الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

وهذا المعنى لم يذكر في العين ولا الصحاح ولا التهذيب ولا الجمهرة ولا المحيط ولا المصباح ولا المقاييس ولا المجمل ولا الأساس ولا كثير من مصادر اللغة ، بل بعضهم أهمل المادة « طزر » كلها فلم يذكرها أصلا ؛ كالجوهري في صحاحه ، والصاحب في محيطه ، والأزهري في تهذيبه وغيرهم. ومن ذكر هذا المعنى لم يذكر مضارع هذا الفعل « طزر » ولم يصرّح به.

ففي تكملة الصغاني ، قال : روى ثعلب عن ابن الأعرابي : الطّزر : الدفع باللّكز ؛ يقال طزره طزرا ، إذا دفعه (١).

وفي القاموس والتاج : ( الطّزر ) أهمله الجوهري ، وقال ثعلب عن ابن الأعرابي هو ( الدفع باللكز ) يقال طزره طزرا إذا دفعه (٢).

فقد ذكروا الفعل والمصدر ولم يصرحوا بحركة عين المضارع ، فأوضحه السيّد المصنف ، وذكر أن المضارع على أنّه لم يفته أن يذكر أن هذا المعنى نقله ابن الأعرابي لا غيره ، ولذلك قال : عن ابن الأعرابي.

* وفي مادة « أصص » قال : « وأصّت الناقة تئصّ وتؤصّ وتأصّ أصيصا : سمنت واشتدّ لحمها وتلاحكت ألواحها ، فهي أصوص ، كرسول ».

وتثليث عين المضارع لم يذكر في المعاجم اللغوية المتداولة التي عليها المدار ، إذ اقتصرت على ذكر « تئصّ » و « تؤصّ » دون « تأصّ » ، هذا مع وقوع الاختلاف بينهم في كسر عين المضارع وضمّها ، ناهيك عن عدم ذكرهم فتحه.

فقد اقتصر ابن فارس في مقاييسه على قوله : ويقال للناقة المجتمعة الخلق

__________________

(١) التكملة والذيل والصلة ٢ : ٨٩.

(٢) القاموس والتاج « طرز ».

٢٠١

أصوص.

وقال في مجمله : وناقة أصوص مجتمعة الخلق. فلم يذكر حتّى الفعل الماضي فضلا عن المضارع وحركة عينه.

واقتصر السرقسطي وابن القطاع على ذكرهما الفعل الماضي والمصدر دون المضارع ، فقالا : أصّت الناقة أصّا : اشتدّت ، فهي أصوص (١).

وفي المحيط الأصوص : الناقة الحائل السمينة ... وقيل هي الموثقة الخلق ، وجمعه أصص ، وقد أصّت تؤصّ (٢).

وفي الصحاح : أبو عمرو : وناقة أصوص أي شديدة ، وقد أصّت تؤصّ ، حكاه عنه أبو عبيد.

فها هما قد اقتصرا على نقل لغة ضم عين المضارع ، وجاء الصغاني لينقل لغة كسر المضارع أيضا ، فقال في التكملة : أبو عمر : أصّت الناقة تئصّ ـ بالكسر ـ إذا اشتدّ لحمها وتلاحكت ألواحها ، لغة في تؤصّ ... الأصوص الناقة الحائل.

وكذلك اقتصر الفيروزآبادي عليهما فقال : وأصّت الناقة تؤصّ وتئصّ : اشتد لحمها وتلاحكت ألواحها وغزرت ...

وفي لسان العرب : ناقة أصوص ... وقد أصّت تئصّ ... وقد أصّت تؤصّ أصيصا ، إذا اشتد لحمها وتلاحكت ألواحها.

وفي تاج العروس ذكر اختلافهم في الضم والكسر ، فقال : « أصّت ( الناقة تؤصّ ) بالضمّ ، قاله أبو عمرو ، وحكاه عنه أبو عبيد ؛ نقله الجوهري ( وتئصّ ) بالكسر ،

__________________

(١) الأفعال للسرقسطي ١ : ٨٣ ، والأفعال لابن القطاع ١ : ٥٣.

(٢) المحيط ٨ : ٢١٦.

٢٠٢

أصيصا ، وهذه عن أبي عمرو أيضا كما نقله الصاغاني وضبطه ، وقال أبو زكريا عند قول الجوهري : « تؤصّ » بالضم : الصواب تئصّ بالكسر لأنّه فعل لازم ، وقال أبو سهل النحوي : الذي قرأته على أبي أسامة في الغريب المصنّف : أصّت تئصّ ـ بالكسر ـ وهو الصواب ، لأنّه فعل لازم.

قلت : وقد جمع بينهما الصاغاني ، وقلّده المصنّف [ أي الفيروزآبادي ] إذا ( اشتد لحمها وتلاحكت الواحها ) قال شيخنا : لم يذكره غير المصنّف ، فهو إما أن يستدرك به على الشيخ ابن مالك في الأفعال التي أوردها بالوجهين ، أو يتعقّب المصنّف بكلام ابن مالك وأكثر الصرفيين واللغويين حتّى يعرف مستنده. انتهى.

