تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٦٢

أو أن يقال : إنه أراد بالنكاح الوطء ، لا العقد والتزويج على ما قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه.

والنكاح اسم للوطء والتزويج جميعا ، قال الله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) [النور : ٣] وتأويله الوطء ، فكذلك الأول ، ومعنى قول علي ـ رضي الله عنه ـ حيث حمل الآية على الوطء ؛ لأنه قال لا يتزوج الأمة على الحرة. كأنه منعه من ذلك ؛ لأنه قادر على وطء الحرة ، ويتزوج الحرة على الأمة. يقول : يتزوج الأمة ولم يكن قادرا على وطء الحرة ؛ فجاز نكاحه.

أو إن كانت الآية في ابتداء النكاح والتزويج ؛ على ما قالوا ، فليس فيها حظر نكاح الإماء وبطلانه في حال الطول والقدرة ؛ لأنه أباح نكاحهن في حال عدم الطول والقدرة ، ومن أصلنا : أن ليس في إباحة الشيء وحله في حال ـ دلالة حظره ومنعه في حال أخرى ؛ دليله : قوله : (أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥٠] ليس فيه أنه لا يحل له إذا لم يؤت أجورهن ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ليس فيه حظر الأربع وإن خاف ألا يعدل ؛ فهذا يدل على أن حظر الشيء ومنعه [في حال] لا يوجب الحظر في حال أخرى ، وإباحة الشيء في حال وحله لا يوجب منعه وحرمته في حال أخرى ، على أن المخالف لما لم يجعل الإيمان المذكور في الآية شرطا لقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) فإذا لم يصر الإيمان شرطا في حال نكاح الإماء ، كيف صار الطول والقدرة شرطا فيه؟! إذ من قوله أن ليس له أن ينكح الأمة إذا كان له طول نكاح المحصنة الكتابية ، [فلما لم يصر هذا شرطا في ذلك كيف صار الطول والعنت شرطا؟! وهذا يبطل قوله : أن ليس له أن ينكح أمة كتابية](١) ؛ لأنه يقول : لأن الله ـ تعالى ـ شرط فيهن الإيمان بقوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ)(٢) فإذا لم يصر الإيمان شرطا في المحصنات كيف صار شرطا في الإماء ، وذلك كله عندنا ليس بشرط.

فإن قال قائل : إن قول الله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ ...) كذا [المجادلة : ٤] ، ليس ذلك شرطا حتى لا يجوز غيره إذا كان له طول العتاق وقدرة الصوم ما ينكر أن يكون الأوّل بمثله.

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من أ.

(٢) قال القرطبي (٥ / ٩١) : فهل يتزوج الأمة ؛ اختلف علماؤنا في ذلك ، فقيل : يتزوج الأمة فإن الأمة المسلمة لا تلحق بالكافرة ، فأمة مؤمنة خير من حرة مشركة. واختاره ابن العربي. وقيل : يتزوج الكتابية ؛ لأن الأمة وإن كانت تفضلها بالإيمان فالكافرة تفضلها بالحرية وهي زوجة. وأيضا فإن ولدها يكون حرّا لا يسترقّ ، وولد الأمة يكون رقيقا ؛ وهذا هو الذي يتمشى على أصل المذهب.

١٢١

قيل : صار ذلك شرطا فيه ؛ لأنه فرض لزمه بشريطة لم يكن له الخروج والتعدى إلى غيره ، وأمّا النكاح : فليس هو بفرض لزمه بوجود الطول والقدرة والعتاق ، وما ذكر فرض لزمه بوجود الطول والقدرة عليه ، ويجوز الطعام ، لكن لم يسقط الفرض الذي لزمه عنه ؛ لذلك صار شرطا فيه ، والأول لم يصر.

فإن قال : ما معنى الآية إذن؟ قيل : معنى الآية على الاختيار والأدب ، أو على الإنفاق الذي ذكرنا ، أو ألا يختار نكاح الأمة على نكاح الحرة إذا كان له طول الحرة ؛ على ما جاء عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : أيما حرّ تزوج أمة فقد أرق نصفه ، وأيّما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه (١). لا يختار (٢) نكاح الأمة وله إلى طول الحرة سبيل.

ويجيء أن يكون قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) ألا يحمل على الزنا ، ولكن يحمل على مخالطتهن الناس واسترقاق الأولاد ، فإذا أمنه السيد عن استرقاق الولد ، وعن ترك الاختلاط بالناس ، فعند ذلك يتزوجها ؛ إذ قلوب الناس لا تحتمل اختلاط أزواجهم بالناس واسترقاق الأولاد ، فحمل العنت على هذا أشبه من الزنا.

ومن الدليل ـ أيضا ـ على ألا يعتبر الطول على التزوج على ما قالوا : إذا تزوج أمة ثم قدر على تزوج الحرة لم يفسد نكاح الأمة ، وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فعلى ذلك طوله في الابتداء على نكاح الحرة لا يمنع جواز نكاح الأمة ، والله أعلم.

على أن عدم الطول في الأصل لا يمنع نكاح الحرة ؛ إذ [المهر] شيء يلزم الذمة ، وعدم النفقة يمنع الإمساك عنده ؛ فدل أن الآية لعدم نفقة الحرة أشبه وأقرب من عدم طول مهر الحرة في الابتداء ؛ على ما ذكرنا.

والأصل : أن كل أمر يجوز بشرط الاضطرار ؛ فإن ارتفاع الضرورة يمنع البقاء ، فإذا لم يمنع بان أنه لا على الحل بالضرورة ، وعلى ذلك يختار لمن تحته حرة مفارقة الأمة ؛ إذ بإمساكها رقّ الولد الذي يقبح في العقل اختياره ، ومخالطة الزوجة في الطبع نفار منه ، فمثله في الابتداء ـ والله أعلم ـ مع ما قال الله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وليس عن الذي فيه الضرورة شرط الصبر ، ثم القول واحد فيهن بملك المال وهو غائب عنه يخشى العنت إلى أن يبلغ ذلك أنه لا يمنع النكاح ، وجميع ما له الحرمة ، يستوى غيبة ذلك وحضرته : كنكاح الأمة على الحرة ، والأخت على الأخت ، ونحو ذلك ، مع ما لو

__________________

(١) أخرجه بمعناه عبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٢٦٨) باب نكاح الأمة على الحرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٦) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه.

(٢) في ب : يختار له.

١٢٢

كانت (١) خشية العنت تصير سببا للحل في شيء لكان ملك الحرة التي هي عنه غائبة ؛ إذ لم تصر الضرورة مبيحة ، فإذن بان أن الحرمة لنفس النكاح في الوجود والحل لعدمه لا للسبيل إلى ذلك وغير السبيل.

ثم قوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) إنما هو الضيق ؛ كقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] أي : يضيق عليكم مخالطة الأيتام.

