الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

التأنيث ، حيث أخذ تلك الفائدة عن مصباح الفيومي ، وزاد عليه حسنا ودقّة في تقديمة لغة « اللّبؤة » لأنّها هي التي ذكرها ثعلب في الفصيح ، وقال يونس في نوادره : هي اللغة الجيدة ، ولذلك قال شيخ الزبيدي أنّه كان ينبغي للفيروزآبادي تقديمها على غيرها.

* وفي مادة « نسأ » قال : « ونسأت عنه الدّين ، وأنسأته إياه ، وفيه : أخّرته. والاسم النّساء ، والنّسيء ، والنسيئة ، والنّسأة ، والنّسأة ، كبنات ونعيم وخطيئة ونصرة وهجرة ، أو الاولان مصدران ـ كالمساس والمسيس ـ وما بعدهما اسماء.

والذي في القاموس نسأه أخّره نسأ [ وفي نسخة منه نساء ] ومنسأة ... وبعته بنسأة بالضّمّ ونسيئة على فعيلة بأخرة ، والنّسيء الاسم منه (١).

وفي المصباح المنير : والنّسيء مهموز على فعيل ... وهو التأخير ، والنسيئة على فعيلة مثله ، وهما اسمان.

وفي لسان العرب ذكر النسيئة والنسيء والنّسأة بمعنى التأخير ، ثمّ قال : وقال فقيه العرب : من سرّه النساء ولا نساء فليخفف الرداء ...

وفي الصحاح النّسأة بالضم التأخير ... وكذلك النسيئة ... وكذلك النّساء في العمر ممدود.

وفي التكملة : قال الفراء : النسيء مصدر وقال الأزهريّ : النسيء بمعنى الإنساء اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من أنسأت. وانظر تهذيب الأزهري (٢).

__________________

(١) لم يعدّ السيّد المصنف « منسأة » لأنّه مصدر ميمي ، وهو في مقام ذكر اسماء المصادر. واما « النسيء » فقد ذكر الفيروزآبادي أنّه اسم مصدر ولم يشر كالسيّد المدني إلى أنّ منهم من يعدّه مصدرا.

(٢) التهذيب ١٣ : ٨٣.

٢٢١

وفي التهذيب أيضا : وأنسأته الدّين : إذا أخّرته ، واسم ذلك الدين النسيئة (١).

وفي العباب : نسأت الشيء نسأ : أخّرته ، ونسأ الله فى أجله ، ونسأته البيع : بعته بنسيئة ، ونسأت عنه دينه نساء بالفتح والمد وكذلك النّساء في العمر.

وفي هذا المدار دارت باقي المعاجم اللغوية ، حيث ذكرت النسيء والنسيئة والنّساء ذكرتها مبعثرة غير منظّمة تارة في خصوص تأخير الدين ، وأخرى عند مطلق التأخير ، ثمّ إنّهم قد يذكرون ـ كما عرفت ـ في الأثناء تنقيح أنّ « النسيء » مصدر أو اسم مصدر. فهم إذن يذكرون بعض أسماء المصادر لا كلّها ، وذكرهم لها مبعثر يحتاج استقصاؤه إلى قراءة كل المادة اللغوية « نسأ » ، ثمّ إن القارئ ليعيا حتّى يقف على أنّ النّسيء والنساء مصدران أو اسما مصدرين ، وذلك كله ما لا تجده في الطراز ، حيث إنه جمع أسماء المصادر وأشار إلى ما قيل إنّها أسماء مصدر ، وذلك كلّه في محلّه وهو تأخير الدّين ، هذا ناهيك عن أنّ « النّسأة كهجرة » لم تذكر في أيّ من المعاجم اللغوية المتداولة وامهات الأسفار المشهورة.

* وفي مادة « هتأ » قال : « ومضى من الليل هتء كفلس ويكسر ، وهتأة كهضبة ، وهتيء كأمير ، وهتاء ككتاب ، وهيتئ كزبرج ، وهيتاء كغربال : أي جانب ».

وهذه اللّغات مذكورة في معاجم اللغة إمّا جلّها واكثرها كما في القاموس واللسان أو بعضها كما في سائر المصادر ، لكنّها كلّها لم تذكر « هيتئ كزبرج » (٢) ، مع أنّ صاحب المنجد ذكر هذه اللغة ، فالسيّد المصنف وكما ذكرنا كان حريصا على لم شتات اللّغات وجمع متفرقاتها وذكرها في مكان واحد.

__________________

(١) التهذيب ١٣ : ٨٤.

(٢) وذكر بدلها في القاموس واللسان « هيتأ كدرهم » فكأنّ السيّد المصنف يرى أنّها كزبرج وأنّ ما في القاموس واللسان غير ثابت عنده على الأقل.

٢٢٢

* وفي مادة « هزأ » قال : « هزئ به ، ومنه ـ كسمع ـ وهزأ كنفع ، وتهزّأ واستهزأ ، هزءا بالفتح ، وهزوءا كجلوس ، ومهزأ ، ومهزأة : سخر منه وما زحه. والاسم الهمزء ـ بالضمّ وبضمّتين ـ والمهزؤة كمكرمة ».

وكتب في هامش نسخة « ش » شاهد الهزوء كجلوس قول حفص :

أعدت هزوءا به وحقّ لها

مما ذأت أن يطول مهزؤها

وكتب بعدها « منه ».

