تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٦٢

يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، وهذا حرف لا يستعمل في موضع الأمر والإيجاب ، والله أعلم.

وسلّم قوم لهم هذا المعنى في الآية ، وردوا القصر إلى [قصر للخوف](١) يلحق عند الضرب في الأرض ، وإذن كان على وجهين :

أحدهما : في بيان المراد في قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) [البقرة : ٢٣٩] أنه : ليس على تمام المعروف من الصلاة ؛ لكن على القصر على الحد الذي ينتهي إليه الخوف من أمر القبلة ، أو ترك القيام والركوع والسجود ، وإلى الإيماء والقعود ، والله أعلم.

والثاني : ما في قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ...) الآية [النساء : ١٠٢] ، وإنما يذكر ذلك في أحوال لهم الانفراد وهو أحوال السفر ، ومعلوم أن ذلك في حق قصر الاقتداء فكأنه قال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) في الاقتداء به ، وإن قصرتم في الاقتداء عن تمام حقه من الجماعة ، وكذلك إصابة الكل أفضل ؛ فبين أن ارتفاع ذلك لا يمنعكم الاقتداء ، ولا يلزمكم نصب إمام آخر ؛ لتؤدوا جميع [الصلاة في](٢) الجماعة ، وأيد الوجهين قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) إلى قوله تعالى : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ) [النساء : ١٠١ ـ ١٠٢] ؛ [فالقصر في](٣) السفر على ما عليه ، ليس للخوف ؛ وأيّد ذلك ما التبس على عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى سأل عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (٤) ، بمعنى : حكم حكم الله عليكم في أن لم يفرض عليكم في السفر غير ركعتين ، [هو من جميع](٥) المذكور عن الله من العفو ؛ فهو في الإسقاط ، وأيد ذلك ما كان يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ بعد ذلك : «صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم» (٦). فعلم أن ذلك ليس في حق الآية ؛ لكن في ابتداء الشرع ، وعلى ذلك المروي بأن الصلاة كانت في الأصل ركعتين ، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر ، وإلى هذين التأويلين يتوجه قول أصحابنا ، رحمهم‌الله.

وقد تحتمل الآية قصر الصلاة (٧).

__________________

(١) في أ : معنى خوف.

(٢) في أ : أعمال.

(٣) في ب : وصلاة.

(٤) تقدم.

(٥) في أ : فالتصدق.

(٦) تقدم.

(٧) في ب : السفر.

٣٤١

ثم قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) يرجع إلى وجهين :

أحدهما : إلى ترك الركعتين ، وإن لم يتم السفر بعد الخروج [له](١) ، وليس كسائر الأعذار ، [نحو الحيض](٢) إذا لم يتم أنه يلزم إعادة المتروك ، والإغماء ، ونحو ذلك ، وأمر الصوم في السفر [بعد الخروج له ليس كسائر الأعذار ؛ فلا](٣) يعاد.

والثاني : ليس عليكم جناح في السفر ، وإن كان ذلك اختيارا منكم لترك صلاة الحضر ، أو ليس عليكم ما على المقيم [من الجناح إن](٤) لم يتم ، فإذا رجع الجناح إلى ذلك بقي الأمر بالقصر ، وإن خرج بحد الخبر ؛ إذ قد يكون خبرا في المخرج أمرا في الحقيقة نحو قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ ...) الآيات [الأنفال : ٦٥] ، ونحو ذلك كقوله ـ تعالى ـ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ) أنه لما صار : «لا جناح» راجعا إلى ما كان ثمّ من الأصنام أو الفعل ؛ بقي حق الأمر [بالطواف ، وإن كان في مخرج الخبر ، وصار من اللوازم ، دليل ذلك الأمر الوارد في الآية والظاهر من فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأسفار.

ولا يحتمل أن يكون [...](٥) يضيع من الجميع](٦) ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)(١٠٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ...) الآية.

اختلف أهل العلم في صلاة الخوف :

قال بعض أهل العلم (٧) : يجعل الإمام القوم طائفتين ، يصلي بالطائفة [الأولى](٨)

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في أ : الأخرى.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في ب : إذا ترك أنه.

(٤) في أ : الصحيح لو.

(٥) في ب : كلمة غير واضحة.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في أ : بالصواب عن الجميع.

(٧) ينظر : المبسوط (٢ / ٤٨) ، والأصل (١ / ٣٩٨) ، والهداية (١ / ٨٩) ، وتبيين الحقائق (١ / ٢٣٢ ، ـ

٣٤٢

ركعة ، ويصف الطائفة الأخرى مصاف العدو ، فإذا صلى بهم ركعة ؛ فيقومون ويصلون الركعة الثانية وحدانا.

ثم ينصرفون ويقومون مقامهم بإزاء العدو ، وترجع الطائفة التي كانت مصاف العدو فيصلى بهم الإمام الركعة الثانية ، ثم يسلم بهم الإمام ، فيقومون ويقضون الركعة الأولى (١) وحدانا. ويقولون : لأنه ليس في الآية إتيان الطائفة الأولى وعودها إلى الإمام ؛ لذلك لا يفعل.

وقالوا ـ أيضا ـ بأن القيام بعد الفراغ من الصلاة مصاف العدو أطمع وأرجى من القيام قبل الفراغ منها.

[و] قيل : بل القيام مصاف العدو ، وهم في الصلاة أطمع وأرجى من القيام في غير الصلاة.

وأما أصحابنا ـ رحمهم‌الله ـ فإنهم ذهبوا إلى ما روي في الأخبار.

روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخوف : فصلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهو العدو ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم ، مقبلين على العدو ، وجاء أولئك ، فصلى بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركعة ثم سلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قضى هؤلاء ركعة ، وهؤلاء ركعة (٢).

وعن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الخوف ، فقاموا صفين : فقام صف خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفّ مستقبل العدوّ ، وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصف الذي يلونه ركعة ، ثم قاموا فذهبوا وقاموا مقام أولئك ، واستقبل هؤلاء العدو ، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء ، فصلى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ركعة ، ثم سلم ، فقاموا يصلون لأنفسهم ركعة ، ثم سلموا ، فذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلين العدو ، وجاء أولئك إلى مقامهم ، فصلوا لأنفسهم ركعة (٣) ، ثم سلموا (٤).

__________________

 ـ ٢٣٣) ، والأم (١ / ٢٢٢) ، روضة الطالبين (٢ / ٦٠) ، وقليوبي وعميرة (١ / ٣٠٠).

(٨) سقط من أ.

(١) في أ : الثانية.

(٢) أخرجه أبو داود في سننه (١ / ٣٩٨) كتاب الصلاة : باب من قال : يصلي بكل طائفة ركعة ، ثم يسلم فيقوم كل صف ، فيصلون لأنفسهم ركعة (١٢٤٣) ، وابن جرير (٩ / ١٥٤) (١٠٣٦٥ ـ ١٠٣٧١).

(٣) في الأصول : ركعة ركعة.

(٤) أخرجه أبو داود (١ / ٣٩٨) كتاب الصلاة : باب من قال : يصلي بكل طائفة ركعة ، ثم يسلم فيقوم الذين خلفه ، فيصلون ركعة ، ثم يجىء الآخرون إلى مقام هؤلاء ، فيصلون ركعة (١٣٤٤) ، وابن جرير (٩ / ١٥٠) (١٠٣٥٥ ـ ١٠٣٥٧) عن عبد الله بن مسعود.

٣٤٣

وروى ابن عباس وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنهم ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو ذلك ، فاتفق على هذه الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هؤلاء الجماعة من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ : ابن مسعود (١) ، وابن عمر (٢) ، وابن عباس (٣) ، وزيد بن ثابت (٤) ، وحذيفة (٥) ؛ كلهم يقولون : إن [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٦) صلى بإحدى الطائفتين ركعة ، والطائفة الأخرى مواجهو العدو ، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعة ، وإن واحدا منهم لم يقض بقية صلاته حتى فرغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صلاته كلها ، فصلى المؤتمون ما بقي عليهم من صلاتهم ؛ وهذا نظرا لما عليه المسلمون جميعا فيما سبقهم الإمام : لا يقضونه حتى يفرغ الإمام من صلاته ، ثم يقضون ما فاتهم ، والأخبار التي جاءت بخلاف ذلك يحتمل أن تكون في الوقت الذي كانوا يقضون الفائتة قبل فراغ الإمام من صلاته ، ثم نسخ ذلك بما توارث الأمة القضاء بعد الفراغ ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) اختلف فيه.

قيل : هم الطائفة التي بإزاء العدو ، يأخذون السلاح ؛ ليكون أهيب للحرب والقتال (٧).

وقيل : هم الطائفة الذي يصلون ، يأخذون السلاح حتى إذا استقبلهم العدو والحرب يقدرون على ذلك (٨).

وقيل : إذا وقع بينهم الحرب فلهم تأخير الصلاة إلى وقت انقطاع الحرب بينهم.

وقال الحسن : يصلي الإمام بكل طائفة تمام الصلاة ؛ لأنه ذكر في الخبر أنه كان يصلي بكل طائفة سجدة ، والسجدة هي اسم التمام ، وهذا جائز في اللغة.

لكن عندنا ما ذكرنا من الأخبار عن الصحابة : عن عمر ، وابن عباس ، وغيرهما (٩) ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ حيث قالوا : صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الفطر والأضحى

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥٥) (١٠٣٧٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٧٦) ، وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس.

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢ / ٢١٣) في صلاة الخوف كم هي؟ برقم (٨٢٧٣) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٢ / ٥١٠) (٤٢٥٠).

(٥) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٣٥) (١٠٣٣١) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (٢ / ٢١٣) في صلاة الخوف كم هي؟ (٨٢٧٣).

(٦) في ب : النبي عليه‌السلام.

(٧) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٤٢) (١٠٣٤٤) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٧٩).

(٨) ذكره ابن جرير في تفسيره (٩ / ١٤٢) ، انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥).

(٩) في ب : وغيره.

٣٤٤

ركعتان ، وصلاة الخوف ركعة تمام غير قصر (١) ، وما روينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سجد بالصف الأول ، ولم يسجد معه الصف الثاني ، فلما رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه من السجدتين سجدهما أهل الصف الثاني (٢) ؛ فهذا يدل على أن الأمر ما وصفنا. وإذا كان العدو مواجهة القبلة فالإمام بالخيار : إن شاء جعل القوم صفين : صفّا أمامه بإزاء العدو ، وصفّا معه يصلي بهم ؛ هكذا (٣) روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه فعل [ذلك](٤) بالمسلمين :

[و] روى جابر بن عبد الله أن [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٥) صلى بهم والعدو في القبلة ، فصلى بطائفة ركعة ، وجاءت الأخرى فصلى بها (٦) أخرى. وإن شاء جعل القوم كلهم خلفه صفين فيصلي بهم ، فإذا انتهوا إلى السجود ، سجد الصف الأول ، والصف الثاني يحرس العدو ، فلما فرغ هؤلاء من السجود سجد الآخرون ، ثم كذلك يفعل بهم في الثانية (٧) ، وهذا ـ أيضا ـ روى أنه فعل ؛ فيختار أيهما شاء.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ)

أي : ليكونوا مصاف العدو يحرسونهم من العدو.

