السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦
وهذا المعنى لم يذكر في معاجم اللغة ، أخذه السيّد المصنف من كتب الطب والاعشاب ، فان السيّد المصنف أخذه بالنص من كتاب الأدوية للغافقي (١).
هذا ، إلى مواد أخرى انفرد بها أخذها من كتب متفرقة ، كما في مادة « بسب » حيث قال : الباسب ، كقالب : جوهر كالزمرد في لونه ومائه ، لا يميّز بينهما إلاّ البصير الناقد ومعدنهما واحد.
ولم نجده في كتب اللغة ، وكأنه أخذه من كتب المعادن والجواهر.
وفي هذا المجال لم يفت السيّد المصنف أن يستفيد من وجوده في الهند ورحلاته ، فذكر بعض البلدان التي رآها ولم تذكر في معاجم البلدان ولا كتب اللغة ، ففي مادة « لمر » مثلا قال : لامري ـ بسكون الميم وكسر الراء ـ مدينة بجزيرة جاوة في بحر الهند ، ويقال لها : راملي. وهذه المدينة لم تذكر في كتب البلدان ولا كتب اللغة ، ويظهر أنّها من مشاهداته رحمهالله ، فإنّ دأبه في الطراز أن يذكر كثيرا من البلدان الهندية والتى لم يذكروها.
ومهما يكن من أمر ، فإنّ مما أمتاز به الطراز ، هو استدراكه على اللغويين كثيرا من المواد والمعاني من كتب ومصادر معتبرة ، أخلوا بالأخذ عنها ، فتدارك هو رحمهالله هذا الخلل واستفاد من كتب التفسير وغريب الأثر والحديث والمثل والادوية والطب والاعشاب والمرصّع وما شابهها فأغنى جانبا عظيما من معاجم اللغة وزادها سعة واستيعابا وثراً.
__________________
(١) انظر المصطلح الاعجمي ٢ : ٢١٦ ، وتذكرة الأنطاكي ١ : ٧٧ و ٨٤.
هـ ـ اعتناؤه بالمهموز والمقصور ، والمخفف من المهموز.
لقد كان من منهجية السيّد المصنّف أن يأخذ ما ذكروه من المهموز في المعتل أو في مكان آخر ، ويضعه في مكانه من الهمز ، فاستدرك في كتاب الهمز على باقي معاجم اللغة كثيرا مما لم يذكروه ، وبما أنّ كتاب الطراز خال من المعتل ـ لأنّ المصنف رحمهالله التحق بربه قبل إتمامه ـ رأينا أن نذكر ، ما وسعنا جمعه المقصورات التي ذكرها في المهموز ، وكذلك ما خفّف من المهموز ، ثمّ نذكر بعد ذلك ما انفرد عن معاجم اللغة بذكره من المهموز.
* ففي مادة « ألأ » ، قال : « الألاء ، كسحاب ويقصر : شجر مرّ الطعم حسن المنظر ؛ لأنّه دائم الخضرة ، واحدته بهاء ، وهمزته أصلية عند سيبويه ... وذكره الجمهور في المعتل ... ونص صاحب جامع اللغة على أنّه واويّ ويائي ، وقالوا : سقاء مألوء ومألوّ ومأليّ ـ بالهمز والواو والياء ـ إذا كان مدبوغا به ».
* وفي مادة « بهأ » ، قال : « أبهأ البيت إبهاء : أخلاه ، لغة في أبهاه ».
* وفي مادة « تنأ » قال : « تنأ على كذا : إذا استمر عليه لازما لا يفارقه ، وتنأتنوءا أيضا : أثرى وكثر ماله ، وربّما خففوا فتركوا الهمز في الكل ، فقالوا : تنا فهو تان ، كقوله :
شيخا يظل الحجج الثمانيا
ضيفا ولا تلقاه إلاّ تانيا
ومنه التناية بمعنى الفلاحة والزراعة وعمارة الأرض ، وأصلها الهمز ».
* وفي مادة « جلظأ » قال : « اجلَنظَأَ ، بالظاء المعجمة : استلقى على قفاه ورفع رجلية ، لغة في اجلنظى ».
* وفي مادة « جمأ » قال : الجماء ، كسحاب ويقصر : الشخص ، قال :
وقرصة مثل جماء التّرس
* وفي مادة « حبطأ » قال : « الحبنطأ كغضنفر ، والمحبنطئ كمحرنجم ، ويترك الهمز فيهما (١) : القصير البطين ».
* وفي الأثر من مادة « حطأ » قال : « فحطأني حطأة » دفعني بكفه ، أو ضربني بها بين كتفي ، ويروى بلا همز من الحطو وهو تحريك الشيء مزعزعا له ».
* وفي مادة « خبأ » قال : « والخابية : الجرّة ؛ تركوا همزتها تخفيفا ، وقد تهمز على الأصل ».
* وفي مادة « خنأ » قال : « خنأت الجذع ، كمنعته : لغة في خنيته ، أي قطعته ».
* وفي مادة « دفأ » قال : « والدّفأ ، كسبب : لغة في الدفا مقصور ».
* وفي مادة « ردأ » قال : « أردأ على الخمسين : زاد ، لغة في أردى ».