وهذا البيت في الواقع شاهد للهزوء مصدرا ، كما هو شاهد للمهزؤة اسم مصدر ، ولا يفوتنا أن ننبه هنا إلى أنّ السيّد المصنف كان قليلا ما يأتي بالشواهد الشعرية في متن كتابه ، فهو يذكر اللغات والاستعمالات اللغوية كافّة باعتبارها مسلّمات ثابتة ؛ لأنّ اللّغة دوّنت وكتبت ووضعت قواعدها كاملة منذ أمد بعيد ، وإنما كانوا يأتون بالشاهد كدليل على صحة ما ينقلونه من لغة عن العرب.

وأما اليوم فإنّنا نأخذ اللغة ـ كما صرح السيّد المصنف في مقدمته ـ من بطون الأسفار والكتب ، إذ قد انقضى زمان المشافهة والسماع ، ومع هذا القيد فلا داعي لذكر الشواهد التي هي أدلة صحة المنقولات ، ولذلك تلحظ قلة إن لم نقل ندرة نقل الشواهد الشعرية على هذه اللغة أو تلك في ( الطراز ) ، وهو إذا أعجبه زيادة الافهام نقل الشاهد في الهامش لا في المتن ، وإذا ما ذكر شعرا شاهدا في المتن فهو في كثير من الأحيان يلحظ فيه نكتة أو التفاتة أو معنى يتصيّده لم يلحظوه كما لحظه هو.

والمهم هنا هو ملاحظة منهج السيّد المصنف وميزته في الجمع والاستقراء والاستقصاء ، مع حسن العرض والنسق ، ففي المورد المذكور ذكر السيّد رحمه‌الله الأفعال في معنى سخر ، فذكر الفعلين « هزئ » و « هزأ » بكسر عين الفعل وفتحها ، ثمّ ذكر تفعّل واستفعل أيضا بمعنى فعل ، فجمع لغات الأفعال المستعملة ، شافعا ذلك

٢٢٣

ببيان حرفي التعدية المستعمل معهما الفعل وهما الباء و « من ».

ثمّ ذكر السيّد رحمه‌الله المصادر من الفعل « هزئ وهزأ » وجمعها في نسق واحد جمعا لم نره في معجم من المعاجم التي قبله ، فانهم ذكروا بعضها دون بعض.

ثمّ ذكر ثالثة أسماء المصادر الثلاثة منه ، فجمع الأفعال ، وما تتعدى به وتستعمل معه من حروف ، ثمّ ذكر المصادر ، ثمّ اسماء المصادر ، ذكرها كلّها مستقصاة مستقراة كاملة ، ليس عليها في مصادر اللغة مزيد ، بخلاف معاجم اللغة وقواميسها ، فانها ذكرت كل ذلك مبعثرا ، خالطة الأفعال وما تتعدى به ، ذاكرة المصادر واسماء المصادر مختلطة بعضها مع بعض ، هذا مع أنّهم لم يذكروا المصادر كلّها ولا اسماء المصادر كلها في مكان واحد ، بل هم في كل ذلك يذكرون البعض دون البعض ، أو يذكرون الكل مبعثرا دون فصل وتنسيق وترتيب لها ، وإليك بعض عباراتهم :

ففي العباب : وهزئت منه وبه ، عن الاخفش : هزءا وهزوءا : سخرت منه. وهزأت به أيضا هزءا ومهزأة ، عن أبي زيد ومهزؤة.

وفي الصحاح : الهزء والهزء : السخرية. تقول : هزئت منهه وهزئت به ، عن الأخفش. واستهزأت به ، وتهزّأت به ، وهزأتبه أيضا هزء ومهزأة عن أبي زيد.

وفي مفردات الراغب : الهزء مزح في خفية ... [ ثمّ قال بعد ثمانية اسطر ] .. يقال : هزئت به واستهزأت ، والاستهزاء ارتياد الهزء وإن كان قد يعبر به عن تعاطي الهزء ...

وفي مصباح الفيومي : هزئت به أهزأ ـ مهموز من باب تعب ، وفي لغة من باب نفع ـ : سخرت منه ، والاسم الهزء ، وتضم الزاي وتسكن للتخفيف أيضا وقرئ بهما في السبعة ، واستهزات به كذلك.

٢٢٤

وفي التهذيب الهزء السّخرية ، يقال : هزئ به يهزأ به واستهزأ به (١).

وفي الجمهرة : هزئت من الشيء : سخرت منه (٢).

وفي المقاييس : يقال : هزئ واستهزأ : إذا سخر.

وفي المجمل : الهزء السخرية ، يقال هزئ به واستهزأ.

وفي المحيط : الهزء السخرية ، هزئ به يهزأ وهزأ ، واستهزأ وتهزأ به (٣).

وفي لسان العرب : الهزء والهزء السخرية. هزئ به ومنه. وهزأ يهزأ فيهما هزءا وهزؤا ومهزأة ، وتهزّأ واستهزأ به : سخر.

وفي أفعال ابن القطاع : وهزأت به وهزئت به هزءا وهزءا سخرت منه (٤).

وفي الأفعال للسرقسطي : وهزأت به ، وهزئت به هزءا وهزءا : سخرت منه (٥).

وفي القاموس : هزأ منه وبه ، كمنع وسمع هزءا وهزءا (٦) ومهزأة (٧) : سخر ، كتهزّأ واستهزأ.

