الطّراز الأوّل

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني

الطّراز الأوّل

المؤلف:

السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦

كتاب الله ـ كمنع ـ قراءة وقرآنا : تلاه.

والصحيفة : نطق بالمكتوب فيها.

وبأمّ الكتاب : أوقع القراءة بها ، وتلاها متبرّكا بها ».

وها هنا فوائد :

الاولى : قوله : « قرأ الصحيفة : نطق بالمكتوب فيها » فإن كتب اللغة خالية عن ذكر هذا الفعل ، فهم مقتصرون على قولهم : « صحيفة مقروءة » لا يجيز الكسائي والفرّاء غير ذلك ، وهو القياس.

ومع أنّه القياس ، ففعله « قرأ » ، ولم يذكروه ، وذكروا اسم المفعول منه « مقروء » كما عرفت ، فانتبه السيّد إلى هذا وذكر الفعل.

الثانية : أنّه فرّق تفريقا دقّيا بين قرأ كتاب الله ـ فقال إنه بمعنى تلاه ، لأنّ الكتاب هو المكتوب ، وهو يقرأ ، وقد عبّر عنه بالتلاوة المختصة بكتاب الله ـ وبين قرأ الصحيفة ، فقال إنّها بمعنى نطق بالمكتوب فيها ، لأنّ الصحيفة نفسها لا تقرأ وإنّما يقرأ المكتوب بها وينطق به.

الثالثة : أنّه أوضح معنى الباء في قولنا : « قرأ بامّ الكتاب » ، حيث أنّها إمّا تضمين الفعل « قرأ » معنى « أوقع القراءة » فتعلقت الباء بـ « قرأ » ، وأما أن تكون الباء متعلقة بحال مقدّرة ، أي تلاها متبرّكا بها (١).

فالسيّد المصنف ذكر الفعل ، واستعمالاته وفرق بينها تفريقا دقيقا لم نجده في معجم آخر من معاجم اللغة.

* وفي نفس هذه المادة قال : « أقرأ جاريته : جعلها عند امرأة حتّى تحيض

__________________

(١) انظر التفصيل في مثل هذا في رياض السالكين ١ : ٦١ ـ ٦٢.

١٨١

للاستبراء ».

وهذا الفعل الرباعي بهذا الاستعمال غير مذكور في معاجم اللغة المتداولة ، مع أنّه صحيح منصوص عليه ، حيث قال الهروي في كتاب الغريبين في الحديث ـ « دعي الصلاة أيّام إقرائك » أي أيّام حيضك ـ ويقال : دفع فلان إلى فلان جاريته تقرئها ، أي تمسكها عندها حتّى تستبرئ حيضها (١).

فأخذ السيّد المصنف الفعل الماضي الرباعي منه وذكره.

هذا ، ناهيك عن أنّهم ذكروا الثلاثي « قرأت » لازما ، وذكروا المضعف منه المتعدي « قرّأها » ولم يذكروا « أقرأها ».

فقد ذكروا قرأت المرأة : ضمّت رحمها على حيضة.

وقالوا : قرّئت المرأة ـ بالتشديد ـ تقرئة : حبست لينتظر بها انقضاء أقرائها ، فهي مقرّأة ، كمعظمة.

وفي العباب ، قال : قال أبو عمرو بن العلاء : يقال : دفع فلان إلى فلانة جاريته تقرّؤها ، أي تمسكها عندها حتّى تحيض للاستبراء (٢).

فاستدرك السيّد المصنف عليهم « أقرأها » ـ مضافا إلى قرأت هي ، وقرّأتها غيرها ـ حرصا على ذكر الأفعال وعدم الإخلال بشيء منها.

* وفي مادة « قمأ » قال : « قمؤ الرجل ـ كرم ومنع ـ قمأة كهضبة ، وقمأ كعهن ، وقمأ كقفل ، وقماء وقماءة ، كسحاب وسحابة ، وقمئ قمأ كتعب تعبا : ذلّ وصغر في أعين الناس ، فهو قميء كصغير ».

__________________

(١) الغريبين ٥ : ١٥١٧.

(٢) العباب الزاخر واللباب الفاخر ١ : ٩٨.

١٨٢

والمصنف هنا ناهيك عن جمعه للأفعال ـ وهي ميزة له سيأتي بيانها ـ ذكر الفعل قمئ قمأ ، كتعب تعبا ، مع أنّ كتب اللغة لم تذكره فهي خالية منه ، وهو فعل صحيح منصوص عليه ، فقد قال ابن القطاع في أفعاله قمؤ قماءة ذل وصغر وقمئ قمأ كذلك (١). فتركهم لذكره تقصير في جمع اللغة.

* وفي مادة « كأكأ » قال : « كأكأته عن الأمر فتكأكأ : ردعته وكففته ».

ومعاجم اللغة خالية عن ذكر « كأكأته » متعدّيا ، وإنّما اقتصرت على ذكر فعل المطاوعة « تكاكأ » ومصدره التكأكؤ ، ومن العجب أنّهم ذكرو الكأكأة وهي مشتقة من كأكأ ، ولم يذكروا فعلها ، فيظن أن لا فعل لها ، مع أنّ الواقع غير ذلك ، فان هذا الفعل الرباعي وارد ومنصوص عليه.

