تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٦٢

الخطاب](١) ـ رضي الله عنه ـ أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله ورسوله وليّ من لا وليّ له ، والخال وارث من لا وارث له» (٢).

وروي ـ أيضا ـ أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قضى للخالة بالثلث ، وللعمة بالثلثين.

وعن زر بن حبيش (٣) ، عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قسم الميراث بين العمة والخالة.

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : الخالة والدة.

وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في العمة والخالة : للعمة الثلثان ، وللخالة الثلث.

فأخذ علماؤنا في ذلك بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن الأجلّة من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وكان ذلك موافقا لظاهر الآية وعمومها ، وكان اتباع ذلك عندهم أولى من غيره.

فأما الكلام في العول : فإن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ كان ينكره ، ويقول : لا تعول الفريضة.

وكان علي وعبد الله وزيد بن ثابت يقولون بعول الفرائض.

وروي عن الحارث (٤) قال : ما رأيت أحدا قط أحسب من علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أتاه آت ، فقال : يا أمير المؤمنين ، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته ، ما لامرأته؟ قال : صار ثمنها تسعا.

وكان ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يكره أن ينقص الأب من السدس ، وقد سمى الله ـ تعالى ـ له السدس ، ثم لم يمض على هذا الأصل ؛ لأنه قال في الابنتين وأبوين وامرأته : للمرأة الثمن ، وللأبوين السدسان ، وما بقي فللابنتين ؛ فنقص الابنتين مما سمى الله لهما ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٢) أخرجه الترمذي (٣ / ٦٠٧) في الفرائض : باب ما جاء في ميراث الخال (٢١٠٣) ، وقال : حديث حسن ، بلفظ (الله ورسوله مولى من لا مولى له ... الحديث) ، والطحاوي في مشكل الآثار (٧ / ٣٩٧) وأحمد (١ / ٢٨ و ٤٦) ، والدارقطني في سننه (٤ / ٨٤ ـ ٨٥) ، البيهقي (٦ / ٢١٤) ، وابن حبان في صحيحه (١٣ / ٤٠١ ـ ٤٠٢) الفرائض : باب ذوي الأرحام (٦٠٣٧).

(٣) زر بن حبيش الأسدي الكوفي أبو مريم : ثقة جليل مخضرم. مات سنة ٨١ ه‍ ، وقيل غير ذلك.

تنظر ترجمته في : التقريب ترجمة (٢٠١٩).

(٤) هو الحارث بن عبد الله الهمداني الحوتي ، أبو زهير الكوفي ، الأعور ، أحد كبار الشيعة ، روى عن علي وابن مسعود ، وروى عنه الشعبي وعمرو بن مرة وأبو إسحاق ، قال الشعبي وابن المديني : كذاب.

وقال ابن معين في رواية النسائي : ليس به بأس.

وقال في رواية : ضعيف.

وقال ابن حجر : رمي بالرفض ، وفي حديثه ضعف. مات سنة ١٦٥ ه‍.

تنظر ترجمته في : التقريب ترجمة (١٠٣٦) ، خلاصة الخزرجي (١ / ١٨٤).

٦١

فلم كانتا أولى بالنقصان كله من غيرهما؟

وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه ؛ لئلا يلحق النقصان على بعض ، ويأخذ البقية كمال نصيبهم ، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت ؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص ، وكقوم صح لهم دين على ميت ، وتركته لا تفي بذلك ؛ فهم جميعا أسوة : يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.

وأما الردّ : فإن عليّا ـ رضي الله عنه ـ وعبد الله ـ رضي الله عنه ـ قالا به ، على اختلافهما فيمن يرد عليه ، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام ؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين ؛ بقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.

وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما ، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنع الرد عليهما ؛ لأنه ـ عزوجل ـ ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد ، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد ، ولم يسم للأب شيئا ؛ فيرد الباقي عليه ، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبا بقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، ولم يسم لهم شيئا في حال الانفراد ؛ فيرد الكل عليهم ، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال ؛ بل ذكر سهامهما (١) في الأحوال كلها في حال الولد ، وفي حال الذي لا ولد له ؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.

وقوله ـ عزوجل ـ : (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ومرة : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) ؛ حتى يعلم أنهما واحد.

ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات ، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة ؛ فهو ـ والله أعلم ـ يحتمل وجهين :

يحتمل : أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث ؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد ، أو الوالدين والأزواج ؛ إذ بذلك ختم.

ويحتمل : أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا ؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومن بعد منه ، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا ، فإذا جاء النهي في مضارة من يقصد في الطبع ـ بقصد الرجل ـ مضارته ؛ فلان ينهي عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.

__________________

(١) في ب : سهامها.

٦٢

ثم بيان المضارة في الوصية ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الثّلث ، والثّلث كثير» وقوله : «إنّك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون» (١) ، وما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الرّجل ليعمل عمل الخير ستّين سنة ، فإذا أوصى خان فى وصيّته ، فيختم له بشرّ عمله ؛ فيدخل النّار ، وإنّ الرّجل ليعمل عمل أهل الشّرّ ستّين سنة ، فيعدل فى وصيّته ، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنّة» (٢) ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : اقرءوا إن شئتم : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) إلى قوله : (عَذابٌ مُهِينٌ)

وما روي : «الثّلث حيف».

وما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : الإضرار في الوصية من الكبائر ، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ...) إلى آخره ، قال : في الوصية (٣).