* وفي الأثر من مادة « رزأ » قال : « المؤمن مرزّا ، كمعظم بترك الهمز تخفيفا : مصاب بالارزاء فيما يحب ... ».
* وفي المثل من مادة « رطأ » قال : « من رطاته لا يعرف قطاته من لطاته : أي من حمقه ، وترك الهمز للمزاوجة ».
* وفي مادة « رقأ » قال : « رقأ السّلّم : صعده ، لغة في رقى ».
* وفي مادة « رمأ » قال : « رمأ على العشر ، زاد ، كأرمأ ، لغة في المعتلّ ».
* وفي مادة « رنأ » قال : « رنأ إليه ، كمنع : نظر ، لغة في المعتل ».
__________________
(١) انظر مادة « حبطأ » وكيف أن المذكورتين مهموزتان ومقصورتان. وقد رووا الحديث النبوي « إن السقط ليجيء محبنطئا » بالهمز وبدونه ، وزاد في كتاب الغريبين « محبنطا ».
انظر الغريبين ٢ : ٤٠٠.
* وفي « ضبأ » قال : « والضابئ : الرماد ، لغة في المعتل ».
* وفي مادة « ضهأ » قال : « ضاهأت زيدا مضاهأة : شابهته ، لغة في ضاهيته ».
* وفي مادة « طثأ » قال : « طثأ ، كمنع : لعب بالقلة ، لغة في المعتل ».
* وفي مادة « طنأ » قال : « وهذه حية لا تطنئ : لا تنجي من الهلاك من لسعته بل تقتله من ساعتها ، تهمز ولا تهمز ، وأصله الهمز ».
* وفي مادة « فجأ » قال : « فجئت الناقة فجأ ، كتعبت تعبا : عظم بطنها ؛ لغة في فجيت كرضيت ».
* وفي مادة « فرأ » قال : « الفرأ ، كرشأ وفضاء حمار الوحش ، وتبدل همزته ألفا ، فيقال : فرى ، كثرى ».
وفيها أيضا ، قال : « وأمر فريء : عظيم ، لغة في المعتل ».
* وفي مادة « فسأ » قال : « تفاسأ : تقاعس ، أو أخرج عجزه ، كتفاسى ، يهمز ولا يهمز ».
* وفي مادة « قما » قال : « وما قامأني : ما وافقني ، لغة في المعتل ».
* وفي « لبأ » قال : « ولبّأت بالحجّ : لبّيت ، همزوا ما ليس بمهموز ».
* وفي مادة « متأ » قال : « متأت الحبل ، كمنعته : لغة في متوته ، إذا مددته ».
* وفي الأثر من مادة « نتأ » قال : « ناتئ الجبين : أي مرتفعه ، يروى بلا همز تخفيفا ، وأصله الهمز ، فهذا موضع ذكره لا المعتل كما توهّم ».
* وفي مادة « نصأ » قال : « نصأت الرجل : أخذت بناصيته ؛ لغة في نصوته ».
* وفي مادة « هجأ » قال : « تهجّأت الحرف ، لغة في تهجّيته ».
* وفي مادة « هدأ » قال : « هدأ هدء فلان : سار بسيرته ، لغة في هدى هديه ».
هذا جلّ ـ أو كلّ ـ ما ذكره السيّد المصنّف من المعتل أو المخفف في فصل
المهموز ، وهناك موادّ لغوية كاملة ذكرها السيّد ولم يذكروها كمادة « حذأ » حيث ذكرها السيّد المصنف وذكر اسعمالاتها ومفرداتها ولم يفردها أحد بالذكر ، كما أنّ هناك مفردات مهموزة ذكروها في المعتل أو في فصول أخرى ولم يذكروها في أماكنها من المهموز ، استدركها السيّد المصنف وجعلها في أماكنها. فالسيّد المصنف ذكر مادة « حذأ » فقال :
* « حذأه حذءا ، كمنع : قطعه. وحذئت الشاة حذأ ، كتعبت : لغة في حدئت ، بالدال المهملة ».
وهذه المادة لم يذكروها رأسا ، ولا ذكروا فيها ما ذكره السيّد المنصف من المعنيين المذكورين.
فأمّا المعنى الأوّل فقد أخذه من المقصور « حذا » ، حيث قالوا : حذا النعل حذوا وحذاء : قدّرها وقطعها.
وأمّا المعنى الثاني فهو مأخوذ من مادة « حدأ » بالدال المهملة ، حيث قالوا : حذئت الشاة حذأ ، كتعبت : لغة في حدئت بالدال المهملة.
فها هنا أخذ السيّد المصنف ما أوردوه في غير مظانه وجعله في مكانه ، فاستدرك عليهم ما أخلوا بذكره.
* وفي مادة « دربأ » قال : « دربأت الشيء فتدربأ : دهدهته فتدهده .. وفلانا : ألقيته ، كدربيته ؛ بإبدال الهمزة ياء ، كما قالوا في دهدهته دهديته ».
وهذه المادة « دربأ » لم يذكروا فيها سوى قولهم تدربأ الشيء تدهدأ. حيث ذكر ذلك الصاغاني في التكملة (١) والفيروزآبادي في القاموس (٢) وابن فارس في
__________________
(١) التكملة والذيل والصلة للصاغاني ١ : ٢٠.
