السيّد علي بن أحمد بن محمّد معصوم الحسيني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-479-5
الصفحات: ٤٥٦
من النون والهمزة رسيلتها في المثل المذكور ، فيجعل حكم إحداهما في الزيادة حكم الواو وإن لم يكونا من الغوالب ، والحكم بزيادة النون أولى من الحكم بزيادة الهمزة ؛ لكون زيادة النون في الوسط أكثر من زيادة الهمزة فوزنه فنعلو.
قال : وإنّما لزم الواو الزائدة في الأمثلة المذكورة بعد الهمزة لأنّ الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها.
فظهر أنّ تعقيب الفيروزآباديّ للجوهريّ إمّا عن جهل باختلاف القوم ، أو تحامل لا وجه له (١).
* وقال في مادة « كمأ » الكمء ، كفلس : نبات معروف ينتأ من الأرض بلا أصل ولا ورق ولا زهر ، وهو واحد الكمأة ، عكس تمر وتمرة ، وهو من النوادر ؛ يقال : جنيت كمأ واحدا ، وكمأين ، وثلاثة أكمؤ ـ كأفلس ـ وكمأة كثيرة. هذا هو المعروف في اللغة ، وما ذكره الفيروزآبادي من أنّها للواحد ، والكمء للجمع على القياس في قول ، أو هي تكون واحدة وجمعا ، لا معوّل عليه (٢).
* وقال في مادة « لألأ » : واللؤلؤة في قول زهير :
كأنّها بلوى
الأجماد لؤلؤة |
|
أو بطن فيحان
موشيّ الشوى لهق |
قال أبو عبيدة : أراد بها البقرة الوحشية ، وهو من التشبيه بالمجاز ؛ كما تقول : كأنّ لسانه عقيقة ، تريد السيف ، فقول الفيروزآباديّ : اللؤلؤة البقرة الوحشية. ليس
__________________
(١) لاحظ جهل الفيروزآباديّ باختلافهم في وزن « قندأو » و « قندأوة » ، أو معرفته بذلك الاختلاف وتحامله على الجوهري. وفي هذا دفاع في محلّه عن الجوهريّ.
(٢) الفيروزآبادي ذكر جميع الأقوال في هذا الموضع ، وقدّم بالذكر ما هو المعروف عند أهل اللغة ، فلا محذور عليه ، فما ذكره السيّد المصنّف يصلح تنبيها على الأصح المعروف ، وأنّ باقى الوجوه ضعيفة وإن نقلت عن بعض كبار الأئمّة.
بصواب (١).
* وقال في مادة « لمأ » : وألمأ به ، وعليه : اشتمل عليه ، أي ذهب به فواراه. وقول الفيروزآباديّ : إذ عدّي بالباء فبمعنى ذهب به ، وب « على » فبمعنى اشتمل ، موهم أنّ بين التعديتين فرقا في المعنى ، وليس كذلك ، فإنّ الاشتمال على الشيء هنا ليس إلا بمعنى الذهاب به ومواراته ؛ من قولهم : اشتمل عليه ، إذا واراه بثوبه.
قال ابن السكيت في اصلاح المنطق ، والتبريزي في التهذيب : يقال ذهب ثوبي ، وما أدري من ألمأ عليه ، ومن ألمأ به؟ أي من ذهب به ، فإن كان غرضه توجيه تعديته تارة بالباء ، وتارة بـ « على » مع اتّحاد المعنى ـ بتضمينه معنى الذهاب في الأولى ، والاشتمال في الثانية ـ فليس تحته كبير أمر ، ألا ترى أنّهم يقولون : مررت به ، ومررت عليه ، في كثير من الأفعال ، فلو ذهب اللغوي يوجّه نحو ذلك خرج عن غرضه (٢).
* وقال في مادة « ليأ » : اللّياء ، كضياء : حبّ كالحمّص شديد البياض ـ تشبه به المرأة البيضاء ؛ فيقال : كأنّها اللياء ، وقيل : هو اللوبياء ـ وسمكة بحرية يتخذ منها الأتراس فلا يحيك فيها شيء ، وهذا موضع ذكره لا المعتل ؛ إذ لا يعرف له تصرّف ، ولا مانع من الحكم بأصالة همزته ، وذكر الفيروزآباديّ له في الموضعين لا وجه له (٣).
__________________
(١) وقد صرّح الراغب والزمخشري وابن فارس بأنّ إطلاق اللؤلؤة على البقرة الوحشية مجاز ، فليس اللؤلؤة حقيقة في البقرة الوحشية كما في عبارة الفيروزآبادي ، وهذا يدل على عدم إلمامه بأساليب العرب واستعمالاتها.
(٢) لاحظ ضيق عطن الفيروزآباديّ وقلّة معرفته باستعمالات العرب.
(٣) لحظ هذا الإشكال على منهجية الفيروزآباديّ ، المبتني على عدم بيان الفيروزآباديّ لوجه
* وفي مادة « ملأ » قال : ملأت الوعاء ـ كمنعته ـ ملأ وملأة ـ بالفتح والكسر كتمرة وسدرة ـ وملّأته تملئة ، فامتلأ ، وتملّأ ، وهو ملآن ، وهي ملاى ، وملآنة لغة لبعض بني أسد دون سائر العرب ، وإطلاق الفيروزآباديّ غير صواب (١) ، وهي أوعية وغرائر ملاء ، كرجال.