[وقوله ـ عزوجل ـ :](٨)(وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)

يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (حِذْرَهُمْ) ، أي : يأخذون ما يستترون به ويحرسون العدو ، من نحو الترس ، والدرع ، ونحوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَسْلِحَتَهُمْ) : ما يقاتل به من السلاح ويحارب.

ويحتمل ما يتحصن به من الحصن ، من نحو الجبال وغيرها (٩).

وفيه الأمر بتعلم آداب الحرب والقتال ، وأخذ الأهبة والإعداد للعدو دون أن يكلوا الأمر إلى ذلك ؛ ولكن يكلوا الأمر إلى ما وعد الله لهم من النصر بقوله ـ تعالى ـ : (وَما

__________________

(١) أخرجه النسائي في الكبرى (١ / ٥٤٦) كتاب صلاة العيدين : باب عدد صلاة العيدين (١٧٧١ / ١) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٢ / ٥١٩) (٤٢٧٨) ، عن عمر بن الخطاب ، وبنحوه عن ابن عباس : أخرجه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢ / ٢١٥) (٨٢٨٣) (٨٢٨٢).

(٢) تقدم.

(٣) في ب : كذا.

(٤) سقط من ب.

(٥) في ب : النبي.

(٦) في ب : بهم.

(٧) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥٧ ـ ١٥٨) (١٠٣٧٥ ـ ١٠٣٧٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٧٩) ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة.

(٨) سقط من ب.

(٩) في ب : وغيره.

٣٤٥

النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : ١٢٦] ، وبقوله : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) [الأنفال : ٦٠] ، وقوله : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [النساء : ٧١] ، وغيره من الآيات ، فيها الدلالة على تعلم آداب الحرب وأخذ الأهبة فيه ؛ حيث أمرهم ـ عزوجل ـ بمجاهدة العدو في غير آى من القرآن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ ...) الآية.

هذا يعلم بالطبع أن كل أحد يطلب الفرصة على عدوه والغفلة منه ، هذا معروف في طباع الخلق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ) : ما يحارب به ويقاتل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمْتِعَتِكُمْ) ـ يحتمل : أمتعتكم : ما يحرس به العدو ويستتر به منه ، أي : يطلبون الغفلة عن الأسلحة والأمتعة.

ويحتمل : الأمتعة أن يريد بها غيرها ، من : الثياب وغيرها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)

في الآية دلالة أن الله ـ تعالى ـ لم يرد بقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ...) [التوبة : ١١١] ـ بذلها للقتل ؛ حيث رخص لهم وضع الأسلحة وأخذ الحذر عند ما بلوا بالمطر و (١) المرض ؛ لأنه لو كان المراد بشراء الأنفس منهم بذلها للقتل ـ لكان لا يرفع (٢) ذلك عند ما يخافون على أنفسهم من الهلاك ؛ إذ المرض وخوف الهلاك لا يرفع ذلك في الأحوال كلها إذا كان الأمر بذلك أمرا بالقتل والهلاك ؛ ألا ترى أن من وجب عليه الرجم لم يرفع عنه بالمرض الرجم ؛ لأن في الرجم هلاكه ، فلما رفع عنهم القتال في حال المرض ، أو في الحال الذي يخاف الهلاك ـ دل أنه لم يرد بشراء الأنفس بذلها للقتل ؛ ولكن أراد ـ والله أعلم ـ إظهار دين الله ، ونصر [أهل دينه](٣) ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : (فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٧٤] جعل الثواب والأجر عند الغلبة على عدوه مثل ما جعل عند القتل ، ولو كان الأمر بذلك أمرا بالقتل خاصة ـ لا يستوجب الأجر والثواب بغيره ؛ دل أنه ما ذكرنا ؛ ألا ترى أنه قال : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) [التوبة : ١١١] : جعل الوعد للقاتل ما جعل

__________________

(١) في ب : أو.

(٢) في ب : يدفع.

(٣) في ب : أوليائه.

٣٤٦

للمقتول.

هذا كله يدل أن الأمر بذلك ليس على القتل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)

قد ذكرنا أن الأمر بأخذ الحذر يحتمل وجهين :

أحدهما : فيه الأمر بتعلم آداب الحرب وأسباب القتال ، وألا يكلوا الأمر إلى ذلك خاصة ؛ لكن إلى (١) ما وعد لهم من النصر والظفر على عدوهم بعد أخذ الأهبة ؛ ألا ترى أنه قال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ...) الآية [الأنفال : ٦٠] ، وقال ـ تعالى ـ : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ...) الآية [النساء : ١٠٢].

والثاني : يحتمل أن يأمرهم بأخذ ما يدفعون به سلاح العدو عن أنفسهم ويتقون به ، نحو الترس ، أو الدرع ، أو البنيان ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)

أي : أعد لهم من العذاب ما يهانون به ، نصروا أو غلبوا ، وأعد لكم من الثواب ما تشرفون وتفوزون به ، نصرتم أو غلبتم ؛ فما لكم لا تقاتلون؟!.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ).

قيل : يحتمل وجهين :

يحتمل : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) ، أي : إذا فرغتم منها ، فاذكروا الله على كل حال ، تستعينون به بالنصر على عدوكم (٢) ، كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٥] أمر بالثبات عند لقاء العدو ؛ وذكر الله ؛ استعانة منه على عدوهم ؛ فعلى ذلك الأول.