أو الإثم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة : ١٢٨] وكل رجل فيه وسع الاستمتاع فهو يخشى الإثم ، فيجيء أن يباح له على كل حال ، أو يرجع إلى الضيق ؛ فيكون المقصود منه الإمساك دون العقد ، والله أعلم.

ثم خشية الزنا يحتمل أن يصير شرطا للحل ، وقد حصل له عقوبة ، فيها أبلغ الزجر لمن عقل من : رجم أو حد ، بل يفرض عليه اتقاء ذلك بكل وجوه الإمكان ، ومعلوم أن الله قد جعل عنه بغير النكاح سبيلا في الاستمتاع ، أيضا ، وقد جاء ـ أيضا ـ الأمر بالصيام بأنه له وجاء ، فإنما خشية ذلك خشية حظر ، لا حقيقة ، فلم يجز أن يجعل عذرا لرفع الحرمات ولقدر عليه بالمباح من الصيام.

القول في قوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) الآية ، نقول ـ وبالله التوفيق ـ : تحتمل الآية وجهين :

أحدهما : طول عقد النكاح [من ملك المهر. والثاني : طول إمساك الحرة ؛ للاستمتاع من النفقة والكسوة والمسكن ، وهذا الوجه أحق ؛ لأوجه : أن طول عقد النكاح](٢) مذكور ـ أيضا ـ في نكاح الأمة ، بقوله : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(٣) ومعلوم وجود الحرة بالمهر الذي يوصف في المعروف من المهور ، بل لعل ذلك في الحرائر أوجد ؛ إذ قد جاز نكاح الحرائر بالأشياء الضعيفة ، ومعروف وجودهن في كل عصر بدون ما يوجد من مثله الإماء ، فمحال أن يشترط في نكاح الإماء عدم ما لا يوجد السبيل إليه إلا بوجود

__________________

(١) في ب : كان.

(٢) ما بين المعقوفين سقط من أ.

(٣) قال القرطبي (٥ / ٩٤) : دليل على وجوب المهر في النكاح ، وأنه للأمة (بِالْمَعْرُوفِ) معناه بالشرع والسنة ، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهنّ من السادة ، وهو مذهب مالك. قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. وقال الشافعي : الصداق للسيد ؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة. أصله إجازة المنفعة في الرقبة ، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها. وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه : زعم بعض العراقيين إذا زوج أمته من عبده فلا مهر. وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه.

١٢٣

ذلك ، أو ما هو أعظم في الوجود.

وأمّا النفقة والمسكن فقد يكون بمال السيد دون أن يؤخذ به ، وفي الحرة هي لا سبيل إليها إلا بمال الزوج ، ففيهما بذكر الوجود ، لا فيما يستوى الذكر فيه في المتلو.

ثم في الحاجة على ما عليه العرف فيه فضل ، ولا قوة إلا بالله.

والوجه الثاني : ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تنكح الأمة على الحرّة» (١) ولو كان يجوز نكاحها عند وجود طول الحرة ، لم يكن للنهي عن ذلك بعد النكاح وجه ؛ إذ ليس لذلك وجود ؛ لما الطول يمنع وجوده.

والثالث : أن الذي به يجب النكاح ليس للوجود شرط فيه ، والذي به الإمساك شرط ؛ إذ قد يجوز بذمة من لا يملك (٢) شيئا ولا يمسك بمثله ، ثبت أن ذلك في حق الإمساك.

وبعد : لو كان يمنع بالذي ذكر ، لكان جوازه بحق الضرورة ، وهذا مما (٣) لا يقع به الضرورة ، ثبت أن ذلك في حق الإمساك.

ثم لو كان التأويل على النكاح لم يكن في ذلك تحريم النكاح على وجود طول الحرة ؛ لخصال :

أحدها : أن ذلك يوجب أن يكون نكاح الإماء يجوز بحق الإبدال والاضطرار ، وذلك لا يحتمل حق النكاح ؛ لوجوه :

أحدها : أن طريق ذلك طريق إباحة ورخص ، والفروج لا تحتمل الإباحات ؛ بل الإباحة توجب حد المبيح وعقوبته ، وتجعل كمبيح ما لا يملكه.

والثاني : أن الحرمات التي كانت في جميع النكاح كانت ظاهرة لم يرتفع شيء منها لحاجات وكذا (٤) نكاح الإماء لو كان من المحرمات ، بل الحكم أن كل امرأة لا تحتمل النكاح فهي لا تحل بملك اليمين ، فلو قلنا : إنه لا يحل نكاحها لذاتها لم يحل في ملك اليمين ، فإذ حلّت بأن ما ذكرت ، وليس كالزيادة على الأربع ؛ لأن تلك الحرمة لحق المنكوحة لا لمكان المرأة ، وكذلك الأخت ونحو ذلك ؛ دليل ذلك جواز ذلك لا بحق

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٨٧) (٩٠٦٨) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٢٦٨) ، كلاهما عن الحسن مرسلا.

وأخرجه عبد الرزاق (٧ / ٢٦٥ ـ ٢٦٨) من قول عطاء ، وجابر بن عبد الله ، وعلى بن أبي طالب ، وابن المسيب ، والزهري ، وطاوس ، ومسروق ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٤) وزاد في نسبته لابن أبي شيبة.

(٢) في ب : يمسك.

(٣) في ب : فيما.

(٤) في ب : وكذلك.

١٢٤

الإبدال والاضطرار ، إذا عدم نكاح غيره.

وبعد : فإنه لم يجعل في شيء من الحل والحرمة المال ؛ بل قال ـ تعالى ـ : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ...) الآية [النور : ٣٣] ؛ صير العدم شرط الترك ، وله قد يفسخ ، لا أنه شرط الإباحة ، فكذلك أمر نكاح الإماء.

والثالث : إذ الأصل في إضافة الحل والحرمة إلى حال أنه لا يوجب ضد ذلك في غير تلك الحال ؛ بل هو في غيرها موقوف على قيام الدليل من ذلك المضاف إليه أو غيره ، لا أنه يوجب ذلك ؛ دليل ذلك أمور النكاح ؛ قال الله ـ تعالى ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥٠] لا أنه لو لم يؤتهن الأجور لم يحللن ، وكذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [المائدة : ٥] وقال ـ عزوجل ـ : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ ...)(١) الآية ؛ لأن الحدّ لا يجب لو لم يحصن ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) لا على جعل الإيمان شرطا ، وقال [الله](٢) ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٣] لأن الأمة لا تحل إذا لم يخف العدل في الحرائر ، وغير ذلك مما يكثر ؛ إذ ليس في إضافة الحل إلى حال قطعه عن غيره ، فمثله أمر النكاح فيما نحن فيه.

__________________

(١) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩) : قال ابن كثير : مذهب الجمهور أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة ، مزوجة أو بكرا ، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء ، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك.