وبمقارنة بسيطة ونظرة سريعة ، يتبين الفرق بين ما في الطراز وباقي المعاجم ، من حيث أجمعية الطراز للغات ، مصادر وأسماء مصادر ، ومن حيث دقة العرض والتعدية وعدم إدخاله بعضا ببعض ، ويتضح من خلال الموازنة بينهما أنّ معاجم

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٦٩.

(٢) الجمهرة ٢ : ١٠٧٢.

(٣) المحيط ٤ : ٣٧.

(٤) الأفعال ٣ : ٣٦١.

(٥) الأفعال ١ : ١٧٧.

(٦) في نسخة الزبيدي زيادة « وهزوءا ».

(٧) في نسخة الزبيدي « ومهزؤة » على مفعلة بضمّ العين.

٢٢٥

اللغة كلّها منيت بعيب من العيوب ، ونقص من النقائص ، إمّا بعدم ذكر بعضها لأحد حرفي التعدية ، وإما بإغفالها ذكر بعض المصادر ، وإمّا بإغفالها ذكر بعض أسماء المصادر وإما بخلطها بين المصادر وأسماء المصادر ، وكلّهم لم يذكروا اسم المصدر « المهزؤة كمكرمة » سوى الزبيدي ـ حيث ضبطها على ما في نسخته من القاموس على مفعلة ـ معدودة في عداد المصادر ، مع أنّ شعر حفص الاموي الذي ذكره السيّد علي خان المدني صريح في صحتها وكونها اسم مصدر من « هزئ ». فهذه ميزة واضحة فاق ( الطراز الاول ) بها باقي المعاجم اللغوية من حيث الأجمعية وعدم الاخلال بشيء من اللغات ، ومن حيث حسن العرض والنسق.

* وفي مادة « هنأ » قال : « هنأني الولد ونحوه ، يهنؤني ـ من باب نفع وضرب وكتب ـ هنأ وهناء وهناءة ، كضرب وسلام وسلامة : سرّني ».

وهذه المصادر الثلاثة لم تذكر في معجم المعاجم اللغوية ، ذكرها السيّد المصنف ، ونظّر أوزانها بكلمات أخرى لئلا يقع الالتباس.

* وفي مادة « هوأ » قال السيّد المصنف في لغات « هأ » و « هاء » و « هاء » :

وهأكدع ، وهاء بالمدّ بمعنى : خذ ، وفي كلّ منهما عدّة لغات ..

أمّا لغات الأولى :

فإحداها : إلزام همزتها السكون على كلّ حال ، فتقول : هأ ، للواحد والإثنين والجماعة ، مع التذكير والتأنيث بلفظ واحد.

الثانية : تصريفها تصريف « دع » فتقول : هأ يا زيد كدع ، وهأا يا زيدان ويا هندان كدعا ، وهؤوا يا زيدون كدعوا ، وهئي يا هند كدعي ، وهأن يا هندات كدعن.

الثالثة : تصريفها تصريف « خف » ؛ فتقول : هأ كخف ، وهاءا

٢٢٦

كخافا ، وهاؤوا كخافوا ، وهائي كخافي ، وهأن كخفن.

وهي على اللغة الأولى اسم فعل مبني على السكون ، وعلى اللغتين الأخيرتين فعل أمر لا ماضي له ولا مضارع.

وأمّا لغات الثانية :

فأحدها : إلزام همزتها الفتح على كلّ حال ؛ فتقول : هاء ـ كجاء ـ للواحد وفروعه تذكيرا وتأنيثا.

الثانية : إلحاق همزتها كاف الخطاب ؛ فتقول : هاءك كجاءك ، وهاءكما كجاءكما ، وهاءكم كجاءكم ، وهاءك كجاءك ، وهاءكنّ كجاءكنّ.

الثالثة : تصريف همزتها تصريف كاف الخطاب ؛ فتقول : هاء كهاك ، وهاؤما كهاكما ، وهاءموا كهاكموا ، وهائي كهاك ، وهاؤنّ كهاكنّ.

والرابعة : تصريفها تصريف ناد ؛ فتقول : هاء كناد ، وهائيا كناديا ، وهاؤوا ، كنادوا ، وهائي كنادي ، وهائين كنادين.

وأفصحها اللغة الثالثة ، وبها جاء التنزيل ؛ قال تعالى : ( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) ، والكلمة على اللغة الأخيرة فعل أمر غير متصرّف ، وعلى غيرها اسم فعل.

ويقال أيضاً : ها ـ بألف ساكنة ـ للواحد وفروعه تذكيرا وتأنيثا ، وقد تلحق هذه الألف كاف الخطاب ؛ فيقال : هاك يا زيد ، وهاك يا هند ، وهاكما يا زيدان ويا هندان ، وهاكم يا زيدون ، وهاكنّ يا هندات.

٢٢٧

فهذه تسع لغات في « ها » بمعنى خذ.

وهاء ـ بالمدّ والكسر ـ كهات زنة ومعنى ، وهي تتصرّف بحسب المأمور إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا كاللغة الرابعة في « هاء » بمعنى خذ. وربّما قالوا فيها : ها ـ بألف ساكنة ـ للواحد وفروعه كما قالوه في « هأ » بمعنى خذ أيضا ، وينبغي أنّ تعدّ على هاتين اللغتين من الأضداد.

والمهوَئنّ ـ كمطمئنّ ، وتفتح الهمزة ـ للصحراء الواسعة ، موضع.