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ١٨٢]

ثم الإضرار قد يكون ـ أيضا ـ إذا أوصى لوارث ولم يوص للباقين ؛ لأنه أضر به بالوصية لبعض ورثته الباقين ؛ فلا فرق بين أن يضر بعض الورثة وبين أن يضر الورثة كلهم ؛ ففيه دليل بطلان الوصية لبعض الورثة دون بعض.

ثم الإضرار قد يكون بالدّين على ما يكون بالوصية ؛ لأنه إذا أقر المريض لبعض الورثة بدين ، فإن إقراره لا يجوز كما لا تجوز وصيته ، والإقرار بالدين أحق ألا يجوز من

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٦٢٣ ـ ٦٢٤) النفقات : باب فضل النفقة على الأهل وقول الله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ...) الآية [البقرة : ٢١٥] (٥٣٥٤).

ومسلم (٣ / ١٢٥٠ ـ ١٢٥١) كتاب الوصية : باب الوصية بالثلث (١٦٢٨).

وأحمد في المسند (١ / ١٧٩) ، والترمذي (٣ / ٦١٧) في الوصايا : باب ما جاء في الوصية بالثلث ، (٢١١٦) وقال : حسن صحيح ، والنسائي (٦ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) في الوصايا : باب الوصية بالثلث ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ٩٧٩).

(٢) أخرجه ابن ماجه (٤ / ٢٧٠ ، ٢٧١) كتاب الوصايا : باب الحيف في الوصية (٢٧٠٤) ، والترمذي (٣ / ٦١٩) الوصايا : باب ما جاء في الوصية بالثلث (٢١١٧) ، وأبو داود (٢ / ١٢٦) الوصايا : باب كراهية الإضرار في الوصية (٢٨٦٧).

وينظر : ضعيف ابن ماجه للألبانى (٥٩١).

(٣) أخرجه ابن جرير ٨ / ٦٥ (٨٧٨٣) ـ (٨٧٨٧) عن ابن عباس من قوله ، وأخرجه برقم (٨٧٨٨) عن ابن عباس مرفوعا ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٢٧) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ موقوفا ، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا.

٦٣

الوصية ؛ لأن الإقرار في المرض جوازه بحق الأمانة ؛ إذ يجوز جواز الشهادة ، والشهادة أمانة ، والوصية جوازها بحق الملك ؛ فإذا بطلت الوصية لوارثه فإقراره له في المرض أحق أن يبطل ؛ وعلى ذلك إذا كان عليه دين في الصحة ، فأقر بدين في المرض ؛ فغرماء الصحة أولى بدينهم من غرماء المرض ؛ لأن في ذلك إضرارا بغرماء الصحة ؛ لأن دينهم قد تعين في ماله ، وتحول من الذمة إلى التركة ؛ ألا ترى أنه ليس له أن يقضي غريما دون غريم! فإذا كان ما ذكرنا ـ لم يكن له قسمة المال بين غرماء الصحة وبين من أقر لهم بالدين في المرض ؛ إذ فيه الإضرار بهم ؛ إذ قد تعين حقهم ؛ فلا فرق أن يكسب الضرر على الوارث وبين أن يكسب الضرر على الغرماء.

وإذا باع شيئا بقيمته في المرض أو استقرض ؛ فإنه يجوز ويبدأ به ؛ لأنه يعمل للغرماء ؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.

وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء ؛ لأنه لم يعمل لهم ، إنما يعمل لنفسه ، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء ، فيكون أسوة ، ثم إذا أضر لم يجز ، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.

فإن قيل : إن الرجل قد ينهي عن الإضرار في نفسه وماله ، ولو (١) فعل يجوز.

قيل : إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه ـ ينهي ويجوز ؛ لأنه لم يضر غيره ، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وردّ ، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء ؛ لذلك بطل ، ولا يوصي بأكثر من الثلث ، ولا يوصي لوارث ، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ)

يحتمل قوله تعالى : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ، أي : الذي نهي عن المضارة وصية.

ويحتمل : الذي فرض عليكم من المواريث ؛ وصية من الله وفريضة منه ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ)

بمن ضارّ الوارث ، وزاد على الثلث ، وبمن لم يضار

(حَلِيمٌ)

لا يعجل بالعقوبة على من ضار.

ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء ؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه ، وكذلك الحليم.

__________________

(١) في ب : وإن.

٦٤

قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ)

قيل : فرائض الله التي أمركم بها من قسمة الميراث (١).

ويحتمل (حُدُودُ اللهِ) : ما حدّ لنا حتى لا يجوز مجاوزتها ، وقد تقدم ذكرها في سورة البقرة. وذكر حدود الله ، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود ، يقال : حدّ فلان ؛ فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حدّ الخلق كيف فهم من قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ، و (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حد الخلق ـ لم يجز أن يفهم من استواء الله ما يفهم من استواء الخلق ، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق ، ولا يفهم من مجيئه مجىء الخلق ، ولا من نزوله نزول الخلق ، على ما لم يفهم من قوله ـ تعالى ـ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) حدود الخلق ؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.

وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يحتمل وجهين :

أحدهما : أوامره ونواهيه ، وما حرّم وأحل.

ويحتمل : حدود شيء من ذلك ؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات ، والثاني : إلى نهايات العبادات.

والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان :

أحدهما : نهاية المنسوب إليه ، وذلك حق حد الأعيان.

والثاني : الأثر الذي يضاف إليه ، وذلك حد الصفات أن يقال : حد الفعل فعل كذا ، وحد البصر والسمع ، يراد به الأثر الذي به يعرف ، أو هنالك ما ذكر ، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق ؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه ؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء ، والمجىء ، والرؤية ـ لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى ، وبالله العصمة.