قال ابن القطاع في كتاب الافعال : كأكأته فتكأكأ ، أي ارتدع (٢).

فجاء به السيّد المصنف ، وبما اشتق منه ، فأغنى المادة من حيث الأفعال ، فلم يخلّ بذكر هذا الفعل كما أخلوا به.

* وفي مادة « كلأ » قال : « كلأ بصره في الشيء : ردّده ... كأكلأ وكلّأ تكلئة ».

والمذكور في معاجم اللغة هو باب « أفعل » فقط حيث قالوا : أكلأ بصره في الشيء : إذا ردّده فيه مصعّدا ومصوّبا. ولم يذكروا سواه ، كما في الصحاح والقاموس والعباب والمحيط واللسان والتاج وغيرها ، فاستدرك السيّد المصنف عليهم الفعلين كلأ وكلّأ.

* وفي مادة « كلأ » أيضا ، قال : « كلأت عينه : سهرت ولم تنم حذرا ، كاكتلأت.

__________________

(١) الأفعال لابن القطاع ٣ : ٥٣.

(٢) الأفعال لابن القطاع ٣ : ١١٠.

١٨٣

وأكلأها أسهرها ورجل كلوء العين : ساهرها ، أو قويّ على السهر لا يغلبه النوم ».

فاما الفعل « اكتلأت » فقد ذكروه ، لكنهم لم يذكرو الثلاثي « كلأت عينه » مع أنّه صحيح قياسي من قولهم : رجل كلوء العين أي ساهرها ، فانه فعول من كلأ ، فلذلك استدركه السيّد المصنف وجاء به في حين أنّهم لم يذكروه.

وأمّا تعدية هذا الفعل بالهمز والتضعيف ، أعني « أكلأها وكلّأها » فهما ـ مع كونهما قياسيين ـ نص عليهما الزمخشري في أساسه كما في نسخة الزبيدي في التاج حيث قال : « وأكلأتها وكلّأتها : أسهرتها » لكن نسخة الاساس المطبوعة لم يذكر فيها إلاّ « أكلأتها : أسهرتها » فكأنّ نسخة المصنف هي هذه الساقط منها « كلّأتها » لكن يبقى أنّه كان على السيّد المصنف ذكرها وإن لم تذكر في الاساس لأنّها قياسية.

* وفي مادة « كلأ » قال : « كلأ نظره إليه : أدامه متأمّلا ، كأكلأ وكلّأ تكلئة ».

فأمّا الثلاثي ففي التهذيب : كلأت في فلان ، أي نظرت إليه متأمّلا فاعجبني.

وفي القاموس والتاج : كلّأ فيه أي فلان : نظر إليه متأمّلا فاعجبه حسنه.

فذكروا الثلاثي « كلأ » والمزيد بالتضعيف « كلّأ » ، ولم يذكروا « أكلأ » فاستدركه السيّد علي خان رحمه‌الله.

* وفي مادة « لجأ » ، قال : « ألجأ الرجل على الأمر : اكرهه واضطره ، كلجّأ تلجئة ؛ يقال : فعل ذلك من غير إكراه ولا تلجئة ».

والعجب أنّهم ذكروا في معاجمهم التلجئة ، ولم يذكروا فعلها ، فقد صرّحوا بأنّ التلجئة هي الاكراه ، وهي مصدر من لجّأ ، فذكروا المصدر ، ولم يذكروا الفعل ، فجاء السيّد المصنف بفعله المضعف حرصا على ذكر الأفعال ، التي هي مبدأ الاشتقاق.

* وفي مادة « نبأ » قال : « نبّأه الله وتنبّأه واستنبأه : بعثه نبيّا ».

وهذه الأفعال المتعدية الثلاثة غير مذكورة ولا مسطورة في معاجم اللغة بهذا

١٨٤

الوضوح والترتيب والجمع ، نعم قال الزمخشري في الاساس « نبّئ رسول الله واستنبئ » ، وهذان المجهولان أرجعهما السيّد المصنف إلى الفعل المعلوم ، فكانا « نبّأه واستنبأ » ، وذكر السيّد أيضا « تنبّأه الله » وهي مما لم يذكر ، فجمع الافعال المستعملة في هذه المادّة بلا تعقيد ولا تكلف.

* وفي مادة « هيأ » قال : « تهيّأ القوم وتهايؤوا : توافقوا ؛ كأنّهم صاروا على هيئة واحدة ... وقد هايأته مهايأة ».

وهذا الفعلان « تهيّأ » و « تهايأ » لم يذكرا في المعاجم بهذا الوضوح والانفراد ، وإنما ذكرا في أثناء كلامهم على المهايأة.

ففي مفردات الراغب : المهايأة : ما يتهيّأ القوم له فيتراضون عليه (١).

وفي اللسان : وتهايؤوا على كذا : تمالؤوا ، والمهايأة : الأمر المتهايأ عليه ، والمهايأة : أمر يتهايأ القوم فيتراضون به (٢).