ويحتمل : أن يكون معناه : إذا أردتم أن تقضوا الصلاة فاذكروا الله كثيرا في أي حال كنتم : في حال القيام ، والركوع ، والسجود ؛ كقوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ...) معناه ـ والله أعلم ـ : إذا كنت فيهم فأردت أن تقيم لهم الصلاة فافعل كذا ؛ فعلى [ذلك](٣) الأول ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)

هذا ـ والله أعلم ـ مقابل قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ

__________________

(١) في ب : من.

(٢) ذكره ابن جرير (٩ / ١٦٤) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٥٦) ، ونسبه لا بن عباس والجمهور.

(٣) سقط من ب.

٣٤٧

إِنْ خِفْتُمْ ...) الآية [النساء : ١٠١] ، وقد ذكرنا أن القصر يحتمل وجوها :

يحتمل : القصر للضرب في الأرض ، وهو القصر في عدد الركعات.

ويحتمل القصر للمرض والخوف ، فهو قصر الإيماء ، فنحن نأخذ بذلك كله على اختلاف الأحوال ؛ فعلى ذلك قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يحتمل الوجوه التي ذكرنا ، أي : اذا اطمأننتم صرتم أصحاء ؛ فصلوا كذا صلاة الأصحاء.

ويحتمل : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) : أمنتم من الخوف ؛ فصلوا كذا.

ويحتمل ـ أيضا ـ : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) إذا رجعتم وأقمتم ، فصلوا صلاة المقيمين أربعا ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ على ما ذكرنا مقابل قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ...) الآية.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : مفروضا (١) ، وهو قول ابن عباس.

وقيل : (كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : لها وقت كوقت الحج ، وهو قول ابن مسعود (٢) ، رضي الله عنه.

وقيل : (كِتاباً مَوْقُوتاً) : محدودا (٣) ، فنحن نقول بهذا كله ، نقول : إنها مفروضة ، موقوتة (٤) ، محدودة ؛ على ما قيل ، والله أعلم.

والآية ترد على من يقول بأن على الكافر الصلاة ؛ لأنه أخبر أنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وهم يقولون : على الكافرين والمؤمنين ، لكنها كتبت على المؤمنين فعلا ، وعلى الكافرين قولا ؛ هذا ـ والله أعلم ـ معنى قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) ، أي : فعلها على المؤمنين كتابا موقوتا.

ثم يحتمل قوله : (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : لم تزل هي كانت كتابا موقوتا على الأمم السالفة ، لا أنّ هذه الأمة خصت بها ؛ كقول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم : ٤٠] ، وكقول عيسى ـ عليه‌السلام ـ : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ...) [مريم : ٣١] ، وكقول موسى ـ عليه‌السلام ـ : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس : ٨٧].

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٠) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٥٦).

(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٦٩) (١٠٣٩٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٠) ، وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة عن ابن مسعود.

(٣) ذكره ابن عادل في اللباب (٦ / ٦١٤).

(٤) في ب : مؤقتة.

٣٤٨

ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (كانَتْ) ، أي : [الصلوات صارت](١) ، (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) بعد أن لم تكن. وكل ذلك محتمل ، ولكن لا نشهد على الله أنه أراد كذا ، وكذلك في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).

وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) نتأول (٢) فيه ونعمل (٣) فيه بالوجوه كلها على اختلاف الأحوال ؛ لاحتماله الوجوه التي ذكرنا ؛ فلا نقطع القول فيه ، ولا نشهد على الله أنه أراد كذا ، وهكذا السبيل في جميع المجتهدات أن نعمل بها ، ولا نشهد على الله أنه أراد ذا أو أمر بذا ، وبالله التوفيق.

ذكر الله ـ تعالى ـ ما بيّن فرض الصلاة ووجوبها في غير موضع من كتابه ، منها الآية التي ذكرناها ، ومنها قوله ـ تعالى ـ : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١] ، ولم تدل هذه الآيات على كيفية الصلاة وعددها ؛ إنما دلت على وجوبها ولزوم فرضها ، ودلت آيات أخر على عددها وجمل أوقاتها ؛ قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] فهذه ثلاثة أوقات ذكر الله ـ تعالى ـ فيهن ثلاث صلوات ، روي (٤) عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : سألته عن قول الله ـ تعالى ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...) [الإسراء : ٧٨] ؛ قال : إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، لصلاة : الظهر (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال : بذا صلاة المغرب (٥).

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) قال : دلوكها : زيغها بعد نصف النهار ، وهو وقت الظهر (٦).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : دلوكها : زوالها (٧).

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب : يتأول.

(٣) في ب : يعمل.

(٤) في أ : وردت.

(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه مطولا (١ / ٥٣٧ ـ ٥٣٩) (٢٠٤٠) ، عن أبي هريرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٥).

(٦) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١ / ٥٤٣) (٢٠٥٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٤).

(٧) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٢٢٥٦٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٥٤) وعزاه لسعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس.

٣٤٩

وعن عبد الله قال : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) قال : زوالها (١)

وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس قالا : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) : غروبها (٢).

فأيّ التأويلين كان دلوك الشمس فقد أوجب فيه صلاة ، وصلاة عند غسق الليل ، وصلاة عند الفجر ؛ فهذه ثلاث صلوات.

قال الله ـ تعالى ـ : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ١١٤] ؛ فأحد طرفي النهار يجب فيه صلاة (٣) الفجر ، وقد ذكر في هذه الآية ، والطرف الآخر قبل غروب الشمس ؛ فهذه أربعة ، وهي العصر.

وروي عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ أن الصلوات (٤) الخمس مجموعة في هذه الآية : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ...) [هود : ١١٤] ، قال : صلاة الفجر ، والطرف الآخر : الظهر والعصر : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ...) [هود : ١١٤] المغرب والعشاء (٥).

