزة فهو فنعأل ، وجعل النون زائدة على كل حال.

وقال سيبويه : الواو مع ثلاثة اصول من الغوالب ، فيحكم بزيادتها ، وكل واحدة من النون والهمزة رسيلتها في المثل المذكورة ، فيجعل حكم إحداهما في الزيادة حكم الواو وإن لم يكونا من الغوالب ، والحكم بزيادة النون اولى من الحكم بزيادة الهمزة ؛ لكون زيادة النون في الوسط أكثر من زيادة الهمزة ، فوزنه فنعلو.

قال : وإنما لزم الواو الزائدة في الامثلة المذكورة بعد الهمزة لأنّ الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها.

٢٦٨

ولم يتعرض في مادتي « كتأ » و « كثأ » للاختلاف بينهم ، واقتصر على ذكر المعاني وتفسيرها.

وخلال هذا الاستعراض للخلاف والوجوه في اصول هذه الكلمات وما هو وزنها ، ـ وإن كان اورده في معرض الرد على الفيروزآبادي ـ يظهر رأي السيّد المصنف وانتخابه لرأي سيبويه ، حيث ذكر هذه المفردات في الثلاثي المهموز « حطأ » « حظأ » « عدأ » « فدأ » « قدأ » « كتأ » « كثأ » ومن خلال تبنّيه لهذا الرأي عرفنا أنّ وضع « سندأ » في غير محلها انما هو من غلط النساخ.

والمهم هنا هو استعراضه لخلافاتهم ، ونقله اقوالهم ، بشكل مختصر وواف بالموضوع ، بلا إخلال ولا تطويل ، وذلك لحاجة مثل هذا الموضع لذكر اختلافهم ، وعدم إمكان غض النظر عن مثله.

* وقال في مادة « دبأ » : « الدّبّاء ، كتفّاح : اليقطين ، قيل : همزته أصلية لأنّه من « دبأ » : بمعنى هدأ ، كما قيل له يقطين من « قطن » ، جعل انسداحه قطونا وهدوءا ».

وقال في مادة « دبب » : « الدّبّاء ، كثفّاء : القرع ، واحدته بهاء ، وزنه « فعّال » من الدبيب ؛ لأنّه يدبّ حتّى يعلو الشجرة السحوق ».

قال الزمخشري : لامه همزة كالقثّاء ، على اعتبار ظاهر اللفظ ؛ وهو من « دبأ » بمعنى هدأ ؛ جعل انبساطه هدوءاً.

قال : ويجوز أن يكون من الدّبا وهو أصغر الجراد كما سيأتي بيانه هناك.

وقد وضع السيّد المصنّف « الدبّاء » في « دبأ » باعتبارها مأخوذة من دبأ بمعنى هدأ ، ووضعها مرّة أخرى في « دبب » باعتبارها مأخوذة من الدبيب ، ثمّ ذكر أنّه

٢٦٩

سيضعها في « دبا » باعتبارها مأخوذة من الدّبا بمعنى أصغر الجراد (١) ، فكانه رحمه‌الله لم يرجّح رأيا على آخر ، وأنه يرى أنّها متساوية في تصحيح الاشتقاق ، فلذلك ذكرها في المواضع الثلاثة مكررا لها وإن كنا لا ندري ما هو صنعه في المقصور لو كان الله قد مدّ في عمره فدوّنه.

* وقال في مادة « طلأ » : « الطّلاّء ، كمكّاء : الدم ، أو القشرة الرقيقة فوقه ، وموضع ذكره المعتل كما فعله الجوهريّ ، أو يقال أنّه فعّال فعلاء ». والمصادر بعضها ذكره في المهموز كالفيروزآبادي ، وبعضها اقتصر على نقلها في المقصور « طلا » كابن منظور في اللسان ، دون تنبيه على أصل اشتقاقها ، وقد ذكرها السيّد المصنّف هنا وبين انه يمكن ان يقال انها « فعلاء » ، لكنه ذهب إلى الصحيح ذكرها في المعتل ، فهي « فعّال » ، وهذه الفائدة غفل الأكثر عن ذكرها هنا.