وفي المحيط للصاحب المهايأة أمر يتهايا القوم عليه فيتراضون (٣).

وفي العباب : المهايأة أمر يتهايأ القوم فيتراضون به (٤).

وفي التهذيب قوله : « والمهايأة امر يتهايأ للقوم فيتراضون به » (٥).

وهكذا دارت المعاجم بين أمرين ، إمّا عدم ذاكر لهذين الفعلين أصلا ، وإما ذاكر لهما في ضمن المهايأة ، حيث ذكروا المضارع « يتهيّأ » ولم يذكروا ماضيه « تهيّأ » ،

__________________

(١) المفردات : ٥٤٨.

(٢) اللسان ١ : ١٨٩.

(٣) محيط اللغة ٤ : ٩٣.

(٤) العباب ١ : ٢٠٥.

(٥) تهذيب اللغة ٦ : ٤٨٥.

١٨٥

وكذلك ذكروا « المتهايأ عليه » و « يتهايأ القوم » ولم يذكروا ماضية : تهايأ سوى لسان العرب والمصباح حيث قال : « تهايأ القوم تهايؤا » فاقتنص السيّد المصنف هذين الفعلين ، وذكرهما في نسق واحد مع ايضاح معناهما ، ثمّ ذكر اشتقاق المهايأة ، مفاعلة من هايأته.

* وفي مادة « أزب » قال : « أزب الدهر ، كتعب : اشتدّ ». وهذا الفعل ذكره السيّد المصنف ولم يذكروه.

* وفي مادة « ببب » قال : « الببّ : الكثير اللحم ، والغلام التارّ ، وقد ببّ يببّ ـ كمرّ يمرّ ـ ببّا وبببا ، كسبّ وسبب ».

وهذا الفعل ومضارعه ومصدراه لم يذكرا في معاجم اللغة ، فجاء السيّد المصنف بذكره ، هذا مع أنّ أبا حيان قال : غلام ببّة ، والفعل منه ببّ يببّ ببّا وبببا (١). فضبط بضبط القلم بكسر عين المضارعة.

فالسيّد المصنف يذكر الفعل من « ببّة » مع أنّهم لم يذكروه ، موهمين أنّه لا فعل له ، بل قال ابن فارس : الباء والباء في المضاعف ليس أصلا ، لأنّه حكاية صوت (٢).

وهذا الكلام لا نصيب له من الصحة بعد أن عرفت الفعل الثلاثي له ، وأنّه مستعمل.

* وقال في نفس المادة أيضا : « ببّ يببّ ـ كملّ يملّ ـ ببّا وبببا : صوّت فهو ببب ، ككتف. قال ابن القطاع كأنّه حكاية جرس ، قال الراجز [ وهو رؤبة ] :

__________________

(١) ارتشاف الضرب ١ : ١٨٤.

(٢) معجم مقاييس اللغة ١ : ١٩٣.

١٨٦

يسوقها أعيس هدّار ببب

إذا دعاها أقبلت لا تتئب

ثمّ ذكر كلام أبي حيان التوحيدي بأنّ فعلها إمّا من باب « ببّ » أو من المهموز ، فذكر أيضا الفعل الماضي ومضارعه والمصدر لـ « ببّ » بمعنى صوّت ، وهذا الفعل لم تذكره المعاجم اللغوية المتداولة ، جاء به السيّد المصنف وذكره في محله من مادة « ببب » ، وهذا ما خلت عنه المعاجم. وهذه السعة في ذكر الأفعال لا توجد في معجم لغوي سابق على الطراز.

* وفي مادة « جعثب » قال : « جعثب على الأمر جعثبة : حرص وشره ، وجعثب ، كقنفذ : اسم ».

فامّا الجعثب كقنفذ فقد صرح ابن دريد في الجمهرة (١) أنّه اسم مأخوذ من فعل ممات. وذكره بالتاء المثناة ، وفي بعض نسخ القاموس بالمثناة وفي بعضها الآخر بالثاء المثلثة ، وصرح الزّبيدي بأنّه مأخوذ من فعل ممات سواء كان بالمثناة أو المثلثة.

وأما الفعل « جعثب » فإنّهم لم يذكروه ، وإنّما اقتّصروا على ذكر « الجعثبة » بمعنى الحرص والشره ، وهي مشتقة من الفعل « جعثب » قطعا ، وهو القياس ، فذكر السيّد المصنف هذا الفعل ثمّ ذكر مصدره ، فتلافى ما قصروا فيه حيث ذكروا المصدر دون الفعل.

* ومن أوضح مصاديق استقصائه وحرصه على ذكر الأفعال ثمّ مشتقاتها ومستعملاتها ، ما تقدمت الإشارة إليه من تقصيرهم وخلطهم في مادة « قدس » قال

__________________

(١) الجمهرة ٢ : ١١١٠.