فأما الجمهور فقالوا : لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم ، وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء ، فقدمناها على مفهوم الآية ، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب فقال : يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهن ، ومن لم يحصن : فإن أمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها ، أن أقتلها ، فذكرت ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أحسنت : اتركها حتى تماثل ، وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه «فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين» ، وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر ، ولمسلم : إذا زنت ثلاثا ثم ليبعها في الرابعة ، وروى مالك عن عبد الله بن عياش المخزومي قال : أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين ، في الزنى.

قال القرطبي (٥ / ٩٥) : قلت : ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاختلاف ، لو لا ما جاء في صحيح السنة من الجلد في ذلك ، والله أعلم. وقال أبو ثور ـ فيما ذكر ابن المنذر ـ : وإن كانوا اختلفوا في رجمها فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين ، وإن كان إجماع فالإجماع أولى.

(٢) سقط من ب.

١٢٥

ثم احتج بعضهم بالآيات التي فيها : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) [المجادلة : ٤] ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) [النساء : ٩٢] ، لتوجيه ذلك الحق هاهنا وقد دخل جواب هذا فيما قلنا : إن الحكم في غيره موقوف على الدليل فيه منعنا لا بهذا ، مع ما بينا دليل ما نحن فيه ليس بشرط ؛ ألا ترى أنه ذكر شرط الإيمان في المحصنات؟! ومن لم يصر شرطا وقد صار في الكفارات ونحو ذلك ؛ فمثله ما نحن فيه.

ثم الفصل بين الأمرين يقع من وجوه :

أحدها : أن (١) تلك بحق الإبدال والاضطرار ؛ دليله : زوال حكمه عند الارتفاع وفي هذا إلا ألا يرتفع لنكاح الحرة ؛ فلذلك اختلف الأمران ، ولو جعلنا الأمر به في حال أو الإشارة بالحل إليها دليلا على النهي عن ذلك كان نهيا عن نكاح الإماء في حال طول الحرائر ؛ فلا يحتمل أن يكون النهي مبطلا للفعل لأوجه :

أحدها : أن المعنى الذي له يقع النهي كان معقولا ، وبمثله لا يحتمل الفساد ، وذلك يخرج على وجهين :

أحدهما : أن يرق ولده.

والثاني : أن تخالط امرأته الرجال ، وذلك بعض ما يشين الرجل.

ثم كان نكاح الزانية مع النهي عن ذلك يجوز ، ومع الأمر بطلاقها ومعلوم أن ذلك أعظم في الشين (٢) ؛ إذ قد ظهر به ما يخافه في المملوكة ، ويصير ولده مشتوما بأمه ما هو أوخش في العقول من كل رق وعبودة ويقال له : يا بن الزانية ، وذلك ـ أيضا ـ تلبيس النسب وشبهه ، ثم لم يجب به الفساد ؛ فأمر المملوكة بالأحرى.

وأيضا لم يختلف على نهي الحرمة عن نكاح العبيد ، وله يفرق الأولياء ، ويصرف حق نسب (٣) الآباء إلى الموالى ؛ إذ معلوم أن الطعن عليهن في الخلاف قبح منه عليهم ، ثم لم يمنع ذلك جواز النكاح ؛ فمثله ما نحن فيه.

وأيضا إن الحرمة على وجهين : حرمة لنفس المنكوحة أو الاستمتاع وحرمة لحق النكاح ، وكل محرمة لذاتها فهي لا تحل بملك اليمين ولا بملك النكاح ، وما كانت الحرمة بحيث النكاح تحل ، فإذا كانت الأمة تحل بملك اليمين ثبت أن حرمتها ليست لنفسها ولا للاستمتاع فهي تحل بملك اليمين ، بل حلها في الأصل بملك النكاح أحق ؛ إذ

__________________

(١) في ب : لأن.

(٢) الشين : خلاف الزين ، وهو القبيح. ينظر لسان العرب (٤ / ٢٣٨١) (شين).

(٣) في ب : بسبب.

١٢٦

ليس إلا للاستمتاع ، فإذا حلت به فبالأحرى أن تحل بالنكاح ، ثم قد يحرم للنكاح أشخاص [لا يحر من للأموال بحال](١) ، فكذا ما نحن فيه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ).

يحتمل وجهين :

يحتمل ـ والله أعلم ـ : حقيقة إيمانكم ، وأنتم لا تعلمون ذلك.

ويحتمل ـ والله أعلم ـ : بإيمانكم ، وغيره لا يعلم حقيقة ذلك.

وفيه لزوم العمل بالظاهر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).

يحتمل : بعضكم من بعض في الدين.

ويحتمل : بعضكم من نسب بعض ؛ فهذا يدل على أن بعضهم من دين بعض ، ومن نسب بعض ؛ فليس لبعض على بعض فضل من جهة الدين والنسب ؛ إذ نسبهم ودينهم واحد ، وليس للحرة على الأمة فضل من هذا الوجه.

وفي قوله : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ)

[قيل : إن قوله (أُحْصِنَ) تزوجن (٢) ، وقيل أسلمن (٣).

فكيفما كان التأويل لم يصر الإحصان شرطا في لزوم ذلك العذاب](٤) ؛ لأنها إذا كانت على غير هذا الوصف لزمها ذلك الحكم ؛ دل أن وجوب ذلك الحكم في حال على وصف ـ لا يمنع وجوب الحكم في حال أخرى على غير الوصف الذي وصف في تلك الحال ، وهذا بالمخالف لنا ألزم ؛ لأنه قال ـ عزوجل ـ في قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) [البقرة : ٢٢١] أن النهي وقع على جميع المشركات : كتابيات وغير كتابيات ، ثم صار الكتابيات منسوخة بقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في أ : لا يجز من الأموال يحل.

(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٢٠١ ـ ٢٠٢) (٩١٠٠) (٩١٠١) (٩١٠٢) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة عن ابن عباس ولسعيد بن منصور في سننه وعبد بن حميد في مسنده عن مجاهد.

(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٩٩ ـ ٢٠٠) (٩٠٨٨ ـ ٩٠٩٢) عن ابن مسعود ، و (٩٠٩٣ ـ ٩٠٩٦) عن الشعبي ، و (٩٠٩٨) عن السدي ، و (٩٠٩٩) عن سالم والقاسم ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٥) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن إبراهيم النخعي.

(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.

١٢٧

أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : ٥] ثم قال : إذا كان له طول محصنة كتابية لم يحل له نكاح الأمة المؤمنة ، وقد أخبر ـ عزوجل ـ أن الأمة المؤمنة خير من مشركة ، وهو يقول : بل المشركة خير من الأمة ؛ فهذا يدل على اضطراره في قوله على مذهبنا ما قلنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) الآية [البقرة : ٢١١] ، على المشركات خاصة من غير الكتابيات عندنا ؛ دليله : قوله ـ تعالى ـ : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ ...) [البقرة : ١٠٥] ذكر المشركات وذكر الكتابيات ؛ دل هذا أن المشركات في هذه الآية غير الكتابيات ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك في صدر السورة ما يغني [عن] ذكره في هذا الموضع.

