تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٦٢

والشفاعة من أعظم ما احتيج إليها ؛ إذ قد جاء القرآن بها ، والآثار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والشفاعة في المعهود من الأمر تكون عند زلات يستوجب بها المقت والعقوبة ؛ فيعفي عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا بهم ، ثم كانت الصغائر منّا لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود بالكبائر (١) ، والكبائر مما يعفى عنها بالشفاعة ؛ فإذن يبطل عظيم ما جاء من القرآن والآثار في الامتنان ، ويسقط ما جبل عليه أهل العلم بالله وبرحمته ، ويبطل رجاء (٢) المسلمين بشفاعة [الرسل ـ عليهم‌السلام ـ](٣) ولا قوة إلا بالله.

وقال بعضهم : الشفاعة تخرج على وجهين :

الأول : على ذكر محاسن أحد عند آخر ؛ ليقرر له عنده المنزلة والرتبة.

والثاني : أن يدعو له ؛ فالأول هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه ، والثاني قد بين بقوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ...) إلى قوله : (الْعَظِيمُ) [غافر : ٧ ـ ٩] وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، والخوف يدل على وجهين : الشفاعة ؛ لأن المرتضى هو ذو منزلة وقدر ، وهو ممن تضمنته آية شفاعة الملائكة ؛ فيقال : الوجه الأول في الآخرة لا معنى له ؛ لوجهين :

أحدهما : أنه في تقرير الأمر عند من يجهله ، والله ـ جل ثناؤه ـ هو العليم بحقيقة ذلك ، بل غيره مما يجوز عليهم خفاء الحقائق ؛ كقوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا ...) الآية [المائدة : ١٠٩] ، وقال عيسى ـ عليه‌السلام ـ : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ...) الآية [المائدة : ١١٧] ؛ وكأن في ذلك أن الحقائق في ذلك عند الله ، وهم تبرءوا عن العلم بذلك ، وأقروا بأن الله هو المنفرد بعلم ذلك ، وبالله التوفيق.

والثاني : أن ثمة كتبا يقرأ فيها أعمال بني آدم وما سبق منهم من صغير وكبير ؛ فهي الكافية في التقدير إن كان في حق الاحتجاج ، وإن كان في حق الإعلام ـ فعلم الله بهم مغن عن ذلك ، ولا قوة إلا بالله.

وأما الدعاء : فكذلك نقول بالدعاء لمن له ذلك الوصف ، ويشفع له فيما كان في ذلك منه من المآثم والذنوب ، لا أنه إذا كان كل أفعالهم ذلك ، فيشفع لهم ؛ لأنه لا يجوز في الحكمة تعذيبهم ، على ما ذكر من الأفعال ، بل لهم عليها أعظم الثواب ، وأرفع المأوى.

__________________

(١) في ب : في الكبائر.

(٢) في ب : دعاء.

(٣) في ب : الله.

٢٨١

وطلب الشفاعة والمغفرة لمثله يصح من وجوه :

أحدها : أن ذلك لا يجوز في الحكمة ؛ فكأنهم طلبوا منه ألا يجور ولا يسفه ، وذلك لأفسق الخلق يخرج مخرج السفيه ، فضلا عن (١) أن يتضرع إلى الله به ، جل الكريم الحليم عن هذا الوصف.

والثاني : أن يخلق في مثله ؛ إذ هو مثاب غير معاقب ، يلقى ذلك منه بالشكر والحمد ، وفي الدعاء كتمان ذلك وكفرانه ، ومحال الإذن في مثله (٢) ، وبالله التوفيق.

والثالث : أن ذلك في الموعود له بالجنة والمبشر بها ؛ فطلب مثله يوجب الجهالة بذلك ، لا أن يكون الوقت لم يبين ، يكون ذلك في الاستعجال ، وهو قولنا في أصحاب الكبائر : إنهم لو عذّبوا بقدر الذنوب ـ لكان ذلك في الحكمة عدلا ؛ فيشفع لسائلهم بالفضل والإحسان دون العدل والاستيفاء (٣) ، ولا قوة إلا بالله.

والأصل : أنها مقادير للعقوبات ، [و] إنما يعرف من يعرف مقادير الأجرام ، وليس من الخلائق [من] يحتمل تركيبه احتمال العلم بمقاديرها ؛ إذ لا أحد يبلغ في معرفة تعظيم الله كنه عظمته ؛ ليعرفوا قدر الخلاف لأمره ـ جل وعلا ـ وما كان هذا سبيله ـ [فحق القول الاتباع](٤) أن الله لا يجزي بالسيئة إلا مثلها.

ثم معلوم أن لا سيئة أعظم من الكفر ، وجعل مثلها من الجزاء : الخلود في النار ، ممن ألزم ذلك لما دونه وصف الله ـ تعالى ـ أنه يجزي بالسيئة أكثر من مثلها ، والله ـ عزوجل ـ أخبرنا أنه لا يجزي ذلك ، [والله أعلم](٥).

وقوله ـ عزوجل أيضا ـ : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً ...) يكون فيما بين المرء والرب : يشفع إليه بالمغفرة لأحد والتجاوز عن المذنب ؛ ليكون له نصيب منها.

ويحتمل : أن يكون الله ـ تعالى ـ برحمته يرحمه على أخيه بالشفاعة إليه ـ بالتجاوز عنه والمغفرة.

ويحتمل : أن يكون الله ـ تعالى ـ إذا غفر له يجعل له في شفيعه شفاعة ؛ يهبه له كما وهب الأول له ، وفي السيئة فيما يلعنه ، أو يدعو الله عليه بالهلاك عن غير استحقاق ، أو عليه في بقائه ضرر يكون له نصيب منها يلعن لآخر ، أو أحدا يلعنه ويدعو عليه به أن يعاقبه

__________________

(١) في ب : من.

(٢) في ب : ذلك.

(٣) في ب : والاستبقاء.

(٤) في ب : فحق القول فيه الاتباع بعدم العلم في الاتباع.

(٥) في ب : والله الموفق.

٢٨٢

بإساءته (١) إلى أخيه في طلب الهلاك له بلا معنى له.