قلت : الصواب أنّه يستدرك به على ابن مالك ويتعقّب ، فإن الضمّ نقله الجوهري عن أبي عبيد عن أبي عمرو ، والكسر نقله الصاغاني عن أبي عمرو أيضا ، وصوّبه أبو زكريّا وأبو سهل ، فهما روايتان ، وهذا هو المستند ، فتأمّل » (١).

فلاحظ اختلافهم ، وتطويلهم في تصحيح حركة هذا المضارع أو ذاك ، مع ورود النقل بكليهما وصحتهما عند الأئمّة ، ولم يلتفت السيّد المصنف إلى مثل ذلك مع ثبوت النقل ، وزاد عليهم لغة فتح عين المضارع ، فنقل لغة « تأصّ » مستدركا عليهم ما فاتهم.

فهذه بعض النماذج التي حرص المصنف فيها على ذكر حركة عين المضارع ، واستدراكه على اللغويين ما لم يذكروه في معاجمهم ، فكان عمله هذا إغناء للعمل المعجمي ، وزيادة في إثراء اللغة العربية.

__________________

(١) تاج العروس ١٧ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

٢٠٣

ح ـ ذكره لحروف التعدية ، وبيانه لاختلاف المعنى باختلافها.

لقد منيت معاجم العربية في هذا المجال بخللين. أفترضت ضرورة رقعهما وسدّ خللهما.

الأوّل : ما ذكره الأستاذ الشدياق قائلا :

ومن هذا القصور تعريفهم لفظة بلفظة أخرى من دون ذكر الفرق بينهما بالنظر إلى تعديتهما بحرف الجر ، كقول الجوهري مثلا : الوجل الخوف ، ومثلها عبارة القاموس والمصباح ، مع أن « وجل » يتعدى بـ « من » وخاف يتعدى بنفسه.

وكقوله أيضا : الجنف الميل ، وقد جنف ـ بالكسر ـ يجنف جنفاً.

ومنه قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) وهو يوهم أنّه يقال : جنف عنه وعليه وإليه ، كما يقال مال عنه وعليه وإليه. وعبارة المصباح « جنف جنفا من باب تعب : ظلم » وهي توهم أنّه يقال « جنفه » كما يقال « ظلمه ». وعبارة العباب « الجنف : الميل والجور والعدول ».

وكقول المصنف [ أي الفيروزآبادي ] : « العتب : الموجدة والملامة » و « لام » يتعدى بنفسه ، وعتب ووجد يتعدّيان بـ « على ».

وكقوله أيضا : « العوذ الالتجاء كالعياذ ... والاستعاذة » و « عاذ » يتعدى بالباء و « التجأ » يتعدى بـ « إلى ». وعبارة المحكم عاذ به

٢٠٤

عوذاً وعياذا ومعاذا : لاذ به.

وكقوله في آخر مادة « حسب » : « واحتسب انتهى » ؛ و « انتهى » يتعدى بـ « عن » ـ يقال : انتهى عنه ، أي كفّ ، وهو مطاوع نهى ـ ويتعدى أيضا بـ « إلى » ، و « احتسب » يتعدى بنفسه نحو « احتسب أجرا عند الله » أي ادّخره عنده ، ويتعدى أيضا بالباء نحو « احتسب بالشيء » أي اكتفى ، و « فلان لا يحتسب به » أي لا يعتد به. وهذا النموذج كاف انتهى كلامه (١).

ونحن وإن كنّا لا نذعن تماما بما قرّره الأستاذ الشدياق من القصور ، لأنّا لانرى اللغويين ـ وحتّى الفيروزآبادي ـ يلحظون هذه الدقة التي افترضها الاستاذ ، لأنّهم كما هو ظاهر للعيان يريدون بيان مؤدّي ومعنى الكلمة المشروحة ، فيوضحونها بما هو أوضح وأجلى وأعرف عند السامع ، أي أنّهم يلاحظون نفس المعنى المصدري دون ملاحظة الفعل الماضي ، فضلا عن ملاحظة ما يتعدى به ، لأنّ الغرض هو البيان والإيضاح والتعريف ، وما سوى ذلك لم يتقيّدوا بالتزامه.

نعم ، ربّما يكون كلامه متينا وإشكاله واردا في الأفعال ، حيث أنّهم إذا شرحوا فعلا بفعل ، تبادر إلى الذهن تعديتهما بنفس حرف التعدية ، ففي مثل ذلك ينبغي الدقة ومعادلة الفعل بفعل آخر يتعدى بمثل ما يتعدى به.

أقول : نحن وإن كنا لا نذعن بذاك ونؤيّد هذا ، نرى خلوّ معجم الطراز من هذه الإشكالية التي طرحها الأستاذ الشدياق ، فهي على دقتها الشديدة ، لا نراها جارية في كتاب ( الطراز ) إذ صنّف بدقة متناهية في هذا المجال ، حتّى خلا عن مثل هذه

__________________

(١) الجاسوس : ١٢.

٢٠٥

النكات السلبية الظريفة جدّا.