(٢) القاموس المحيط ١ : ١٥.
المقاييس (٣) والمجمل (٤) وغيرهم.
وأمّا دربأت فلانا بمعنى ألقيته ، فإن السيّد المصنف صرّح بأنّه رباعي مهموز ، وبأنّ قولهم « در بيت فلانا » من باب إبدال الهمزة ياء.
والذي في المعاجم أنّه غير مهموز ، وهو إمّا من « درب » أو من « دربى ».
ففي لسان العرب مادة « درب » قال : ابن الأعرابي : دربى فلان فلانا يدربيه إذا ألقاه ، وأنشد :
اعلوّطا عمرا
ليشبياه |
|
في كل سوء
ويدربياه |
يشبياه ويدربياه أي يلقيانه ، وذكرها الازهري في الثلاثي هنا وفي الرباعي في « دربى ».
والذي في تهذيب الازهري : دربى فلان فلانا يدربيه ، إذا ألقاه (٥).
وفي الرباعي « دربى » قال : ثعلب عن ابن الاعرابي : دربى فلان فلانا يدربيه إذا ألقاه (٦).
وذكرها الصاغاني في التكملة والعباب والصاحب في المحيط في « درب ».
وفي مادة « درب » من التاج قال : دربى فلانا يدربيه درباء.
وفي المحيط والدرباة الدفع (٧).
__________________
(٣) معجم مقاييس اللغة ٢ : ٢٧٤.
(٤) مجمل اللغة ٢ : ٢٦٧.
(٥) تهذيب اللغة للازهري ١٤ : ١٠٤ ( درب ).
(٦) تهذيب اللغة للازهري ١٤ : ٢٤٧.
(٧) محيط اللغة ٩ : ٢٩٥.
وعلق محقق التاج فقال : في الأصل « درباة » وانظر مادة « سلقى سلقاء ». وقال الزبيدي في مادة « سلق » : سلق فلانا إذا طعنه ودفعه وصدمه ، كسلقاه يسلقيه سلقاء يزيدون فيه الياء ، كما قالوا في جعبيته جعباء من جعبته أي صرعته.
وبناء على هذا وضعوها في « درب » ، ولكن المصنّف يرى أنّ الهمز أصلية وأنّ الفعل رباعيّ تماما كما في « تدربأ الشيء » بمعنى تدهدى ، ومعناهما قريب جدّا.
* وفي مادة « حظأ » قال السيّد المصنف : « حنظأ الرجل : بذأ وأفحش في الكلام ».
وهذه المادة أعني « حنظأ الرجل » لم يذكرها أحد من أرباب المعاجم ومصنفي اللغة في مادة « حظأ » وانما ذكروها في « حنظ » و « حظو ».
ففي « حنظ » من لسان العرب ، قال : حنظى به أي ندّد به وأسمعه المكروه ، والألف للالحاق بدحرج ... قال الازهري : حنظى وحنذى وعنظى ملحقات بالرباعي ، وأصلها ثلاثي ، والنون فيها زائدة ، كأنّ الأصل فيها معتل. وانظر كلام الازهري في التهذيب ٤ : ٤٥٨.
وفي مادة « حظو » من اللسان ، قال : يقال حنظى به ، لغة في عنظى به إذا ندّد به وأسمعه المكروه.
وفي مادة « حنظ » من الصحاح قال : حنظى به ، أي ندّد به واسمعه المكروه ، والالف للالحاق بدحرج.
وفي مادة « حظا » منه ، قال : قال ابن السكيت : حنظى به ، لغة في قولك عنظى به ، إذا ندّد به واسمعه المكروه.
وفي مادة « حنظ » من التاج استدركه على الفيروزآبادي ، فقال : حنظى به ، أي ندّد به وأسمعه المكروه ، والألف للإلحاق بدحرج كما في الصحاح والمصنف [ أي الفيروزآبادي ] ذكره في « خ ن ظ » كما سيأتي قريبا.
وفي مادة « خنظ » من القاموس قال : وخنظى به سمّع وندّد وسخر وأغرى وأفسد.
وخلاصة الكلام ، هو أنّ من ذكروه ذكروه في « حنظ » لأنّ الألف للالحاق ، أو في « حظو » وان النون زائدة ، لكن السيّد المصنف يرى زيادة النون وأصاله الهمز ، فلذلك جعلها في « حظأ » وبالتالي فقد ذكر ما يراه مهموزا في موضعه من الهمز ، مخالفا من اللغويين كما رأيت وهو يدل على طول باعه وسعة اطلاعه ، وأنّه صاحب رأي ونظر في اللغة.
* وفي مادة « حمأ » قال رحمهالله : « احمومأ السحاب : اشتدّ سواده. ورأس الرجل : حلك شعره. والمحمومئ : الشديد الخضرة في سواد ».