وقوله ـ عزوجل ـ أيضا : (مَنْ يَشْفَعْ ...) الآية ، يحتمل فيما بينه وبين ربه يشفع له : بخير إليه من عفو وتجاوز ، أو يسوء إليه من لعنه أو هلاكه ، والنصيب منها بوجهين :

أحدهما : المغفرة في الأول هي برحمته أخاه وإشفاقه عليه ، أو يعطي المشفوع له الشفاعة ؛ فيكون ذلك له نصيبا منها ، وفي الثاني : يجزيه بإساءته إلى من لعنه ودعا عليه بالهلاك بلا استحقاق نفس الأول ، أو [واحدا بمثله فيه](٢) ، والله أعلم.

ويحتمل : فيما بينه وبين الناس ، ثم يكون ذلك بوجوه :

أحدها : بما يشفع إلى من بين أخاه وآخر سواء في دفع ذلك وحلت التحية أو الألفة ، أو إلى ضد ذلك يشفع في إقالة عثرة ، أو ينم (٣) بينهما ؛ لإلقاء (٤) عداوة ، أو يشفع إليه بالدلالة على ملهوف في إغاثة ، أو مظلوم في نكبة ، أو يصنع معروفا أو نكبة ، يبعث ذلك على خير أو شر ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً).

قيل : هو الحافظ (٥) ، وهو قول ابن عباس.

وقيل : (مُقِيتاً) : حسيبا ، وقيل : شهيدا ، وقيل : (مُقِيتاً) أي : مقتدرا ، مجازيا بالحسنة والسيئة.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من استأكل بمسلم أكلة ـ أطعمه الله من نار جهنّم ، ومن قام بأخيه المسلم مقام سمعة ورياء ـ أقامه الله ـ تعالى ـ مقام سمعة ورياء ، ومن تتبع (٦) عورة أخيه المسلم ـ تتبّع الله عورته ، ومن تتبّع الله عورته ـ يفضحه في بيته» (٧).

وعن الفرّاء والكسائي قالا : المقيت : المقتدر (٨) ؛ من «أقات ، يقيت إقاتة».

__________________

(١) في أ : بإشارته.

(٢) في ب : أحدا بمثله.

(٣) في ب : نميم.

(٤) في ب : للإلقاء.

(٥) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٨٣) (١٠٠٢٤) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٦) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٦) في ب : يتبع.

(٧) الحديث له ألفاظ أخرى منها : ما أخرجه أبو داود في سننه (٢ / ٦٨٦) كتاب الأدب : باب في الغيبة (٤٨٨٠) ، وأحمد (٤ / ٤٢٠) ، والبيهقي (١٠ / ٢٤٧) من حديث أبي برزة الأسلمي ، وأخرجه الترمذي (٣ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥) : باب ما جاء في تعظيم المؤمن (٢٠٣٢) وقال : حسن غريب ، والبغوي في شرح السنة (٦ / ٤٩٣) من حديث ابن عمر.

(٨) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٨٣) (١٠٠٢٧ ، ١٠٠٢٨) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر ٢ / ٣٣٦ ـ

٢٨٣

وقيل : المقيت مشتقة من القوت ؛ يقول : رزق كل دابة على الله ـ تعالى ـ حتى تستوفي أكلها ورزقها (١).

وقيل : مقيتا : راحما يكلؤهم ويرزقهم.

وقال أبو بكر الكسائي : وهو مأخوذ من الكتب السابقة ، ليس هو بلساننا ؛ فنحن (٢) لا نتأوله (٣) ؛ فلعله على خلاف ما نتأوله ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)(٨٧)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(٤)

ذكر التحية ، ولم يذكر ما تلك التحية ، واسم التحية يقع على أشياء : من نحو ما جعل الصلاة لتحية المسجد ، والطواف تحية البيت ، وغير ذلك مما يكثر عددها ، لكن أهل التأويل أجمعوا على صرف هذه التحية إلى السلام دون غيرها من التحية التي ذكرنا ؛ ألا ترى أنه قال ـ عزوجل ـ : (أَوْ رُدُّوها)؟! ولو كان غيرها أراد ـ لم يقل : (أَوْ رُدُّوها) ؛ لأن غيرها من التحية لا يرد ؛ إذ في الرد ترك القبول ، ولم يؤمر بذلك ؛ دل أنه أراد بالتحية : السلام ، ويدل على ذلك آيات من كتاب الله ـ تعالى ـ : قال الله ـ عزوجل ـ : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النور : ٦١] ؛ فجعل تحية الملائكة للمؤمنين السلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) [الرعد : ٢٤] ، وجعل تحية أهل الجنة السلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [إبراهيم : ٢٣] ، وتحية الملائكة بعضهم على بعض : بالسلام ؛ ألا ترى أنه قال [الله ـ تعالى ـ :](٥)(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ ...) الآية

__________________

 ـ وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٦) وعزاه لأبي بكر بن الأنباري في الوقف والابتداء ، والطبراني في الكبير ، والطستي في مسائله عن ابن عباس.

(٢) في ب : فنجيء.

(٣) ذكره ابن جرير بمعناه في تفسيره (٨ / ٥٨٥) ، والرازي في تفسيره (١٠ / ١٦٦).

(٤) قال القرطبي (٥ / ١٩٢) : واختلف العلماء في معنى الآية وتأويلها ؛ فروي ابن وهب وابن القاسم عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس ، والردّ على المشمت ، وهذا ضعيف ؛ إذ ليس في الكلام دلالة على ذلك ، أما الرد على المشمت فمما يدخل بالقياس في معنى رد التحية ، وهذا هو منحى مالك إن صح ذلك عنه. والله أعلم.

وقال ابن خويزمنداد : وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة إذا كانت للثواب ؛ فمن وهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردها ، وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها.

(٥) سقط من ب.

٢٨٤

[النور : ٦١] ، فعلى ذلك يمكن أن يكون المراد من قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) : السلام ، وجعل الله ـ عزوجل ـ السلام علما وشعارا فيما بين المسلمين ، وأمانا يؤمن بعضهم بعضا من شره ؛ ألا ترى أن أهل الريبة لا يسلّمون ولا يردون السلام ، وإن كانوا (١) لا يعرفون تفسيره ولا معناه؟! ولكن على الطبع جعل ذلك لهم.