فإن (١) كان ما ذكرنا ـ حل له أن يتزوج كتابية محصنة كانت أو أمة ، وقد أقمنا الدليل على أن ليس في ذكر الإيمان فيهن دليل جعله شرطا في جواز نكاحهن ؛ على [ما لم يكن في ذكر الإيمان](٢) في المحصنات من المؤمنات دليل جعل الإيمان فيهن شرطا.

وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) ، أي : هو أعلم بحقيقة إيمانهن وأنتم لا تعلمون حقيقته (٣) ، وإن كان أثبت لنا علم الظاهر بقوله ـ تعالى ـ : (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] أمرنا بالعمل بعلم الظاهر ، لا بعلم الحقيقة بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) [الممتحنة : ١٠] ؛ فهذا يدل على أن الإيمان هو عمل القلب ، لا عمل اللسان ؛ لأنه لو كان عمل اللسان لكان يعلم حقيقته (٤) كل أحد ؛ فظهر أنه ما وصفنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) قيل فيه وجوه :

بعضكم من بعض في الولايات [في الدين](٥) ، كقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١].

وقيل : بعضهم من بعض في النسب ؛ إذ كل منهم من أولاد آدم (٦).

ويحتمل : بعضكم من بعض قبل الإسلام.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ)

__________________

(١) في ب : فإذا.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : ما يذكر الإيمان.

(٣) في ب : حقيقة.

(٤) في ب : حقيقة.

(٥) في ب : والدين.

(٦) ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢).

١٢٨

أي : بإذن ساداتهن ؛ سمّى السادات أهلا لهن ؛ دل أنهن من أهلهم.

وفيه أن للمرأة أن تزوج نفسها إذا أذن لها وليها ؛ [لأن الله ـ تعالى ـ](١) قال (بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) [فلو كان أهلهن هم الذين ينكحونهن ـ لم يكن لطلب الإذن معنى.

وفيه أن للمرأة ولاية النكاح ؛ لأنه قال : (بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ)](٢) والمرأة إذا كانت [لها جارية](٣) لها أن تزوج من غيره (٤) ، وهذا في النساء أولى لأن الرجل إذا كانت له جارية ـ يستمتع بها ولا يزوجها من غيره ، والمرأة إذا كانت لها جارية هي التي احتاجت إلى تزويج جاريتها ؛ لذلك كان في هذا أولى.

وفيه أن ليس للعبد ولا للأمة أن يتزوج إلا بإذن السيد ، وكذلك روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (٥).

وقال بعض أهل العلم : قوله : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) إذا كنّ مؤمنات ؛ على ما سبق من ذكر الإيمان بقوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) لكن هذا وإن كان نهيا عن نكاح الإماء إذا كن غير مؤمنات لم يدل ذلك على فساد نكاحهن إذا كن غير مؤمنات ؛ ألا ترى أن النساء نهين عن تزويج أنفسهن من العبيد ، وذلك مما يشينهن ، ثم لم يمنع ذلك النهي عن التزويج منهم ؛ فعلى ذلك لا يمنع شرط الإيمان فيهن والنهي عن نكاحهن ـ فساد النكاح ولا بطلانه ، وكذلك الرجل نهي أن يتزوج كتابية حرة وهو واجد الحرة المؤمنة. ثم مع ما نهى عن نكاحها ـ إذا فعل ذلك جاز النكاح ؛ فعلى ذلك الأول.

وكذلك قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) [النور : ٣٢] ذكر الصلاح فيهم ، ثم إذا كانوا على [غير](٦) ذلك الوصف جاز ؛ فكذلك الأول.

وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ)

ذكر الإحصان فيهن ، ثم لم يصر الإحصان فيهن شرطا في جواز النكاح ؛ لأنهن إذا كن

__________________

(١) في ب : لأنه.

(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) الضمير في غيره يعود على الإذن ، أي : يجوز لسيدة الأمة أن تلى ولاية زواجها بدون إذن أهل الأمة.

(٥) أخرجه الترمذي (٣ / ٤١٩) في النكاح : باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده (١١١١ ، ١١١٢) ، وأبو داود (٢ / ٢٢٨) في النكاح : باب في نكاح العبد بغير إذن سيده (٢٠٧٨) ، وأحمد (٣ / ٣٧٧ ، ٣٨٢) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ١٩٤) وصححه.

(٦) سقط من ب.

١٢٩

غير محصنات يجوز نكاحهن ؛ فعلى ذلك الأول ، ولو كان الطّول والقدرة مما (١) يمنع جواز نكاح الإماء ـ وجواز نكاح الإماء بمعنى البدل ـ لكان إذا تزوج أمة ولم يكن له طول على نكاح الحرة في ذلك الوقت ، ثم كان الطول على نكاح الحرة ـ يجىء أن يفسد النكاح ؛ لأنه إذا منع الابتداء يمنع القرار في ملكه ؛ فإذا لم يمنع دل أنه ليس على حكم البدل ؛ إذ الأبدال [لا قرار لها ولا ثبات](٢) عند وجود الأصول (٣) ؛ دل أنه ليس عنه ؛ ولكن على الاختيار والتأديب ألا يختار نكاح الإماء على الحرائر والمسافحات على المحصنات ، ولا يختار المشركات على المؤمنات.

فإن قيل : إنكم تمنعون من نكاح الأمة [على الحرة](٤) ، ثم لا تفسخون نكاح الأمة إذا كانت عنده أمة فتزوج حرة.

قيل له : إنما يمنع عن نكاح الأمة على الحرة (٥) لحقّ حرمة الجمع : كالجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها ، فأما إذا لم يكن ثمّ جمع لا يمنع ، وهذا ليس بجمع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)

بإذن أهلهن على ما ذكر الإذن في النكاح بقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ).

ويحتمل ـ أيضا ـ أن يؤتى أجرها وإن لم يأذن له مولاها ، إذا كانت الجارية ممن يحفظ مال سيدها ويتعاهده ؛ إذ الناس يشترون المماليك لحفظ أموالهم وصون أملاكهم ، نحو ما جاء من الوعيد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّكم راع ، وكلّكم مسئول عن رعيّته ، حتّى العبد عن مال سيّده» (٦).

فإذا كان ما وصفنا ـ لا بأس بأن يدفع الأجر والمهر إليها إذا كانت هي ممن تحفظ ماله وتصونه.

ثم من الناس من استدل بقوله : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) على حقيقة الملك للمماليك ، ويبيح لهم التمتع بالجواري ، وبقوله ـ تعالى أيضا ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ

__________________

(١) في ب : فما.

(٢) في ب : الإقرار لها والإثبات.

(٣) في ب : الوصول.

(٤) سقط من ب.

(٥) في ب : الحرمة.

(٦) أخرجه البخاري (١٣ / ١١١) كتاب الأحكام : باب قول الله ـ تعالى ـ : (أَطِيعُوا اللهَ ...) (٧١٣٨) ، ومسلم (٣ / ١٤٥٩) كتاب الإمارة : باب فضيلة الإمام (٢٠ ـ ١٨٢٩).