وهذه المفردات المهموزه ومعانيها ، لا توجد في مادة « حمأ » من أمهات المعاجم اللغوية التي عليها المدار ، مع أنّ الهمز فيها صحيح اصيل ، وقد تكلمت به العرب.
|
ففي التهذيب قال : « الليث : احمومى الشيء فهو محموم » ، يوصف به الأسود من نحو الليل والسحاب ، وقال الاصمعي : المحمومي من السحاب الاسود المتراكم » (١). وفي لسان العرب « حمى » قال : واحمومى الشيء اسود كالليل والسحاب ، قال :
... الليث : احمومى الشيء فهو محموم ، يوصف به الاسود من نحو |
__________________
(١) تهذيب اللغة ٥ : ٢٧٦ مادة ( حمى ).
|
الليل والسحاب. والمحمومي من السحاب : المتراكم الأسود. وفي مادة « حمي » من القاموس : واحمومى الشيء : أسودّ كالليل والسحاب. |
هذا مع أنّهم نصوا على أنّ الهمز لغة عند العرب في ذلك ، ففي العين ٣ : ٣١٤ : واحمومى الشيء فهو محموم : واحمومى الليل السحاب : وذلك من السواد ، ومنهم من يهمز.
وفي كتاب الافعال للسرقسطي في المعتل من « افعوعل » قال : احمومى ؛ قال أبو عثمان : احمومى الشيء فهو محموم : إذا اسودّ من نحو الليل ، وكذلك احمومى السحاب : إذا اسودّ وتراكم ، ومنهم من يهمز (١).
وفي المحيط للصاحب : « واحمومى الشيء : اسودّ ، ومنهم من يهمزه » (٢).
فاستدرك السيّد المصنف هذه المفردات والاستعمالات وذكرها في مادة « حمأ » مع أنّ المعاجم خلت عنها ، وقد عرفت صحة الهمز فيها ، فلا وجه للعدول عنها ، وقد تكلمت بها العرب. وهذا ما يوضح ضخامة العمل المعجمي ودقته وجامعيته عند السيّد المصنف ، وكيف أنّه حاول سدّ الفراغات التي كانت وما زالت في معاجم اللغة العربية ، فوفّق ايّما توفيق في كثير منها.
* وفي مادة « ذمأ » قال المصنف : « ذمأه كمنعه : أهلكه. والشيء : شقّ عليه وكرهه ، كذمئه بالكسر ، يقال : ذمأتني وذمئتني هذه الريح ، إذا كانت منتنة ، فشقت عليه وكرهها ».
__________________
(١) الافعال للسرقسطي ١ : ٤٣١.
(٢) محيط اللغة للصاحب بن عباد ٣ : ٢٢٩.
وأمّا « ذمأ عليه » فكلونه بمعنى شقّ ، وإنّما أصله أن يتعدى بنفسه.
والذي ذكرته عامة المصادر والمعاجم اللغوية في مادة « ذمأ » من هذه المعاني هو قولهم : ذمأ عليه ـ كمنع ـ ذما : شق عليه ، أي المعنى الاخير فقط.
ففي اللسان « ذمأ » قال : رأيت في بعض نسخ الصحاح ذمأ عليه ذمأ : شق عليه (١). وعلى هذا اقتصر في العباب والقاموس والافعال لابن القطاع (٢).
وإذا رجعت إلى مادة « ذمى » من المعاجم وجدت كل هذه المعاني التي ذكرها السيّد المدني موجودة فيه ولها وجه صحيح في الهمز لكنهم لم يذكروها الا في المقصور. انظر على سبيل المثال في ذلك التهذيب ١٥ : ٢٧ والمحيط للصاحب ١٠ : ١١٢ ـ ١١٣ ، واللسان والقاموس والصحاح والافعال للسرقسطي ١ : ٦٠٩ ، ولابن القطاع ١ : ٣٩٦.
لكنّ الانصاف أنّ ذكر هذه الافعال في المهموز بهذا الترتيب وبلغاتها من فتح عين الفعل وكسرها ، وبيان وجه تعدية الفعل « ذمأ » بـ « على » مما لم يوجد في معجم من معاجمهم ، فالسيّد المصنف تتبّع لغات الهمز ، وذكرها في الهمز ، ولم يقتصر كما فعلوا على إيرادها مقتضبة في المقصور.
* وفي مادة « سوأ » قال : « وأسوأ إسواء : أحدث ».
ومعاجم اللغة خالية عن هذا الحرف في مادة « سوأ » اذ لم يذكروا هذا الفعل ولا مصدره ولا معناه ، وإنما ذكروا الفعل « اسوى » في المقصور دون مصدره ثمّ ذكروا معناه. مع أن الهمز صحيح منصوص عليه من كلام العرب.
__________________
(١) وهي غير موجودة في الصحاح المطبوع.
(٢) انظر العباب ١ : ٥٩ القاموس المحيط ١ : ١٦ ، الافعال لابن القطاع ١ : ٣٩٩.
ففي تهذيب الازهري قال : « وقال أبو عمرو : يقال : اسوى الرجل إذا أحدث من امّ سويد ... قلت : أرى قول أبي عبد الرحمن السلمي « اسوى برزخا » بمعنى أسقط ، أصله من اسوى [ وفي نسخة من التهذيب : « اسوأ » وهي توافق نسخة الزبيدي في التاج ] إذا احدث ، واصله من السوءة ، وهي الدبر ، فترك الهمز في فعلها ، والله أعلم » (١).
وفي الصحاح قال : « وأسويت الشيء ، أي تركته وأغفلته : هكذا حكاه أبو عبيد ، وأنا أرى أن أصل هذا الحرف مهموز » (٢).