* وقال في مادة « نبأ » وقول العرب إنّ مسيلمة لنبيّئ سوء ، على مثال غزيّل ، تصغير نبيء.
قال الفيروزآباديّ : هذا فيمن يجمعه على نُبَآءَ ، وأمّا من يجمعه على أنبياء فيصغّره على نبيّ ، وأخطأ الجوهريّ في الإطلاق. يريد أنّ النّبيّئ ـ على مثال غزيّل بالهمز ـ إنّما هو تصغير نبيء مهموزا ، وهو المجموع على نُبَآء كفقهاء ، وأمّا تصغير نبيّ ـ بالإبدال والإدغام المجموع على أنبياء كأصفياء ـ فهو نبيّ ـ كقصيّ ـ بحذف إحدى اليائين ؛ كما قالوا في تصغير عليّ : عليّ.
وقد أخطأ في هذه التخطئة ؛ لأنّ الجوهريّ يرى أنّ النبيّ من النبأ بمعنى الخبر كما صرّح به ، فتصغيره عنده نبيّئ كغزيّل سواء جمع على نُبآءَ مهموزا ، أو على أنبياء مبدلا ؛ لأنّ الإبدال فيه عارض ، فإذا صغّر ردّ إلى أصله في التصغير ، كيف وهو أحد أدلّتهم على أصالة همزه! فإطلاقه في غير محلّه (٢).
نعم ، من يرى أنّ النّبيّ من النباوة فتصغيره عنده نبيّ ـ كقصيّ ـ لا غير. وتصغير
__________________
اشتقاقه من المهموز أو المقصور.
(١) لاحظ عدم دقة الفيروزآباديّ في إطلاق العبارات ، فإن « ملأى » هي القياس ولغة العرب ، وليست « ملآنة » على حدّها ، فاطلاق الفيروزآباديّ وتسويته بينهما مجاف للصواب.
(٢) لاحظ دفاعه عن الجوهريّ ، وهو محق في ذلك ، وعدم فهم الفيروزآباديّ.
النبوّة ـ مهموزة ومبدلة ـ نبيئة بالهمز كجهينة ، ومنه قولهم : كانت نبيئة مسيلمة نبيئة سوء.
* وقال في مادة « ندأ » ندأت الشيء : كرهته ، نقله الجوهريّ عن الأصمعي.
وقد أشار بقوله « نقله الجوهريّ عن الأصمعي » إلى تبرئة ساحة الجوهريّ من الوهم الذي رماه به الفيروزآباديّ مردّدا ، حيث قال : « ندأه ، كمنعه : كرهه ، أو الصواب فيه بذأه ـ بالباء الموحّدة والذال المعجمة ـ ووهم الجوهريّ » حيث وهّم الجوهريّ بناء على صحة « بذأه » دون « ندأه » فأراده السيّد المصنف بيان أنّ الجوهريّ ناقل ما عن الأصمعي ، فالتبعة على الأصمعي لا عليه إن لم نقل انهما لغتان كما أشار إلى ذلك صاحب التاج.
* وقال في مادة « نشأ » : واستنشى الأخبار ـ بمعنى تتبعها ـ بالياء لا بالهمز ، ووهم الفيروزآباديّ (١).
* وفي مادة « وبأ » قال : ووبأ إليه ، وأوبأ : لغة في ومأ وأومأ ، إذ أشار إليه ، أو « أوبأ » يختص بالإشارة إلى خلف ، و « أومأ » يختص بالإشارة إلى قدام ؛ لا بالعكس ، وغلط الفيروزآباديّ (٢) ، قال الفرزدق :
ترى الناس ما
سرنا يسيرون خلفنا |
|
و إن نحن أوبأنا
إلى الناس وقّفوا |
__________________
(١) وقد وقع في هذا الوهم جماعة آخرون ، وقد نص ابن السكيت وغيره أنّه مقصور وإذا همز فالهمزة ليست بأصل ، راجع مادة « نشأ » و « نشأ » من معاجم اللغة وكتب غريب الأثر.
وهذا النوع من الوهم ناشئ عن التحريف.
(٢) لاحظ عدم فهمه لعبارات اللغويين ، ونقله ما يخالفهم ، وانظر ما قاله في تاج العروس هنا.
أي إن أشرنا إلى خلف وقفوا. والرواية المشهورة « وإن نحن أومأنا ... » فيكون الإيماء الإشارة مطلقا ، والإيباء يختص بها إذا كانت إلى خلفٍ.
* وفي مادة « ورأ » ، قال في كلمة « وراء » : قال ابن جنّي : همزتها أصليّة ؛ لتصغيرها على وريّئة بالهمز.
وقال الجمهور : هي بدل من ياء ؛ لقولهم : تواريت بالياء. فتوهيم الفيروزآباديّ للجوهريّ في القول باعتلالها لا وجه له (١).