فما طرحه من الإشكال على القاموس في « العتب : الموجدة والملامة » إذا سلّم وردده على خصوص القاموس ، فإنه مرتفع في اصل اللغة ، وخصوصا بملاحظة ما ذكره السيّد المدني في مادة « عتب » حيث قال : « عتب عليه وعتبه : إذا وجد عليه » ، فنحن نرى « وجد » و « عتب » يتعديان بنفس الحرف « على » وهذه من دقة السيّد المصنف ، ومن ناحية أخرى ، فإنّه لا إشكال في شرح « العتب بالملامة » لأنّ « لام » كما يتعدّى بنفسه ، فإنّ « عتب » أيضا يتعدّى بنفسه كما نقله السيّد المصنّف.

وما طرحه في مادة « عوذ » ، نراه مرتفعا في الطراز. حيث قال السيّد المدني :

« عاذ به ... لجأ إليه واعتصم به ، كأعاذ به وتعوّذ واستعاذ به ». فذكر الفعل الثلاثي « عاذ » متعديا بالباء ، وشرحه بفعل آخر « لجأ » وذكر أنّه يتعدى بـ « إلى » فرفع التوهم ، ثمّ بالغ في رفع التوهّم فعادله بفعل يتعدى بنفس ما يتعدى به الفعل المشروح ، فقال « واعتصم به » ، فإنّ اعتصم يتعدّى بالباء تماما كما يتعدى « عاذ » بالباء.

وما طرحه في مادة « حسب » ، أيضا متلافى في الطراز الأول ، حيث قال السيّد المصنّف « واحتسبت بكذا : اكتفيت ». فكما أنّ الفعل « احتسب » يتعدّى بالباء ، فكذلك « اكتفى » يتعدى بالباء ، فلا لبس ولا إيهام.

وهذه نماذج عرضناها ممّا أشكل بها على القاموس ، واتضح من خلال مقارنتها بالطراز ، خلوّ الطراز من تلك الإشكالات ، وكيف أنّه سار ضمن منهج دقيق ، تخطى به الكثير من الإشكاليات التي ابتليت بها معاجم اللغة العربية.

وهكذا الحال في جميع الكتاب وأبوابه وفصوله ، تراه خاليا من الإيهام والتعقيد ، بل هو سلس سهل في تناول موادّه ، خصوصا فيما نحن فيه أعني الأفعال

٢٠٦

باعتبار تعديها وما تتعدى به من حروف ، على أنّ الذي أبعد السيّد المصنف عن الوقوع بمثل هذا النقص ، هو اهتمامه بذكر الأفعال وشرحها إمّا بأفعال أخرى ، أو بجمل وافية بشرح المعنى ، ثمّ ذكره ما يشتق منها من مصدر أو اسم مصدر أو اسم مكان أو زمان أو آلة أو غيرها ، فهو بعيد في جملته ومنهجه عن شرح المصدر مباشرة بمصدر آخر أو غيره من المتصرفات والمشتقات بما يعادلها وذلك ما يجنّبه الوقوع في إشكاليّة اختلاف تعديتهما بهذا الحرف أو ذاك ، فهو يشرح الفعل بالفعل ، مطابقا لكليهما من حيث الدقة في إيصال المعنى وفي ما يتعديان به.

الثاني : هو ما يلحظ في أمّهات كتب اللغة من ذكرهم جملة من استعمالات الفعل واختلاف معانيها ، دون إيضاح ما يتعدّى به ، بل لعلّهم يذكرون الفعل بدون حرف تعدية ، ثمّ يشرحونه يما يقتضي وجود حرف التعدية فيه ، وذلك ما يضيّع على الطالب فرصة التعرف على كيفية الاستعمال الصحيح للفعل ، وما يؤدّيه من معنى في الجمل.

وفي هذا المجال يبرز السيّد المصنف مسابقا مجلّيا في الحلبة ، حيث دقّق أيما تدقيق في فصل كل معنى بحسب كل استعمال وفق ما يتعدى به من حرف ، وأطرد هذا في كتابه ، فجاء نظاما محكما محبوكا في هذا الباب وإليك بعض النماذج في هذا المضمار :

* ففي مادة « زأزأ » قال :

« زأزأه زأزة : طرده وخوّفه.

وعنه الخوف : جنّبه ...

وتزأزأ : تزعزع.

ومنه : خاف وتصاغر له هيبة.

٢٠٧

وعنه : توارى.

وفي مشيه : حرّك عطفيه جهده ».

فأما قوله « زأزأ عنه الخوف » بمعنى جنّبه فلم أر من ذكره من أرباب المعاجم المتداولة ، وهو صحيح قطعا أخذا من قولهم زأزأه بمعنى طرده ، فإذا عديت بـ « عن » صارت بمعنى طرد عنه ، أي جنّبه.

وأما قوله « تزأزأ عنه : توارى » فإنهم لم يذكروا فيه حرف التعدية ، مقتصرين على تفسير « تزأزا » بـ « توارى » و « اختبأ » دون إشارة إلى ما يتعدى به ، أو كيف يستعمل هذا الفعل ، واستشهدوا بشعر جرير :

تبدو فتبدي جمالا زانه خفر

إذا تزأزأت بالسود العناكيب

فإنّ معناه اختبأت وتوارت عن الناس ، فشرحوه بالتواري الذي يتعدى بـ « عن » دون تصريح باستعمال « تزأزا » مع « عن » ، وصنيعهم هذا موهم بأنّه يدل على معناه بلا حرف ، غير منبهين على ما نبّه عليه السيّد المصنف ، من استعماله متعدّيا بـ « عن » وافتراق معناه عنه عند تعديته بـ « من ».