وفي لسان العرب قال : « وأسوى الرجل أحدث ... وأسوى حرفا من القرآن أو آية : أسقط » (٣).
وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي أنّه قال : ما رأيت أحدا اقرأ من عليّ صلينا خلفه فاسوى برزخا ، ثمّ رجع إليه فقرأه ، ثمّ عاد إلى الموضع الذي كان انتهى إليه.
قال الكسائي : أسوى بمعنى أسقط وأغفل ، يقال : أسويت الشيء إذا تركته وأغفلته.
قال الجوهري : كذا حكاه أبو عبيد ، وأنا أرى أنّ اصل هذا الحرف مهموز.
قال أبو منصور : أرى قول أبي عبد الرحمن في علي « اسوى برزخا » بمعنى اسقط ، أصله من قولهم : اسوى إذا أحدث ، وأصله من السوأة ، وهي الدبر ، فترك الهمز في الفعل.
__________________
(١) تهذيب اللغة للازهري ١٣ : ١٣٠ في مادة ( سوى ).
(٢) الصحاح للجوهري ٦ : ٢٣٨٥ ماده ( سوى ».
(٣) لسان العرب ١٤ : ٤١٥ ـ ٤١٦.
وقال الزبيدي في تاج العروس : « وأسوى إذا خري ، وهو من السوأة » (١).
وقال أيضا : « وأسوى حرفا من القرآن : أسقط وترك وأغفل ؛ من أسويت الشيء ، إذا تركته وأغفلته ، ومنه حديث أبي عبد الرحمن السلمي : ما رأيت احدا أقرأ من علي عليهالسلام : صلينا خلفه فأسوى برزخا ثمّ رجع إليه فقرأه ، ثمّ عاد إلى الموضع الذي كان انتهى إليه ... وقال الجوهري : هكذا حكاه أبو عبيد ، وأنا أرى أن أصل هذا الحرف مهموز.
قلت : وذكر الازهري ذلك أيضا ، فقال : اراه من قولهم أسوأ إذا أحدث ، واصله من السوأة وهي الدبر ، فترك الهمز في الفعل » انتهى.
وصرّح ابن القطّاع في كتابه الأفعال بأنّ الهمز أصل صحيح فيه ، فقال : « واسوأ الرجل : أحدث ، وأسوى كذلك » (٢).
فنرى أئمّة اللغة يصرحون بأنّه مهموز ، لكنهم يذكرون ذلك في المعاجم في المقصور ، وقد صرح ابن القطاع بأنّه مهموز أيضا كما أنّه مقصور ، فالاخلال بذكره في مادة « سوأ » مع وجوده واستعمالهم لمصدره يعدّ خللا ونقصا في المعاجم ، استدركه السيّد المصنف ، فجاء بهذا الحرف في محله من الهمز (٣).
__________________
(١) تاج العروس ١٠ : ١٨٩ ماده ( سوى ).
(٢) الافعال لابن القطاع ٢ : ١٥٦.
(٣) هذا على أنّ ذكر محاسن الطراز لا تمنعنا من القول بوجود بعد المؤخذات والنواقص فيه في المهموز.
ففي مادة « خضأ » ذكر السيّد المصنف الحفيتأ ، كسميدع : الرجل القصير السمين. واكتفى بذلك مع أنّ الزبيدي في التكملة والذيل والصلة : ٣٧٣ قال : ويقال أيضا : حفيتى ، مقصوراً. فكان الأفضل الإشارة إليه هنا ، ولعل في خلوّ الكتاب عن المقصور عذرا للمصنف وأنّه لو
وقال في مادة « هدأ » : والهدأ والهدأن ، كعنب وهزبر : الرجل فيه خبطة من حمق ، والثقيل الرأس الطويل النوم.
وهاتان المفردتان لم نر من ذكرهما في المهموز ، بل اقتصرت أمّهات المعاجم على ذكرهما في المقصور « هدي » وقالوا : ورجل هدان وهداء : للثقيل الوخيم. وقال ابن سيدة : الهداء : الرجل الضعيف البليد.
وذكروا في فصل النون « هدن » فقالوا : ورجل هدان بليد يرضيه الكلام ، والأحمق الثقيل ، وقيل الهدان والمهدون النوّام الذي لا يصلّي ولا يبكّر في حاجة.
وهم بين هذا وذاك لم يذكروا لغة الهمز فيهما ، وقد ذكرها السيّد المصنف في « هدأ » مصرّحا بأنّها من المهموز ، فذكر ما لم يذكروه.
وتتضح دقة السيّد المصنف في معجمه الطراز اكثر فاكثر في عدم ذكره لمادة « تطأ » في المهموز.
|
قال في لسان العرب ، مادة « تطأ » : التهذيب : اهمله الليث. ابن الأعرابي : تطأ إذا ظلم. ونقل عين هذه العبارة الزبيدي في التاج وقال بعدها : كذا في اللسان. |
__________________
قدّر له أن يتمه لذكر هذا الحرف المقصور.