١٨٧

الشدياق :

وأغرب من ذلك اقتصار جميع أهل اللغة على قولهم « قدّس تقديسا » وما أحد منهم ذكر له فعلا ثلاثيا ، أو نبّه على عدم مجيئه مع أنّهم قالوا : إنّ القدس اسم ومصدر ، فكيف يكون مصدر من دون فعل؟! أو في الأقل من دون تنبيه عليه كما نبهوا على غيره ، ويقال أيضا : قدوس واسم الله الأقدس وبيت المقدس ، فكيف جاء النعت وأفعل التفضيل واسم المكان من غير اشتقاق؟! مع ان سيبويه قال أنّ الكلم كله مشتق (١).

وهذا الكلام واضح ولا غبار عليه ، وهذه الإشكالية في المعاجم موجودة لا ينكرها إلاّ مكابر ، خصوصا وأنت ترى هذه الموارد ماثلة للعيان ، ولذلك كان السيّد حريصا على رفع هذه الإشكالية. فقال في مادة « قدس ».

« قدس في الأرض قدسا ، كضرب : ذهب فيها وأبعد ، ومنه التقديس بمعنى التطهير ؛ لأنّه إبعاد للمقدّس عن النجاسة ، والقدس ، كعنق ويسكن : الطهر والبركة.

وقدّس الله ، و [ قدّس ] له تقديسا نزّهه وأبعده عما لا يليق بجنابه ».

فذكر السيّد المدني الفعل الثلاثي « قدس » وذكر معناه في الاشتقاق الكبير ، بأنّه معنى الإبعاد ، ثم ذكر التفعيل منه أي التقديس ، وباقي المشتقات منه ، وهذه غاية البراعة والحذاقة والاستقصاء للأفعال ، ومحاولة عدم الإخلال بشيء منها.

وفي هذا المجال أيضا نرى ذكر السيّد المصنف للأفعال المنحوتة في أماكنها ، مع أنّ سائر المعاجم إمّا أن تذكرها في غير مظانها أو أن لا تذكرها أصلا.

__________________

(١) الجاسوس : ١٣.

١٨٨

قال الأستاذ سعيد الخوري الشرتوتي في مقدمة أقرب الموارد عند ذكره للذيل الذي ضمّه مؤلّفه ، وقال إنّ فيه ثلاثة أمور ، الثاني منها هو : ذكر ما استدركته على اللسان والتاج مما أخذته من كتب الثقات ، أو من نفس الكتابين ، واردا في غير مظانه ، فمن ذلك « تظلف » إذا حصل في ظلف من الأرض ؛ ذكره الراغب في ترجمة « ع ز ز » ، ومنه « تعبقس » إذا تعلّق بعبد القيس ؛ ذكره السيوطي في باب النحت من المزهر (١).

* وفيما يخص « تعبقس » ذكر السيّد علي خان هذا الفعل المنحوت في موضعه ومظنه ، أي مادة « عبقس » ، فقال :

« العبقسيّ : نسبه إلى عبد القيس ، وتعبقس : انتسب إليه ».

هذا مع أنّ الخليل ذكر هذا الفعل في العين في باب المضاعف « باب العين مع الحاء والهاء والخاء والغين » (٢) ، والجوهري وابن منظور ذكراه في مادة « شمس » تارة و « قيس » تارة أخرى. والزبيدي ذكره في مادة « قيس » من تاجه.

ولا يخفى أنّ ذكره في تلك المواد إنّما هو استطراديّ وفي غير محله اللغوي ، فلذلك أخذ السيّد المصنف هذا الفعل وجعله في محله ومظنه ، وهو مادة « عبقس ».

* وفي مادة « جعفر » ، ذكر السيّد المصنف معنى الفعل « تجعفر » واستشهد له شعر السيّد الحميري ، فقال :

__________________

(١) مقدمة أقرب الموارد ١ : ٧.

(٢) العين ١ : ٦٠.

١٨٩

وتجعفر الرجل : انتقل إلى مذهب جعفر الصادق وقال بقوله ؛ ومنه قول السيّد الحميري :

تجعفرت باسم الله والله أكبر

وهذا الفعل « تجعفر » بهذا المعنى لم يذكروه لا في مظنه « جعفر » ولا في مواطن أخرى من معاجمهم ، ذكره السيّد المدني ، وذكر شاهده معه.

وفي مادة « طنبر » ذكر السيّد المصنّف الطنبور وذكر أنّه معرّب ، ثمّ قال : « طنبر طنبرة : ضرب به ». فآذن بأنّهم اشتقوا من الطنبور المعرّب فعلا رباعيا ثمّ صرّفوه ، فكان مصدره « طنبرة » ، وهذا الفعل والمصدر لم يذكرا في معاجم اللغة في هذه المادة.

وفيما ذكرناه من جمعه للأفعال ، وحرصه على ذكرها مرتبة ، كل فعل مع مستعملاته ، كفاية للتدليل على سعة هذا المعجم « الطراز » وغناه من حيث ذكر الأفعال واستقصائها والإلمام بها ، ما ذكروه منها في غير موضعه وما لم يذكروه.

ز ـ عنايته بعين الفعل المضارع.

ومن ميزات معجم الطراز هو عنايته بحركة عين الفعل وخصوصا المضارع ، وسعيه لجمع حركته وضبط أبوابه.