وكذلك يلاحظ استعمال « تزأزأ في مشيه : بمعنى حرك عطفيه جهده » ، فإنّ اللغويين اقتصروا على قولهم « تزأزأ : مشى محركا أعطافه كهيئة القصار » ، فأوضح السّيد المصنّف هذا الاستعمال عبر حرف الجر « في » ليتضح معنى تحريك العطف ، فلذلك قدم قوله « تزأزأ في مشيه » ثمّ شرحه بتحريك الاعطاف.

* وفي مادة « فشأ » قال : « وأفشأ عليهم : استكبر ، فهو مفشىء ».

فعدّى الفعل « أفشأ » بحرف الجر « على » ثمّ شرحه بالفعل استكبر ، وهذا هو المعنى الدقيق لهذا الفعل والاستعمال الصحيح ، وأمّا معاجم اللغة ، فقد تساهلت في ذلك مكتفية بقولها : « أفشأ : استكبر » ، متغافلة عن أنّ استكبر يتعدى بـ « على » ،

٢٠٨

فلا بد أن يكون الفعل المفسّر متعديا بـ « على » ، فتلافى السيّد المصنف هذا القصور أو التقصير ، وأرجع الأفعال المشروحة إلى الاستعمالات الأصيلة وحروفها : متطابقة مع الأفعال الشارحة من حيث التعدّي.

* وفي مادة « فطأ » قال السيّد المصنف : « فطأ ظهر البعير : غمزه فتطأطأ له ، و [ فطأ ] عليه : حمل عبأ ثقيلا فتطامن ».

وهذان المعنيان مع الفرق بينهما في غاية الوضوح ، فإن « فطأ » المتعدي بنفسه يقابله بالشرح غمزه المتعدي بنفسه ، و « فطأ » المتعدي بـ « على » يقابله « حمل » المتعدي بـ « على » أيضا ، أي حمل عليه عبأ ثقيلا فتطامن ، فالمتعدي بنفسه يعطي معنى الغمز وتطأطؤ البعير ، والمتعدّي بـ « على » يعطي الحمل عليه والتطامن من الثقل.

وإذا نظرت إلى عبارات اللغويين في استعمال هذا الفعل ، وقفت امام ركام هائل من الخلط بين هذين المعنيين ، بحيث يصعب على القارئ أن يهتدي إلى الفرق بينها بسهولة.

ففي القاموس والتاج : فطأ ظهر بعيره ـ كمنع ـ أي حمل عليه حملا ثقيلا فاطمأنّ ودخل (١).

وفي الكنز اللغوي لابن السكيت فطأت ظهر دابتك : إذا حملت عليها فأثقلتها (٢).

وفي كتاب الأفعال لابن القطاع فطأ ظهر الدابة أثقلها فدخل ظهرها (٣) ... وأيضا

__________________

(١) القاموس والتاج « فطأ ».

(٢) الكنز اللغوي : ٢١٢.

(٣) الأفعال لابن القطاع ٢ : ٤٨٤.

٢٠٩

ضرب ظهر الدابة بيده.

وفي الأفعال للسرقسطي : فطأ ظهر الدابة : إذا أثقلها فيندخل ظهرها (١).

وفي العباب والصحاح : أبو زيد : فطأه أي ضربه على ظهره ، مثل حطأه (٢).

وفي الجمهرة : وفطأت ظهره أفطؤه فطأ إذا حملت عليه حملا ثقيلا حتّى يتفزّر ، أو ضربته حتّى يطمئن (٣).

وهكذا تظهر عباراتهم متداخلة في المعنيين ، فلا يحسّ الفرق بين فطأ ظهر البعير إذا حمل عليه حمل ثقيلا وبين فطأه إذا ضربه حتّى يطمئن ، لا يحس الفرق بينها إلاّ بشقّ الأنفس ، إذ أوضح عباراتهم في هذا المورد هي عبارة الجمهرة وهي كما ترى غير مفصحة عن الفرق بشكل واضح ، بخلاف عبارة السيّد المدني وتفريقه بين المعنيين والاستعمالين من خلال تعدية الاول بنفسه ، وتعديه الثاني بـ « على » لأنّ فيه معنى الحمل ، فاتضح الفرق جليّا بين التطامن والتطأطؤ من الغمز وبينه من الحمل عليه.

* وفي مادة « ذأر » قال :

« ذئر ، كتعب : غضب واشتدّ غيظه.

ومنه : فزع.

وعليه : اجترأ ...

__________________

(١) الأفعال للسرقطي ٤ : ٣٢.

(٢) العباب والصحاح « فطأ ».

(٣) جمهرة اللغة ٢ : ١٧٩.

٢١٠

وبه : ضري واعتاده ، فهو ذئر ».