وفي مادة « رنا » ذكر السيّد المصنف رنأ إليه ، بمعنى نظر ، لغة في رنا يرنو. وقد تابع المصنف الفيروزآبادي في صنيعه هذا ، وكان الأوّل به أن يذكر الرّنّءَ ، بمعنى الصوت ، فهو أصل صحيح مهموز قطعا ، فالعدول عنه إلى غيره وتصدير الباب به مما ينتقد عليه ، وقد انتقد الزبيديّ الفيروزآبادي في صنيعه هذا وتعجب منه ، هذا مع وجود شاهد عربي صحيح للرّنء ، قال الكميت يصف سهما :
يريد أهزع حنّانا يعلّله |
|
عند الإدامة حتّى يرنأ الطّرب |
وهذا الحرف أورده الفيروزآبادي والصاغاني وابن منظور وغيرهم في المعتل « تطا » ، وهو كذلك في المعتل من التهذيب حيث قال : « اهمله الليث. وقال ابن الاعرابي : تطا إذا ظلم ، وتطا إذا هرب ، رواه ابو العباس عنه » (١).
فالأزهري ينقل هذا الحرف في المعتل لا في المهموز ، فلا وجه لذكر ابن منظور والزبيدي له في « تطأ » المهموز ، ولذلك لم يذكره السيّد المدني دقة منه وعمق نظر.
وخلاصة الكلام في هذا المقام ، هو ان السيّد المصنف عنى عناية فائقة في هذا الفصل ـ اعني الهمز ـ وغيره ، فذكر فيه ما هو مهموز ولم يأتوا به ، أو ذكروه في المقصور واشاروا أو صرّحوا بأنّه مهموز ، أو فيه لغة الهمز ، كما أنّه خلص معجمه عمّا ذكروه خطأ في المهموز وهو ليس منه ، هذا ناهيك عن أنّه كان في المهموز يشير في كثير من الأحيان إلى لغة القصر فيه إن وجدت ، فكان معجمه اقرب المعاجم للجمع والدقة والاستدراك لما فاتهم ذكره.
و ـ ذكره للأفعال ـ وخصوصا ثلاثيها ـ وحسن ترتيبه لها.
إنّ من جملة الإشكاليات المطروحة حول معاجم العربية هو إغفالها لذكر الفعل الثلاثي مع ذكرها للمتصرّفات منه ، بل يذكرون الرباعي مثلا دون الثلاثي ، فيحسب القارئ أن الثلاثي غير موجود في كلام العرب ، وكذلك تراهم يذكرون المشتقات من الرباعي دون ذكرهم لأصل الفعل الرباعي.
هذا ، ناهيك عن أنّهم يذكرون الألفاظ بلا نظام ، ويخلطون الافعال ومشتقاتها
__________________
(١) تهذيب اللغة ١٤ : ٤.
أيّما خلط ، ويقدّمون المصدر أو اسم الفاعل أو المكان أو الزمان أو غيرها على الفعل.
|
قال الاستاذ أحمد فارس الشدياق في الجاسوس : « إنّ من أعظم الخلل وأشهر الزلل في كتب اللغة جميعا ـ قديمها وحديثها ، مطولها ومختصرها ، ومتونها وشروحها ، وتعليقاتها وحواشيها ـ خلط الأفعال الثلاثية بالأفعال الخماسية والسداسية ، وخلط مشتقاتها ، فربما رايت فيها الفعل الخماسي والسداسي قبل الثلاثي والرباعي ، أو رأيت احد معاني الفعل في أول المادّة وباقي معانيه في آخرها ، فإذا رأى المطالع أنّ المادة تملأ صفحتين أو ثلاثا عاد نشاطه ملالا ، وجدّه كلالا ، فربّما تصفح المادة كلها وأخطأه الغرض ، بخلاف ما إذا كانت الأفعال مرتبة على ترتيب الصرفيين ، فانه ينظر أوّلا إلى الفعل الثلاثي ومشتقاته في أوّل المادة ، وإلى الخماسي والسداسي ومشتقاتها في آخرها ، وإلى الرباعي ومشتقاته في وسطها ، فلا يضيع له بذلك وقت ولا يكل له عزم ولا يخيب سعي » (١). وقال أيضا : « ومن ذلك إيرادهم الفعل الرباعي دون الثلاثي فيوهمون أنّ الثلاثي غير وارد ... وأغرب من ذلك اقتصار جميع اهل اللغة (٢) على قولهم « قدّس تقديسا » وما أحد منهم ذكر له فعلاً |
__________________
(١) الجاسوس على القاموس : ١٠.
(٢) ستعلم أنّ السيّد المصنّف لم يفته ذكر هذا الفعل الثلاثي ، فما ذكره الاستاذ الشدياق على إطلاقه لا يشمل المصنّف رحمهالله.
|
ثلاثياً أو نبه على عدم مجيئه ، مع أنّهم قالوا أنّ القدس اسم ومصدر ، فكيف يكون مصدر من دون فعل ، أو في الاقل من دون تنبيه عليه كما نبهوا على غيره ، ويقال أيضا « قدوس » و « اسم الله الاقدس » و « بيت المقدس » فكيف جاء النعت وافعل التفضيل واسم المكان من غير اشتقاق؟! مع ان سيبويه قال إنّ الكلم كلّه مشتق » (١). |
وملخص الكلام هنا هو أنّ الاشكال يكمن في موطنين :
أوّلهما : عدم ذكرهم للفعل الثلاثي أو الرباعي أو غيرهما مع ذكرهم ما اشتق منهما وما تصرّف.