وقد مرّت الإشارة ـ في حسن الاستقراء والاستقصاء ـ إلى ما في مادة « قمأ » ، حيث قال السيّد المصنف : « قمؤ الرجل ـ ككرم ومنع ـ ... وقمئ قمأ ، كتعب تعبا : ذلّ وصغر في أعين الناس ».

فقد نقل السيّد المصنف لغات عين الفعل الماضي من الضم والفتح والكسر ،

١٩٠

مع أنّ معاجم اللغة غفلت عن ذكر لغة كسر عين الفعل ـ أعني قمئ ـ واقتصرت على ذكر اللغتين الأخريين ـ باب كرم ومنع (١) ـ مع أن ابن القطاع ذكرها في أفعاله فقال « قمؤ قماءة : ذلّ وصغر ، وقمئ قمأ كذلك » (٢).

وقد مرّت عند ذكر المثلث بعض الأفعال الماضية المثلّثة حركة عين الفعل التي ذكرها السيّد المدني في حرف الهمزة.

والذي يهمنا هنا هو بيان عنايته بذكر عين المضارع وحركاتها.

* ففي مادة « هنأ » قال : « هنأني الولد ونحوه يهنؤني ـ من باب نفع وضرب وكتب ـ هنأ وهناء وهناءة ، كضرب وسلام وسلامة : سرّني ، فهو هانئ ، والطعام : ساغ لي ولذّ ... ».

فأمّا في الولد فلم يذكره سوى الفيومي في مصباحه ، فقال : هنأني الولد يهنؤني ، مهموز من بابي نفع وضرب. ولم يذكر مضارعه من باب « كتب ».

وأمّا « هنأني الطعام » فلم يذكره مثلث عين المضارعة سوى الفيروزآبادي ، وفي المصباح : هنأني الطعام يهنؤني : ساغ ولذّ ... ويهنؤ بضم المضارع في الكل لغة ؛ قال بعضهم : وليس في الكلام يفعل بالضمّ مهموزا ممّا ماضيه بالفتح غير هذا الفعل. فذكر مضارعه من بابي « نفع » و « كتب » ولم يذكره من باب « ضرب ».

فلعلّ السيّد المدني أخذه من هنا ، وصرّح بأنّ مضارعه مثلّث ، ولذلك عطف « هنأني الطعام » على « هنأت الطعام » كمنعته وضربته : أصلحته ».

ولم يذكر هذا الاستعمال في المعاجم المتداولة مضبوط حركة عين مضارعه ،

__________________

(١) انظر لسان العرب ، والصحاح ، والعباب ، والقاموس ، والمحيط ٦ : ٦٠ ، والتهذيب ٩ : ٣٦٣.

(٢) الأفعال ٣ : ٥٣.

١٩١

وإنّما ذكر ماضيه فقط ، ففي القاموس ولسان العرب ، اقتصرا على قولهما : « هنأ الطعام هنأ وهنأ وهناءة : أصلحه ». فتتبع السيّد المصنف هذا الفعل الماضي وذكر حركة مضارعه ، وضبطها من بابي منع وضرب ، في حين خلت المعاجم المتداولة عن ذلك.

* وفي مادة « جلب » قال : « جلب الرجل ، كقتل وضرب : جنى جناية ».

والذي في التهذيب : الجلب : الجناية على الإنسان ، وكذلك الأجل ، وقد جلب عليه وأجل عليه : أي جنى عليه (١).

وفي تكملة الصاغاني : الجلب بالفتح : الجناية ؛ يقال : جلب عليه ، اذا جنى.

وفي اللسان : الجلب : الجناية على الإنسان ... وقد جلب عليه وجنى عليه وأجل.

فها هم جميعا ذكروا المصدر ، ثمّ ذكروا فعله الماضي دون بيان حركة الفعل المضارع منه.

نعم ، ذكر الفيروزآبادي مضارعه من باب « نصر » فقط ، فقال : والجلب الجناية ، جلب كنصر. وتبعه الزبيدي في التاج على ذلك ولم يذكر ضبطا آخر لمضارعه.

وهنا تتضح براعة السيّد المدني واستقصاؤه وحرصه على بيان حركة عين المضارع ، فلذلك ضبطه من بابي « قتل » و « ضرب » وذلك ما لم يذكره غيره من أرباب المعاجم المتداولة.

* وفي مادة « هرد » قال : « الهرد ، كقفل : الكركم ، أو أصل الورس ، أو صنف منه ؛ معرّب هلد ـ كسبب ـ بالهنديّة ، وهو أصول صفر صلبة كالزنجبيل يصبغ بها كما يصبغ

__________________

(١) التهذيب ١١ : ٩٥.

١٩٢

بالزعفران يجلب من جزائر الهند ، وهردت الثوب ـ كقتل وضرب ـ صبغته ، وهو ثوب مهرود وهرديّ كتركيّ ».

وقد ذكرت معاجم اللغة اللهرد والمهرود دون أن تذكر الفعل الماضي الثلاثي لها ، فذكرت المتصرّف من الفعل دون ذكرها لأصل الفعل (١) ، رافعا ما قد يتوهّم من أنّ تلك المتصرفات ليس لها فعل ثلاثي أو أنّه لم تستعمله العرب.