فأي التأويلين كان فإن صلاة العصر مذكورة في هذه الآية.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : جمعت هذه الآية (٦) مواقيت الصلاة : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) [الروم : ١٧] المغرب والعشاء ، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الفجر ، (وَعَشِيًّا) [الروم : ١٨] العصر ، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : الظهر (٧).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أيضا : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق : ٣٩] ؛ قال : الصلاة المكتوبة.

دلت هذه الآيات ـ والله أعلم ـ أن الله ـ تعالى ـ فرض على عباده في كل يوم وليلة

__________________

(١) أخرجه البزار كما في كشف الأستار برقم (٢٢٢٧) عن سالم بن عبد الله عن أبيه ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٤) وزاد نسبته لأبي الشيخ وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف.

(٢) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (١ / ٩٢) ، وعبد الرزاق بنحوه في مصنفه (١ / ٥٦٨ ـ ٥٦٩) (٢١٦١ ـ ٢١٦٢) عن ابن مسعود ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٤) ، وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود.

(٣) في ب : الصلاة.

(٤) في ب : الصلاة.

(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٨٦٥٢) وبنحوه بأرقام (١٨٦٢٨) ، (١٨٦٣٢) ، (١٨٦٣٣) ، (١٨٦٣٥) ، (١٨٦٣٧) ، (١٨٦٤٢) ، (١٨٦٤٦) ، (١٨٦٤٧) ، (١٨٦٤٨) ، وذكره السيوطي بمعناه في الدر (٣ / ٦٣٧) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الحسن البصري.

(٦) في ب : الصلاة.

(٧) أخرجه ابن جرير في تفسيره برقم (٢٧٩١٩ ـ ٢٧٩٢٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٢٩٥) ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس.

٣٥٠

خمس صلوات ، وبيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف فرضت الصلاة؟ ومتى فرضت؟.

وروي عن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «خمس صلوات كتبها (١) الله ـ تعالى ـ على العباد ، فمن أتى بهنّ لم يضيّع من حقّهنّ شيئا استخفافا بحقّهنّ ؛ فإنّ له عند الله عهدا أن يدخله الجنّة ، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد : إن شاء عذّبه ، وإن شاء أدخله الجنّة» (٢).

وعن أبي معبد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال : «إنّك تأتي قوما أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة» (٣). وعلى ذلك اتفاق الأمة لا اختلاف (٤) بينهم ، إلا أن قوما زعموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوجب بعد ذلك الوتر ؛ بقوله : «إنّ الله زادكم صلاة ، ألا وهى الوتر» (٥).

وليس في الكتاب ذكر ولا دليل وجوبه ؛ فتركنا الكلام فيها ، لكن أبا حنيفة ـ رضي الله عنه ـ سلك فيها مسلك المكتوبة (٦) ؛ احتياطا.

قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ

__________________

(١) في ب : كتبهن.

(٢) أخرجه مالك في الموطأ (١ / ١٢٣) في كتاب صلاة الليل : باب الأمر بالوتر (١٤) ، وأبو داود (٢ / ٦٢) في الصلاة : باب فيمن لم يوتر (١٤٢٠) ، والنسائي (١ / ٢٣٠) في الصلاة : باب المحافظة على الصلوات الخمس ، وابن ماجه (٢ / ٤٤٨) في إقامة الصلاة : باب ما جاء في أن الصلاة كفارة (١٤٠١) ، وأحمد في المسند (٥ / ٣١٥ ، ٣١٩) والدارمي في السنن (١ / ٣٧٠).

(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٣٠٧) في الزكاة : باب وجوب الزكاة (١٣٩٥ ، ١٤٥٨ ، ١٤٩٦ ، ٢٤٤٨ ، ٤٣٤٧ ، ٧٣٧١ ، ٧٣٧٢) ، ومسلم (١ / ٥٠) في كتاب الإيمان : باب الدعاء إلى الشهادتين ، وشرائع الإسلام (٢٩ / ١٩) ، والترمذي (٣ / ٢١) في الزكاة : باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة (٦٢٥).

(٤) في ب : خلاف.

(٥) أخرجه أحمد في المسند (٢ / ١٨٠ ، ٢٠٨ ، ٢٠٥) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٣ / ٧) (٤٥٨٢) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٢ / ٩٢) (٦٨٥٨) ، والدارقطني في سننه (٢ / ٣١) كتاب الصلاة : باب فضيلة الوتر (٣) ، جميعا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، به ، وذكره الزيلعي في نصب الراية ، وعزاه للدارقطني في سننه ، عن محمد بن عبد الله العزرمي ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، مرفوعا ، ثم قال : والعزرمي ضعيف. ونقل ابن الجوزي عن النسائي وأحمد والفلاس أنه متروك الحديث ، ورواه أحمد في مسنده عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب ، والحجاج : غير ثقة ، وفي الباب من حديث خارجة بن حذافة ، وعقبة بن عامر ، وعمرو بن العاص ، وابن عباس ، وأبي بصرة الغفاري ، وابن عمر ، وأبي سعيد الخدري.

(٦) ينظر : المبسوط (١ / ١٥٥) ، والأم (١ / ١٤٢) ، ومغني المحتاج (١ / ٢٢١).

٣٥١

بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً)(١٠٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ).