وثانيهما : هو البعثرة في سرد المعاني والالفاظ وذكرها بلا نسق ، مما يتعب القارئ ويضيع عليه بغيته أحيانا ، ويوهمه بعدم وجود الفعل من المستعملات والمشتقات أحيانا اخرى.
وكأنّ السيّد المصنف رحمهالله كانت هاتان الاشكاليتان محطّ نظره ، ومورد عنايته ، فحاول تخطيهما فيما رسمه من منهج لمعجمه اللغوي « الطراز الأوّل ».
فذكر في كلّ مادّة أفعالها ـ ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية إن وجدت ـ ذاكرا عند كلّ واحد منها ما اشتق منه واستعمل ، فرفع رحمهالله بهذه المنهجية ـ وتلك الميزة من استقصاء البحث عن الأفعال وذكرها ، رفع ـ كلا الإشكالين آنفي الذكر.
فأمّا ابتداؤه بذكر الفعل الثلاثي فإنّ ذلك دأبه ومنهجه في سائر أبواب وفصول
__________________
(١) الجاسوس : ١٣.
الكتاب ، وذلك ما لا حاجة لنا بسرده ، فالكتاب ماثل بين أيدينا ، نعم ـ إذا لم يكن في الفصل فعل اكتفى بسرد الفاظ ومعاني المادة ـ وكذلك إذا كان ذكر الفعل يحتاج إلى تقديم غيره عليه ، قدّمه.
* ففي مادة « سأر » قال : « السّوْر ، كقفل : بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو الحوض ، كالسؤرة كغرفة ، ثمّ استعير لكل بقية من طعام وغيره. الجمع أسآر كاقفال ، وسؤر كغرف ».
فانّه هنا قدّم معنى السّؤر وذكر لغة السؤرة فيه ، ثمّ ذكر جمعه ، ثمّ قال :
« وقد سئرت في الإناء بقيّة سؤرا ـ كبخلت بخلا ـ وسأرت سؤورا ، كخضعت خضوعا : أي بقيت ».
وفي مادة « سمر » قال : « السّمرة ، كالحمرة : احد الألوان المركّبة من البياض والسواد ».
فعرّف السّمرة أوّلا ، ثمّ أردفها بلا فصل بفعلها ، فقال : « وقد سمر كقرب ، وسمر كفرح ، سمرة فيهما ، فهو أسمر ، وهي سمراء. كاسمارّ اسميرارا فهو مسمارّ ».
فالمصنف في مثل هذه الحالات التي يرى أنّ تقديم المصدر أو اسم المصدر أو غيرهما دخيل في بيان الفعل وشرحه يؤخر الفعل عنها ؛ لأنّ « سئرت في الإناء بقية » لا يمكن شرحها إلاّ بالسّؤر. فلذلك قدّمه المصنف ليكون مفهوما مشروحا ، فإذا ذكر الفعل اتضح معناه. ونفس هذا الكلام يقال في « سمر » فإنّ سمر بمعنى صار ذا سمرة ، أي أسمر ، لا بدّ فيه من تقديم معنى السمرة ، ليكون شرح الفعل مفهوماً.
فالمنهج العام للكتاب إذن هو ذكر الفعل أوّلا (١) ، إلاّ أن لا يكون في المادة فعل
__________________
(١) قال الاستاذ الشدياق في الجاسوس : ١٤ ومن ذلك [ أي الخلل ] أنّهم يبتدئون المادة باسم
ـ أو أن يكون هناك ما يقتضي تقدمه على الفعل لأجل إيضاح معنى الفعل ، كما مرّ في المثالين السالفين. وهو بعد ذلك يذكر الأفعال ويسردها مرتّبة كلّ فعل مع استعمالاته وما اشتق منه ، الثلاثي فالرباعي فالخماسي فالسداسي ، على أنّا لا ننكر أنّه ربما عدل عن هذا الأخير فجمع الثلاثي وغيره باعتبار الاشتراك في معنى مراد.
* ففي مادة « برأ » مثلا ابتدأ بذكر الفعل الثلاثي « برأ » بمعنى خلق ثمّ « برئ » بمعنى صحّ من المرض ، والرجل من دينه سقط عنه الطلب.
ثمّ ذكر أبرأه من الدّين ، اسقط عنه حقه ، ثمّ ذكر برّأته من العيب ... وذكر في ضمنه ما يتعلق بالبريء ، والبَرَاء.
ثمّ ذكر بارأت شريكي : فاصلته ، وتبارأنا أبرأني وأبرأته.
ثمّ استبرأت الشي : طلبت منتهاه و و .. وغيرها من استعمالات استبرأ.
ثمّ عاد فذكر برئ منه بمعنى انفصل عنه وخرج من عهدته.
ثمّ ذكر تبرّأ منه : أظهر البراءة ، وذكر في ضمنها البراء وهي آخر ليلة أو يوم من الشهر ... سميت بذلك لتبرّؤ القمر فيها من الشمس. ثمّ ذكر الفعل منها وهو : أبرأ أي دخل في البراء ...