__________________

(١) أخرجه بمعناه ابن جرير في تفسيره (٨ / ٦٩) (٨٧٩١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٢٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس وسعيد بن جبير.

٦٥

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ).

قيل : من يطع الله في أداء فرائضه [وسنة رسوله](١).

(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ...) إلى آخر ما ذكر.

وقيل : ومن يطع الله فيما أمر ونهي ، وأطاع رسوله في أمره ونهيه ؛ فله ما ذكر.

وقيل : إذا أطاع الله فقد أطاع رسوله ، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع الله ـ تعالى ـ وهو واحد ، كقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) ـ تعالى ـ : فيما أمر ونهي ، وحرّم وأحل ، (وَرَسُولَهُ) : فيما بلغ وبين.

وقيل : ذا ليس بتفريق ، لكن من الذي يطيع الله هو الذي يطيع رسوله ؛ لأنه إلى طاعة الله ـ تعالى ـ دعاه ، وعلى عبادته رغب ؛ فتكون طاعته طاعته ، كقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، وكقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ...) الآية [آل عمران : ٣١]

وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٢)

وهذا كذلك ـ أيضا ـ إذا عصى الله ؛ فقد تعدى حدوده ، ومن تعدى حدوده فقد عصى الله.

ويحتمل قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) : فيما لم ير أمره أمرا ونهيه نهيا ، (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ، يعني : أحكامه وشرائعه ، أي : لم يرها حقّا ـ :

(يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها)

وله ما ذكر.

قوله تعالى : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١٦)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) ، (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما)

قيل : كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة ، والثاني للرجل.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : ورسوله في سنته.

(٢) قال القرطبي (٥ / ٥٤) : والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه ، وإن أريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله ـ تعالى ـ فالخلود مستعار لمدة ؛ كما تقول : خلّد الله ملكه.

٦٦

وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة ، وآية الحبس كانت في حبس المرأة (١).

ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا ، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعا.

ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصّة : فيما يأتي الذكر ذكرا ؛ على ما كان من فعل قوم لوط ، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.

فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة ؛ ففيها حجة لأبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدّ ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى ، وهو منسوخ إن كان في هذا ، وإن كانت في الأول ؛ فهي منسوخة.

ثم اختلف بما به نسخ :

فقال قوم : نسخ بقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢]

لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما ؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خذوا عنّى ، خذوا عنّى ، قد جعل الله لهنّ سبيلا : البكر بالبكر ، والثّيّب بالثّيّب ، البكر يجلد وينفى ، والثّيّب يجلد ويرجم» (٢) ؛ ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.

فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) ؛ فإنما صار منسوخا بما وعد [الله](٣) في الآية من النسخ ، لا بالسنة.

قيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا والوعد فيه النسخ ، وإن لم يكن مذكورا ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ ؛ لأنه بدو ، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية ؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا ، وفيه أخبار كثيرة :

روي أنه رجم ماعزا لما أقرّ بالزنا مرارا ، ورجم ـ أيضا ـ غيره : ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته ، وقال : سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى ، وقال : «واغد يا أنيس على

__________________

(١) انظر : البحر لأبي حيان (٣٠ / ٢٠٦) ، تفسير القرطبي (٥ / ٥٧) ، تفسير الرازي (٩ / ١٩٠).

(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٦) في الحدود : باب حد الزنى (١٦٩٠) ، وأحمد في المسند (٥ / ٣١٣) ، والدارمي (٢ / ١٨١) ، وأبو داود (٢ / ٥٤٩) في الحدود : باب في الرجم (٤٤١٥) (٤٤١٦) ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢٢٢) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ١٨٠) ، وابن حبان في صحيحه (١٠ / ٢٧٢ ، ٣٧٣) (٤٤٢٦ ، ٤٤٢٧) في الحدود : باب الزنى وحدّه.

(٣) سقط من ب.

٦٧

امرأة هذا ، فإن هي اعترفت فارجمها» (١).

وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل ، وقامت البينة ، أو اعترف ، وقد قرأناها : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله» (٢) ، رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجمنا بعده.

وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ، ولما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه رجم يهوديّين» (٣).

قيل : إنما رجم بحكم التوراة ؛ ألا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة ، ودعا علماءهم فأمرهم أن يقرءوا عليه ؛ فوضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرءوا غيره ؛ فقال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ، ثم قرأ هو ؛ فأمر برجمهم ، ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ؛ لذلك لم يقم عليهم الرجم.

فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢]

قيل : لا يحتمل وجوب الحد عليه بذلك ؛ لأنه مختلف حكم هذا من هذا في الحرمة ، ووجوب المهر ؛ وغير ذلك ، فلا يحتمل أن يعرف حكم شيء لما يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ـ : في الآية دليل جواز القياس ؛ لأنه ذكر الحكم في النساء ، ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم ، وهما لا يختلفان في هذا الحكم ؛ ما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله ؛ دل أن ما ترك ذكره في المنصوص إنما ترك ؛ للاستدلال عليه ، والاستنباط من المنصوص والانتزاع منه.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٥ / ٦٦٨ ـ ٦٦٩) كتاب الشروط : باب الشروط لا تحل في الحدود (٢٧٢٤ ، ٢٧٢٥).

ومسلم (٣ / ١٣٢٤ ـ ١٣٢٥) كتاب الحدود : باب من اعترف على نفسه بالزنى (١٦٩٧ / ١٦٩٨) ، وابن حبان (١٠ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣) كتاب الحدود : باب الزنى وحده (٤٤٣٧) جميعا عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.