وحكمها في الإعراب والبناء حكم سائر الجهات السّتّ ، فإن أضيفت لفظا أعربت نصبا على الظرفية ، أو خفضا بـ « من » وإن قطعت عن الإضافة لفظا ونيّة أعربت كذلك ونوّنت ، فإن حذف المضاف ونوي لفظه أعربت الإعراب المذكور ولم تنوّن ، وإن نوي معناه بنيت على الضم. وقول الفيروزآباديّ : هي مثلّثة الآخر مبنيّة (٢) ، وهم صريح ، أو إيهام قبيح ، على أنّ إثبات دعوى الحكم ببنائها مثلّثة دونه خرط القتاد (٣).
* وقال في مادة « ومأ » : وقال بعضهم : الإيماء أن تشير بيدك إلى من أمامك ليتقدّم ، فإن أشرت إلى من خلفك ليتأخّر أو يقف فهو الإيباء ـ بالباء الموحّدة ـ لا بالعكس كما توهّمه الفيروزآباديّ (٤).
__________________
(١) لاحظ تحامله على الجوهريّ مع أنّ الجمهور معه في كون همزة « وراء » منقلبة عن ياء.
أضف إلى ذلك ان الفيروزآباديّ نفسه ذكرها في المعتل دون تنبيه ، فغلطه من وجهين ، وتحامله في غير محله. ولاحظ دفاع السيّد المصنف عن الجوهريّ.
(٢) وأعاد هذا القول في مادة « ورى » وسكت عليه صاحب التاج في الموضعين.
(٣) وهو يستلزم جهله بالنحو والإعراب ، أو ادّعاؤه ما لم يعرفه النحويون.
(٤) وقد مرّ هذا التوهيم في « وبأ » وأحال عليه الفيروزآباديّ هنا ، فكأنه أعاد غلطه.
* وقال في مادة « هوأ » والمهوئنّ ـ كمطمئنّ ، وتفتح الهمزة ـ للصحراء الواسعة ، موضع ذكره حرف الهاء من باب النون ؛ لقولهم : اهوأنّت المفازة ـ كاطمأنت ـ أي اتّسعت. ووزنه عند الجمهور « مُفْوَعِلٌّ » ، وعند السيرافي « مُفْعَلِلٌّ » ، فنونه أصلية على القولين. وذكر الجوهريّ له هنا لا يعدّ وهما ؛ لاحتمال أنّه يرى اشتقاقه من الهوء (١) ـ ألحق باقشعرّ ـ بزيادة النونين كما ذهب إليه بعضهم في ارجحنّ ، وأنّه من الرجحان. ثمّ وقفت على نسخة من القاموس ألحق فيها ما نصّه : « وذكره هنا وهم للجوهريّ ؛ لأنّ وزنه مفعولّ ، والواو زائدة ؛ لأنّها لا تكون أصلا في بنات الأربعة » انتهى.
وهو غلط صريح ؛ لأنّ تمثيله بمفعولّ وذكره له في « هون » صريح في أنّ الواو عين الكلمة ، فيكف تكون زائدة؟ ومقابلته الهمزة بالواو في الوزن غلط آخر.
إلاّ ان يكون الناسخ حرّف « مفوعلاّ » إلى « مفعولّ » كما يرشد إليه حكمه بأنّه من بنات الأربعة ، فتكون الهمزة عنده أصليّة ، لكن يناقض ذلك ذكره له في « هون » من غير تنبيه على أصالة الهمزة ، فإنّه يقتضي أنّ الهمزة عنده زائدة ، والكلمة ثلاثية ، وتوهيم الجوهريّ لا وجه له كما عرفت.
هذه جملة من. توهيمات السيّد المصنف للفيروزآباديّ ، ومنها يظهر إمكان تقسيم تلك النقودات حسب مواردها ، فإن منها الاغلاط والاوهام اللغوية التي وقع فيها نتيجة لسوء فهمه لعباراتهم.
__________________
(١) لاحظ دفاعه عن الجوهريّ ، والتوهيم الذي بعده بناء على بعض النسخ واما النسخة الصحيحة الموجودة اليوم ففيها « مفوعل » وهو موافق لرأي الجمهور.
ومنها : ما وقع فيها نتيجة لتصحّفها عليه (١).
ومنها : ما لم ينفرد به لكن عدّه السيّد غلطا أو وهما وتصحيفا طبقا لما هو الأصحّ.
ومنها : الأغلاط النحوية والصرفية والاشتقاقية التي وقع فيها الفيروزآباديّ.
ومنها : أغلاطه في منهجية الكتاب كما في ذكره لكلمة واحدة في موضعين دون بيان لمحلّها الأصلي.
ومنها : تحامله على الجوهريّ وتغليطه إياه وتوهيمه له بلا مبرّر علمي.
ومنها : ذكره لما ورد عن بعض العرب في عرض ما ورد عن جميع العرب ، و .. و .. و .. مما يحتاج كل ذلك إلى بحوث وافية ، وتقسيم لماهية تلك النقودات ، فإن تجلية وجوه نقودات السيّد للفيروزآباديّ مهمة صعبة تحتاج إلى دراسة مستقلة وافية يتبين من خلالها ملامح عبقرية السيّد المصنف وابداعه في المنهج النقدي ، وخصوصا نقوداته للفيروزآباديّ التي لم يسبقه إليها أحد رغم كثرة ما كتب من النقود للقاموس.