والسلام : قيل : هو اسم من أسماء الله ـ تعالى (٢) ـ فهو يحتمل وجوها :

يحتمل : سلام (٣) مسلّم طاهر عن الأشباه والأشكال ، وسلام عدل منزه عن العيوب كلها ، والجور والظلم.

وقوله : «رحمت الله» ، أي : برحمته ينجو من نجا ، وسعد من سعد : «وبركاته» : به ينال كل خير ، وهو اسم كل خير ؛ ألا ترى أنه جعل التحليل من الصلاة بالسلام بقوله : «السلام عليكم ورحمة الله» ؛ على ما جعل تحريمها باسم الله ؛ فعلى ذلك جعل الافتتاح بما به جعل الختم.

ثم اختلف في قوله ـ عزوجل ـ : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) :

فقيل : حيوا بأحسن منها للمسلمين ، أو ردوها على أهل الكتاب (٤).

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : نهينا أن نزيد على أهل الكتاب على : عليك ، وعليكم.

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : السلام : [اسم](٥) من أسماء الله وصفاته في الأرض ، فأفشوه بينكم ؛ فإن الرجل إذا سلّم كتبت له عشر حسنات ، فإن [هم](٦) ردوها عليه كتب (٧) لهم مثله (٨).

__________________

(١) في ب : كان.

(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط ؛ كما في مجمع الزوائد (٨ / ٢٩) وفيه بشر بن رافع وهو ضعيف ، عن ابن مسعود مرفوعا ، والبخاري في الأدب المفرد (٧٦٠ / ٩٨٩) باب «السلام اسم من أسماء الله عزوجل» عن أنس ، وذكره السيوطي (٢ / ٣٣٨) وزاد في نسبته لابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وللبخاري في الأدب المفرد عن ابن مسعود موقوفا ، ولابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا ، وللبيهقى عن ابن عمر موقوفا.

(٣) في ب : السلام.

(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٨٧ ـ ٥٨٨) (١٠٠٤٠ ـ ١٠٠٤٢) عن قتادة ، وبمثله عن ابن عباس (١٠٠٣٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٥) سقط من ب.

(٦) سقط في أ.

(٧) في ب : كتبت.

(٨) تقدم.

٢٨٥

وقيل : قوله ـ تعالى ـ : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) بالزيادة ، (أَوْ رُدُّوها) : بمثلها (١).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [أنه جاءه رجل](٢) فقال : السلام عليكم ، [يا رسول الله](٣) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عليكم ورحمة الله» ، ثم جاءه آخر فقال : السلام عليكم ، [يا رسول الله](٤) ورحمة الله ، فقال [النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٥) : «عليكم ورحمة الله وبركاته» ، ثم جاءه آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال : «عليكم» ؛ فقيل له : إنك زدت في الأول والثاني؟ فقال : «إنّ الأوّل والثّاني قد أبقيا لى زيادة ، وهذا لم يبق لى زيادة» (٦).

وقيل : إنه روي أنه سلّم عليه رجل فقال : السلام عليكم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عشر» يعنى : عشر حسنات ، وسلم عليه آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ؛ فقال : عشرون» ، وقال آخر : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ فقال : «ثلاثون» (٧). ومنتهي السلام قوله : «وبركاته» ، لا يزاد عليه ؛ كقوله : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [هود : ٧٣].

فإن قيل : يسلم في الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ولا يقول في التحليل من الصلاة : وبركاته؟ قيل : لوجهين :

أحدهما : تفصيلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والثاني : إبقاء لهم في الرد زيادة.

ويسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القائم ، [والقائم على القاعد](٨) :

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يسلّم الرّاكب على الماشي ، والماشي على القائم ، والقائم على القاعد (٩) ، والصّغير على الكبير ، والقليل على الكثير» (١٠).

__________________

(١) ينظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٥٨٦) ، البحر المحيط (٣ / ٣٢٢).

(٢) في ب : أن رجلا أتاه.

(٣) سقط من ب.

(٤) سقط من ب.

(٥) في ب : عليه‌السلام.

(٦) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٨ / ٥٨٩) (١٠٠٤٤) عن سلمان الفارسي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٦) وزاد نسبته لأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند حسن عن سلمان الفارسي.

(٧) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٩٨٦) في باب فضل السلام ، عن أبي هريرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٦).

(٨) سقط من ب.

(٩) في ب : الجالس.

(١٠) أخرجه البخاري (١١ / ١٥) في الاستئذان : باب يسلم الراكب على الماشي (٦٢٣٢) ، ومسلم (٤ / ١٧٠٣) في السلام باب يسلم الراكب على الماشي (١ / ٢١٦٠) عن أبي هريرة.

٢٨٦

وروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، وإن قام والقوم جلوس فليسلّم ؛ فليست الأولى بأحقّ من الأخرى» (١).

وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من تشبّه بغيرنا فليس منّا» (٢) ، وقال : «لا تسلّموا تسليم اليهود والنّصارى ؛ فإنّ تسليم النّصارى بالأكفّ ، وتسليم اليهود بالإشارة» (٣).

ويكره أن يبتدئ أهل الكتاب بالتسليم ، ولكن إذا بدءوا هم ـ يردّ ؛ وعلى ذلك جاءت الآثار :

روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تبدءوا اليهود والنّصارى بالتّسليم ، وإذا لقيتموهم فى الطّريق فاضطرّوهم إلى أضيقها» (٤).

وعن أبي نضرة الغفاري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم يوما : «إنّى راكب إلى يهود ؛ فإن سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم» (٥).

ثم قيل في تفسير : «السلام عليكم» بوجوه :

قال بعضهم : تأويله : الله شهيد عليكم.

وقيل : الله قائم عليكم ، وهو كقول الله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) [الرعد : ٣٣] برّا وفاجرا ، يرزقهم ، ويحفظهم ، ويستجيب لهم.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٤ / ٢٥٣) في الأدب : باب في السلام إذا قام من المجلس (٥٢٠٨) ، والترمذي (٥ / ٦٠) في الاستئذان : باب ما جاء في التسليم عند القيام (٢٧٠٦).