(٢) أخرجه البخاري (١٤ / ١٠٠) كتاب الحدود : باب الاعتراف بالزنى (٦٨٢٩) ، ومسلم (٣ / ١٣١٧) الحدود : باب رجم الثيب في الزنى (١٦٩١) ، وأبو داود (٢ / ٥٥٠) كتاب الحدود : باب في الرجم (٤٤١٨) ، وابن ماجه في سننه (٤ / ١٦٧ ـ ١٦٨) كتاب الحدود : باب الرجم (٢٥٥٣).

(٣) أخرجه البخاري (١٤ / ٨٨ ـ ٨٩) كتاب الحدود : باب الرجم في البلاط (٦٨١٩) ، ومسلم (٣ / ١٣٢٦ ـ ١٣٢٧) الحدود : باب رجم اليهود ، أهل الذمة في الزنى (١٦٩٩).

٦٨

وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ؛ ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خذوا عنّي خذوا عنّي ؛ قد جعل الله لهنّ سبيلا : البكر بالبكر يجلد وينفى ، والثّيّب بالثّيب يجلد ويرجم» (١) : أوجب الجلد والرجم على الثيب أما عندنا : فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد ؛ لما روينا من الأخبار عن [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢) أنه رجم ماعزا ، ولم (٣) يذكر أنه جلده ، وما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها» (٤) : لم يذكر هنالك جلد ، والأخبار كثيرة في هذا.

وروي أنه قال : «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الّذي ستره عليه ، فإنّ من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حدّ الله» (٥).

ثم يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الثّيّب بالثّيّب يجلد ويرجم» (٦) في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ، ويرجم في حال ، أو يجلد ثيب ويرجم آخر ؛ لأنه لا كل ثيب يرجم ؛ لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم ؛ دل أنه على ما ذكرنا.

أو يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البكر بالبكر يجلد وينفى ، والثّيّب بالثّيّب» (٧) ، أي : البكر مع البكر ، والثيب مع الثيب ؛ فيكون ثيبا يجلد وثيبا آخر يرجم.

ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر :

قال قوم : النفي ثابت واجب.

وعندنا : إن كان فهو منسوخ ، ودليل نسخه : ما روي في خبر زيد بن خالد ، وكان الرجل بكرا ، لم يذكر أنه نفي.

وما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه نفى رجلا ؛ فارتد ولحق بالروم ؛ فقال : لا أنفي بعد هذا أبدا.

وما روي أنه قال : كفي بالنفي فتنة.

__________________

(١) تقدم قريبا.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : نبي الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) في ب : لم.

(٤) تقدم قريبا.

(٥) ذكره الزيلعي في نصب الراية (٣ / ٣٢٣) وعزاه لمالك في الموطأ والقرطبي في تفسيره (٦ / ١٥٧) ، (١٩ / ١٠٤).

(٦) تقدم قريبا.

(٧) تقدم قريبا.

٦٩

وإن (١) كان فهو عقوبة وليس بحد ؛ كحبس الدعارة وغيره.

والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال في الإماء : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] والأمة لا تنفي ؛ لما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [أنه](٢) قال : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، ثمّ إذا زنت فليجلدها ، ثمّ إذا زنت فليبعها ولو بضفير» (٣) : أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ، ولو كان حدّا لأمر به كما أمر بالجلد ؛ دل أنه ليس بحدّ في الحر ، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر ، ولا نصف للنفي ؛ دل أنه ليس بحد ، ولا يجب ذلك ، أو إن كان فهو حبس ، وفي الحبس نفي ، فيحبسان (٤) أو ينفيان ؛ لينسيا [ما أصابا ؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما ؛ فينفيان لذلك ، لا أنه حد ؛ ولكن لينسيا](٥) ذلك ولا يذكر.

وقوله ـ أيضا ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ...)(٦) إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا) [النساء : ١٦] ـ يخرج على وجهين ـ لو كان الإتيان الزنا :

أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس ، وفي الذكور : الإيذاء ؛ ولذلك جمع بين

__________________

(١) في ب : أو إن.

(٢) سقط من ب.

(٣) أخرجه البخاري (٥ / ٤٨٦) كتاب العتق : باب كراهية التطاول على الرقيق (٢٥٥٥ ، ٢٥٥٦) ، ومسلم (٣ / ١٣٢٨) في الحدود : باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (١٧٠٣) ، وأحمد (٤ / ١١٧) ، والدارمي (٢ / ١٨١) ، وأبو داود في الحدود : باب في الأمة تزني ولم تحض (٤٤٦٩) والنسائي في الكبرى (٣ / ٢٣٧) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٤٢ ، ٢٤٤) وابن حبان في صحيحه (١٠ / ٢٩٢ ـ ٣٩٣) (٤٤٤٤) في الحدود : باب الزنى وحده.

(٤) في ب : فيحبس.

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٦) قال القرطبي (٥ / ٥٦ ـ ٥٧) : واختلف العلماء هل كان هذا السجن حدّا أو توعدا بالحد على قولين : أحدهما : أنه توعد بالحد ، والثاني : أنه حدّ ؛ قاله ابن عباس والحسن. زاد ابن زيد : وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه. وهذا يدل على أنه كان حدّا بل أشدّ ؛ غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية ، وهو الأذى في الآية الأخرى ، على اختلاف التأويلين في أيهما قبل ؛ وكلاهما ممدود إلى غاية وهي قوله ـ عليه‌السلام ـ في حديث عبادة بن الصامت : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم». وهذا نحو قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة : ١٨٧] فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه. هذا قول المحققين المتأخرين من الأصوليين ، فإن النسخ إنما يكون في القولين المتعارضين من كل وجه ؛ اللذين لا يمكن الجمع بينهما ، والجمع ممكن بين الحبس والتعيير والجلد والرجم ، وقد قال بعض العلماء : إن الأذى والتعيير باق مع الجلد ؛ لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد. وأما الحبس فمنسوخ بإجماع ، وإطلاق المتقدمين النسخ على مثل هذا تجوز.