في الآية دلالة فريضة الجهاد ؛ لأنه ـ عزوجل ـ أخبر أنهم يألمون ويتوجعون بما يصيبهم من الجراحات كما تألمون أنتم وتتوجعون بها ؛ فلو كان نفلا لكان يرفع عنهم الجهاد عند الألم والتوجع ؛ على ما يرفع سائر النوافل عند الألم والتوجع ؛ فدل أنه فرض ، لكنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية يسقط بقيام البعض عن الباقين. وقد ذكرنا فيما تقدم الوجه فيه.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) ، فمعناه ـ والله أعلم ـ أي : لا عذر لكم في تألمكم أن تهنوا في ابتغائهم ؛ (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) ولا [يضعفون في ذلك](١) ، و (وَتَرْجُونَ) أنتم (٢) العاقبة من الثواب الجزيل (ما لا يَرْجُونَ) ، ثم هم لا يضعفون ؛ فكيف تضعفون أنتم في ذلك؟! وكل أمر لا عاقبة له فهو عبث ، وليس لأمرهم عاقبة ؛ فهو عبث ، ولأمركم عاقبة محمودة ؛ فأنتم أولى في ذلك.

ودل قوله : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) ـ على تأكد فريضة الجهاد ؛ إذ لم يأذن لهم في التخلف عن ذلك ، على ما فيه من التألم ، وخوف هلاك النفس في ذلك ، ثم بين ما يخفف لمثله بحمل المكروه على الطبع له ، وقد يختار له مباشرة الأتعاب في النفس من عواقب تنقطع وتزول ؛ فكيف فيما [لا انقطاع](٣) له من رجاء الثواب بذلك التألم؟! والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً).

بتألمكم ، أي : عن علم بالتألم أمركم بذلك ، لا عن جهل. وقد ذكرنا ذلك في غير موضع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ)

قوله : (بِالْحَقِ) يتوجه وجوها :

بحق الله عليكم ، أنزل إليك الكتاب.

ويحتمل : بحق بعض على بعض أنزل إليك الكتاب ؛ لتحكم بين الناس.

__________________

(١) في ب : تضعفون أنتم.

(٢) في ب : في ذلك.

(٣) في ب : لانقطاع.

٣٥٢

ويحتمل قوله : (بِالْحَقِ) ، أي : بالمحنة يمتحنهم بها ؛ إذ في عقل كل أحد ذلك ، وإهمال كل ذى لبّ لا يؤمر ولا ينهى ـ خروج عن الحكمة.

أو أن يقال : (بِالْحَقِ) أي : بالعواقب ؛ لتكون لهم العاقبة.

وقوله ـ تعالى ـ : (بِالْحَقِ) أي : بالحق الذي لله ، أو لبعض على بعض ، أو لأمر كانت ، وهو البعث ؛ ليعدّ له ، ويتزودوا بالذي (١) يحمد عليه فاعله ؛ إذ الحق صفة لكل ما يحمد عليه فاعله ، والباطل لما يذم.

وقد يحتمل بالعدل والصدق على الأمر من التغيير والتبديل ، والله الموفق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ).

قيل : إن في الآية دلالة جواز الاجتهاد (٢) ؛ لأنه قال : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) ؛ دل قوله (بِما أَراكَ اللهُ) أن ثمة معنى يدرك بالنظر والتأمل ؛ لأنه لو كان يحكم بالكل بالكتاب ، لكان لا معنى لقوله : (بِما أَراكَ اللهُ)

ولكن يقول له : لتحكم بين الناس بالكتاب ؛ دل أنه يحكم بما يريه الله بالتدبر فيه والتأمل ، لكن اجتهاده كالنص ؛ لأنه لا يخطئه ؛ لأنه أخبر أنه يريه ذلك ؛ فلا يحتمل أن يريه غير الصواب ، وأما غيره من المجتهدين فيجوز أن يكون صوابا ، ويجوز أن يكون خطأ ؛ لأنه لا ينكر أن يكون الشيطان هو الذي أراه ذلك فيكون خطأ ؛ فلا يجوز أن يشهد عليه بالصواب ما لم يظهر ، وأما اجتهاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو كله يكون صوابا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي أراه ذلك ؛ فنشهد أنه صواب.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) قال أكثر أهل التفسير : إنه همّ أن يقوّى سارقا ـ يقال له : طعمة ـ ويصدقه في قوله ؛ فنزل قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) ؛ فلو لم يقولوا ذلك كان أوفق وأحسن ، فإن كان ما قالوا ، فذلك لم (٣) يظهر منه الخيانة عنده ؛ إذ ذكر في القصة أنه وجد السرقة في دار غيره. فلئن كان ذلك إنما كان لما ذكرنا.

وأما النهي عن أن يكون للخائنين خصيما : نهي وإن كان يعلم أنه لا يكون لما عصمه الله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [الأنعام : ١١٤] ، إن كان عصمه من أن يكون منهم ، والعصمة إنما تنفع إذا كان

__________________

(١) في ب : وبالذي.

(٢) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٥٨).

(٣) في ب : لما.

٣٥٣

ثمة أمر ونهي ، فأما إذا لم يكن ثمة لا أمر ولا نهي فلا معنى للعصمة والتوفيق.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)

وقوله ـ تعالى ـ : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ، ليس هو قول الناس : نستغفر الله ، ولكن كأنه قال : كونوا على الحال التي تكون أعمالكم مكفرة للذنوب ؛ ألا ترى إلى قول هود لقومه : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ...) الآية [هود : ٥٢]. وقال نوح ـ عليه‌السلام ـ لقومه : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ...) الآية [نوح : ١٠] ، لم يريدوا أن يقولوا : نستغفر الله قولا حسب ؛ ولكن أرادوا أن يكونوا على الحال التي تكون أعمالهم مكفرة لذنوبهم ؛ لأنهم لو قالوا بلسانهم ألف مرة : نستغفر الله ، لكان لا ينفعهم ذلك ؛ فعلى ذلك قوله : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)

وحقيقة الاستغفار وجهان :

أحدهما : الانتهاء عما أوجب العقوبة ؛ لقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، وعلى ذلك معنى قول من ذكر.