وهذه اللغات لم تذكر في مصدر من المصادر ولا معجم لغويّ من المعاجم بهذا الجمع والاستقصاء والترتيب ، بل ذكروا بعضها مبعثرة غير منسقة ولا مستقصاة كاستقصاء السيّد المصنف ولا مشروحة وجوهها الإعرابية والصرفية كشرحه ، وهذا الجمع والاستقراء والاستقصاء من ميزات الطراز ومنهجية السيّد علي خان التي فاق بها المعاجم التي تقدمته.

فانظر على سبيل المثال هذه اللغات وما يتعلق بها في التهذيب للازهري حيث ذكر اللغة الثالثة من الثانية ثمّ نقلها عن ابن السكّيت ، ثمّ نقل اللغة الثالثة من الأولى ثمّ الرابعة من الثانية (١).

ثمّ ذكر عن الكسائي انه يقال هات وهاء أي اعط وخذ ... قال : ومن العرب من يقول : هاك هذا يا رجل ، وهاكما ... فذكر اللغة التاسعة التي ذكرها السيّد علي خان.

ثمّ قال : وقال أبو زيد : هاءَ يا رجل بالفتح ، وهاءِ يا رجل بالكسر ، وهاء يا للاثنين

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

٢٢٨

في اللغتين جميعا بالفتح ، ولم يكسروا في الاثنين وهاءوا في الجمع ... قلت [ والقول للازهري ] : فهذه جميع ما جاء من اللغات في « ها » بمعنى « خذ » انتهى. مع أنك ترى بعثرة اللغات المنقولة وتداخلها بعضها بالبعض ، وأنّ المنقول بعضها وليس كلّها.

وهكذا بقية معاجم اللغة فأنّها ذكرت بعض اللغات دون بعض ، ذكرتها متداخلة مبعثرة ، حتّى أنّ المحققين ربّما اشتبهوا في ضبط لغة وتمييزها عن أختها الأخرى ، لعدم استقصائهم اللغات وعدم التمييز في السرد والعرض بينها ، فيخلطون لغات « هأ » بلغات « هاء » بلغات « ها » وكلّها بمعنى « خذ » ، وكما يخلطون بين لغات هذه اللغات الثلاثة التي بمعنى « خذ » يخلطون بينها وبين « هاء » التي بمعنى هات.

انظر ذلك الارتباك والخلط والنقص في عرض هذه اللّغات في القاموس (١) والتاج (٢) والعباب (٣) والمصباح (٤) والصحاح (٥) ومفردات الراغب (٦) والتكملة والمحيط (٧) واللسان (٨) والعين (٩) ، وقارن ما ذكروه بما ذكره السيّد المصنف ، فسترى أجمعيته واستقصاءه للغات مع حسن العرض والتفصيل بالامثلة التي تسهل

__________________

(١) القاموس ١ : ٣٦.

(٢) تاج العروس ١ : ٥١٧ ـ ٥١٨.

(٣) العباب ١ : ٢٠٤.

(٤) المصباح المنير : ٦٤٤.

(٥) الصحاح ١ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٦) المفردات : ٥٤٩.

(٧) والمحيط ٤ : ٩٤ ـ ٩٥.

(٨) اللسان ١ : ١٨٨.

(٩) العين ٤ : ١٠٢.

٢٢٩

على طالب اللغة تناولها واستقصاء وجوهها بلا غناء.

* وفي مادة « وطأ » قال : « وطؤ الموضع يوطؤ ـ ككرم يكرم ـ وطاءة ووطوءة وطئة وطأة ، ككرامة وسهولة وعدة وسعة : لان ودمث ، فهو وطيء ككريم ».

وهذه المصادر لم تجمع هذا الجمع في معجم من معاجم اللغة.

ي ـ توفيقه بين أصول اللغة والاشتقاق الصرفي وبين مسموعاتها.

ومن مميزات منهجية السيّد المصنّف ، توفيقه بين الأصول اللغوية التي تردّ لها الكلمات ، وبين المسموع فيها ، فهو يحاول أن يعتمد على المسموع ما وسعه ذلك ، وإذا كان له وجه في تطابقه مع الأصول اللغوية ، ذهب إليه لا محالة.

ففي مادة « جرأ » قال : والجرّيئة كسكّينة : بيت تصاد فيه السباع ، والقانصة ، والحلقوم ، وتخفّف الهمزة فيقال : جرّيّة كعلّيّة ، الجمع جرائئ بهمزتين.

وهنا نرى اختلاف المضبوط في كتب اللغويين ، فهل أنّ الذي بمعنى الحوصلة هو الجرّيئة والجرّيّة مخففة عنه؟ أم هو الجريّة أم الجرّئة؟

وهل أنّ الذي بمعنى البيت الذي تصاد فيه السّباع هو الجرّيئة والجرّيّة أيضا ، أو هو الجريئة مثال خطيئة؟! هذا مع اختلافهم في النقل عن أبي زيد ، واختلاف كلماتهم وعدم وضوحها في هل أنّ هناك فرقا في الفاظ هذه المعاني أو بعضها ، خصوصا « الجرّيئة » أو « الجرّيّة » ، وأيّهما الأصل؟

وهل هما لغتان مستقلتان ، أم أنّ أحداهما فرع عن الأخرى؟

وهنا نرى السيّد المصنّف يأخذ لبّة المطلب ، ويعرضه عرضا خاليا عن الارتباك والتكلّف ، فيقرّر أنّها جميعها بالهمز « جرّيئة » وأنّ اللغة الأخرى « جرّية » مخففة

٢٣٠

عنها في الجميع.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، سنقف على تصريحهم تبعا لأبي زيد بأنّ « جرائئ » باجتماع الهمزتين من الأصول المرفوضة وغير المأخوذ بها ، لكنّ السيّد المصنّف لا يأبه بذلك بعد ورود السماع به ، فينقل هذا الجمع مصرّحا أنّه بهمزتين مطابقا لأصل المفرد. وإليك بعض كلماتهم.