ومع دفاع السيّد المصنف عن الجوهريّ محقّا في الأغلب الأعم من دفاعاته ، نراه لا يقدّس الجوهريّ تقديسا أعمى ، ولا يتوخى إلاّ بيان الحقيقة ، ولذلك كان قسط وافر من النقد قد أشرك فيه الجوهريّ والفيروزآباديّ.
__________________
(١) وقد مرّ مثاله في مادة « نشأ ». وأوضح منه وأصرح ما وقع في مادة « أسد » من التصحيف ؛ الأسدي ، كتركي : ضرب من الثياب ؛ جمع ثوب ، وقول الفيروزآباديّ : نبات ، تصحيف قبيح.
٢ ـ ما نقد فيه الجوهريّ والفيروزآباديّ معاً
إن كتاب الصحاح رغم عظمته وعظمة مؤلّفه الإمام اللغويّ الجوهريّ ، لم يسلم من النقود ، ولم يخل من الأغلاط والأوهام ، وقد عرفت أنّ كثيرا من تغليطات الفيروزآباديّ لهذا الإمام اللغويّ كانت في غير محلّها ، وتحاملا بلا مسوّغ عليه ، لكنّ ذلك لا يصدنا عن القول بأن قسما منها كانت في محلّها ، وإن حاول البعض تصحيحها بوجوه بعيدة وتمحّلات غريبة ، لكنّ هناك منها ما غلّطه فيها الفيروزآباديّ ، ووقع هو أيضا في الغط ، فكان الإشكال متقابلا في الطرفين ، وقد ذكر السيّد جملة صالحة من هذا النوع ، إليك بعضها :
* قال السيّد المصنف في مادة « أثأ » : وأَثَأْته بسهم إثاءة ـ كأبحته إباحة ـ أي رميته به ، موضعه « ث وأ » كما أورده الفارابي في ديوان الآدب (١) ، لا هنا كما توهّمه الفيروزآباديّ تبعا لأبي عبيد (٢) ، ولا « ث أ ث أ » كما توهّمه الجوهري.
* وقال في مادة « ثفأ » : الثّفاء كغراب وتفّاح : حبّ الرّشّاد ، واحدته بهاء ، ومنه الحديث : ما في الأمرّين من الشّفاء الصّبر والثّفاء.
قال جار الله : سمّي بذلك لما يتبع مذاقه من لذع اللسان لحدّته ؛ من قولهم : ثفاه يثفوه ويثفيه ، أي تبعه ، وهمزته منقلبة عن واو أو ياء على اللغتين (٣).
__________________
(١) ومثله صنع الصاغاني حيث أورده في « ثأثأ » من تكملته وصرح بان موضعه « ثوأ ».
(٢) لكنّه ذكره في « ثأثأ » منبها على أن موضعه « ثو » ، وذكره في « ثوأ » ثمّ قال : وذكر في « أثا » فكأنّه متخبّط في موضعه.
(٣) وصرّح بمثل ذلك الصاغاني في العباب. وهو الصحيح اشتقاقا ، وإن احتمل ابن سيده ضعيفا ان الهمزة هكذا وضعا. انظر تاج العروس.
وعلى هذا فموضع ذكره المعتل لا هنا كما وقع في الصحاح والقاموس.
* وقال في مادة « ثوأ » : وأثأته بسهم ، كأبحته : رميته به ، هذا موضعه ، لا « أ ث أ » ولا « ث أ ث أ ». فأعاد منبّها على ما ذكره في « أثأ ».
* وقال في مادة « حبطأ » واحبنطأ : انتفخ بطنه ، وامتلأ غضبا ، ولصق بالأرض ، واصله من الحبط ؛ زيدت النون والهمزة (١) ، أو الياء للإلحان ، فموضعه « ح ب ط » ، لا هنا ووهم الفيروزآباديّ (٢) ، ولا « ح ط أ » ووهم الجوهريّ (٣).
* وقال في مادة « حفتأ » قال : الحفيتأ ، كسميدع : الرجل القصير السمين ، وذكره في « ح ل ت » وهم للجوهريّ ، وأهمله الفيروزآباديّ هنا (٤).
* وقال في مادة « رقأ » : والرّقوء ، كرسول : ما يوضع على الدم ليرقأ ، ومنه قول قيس بن عاصم لولده : « لا تسبّوا الإبل ، فإنّ فيها رقوء الدم ومهر الكريمة » ، أي بها يحقن الدم ؛ لأنّها تدفع في الديات ، فيكفّ صاحب الثأر عن طلبه ، فيحقن دم القاتل.
ووهم الجوهريّ ، فقال : في الحديث (٥) ، والفيروزآبادي ، فقال : قول أكثم (٦).
__________________
(١) قال ابن بري : صواب هذا أن يذكر في ترجمة « حبط » لأن الهمزة زائدة.
(٢) حيث ذكره بعد « حبأ » وعدّ جميع حروفه أصلية. والصواب ما ذكره السيّد المصنف ، لأنّهم يقولون : حبط بطن الرجل ، إذا انتفخ لطعام أو غيره. وقد وهم الفيروزآباديّ فشارك الجوهريّ في وهمه حيث ذكره في « حطأ ».
(٣) حيث زعم زيادة النون وأصالة الهمزة.
(٤) حيث زعم زيادة النون واصالة الهمزة.