٧٠

الجميع في الخبر الذي به النسخ ؛ فارتفع الحبس والأذى جميعا ، وذلك معقول : تأديب (١) الرجل به أزجر له ، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنا.

أو أن تكون الآية الأولى : في المحصنات ؛ على تضمن المحصنين بالمعنى ، والآية الثانية : في الذكور ؛ على تضمن (٢) الإناث بالمعنى ، لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث : إما تدينا ، أو حياء الافتضاح ، أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم ، والحفظ عن قرب الذكور ، ليس بشيء من ذلك في الذكور (٣) ولا في الثيبات من النساء ، على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلنّ حتى يشهده أربع ، والغالب عليهن ألّا يخالطن هذا القدر من العدد.

ثم الدلالة على دخول الكل ـ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا عنّي ، قد جعل الله لهنّ سبيلا ...» (٤) : ذكر لهن ؛ على ما جرى به الذكر في القرآن ، ثم جمع في التفسير بين الكل ؛ ثبت أن الذكر قد يضمن الكل ، وذلك يبطل تأويل من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ، ومتى يحتمل وجود الكل مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة ، والعار اللازم لهن ، ثم كشف ذلك لجميع محارمها ، ثم خوف الانتشار به ظاهرا ، وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى تمكن من ذكر بحضرة من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها؟

فتأويل من وجّه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف.

ثم المروي من السنة ، ثم بما أجمع عليه أهل التأويل عمل صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينه الكتاب بالسنة ، ويحكم على الله ـ تعالى ـ وعلى رسوله بحجر هذا النوع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا ...) الآية ، ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة ، فكأن الخطاب عليهم خرج ، ثم قد أثبت الفاحشة منهن ، ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدون بها ؛ فعلى هذا أن ليس للأئمة تولى حدّ الزناة بعلمهم حتى يكون ثمّ شهود ، وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهي إليه من إعلان الفعل من الزناة ؛ إذ ذلك أمر معلوم فيما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقة ذلك بالولد يكون ، فأما

__________________

(١) في ب : تأنيب.

(٢) في ب : تضمين.

(٣) في ب : الرجال.

(٤) تقدم تخريجه.

٧١

من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن ، فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا يعلم حقيقته أبدا ؛ يدل على ذلك جميع الأمور التي منها المباح أو المحظور (١) : أن المحظور منه أبعد من الظهور والعلم به من المباح ؛ فعلى ذلك أمر هذا مع ما زيد هاهنا ما جعل فيه من حد الزانى وجهين :

أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك ؛ بما هتك ستر الله.

والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك ، ولزوم المسبّة في صاحب ذلك ، وذلك غاية معنى لزوم الشين ، وكذلك روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أصاب [من](٢) هذه القاذورات شيئا فليستتر [بستر الله](٣) ، فإنّه من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حدّ الله». فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت [من العقوبة](٤) من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت ، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله ، وبقلة حيائه ، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل ، فألزم من إليه ذلك القيام به لله ، ثم جعل الله في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله ، على ما علم من مصلحة الخلق بها ، وزجرهم ، وتكفيرهم بها.

ثم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت ، فهو ـ والله أعلم ـ مخرج على أوجه :

أحدها : إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في (٥) ذلك في الإماء حتى قال الله ـ تعالى ـ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ...) الآية [النور : ٢٤] ، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء ، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن ؛ فنزل قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب : ٥٩] وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا ، [وكذلك على](٦) الحرائر ؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن ، وذلك معنى يبعث من شرهت نفسه ،

__________________

(١) في ب : والمحظور.

(٢) سقط من ب.

(٣) في ب : يستره الله.

(٤) سقط من ب.

(٥) في ب : وفي.

(٦) في ب : وذلك.

٧٢

وقل تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه ، وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر ، فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل فيه الحبس والإمساك في البيوت ، ثم صار ذلك إلى الضرب ؛ لما أن تحرج الناس وعظم ذلك في أعينهم ، وجعل في الشتم به الحدّ ؛ ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا عن فعله ، وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم ، وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر ، ويرتفع جميع معاني الشبه لعظيم أمره.

والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض ، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة ؛ فغلب عليهم الأمر ، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.

ثم في الحبس وجهان :

أحدهما : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط (١) وتلاقى الأبصار.

والثاني : ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال ؛ إذ جعل ذلك إلى الموت ، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر ، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.

والثالث : أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم ، ويدعو إلى القيام بالكفاية ؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك ، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية ؛ فيكون أبلغ في العفاف ، وأقرب إلى الصلاح ، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل ؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد ، والله أعلم.

ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد ، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع ، إلا أن يكون ثمّ من جبل على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن ، فجعل في ذلك حد ، وجعل في ذلك لهن سبيلا ، وذلك ـ والله أعلم ـ يخرج على أوجه ، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك ، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيا ، ومعلوم أن المجعول له السبيل ، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس ، وقد روي عن نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي ، قد جعل الله لهنّ سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثّيّب بالثّيّب يجلد ويرجم» (٢) فهو ـ والله أعلم ـ أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن ، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا ،

__________________

(١) في ب : الاختلاف.