وأمّا حركة عين المضارع ، فهم أيضا لم يذكروها ، وذلك بديهيّ بعد عدم ذكرهم لأصل الفعل.

ففي تهذيب اللغة : قال شمر : قال أبو عدنان : أخبرني العالم من أعراب باهلة أن الثوب يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة ، فذلك الثوب المهرود ، قال : أخبرني بعض أصحاب الحديث أنّه بلغه انّ المهرود الذي يصبغ بالعروق ، قال والعروق يقال لها الهرد (٢).

وفي الجمهرة : الهرد ، العروق التي يصبغ بها (٣).

وفي مجمل اللغة : ثوب مهرود : صبغ أصفر (٤).

وفي معجم مقاييس اللغة : الهاء والراء والدال كلمات تدل على معالجة شيء بصبغ أو ما أشبهه ، وثوب مهرود : صبغ أصفر (٥).

__________________

(١) راجع ما كتبناه تحت عنوان « ذكره للافعال وخصوصا ثلاثيها وحسن ترتيبه لها ».

(٢) تهذيب اللغة ٦ : ١٨٩.

(٣) الجمهرة ٢ : ٦٤٢.

(٤) المجمل في اللغة ٤ : ٤٧٧.

(٥) معجم مقاييس اللغة ٦ : ٤٩ ـ ٥٠.

١٩٣

وفي المحيط قال : الهرد صبغ أصفر ، ويقال طين أحمر (١).

وفي القاموس قال : و [ الهرد ] بالضمّ : الكركم ، وطين أحمر ، وعروق يصبغ بها ، والهرديّ : المصبوغ به.

وفي لسان العرب : الهرد : العروق التي يصبغ بها ، وقيل : هو الكركم ، وثوب مهرود ومهرد.

وفي تكملة الصغاني : الهرد بالضم : العروق ، والعروق : صبغ أصفر يصبغ به ، وقال أبو عدنان : أخبرني العالم من أعراب باهلة أنّ الثوب يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران ، فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة ، فذلك الثوب المهرود.

وهكذا دارت معاجم اللغة في هذا المدار ، وتحيّرت كتب غريب الأثر أيضا في حديث وردت فيه لفظة « مهرودتين » أو « مهروذتين » أو « مهروئتين » (٢) ، لكن السيّد المدني قال في الأثر : « في مهرودتين ، أي في حلّتين مصبوغتين بالهرد ، أو في شقّتين ؛ أخذا من الهرد وهو الشق ، والأوّل هو الصواب ». والحقّ معه إذ بمقارنة بسيطة بين ما قاله السيّد المصنف وما ارتبكوا فيه وتمحّلوا ، يظهر لك صواب ما قاله وصحة اشتقاقه وسقم ما تأوّلوه وحاروا فيه.

هذا ، إذا أعرضنا عن عدم ذكرهم أنّ لفظة « الهرد » معرّبة عن « هلد » بالهندية ، فإنهم لم يذكروا ذلك ، بل لم تذكره أكثر كتب المعرّب.

وهنا نرى براعة السيّد المصنف في ذكره أصل الهرد وأنه معرب ، وفي ذكره للفعل الماضي الثلاثي « هرد » ، وفي ذكره بابي فعله المضارع حيث نص على ان

__________________

(١) المحيط في اللغة ٣ : ٤٤١.

(٢) انظر الفائق ٣ : ٣٩٧ ، والنهاية ٥ : ٢٥٨ ، والغريبين ٦ : ١٩٢٦ ـ ١٩٢٧.

١٩٤

المضارع من بابي « قتل » و « ضرب » ، أي هرد يهرد ويهرد ، وذلك ما لم تذكره معاجم اللغة العربية.

* وفي مادة « اشر » قال : « أشرت المرأة أسنانها أشرا ـ كقتل وضرب وأشّرتها تأشيرا : حدّدتها ورقّقت أطرافها ، وهو ثغر مأشور ومؤشّر ».

فذكر أنّ مضارع « أشر » هنا من بابي « قتل » و « ضرب » ، مع أنّ المعاجم المتداولة بين غافلة عن ذكر مضارع « اشر » الثلاثي بهذا المعنى ، وبين ذاكرة المضارع من باب « ضرب » فقط.

ففي الصحاح : وتأشير الأسنان : تحزيزها وتحديد أطرافها.

وفي المحيط : وفي الحديث « لعن الله الواشرة والمؤتشرة » وهي الآشرة تأشر أسنانها ، أي تصيّرها ذوات أشر ، وهي تحزيز اطرافها (١).

وفي مصباح الفيومي : أشرت المرأة أسنانها : رقّقت اطرافها.

وفي اللسان : وقد أشرت المرأة أسنانها تأشرها أشرا ، وأشّرتها : حزّزتها.

وفي القاموس : أشرت أسنانها تأشرها أشرا ، وأشّرتها : حزّزتها. واقتصر عليه الزبيدي في التاج فلم يضف ضبطا آخر لمضارعه.