(٥) وهذا التوهيم بناء على اختصاص « الحديث » بما عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإلاّ فلم يخطأ الجوهريّ إذ إطلاق الحديث على قول الصحابي ليس بعزيز عند العامّة ، وكتب الغريب مشحونة بذلك ، وقيس بن عاصم صحابي.
(٦) هذا التوهيم بناء على ما اختار السيّد المصنف ، وإلاّ فإن للفيروزآباديّ موافقين في أن
* وقال في مادة « رنأ » : ويرنأ لحيته : خضبها به [ أي باليرنّاء ] ، والياء في اوله زائدة قطعا ؛ لإجماعهم على أنّها لا تكون مع ثلاثة اصول إلاّ زائدة ، سواء كانت أوّلا أو وسطا أو أخيرا ، وذكرها في فصل الياء من هذا الباب كما صنعه الجوهريّ والفيروزآباديّ وهم (١).
٣ ـ ما نقد فيه الآخرين
كان السيّد المصنف قدسسره حريصا على التهذيب والتتبع والتدقيق ، فلذلك نقد وخطّأ ووهّم الفيروزآباديّ ودافع عن الجوهريّ ، ونقدهما معا وربّما انفرد بنقد الجوهريّ لوحده ، أو في عداد جماعة آخرين ، كما أنّه كان ينقد أعلاما آخرين من أعلام اللغة ، مبيّنا موطن الخطأ والوهم عندهم.
* فقد مرّ عليك في مادة « أثأ » توهيمه للفيروزآباديّ تبعا لأبي عبيد ، وتثليثهما الجوهريّ في الوهم.
* وقال في مادة « حفسأ » : الحفيسأ ، كسميدع : الرجل القصير اللئيم الخلقة ، وذكر الجوهريّ له في « ح ف س » وهم. فوهم الجوهريّ لوحده.
* وقال في مادة « زأزأ » : قدر زوازئة وزوزئة ـ كعلابطة وعلبطة ـ أي عظيمة واسعة ؛ لضمّها الجزور أجمع. وذكرها في المعتل وهم.
* وقال في مادة « فتأ » فتأت النار : أطفأتها ، حكاه ابن مالك عن الفراء ، وتوهّم أبو حيان أنّه تصحيف عن « فثأ » بالمثلثة ، وليس به.
__________________
الكلام لأكثم.
(١) وقد صرح أبو حيان زيادة الياء ، وإليه ذهب ابن جني سيدة. والفيروزآباديّ تبع الجوهريّ والصاغاني في التكملة والعباب في هذا الوهم.
* وقال في مادة « منأ » المنيئة ، كسفينة : الجلد أوّل ما يدبغ ، وما دام في الدباغ ، والدباغ الذي يدبغ به ، والمدبغة.
وقول الفارسي : هي مفعلة من النيء ـ وهو اللحم لم ينضج ـ يدفعه قولهم : منأته.
* وقال في مادة « وثأ » : وقد وثئت يده ـ بالبناء للمفعول ـ ولا تقل وثئت كتعبت.
* وقال في الأثر من مادة « وجأ » ( فوجأت عنقها ) ضربتها بيدي ، أو رضضتها دقّا. وقول ابن الأثير في جامع الأصول : وجأت عنقه ، إذا دستها برجلك ، وهم ؛ لأن الدّروس بالرجل وطء لا وجء.
وهناك الكثير من هذا النمط من النقودات والتنبيهات التي ذكر فيها أعلاما بخصوصهم وقعوا فيها ، تراها في ثنايا الكتاب وموادّه ، مضافا إلى ما نبّه عليه من الاغلاط والأوهام ولم يصرّح بأسماء غالطين أو واهمين بأعيانهم ، مكتفيا بالإشارة الإجمالية لذلك.
* ففي الأثر من مادة « رزأ » قال : « المؤمن مرزّى » كمعظّم بترك الهمزة تخفيفا : مصاب بالأرزاء فيما يحبّ أو كثيرا ما تصيبه الرزايا ، ومن ضبطه بتشديد الياء فقد وهم ..
* وقال في مادة « سبأ » : السّابياء ، كالسافياء : المشيمة ؛ قال جار الله : هي من سبأت جلده ، إذا سلخته. وعلى هذا فأصل يائها الهمز ، وهنا موضع ذكرها لا المعتل. فأشار معرّضا بمن ذكرها في المعتل.
* وقال في المثل من مادة « فرأ » : « كل الصيد في جوف الفرا » اصله أن ثلاثة نفر اصطاد أحدهم ظبيا ، والآخر أرنبا ، والثالث حمارا ، فاستطال صاحب الظبي
وصاحب الأرنب على صاحب الحمار ، فقال لهم ذلك ، أي كل صيد دونه لعظمه. يضرب لمن يفضّل على اقرانه. وتمثل به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، لا أبي سفيان بن حرب كما توهّمه غير واحد (١).
* وقال في الأثر من مادة « نتأ » : ( ناتئ الجبين ) أي مرتفعه ، يروى بلا همز تخفيفا ، وأصله الهمز ، فهذا موضع ذكره لا المعتل كما توهّم.
* وقال في الأثر من مادة « وجأ » : ( ضحى بكبشين موجوءين ) ولا تقل موجأين ـ كمكرمين ـ فانه خطأ من الرواة (٢).