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره بهذا اللفظ (٩ / ٢٦٦) ، وأخرجه أبو داود في سننه (٢ / ٤٤١) كتاب اللباس : باب في لبس الشهرة (٤٠٣١) ، وأحمد (٢ / ٥٠ ، ٩٢) بلفظ «من تشبه بقوم فهو منهم» ، عن ابن عمر مرفوعا ، وذكره الزيلعي نصب الراية (٤ / ٣٤٧) وعزاه لأبي داود في سننه عن ابن عمر وقال : وفيه ابن ثوبان ؛ ضعيف.

(٣) أخرجه البيهقي في الشعب (٦ / ٤٦٣ ـ ٤٦٤) (٨٩١١) ، والديلمي في المسند (٤ / ١٥٠) عن جابر بن عبد الله مرفوعا.

(٤) أخرجه مسلم (٤ / ١٧٠٧) في كتاب السلام : باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (١٣ / ٢١٦٧) ، وأبو داود (٤ / ٣٥٢) في الأدب : باب السلام على أهل الذمة (٥٢٠٥) ، والترمذي (٥ / ٥٧) في الاستئذان : باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة (٢٧٠٠) وقال : حسن صحيح ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٦٦) ، وعبد الرزاق في المصنف (١٩٤٥٧) ، والبيهقي في السنن (١٠ / ١٣٦).

(٥) أخرجه البخاري (١٢ / ٣٠٩) كتاب الاستئذان : باب كيف الرد على أهل الذمة السلام (٦٢٥٧) ، ومسلم (٤ / ١٧٠٦) في السلام : باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (٨ / ٢١٦٤) ، ومالك في الموطأ (٢ / ٩٦) في كتاب السلام : باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني (٣) بلفظ «إذا سلم عليكم اليهود ـ فإنما يقول أحدهم : السام عليكم ؛ فقل : وعليك» واللفظ للبخاري.

٢٨٧

وقيل : هو الدعاء لهم بالمغفرة والسلامة ، وهو ما ذكرنا بدءا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً).

قيل : شهيدا (١).

وقيل : حفيظا (٢).

وقيل : كافيا مقتدرا ؛ يقال : أحسبني هذا ، أي : كفاني (٣).

وقال الكسائي : مشتقة من الحساب ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤] أي : حاسبا ؛ كالأمير والآمر ، والقدير والقادر ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ).

هذا ـ والله أعلم ـ لما ألزم الله ، وأجرى على ألسنتهم أنه الله ، وأنه خالق السموات والأرض ، وأنه خالقهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] : أخبر أن الذي سميتموه «الله» وقلتم : إنه خالق السموات والأرض ـ هو واحد ، لا إله غيره ، ولا رب سواه ، هو واحد ، لا شريك معه ولا ند ، وأن الأصنام التي تعبدونها دون الله قد تعلمون أنها لا تنفعكم إن عبدتموها ، ولا تضركم إن تركتم عبادتها ، وبالله التوفيق.

وقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) قيل فيه بوجهين :

قيل : «ليجمعنكم ليوم القيامة» (٤) ؛ كقوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ)

وقيل : ليجمعنكم في القبور إلى يوم القيامة ثم يبعثكم (٥) ، والله أعلم.

وقوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)

معناه ـ والله أعلم ـ : أنكم تقبلون (٦) الحديث بعضكم من بعض ، وإن حديثكم يكون صدقا ويكون كذبا ؛ فكيف لا تقبلون حديث الله وخبره في البعث وما أخبر في القرآن ، وحديثه لا يحتمل الكذب؟! هذا ـ والله أعلم ـ تأويله.

قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.

(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٥٩١) (١٠٠٤٧ ، ١٠٠٤٨) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٣٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد.

(٣) ينظر تفسير ابن جرير (٨ / ٥٩١) ، والرازي (١٠ / ١٧٢) ، والبغوي في تفسيره (١ / ٤٥٨).

(٤) ينظر : الرازي في تفسيره (١٠ / ١٧٢).

(٥) انظر السابق.

(٦) في ب : تقلبون.

٢٨٨

اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(٨٩)

قوله تعالى : وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ).

اختلف في قصة الآية : قيل : إن ناسا من [أهل](١) مكة قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فأسلموا ، وأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم ندموا على الهجرة والإقامة فيها ، وأرادوا الرجعة إلى مكة واجتووا المدنية ؛ فخرجوا يتحولون منقلة منقلة ، حتى تباعدوا من المدينة ، فلحقوا بمكة ، فكتبوا كتابا ، ثم بعثوا به مع رسول من قبلهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقدم به الرسول عليه بالمدينة ، فإذا فيه : «إنا على الذي فارقناك عليه من التصديق بالله وبرسوله ، اشتقنا إلى أرضنا ، واجتوينا المدينة». ثم إنهم خرجوا من مكة متوجهين إلى الشام للتجارة ، فبلغ ذلك المسلمين وهم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فقال بعضهم لبعض : فما يمنعنا أن نخرج إلى هؤلاء الذين رغبوا عن ديننا ، وتركوا هجرتنا ، فنقتلهم ونأخذ ما معهم؟! فقال فريق منهم : كيف تقتلون قوما على دينكم؟! ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكت لا ينهي واحدا من الفريقين ؛ حتى نزل قوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(٢) : يبين الله ـ عزوجل ـ لرسوله أمرهم وما صاروا إليه.

وقيل : تخلّف رجال عن أحد ، فكان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم فئتين : فرقة تقول : [اعف عنهم ، وفرقة تقول : نقتلهم](٣) ؛ فنزلت الآية : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(٤).

وقيل : إن قوما كانوا يتحدثون ، فاختصموا في أهل مكة : فقال بعضهم : إنهم كفار ، وقال آخرون : إنهم قد أكلوا ذبائحكم ، وصلوا صلاتكم ، وأجابوا دعوتكم ؛ فهم معكم ، وقال غيرهم : تركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتخلفوا عنه. فأكثروا في ذلك ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ ...) الآية ، فلا ندري كيف كانت القصة ، ولكن فيه النهي عن الاختلاف والتنازع بينهم ؛ كأنه قال ـ والله أعلم ـ : كيف تختلفون في قوم ظهر نفاقهم؟

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٠) (١٠٠٥٤) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في ب : اقتلهم ، وفرقة تقول : اعف عنهم.