وفي أفعال السرقسطي : وأشرن النساء أسنانهنّ : رقّقن أطرافها (٢).

فهذا ما ذكر في المعاجم المتداولة ، ولم يذكر أرباب غريب الحديث شيئا جديدا ذا بال هنا ، إذ الجميع اقتصروا على ذكر التأشير في حديث النبيّ « لعن الله الواشرة والموتشرة » ، وقد ذكر الصاحب بن عباد والفيروزآبادي وابن منظور مضارعه

__________________

(١) المحيط ٧ : ٣٧٧.

(٢) الأفعال ١ : ١٠٣.

١٩٥

من باب « ضرب » غافلين عن ذكر باب « نصر » ولكنّ السيّد المصنف لعنايته بذكر عين الفعل المضارع ، لم يفته أن يذكر بابي المضارع.

* وفي المجاز من مادة « جفر » قال : « جفر المريض ، كنصر : طاب وخرج من مرضه ».

ومن ذكر هذا المعنى من اللغويين لم يذكر عين الفعل المضارع ، فانهم اقتصروا على ذكر فعله الماضي فقط.

ففي المحيط : وجفر من مرضه إذا خرج منه (١). وذكر نفس هذا النص الصغاني في التكملة.

وفي القاموس : وجفر من المرض : خرج. ولم يذكر الزبيدي عين المضارع.

هذا ، ناهيك عن أنّهم ذكروا هذا الاستعمال دون الاشارة إلى أنّه من المجاز ، وقد أوضح السيّد المصنف كلا هاتين النكتتين فذكر أن هذا الاستعمال مجازي ، كما ذكر عين مضارعه.

* وفي المجاز من مادة « حدر » قال : « وحدرت العين الدمع ، كنصر وضرب : أرسلته. والدموع الكحل : سالت به. وتحدّرت دموعه وتحادرت : تصبّبت ».

وكثير من كتب اللغة هنا اقتصرت على « تحدّر الدمع » ، ومن ذكر الفعل الماضي والمضارع منهم اقتصر على ذكر أنّه من باب « نصر » غافلين عن ذكر باب « ضرب ».

ففي المحيط : وحدرت العين الدمع فانحدر وتحدّر (٢).

وفي الاساس : والعين تحدر الدمع ، والدمع يحدر الكحل.

__________________

(١) المحيط ٧ : ٩١.

(٢) المحيط ٣ : ٣٥.

١٩٦

وفي العين : وحدرت عيني الدمع ، وانحدر الدمع (١).

وفي تهذيب اللغة : وحدرت عيني الدمع ، فانحدر الدمع وتحدّر (٢).

وفي لسان العرب : وحدر الدمع يحدره حدرا وحدورا ، وحدّره فانحدر وتحدّر ، أي تنزّل.

واقتصر في القاموس على قوله : وتحدّر تنزّل. وشرحها الزبيدي في تاجه فقال : ( و ) حدر الدمع يحدره حدرا وحدورا ، وحدّره ، فانحدر و ( تحدّر ) أي ( تنزّل ) (٣).

ثمّ قال في موضع آخر بعده : ومن المجاز : الدمع يحدر الكحل (٤).

فهم جميعهم لم يذكروا مضارعه من باب « ضرب » مقتصرين على أنّه من باب « نصر » ، والسيّد المصنف جمع بين بابي مضارعه ، حرصا على أن لا يفوته شيء من ذلك.

* وفي مادة « خسر » قال : « وأخسر الرجل إخسارا : وقع في الخسران ... والميزان : نقصه ، كخسره يخسره ـ بتثليث العين ـ خسرا ، وخسّره تخسيرا ».

وتثليث عين المضارع لم نر من ذكره ، بل اقتصروا على أنّه من باب فرح أو منع ، وتنازعوا في وروده من باب « ضرب » ثمّ صحّحوا وروده من هذا الباب ، وبالتالي فلم يذكروا ورود مضارعه مضموم العين من باب « نصر ».

ففي العين : كلته ووزنته فأخسرته ، أي نقصته (٥).

__________________

(١) العين ٣ : ١٧٨.

(٢) تهذيب اللغة ٤ : ٤٠٧.

(٣) تاج العروس ١٠ : ٥٦١.

(٤) تاج العروس ١٠ : ٥٦٣.

(٥) العين ٤ : ١٩٥.

١٩٧

وفي المحيط : وأخسرته أي نقصته (١). فاقتصروا على الرباعي.

وفي التهذيب : ويقال كلته ووزنته فأخسرته ، أي نقصته ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) قال الزجاج : أي ينقصون في الكيل والوزن ، قال : ويجوز في اللغة « يخسرون » ، يقال : أخسرت الميزان وخسرته ، ولا أعلم أحدا قرأ « يخسرون » (٢).

وفي الصحاح : وخسرت الشيء ـ بالفتح ـ وأخسرته : نقصته (٣).

وفي الأساس : أخسر الميزان وخسّره وخسره : نقصه (٤).