هذه بعض النماذج المبينة لمنهج السيّد المصنف النقدي في اللغة وعلومها ، اقتصرنا على أخذها من كتاب الهمزة ، ذكرناها لتقف على ما قلناه من براعته فيها وضلوعه في التدوين ، وأنّه يعدّ بحقّ من المجدّدين في معاجم اللغة العربية ، من حيث النقد وعنايته الفائقة بتقديم الصحيح الفصيح ، دون نقل الكلمات على عواهنها ، ومن حيث الاستدراك والسعة وتكثير المشتقات والمستعملات كما سيأتيك بيان بعض الشيء عنه ، وعن منهجيته في « طرازه الأول » بعد قليل :
__________________
(١) سياتي في ميزاته ومنهجيته في المثل.
(٢) سياتي في ميزاته ومنهجيته في الأثر.
منهج الكتاب وميزاته
المنهج الاجمالي للكتاب
لقد رسم السيّد المصنف منهجه العام في مقدمته للكتاب ، فصرّح بأنّه ينقل أوّلا ما تكلمت به العرب في المادة اللغوية ، ثمّ يتعرض لغريب القرآن وغريب الأثر ، ويذكر المجاز ، والمصطلح ، وأمثال العرب ، قال :
|
« هذا كتاب جمعت فيه من لسان العرب ما يحظى منه بارتشاف الضّرب ، وأحرزت فيه من غريب القرآن والأثر ، ما يرضى منه صدق العين والأثر ، وأضفت إلى ذلك من بيان مجازات الكلام. ومصطلحات العلماء الأعلام ، وأمثال العرب العرباء » (١). |
ثمّ قال في مقدّمته مفصّلا هذا الترتيب المجمل ، فقال :
|
« وأمّا طريقة تحريره ، وأسلوب تقريره ، فإني أبدأ الفصل من الباب ، باللغة العامّة ، ثمّ الخاصة بالكتاب ، ثمّ أجيء على الأثر بالأثر ، ثمّ بالمصطلح فالمثل » (٢). |
فكان ترتيبه هو أن يذكر :
__________________
(١) مقدمة المصنف : ٣ ـ ٤.
(٢) مقدمة المصنف : ٨.
١ ـ اللغة العامة ـ والمجاز.
٢ ـ الكتاب.
٣ ـ الأثر.
٤ ـ المصطلح.
٥ ـ المثل.
فمع علمنا أنّ المجاز داخل في معاني كل صيغة من الصيغ ، يبقى الكتاب خماسيّ الترتيب في كل فصل.
|
« هذا إذا اشترك الجميع في المادّة ، واشتبك في سلوك تلك الجادّة ، وإلاّ ذكرت ما اتفق ، انفرد أو ارتفق » (١). |
وهذه الطريقة طريقة جديدة مبتكرة ، لم يسبقه إليها أحد من المؤلفين والمصنفين ، لا من القدماء ولا من المتأخرين ، فإنهم في تآليفهم وتصانيفهم يخلطون الحقيقة والمجاز ، بل ربّما قدموا المجاز على الحقيقة ، ويأتون في أثناء سرد المواد اللغوية بما أرادوه أو سنح لهم من تفسير بعض الفاظ الكتاب والأثر ، وربّما جاءوا ببعض الأمثال ، وبعض المصطلحات التي غالبا ما يذكرون منها ما يتعلق بعلوم اللغة ، كاصطلاحات علم العروض والقوافي ، أو النحو والتصريف ، دون أن يتعرضوا الباقي المصطلحات التي لها أصول لغوية صحيحة.
وهم في كل ذلك لا يلتزمون منهجا محدّدا ، ولا ترتيبا معيّنا ، بل يذكرون ما يذكرون من ذلك بحسب مناسبته لمكان المادة اللغوية المشروحة.
على أنّ كثيرا من ألفاظ غريب القرآن والأثر والمصطلح والمثل تحتمل أكثر من
__________________
(١) مقدمة المصنف : ٨.
وجه لغوي ، ويختلف في تفسيرها اختلافا متباعدا ، فيكون ذكرها في مكان ما دون آخر ، تضييع لباقي المعاني ، وخلط لصواب الآراء.
وإذا ذكروا الوجوه المتعدّدة وفسّروها ، كانت بعض الوجوه في غير محلها ، أعني غير مناسبة لمكان المعنى المذكورة فيه ، وذلك ما يتعب طالب الشرح ، ويجعل تناول المعاني صعبا عسيرا ، يحتاج إلى جهد واستقصاء.
فأمّا فصله بين الحقيقة والمجاز
فهو بهذا الفصل جعل استعمالات العرب في أنصبتها الموضوعة لها والمستعملة فيها ، وميّز بين ما هو حقيقة عندهم وما هو مجاز ، وهذا ما يجعل تناول اللغة الصحيحة سهلا جدّا بخلاف ما سارت عليه معاجم اللغة ، من خلطها بين الحقيقة والمجاز ، وربّما قدموا المجاز بالذكر ثمّ ذكروا الحقيقة ، ولعل هذا الخلل في المعاجم هو الذي حدا بالزمخشري في أساسه أن يفصل بين الحقيقة والمجاز ، فكان له قدم السبق بذلك ، لكننا نرى من لحقه لم يقتفوا أثره ، ربّما كان ذلك لوعورة الطريق وصعوبة المسلك ، فإنّ التفريق بين الحقيقة والمجاز ، لا يستطيع ميزه إلاّ من أوتي غاية الحظ من الأدب ، والإلمام بفصل الخطاب من كلام العرب ، ومن كان ضليعا في علم المعاني.