ولم تذكر هذه الاستعمالات بهذا النسق وهذا الوضوح في المعاجم ، بل ذكرت مرتبكة متفاوتة الدرجة من الوضوح بين عبارة وأخرى ، هذا ناهيك عن أنّهم جميعا قالوا « ذئر : فزع » ، ولم يعدّوه بـ « من » ، لكنّ السيّد المصنّف لاحظ الدقة فذكر استعماله مع « من » فقال : « ذئر منه : فزع » لأنّ الفزع أيضا يتعدى بـ « من » يقال « فزع منه » ، فتعدية ذئر بـ « من » هو الاستعمال الصحيح الذي يقابل « فزع منه ».

* وفي مادة « قيس » قال : « قاس به وعليه وإليه قيسا ، كباع : قدّره به ، فانقاس ».

هنا جمع السيّد الحروف التي يتعدى بها الفعل « قاس » ، وهي الباء و « على » و « إلى » ، مع أن باقي المعاجم ذكرت بعضها دون بعض ، ففي الصحاح ذكر التعدية بالباء فقط ، وفي القاموس واللسان والعباب ذكروا التعدية بالباء و « على » ، واستدراك السيّد المصنف عليهم التعدية بـ « إلى ».

* وفي مادة « بوص » قال :

« باصه بوصا ، كقال : تقدّمه ، وسبقه ، وفاته ، واستعجله في تحميله إياه أمرا لا يدعه يتمهّل فيه.

وعنه : هرب.

ومنه : استتر.

وعليه : ألحّ ، وسار سيرا شديدا ... ومنه خمس بائص أي جاد مستعجل.

ومن العمل : تعب ».

فهذا الترتيب يجعل تناول المادة اللغوية وفهمها سهلا سريعا خلوا من الارتباك والتعقيد ، لوضوح كل استعمال طبق حرف الجر وما يتعلق به.

وبمقارنة بسيطة لهذه المستعملات بما ذكروه منها في معاجم اللغة يتضح

٢١١

الفارق شاخصا جليّا بين منهجية السيّد المصنّف في ذكر الأفعال ومتعلقاتها ، وبين صنبابية منهجيتهم وذكرهم المعاني مجملة ضمن المصادر ، دون إيضاح كيفية استعمال فعلها ومع أيّ حرف يؤدي المعنى الفلاني المتوخّى ، وكيف يتبدل مفاد الفعل بتبدل الحروف المتعلقة به.

ففي القاموس :

البوص : السبق ، والتقدم ، والاستعجال ، والاستتار ، والهرب ، والالحاح ... والتعب.

فذكر المصدر ومعانيه مجملة دون ذكر للفعل ، أو كيفية استعماله.

وفي لسان العرب :

البوص : الفوت والسبق والتقدم. باصه يبوص بوصا فاستباص : سبقه وفاته ... والبوص أيضا الاستعجال ... وبصته استعجلته ... وباصه فاته ... ومنه حديث عمر : أنّه أراد أن يستعمل سعيد بن العاص فباص منه ، أي هرب واستتر وفاته.

فخلط بين المصادر والأفعال ، وقدّم بعضا وأخرّ بعضا ، وشرح حديث عمر بثلاثة معان بينها تفاوت دقيق ، كل ذلك بلا ترتيب ولا نسق ولا نظام ، ولا أثر واضح للفعل وما يتعدى به.

وفي الصحاح :

البوص السبق والتقدم ، قال امرؤ القيس :

أمن ذكر ليلى اذ نأتك تنوص

فتقصر عنها خطوة وتبوص

وخمس بائص أي مستعجل ...

فذكر المصدر واستشهد له بشعر فيه الفعل المضارع ، ثمّ ذكر معنى الاستعجال

٢١٢

من خلال اسم الفاعل ، فلم يذكر الفعل الماضي أصلا ولا معانيه.

وفي التهذيب قال :

البوص : الفوت والسّبق ؛ يقال باصني الرجل أي فاتني وسبقني ، وقال الليث : البوص أن تستعجل إنسانا في تحميلكه امرا لا تدعه يتمهل فيه وانشد :

فلا تعجل عليّ ولا تبصني

ودالكني فاني ذو دلال

وسار القوم خمسا بائصا أي معجلا ملحّا ... ثعلب عن ابن الأعرابي بوّص : إذا سبق ، وبوّص إذا سبق في الحلبة (١) ...

فهو أيضا ذكر المصدر وبعض معانيه ثمّ ذكر الفعل الماضي ثمّ ذكر المصدر ومعنى الاستعجال ثمّ أنشد له شاهدا فيه فعله المضارع ، ثمّ جاء بجملة فيها اسم الفاعل « بائص » وذكر معنى آخر للبوص ، ثمّ ذكر المضعّف.

وهذا نفس التخبط في باقي المعاجم اللغوية ، فأنّها دارت في نفس هذا المدار (٢).

فإذا قارنت هذه العبارات ، بما ذكره السيّد المصنف من ذكر الفعل الثلاثي ، متعديا بنفسه بمعنى تقدمه وسبقه وفاته ، ثمّ عداه بـ « عن » بمعنى هرب ، وب « من » بمعنى استتر وهو المراد في حديث عمر ، وب « على » بمعنى الالحاح لان ألحّ تتعدى بـ « على » ، ومن ثمّ افترق المعنى عند تعديته بـ « من » بالنسبة للعمل ، فانه يكون بمعنى التعب ، فأين ذلك الخلط والارتباك وعدم النسق ، من هذا الطراز الاول

__________________

(١) تهذيب اللغة ١٢ : ٢٥٨.