ففي نوادر أبي زيد قال في البيت الذي تصاد فيه السباع : الجرّيئة مهموزة ... وجماعها الجرائي بهمزتين مخففتين ، قال أبو حاتم : واجتماع الهمزتين غير مأخوذ به ولا مفلح. والجرّيئة أيضا قانصة الطير (١).

وفي التهذيب ، قال : أبو عبيد عن الفراء : يقال : ألقه في جريّتك (٢) ، وهي الحوصلة. أبو زيد : هي القريّة والجريّة (٣) النوطة لحوصلة الطائر ؛ هكذا رواه ثعلب عن ابن نجدة عنه بغير همز ، وأما ابن هاني فانه روى لابي زيد الجرّئة (٤) بالهمز (٥).

وفي لسان العرب : الجرّيّة والجرّيئة : الحلقوم. والجرّيئة ممدود : القانصة (٦) ، التهذيب : أبو زيد : هي الفرّيّة والجرّيّة والنّوطة لحوصلة الطائر ؛ هكذا رواه ثعلب عن ابن نجدة بغير همز ؛ وأمّا ابن هانئ فإنّه قال : الجرّيئة مهموز ؛ لأبي زيد ، والجريئة مثال خطيئة : بيت يبنى من حجارة ويجعل على بابه حجر يكون أعلى الباب ، ويجعلون لحمة السّبع في مؤخّر البيت ، فإذا دخل السبع فتناول اللحمة

__________________

(١) النوادر في اللغة : ٢٥٩.

( ٢ ـ ٤ ) يبدو أنّ ما في التهذيب هنا من غلط النسخ ، كما ستعلم من خلال ما نقله ابن منظور عنه.

(٥) التهذيب ١١ : ١٧٣.

(٦) لاحظ صنيعه فانه مشعر بأنّ في الحلقوم لغتين ، وفي القانصة لغة المد فقط.

٢٣١

سقط الحجر على الباب فسدّه. وجمعها جرائئ ؛ كذلك رواه أبو زيد ، قال : وهذا من الأصول المرفوضة عند أهل العربية إلاّ في الشذوذ.

وفي القاموس والتاج ( والجريئة كالخطيئة : بيت ) يبنى من الحجارة ويجعل على بابه حجر يكون أعلى الباب ( يصطاد فيه السباع ) لأنّهم يجعلون لحمة للسبع في مؤخّر البيت فإذا دخل السبع ليتناول اللحمة سقط الحجر على الباب فسدّه ( ج جرائئ ) رواه أبو زيد ؛ قال : وهذا من الأوزان المرفوضة عند أهل العربية إلاّ في الشذوذ ( و ) قال ابن هانئ : الجرّيئة بالمد والهمز ( كالسكّينة ) وفي بعض النّسخ : بالتخفيف ، وفي أخرى بغيرها ( القانصة والحلقوم كالجرّيّة ) وهي الحوصلة ، وفي التهذيب : قال أبو زيد : هي القرّيّة والجرّيّة والنّوطة لحوصلة الطائر ، هكذا رواه ثعلب عن ابن نجدة بغير همز.

وفي التكملة والعباب ، قال الصاغاني : قال ابن هانئ : الجرّيئة ـ بالمدّ والهمز ـ الحوصلة ؛ لغة في الجرّيّة (١).

وفي المحيط قال الصاحب : والجرّيئة : القانصة ، مهموزة بوزن جرّيعة (٢).

فها نحن نرى أبا زيد ينقل أنّ « الجرّيئة » بمعنى القانصة ـ وهي نفسها الحوصلة ـ ونرى التخبّط والغلط في النقل عنه ، فقد نقلها الأزهري في التهذيب عن أبي زيد « الجريّة » نقلا عن ثعلب عن ابن نجدة عن أبي زيد ، ونقلها عن ابن هانئ عن أبي زيد « الجرّئة ».

ونقل ابن منظور عن التهذيب : عن ثعلب عن ابن نجدة عن أبي زيد « الجرّيّة » ،

__________________

(١) التكملة والذيل ١ : ١١ ، العباب الزاخر ١ : ٣٣.

(٢) المحيط ٧ : ١٧٦.

٢٣٢

وعن ابن هانئ عن أبي زيد « الجرّيئة » ، وهذا هو النقل الصحيح ، وما في التهذيب المطبوع مصحّف مغلوط.

ونقل الفيروزآباديّ أنّ الجرّيئة كسكّينة كالجرّيّة. وكذلك هو في التكملة والعباب عن ابن هانئ ، قال : الجرّيئة الحوصلة لغة في الجرّيّة. ونقلهما صحيح ، ولكنّهما لم ينبّها على أن اللغة الثانية إنّما هي تخفيف عن اللغة الأصلية المهموزة.

واقتصر الصاحب على نقل الجرّيئة بالهمز (١).

ونقل ابن منظور الجرّيّة والجرّيئة بمعنى الحلقوم ، ثمّ قال : والجرّيئة القانصة. فأوهم أنّ بينهما فرقا ، وأنّ التي بمعنى الحلقوم فيها لغتان ، والتي بمعنى القانصة فيها لغة واحدة.