(٢) تقدم تخريجه.

٧٣

ولكن في هذا تخلية السبيل ، على أنهن ؛ إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبس بما لم يبين حد ذلك ، فإذا بين زال ذلك ولا حد حتى يكون منها ذلك ، فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل ، ثم بين الحكم في الحادث.

ووجه آخر : أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن ، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر ، وذلك كقوله ـ تعالى ـ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٥] والإماء لا يؤتين الأجر ، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر ، فأضيف إليهن ، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية ، فأخرجت على تسمية القرى ، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث ، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد ، ويزول عنهم مئونة الإمساك والقيام بالكفاية.

والثالث : أن يكون في طول الحبس ضجر [و] ضيق ، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها ، وقطع [ما](١) بينه وبين الأحباب ، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر ، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة ؛ فلذلك سمي ـ والله أعلم ـ ذلك سبيلا لهن.

ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين :

أحدهما : أن الحبس ـ وإن كان مذكورا في النساء خاصة ـ فهو في جميع الزناة ؛ لأنه قال [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢) : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي ، قد جعل الله لهنّ سبيلا» (٣) ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل ، في الذكور والإناث ، في المحصنين وغيرهم جميعا ؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذّكر فيهن ، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء ، وحد الزناة في قذف المحصنات ، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل ، فمثله فيما نحن فيه.

والثاني : بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة ، وذلك لوجهين :

أحدهما : أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل ، وليس بمذكور في شيء من القرآن ؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.

والثاني : أنه ـ عليه‌السلام ـ قال : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي» ثم أخبر عن جعل الله لهن السبيل ؛ فدل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي» [أنه بيان الله](٤) ، وهكذا معنى النسخ

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : عليه‌السلام.

(٣) تقدم تخريجه.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : أنه عنه بيان جعل الله.

٧٤

أن بيان جعل الله مدة حكم الأوّل بما يحدث فيه الحكم ، وليس قول من يقول في هذا في القرآن وعد بقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) ـ معنى ؛ لأن كل شيء في حكم الله أنه ينسخه ، فالوعد في حكمه قائم ، إلا أن يقول قائل : لا يصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيان وعد الحكم ، وإنما يصدق ببيان وعد الشرط ؛ فيحتاج أن يحدث منه إيمانا ، والله الموفق ، مع ما إذا جاز أن يعد النسخ المذكور في القرآن حقيقة ، لا فيه يجوز أن ينسخ المذكور حقيقته لا فيه.

وبعد ، فإن من يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ : أنه البيان عن منتهي حكم المذكور من الوقت ، ولا ريب أن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيان منتهي الحكم من النوع ، فمثله الوقت.

ثم إذا كان هذا أول عقوبة في الإسلام ؛ فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذا كان فيها الرجم ، وقد ذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما رجم بحكم التوراة ، وقال : «أنا أوّل من أحيا سنّة أماتوها» (١). وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه ، فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من أشرك بالله فليس بمحصن» (٢) ، وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن.

وقال قوم : عقوبة الحبس في الإناث خاصة ، وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير بقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما ...)(٣) الآية ، وهذا

__________________

(١) تقدم تخريج حديث رجم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اليهوديين.

(٢) أخرجه الدارقطني في سننه (٣ / ١٤٧) في كتاب الحدود والديات ، والبيهقي في السنن (٨ / ٢١٦) في الحدود : باب «من قال : من أشرك بالله فليس بمحصن» ، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٢ / ٣٢٧) وعزاه لإسحاق بن راهويه في مسنده والدارقطني والبيهقي في سننهما.

(٣) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٦٥) : هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة. قال الإمام الشافعي في الرسالة في (أبواب الناسخ والمنسوخ) بعد ذكره هاتين الآيتين : ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢]. فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين لحديث عبادة بن الصامت المتقدم.

ثم قال : فدلت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرّين ، ومنسوخ عن الثيبين. وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين. ثم قال : لأن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب الثيب جلد مائة والرجم» أول ما نزل فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين.

فلما رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماعزا ولم يجلده ، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلمي ، فإن اعترفت رجمها ـ دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين. وثبت الرجم عليهما ؛ لأن كل شيء ـ أبدا ـ بعد أول فهو آخر. انتهى.

٧٥

قريب من حيث كانت النساء مكانهن البيوت ، وأمكن حفظهن عن الزنا ، وتسليمهن إلى الأزواج مرة والمحارم ثانيا ، والرجال إذا حبسوا تحولت مؤنهم إلى غيرهم ، فتكون عقوبة فعلهم تلزم غيرهم ، والراحة تكون لهم ، وأمّا النساء فمؤنهنّ في الأصل على غيرهنّ ، فليس في حبسهنّ زيادة على غيرهن ، فذلك عقوبة لهنّ مع ما كان الرجال بحيث يمكن تعييرهم ، وذلك أبلغ ما يزجر العقلاء ، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الرجال خاصة ؛ إذ لا يذكر في عمل قوم لوط العقوبة ، وقد علم الله ـ سبحانه وتعالى ـ حاجة الناس إلى معرفة عقوبة ذلك ؛ إذ قد جعل الله ـ تعالى ـ في إتيان النساء حقوقا وحرمات وأحكاما ليست في إتيان الذكور ، عرف الخلائق تلك ؛ فلم يحتمل أن يترك ذكر عقوبة (١) للذكور في الزنا بعد أن فرق أحكام الأمرين ؛ فيشبه أن تكون الآية على ذلك ؛ وأيد ذلك عزوجل أنه ـ سبحانه وتعالى ـ قال : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) ولم يذكر في ذلك جعل السبيل ، وقد ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك في كل أقسام الزنا ، ثبت أن ذلك فيما ذكر (٢) ، فتكون عقوبة الأولى في ذلك أخف من الحدّ ، فكذلك عقوبة الثانية مع ما يكون فيما يؤذيان بتفريق ، وهو تعزير ، وذلك هو الباقي أبدا إذا لم يظهر معنى النسخ ، وأيد الذي ذكرت استواء الذكور والإناث في جميع عقوبات الزنا في قديم الدهر وحديثه من حدود المماليك والأحرار ، والثيبات والأبكار ، فعلى ذلك أمر تأويل الآية.

والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوها :

أحدها : ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة ، وأنّه النفي من البلد ، لكن الحدود إذا (٣) جعلت كفارات قد جعلن زواجر ، وفي الزنا بخاصّة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه ، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين ، وذلك بعيد ، والله أعلم.

فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس ، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل ، فينتفي ذلك العذر منه ؛ لظهور خشوع التوبة.

وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبّة ، فينفي ؛ لينسى ذلك ؛ فلا (٤) يعير بذلك ، وكذلك في الإماء ولا في الكفر ؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبّ من ذكرت حد ؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار ، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما

__________________

(١) في ب : عقوبته.

(٢) في ب : ذكرت.

(٣) في ب : إذ.

(٤) في ب : فلأنه.

٧٦

جرت السنة في الإماء بحدهن من غير ذكر الحبس ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) [النساء : ٢٥] والمذكور في الثيب يحتمل : يجلد في حال ويرجم في حال ؛ إذ لا كل ثيب يجلد ، وإن كان ثم نسخ بما ذكر من خبر ماعز وغيره.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَآذُوهُما) [قيل : فآذوهما](١) بالحدّ (٢).

وقيل : فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا) كفّوا عن ذلك (٣). وقيل : سبوهما ، لكن ذا قبيح ، والتعيير أقرب (٤).

قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١٨)

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ)

يحتمل قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ) كذا ؛ أي : توفيق التوبة وهدايته على الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذا كانت نفسه ترغب فيها ، وتميل إليها على الله أن يوفقه على ذلك ؛ إذا علم الله منه أنه يتوب.

ويحتمل قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) سبحانه وتعالى أي : قبول التوبة على الله ـ تعالى ـ إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.

وفي قوله ـ أيضا ـ : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ)(٥) لمن ذكر ، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٨٦) (٨٨٢٣ ، ٨٨٢٤) عن مجاهد ، و (٨٨٢٧) عن مجاهد ، و (٨٨٢٨) عن الضحاك و (٨٨٢٩) (٨٨٣١) عن قتادة.

(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ٨٤) (٨٨٢٠) عن السدي ، وعن ابن عباس برقم (٨٨٢٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم من طريق على عن ابن عباس ، وابن المنذر عن ابن عباس والضحاك.

(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ٨٥) (٨٢٢١) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣١) وعزاه للبيهقي في سننه عن مجاهد بن جبر.

(٥) قال القرطبي (٥ / ٦٠) : هذه الآية عامة لكل من عمل ذنبا. وقيل : لمن جهل فقط ، والتوبة لكل من عمل ذنبا في موضع آخر. واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) [النور : ٣١]. وتصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه ـ خلافا للمعتزلة في قولهم : لا يكون تائبا من أقام على ذنب. ولا فرق بين معصية ومعصية ـ هذا مذهب أهل السنة. ـ

٧٧

لا يسوّف التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب ، فالله يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته.

وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه ، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به ؛ فيترك الرجوع ؛ لقلة مبالاته به ، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته ، وحال استخفافه بالذنب.

والثاني : أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى الله ، والتعرض لرحمته وإحسانه ، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.

وقيل : الأول في الصغائر ، والثاني في الكبائر ، والثالث في الكفر (١) : بأن صاحب الصغيرة أرق قلبا وأخص ذكرا له ورجوعا إلى ربه ، وصاحب الكبيرة أقسى قلبا من الأول وأظلم ، فهو لا يندم إلا بعد شدة ، وبعد طول المحنة وضيق القلب ، فليس على الله قبول توبة من يتوب في تلك الحال ، ولا توبة من بان منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك ، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هنّ أسباب التقريب إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ والكافر لا يقبلها ؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت ؛ فيستيقن بالعذاب ، والله أعلم.

ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار ؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان ، ويأنس من الإمهال ؛ ليصل إلى ما كان له يذنب ، فالله لا يقبل توبته ؛ إذ ليست في الحقيقة توبة ممكّن ، بل توبة مضطر ، وتوبة دفع ما حل به ، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال ، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمّل والنظر ، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ)(٢)

__________________

 ـ وإذا تاب العبد فالله سبحانه بالخيار إن شاء قبلها ، وإن شاء لم يقبلها. وليس قبول التوبة واجبا على الله من طريق العقل كما قال المخالف ؛ لأن من شرط الواجب أن يكون أعلى رتبة من الموجب عليه ، والحق ـ سبحانه ـ خالق الخلق ومالكهم ، والمكلف لهم ؛ فلا يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه ، تعالى عن ذلك ، غير أنه قد أخبر ـ سبحانه ـ وهو الصادق في وعده بأنه يقبل التوبة عن العاصين من عباده بقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ)[الشورى : ٢٥].

(١) ينظر : البحر المحيط (٣ / ٢١١).