فذكر رحمهالله الثلاثي « برأ » و « برئ » ، ثمّ الرباعي « أبرأ » و « برّأ » ، ثمّ المفاعلة « بارأ » و « تبارأ » ثمّ الاستفعال ـ وهنا عاد فذكر برئ بمعنى انفصل عنه وكان المفروض ان يجعلها في بداية المادة ـ ثمّ ذكر التفعّل.
* وفي مادة « جفأ » ابتدأ فذكر الثلاثي اللازم جفأ الوادي والقدر ، ثمّ ذكر متعدّيه
__________________
الفاعل أو المفعول أو الصفة المشبهة أو اسم المكان والآله أو المعرب. عوضا عن الابتداء بالفعل والمصدر.
جفاتُ البرمة والرجل والباب والبقل والقدر والوادي ، ثمّ ذكر الرباعي اللازم تجفّأت البلاد وأجفأت ، ثمّ ذكر الرباعي المتعدي بنفسه أجفأ دابته ، ثمّ بحرف « أجفأ به ». ثمّ ذكر الجفاء ومعانيه.
* وفي مادة « جيأ » ابتدئأ بالثلاثي اللازم جاء بمعنى أتى ، وجاء الغيث وأمر السلطان ، ثمّ ذكر متعدّيه « جئت شيئا حسنا » وجئت زيدا ، ثمّ ذكر ما يتعدى بحرف الجر فذكر جئت بالشيء ، ثمّ ذكر الرباعي أجأته ، ـ ثمّ ذكر رجل جيّاء وجئاء وجائي كثير المجيء ، وكان حقها ان يذكرها بعد الثلاثي اللازم في اول المادة ـ ثمّ ذكر المفاعلة جايأني مجايأة ..
* وفي مادة « كثأ » ذكر الثلاثي اللازم ، ثمّ الكثأة وهي زبد القدر ، مأخوذة من كثأت القدر : أزبدت للغلي ، ثمّ ذكر الفنعلة ، وهي كنثأت اللحية ، ثمّ ذكر الكنثأو وهي اللحية العظيمة.
وهكذا تجده في سائر الفصول يحرص على هذا الترتيب ، وإن لم يتخذه منهجا دقّيّا في كل الكتاب ، والذي نعتقده أنّ الكتاب كان ولمّا يصل إلى مرحلة النضج الكامل. وقد توفي المصنف رحمهالله ولمّا يتمّه ، فلو قدّر أن يمتدّ به العمر ـ بنظرنا ـ لطّور معجمه هذا بشكل أدق بكثير عما هو عليه الآن ، ولكان له فيما نحن فيه الآن هذا المنهج المذكور بلا هذه النواقص التي هو عليها الآن.
ومهما كان الأمر فإن منهجه العام في الكتاب هو ما ذكرناه ، وقد حرص السيّد المصنف على جمع الأفعال واستلهامها وإغناء معجمه بها ، فابتدأ الفصول بالأفعال. وذكر أفعالا لم تذكر في معاجم اللغة المتداولة ، وذلك توسّعا منه ، وحرصا ، ورفعا لإشكال ذكر المشتقات والمفردات دون مبدئها الذي هو الفعل ، ممّا قد يوهم أن لا فعل لها ، فيذكر السيّد الفعل رفعا لمثل هذا التوهمّ ، بل نراه يذكر حتّى
الفعل الذي صرّحوا بأنّه ممات ، غير آبه بذلك ، إذ عدم استعمالهم له لا يدل على عدم صحّته. فتتبعه للأفعال وذكره لها ، يعدّ ميزة امتاز بها الطراز على ما قبله من المعاجم.
* ففي مادة « زنأ » قال : « زنأ الأمر : قارب ... ويقال : الأمر ما بيننا زناء ، أي مقارب ».
وهذا الفعل والصفة المشبهة منه غير مذكورين في معاجم اللغة ، مع أنّهما صحيحان قطعا ، ففي الفائق : « أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يصلّي الرجل وهو زناء » ، قال الزمخشري : هو في الصفات نظير براء وجواد وجبان ، وهو الضيّق ، يقال : مكان زناء ، وبئر زناء ، وظلّ زناء ، أي قالص ، وقد زنأ الظّلّ ، قال الأخطل :
وإذا قذفت إلى
زناء قعرها |
|
غبراء مظلمة من
الأحفار |
وقال ابن مقبل :
وتدخل في الظّلّ
الزّناء رؤوسها |
|
وتحسبها هيما
وهنّ صحائح |
وقال آخر :
تناهوا بني
القداح والأمر بيننا |
|
زناء ولما يغضب
المتحلّم |
أي مقارب ، فاستعير للحاقن لأنّه يضيق ببوله (١) ، انتهى.
وجميع المعاني الآنفة وفعلها مذكورة في معاجم اللغة الاّ المعنى الأخير الذي ذكر في البيت الأخير ، فإنّهم لم يذكروه فجاء به السيّد المصنف ، وذكر فعله الثلاثي « ز ن أ » فاستدرك ما فاتهم.
* وفي مادة « قرأ » ، قال في أوّل المادة حيث ذكر الفعل الثلاثي ، فقال : « قرأ
__________________
(١) الفائق ٢ : ١٢٤ ـ ١٢٥.