وهنا تبدو براعة السيّد المصنف حيث نقل ما هو الثبت الصحيح من كونها كسكّينة ، وأنّ اللغة الثانية كعلّيّة مخففة منها ، ولم يلتفت إلى ما في التهذيب من غلط في النقل ، أو لعلّه كانت عنده نسخة منه صحيحة كالتي نقل عنها ابن منظور.

هذا فيما يخص الجرّيئة بمعنى القانصة ـ الحوصلة ـ والحلقوم.

وأمّا ما يخصّ الجرّيئة بمعنى البيت الذي تصاد فيه السباع ، فقد نقل السيّد المصنف النقل الثبت الصحيح عن النسخ الصحيحة لنوادر أبي زيد ، دون التفات إلى ما وقع في القاموس واللسان ، فإنّ الذي صرّح به أبو زيد هو أنّ « الجرّيئة » هي البيت الذي تصاد فيه السباع.

فما في القاموس من قوله : « والجريئة ، كالخطيئة : بيت يصطاد فيه السباع » وصرّح الزبيدي بأنه نقله عن أبي زيد ، غلط من الفيروزآبادي أو من نسخة النوادر

__________________

(١) المحيط ٧ : ١٧٦.

٢٣٣

التي أخذ عنها دون تثبّت ، وكذلك ما صنعه ابن منظور حيث نقل نفس هذا النقل المغلوط عن أبي زيد ، وبالتالي فانهما ـ أعني الفيروزآبادي وابن منظور ـ فرّقا في ضبط ما بمعنى الحوصلة عن ما هو بمعنى البيت الي تصطاد فيه السباع.

والسيّد المصنف هنا ، ضبط هذه اللغة ، وقررّ أنّ القانصة ، والحلقوم ، والبيت الذي تصاد فيه السباع. كلها « الجرّيئة » كسكّينة ، مصرحا بان اللغة الثانية « الجرّية » كعلّيّة مخففة منها.

وفوق كل هذا لم يلتفت السيّد المدني إلى كون « جرائئ » جمعا شاذا ، أو لا خير فيه ، أو من الأصول المرفوضة عند أهل اللغة ، لأنّ السماع حاكم في مثل هذا ، وقد نقله أبو زيد صحيحا عن العرب ، فلذلك تخطى السيّد المصنف الأصول اللغوية واعتمد على النقل والسماع الصحيح.

* وفي مادة « زوأ » قال السيّد المصنّف : زاء الدهر به زوءا ، كقال : انقلب ؛ من افراد أبي عمرو ، قال : فرحت بهذا الكلمة. وزوء المنيّة ، كضوء : حادثها ، أو هو تصحيف زوّ ـ بدون همز ـ وهو ما انزوى إلى المرء منها ، وما قصد منها إلى من حان موته ، قال لبيد :

ولا يدفع زوّ المنيّة الحيل

فهنا السيّد المصنّف أبدى الترديد في الأصل اللغوي لكلمة « زوء » ، هل أنّها من « زوأ » أي من المهموز ، أم هى من « زوى » أي من المقصور؟ ولم يترك الموضوع دون إشارة أو تحقيق ، وذلك لأنّ الفعل « زاء » مسموع ؛ انفرد بنقله أبو عمرو ، وامّا مادة « زوى » فلها مشتقات ومستعملات عربية كثيرة ، وهي أصل صحيح لا كلام فيه.

فهل أن الكلمة « زوء » بالهمز ترجع إلى ما انفرد أبو عمرو في نقله؟ أم أنّها مشتقة من « زوى » الأصل العربي الصحيح؟!

٢٣٤

يبدوا أنّ السيّد المصنّف مال هنا إلى كونها من « زوى » موافقة للأصل الثلاثي المقصور ، لكنّه لم يفته ذكرها في المهموز لصحة السماع بها.

ويظهر ميله إلى أنّها من مادة « زوى » انشاده الشعر بلا همز ، واحتماله أنّ « زوء » مصحفة عن « زوّ » بدون همز ، ويعضده في ذلك ما روي من أشعار العرب في كلمة « زوّ » بلا همز.

والذيّ أصرّ على أنّها بالهمز هو الأصعمي وحده مع أنّ الجوهري نقلها عنه « زوّ » بلا همز ، وهذا يعضد احتمال أن الهمز تصحيف ، كما يعضده في ذلك شك اللغويين وارتيابهم في رواية « ليزوأنّ » في الحديث الشريف الذي سيأتي نقله ، وتصريح بعضهم بعدم سماعه بالهمز ، وتصويبهم رواية « ليزوينّ » (١) ، ومع كل هذا لم يشك أحد منهم بصحة اشتقاقها من المقصور « زوى ».

بعدم سماعه بالهمز ، وتصويبهم رواية « ليزوينّ » (٢) ، ومع كل هذا لم يشك أحد منهم بصحة اشتقاقها من المقصور « زوى ».

وإليك بعض كلماتهم في مادة « زوأ » ، بعد أن اهملها الخليل والجوهري وابن دريد والزمخشري وغيرهم ، ومن ذكرها قال فيما نحن فيه :

ففي المحيط : الزّوء ، مهموز : الحمام والقدر ، زاء الله علينا ذاك ، وزيء علينا : أي قدّر لنا ، وزاء بهم الدهر : أي ساء وانقلب بهم (٣).