١٣٠

عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور : ٣٢] لو لم يملكوهم حقيقة الملك ـ لم يكن لوعد الغني لهم معنى ؛ لأنه لا يقع لهم الغنى أبدا ، وكانوا لا يملكون ؛ دل أنهم يملكون حقيقة الملك وأما عندنا فإنهم لا يملكون حقيقة الملك ؛ استدلالا بقوله ـ تعالى ـ : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) [الروم : ٢٨] أخبر أن ليس لهم فيما رزقهم شركاء مما ملكت أيمانهم ؛ دل أنهم لا يملكون حقيقة الملك.

فإن قالوا : أليس يملكون التمتع في النكاح إذا ملكوا ما منع ـ أيضا ـ أن يملكوا رقاب الأشياء إذا ملكوا؟

قيل : إن السادات لا يملكون من المماليك رقبة ما يتمتع به بالأسر ؛ ألا ترى أن السيدة لا تملك من عبدها التمتع به ؛ دل أن ملك ذلك للعبد خاصة ؛ لذلك ملك ملك التمتع في النكاح.

وأمّا قوله ـ عزوجل ـ : (يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور : ٣٣] بغناء ساداتهم ؛ إذ مقدار ما يطعمون ويشربون مما جعل لهم الانتفاع به.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ما ذكرنا من الإذن من أهلهن ، أو لما جعل النهي حفظ الأموال.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بِالْمَعْرُوفِ)

قيل : مهر غير مهر البغى ، وقيل : هو المعلوم.

وقوله ـ تعالى ـ : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ)

قد ذكرناه فيما تقدم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا أُحْصِنَ)

قيل : فإذا أسلمن (١).

وقيل : (فَإِذا أُحْصِنَ) : فإذا تزوجن (٢).

ويحتمل : (فَإِذا أُحْصِنَ) : فإذا بلغن مبلغ النساء.

وقيل : (فَإِذا أُحْصِنَ) أي : عففن (٣) ، وتأويله ـ والله أعلم ـ : ما (٤) ذكره في أول

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٩٣ ـ ١٩٤) (٩٠٧٤) عن ابن عباس ، و (٩٠٧٧) عن السدي. وينظر : البحر المحيط (٣ / ٢٣٢) ، المحرر الوجيز (٢ / ٣٩).

(٤) في أ : كما.

١٣١

الآية.

وقوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣] أنهن إذا تركن للتعفف ، ولم يكرههن على البغى ـ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ؛ فهن الحرائر ؛ لأن عذاب المتزوجة إذا دخل بها زوجها ـ الرجم ، ولا نصف للرجم ، وإنما حد الأمة الجلد ؛ فلا يجوز أن يكون المحصنات في هذا الموضع ذات الأزواج ؛ لأن عذاب ذات الأزواج الرجم ، ولا نصف له ؛ دل أنه أراد بالإحصان : الإسلام.

وروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وسعيد بن جبير (١) ، وجماعة من أهل العلم : أن لا حد على الأمة حتى تتزوج.

وأما عندنا : فإن عليها الحد ؛ لما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بجلد الأمة إذا زنت وإن لم تتزوج ؛ فذلك حجة لقول من قال : إحصانها إسلامها ، وهو ما روى عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبل ـ رضوان الله عليهم ـ قالوا : كنا عند [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢) فسأله رجل عن الأمة تزنى قبل أن تحصن؟ قال : «اجلدها ؛ فإن زنت فاجلدها ...» ثم قال في الثالثة أو الرابعة : «فبيعوها ولو بضفير» (٣).

هذا الخبر يدل على أن الأمة إذا زنت تجلد وإن لم تتزوج.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٤)

أي : وإن تصبروا ولا تتزوجوا الإماء فهو خير لكم ؛ لأن أولادكم يصيرون عبيدا ؛ فهذا يدل على أن قوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) ـ كله (٥) على الاختيار ، ليس على الحكم ألا يختار ، [و] لا على أنه إذا فعل لا يجوز.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

يحتمل وجهين :

__________________

(١) سعيد بن جبير الوالبي. أحد الأعلام ، ثقة إمام حجة ، كان شجاعا ، قتله الحجاج بن يوسف ؛ فما عاش بعده إلا قليلا. قتل سنة ٩٥ ه‍. ينظر : الخلاصة (١ / ٣٧٥) ، التقريب : ترجمة (٢٢٩١).

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : النبي ، عليه‌السلام.

(٣) أخرجه عبد الرزاق (٧ / ٣٩٣) باب زنى الأمة ، والبخاري (٤ / ٤٣٢) في البيوع : باب بيع العبد الزانى (٢١٥٢) ، وأطرافه في (٢١٥٣ ـ ٢٢٣٣ ـ ٢٢٣٤ ـ ٢٥٥٥ ـ ٦٨٣٧ ـ ٦٨٣٩) ، ومسلم (٣ / ١٣٢٨) كتاب الحدود : باب رجم اليهود (١٧٠٣).

(٤) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ١١٢) قال السيوطي في الإكليل : في الآية كراهة نكاح الأمة عند اجتماع الشروط بقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النساء : ٢٥].

(٥) في ب : كلمة.

١٣٢

يحتمل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ حيث كفر عنكم ما ارتكبتم في الدنيا بالعذاب الذي يقام عليكم ، ولم يجعل عذابكم في الآخرة ؛ إذ عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، وذلك من رحمته.

ويحتمل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) من رحمته أن يجعل الحدود في الدنيا زواجر عن العود إلى ارتكاب مثله من الأفعال.

قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢٨)

وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)

يحتمل قوله : يريد الله أن يبين لكم ما تؤتون (١) وما تنفقون ، وما لكم وما عليكم ، ويبين ما به صلاحكم ومعاشكم في أمر دينكم ودنياكم ، لكن حقيقة المراد بالآية : إما أن يكون أراد جميع ما ذكر ، أو معنى خاصّا مما احتمله الكلام ، وليس لنا القطع على ما أراد به.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)

[يحتمل](٢) وجوها :

أي : يبين لكم سبيل الذين من قبلكم (٣) ، أي : سبيل الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وأهل الهدى والطاعة منهم ؛ ليعلموا ما عملوا هم وينتهوا عما انتهوا ، وكذلك في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : سبل الذين من قبلكم.

ويحتمل : قوله : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : أمر الرسالة والنبوة ؛ ليهديكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو رسول ؛ إذ أمر الرسالة والنبوة ليس ببديع ، قد كان في الأمم السالفة رسل وأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ فأمر رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونبوته ليس ببديع ولا حادث ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩].

ويحتمل قوله : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : يبين لكم أن كيف كان سنته في الذين خلوا من قبل في إهلاك من عاند الله ورسوله ، واستئصال من استأصلهم بتكذيب

__________________

(١) في ب : تأتون.