(٢) انظر جمهرة اللغة ١ : ٣٥١ ، والعين ٧ : ١٦٩ ، ومعجم مقاييس اللغة ١ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، والمحيط ٨ : ٢٠٤.

٢١٣

في ذكر الفعل الماضي واستعمالاته طبق ما يتعدى به؟! إنّ فيما ذكرناه كفاية في المقام.

ط ـ حسن الاستقراء والاستقصاء.

إنّ من ميزات كتاب الطراز ومنهجيّته هو سعيه للاستقراء والاستقصاء وجمع وبيان الوجوه واللغات ، سواء كان ذلك في الجموع أو المصادر أو الأسماء الجوامد أو سائر المشتقات ، وكذلك يحاول الاستقصاء في بيان الوجوه الإعرابية والصور التي تكلّمت بها العرب في الجمل ، وهذه الميزة بهذه الشمولية لم نجدها في المعاجم الأخرى ، فإنها تذكر البعض دون البعض الذي حاول ذكر أكبر قدر من الوجوه واللغات والجموع والمصادر لم يستقصها ولم يصل إلى ما وصل إليه المصنف في طرازه الأوّل.

* ففي مادة « بدأ » مثلا ، قال :

« وافعل هذا بادئ بدء كفلس. وبادئ بديء كبديع ، وبادئ بدئ ككتف ، وبدء بدء كفلس فيهما ، وبدأة بدأة « كضربة ضربة » ، كل ذلك باضافة الأول إلى الثاني ، والهمز فيهما.

وبدء ذي بدء كفلس فيهما ، وبدء ذي بداءة كفلس وسحابه ، وبدء ذي بدأة ك‍ « ضرب ذي ضربة » ، وبدأة ذي بدء ك‍ « ضربة ذي ضرب » ، وبدأة ذي بدأة كضربة فيهما ، وبديء ذي بديء ، كبديع فيهما ، وبدأة بدأة بالبناء كصحرة بحرة ، والكلمتان في كلّ ذلك بالهمز.

٢١٤

وبادي بديء كبديع ، وبادي بداء كسحاب ، وبادي بدء كفلس ، بسكون ياء الاول بعد القلب تخفيفا في الثلاث وهمز الثاني فيهن.

وبادي بدي بياء ساكنة فيهما ، وبادي بدا كقالي قلا ، وبادي بديّ كوادي عليّ ، وبادي بد بسكون ياء الأوّل وحذف لام الثاني ك‍ « يد » وافعله بديئا ـ كبديع ـ وبدءا ، وأوّل بدء ، كفلس بالهمز فيهما : كل ذلك بمعنى افعله مبتدئا به أوّل كل شيء ».

ولم يجمع مصدر من المصادر هذه اللّغات ، ولا ذكرها ذاكر بهذا النسق والترتيب ، ولا مثّلوا لها بمثل ما مثّل به السيّد المصنّف من الوضوح ، بحيث لا يلتبس على طالب العلم واللّغة أيّ لغة من تلك اللّغات ، فإنّه ذكر أوّلا ما قيل مهموزا في كلا الكلمتين مع الإضافة ، ثمّ ذكر الكلمتين مهموزتين مستعملتين مع « ذي » في وسطهما. ثمّ ألحق في آخر هذه الاستعمالات ما قيل مهموزا مبنيّا ومثّل له بصحرة بحرة ، ثمّ ذكر ما قيل بإضافة الأوّل بسكون الياء إلى الثاني المهموز ، ثمّ ذكر المتفرّقات من الاستعمالات التي لا يجمعها جامع أخيرا. ففاق باقي المعاجم بجمعه واستقصائه لكل وجوه هذا الاستعمال مع أنّهم لم يجمعوها جميعا ، كما فاقها بحسن عرضه لها ودقّة تمثيله لكل استعمال مبهم منها (١).

* وفي مادة « جبأ » قال : « الجبء ، كفلس : واحد الجبأة ـ كالكمء والكمأة ـ وهي الكمأة الحمراء ... الجمع أجبؤ وجباء كرجال ، وجبأة كقردة ، وأجباء كأحمال ».

ومعاجم اللّغة ذكرت هذه الجموع مبعثرة دون نسق ، مردّدة في بعضها بين كونه

__________________

(١) قايس بلسان العرب ١ : ٢٧ ، والصحاح ١ : ٣٥ ، والقاموس ١ : ٨ ، والعباب ١ : ٢٣ حيث ذكر بعضها وأحال في الباقي على المعتل مع تصريحه بأنّ ترك الهمز لكثرة الاستعمال ، والتهذيب ١٤ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ « بدا » ، والمفردات للراغب : ٤٠ « بدا » ، والمحيط ٩ : ٣٧٥.

٢١٥

جمعا أو اسم جمع ، فأثبتها السيّد المصنّف على نسق واحد وعدّها جموعا ، هذا ناهيك عن أنّ جميع المعاجم لم تذكر الجمع « أجباء كأحمال » مع أن هذا الجمع هو الغالب المسموع في جمع القلة لما كان مفرده ك‍ « فلس ».