وقد اقتفى السيّد عليّ خان أثر الزمخشري في إفراده الحقيقة عن المجاز ، ولمّ شعث الاستعمالات ، مضيفا الكثير من الاستعمالات المجازية ، وربّما بيّن وجه مجازيّتها وعلاقتها بالأصل اللغوي في بعض الأحايين ، فرفع بذلك خللا عظيما كان في معاجم اللغة.
قال الاستاذ فارس الشدياق : « ومما أحسبه من الخل أيضا تقديم المجاز على الحقيقة ، أو العدول عن تفسير الألفاظ بحسب أصل وضعها ، ... مثال ذلك لفظة
« عبر » أصل وضعها للنهر ؛ يقال : عبر النهر عبرا وعبورا إذا قطعه إلى الجانب الآخر ثمّ شبّه به عبر الرؤيا وتعبيرها أي تفسيرها ، وحقيقة معناها عبور أمر من مجهول إلى معلوم ، مع أنّ الجوهري ابتدأ هذه المادة بالعبرة وهي الاسم من الاعتبار ، والفيروزآبادي ابتدأ بعبر الرؤيا ، والزمخشري ابتدأها بقوله : الفرات يضرب العبرين بالزّبد وهما شطّاه ، وناقة عبر أسفار : أي لا تزال يسافر عليها ، غير أنّ الصغاني وصاحب المصباح ابتدءا بعبر النهر ، وهو الحقّ لأنّ عبور النهر كان للعرب الزم من عبر الرؤيا » (١).
أقول : وابتدأ ابن منظور بقوله : عبر الرؤيا يعبرها عبرا وعبارة ، وعبّرها فسّرها وأخبر بما يؤول إليه أمرها. ثمّ ذكر كلاما كثيرا ثمّ قال : وقيل : أخذ هذا كله من العبر وهو جانب النهر ...
وابتدأ الصاحب في محيطه المادة بقوله : « عبر الرّؤيا عبرا وعبارة وعبّرها ، جميعا ... » (٢).
وابتدأ ابن دريد في جمهرته المادة بقوله : « والعبر شاطئ النهر ، وهما عبران ... وعبرت النهر أعبره عبرا ، وكذلك عبرت الرّؤيا أعبرها وعبّرتها تعبيرا ، والاسم العبارة ... » (٣)
والفيومي وإن ذكر « عبرت النهر » في صدر المادة ، لكنّه حين ذكر « عبرت الرؤيا » لم يشر إلى مجازيتها ووجه أخذها من عبور النهر (٤).
__________________
(١) الجاسوس : ١١ ـ ١٢.
(٢) المحيط في اللغة ٢ : ٣٤.
(٣) جمهرة اللغة ١ : ٣١٨.
(٤) انظر المصباح للفيومي : ٣٨٩.
فأمّا السيّد عليّ خان ، فقد تجاوز هذه الإشكاليّة ، فبدأ بما عرفته العرب من عبور النهر ، ثمّ ذكر عبر الرأيا وبين علاقة المجاز بالحقيقة ، فقال :
« عبرت النهر عبرا وعبورا ـ كنصر ـ تجاوزته وقطعته عرضا من احد جانبيه إلى الآخر ... وعبر الرؤيا عبرا وعبارة : فسّرها ، وحقيقته ذكر عاقبتها وآخر أمرها ؛ من عبور النّهر ؛ كأنّه عبر من ظاهرها إلى باطنها » (١).
ولهذا نظائر كثيرة ، تجدها في أغلب المواد اللغوية ، وتجدها في المجاز ، حيث كان دأب السيّد المصنف وديدنه ، ذكر الحقيقة ، ثمّ المجاز ، وبيان العلاقة بينها في بعض الاحيان.
وأمّا إفراده الكتاب
فهو أيضا له نفس ما قلناه من ميزة سهولة التناول ، وجمع المعاني المفسّرة في مكان واحد ، مضافا إلى تسهيله الاطلاع على القراءات إن وجدت في آية ما من الآيات الكريمة ، ومعناها.
ففي مادة « حسس » من اللسان نراه في تفسير قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) (٢) كلّما تعرّض لمعنى من معاني المادة تحتمله الآية جاء بها وفسّرها به ، قال :
« وتحسّست من الشيء أي تخبّرت خبره ، وحسّ منه خبرا وأحسّ ، كلاهما : رأى ، وعلى هذا فسّر قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ). وحكى اللحياني : ما أحسّ منهم أحدا ، أي ما رأى. وفي التنزيل العزيز : ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ
__________________
(١) الطراز « عبر ».
(٢) آل عمران : ٥٢.
مِنْ أَحَدٍ ) معناه هل تبصر هل ترى؟ ... ».
وقال بعد خمسة أسطر :
« وقال الفراء في قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) وفي قوله ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ) ، معناه : فلما وجد عيسى ، قال والاحساس الوجود ... وقال الزجاج : معنى ( أَحَسَ ) علم ووجد في اللغة ... وقال الليث في قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) أي رأى ، يقال : أحسست من فلان ما ساءني ، أي رايت ... ».