* ومن فوائده ونقله لاختلاف القوم في النحو ، ما ذكره من وجوه في علّة منع « اشياء » من الصرف ، قال :

واختلفوا في وجه منع أشياء :

فقال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين : هي اسم جمع ـ كطرفاء ـ وأصلها : شيئاء بهمزتين بينهما ألف ، فقلبت بتقديم لامها على فائها ، فصار وزنها لفعاء ، ومنعت الصرف ، لألف

__________________

(١) وقد غلّط الفيروزآبادي في مادة « دبا » الجوهريّ لذكره الدباء هنالك ، مع أنّ لذلك وجها صحيحا كما ذكره الزمخشري ، وقال الزبيدي في التاج : قال الشهاب الخفاجي : أخطأ من خطّأ الجوهري ، لأنّ الزمخشري ذكره في المعتل ، ووجهه أنّ الهمزة للإلحاق كما ذكروه ، فهي كالأصلية كما حرروه. انتهى.

٢٧٠

التأنيث الممدودة.

وقال الأخفش : هي جمع شيء ، وأصلها أشيئاء على أفعلاء ، فاجتمعت همزتان ، فحذفت الهمزة التي هي لام الكلمة وفتحت الياء ليسلم الجمع ، فصارت أشياء على أفعاء ، ومنعت الصرف ؛ لألف التأنيث.

وقال الكسائيّ : هي جمع شيء ، ووزنها أفعال ، كبيت وأبيات وشيخ وأشياخ ، ومنعت الصرف ؛ لشبهها بحمراء في كونها جمعت على أشياوات كما جمعت حمراء على حمراوات.

قال الجوهريّ : وهذا القول يدخل عليه ألاّ يصرف أبناء وأسماء.

وتعقّبه الفيروزآباديّ بأنّه لا يلزم ؛ لأنّهم لم يجمعوا أبناء وأسماء بالألف والتاء.

وهذا عجيب منه ؛ فإنّ كتب الصنعة كاد أن لا يخلو منها كتاب من حكاية أبناوات وأسماوات ، قال في التسهيل وشرحه : وقد يجمع أفعال بالألف والتاء ، كقولهم في جمع أسماء : أسماوات ، وفي أبناء سعد : أبناوات.

وقال أبو حيّان في الارتشاف : قالوا أبناء سعد ، وأبناوات ، وأسماء جمع اسم وأسماوات ، فكيف ساغ له إنكار ذلك؟! إلاّ إن كان لم يطلع عليه ، فلم يكن للبدار بالإنكار وجه.

وهذا الجمع لأقوالهم في علة منع الصرف وإن كان في معرض الرد على الفيروزآبادي ، إلاّ أنّه يبين مدى سعة اطلاع السيّد المصنّف في النحو ، ومعرفته بالاختلافات ووجوهها فيه ، وإن كان رحمه‌الله لم يصرّح بما يلتزمه من هذه

٢٧١

الوجوه ، وهذا يوضح ما قلناه من حرصه على جمع الأقوال واستعراضها في مواطنها.

* وفي المصطلح من مادة « قرأ » بين السيّد المصنّف وجه اشتقاق القرآن من أيّ شىء هو؟ وما هي وجوه الاختلاف في ذلك ، وهل ان اصله مهموز ام لا؟ وهل أنّ نونه أصلية ام زائدة؟ فقال :

القرآن : مجموع كتاب الله المنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد يطلق على القدر المشترك بينه وبين بعض أجزائه الذي له نوع اختصاص به.

واختلف في هذا الاسم ؛ فقال قوم : هو اسم علم غير مشتقّ ، خاصّ بكلام الله ، فهو غير مهموز ، وبه قرأ ابن كثير ، وإليه ذهب الشافعيّ.

وقال جماعة منهم الأشعريّ : هو مشتقّ من قرنت الشيء بالشيء ؛ لقران الكلم والآيات والسور.

وقال الفرّاء : هو من القرائن ؛ لان الآيات يصدّق ويشابه بعضها بعضا ، فهي قرائن.

وعلى القولين ، فهو بلا همز أيضا ، ونونه أصليّة.

قال الزجّاج : هذا القول سهو ، والصحيح أنّ ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.

وقال اللحيانيّ وآخرون : هو مهموز ، وأصله مصدر لـ « قرأت » ـ كالغفران ـ سمّي به الكتاب المقروء ، من باب تسمية المفعول بالمصدر.