(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٨) (١٠٠٤٩ ـ ١٠٠٥١) عن زيد بن ثابت ، وذكره السيوطي في الدر ٢ / ٣٤٠ وعزاه للطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن زيد بن ثابت.

٢٨٩

وكيف لا تسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حالهم وهو بين أظهركم؟! كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ...) الآية [النساء : ٥٩] ، وظهور نفاقهم يحتمل الخبر منه نصّا أنهم منافقون.

ويحتمل الظهور بالاستدلال على أفعالهم ، وقد يوقف على حال المرء بفعله أنه كافر أو مؤمن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا)

قال الكسائي : فيه لغتان ؛ [يقال](١) : أركسته في أمر كذا وكذا وركسته ، وارتكس الرجل : إذا وقع فيه ورجع إليه.

وقيل في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وحفصة ـ رضي الله عنها ـ : «والله ركسهم بما كسبوا».

ثم قيل : أركسهم : أي ردهم (٢).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) قال : أوقعهم (٣).

ثم يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) وجهين :

ما أظهروا بما كان في قلوبهم من النفاق والخلاف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥].

ويحتمل : ابتداء كسب كسبوا بعد ما أسلموا ، أي : كفروا وارتدوا عن الإسلام بعد ما صح إسلامهم.

وفي إضافة ارتكاسهم إلى الله دلالة خلق فعلهم وحرمان أمر يملكه ، والله أعلم بما كسبوا من إحداث شرك ، أو بكسبهم بالقلوب وقت إظهارهم الإيمان في أن ظهر عليهم بلحوقهم إخوانهم من الكفرة ، أو لما جعل الله من أعلام النفاق التي ظهرت بغرض الجهاد والعبادات ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ).

تأويله ـ والله أعلم ـ : أتريدون أن تهدوا وقد أراد الله أن يضلّوا ؛ لما علم الله منهم أنهم لا يهتدون ؛ باختيارهم الكفر.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥) (١٠٠٦١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر ٢ / ٣٤٢ وزاد نسبته لابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس.

(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٥) (١٠٠٦٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة.

٢٩٠

ويحتمل : إنكم لا تقدرون على هداهم إذا لم يهدهم الله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦]

وفي قوله ـ أيضا ـ : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا) قيل : أن يسمّوا (١) مهتدين ، وقد أظهر الله ـ تعالى ـ ضلالهم ؛ صلة لقوله ـ تعالى ـ : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) حذرهم عن الاختلاف في التسمية بعد البيان.

وقيل : أن تجعلوهم مهتدين ، وقد جعلهم ضالين (٢) على نحو قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية [القصص : ٥٦] ، أيّدنا تمام الآية ، وأوضح الأول قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) يقول : من أضله الله عن الهدى فلن تجد له سبيلا يهتدي [به] وقيل : دينا ، وقيل : مخرجا (٣) ، وهو واحد ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً)(٤).

قيل : ود [الذين تركوا](٥) الهجرة ، فرجعوا إلى أهلهم ومنازلهم (٦) ، الذين لهم قال الله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) ـ أن تكفروا كما كفروا ، أي : تتركون الهجرة وترجعون كما رجعوا منهم ؛ فتكونون أنتم وهم سواء ؛ شرعا في الكفر ، فسماهم الله كفارا ، وأمرهم بالبراءة منهم ؛ فقال :

(فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ)

بالهجرة الأولى ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١] ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] وكقوله ـ تعالى ـ : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) [آل عمران : ٢٨] نهاهم أن يتخذوا أولياء حتى يهاجروا هجرة ثانية إلى المدينة ، ويثبتون على ذلك.

هذا على قول من قال : إنهم كانوا هاجروا ثم لحقوا بمكة.

__________________

(١) في ب : تستمعوا عن ابن عباس.

(٢) ينظر : ابن جرير (٩ / ١٦) ، البحر المحيط (٣ / ٣٢٧).

(٣) ينظر البحر المحيط (٣ / ٣٢٧).

(٤) قال القاسمي (٥ / ٣٥٠) : الأول : قال الرازي : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد ، وهذا متأكد بعموم قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] ، والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين لأن ذلك هو الأمر الذي يتقرب به إلى الله ـ تعالى ـ ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك ، كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك ، امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه.

(٥) في ب : الذين كفروا لو تركوا.

(٦) أخرجه ابن جرير بمعناه (٩ / ١٧) (١٠٠٦٦) عن ابن عباس.

٢٩١

وأما في قول من قال : إنهم كانوا في أهلهم تكلموا بالإسلام فيها ولم يهاجروا ـ فمعنى هذا : لا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا كما هاجر غيرهم.

وقيل : المهاجرون على طبقات :

منهم : من هاجر ، وأقام ، وسمع ، وأطاع ، وثبت على ذلك.

ومنهم : من هاجر ، ثم خرج من غير إذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلحق بأهله وأبطل هجرته التي هاجر ، وإيمانه الذي آمن.

ومنهم : من تكلم بالإسلام ، وأقام بأهله ، ولم يهاجر ، وبه قوة [على] الهجرة ؛ كان كذلك.

ومنهم : من تكلم بالإسلام ولم يكن له قوة على الهجرة ؛ كانوا مستضعفين ، وهو ـ والله أعلم ـ ما قال الله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ) الآية. وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «كنت أنا وأمي من المستضعفين» (١).

والذين آمنوا ولم يهاجروا ولهم قوة الهجرة ما قال الله ـ تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢].

وفي قوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا) ـ يحتمل : من أظهر الموافقة من المنافقين للكفرة ، ولحق بهم.

ويحتمل : من قد آمن ولم يهاجر ؛ فيكون الأول على ولاية الدين ، والثاني : على ولاية الميراث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢].

ومن يتأول الآية على إظهار الكفر دون الخروج من المدينة ـ فمهاجرته تخرج على وجهين :

أحدهما (٢) : أن يكون قد انضم فيها إلى معاني الكفرة فيما يترك صحبتهم.

والثاني : أن يهاجر الأعلام المجعولة لأهل النفاق ، مما يظهر ذلك فيما امتحنوا به من الأفعال ؛ فيظهر خلاف ذلك ؛ كقوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [الأحزاب : ٢٤].

وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا)

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٠٩) (١٠٢٧٠ ، ١٠٢٧١ ، ١٠٢٧٤) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٦٧) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه والطبراني عن ابن عباس.

(٢) في ب : أحدها.

٢٩٢

وأبوا الهجرة.

(فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)

لأنهم صاروا حربا لنا ؛ حيث تركوا الهجرة وأبطلوا إيمانهم الذي تكلموا به

(وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)

لما ذكرنا ، والله أعلم.

وقوله : (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) يخرج على وجهين :

أحدهما : في لحوق قوم من مظهري الإيمان أنهم لو لحقوا بمن لا ميثاق بينكم وبينهم ولا عهد ؛ فاقتلوهم حتى (١) يتوبوا ويهاجروا ، ولو لحقوا بأهل الميثاق ـ لا تدعوا الولاية التي كانت بينكم وبينهم.

والثاني : أن تكون الآية في قوم من الأعداء وأهل الحرب : لو انضموا إلى أهل الميثاق وأهل العهد فلا تقاتلوهم ؛ فيكون الأمر عقيب موادعة تجري بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين قوم في دورهم ، على أن لا تمانع بينهم لأهل الاتصال في الزيادة والاجتماع إلى المدة المجعولة للعهد ، ممن إذا خيف منهم : ينبذ إليهم العهد ، ويوفي إليهم المدة إذا وفوا ـ والله أعلم ـ كقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ ...) [التوبة : ٤] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة : ٧].

قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(٩١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ)

قال بعضهم : استثنى الذين خرجوا من دار الهجرة مرتدين إلى قومهم (٢) ، وكان بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق ، وقال : وفيهم نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٤] كأنه قال ـ والله أعلم ـ : إن وصل هؤلاء إلى أولئك الذين بينكم وبينهم عهد وميثاق ـ فلا تقاتلوهم.

__________________

(١) في ب : حيث.

(٢) في ب : دينهم.

٢٩٣

وقيل : كان هذا في حي من العرب بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمان وعهد ، وكانت (١) الموادعة على أن من أتاهم من المسلمين فهو آمن ، ومن جاء منهم إلى المؤمنين فهو آمن (٢) ، يقول ـ والله أعلم ـ : إن وصل هؤلاء أو غيرهم إلى أهل عهدهم ـ أو قال : عهدكم ـ فإن لهم مثل الذي لأولئك من العهد وترك القتال.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما صد مشركو مكة نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البيت ـ جاء رجل ـ يقال كذا من بعض القبائل ـ لينظر ما أمر محمد وقريش ؛ فرآهم قد حالوا بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين البيت ، فقال : يا معشر قريش ، [هلكتم](٣) ؛ أتردّون قوما عمار ضفروا رءوسهم عن البيت ، والله لا نشرككم في هذا ؛ فصالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووادعه ألا يكونوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يكونوا عليه ، ومن لجأ إليه فهو آمن.

فلا ندري كيف كانت القصة في ذلك ، غير أن فيه دليلا أن من اتصل بأهل العهد وكان على رأيهم ـ فهو بمنزلتهم ، لا نقاتلهم.

ومن قولنا : إن الإمام إذا وادع أهل بلدة أهل الحرب ، فمن دخل فيها أو اتصل بهم فهم آمنون مثلهم ؛ لا يحل قتالهم ، ولا أسرهم ، حتى ينبذ إليهم عهدهم ، وإذا أمّن قوما منهم في دار الإسلام ووادعهم ، ثم انضم إليهم آخرون ، فدخلوا معهم دار الإسلام ـ له قتالهم وأسرهم ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)

قيل : أي : ضيقة صدورهم (٤) ، وهكذا قال الكسائي : كل من ضاق صدره عن فعل أو كلام ؛ [فقد حصر](٥) ، فهذا ـ والله أعلم ـ ما ذكرنا : أن الموادعة ألا يعين بعضهم بعضا في القتال ، ولا يعينوا عليهم عدوهم ، فنهاهم الله عن قتالهم ؛ لما أخبر أن قلوبهم تضيق على أن يقاتلوكم مع قومهم أو أن يقاتلوا قومهم معكم.

وفي قوله ـ تعالى ـ أيضا : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) يحتمل : أن يكون حكم هذا الحرف ما ضمّنه الحرف الأول ؛ فيكون ذلك الشيء عمن ذكرت إذا كان هذا صفته ـ

__________________

(١) في ب : وكان.

(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٩ / ١٩) (١٠٠٧٠) عن ابن زيد.

(٣) سقط من ب.

(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢١) (١٠٠٧٢) عن السدي ، وذكره السيوطي (٢ / ٣٤٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي.

(٥) سقط من ب.

٢٩٤

أن (١) يضيق صدره عن مقاتلة المؤمنين والكافرين جميعا : إما بالطبع ، أو بالوفاء العهد ، أو بالنظر في الأمر ؛ ليتبين له الحق ، وهو متردد في الأمر ؛ بما يجد المعروفين بالكتب التي احتج بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختلفين فيه على ما عقولهم مرتقب بهم ، أو تخلف عن الإحاطة بحق الحق إلا بعد طول النظر ، والله أعلم ؛ فيكون معنى قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ) بمعنى : وجاءوكم.

ويحتمل : في قوم سوى ما ذكرت من الذين يصلون ، لكن في أولئك المعاهدين نفسه الذين أبت أنفسهم نقض العهد بينهم وبين المؤمنين ، وعزموا على الوفاء به ، وأبت أنفسهم ـ أيضا ـ معونة المؤمنين على قومهم بالموافقة بالمذهب والدين ، وعلى ذلك وصف جميع المعاهدين الذين عزموا على الوفاء بالعهد ، وذلك في حق الآيات التي ذكرنا ، ثم بين الذين يناقضون العهد ، أو المنافقين الذين متى سئلوا عن الكون على رسول الله والعون لأعدائه ـ الأمر فيهم ؛ وذلك كقوله تعالى : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ). إلى قوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) [الأحزاب : ١٣ ـ ١٤] وتكون هذه الآية فيهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ...) الآية [الأحزاب : ٦٠] ؛ فيكون في هذه الآية الإذن ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)

أي : نزع من (٢) قلوبهم الرعب والخوف ؛ فقاتلوكم ، ولم يطلبوا منكم الصلح والموادعة.