وفي مصباح الفيومي : أخسرت الميزان إخسارا : نقصت الوزن ، وخسرته خسرا من باب ضرب لغة فيه (٥).

وفي المقاييس : يقال خسرت الميزان وأخسرته ، إذا نقصته. ومثله في المجمل (٦).

وفي القاموس والتاج : ( خسر كفرح وضرب ) الثاني لغة شاذة كما صرّح به المصنف في البصائر ، قال : ومنه قراءة الحسن البصري « ولا تَخْسِرُوا الميزان » ( خسرا ) ...

وفي التاج قال أيضا : وخسر الوزن والكيل خسرا ، وأخسره نقصه. ويقال : كلته

__________________

(١) المحيط ٤ : ٢٦٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٣) الصحاح ٢ : ٦٤٥.

(٤) أساس البلاغة : ١١٠.

(٥) المصباح المنير : ١٦٩.

(٦) مقايس اللغة ٢ : ١٨٢ ، ومجمل اللغة ٢ : ١٨٦.

١٩٨

ووزنته فأخسرته ، أي نقصته. هكذا فسّر الزجاج قوله تعالى : ( أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) أي ينقصون في الكيل والوزن ، قال : ويجوز في اللغة « يخسرون » ؛ تقول : أخسرت الميزان خسرته ، قال : ولا أعلم أحدا قرأ « يَخْسِرُونَ » ، قلت وهو قراءة بلال بن أبي بردة (١).

وفي لسان العرب : وخسرت الشيء ـ بالفتح ـ وأخسرته : نقصته. وخسر الوزن والكيل خسرا وأخسره : نقصه. ويقال : كلته ووزنته فأخسرته ، أي نقصته. قال الله تعالى ( وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) ؛ الزجاج : أي ينقصون ... ثمّ نقل ما سلف نقله من كلام الزجاج.

وفي أفعال السرقسطي : خسرت الميزان خسرا ، وأخسرته : نقصته (٢). ومثله بالضبط في أفعال ابن القطاع (٣).

فها هم يذكرون ماضيه « خسر » مقتصرين على ذلك معتمدين على فهم القارئ ، وبعضهم صرّح أنّه من باب منع أو فرح وقد وردت به قراءة بلال بن أبي بردة ، وأبان ، وعثمان (٤).

وأما كونه من باب « ضرب » فقد أرسله السيّد المصنف ارسال المسلّمات بلا تطويل ممل كما قرأت ، ولا حذر كحذر الفيومي ، ولا دعوى الشذوذ كما في البصائر إذ لا معنى لذلك بعد ورود هذا الباب في قراءة الحسن البصري كما صرح بذلك في التاج ، وقراءة بلال بن أبي بردة كما في التاج واللسان وغيرهم ، وقراءة زيد بن عليّ

__________________

(١) تاج العروس ١١ : ١٦٤.

(٢) الأفعال للسرقسطي ١ : ٤٣٥.

(٣) الأفعال لابن القطاع ١ : ٢٧٩.

(٤) انظر معجم القراءات القرآنية ٧ : ٤٦.

١٩٩

كما في معجم القراءات القرآنية (١) ، وكل هؤلاء ممن يحتج بكلامهم من ارباب الكلام في العصور المتقدّمة.

وأمّا كون مضارعه من باب « نصر » مضموم العين ، فهو اللغة الثالثة التي أرسلها السيّد المصنف إرسال المسلّمات ، وهم لم يذكروها في معاجمهم ، مع أنّه قد وردت بها قراءة من قراءات العرب ، فلا حجة لهم في عدم ذكرها.

ففي تفسير أبي السعود : وقرئ « ولا تَخْسِروا » بفتح التاء ، وضمّ السين وكسرها ـ يقال : خسر الميزان يخسره ويخسره ـ وبفتح السين أيضا (٢) ... فصرّح بأنّ الفعل مثلث عين المضارعة.

وفي البحر المحيط : وقرأ الجمهور ( وَلا تُخْسِرُوا ) من أخسر ، أي أفسد ونقص ... وبلال بن أبي بردة وزيد بن عليّ « تخسر » بفتح التاء ؛ يقال خسر يخسر وأخسر يخسر بمعنى واحد كجبر وأجبر ، وحكى ابن جنّي وصاحب اللوامع عن بلال فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين ... وقرئ أيضا تَخْسُرُوا بفتح التاء وضمّ السين (٣) ...

وبعد وجود التصريح بصحة ورود قراءة عن العرب بضم عين المضارعة لا معنى للتخطي عن ذكر هذا المضارع المضموم العين ، فمن هنا ذكر السيّد المصنف أن مضارع « خسر » مثلث العين في المضارع (٤).

* وفي مادة « طزر » قال : « طزره طزرا ، كنصر : دفعه بلكز ؛ عن ابن الأعرابي ».

__________________

(١) انظر معجم القراءات القرآنية ومآخذه في هذه القراءة ٧ : ٤٥.

(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٧.

(٣) البحر المحيط ٨ : ١٨٩.

(٤) وانظر ما ذكرناه سابقا من أخذه من كتب التفسير واستدراكه ما فات على اللغويين منها.

٢٠٠