٢٧٢

وقال الزجّاج وطائفة : هو وصف على فعلان ؛ من القرء ـ بالهمز ـ بمعنى الجمع ؛ لأنّه جمع السور بعضها إلى بعض.

وقال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه ، بل لجمعه ثمرات جميع العلوم.

فقد جمع السيّد المصنّف رحمه‌الله امهات الوجوه الموجودة في اشتقاق القرآن لكنّه لم يمل إلى واحد منها ولا رجّح أحدها ، لكنه استعرضها من خلال نقل اقوال اللغويين وبعض الفقهاء ، بشكل لا يوجد في معجم آخر من معاجم العربية ، من حيث الاختصار وايفاء المطلب ، ونقل عمدة أقوال علماء العربية.

* وقال في مادة « لألأ » : « اللؤلؤ ... محترفه لئّال كنجّار ، وحرفته اللّئالة كالنجارة ... وقال الفراء : والقياس لئّاء مثل لعّاء. قال علي بن حمزة : خالف الفرّاء في هذا كلام العرب والقياس ، لأنّ المسموع لئّال ، والقياس لؤلئيّ ؛ لانه لا يبنى من الرباعيّ فعّال ، ولئّال شاذّ ».

فقد نقل السيّد المصنّف قول الفراء وردّ الكسائي عليه ساكتا على ذلك مشعرا بتصويبه لردّ الكسائي ، لأنّه حقّ كما لا يخفى ، وانما يستقيم كلام الفراء لو كان اللؤلؤ مشتقا من « لأء » وليس كذلك ـ بل هو من الرباعي لألأ ، والقياس منه ما ذكره علي بن حمزة الكسائي ، لكنّ الذي اثبته السيّد المصنّف هو السماعي الذي ثبت نقله عن العرب.

* وقال في مادة « سأر » : « والسّائر : الباقي من كلّ شيء ؛ قال الزمخشري : هو اسم فاعل من سأر : إذا بقي ، وهذا ممّا يغلط فيه الخاصة فتضعه موضع الجميع.

وقال بعضهم : استعمال لفظة سائر بمعنى الجميع مردود عند أهل اللغة معدود في غلط العامة وأشباههم من الخاصة.

٢٧٣

قال الازهري : أهل اللغة اتّفقوا على أنّ معنى سائر الباقي ، ولا التفات إلى قول الجوهري : سائر الناس جميعهم : فإنه لا يقبل ما انفرد به ، وقد حكم عليه بالغلط فيه من وجهين : تفسيره له بالجميع ، وذكره في « س ي » وحقّه أن يذكره في « س أ ر » لأنّه من السّؤر بالهمز.

وتعقّبه النواويّ فقال : بل هي لغة صحيح لم ينفرد الجوهري بها ، بل وافقه عليها الإمام أبو منصور الجواليقي في أوّل كتابه « شرح أدب الكاتب » واستشهد عليه ، وإذا اتفق هذان الإمامان على نقلها فهي لغة.

وأنكر أبو علي أن يكون سائر من السؤر بمعنى البقية ؛ لانها تقتضي الأقلّ والسائر الأكثر ، ولحذفهم عينها في نحو قوله :

وسوّد ماء المرد فاها فلونه

كلون النّؤور وهي أدماء سارها

لأنّها اعتلّت بالقلب اعتلّت بالحذف ، ولو كانت العين همزة في الأصل لما حذفت.

وقال ابن برّيّ : من جعل سائرا من سار يسير فيجوّز أن تقول : سائر القوم ، أي الجماعة التي يسير فيها هذا الاسم ، وأنشدوا على ذلك قول الأحوص :

فجلتها لنا لبابة لمّا

وقذ النوم سائر الحرّاس

وقال ابن دريد : سائر الشيء يقع على جلّه ومعظمه ولا يستغرقه ؛ كقولهم بني فلان ، أي جلّهم ، ولك سائر المال ، أي معظمه.

وقال ابن ولاّد : سائر يوافق بقيّة في نحو « أخذت من المال بعضه وتركت سائره » لأن المتروك بمنزلة البقية ، ويفارقها من حيث أنّ السائر لما كنز والبقية لمّا قلّ تقول : أخذت من الكتاب ورقة وتركت سائره ، ولا تقول : تركت بقيته ».

وقول الحريريّ : الصحيح أنّه يستعمل في كلّ باق قلّ أو كثر ، لا شاهدا له عليه.