ففي شرح الشافية : فالمسموع في قلة « فعل » في غير الأجوف « أفعال » كأنف وآناف ... وربما اقتصروا في « فعل » على أفعل وأفعال في القلة والكثرة » (١).

* وفي مادة « دفأ » قال : « ودفئ الرّجل دفأ ـ كتعب تعبا ـ ودفاء ودفائية ، كذهاب وكراهية : خلاف البرد » والمصدر « دفائية » لم يذكروه.

* وفي مادة « سرأ » قال : « سرأت الجرادة سرءا ومسرءا : باضت ، كسرّأت تسرئة ».

ولم تذكر المعاجم المصدر « مسرءا » مع أنّه مصدر ميمي قياسي ، قال النظام في شرح الشافية : ويجيء المصدر [ الميمي ] من الثلاثي المجرّد أيضا على مفعل ـ بفتح العين ـ قياسا مطردا (٢).

* وفي مادة « قمأ » قال : « قمأ إلى المنزل قمأ وقموءا : دخل » ، والمصدر « قموءا » لم يذكروه.

* وقال فيها أيضا : « قمؤ الرجل ـ ككرم ومنع ـ قمأة كهضبة ، وقمأ كعهن ، وقمأ كقفل ، وقماء وقماءة ، كسحاب وسحابة ، وقمئ قمأ كتعب تعبا : ذلّ وصغر في أعين الناس ».

وهذه المصادر كلها لم يجمعها كتاب لغوي في صعيد واحد ، وإنما ذكرت

__________________

(١) شرح الشافية ٢ : ٩١ ـ ٣٧٥.

(٢) شرح النظام : ٧٥.

٢١٦

متفرقة ، إذ كل مصدر ذكر بعضا منها دون بعض.

ففي لسان العرب : قمأ الرجل وغيره ، وقمؤ قمأة وقماء وقماءة.

وفي الصحاح : قمؤ الرجل ـ بالضمّ ـ قماء وقماءة : صار قميئا.

وفي التهذيب وقد قمؤ الرجل قماءة (١).

وفي العباب : قمؤ الرجل قماءة وقماء.

وفي القاموس : قمأ ـ كجمع وكرم ـ قمأة وقماءة وقمأة بالضم والكسر : ذلّ وصغر. وكتب في هامش القاموس عند المصدر الأخير : « وقمأ ». فقد فاته ذكر « قماء » و « قمأ ».

وفي المحيط وقد قمؤ قماءة (٢).

وهكذا نراهم يذكرون بعض المصادر دون بعض ، بل فوق ذلك نراهم ذاهلين عن الفعل قمئ كتعب ، وعن مصدره « قمأ » مع أنّ الفعل والمصدر منصوص عليها ، ففي كتاب الأفعال لابن القطاع « قمؤ قماءة : ذل وصغر ، وقمئ قمأ كذلك » (٣).

فالسيّد المصنف جمع المصادر في نسق واحد وصعيد واحد ولم يخل بشيء منها ، مع أنّ تلك المصادر يعسر بل ـ يستحيل عادة ـ أن تجدها في مكان واحد ، هذا مضافا إلى ذكره للفعل قمؤ وقمأ وقمئ ، ككرم ومنع وتعب ، فإنهم لم يذكروها كلّها ، غير ان المهم هنا هو جمعه للمصادر كلّها ، فأمتاز على سائر المعاجم بهذه الميزة.

* وفي مادة « قنأ » قال : « قنأ اللّبن قنأ : مزجه » والمصدر « قنأ » لم تذكره

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٣٦٣.

(٢) المحيط ٦ : ٦٠.

(٣) الأفعال ٣ : ٥٣.

٢١٧

المعاجم ، فذكره السيّد المصنف لكي لا يخلّ بشيء من المصادر ، هذا على أنّ هذا المصدر صحيح قطعاً.

ففي شرح الشافية قال ابن الحاجب : قال الفراء : إذا جاءك فعل مما لم يسمع مصدره فاجعله « فعلا » للحجاز (١) ...

فذكره للمصدر من جملة منهجه في كتابه وميزة من ميزاته حيث يستقري ويستقصي المصادر والأفعال واللّغات محاولا أن لا يخل بشيء منها.

* وفي مادة « كفأ » قال : « الكفء ـ كجزء ويفتح ويكسر ـ والكفؤ كعنق ، والكفوء كسعود ، والكفيء كأمير ، والكفئ كحذر ، والكفاء ككتاب ـ وهو في الأصل مصدر ـ : المثل والنظير ».

وهذه اللّغات الثمانية لم تجمع في مصدر هذا الجمع ، ولا ذكرت بهذا الوضوح على هذا النسق الفريد المفصح ، وإليك ما في المصادر لتقارن بين ما فيها وما في الطراز.

ففي المصباح للفيومي : ومنه الكفيء ـ بالهمز على فعيل ـ والكفوء على فعول ، والكفء مثل قفل : كلّها بمعنى المماثل.

وفي الصحاح : والكفيء : النظير ، وكذلك الكفء والكفؤ ، على فعل وفعل.