والثاني : طلب الستر بالعفو والتجاوز.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ ...) الآية [النساء : ١٠٧] ، هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع ؛ إذا لم يكن أمر ونهي.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) : لا أحد يقصد قصد خيانة نفسه ، ولكن لما رجع في العاقبة ضرر الخيانة إلى أنفسهم ، صاروا كأنهم اختانوا أنفسهم كقوله : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩] لا أحد يقصد قصد خداع نفسه ؛ لكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم ـ صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.

قوله تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(١٠٩)

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)

يحتمل وجهين :

يحتمل : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) ، أي : يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم ، ولا يحتشمون من الله ، على علم منهم أنه لا يخفي عليه شيء.

ويحتمل : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) ، أي : يسترون سرّهم من الناس.

٣٥٤

وكذلك روى في حرف حفصة : ولا يستترون من الله ، ولكن الله يطلع الناس على ما يسرون.

(وَهُوَ مَعَهُمْ) ، أي : لا يخفي عليه شيء.

وقوله : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) ـ على وجهين :

أحدهما : على نفي القدرة وإثباتها : أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس ، وليس لهم في الإخفاء عن الله.

والثاني : على قلة المبالاة : يعلم باطلاع الله ـ تعالى ـ عليهم ، وتركهم مراقبة الله في الأمور ، واجتهادهم في ذلك عن الخلق ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) عن (١) ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) يقول : من العمل والفرية [على اليهودى](٢) بالسرقة (٣).

وقيل : يبيتون : أي يؤلفون القول فيما بينهم ، فيقولون : [يأتي](٤) به النبي ، فيقول له كذا وكذا ؛ ليدفعوا عن صاحبهم الخيانة والتهمة ، وهو طعمة ؛ على ما قيل في القصة : إنه سرق درع رجل فرماها في دار يهودى.

وقيل : إنه خبأها في دار يهودى ، فلما طلب منه حلف بالله أنه ما سرق.

وقيل : التبييت : هو التقدير بالليل (٥) ، وقد ذكرناه في قوله : (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ ...) الآية [النساء : ٨١].

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)

هو على الوعيد ؛ أي : عن علم منه (٦) يفعلون هذا ، لا عن غفلة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢] ، لكنه يؤخره إلى يوم على علم منه ذلك ، وعلى الإعلام أن الله لم يزل عالما بما يكون منهم ، وعلى ذلك امتحنهم ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في ب : وعن.

(٢) في ب : لليهودى.

(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٩٢) (١٠٤١٩ ـ ١٠٤٢١) ، عن أبي رزين ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٧) ، وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم.

(٤) سقط من ب.

(٥) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٧٨) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٩).

(٦) في ب : منهم.

٣٥٥

وقوله ـ عزوجل ـ : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)

قيل : يعني : أصحاب طعمة (١) ؛ أي : لو خاصمتم عنهم يا هؤلاء في الدنيا

(فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)

أي : لا أحد يخاصم عنهم يوم القيامة.

(أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) يخاصم عنهم يوم القيامة.

وقيل : كفيلا (٢) ، أي : في الدفع عنهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) [غافر : ٣٥] ، أي : في دفعها وإرادة أن يدحضوا بالباطل.

وقيل : رقيبا.

وقيل : كفيلا.

والوكيل : هو القائم بحفظ الأمور ، والقاضي للحوائج ، والمزيح للعلل.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(١١٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)

هما سواء ، أي : من عمل سوءا فقد ظلم نفسه ، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءا.

ويحتمل ما قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : من يعمل سوءا إلى الناس ، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين الله.

ثم روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : أرجى آية (٣) في القرآن هذه قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ...) الآية.

وروي عنه ـ أيضا ـ قال : أربع آيات من كتاب الله ـ تعالى ـ أحب إلى من حمر النعم وسودها ـ : قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) [النساء : ٤٠] إلى آخره ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ،

__________________

(١) ذكره بنحوه ابن جرير (٩ / ١٩٣) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٦٠).

(٢) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٧٨) ، والرازي في تفسيره (١١ / ٣٠) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ١٠).

(٣) في ب : الآية.

٣٥٦

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ ...) [النساء : ٦٤] الآية ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ...) الآية.

وعن علقمة والأسود قالا : قال عبد الله : إن في كتاب الله لآيتين ، ما أصاب عبد ذنبا فقرأهما ، ثم استغفر الله إلا غفر له (١) : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...) إلى آخر الآية [آل عمران : ١٣٥] ، وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) ، وقوله ـ تعالى ـ أيضا ـ : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر ؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر.

ويحتمل التفريق : أن يكون سوءا (٢) إلى الناس وخطيئة إليهم ، أو يظلم نفسه : بما يأثم بما بينه وبين الله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) ؛ لأن حاصله يرجع إليه ؛ فكأنه كسب على نفسه.

وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً).

يحتمل : أن يكون قوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) واحدا : الخطيئة هي الإثم ، والإثم هو الخطيئة.

وقيل : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) سرقته الدرع (٣)(أَوْ إِثْماً) : يقول بيمينه الكاذبة : أنه لم يسرقها ، وإنما سرقها فلان اليهودي.

وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً)

قيل : لما طلب في داره رماها في دار اليهودي ، ثم حلف باطلا وزورا : أنه لم يسرقها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

يقول : كذبا على آخر بما لم يفعل.