٢٧٤

فجمع عيون الاقوال وخلاصتها في معنى « سائر » بمعنى البقية أو الجميع ، كما جمع الأقوال في اشتقاقها من « سأر » وهو الذي ذكرت هذه الكلمة على اساسه في هذه المادة ، أو من « سير » كما ذهب إليه جمع.

وهذه الميزة للكتاب لا ندّعي أنّه انفرد بها عن باقي المعاجم ، بل نقول أنّه اكثر فيها عناية من باقي المعاجم ؛ خصوصا إيضاحه ذلك في الموارد التي لم يوضحوها ، أو التي ذكروها في غير محالّها ومظانّها ، كما انه امتاز عنها بانه ينقل لباب الأقوال وعيون المطالب دون تطويل واجترار للكلمات.

وأمّا فوائده وآراؤه الخاصة التي صرّح بها أو ألمح إليها ، فهي كثيرة جدّا لا تكاد تخلو منها مادة أو فصل ، وهي تدل على ضلوعه في اللغة وعلومها ، كما تدلّ على مقدار اهتمامه بتطبيق إفاداته في مواضعها ، وعدم الاخلال بذكرها.

* ففي مادة « سوأ » قال : « وقيل : السّوء والسّوء لغتان كالكره والكره ، خلا أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه كلّ ما يراد ذمّه ، والمضموم جرى مجرى الشرّ ، فإن عرّفت الاول قلت : الرجل السّوء ، بالفتح على النعت. ومنع ذلك الأخفش معلّلا بأنّ الرجل ليس بالسّوء ، وليس بشيء ؛ فان النعت بالمدر سائغ في كلامهم ، وهو أوضح من أن يخفى ».

* وفي مادة « شنأ » ، قال : « قال أبو زيد : جاء الشنآن مصدرا ووصفا ، وهما جميعا قليلان. وقال سيبويه : ما كان من المصادر على فعلان ـ بالتحريك ـ لم يتعدّ فعله ، إلاّ أن يشذّ نحو شينئه شنآنا ».

قال أبو حيان : ولا يعلم غيره.

قلت : بل علم. وهو نضخه نضخانا ، وشاهده قول القطامي :

حرجا كأنّ من الكحيل صبابة

نضخت مغابنها بها نضخانا

٢٧٥

* وفي مادة « يرنأ » قال : « اليرنّأ ـ بضم الياء وفتحها ، وفتح الراء المهملة وتشديد النون متلوّة بالهمزة بلا فاصل ـ ويقال : اليرنّاء أيضا ، بالضم والمدّ مشدّدة : الحناء.

وقال ابن جني : إذا قلت اليرنّأ ـ بالفتح كجهنّم ـ همزت لا غير ، وإذا ضممت جاز الهمز وتركه.

قال القتيبي : ولا أعرف لهذه الكلمة في الأبنية مثلاً.

قلت : ومثلها يوصّى بألف مقصورة على ما ذكره في الارتشاف (١) ، وهو اسم طائر من جوارح الطير ».

* وقال في مادة « وهب » : وأمّا وهبته منه ، فقيل : خطأ محض ، وليس كذلك ، بل جاءت به أحاديث صحيحة ، فهو إما على أنّ « من » بمعنى اللام وإن لم يذكره النحاة ، وكفى بالحديث شاهدا ، أو على أنّها زائدة ، كقوله :

مهرت منها حيّة وتيسا

أي مهرتها.

وأما تأويله بتضمين التمكين فلا يصحّ ؛ لدخلو « من » على الموهوب له دون الموهوب ، ومعنى التمكين يقتضي العكس.

فهذه بعض الآراء التي صرّح بها هو بنفسه ، والأخير منها رأي بكر لم يفترعه غيره ، وهو في كل ذلك متين العارضه قوي الحجّة ، يقدّم رأيه مدعوما بالدليل ، غير خاش ان يغلّط مثل الأخفش ، ولا هائب أن يستدرك على سيبويه وأبي حيّان ، ولا متحذّر أن يشفع ما ادعى القتيبي أنّه وتر ، ثمّ هو يردّ بقوة على كل من غلّط ما ورد في الاحاديث الصحيحة ، مخرّجا ذلك الاستعمال أحسن تخريج ، ومستدلاً

__________________

(١) الذي في ارتشاف الضرب المطبوع ١ : ٨٦ يوصّى ويرنّأ.