(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ)

يعني : طلبوا الصلح (٣) ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه.

وقيل : قالوا : إنا على دينكم ، وأظهروا الإسلام.

(فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً).

أي : حجة وسلطان القتال ، أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكف عن هؤلاء.

ثم قال : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ...) الآية.

قيل : كان رجال تكلموا بالإسلام متعوذين ؛ ليأمنوا في المسلمين إذا لقوهم ، ويأمنوا

__________________

(١) في أ : أو.

(٢) في ب : عن.

(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٤) (١٠٠٧٣) عن الربيع بن أنس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن الربيع.

٢٩٥

في قومهم (١) بكفرهم ؛ فأمر الله بقتالهم ، إلا أن يعتزلوا عن قتالهم (٢).

وقيل : قوله ـ تعالى ـ : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) غيرهم ممن لا يفي لكم ما كان بينكم وبينهم من العهد

(يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) يقول : يريدون أن يأمنوا فيكم ؛ فلا تتعرضوا لهم ، ويأمنوا في قومهم بكفرهم ؛ فلا يتعرضوا لهم.

ثم أخبر ـ عزوجل ـ عن صنيعهم وحالهم ، فقال :

(كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ)

يعني : الشرك (٣).

(أُرْكِسُوا فِيها)

أي : كلما دعوا إلى الشرك فرجعوا فيها ، فهؤلاء أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتالهم ، وعرفه صفتهم ، إن لم يعتزلوا ولم يكفوا أيديهم عن قتالكم

(فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)

أي : جعلنا لكم عليهم سلطان القتل وحجته.

[و](٤) في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «ويكفوا أيديكم عن أن يقاتلوكم» وفي حرفه : «ركسوا فيها»

وفي حرف حفصة : «ركسوا فيها».

وفي حرفها : «أن يقاتلوكم ويقاتلوا قومهم».

ثم يحتمل نسخ هذه الآية بقوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠].

وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) بقوله ـ عزوجل ـ : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] ؛ [لأن الفرض في القتال أول ما كان فرض أنه يقاتل من قاتلنا وبدأنا ، ثم إن الله ـ تعالى ـ قال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ)](٥) [التوبة : ٥].

__________________

(١) في أ : قولهم.

(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير (٩ / ٢٧) (١٠٠٧٨) (١٠٠٧٩) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٣) ، وزاد نسبته لابن المنذر ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢٨) (١٠٠٨٢) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٤٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.

(٤) سقط من ب.

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

٢٩٦

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) اختلف فيه :

عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) : أي : لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا بغير حق عمدا ، إلا خطأ فيما لا يملكه (١).

وقيل : (إِلَّا) بموضع الواو ، كأنه قال : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا متعمدا ولا خطأ ، وذلك جائز في اللغة (٢).

وقيل : وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك قتله إذا قتل آخر عمدا إلا خطأ ، فإنه يترك قتله ولا يقتل به ؛ وهو قول أبي بكر الكسائي.

وقيل : وما كان ينبغي لمؤمن أن يترك حكم قتله إلا خطأ.

قال أبو بكر الكسائي : حكم القتل ما ذكرنا من القصاص والقود ، أو كلام نحو هذا.

ويحتمل قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) قط بعد ما سبق من الله بيانه في غير آي من القرآن ، نحو قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) [البقرة : ١٧٨] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣] ، وغيرها من الآيات

(إِلَّا خَطَأً) فإنه لم يسبق منه الحكم فيه إلا في هذه الآية.

وقيل : وليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا على (٣) كل حال إلا أن يقتله مخطئا ؛ فعليه ما في القرآن (٤). وهو قريب مما ذكرنا.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤).

(٢) ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٣٣٤) ، والدر المصون (٢ / ٤١٣).

(٣) في ب : في.

(٤) تقدم.

٢٩٧

ثم الخطأ ـ عندنا (١) ـ على وجهين : خطأ قصد ، وخطأ دين.

فخطأ القصد : هو أن يقصد أحدا فيصيب غيره.

وخطأ الدين : هو أن يعرفه مشركا كافرا من قبل حلال الدم ؛ فيقتله على ما عرفه من قبل ، وهو للحال مسلم.

فإن قيل : كيف لزمه في قتل الخطأ ما لزمه من الكفارة؟ وقد أخبر الله ـ عزوجل ـ أنه لا يؤاخذه له ، وأن لا حرج عليه في ذلك ؛ بقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] ، وقال في آية أخرى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ (٢) وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥] ، وغيرها من الآيات.

قيل : إن الفعل فعل مأثم ، وإن كان لم يوجد منه القصد فيه ، فما أوجب إنما أوجب ؛ لما الفعل فعل مأثم.

والثاني : يجوز أن يكون الله يكلفنا (٣) بترك القتل والفعل في حال السهو والغفلة ، ألا ترى أنه قال : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، والخطأ نقيض الصواب ؛ فلا يجوز أن يؤمر بطلب الصواب ولا ينهي عن إتيان ضده ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنْسَ

__________________

(١) القتل الخطأ ، الخطأ ـ في اللغة ـ : ضد الصّواب ، ويقال : أخطأ : إذا أراد الصواب فصار إلى غيره ، ويقال : أخطأه الحق : إذا بعد عنه ، وأخطأ السّهم : تجاوزه ولم يصبه ، ويطلق الخطأ على الفعل الذي يصدر من الإنسان بغير قصد.

وقد اختلف الفقهاء في تحديده :

فعرفه الشافعية : بأنه ما صدر من الإنسان بفعل لم يقصد أصلا ، أو قصد دون قصد الشخص المقتول.

وعرفه الحنفية : بأنه ما يصدر من الإنسان بعدوان قصد عند مباشرة أمر مقصود ؛ بسبب ترك التثبت والاحتياط ، وهو على نوعين : خطأ في الفعل ، وخطأ في القصد.

وعرف الإمام ابن عرفة القتل الخطأ ، فقال : هو ما مسبّبه غير مقصود لفاعله باعتبار صنفه غير منهي عنه.