فهنا يلاحظ تكرر الآية ونقل الأقوال فيها ، وإدخال آية اخرى معها وتكرارها مرّتين ، كل ذلك مما يشوش على الطالب ، ويجعل العثور على خلاصة معنى الآية صعبا ، ناهيك عن أنّهم يشرحون موضع الشاهد منها دون معناها كاملا.
ومثل هذا نجده في تهذيب الازهري حيث نقل ما قاله الفراء فيها وفي قوله : ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ) ، ثمّ ما قاله الزجاج ، ثمّ نقل ما قاله المنذري في قوله تعالى : ( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ) ، وفي قوله : ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ ) ، ثمّ نقل ما قاله الليث ... (١).
واقتصر في الصحاح على تفسير الآية بمعنى « رأى » (٢) ومثله صنع الزبيدي في التاج (٣).
وفي المفردات قال الراغب : ( « فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) فتنبيه أنّه قد ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحسّ فضلا عن الفهم » (٤).
__________________
(١) انظر تهذيب اللغة ٣ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.
(٢) الصحاح ، للجوهريّ ٢ : ٩١٨.
(٣) تاج العروس ١٥ : ٥٤١.
(٤) المفردات للراغب : ١١٦.
فها هم بين مختصر مخل ، وبين مطوّل خالط للآيات ، ومفرّق للمعاني مكرّر للآية حسب معانيها.
ومقابل هذا نرى حسن صنيع السيّد المدني ، في فصله للكتاب ، وذكره كل آية على حدة ، وتفسيرها بوضوح ، ونقل المعاني الموجودة فيها بلا ارتباك ولا تكرار ، قال :
|
« ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ ) ، علم ، أو عرف ، أو وجد ، أو رأى ـ من رؤية العين أو القلب ـ أو خاف ، أقوال. والكفر : جحود نبوّته وإنكار معجزته ». |
فجمع الاقوال في تفسير « أَحَسَّ » من الآية ، ثمّ استطرد فشرح المراد من الكفر ، وبذلك تبيّن معنى الآية كاملا ، فأفاد في شرح الكتاب شرح المادّة المتوخّاة ، وشرح معنى الآية المباركة ، بكل وجوهها ، بأحسن عبارة واوضح ترتيب ، وبلا تعقيد ولا خلط بالآيات الأخرى.
وفي إفراده الأثر
مثل ما سبق من فائدة هذه المنهجية ، ووضوح المعنى أو المعاني ، والتخلّص من الارتباك.
ففي مادة « نمر » من اللسان قال بعد أن ذكر النمر الحيوان المعروف : « وفي الحديث : نهى عن ركوب النّمار ، وفي رواية : النّمور ، أي جلود النمور ، وهي السباع المعروفة ، واحدها نمر ، وإنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة والخيلاء ولانه زي العجم أو لأن شعره لا يقبل الدباغ عند أحد الأئمّة إذا كان غير ذكي ، ولعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت ، لأنّ اصطيادها عسير ، وفي حديث أبي أيّوب : انه أتى بدابة سرجها نمور فنزع الصّفّة ... ».
ثمّ ذكر بعد أكثر من صفحة معنى تنمّر « أي تنكّر وأوعد لأن النمر لا تلقاه أبدا إلا متنكرا غضبان ... » ، ثمّ استرسل في ذر الاستعمالات حتّى قال بعد عشرين سطرا : « وفي حديث الحديبية : قد لبسوا لك جلود النمور ، هو كناية عن شدّة الحقد والغضب تشبيها بأخلاق النّمر وشراسته ... ».
ثمّ قال بعد ثمانية أسطر : « وفي الحديث : فجاءه قوم مجتابي النمار ... كأنّها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض ... » ، ثمّ استرسل فذكر بعض الآثار إلى ان قال : « وفي حديث خباب : لكنّ حمزة لم يترك له إلاّ نمرة ملحاء ، وفي حديث سعد : نبطي في حبوته ، اعرابيّ في نمرته ، اسد في تامورته ... ».
فهذه المعاني كلها ترجع إلى النّمر الحيوان المفترس المعروف ، نراها مشتتة في المادة غير مجموعة في مكان واحد.
ولم يذكر في التهذيب إلا « وفي الحديث فجاءه قوم مجتابي النمار » (١) ، ولم يذكر في الصحاح ولا القاموس شيئا من الأثر.
وأما السيّد عليّ خان فإنه أفرد الأثر ، فقال :
|
« نهى عن ركوب النمار » ويروى النمور ، وهما جمع نمر ، أي جلودها لما فيها من الريبة والخيلاء ، ولأنّه زي العجم ، ولان شعره لا يقبل الدباغ ، ولعل اكثر جلودها انما تؤخذ بعد موتها ؛ لان اصطيادها عسير. وفي حديث الحديبية « لبسوا جلود النمور » أي اظهروا العداوة وكشفوها وتشمروا للشر وجدّوا في إبدائه ، أو اشتد حقدهم وغضبهم! تشبيها بأخلاق النمور وشراستها. |
__________________
(١) التهذيب ، للازهري ١٥ : ٢١٩.