٢٧٦

أقوى استدلال.

هذا ، ناهيك عن آرائه الكامنة في ضمن تبنّيه لوجهات النظر في اللغة والاشتقاق.

* ففي مادة « بوأ » مثلا قال : « باء فلان بفلان بوءا وبواء ـ كقضاء ـ إذا كان له كفأ يقتل به ، ثمّ يقال : هم بواء ، أي اكفاء في القصاص ، والمعنى أولو بواء ، وكثر حتّى قيل : هم في هذا الأمر بواء ، أي سواء ».

فقرر التطور اللغوي ، الذي حدث لهذه اللفظة واستعمالها بعد أن ثبت أصلها اللغوي ، إذ التفت إلى ان الأصل الموضوعة له هو خصوص المساواة في القصاص ـ لأنّ العرب أوّل ما عرفت ذلك من خلال حروبها وأخذ الثار والقصاص ـ ثمّ قرّر أنّها صارت تستعمل في كلّ مساوي ، هذا مع أنّ هناك من اللغويين من ذهب إلى أنّ اصلها اللزوم مطلقا ، ثمّ صارت تستعمل في كل مكان بما يناسبه.

قال الزبيدي في تاجه : اصل البواء اللزوم كما في النهاية ، ثمّ استعمل في كل مقام بما يناسبه ؛ صرّح به الزمخشري والراغب.

* وفي مادة « ملأ » قال : « ملأه على الأمر ، كمنعه : أعانه. ومالأه ملاء وممالأة : عاونه وشايعه وتابعه. وتمالئوا عليه : تعاونوا واجتمعوا ، وأصله المعاونة والاجتماع في الملء ، ثمّ عمّ ».

وهذا المذهب ذهب إليه الزمخشري في الاساس ، وسائر المصادر اكتفت بشرح الممالأة بالمعاونة ، وقد انتخب السيّد هذا المذهب لأنّه مطابق لما عرفته العرب في حياتها من الاجتماع في الملء قبل كل شيء ، ثمّ تطورت حتّى صارت تستعمل في كلّ معاونة واجتماع ، وفي ما يخص تشخيص الأصول الاشتقاقيه اللغوية ، فاننا نراه يذكر القئقئ والقيقاءة في مادة « قأقأ » تبعا للتكملة والعباب ، وإن

٢٧٧

ذكره الجوهري في « قيق » والأزهري في « قوقى » وابن منظور في « قوا ».

وذكر السيّد المصنّف الهوهاءة على فوعاله : الرجل المنطيق الجريء على ما أتى ... الخ ، ذكر ذلك في « هوأ » وصرّح بوزنه على « فوعالة » ، مع أن أغلب المصادر ذكرت ذلك في « هو » كما في المقاييس والمجمل واللسان والتاج والنهاية الأثيرية ، لكن السيّد المصنّف بين مذهبه في الاشتقاق هنا ، معرضا عما صنعوه من ذكرها في « هوه ».

ولم يخل السيّد المصنّف طرازه الأول من النكت والشوارد والملح والطرائف ، فذكر جملة منها في مواضعها ، مع أنّها موجودة بشكل مبعثر في بطون كتب الأدب ومعاجم الشعراء وكتب النحو والصرف والبلاغة وغيرها.

* ففي مادة « ززز » مثلا نقل طريفة انفرد بذكرها من بين معاجم اللغة ، وهي من طرائف الإلغاز قال : وانشد حماد الرواية ابا عطاء السندي قوله ملغزا :

فما اسم حديدة في الرمح ترسى

دوين الصدر ليست بالسنان

فقال : زرّ ، فقال : أصبت ، اراد « زجّ » بالجيم ، فقلبها زايا لعجمة كانت في لسانه.

* ونقل في مادة « خلص » قصة خالصة جارية هارون الرشيد مع ابي نؤاس ، وذلك بمناسبة ذكره لـ « بركة خالصة » فقال :

بركة خالصة : بين الأجفر والخزيمية بطريق مكة من الكوفة ، بنتها خالصة ، وهي الجارية السوداء التي كانت حظيّة لبعض الخلفاء ، وكان يكرمها ويلبسها الحليّ الفاخر ، فقال بعض الشعراء :

لقد ضاع شعري على بابكم

كما ضاع درّ على خالصه

فبلغ الخليفة ذلك فأمر باحضاره ، وأنكر عليه بما بلغه منه ، فقال : يا أمير المؤمنين كذبوا ، إنما قلت :

٢٧٨

لقد ضاء شعري على بابكم

كما ضاء درّ على خالصه

فاستحسن تخلصه وأنعم عليه ، فقال بعض الحاضرين : هذا بيت قلعت عيناه فأبصر.