وفي التكملة : أهمله الجوهري ، وقال أبو عبيد عن الأصمعي : زوء المنية ، ما يحدث منها ، بالهمز ... وقال أبو عمرو : قد زاء الدهر بفلان : انقلب به ، وهذا دليل

__________________

(١) ولا يفوتنا أن ننبه إلى ان بعضهم رواه « ليأرزنّ ».

(٢) ولا يفوتنا أن ننبه إلى ان بعضهم رواه « ليأرزنّ ».

(٣) المحيط ٩ : ١١٢.

٢٣٥

على أنّه مهموز ؛ قال أبو عمرو : فرحت بهذه الكلمة (١). ومثله في العباب (٢).

وفي افعال ابن القطاع اقتصر على الفعل ، قائلا : وزاء الدهر زوءا : انقلب (٣).

وفي اللسان : روي في الحديث أن النبيّ قال : « إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء إذا فسد الناس ، والذي نفس أبي القاسم بيده ليزوأنّ الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها » ، هكذا روي بالهمز.

قال شمر : لم أسمع زوأت بالهمز ، والصواب ليزوينّ ، أي ليجمعنّ وليضمّنّ ؛ من زويت الشيء إذا جمعته ، وسنذكره في المعتل إن شاء الله. [ ونفس هذا الحديث وما قيل فيه ذكره الازهري قبله في التهذيب ].

وقال الأصمعي : الزّوء بالهمز زوء المنية : ما يحدث من المنية.

أبو عمرو : زاء الدهر بفلان أي انقلب به ، قال أبو منصور : زاء فعل من الزوء ، كما يقال من الزوغ : زاغ.

وفي القاموس : زوء المنية : ما يحدث منها ، وزاء الدهر به انقلب ، قال أبو عمرو : فرحت بهذه الكلمة. وشرحها الزبيدي في التاج بما في اللسان ، وذكر حديث النبي والكلام عليه.

وأمّا أقوالهم في مادة « زوى ».

ففي الصحاح : قال الأصمعي : زوّ المنية ما يحدث من هلاك المنية ، ويقال : الزوّ القدر. يقال : قضي علينا وقدّر ، وحمّ ، وزيّ ، قال الشاعر :

من ابن مامة كعب ثمّ عيّ به

زوّ المنيّة إلاّ حرّة وقدى

__________________

(١) التكملة والذيل والصلة للصاغاني ١ : ٢٦.

(٢) العباب الزاخر ١ : ٦٧.

(٣) الأفعال ٢ : ١٠٣.

٢٣٦

وفي التهذيب : وأمّا الزوء بالهمز ، فإن أبا عبيد روى عن الأصمعي انه قال : زوء المنية ما يحدث من المنية. وأخبرني المنذري ، عن الحراني ، عن ابن السكيت أنّه قال : قال ابن الأعرابي : الزّوّ القدر. وأنشد :

من ابن مامة كعب ثمّ عيّ به

زوّ المنية إلاّ حرّة وقدى

ويروى زوّ الحوادث ، رواه ابن الاعرابي بغير همز ، وهمزه الاصمعي.

وروى أبو سعيد عن أبي عمرو انه قال : تقول زاء الدهر بفلان أي انقلب به ، قال أبو عمرو : فرحت بهذه الكلمة ، قلت : زاء فعل من الزوء ، كما يقال من الزّوغ : زاغَ.

وفي الاساس : أدركه زَوُّ المنيّة قدرها.

وفي اللسان : قال أبو الهيثم ... وأما الزّوء بالهمز ، فإن الأصمعي يقول : زوء المنية ما يحدث من هلاك المنية ، والزَّوء الهلاك ، وقال ثعلب : زوّ المنيّة أحداثها ... قال :

من ابن مامة كعب ثمّ عيّ به

زوّ المنية إلاّ حرّة وقدى

وهذا البيت أورده الازهري والجوهري مستشهدا به على قول ابن الاعرابي : الزّوّ القدر ، يقال : قضي علينا وقدّر وحمّ وزُيَّ وزِيَّ ... وانشد ابن بري للاسود بن يعفر :

فيا لهف نفسي على مالك

و هل ينفع اللهف زوّ القدر

وأنشد أيضا لمتمم بن نويرة :

أفبعد من ولدت بسيبة أشتكي

زوّ المنيّة أو أرى أتوجّع

ويروى : زوّ الحوادث ، ورواه ابن الاعرابي بغير همز ، وهمزه الأصمعي.

ولم يذكره الفيروزآبادي في المقصور فاستدركه عليه الزبيدي ، وقال : ونقل الجوهري عن الاصمعي زوّ المنية ما يحدث من هلاك المنية ، وفي المحكم : الزوّ

٢٣٧

الهلاك ، وزوّ المنية أحداثها عن ثعلب ... قال الجوهري : ويقال : الزوّ القدر ، يقال : قضى علينا وقدّر وحمّ وزيّ ، قال الشاعر الايادي :

من ابن مامة كعب ثمّ عيّ به

زوّ المنية إلاّ حرّة وقدى

وفي التهذيب : ويروى زوّ الحوادث ، قال : ورواه الاصمعي « زوء » بالهمزة.

قلت : وقد تقدم ذلك للمصنف [ أي الفيروزآبادي ] في الهمزة. وقال أبو عمرو : زاء الدهر بفلان انقلب به ، قال أبو عمرو : فرحت بهذه الكلمة ، قال الازهري : زاء فعل من الزوّ ، كما يقال من الزّوغ زاغ.