(٢) سقط من ب.

(٣) ينظر البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٣٥).

١٣٣

الرسل والأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ والخلاف لهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) [الأحزاب : ٣٨] وقوله ـ تعالى ـ : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [الأنفال : ٣٨].

وقيل : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) شرائع الذين من قبلكم من المحرمات والمحللات : من أهل التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وسائر الكتب (١).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ)

أي : يريد أن يتوب عليكم.

وفي قوله ـ تعالى ـ أيضا ـ : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يحتمل : يهديكم تلك السنن ، أي : يبينها لكم أنها كانت ما ذا؟

ويحتمل : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بمعنى : جعل تلك السنن هداية لكم.

ثم قوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ قَبْلِكُمْ) يحتمل : سنته وسيرته في الذين من قبلكم ؛ لتعتبروا بها.

ويحتمل : سنتهم التي لزموها ، وسيرتهم التي سلكوها بما لها من العواقب ؛ لتتعظوا بها ، والله أعلم بحقيقة ما انصرف إليه مراد الآية ، لكن فيما احتمله ، فههنا موعظة بيناها فيه ، وعلى ذلك معنى قوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) يحتمل : كل ما به لنا نفع ، أو كل ما بنا إليه حاجة ، أو كل ما علينا القيام به ، أو يرجع ذلك إلى الخاص مما يريد بالآية الإخبار عنه ، وأن الذي علينا النظر فيما قد يفضل البيان عنه ، وفيما أنبأنا عن سنته فيمن تقدمنا مما نرجو به الهداية والشفاء ؛ للقيام بما علينا في ذلك من الحق دون الشهادة عليه ـ جل ثناؤه ـ بالمراد فيها في مخرج الكناية دون التصريح من الموعود.

وقوله ـ تعالى ـ : (لِيُبَيِّنَ) وأن يبين في مفهوم الخطاب فيما جرى به الذكر في هذه الآية واحد ؛ إذ لو كان ذكر «أن» لسبق إلى الفهم غير الذي سبق في هذا على حق العباد من التفاهم ، والله أعلم.

ثم كان معلوما فيما أراد بقوله : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ) أنه لو لم يبين ما أراد بهذا الوعد ولم يهد ـ أنه كان يلحقه الخلف في الوعد ؛ فعلى ذلك فيمن قال : يريد الله أن يتوب عليكم ، و (٢) يريد الله أن يخفف عنكم : لو لم يكن يخفف ويتوب على من أريد بقوله : يتوب ويخفف عنكم ـ يلحقه الخلف في الوعد ، ثم يخالف وصف كافر في حال

__________________

(١) انظر البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٣٥).

(٢) في ب : أو.

١٣٤

أنه ممن تاب الله عليه ؛ ثبت أنه لم يدخل في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)

فإذا ثبت أنه لم يدخل فيه وجب فيه (١) أمران :

أحدهما : أن الإرادة ليست بأمر ؛ إذ قد أمر الكافر بالتوبة.

والثاني : أن كل من لم يتب فهو ممن لم يرد الله أن يتوب عليه ، وهو في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) [المائدة : ٤١] على أن الله ـ تعالى ـ قال في المؤمنين : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] وقال في الكفار : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) [آل عمران : ١٧٦] على التفريق بين الذي في علمه أن يختم مؤمنا ، ومن في علمه أن يختم كافرا ، على أن إرادة الهداية مع إرادة ألا يجعل له الحظ في الآخرة على الموعود ـ خلف ، وإرادة من لا تدبير له في فعله ، ولا يتصل به فعله ـ تمنّ في متعارف الأمر وتشهّ (٢) ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله ـ تعالى ـ الإرادة من هذا الوجه ؛ فكان له حق الإرادة وهي التي يوصف بها من فعله الاختيار ثبت أن لله ـ تعالى ـ في فعل العباد فعلا : بحيث فعله يوصف بالإرادة ، وفي ذلك وجوب القول بخلق أفعال العباد.

أو أن يكون المراد من تلك الإرادة ـ إذا (٣) لم تحتمل التمني ، ولا الأمر ـ أن تكون الإرادة [التي تنفي](٤) القهر والغلبة ؛ فيلزم إذا (٥) ثبت نفي القهر ـ الوصف بالإرادة ، وثبت أنه مريد لكل فعل نفي عنه (٦) القهر في وجوده ، وبالله التوفيق (٧).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ)

بما يؤتي [وينفي] ، عليم بما به معاشكم وصلاحكم ، وما به فسادكم وفساد معاشكم ، ونحوه.

(حَكِيمٌ)

وضع كل شيء موضعه ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)

__________________

(١) في ب : وجب في ذلك.

(٢) في أ : التشهي.

(٣) في ب : إذ.

(٤) في أ : بنفي.

(٥) في ب : إذ.

(٦) في أ : منه.

(٧) في ب : المعونة.

١٣٥

قالت المعتزلة : قد أراد الله ـ تعالى ـ توبة من لا يتوب ؛ فيقال لهم : ما التوبة (١)

__________________

(١) التوبة : في اللغة : الرجوع ، وفي الشرع : الندم على معصية من حيث هي معصية مع عزم ألا يعود إليها. وفي شرح المقاصد : ومعنى الندم ـ تحزن وتوجع على أن فعل ، وتمنى كونه لم يفعل ، فمجرد الترك بدون الندم ـ ليس بتوبة. إنما قلنا على معصية ؛ لأن الندم على الطاعة أو المباح لا يسمى توبة. وإنما قلنا من حيث هي معصية ؛ لأن من ندم على شرب الخمر ؛ لما فيه من الصداع وخفة العقل إلى غيرهما من المفاسد ـ لا يكون نائبا شرعا. قال في شرح المقاصد : وأما الندم ؛ لخوف النار أو طمع الجنة ـ فهل يكون توبة؟ فيه تردد ؛ بناء على أنه هو الباعث ، أو الباعث قبحها لكونها معصية ، وهو تابع له ، وكذا وقع التردد في كون الندم ـ على المعصية بقبحها مع غرض آخر ـ توبة ، والحق أن جهة القبح إن كان بحيث لو انفردت لتحقق الندم ـ فتوبة ؛ وإلا فلا. انتهى.