* وفي مادة « قصص » قال : أقصصته : أمكنته من أن يقصّ ويحكي قصّته ، وكان يقول حاكم المدينة للخصم إذا أراد أن يوجّه عليه القضاء : قد أقصصتك الجرحة ، فإن كان عندك ما تجرح به الحجة التي توجّهت عليك فهلمّها ، أي أمكنتك من أن تقص ما تجرح به البيّنة.

* وقال في نفس هذه المادة : ولأخبرنّك ذلك الأمر قصص الغزال : اي لا أخطئ فيما أخبرك ، وذلك ان الغزال إذا ما قصّه الإنسان في السهل لم يزل قاصدا حتّى يأتيه فلا يصرف عنه بصره ، ومتى صرفه اضلّه ، قال الحكم بن ريحان الكلابي :

يا ايها الملحف بالسؤال

لا نطقنّ الصدق في مقالي

يوم التقينا قصص الغزال

أي لأصدقنّك كقصص الغزال الذي لا يخطئ أثره.

وهاتان القضيتان المليحتان لا توجد في معاجم اللغة المتداولة.

والواقع إنّ ما ذكرناه في هذا المقام ، بل جلّ ما ذكرناه في منهجيته ، إنّما ذكرناه على نحو الاستعراض والتعليقات المقارنة البسيطة لمعرفة منهجيته بشكل عام ، وإلاّ فإنّ الوقوف على تفاصيل مباينه اللغويه والنحويه والصرفيه والاشتقاقية بشكل كامل يحتاج إلى دراسة معمقة لهذا المعجم العظيم الذي حوى ما لم يحوه غيره من المعاجم اللغوية استدراكا ونقدا وعمقا ومباني لغوية وصرفيه ونحويه ، وافادات ، وفوائد ونكات ، وعناية بالضبط والتحقيق ، والمهموز والمقصور ، والمعرّب والفصيح و و و ...

٢٧٩

م ـ توخّيه سلاسة العبارة في الإفهام والتفهيم.

إن من الإشكاليات المأخوذة على معاجم العربية القديمة ، هي الغموض في الشروح والتعاريف وربما الخطأ في بعضها ، فهي شروح وتعاريف الأخفى أو بالمساوي ، وقد تنبه لهذا النقص في المعاجم جمع ممن تأخر عن السيّد علي خان المدني وحاولوا رفع هذا الخلل ، وأمّا الذين قبله فلم نعهد واحدا منهم نبه على ذلك أو سعى لرفعه.

قال الميرزا محمّد علي الشيرازي في مقدمة كتابه « معيار اللغة » في معرض ذكره لعيوب ونواقص المعاجم السابقة عليه : ومنها تعبير لفظ بلفظ على سبيل الدور ؛ كقوله العوذة الرقية (١) ، والرقية العوذة ، وكلتاهما مجهولتان عند الأكثرين ، وأمثال ذلك ، ومنها تعبير لفظة غير معروفة بلفظة غير معروفة أخرى لا على سبيل الدور ، كقوله الحثربة : الحثرمة ، وهي الدائرة وسط الشفة العليا (٢).

وقال الدكتور إبراهيم مدكور في مقدمته على المعجم الوسيط : والمعجم العربي القديم على غزارة مادته وتنوّع اساليبه ، أضحى لا يواجه تماما حاجة العصر ومقتضياته ، ففي شروحه غموض ، وفي بعض تعاريفه خطأ (٣) ...

__________________

(١) واما السيّد المصنف فقد قال في مادة « عوذ » العوذة بالضم ، والمعاذة بالفتح ، والتعويذ : الرقية يرقى بها الإنسان من جنون أو فزع ؛ لانه يعاذ بها.

(٢) معيار اللغة ١ : ٢.

(٣) مقدمة المعجم الوسيط ١ : ٧.

٢٨٠