وبعد تصفح أقوالهم والأشعار المروية ، وما اضافه هو رحمه‌الله من الشعر يظهر واضحا اعتناء السيّد المصنف بالمسموع ، مع ترجيحه أو الميل إلى ترجيح ما يوافق الأصول اللغوية. وقد ذكر كل ذلك بأخصر عبارة وأوضحها ، وأشار إلى علّة ترجيحه حين ذكر وجه اشتقاقها من « زوى » قائلا : « وهو ما انزوى إلى المرء منها » ، واحتمل التصحيف في نقل الهمز ـ خصوصا بعد نقل الجوهري القصر عن الاصمعي ـ وبعد انفراد أبي عمرو بسماع « زاء الدهر به » ؛ إذ مع وجود أصل صحيح متفق عليه لا داعي للمصير إلى مفردة واحدة انفرد بسماعها واحد.

ويؤكد ذلك ما روى من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليزوأنّ الإيمان بين هذين المسجدين. ففي الغريبين للهروي (١) ذكره في مادة « زوى » ثمّ قال : قال شمر : صوابه ليزوينّ ، أي ليجمعنّ وليضمّنّ. ومثله صنع ابن الجوزي في غريب الحديث (٢).

__________________

(١) الغريبين ٣ : ١٤٠.

(٢) غريب الحديث ١ : ٤٤٧.

٢٣٨

ثمّ جاء ابن الأثير في نهايته فذكر الحديث وقال بلا تردّد ولا عزو لشمر ولا غيره : والصواب ليزوينّ بالياء ، أي ليجمعنّ ويضمّنّ (١). فعدّ روايته بالهمزة غلطاً.

* وفي مادة « سوأ » قال السيّد المصنّف : « المساءة خلاف المسّرة ، الجمع مساوي بترك الهمزة تخفيفا ، وبدت مساويه : نقائصه ومعايبه ، قيل : لا واحد لها كالمحاسن ».

وهنا صرّح الكثير من أهل اللغة بان المساوي لا واحد لها من لفظها ، كما في مادة أمم من لسان العرب (٢) ، ومجمع الأمثال للميداني عند نقل المثل « الخيل تجري على مساويها » ، قال : قال اللحياني : لا واحد للمساوي ، مثل المحاسن والمقاليد (٣).

وصرّح بعضهم بأنّ مفردها « سوء » على غير قياس ، قال أبو العبيد البكري في كتاب فصل المقال : قال أبو بكر ابن القوطية : المساوئ جمع سوء على غير قياس ، وقال غيره : لا واحد لها (٤).

وقال الزبيدي عند شرح هذا المثل « الخيل تجري على مساويها » : والمساوي هي العيوب ، وقد اختلفوا في مفردها ، قال بعض الصرفيين : هي ضد المحاسن ؛ جمع سوء على غير قياس ، وأصله الهمز ، ويقال انّه لا واحد لها كالمحاسن (٥).

__________________

(١) النهاية الأثيرية ٢ : ٣٢٠.

(٢) لسان العرب ١٢ : ٣٣.

(٣) مجمع الأمثال ١ : ٢٣٨.

(٤) فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ١ : ١٥٩.

(٥) تاج العروس ١ : ٢٧٩.

٢٣٩

وهذان الرأيان لم يرتضهما السيّد المصنّف ، أمّا إنها لا واحد لها فقد ضعّفه ومرّضه بقوله « قيل » ، وذلك لأنّه ما دام هناك مفرد له متطابق مع أصول الصرف واللغة والاشتقاق ، فلا معنى للقول بان هذا الجمع لا مفرد له.

وأمّا الرأي الآخر ، وهو الرأي القائل بأنّ مفردها « سوء » على غير قياس ، فقد أعرض عنه السيّد المصنّف ولم يذكره أصلا اشعارا منه بوهنه وسقوطه ، لأنّ ورود المفرد على غير قياس للجمع في غاية الشذوذ ، ولا يصار إلى مثله مع ورود النقل بمفرد يتطابق مع الاشتقاق وأصول اللغة.

ففي مادة « طيب » من لسان العرب ، قال : الأصمعي : يقال أطعمنا من مطايبها وأطايبها ، واذكر منانتها وأنانتها ، وامرأة حسنة المعاري ، والخيل تجري على مساويها ، الواحدة مسواة ، أي على ما فيها من السوء كيفما تكون عليه من هزال أو سقوط منه. والمحاسن والمقاليد : لا يعرف لهذه واحدة. وقال الكسائي : واحد المطايب مطيب ، وواحد المعاري معرى ، وواحد المساوي مسوى (١).

وذهب الفيومي في مصباحه إلى كون مفردها « مسوأة » دون أن يذكر الرأيين الآخرين ، فقال : المساءة نقيض المسرّة ، وأصلها مسوأة على مْفْعلة ـ بفتح الميم والعين ـ ولهذا تردّ الواو في الجمع فيقال : هي المساوئ ، لكن استعمل الجمع مخففا.

وذهب إلى هذا الاشتقاق الصحيح ، المغني عن الذهاب إلى الآراء الشاذة ، الشيخ الطريحي في مجمع البحرين أيضاً.

هذا ، وفي مادة « طيب » من لسان العرب ، قال : عن السيرافي : أنه سأل بعض

__________________

(١) لسان العرب ١ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧.

٢٤٠