وقوله : «مع عزم ألا يعود إليها» زيادة تقرير للندم ، وليس بقيد احترازي ؛ لأن النادم على أمر لا يكون إلا عازما على عدم العود. وقيل : إن النادم على فعله في الزمان الماضي قد يريد في وقت الندم أن يفعله في الحال والاستقبال ؛ فهذا القيد احتراز عنه ، وردّ بأن الندم على المعصية من حيث هي معصية يستلزم ذلك العزم ، كما لا يخفى ، وزاد البعض في آخر هذا التعريف قوله : «إذا قدر» ، وقال صاحب المواقف : وقولنا «إذا قدر» ؛ لأن من سلب منه القدرة على الزنا ، وانقطع طمعه عن عودة القدرة إليه : كالمجبوب إذا عزم على تركه لم يكن ذلك منه توبة. وكلام صاحب المواقف مبني على أن قوله : «إذا قدر» ـ ظرف للعزم ، وقال شارح المقاصد : ما ذكر صاحب المواقف ليس على ما ينبغي ؛ لإشعاره بأنه لا بد من التوبة من بقاء القدرة. وقد صحح التعريف في شرح المواقف والمقاصد ـ بأن قوله : «إذا قدر» ـ قيد للترك المستفاد من قوله : «لا يعود إليها» ، أي : يجب العزم على أن يترك المعصية على تقدير القدرة ؛ حتى يجب على من عرضت له الآفة : كالجب ـ يعزم على أن يتركها لو فرض وجود القدرة. أقول : قد ظهر من هذا أن مثل المجبوب إذا عزم على ترك الفعل فقط ، ولم يعزم على تركه على فرض وجود القدرة ؛ بل وجد من نفسه أنه لو فرض وجود قدرته ينتفي منه العزم ـ لا تصح توبته. قال شارح المقاصد : وقد شاع في عرف العوام إطلاق اسم التوبة على إظهار العزم على ترك المعصية في المستقبل ، وليس من التوبة في شيء ؛ إذ لم يتحقق الندم والأسف على ما مضى ، وعلامته : طول الحسرة والحزن وانسكاب الدمع ، أي : انصبابه.

شرط المعتزلة في التوبة أمورا ثلاثة :

أولها : الخروج عن المظالم ؛ فإنهم قالوا : شرط صحة التوبة عن مظلمة الخروج عن ثلاثة عن تلك المظلمة يرد المال ، والاستبراء منه ، أو الاعتذار إلى المغتاب واسترضائه أن بلغته الغيبة ونحو ذلك.

وثانيها : ألا يعاود الذنب الذي تاب عنه.

وثالثها : أن يستديم الندم على الذنب المتوب عنه في جميع الأوقات.

وليس شيء من هذا واجبا عندنا في صحة التوبة.

أما الخروج عن المظالم : فقد قال الآمدي : إن من أتى بالمظلمة : كالقتل والضرب مثلا فقد وجب عليه أمران : التوبة ، والخروج عن المظلمة : وهو تسليم نفسه مع الإمكان ؛ ليقتص منه. ومن أتى أحد الواجبين ـ لم تكن صحة ما أتى به متوقفة على الإتيان بالواجب الآخر : كما لو وجب عليه صلاتان ؛ فأتى بإحداهما دون الأخرى. قال في شرح المقاصد قال إمام الحرمين : ربما لا تصح التوبة بدون الخروج من حق العبد كما في الغصب ؛ فإنه لا يصح الندم عليه مع إدامة اليد على المغصوب ؛ ففرق بين القتل والغصب ؛ أقول : وذلك أن المال المغصوب ما دام ـ

١٣٦

عندكم؟ أليس عندكم التوبة : التجاوز والدعاء؟ فإذا وعد أن يتوب ولم (١) يفعل ـ فهل ترك ذلك لا بعجز أو ذلك إلا لعجز أو بداء به ، أو ذلك الوصف له بالعجز أو الجهل ، فنعوذ بالله من الزيغ عن الحق ، والسرف في القول.

وأما تأويله عندنا : والله يريد أن يتوب عليكم في الذي علمه أنهم يتوبون ، أو كان ذلك إخبارا عن قوم أراد الله أن يتوب عليهم فتابوا.

وقال قوم : قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي : يأمر أن يتوبوا ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) الآية

[أي](٢) : من اختار الدنيا على الدين ، والأولى على الآخرة ؛ لهوى يتبعه ، وشهوة تغلبه ، لا لتقصير من الله ـ عزوجل ـ عن البيان ؛ بل لتركهم النظر والتأمل بالعواقب غلبت عليهم شهواتهم ، واتبعوا أهواء أنفسهم : إما رئاسة طلبوها ، وإما سعة في الدنيا بغوها ؛ فذلك الذي يمنعهم عن النظر في العاقبة ، والتأمل في الآخرة ؛ لذلك مالوا ميلا عظيما ، وخسروا خسرانا مبينا ، وضلوا ضلالا بعيدا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)(٣) يحتمل هذا : أنه خفف علينا ، ولم يحمل ما حمل على الأمم السالفة من الإصر والشدائد والأثقال والمشقات ، مما جعل

__________________

 ـ في يد الغاصب ـ كان بمنزلة الملابس لفعل الغصب ، والتوبة عن المعصية لا تصح بدون الإقلاع عنها ؛ كما صرح به في بعض الكتب.

وأما عدم العود فقد قال الآمدي : إن التوبة مأمور بها ؛ فتكون عبادة ، وليس من صحة العبادة الواقعة في وقت ـ عدم المعصية في وقت آخر ؛ بل غاية الأمر أنه إذا تاب عن ذنبه ، ثم ارتكبه ـ يجب عليه توبة أخرى عما ارتكبه.

وأما استدامة الندم فقد قال الآمدي يلزم على تقدير شرط استدامة الندم الخروج ، وأنه يجب لمن نسي الندم إعادة التوبة ؛ لفقد شرط التوبة الأول وهو الاستدامة. وهو خلاف الإجماع ، وبعض العلماء أوجب تجدد التوبة كلما تذكر الذنب ، وهو باطل أيضا ؛ لأنا نعلم بالضرورة أن الصحابة كانوا يتذاكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر ، ولا يجددون الإسلام ؛ فكذا الحال في كل ذنب وقعت التوبة عنه. ينظر نشر الطوالع ص (٣٦٣ ـ ٣٦٩).

(١) في ب : فلم.

(٢) سقط في ب.

(٣) قال القرطبي (٥ / ٩٨) : قيل : هذا في جميع أحكام الشرع ، وهو الصحيح. وقيل : المراد بالتخفيف نكاح الأمة ، أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ؛ قاله مجاهد وابن زيد وطاوس. قال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء. واختلف في تعيين المتبعين للشهوات ؛ فقال مجاهد : هم الزناة. السدي : هم اليهود والنصارى ، وقالت فرقة : هم اليهود خاصة ؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. وقال ابن زيد : ذلك على العموم ، وهو الأصح ، والميل : العدول عن طريق الاستواء ؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تلحقه معرة.

١٣٧

توبتهم قتل بعضهم بعضا ، وجعل توبتنا الندامة بالقلب ، والرجوع عمّا ارتكبوا.

أو أن يقال : خفف عنا ؛ حيث لم يستأصلنا ، ولم يهلكنا بالخلاف له وترك الطاعة ، على ما استأصل أولئك وأهلكهم.