ويعرفه أكثر الحنابلة بمثل تعريف الشافعية ، إلا أنهم يجعلون منه عمد الصبي والمجنون ، كما أن بعض الحنابلة يقولون بوجود قسم رابع يسمونه : ما أجرى مجرى الخطأ ، ويجعلونه شاملا لصور كثيرة ، منها : القتل من غير المكلف ، وما لا قصد فيه أصلا ، والقتل بالتسبب إن لم يكن عمدا ولا شبه عمد ، ومن هؤلاء أبو الخطاب الحنبلي ، وصاحب «متن المقنع».

وقد قال في «الشرح الكبير» : وهذه الصور عند الأكثرين من قسم الخطأ أعطوه حكمه ، وعلى ذلك درج الخرقي في «مختصره» ؛ حيث قال : القتل على ثلاثة أوجه : عمد ، وشبه عمد ، وخطأ.

ينظر : مغني المحتاج (٤ / ٤) ، العناية على التكملة (٨ / ٢٥٢) ، شرح حدود ابن عرفة ص ٤٧٧ ، المغني (٩ / ٣٣٩) ، الشرح الكبير (٩ / ٣٢٠).

(٢) في أ : فيه.

(٣) في ب : تكليفا.

٢٩٨

نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ...) الآية [القصص : ٧٧].

ثم اختلف في المعنى الذي أوجب عليه رقبة مؤمنة.

قيل : لأنه أتلف نفسا خلقها الله ـ تعالى ـ لعبادته ؛ فأوجب مكانها نفسا [مؤمنة](١) ؛ لتعبد الله على ما عبدت تلك.

لكن التأويل لو كان هذا لكان يجب في العمد ما وجب في الخطأ ؛ لأنه وجد ذلك المعنى ، لكن أوجب لا لذلك المعنى ـ والله أعلم ـ ولكن تغليظا وتشديدا عليه لما أتلف نفسا محظورا لم يؤذن له في ذلك ؛ لئلا يقدم على مثله ، ولله أن يوجب على من شاء بما شاء لما شاء ، من غير أن يقال : لم؟ وكيف؟ وأين؟

والثاني : أوجب عليه رقبة مؤمنة ؛ لأنه أبقى له نفسا مؤمنة ؛ فعلى ما أبقى له نفسا مؤمنة أوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة.

وفي قوله ـ تعالى أيضا ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) اختلف في تأويل (٢)(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) : فمنهم من يقول بإضمار : وما كان بمتروك لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ.

[و](٣) يخرج معنى «بمتروك» على وجهين :

أحدهما : ما قاله أبو بكر الملقب بالأصم : أي بمتروك له في القصاص إلا أن يقتله خطأ. [و](٤) لكن هذا يوجب منع (٥) العفو لما به الترك ، ومعلوم أنه أمر رغب فيه ؛ حتى دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولي القتيل إلى العفو ، ثم إلى أخذ الدية ، ثم لما أبت نفسه عن (٦) ذلك أذن له في القصاص (٧) ؛ ويدل على ذلك قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ ...) الآية [البقرة : ١٧٨] ، وقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها ...) ، إلى قوله : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ...) الآية [المائدة : ٤٥] إلا أن يرجع في قوله : «بمتروك له» إلى الوجوب ، أي : لا يدفع عنه إيجاب القصاص إلا من قتل [مؤمنا](٨) خطأ ؛ فإنه ليس عليه القصاص.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) من الأصول : تأويله.

(٣) سقط من ب.

(٤) سقط من ب.

(٥) في أ : منه.

(٦) في الأصول : عند.

(٧) في ب : الاقتصاص.

(٨) سقط من ب.

٢٩٩

والثاني : أنه ما كان بمتروك له من التأنيب والتوبيخ والتعيير بسوء صنيعه بأخيه وتعديه حدّ الله وبمعونة ولي القتيل ؛ إذ قال : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢] فحق ذلك على الناس أن يظهروا له النكير عليه ، ويقوموا بالنصر لوليه ـ والله أعلم ـ إلا أن يكون خطأ ؛ فلا يتلقونه بشيء مما ذكرت ، بل يقومون بالشفاعة له ، والمعونة في احتمال ما لزمه ؛ ولذلك جعل ـ والله أعلم ـ أمر العقل على ما به من إبقاء الألفة ، ودفع الضغينة ، واجتماع [التألم في المصيبة](١).

ومنهم من يقول في تأويل الآية : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) أي : حرام عليه ذلك الفعل بما حرم الله ، وبما بينهما من الأخوة في الدين ، وبما هو شقيقه وجنسه ، يتألم [بما يتألم به الآخر](٢) ويتأذى الآخر ، والنفس عن مثله تنتهي ، والطبع ينفر ، فما كان له بعد هذا أن يقتل.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا خَطَأً) قيل فيه بوجوه :

أحدها : أن يقع ذلك منه على الخطأ ؛ فيكون على ما لا يلحقه اللائمة التي ذكرنا ، ولا وصف التعدي الذي وصفنا.

والثاني : أن يكون الأمر في موضع الابتداء ؛ لما بين له من الحكم بمعنى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة ، لكن من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة ؛ كقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] بمعنى : لا يسمعون فيها لغوا البتة ، لكن الذي يسمعون : يسمعون سلاما.

وقيل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) : إلا ألا يعلمه أنه مؤمن ، وكان عرفه كافرا ، له قتله بما روي من الإذن في البيات وقتل عيون الكفرة بما سبق من ظهور كفرهم ، وإن احتمل إيمانهم فيما بين الوقتين ؛ فيكون بمعنى : حرام عليهم إلا من هذا وصفه.

ويجوز : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أي : [ليس](٣) لمؤمن ذلك قط إلا أن يقتل خطأ (٤) ؛ فإنه ليس فيمن يقال كان له أو لا ؛ لما يقع به إلا (٥) أن يفعله هو في التحقيق ؛ إذ حقيقة الفعل أن يقع بإرادة ويخرج عليها ، وهذا لا يقع بها ، ولا يخرج

__________________

(١) في ب : للتألم للمصيبة.

(٢) في ب : مما يتألم الآخر.

(٣) سقط من ب.

(٤) ذكره بمعناه أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٣٣).

(٥) في ب : لا.

٣٠٠