والبهتان : هو أن يبهت الرجل الرجل كذبا بما لم يفعل ، (وَإِثْماً مُبِيناً) : بيمينه الكاذبة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).

قال أكثر أهل التأويل : نزلت [هذه](٤) الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٧) وعزاه لعبد بن حميد عن ابن مسعود.

(٢) في ب : سواء.

(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٧٩) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٥٩).

(٤) سقط من ب.

٣٥٧

بالذي سبق ذكره ، وقالوا : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) لقد هم قوم طعمة (أَنْ يُضِلُّوكَ) ، أي : يخطئوك ، وليس هو الإضلال في الدين ، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئة الحكم.

ويحتمل قوله : (أَنْ يُضِلُّوكَ) ، أي : يجهلوك في حكم السرقة.

ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته ؛ لمّا لم يدر أنه سرق ، وكان يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي ، ثم أعلم أنه قد سرق.

ويحتمل : أن تكون الآية في الكفار كلهم ؛ لأن الكفرة والمنافقين لم يزل كانوا يريدون أن يضلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الهدى ، ويصرفوه (١) عنه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [النساء : ٨٩] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) [البقرة : ١٠٩]

ثم يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) ؛ حيث عصمك بالنبوة ؛ وإلا لأضلوك عن سبيل الله : الهدى ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الإسراء : ٧٤] أي : بالعصمة ، (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).

والثاني : ولو لا فضل الله عليك ورحمته ؛ حيث أعلمك بالحكم في ذلك ، وبصّرك به بالوحي ، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن ، إن (٢) ثبت ما قالوا ؛ وإلا لهموا أن يخطئوك ويجهلوك فيه.

ثم في الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنه منّ على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه عصمه ، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه ، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعل ما كان عليه أن يفعل ؛ على زعمهم ، ومن فعل فعلا عليه ذلك ـ لم يقل إنه تفضّل ؛ دل أنه ليس كما قالوا ، وبالله التوفيق والعصمة.

وقوله ـ أيضا ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يخرج على وجهين :

أحدهما : يكفهم عما هموا.

والثاني : يعصمه (٣) عما راموا فيه أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.

وقوله : (يُضِلُّوكَ) : يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه يرجع ذلك إلى نازلة.

__________________

(١) في ب : يصرفوا.

(٢) في أ : أو.

(٣) في ب : بعصمته.

٣٥٨

والثاني : أن يكون بالإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق ، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير ؛ فكفهم بوجهين ، يتوجه كل وجه (١) إلى وجهين :

أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي والآيات ، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة ، [و] مرة باللطف والعصمة ، وسمى ذلك [فضلا ورحمة](٢) ؛ ليعرف أن ذلك فضله لا حقّا قبله ؛ إذ ليس بذل الحقوق يعدّ في الفضائل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لا أحد يقصد قصد إضلال نفسه ؛ لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم كأنهم (٣) أضلوا أنفسهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).

أمّن رسوله عن ضرر أولئك ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)

قد ذكرناه في غير موضع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)

من الحلال والحرام والأحكام كلها ، وغير ذلك ؛ كقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] فهو كذلك كان.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)

فيما علمك من الأحكام ، وعصمك بالنبوة والرسالة ، وصرف عنك ضرر الأعداء والله أعلم.

قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)(١١٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).

اختلف في النجوى :

__________________

(١) في ب : وجهين.

(٢) في ب : فضله ورحمته.

(٣) في أ : كانوا.

٣٥٩

قيل : النجوى : القوم (١) ؛ كقوله : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء : ٤٧] ، أي : رجال.

وقيل : النجوى : هي (٢) الإسرار (٣) ؛ كقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ...) الآية [المجادلة : ٧].

ثم استثنى : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ...) الآية.

فإن كان التأويل من النجوى هو فعل النجوى خاصة ؛ فكأنه قال : لا خير في كثير من نجواهم إلا الأمر بالصدقة ، والأمر بالمعروف ، و (٤) الإصلاح بين الناس. وإن كان تأويل النجوى هو القوم ، فكأنه قال : والله أعلم : «لا خير في كثير منهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس» وكان هذا أقرب.

ومعنى الثنيا من الكثير فيما يرجع إلى القوم ؛ فكأنه قال : لا خير في كثير منهم إلا من يرجع أمره إلى ما ذكر ؛ فيصير إلى خير.

وقد يحتمل : أن قوما منهم يرجع نجواهم إلى خير ، وهم أقلهم ، ومن الفعل ، على أن الفعل ربما يكون فعل خير ، وإن كانوا أهل النفاق و (٥) الكفر ، لكن بين أنه غير مقبول إلا أن يبتغي به مرضاة الله ، وذلك لا يكون إلا أن يؤمنوا ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)

قيل : لما تبين خيانته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استحيا أن يقيم بالمدينة ؛ فارتد ، ولحق بمكة كافرا (٦) ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) يقول : يخالف الرسول : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ، يقول : من بعد ما كان كافرا تبين له الإسلام وأسلم.

وقال : لما أبان أمر طعمة ، وعلم أنه سرق الدرع ـ أنزل الله ـ تعالى ـ : (وَالسَّارِقُ

__________________

(١) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٣٦٤) ، وبنحوه ذكره ابن عادل في اللباب (٧ / ١٥).

(٢) في ب : هو.

(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٧٩) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٦٤) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ١٥).

(٤) في ب : أو.

(٥) في ب : أو.

(٦) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٨٥ ـ ١٨٩): (١٠٤١٥) عن السدي ، (١٠٤١٦) عن عكرمة ، (١٠٤١٧) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي ، وابن المنذر عن عكرمة.

٣٦٠