ويحتمل التخفيف عنا ـ أيضا ـ : وهو ما خفف علينا من إقامة العبادات والطاعات ، من نحو : الحج ، والجهاد ، وغيره ، حتى جعل القيام بذلك أخف على الإنسان وأيسر من قيامه بأخف العبادات [والطاعات](١) وأيسرها ، وذلك من تخفيف الله علينا وتيسيره ؛ فضلا منه ورحمة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٢)

يحتمل : أن يكون أراد به الكافر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] وكقوله ـ تعالى ـ : و (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) [المعارج : ٢٠] وقد قيل : كل موضع ذكر فيه الإنسان فهو في كافر من ضعفه يضيق صدره ، ويمل نفسه بطول الترك في النعم حتى يضجر فيها.

ويحتمل : أنه أراد به الكافر والمسلم ، ووضعه في ابتداء حاله أنه كان ضعيفا ؛ كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ).

ويحتمل وصفه بالضعف له ؛ لأنه ضعيف في نفسه ، يمل من الطاعات والعبادات التي جعل الله عليه ، ليس كالملائكة ؛ حيث وصفهم أنهم لا يفترون ولا يستحسرون ، (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ولا كذلك بنو آدم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(٣١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) قال القرطبي (٥ / ٩٨) : والمعنى أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه ، وهذا أشد الضعف فاحتاج إلى التخفيف. وقال طاوس : ذلك في أمر النساء خاصة. وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] أي : وخلق الله الإنسان ضعيفا ، أي : لا يصبر عن النساء. قال ابن المسيب : لقد أتى على ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشو بالأخرى ، وصاحبي أعمى أصم ـ يعني ذكره ـ وإني أخاف من فتنة النساء.

١٣٨

تَكُونَ تِجارَةً)

الظاهر في الثنيا أنه من غير جنس المستثنى ؛ لأنه استثنى التجارة عن تراض من أكل المال بالباطل بينهم ، وأكل المال بالباطل ليس من جنس التجارة ، ولا التجارة من نوع أكل المال بالباطل ، والثنيا في الأصل جعل تحصيل المراد في المجمل من اللفظ ؛ فإذا لم يكن من نوعه كيف جاز؟! لكنه يحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون على الابتداء والائتناف ؛ كأنه قال : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، ولكن كلوا بتجارة عن تراض منكم ؛ وعلى ذلك يخرج قوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] استثنى السلام ، والسلام ليس من جنس اللغو ، لكن معناه ما ذكرنا : لا يسمعون فيها لغوا ، ولكن يسمعون فيها سلاما.

ويحتمل أن يكون في الثنيا بيان تخصيص المراد في المطلق من الكلام ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ) [الحجر : ٥٨ ـ ٥٩] دل استثناؤه آل لوط على أنه أراد بقوم مجرمين قوم لوط خاصّة ؛ لأنه قد كان في قوم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وفي غيرهم أقوام مجرمين (١) ؛ دل الثنيا على مراد الخصوص ؛ فعلى ذلك يدل استثناؤه التجارة عن تراض منهم ـ على أنه أراد بأكل المال بالباطل تجارة عن غير تراض ، وإن كان ـ في الحقيقة ـ يصير مال هذا بمال هذا ، وهو أن يأخذ مال غيره فيتلفه ؛ فيلزمه بدله ؛ فيصير ما عوض من بدله بما أتلفه قصاصا ؛ فهو ـ في الحقيقة ـ تجارة.

أو يحتمل : أن يكون أكل المال بالباطل بينهم ما لا يجوز ولا يطيب ؛ لأن حرف البين لا يستعمل إلا فيما كان البدل من الجانبين ؛ فإذا كان ما وصفنا محتملا ـ كان الثنيا من ذلك من وجه يطيب ، ومن وجه لا يجوز ولا يطيب.

وفيه دليل : أن التجارة هي جعل الشيء له ببدل ، وترك الشيء بالشيء ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] ذكر الشرى ولم يكن منهم إلا ترك الهدى بالكفر ، ثم سمى ذلك تجارة بقوله ـ تعالى ـ : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة : ١٦].

وفيه دلالة : أن البيع يتم بوقوع التراضى بين المتبايعين ، وليس كما قال قوم : لا يتم البيع وإن تراضيا على ذلك حتى يتفرقا عن المكان ؛ فكانوا تاركين ـ عندنا ـ لظاهر هذه الآية ، فإن احتجوا بالخبر الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المتبايعان بالخيار ما لم

__________________

(١) في الأصول : وفي غيرهم من أقوام مجرمين.

١٣٩

يتفرقا» (١) ـ لكن معناه عندنا : أن يقول الرجل للرجل : بعتك عبدي بكذا ، فلصاحبه أن يقول : قبلت البيع ، ما دام في مجلسه.

أو يحتمل : أن يكون إذا قال : بعتك ، كان له الرجوع قبل أن يقول الآخر : قبلت.

على أن قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ما لم يتفرّقا» ، لا يوجب أن يكون تفرقا عن المكان [و](٢) تفرق الأبدان ؛ ألا ترى أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) ، ولا يفهم المعنى من ذلك تفرق المكان والأبدان ؛ ولكن وقع ذلك على القول والطلاق.

على أن في الآية بيان تمام البيع بوجود التراضي بقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ). ومما يدل على ذلك ـ أيضا ـ : قوله ـ تعالى ـ : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) [البقرة : ٢٨٢] فلو كان البيع لا يتم بالتراضي ؛ فمتى يشهد : قبل التفرق أو بعد التفرق؟ إن أشهد قبل التفرق ، فهل المقر صادق في أن لصاحبه عليه الثمن أو كاذب ؛ إذ كان البيع لم يتم ، وما ينفعه الإشهاد إن كان للمقر أن يبطل إقراره برد السلعة.

وإن كان إنما يشهد بعد التفرق فقد يجوز أن يتلف المال بالتفرق قبل الإشهاد ؛ فأين التحصين الذي أمر الله تعالى؟!

ومما يدل على تأويلنا في الخبر : ما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا من بيعهما ، أو يكون بينهما خيار» ، وما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا ، ولا يحلّ لأحد أن يعجّل فراقه خشية أن يستقيله» (٣).

وقوله : «يستقيله» يدل على أن ليس له أن يرده إلا بأن يقيله صاحبه ؛ ويدل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لم يتفرّقا من بيعهما» ـ على أن التفرق هو الفراغ من عقد البيع لا غيره.

ومما يدل على أن الخيار ليس بواجب : قول عمر ـ رضي الله عنه ـ إن البيع عن صفقة أو خيار ؛ فكان موافقا لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ يقول : دل قوله ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا ...) إلى قوله : (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ـ على الإذن في الأكل إذا وجدت التجارة عن تراض من الناس ، والتجارة معروفة عند جميع من له عقل ، ومعروف أن تفرق

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ٣٢٦) في البيوع : باب كم يجوز الخيار (٢١٠٧) وفي (٤ / ٣٢٨) في باب البيعان ما لم يتفرقا (٢١١١) ، ومسلم (٣ / ١١٦٣) في كتاب البيوع : باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (٤٣ / ١٥٣١).

(٢) سقط من ب.

(٣) تقدم.

١٤٠