(٢) قال القرطبي (٥ / ٦١) : السوء في هذه الآية ، و «الأنعام» (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) [الأنعام : ٥٤] يعم الكفر والمعاصي ؛ فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. قال قتادة : أجمع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن كل معصية فهي بجهالة ، عمدا كانت أو جهلا ؛ وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي. وروي عن الضحاك ومجاهد أنهما قالا : الجهالة هنا العمد. ـ

٧٨

هذا ـ أيضا ـ يحتمل وجهين :

يحتمل جهل الفعل ؛ فيقع فيه من غير قصد.

ويحتمل : قصد الفعل ، والجهل بموقع الفعل.

والعمل بجهالة يخرّج على وجوه : يكون عن غلبة : تغلب عليه شهوته ؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد ، ويصير رجلا صالحا ؛ على ما فعل إخوة يوسف ، حيث قالوا : (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩] ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى ، حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) [يوسف : ٨٩].

ويحتمل العمل بالجهالة : هو أن يعمل على طمع المغفرة ، ويتكل على رحمة الله وكرمه.

ويحتمل العمل بالجهالة : جهالة عقوبة عمله على ذلك.

وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين : خطأ الفعل : وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.

وخطأ القصد عمد الفعل : وهو الذي قصد أحدا فأصاب غيره.

والنسيان على وجهين ـ أيضا ـ :

نسيان ترك : وهو الذي يجوز أن يضاف إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحال ؛ كذلك الجهالة ، والله أعلم.

والأصل في الشيء المنسي أنه متروك ، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيّا ؛ فتجوز الإضافة إلى الله ـ تعالى ـ من هذا الوجه.

وقيل : نزل قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ...) الآية ـ في المؤمنين (١).

وقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ...)(٢) إلى آخر الآية ، في

__________________

 ـ وقال عكرمة : أمور الدنيا كلها جهالة ؛ يريد الخاصة بها ـ الخارج عن طاعة الله. وهذا القول جار مع قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [محمد : ٣٦]. وقال الزجاج : يعني قوله «بجهالة» اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية. وقيل : «بجهالة» أي لا يعلمون كنه العقوبة ؛ ذكره ابن فورك. قال ابن عطية : وضعف قوله هذا ورد عليه.

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٠١) (٨٨١٦) عن سفيان الثوري ، ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢١١).

(٢) قال القرطبي (٥ / ٦٢) : نفى ـ سبحانه ـ أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس ؛ كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان ؛ لأن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع ، لأنها حال زوال التكليف. وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين. وأما الكفار يموتون على كفرهم فلا توبة لهم في الآخرة ، وإليهم الإشارة بقوله ـ

٧٩

الكافرين (١).

وقيل : إنهما جميعا في المؤمنين ، والثالثة في الكفار.

وقيل : إن الأولى في المؤمنين ، والثانية في المنافقين ، والثالثة : في الكفار.

وعن عمر [بن الخطاب](٢) ـ رضي الله عنه ـ قال : إن الله ـ تعالى ـ يقبل توبة العبد ما لم يغرغر (٣).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تاب قبل أن تغرغر نفسه ويعاين الملائكة قبل الله توبته» (٤).

والأصل في هذا أن توبة الكافر تقبل إذا كان توبته توبة اختيار ، وأمّا إذا كانت توبته توبة اضطرار ودفع فإنها لا تقبل أبدا ؛ كقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [الأنعام : ١٥٨] إذا كان إيمانه إيمان دفع واضطرار عند معاينة العذاب فإنه لا يقبل أبدا ، وهو ـ أيضا ـ كإيمان فرعون ، حيث قال : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ...) الآية [يونس : ٩٠] لم يقبل إيمانه ؛ لأنه إيمان دفع واضطرار ؛ فعلى ذلك كل إيمان كان إيمان دفع واضطرار فإنه لا يقبل أبدا ، وكقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤].

وقيل : قوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ...) توبة تشريط ، فلم تقبل ؛ لأنه لم يقطع القول فيه قطعا.

وقيل : في قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا

__________________

 ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [النساء : ١٨] وهو الخلود. وإن كانت الإشارة بقوله إلى الجميع فهو في جهة العصاة عذاب لا خلود معه ؛ وهذا على أن السيئات ما دون الكفر ؛ أي ليست التوبة لمن عمل دون الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت ، ولا لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة. وقد قيل : إن السيئات هنا الكفر ، فيكون المعنى وليست التوبة للكفار الذين يتوبون عند الموت ، ولا للذين يموتون وهم كفار.

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٠٠) (٨٨٦٥) عن الربيع بن أنس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣٣) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس بلفظ : (هم أهل الشرك).

انظر البحر لأبي حيان (٣ / ٢١١).

(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٣) هذا الحديث روي مرفوعا من حديث عبد الله بن عمر ، أخرجه : الترمذي (٥ / ٥٠٧) : باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله بعباده (٣٥٣٧) ، وقال : حسن غريب ، وابن ماجه (٥ / ٦٤١ ـ ٦٤٢) كتاب الزهد : باب ذكر التوبة ، رقم (٤٢٥٣) ، وأحمد في مسنده (٢ / ١٣٢ و ١٣٥) ، والحاكم (٤ / ٢٥٧) ، وأبو نعيم في الحلية (٥ / ١٩٠).

(٤) أخرجه أحمد (٥ / ٣٦٢) وذكره الهيثمي في المجمع (١٠ / ٢٠٠) وعزاه لأحمد ، وقال : ورجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن وهو ثقة.

٨٠