وفي القاموس : وهذا كفاؤه وكفأته (٢) وكفيئه وكفؤه وكفؤه وكفؤه وكفوءه : مثله.

وفي لسان العرب : الكفيء النظير ، وكذلك الكفء والكفوء ، على فعل وفعول ... وتقول لا كفاء له بالكسر وهو في الأصل مصدر ، أي لا نظير له.

__________________

(١) شرح الشافية ١ : ١٥١.

(٢) في نسخة من القاموس : وكفيأته. وقال الزبيدي : وفي بعض النسخ بالفتح والمدّ.

٢١٨

وفي التهذيب : وقال الزجاج في قوله ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) فيها أربعة أوجه ، القراءة منها بثلاثة : كُفُؤاً بضم الكاف والفاء ، كُفْؤاً بضمّ الكاف وسكون الفاء ، وكِفْأً بكسر الكاف وسكون الفاء ، ويجوز كفاء بكسر الكاف والمدّ ولم يقرأ بها ... ويقال فلان كفيء فلان وكفؤ فلان (١) ... ونقله عنه في اللسان.

وفي العباب : والكفيء : النظير ، وكذلك الكفء والكفوء ـ بالضم فيهما على فعل وفعول ـ والكفء بالكسر ... والكفاء مثال الكساء وهو في الأصل مصدر.

وفي المحيط الكفؤ : المثل ... وهو كفيئك : أي كفؤ لك ... والكفيء على وزن فعيل هو الكفؤ ... وفلان كفاء لك (٢).

وهكذا يلحظ عدم ذكر المعاجم إلاّ لبعض اللّغات ، ثمّ ذكرها لها مفرّقة مشتّتة أوزاعا ، وخير من جمع أكبر قدر منها هو الفيروزآبادي ومع ذلك أخلّ بذكر اثنتين منها ، وهي الكفؤ كعنق والكفئ كحذر ، فكان للسيّد المصنّف قدم السبق في الجمع والاستقراء والاستقصاء وذكر ما لم يذكروه.

* وفي مادة « كلأ » قال : « والكلأ ، كسبب : العشب رطبا كان أو يابسا ... وكلأت الأرض ـ كمنعت ـ وأكلأت : أنبتته ... وهي أرض كالئة وكلئة وكليئة ومكلئة (٣) ومكلأة ، كمزرعة ذات كلأ أو كثيرته ».

وهذه اللغات في الأرض ذات الكلأ لم تجمع في مصدر هذا الجمع.

ففي القاموس : « وأرض كليئة ومكلأة كثيرته » وفي نسخة الزبيدي منه « كلئيّة » بدلا عن « كليئة » ، وعلى كلّ حال فإن الفيروزآبادي ذكر لغتين فقط ، وزاد الزبيدي

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٣٨٥.

(٢) المحيط ٦ : ٣٣٦.

(٣) في نسخة « ت » و « ش » : تكلئة. وفي « ج » : تكلئية. وفي التاج كليئة على النسبة.

٢١٩

عليها بقوله « ويقال فيه أيضا مكلئة كمحسنة ».

وفي التهذيب : « والكلأ مهموز : ما يرعى ، وأرض مكلئة ... وأرض مكلئة ومكلاء (١) : كثيرة الكلأ ... وقال النضر : أرض مكلئة ... والمكلئة والكلئة واحد » (٢).

وفي لسان العرب : وأرض كلئة على النّسب ، ومكلأة ... ومكلئة.

وفي الصحاح : ارض مكلئة وكلئة ، أي ذات كلأ.

وفي العباب وقد كلئت الأرض فهي كليئة.

وفي مفردات الراغب : ومكان مكلأ وكالئ يكثر كلؤه.

وفي المصباح المنير : وموضع كالئ ومكلئ : فيه الكلأ.

وفي المحيط وأرض مكلئة وكلئة : مكلأة (٣).

فها هنا يتّضح كيف جمع السيّد المصنّف ما تفرّق في المصادر من الوجوه واللغات واستقصاها ، فوضعها في موضع واحد ، بحيث يكاد يطمئن طالب اللغة بعدم وجود مفردة ولغة أخرى فيما يبحث عنه في هذا المعنى.

* وفي مادة « لبأ » قال : « اللّبؤة ، كمثلة : أنثى الأسد ـ والهاء فيها لتاكيد التأنيث كما في « ناقة » و « نعجة » إذ ليس لها مذكّر من لفظها لتكون فارقة ـ وفيها ثماني لغات أخرى لبأة كتمرة ، ولباءة كسحابة ، ولبأة كحطمة ، ولبوة ـ بالواو ـ كهضبة وسدرة وسمره ، ولباة كقظاة ، ولبة كدعة ».

فذكر تسع لغات في أنثى الأسد لم تجمع ولم تذكر كلها في معجم من المعاجم اللغوية سوى القاموس ، وزاد عليه حسنا بذكر فائدة كون الهاء في « اللبؤة » لتأكيد

__________________

(١) فات السيّد المصنف أن يذكر هذه المفردة.

(٢) التهذيب ١٠ : ٣٦٣.

(٣) المحيط ٦ : ٣٢٨.

٢٢٠