تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٣

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٦٢

ثم معلوم أن يملك الزوج فيها ما به يحل لغيره من الفراق حضرة فعله ، فلما دخل عجز [عن](١) ذلك بما أحدث له فيها الاستمتاع بها حقّا بعد الفراق أبقاها على ما سبق من الوصل بلا فراق ؛ فعلى ذلك ما فيه من الحق ؛ إذ ذلك واجب بما فيه الشرك على أنها في بقية ملك له بنكاح عملت فيها بقية ملكه عمل صلة ملكه فمثله فيه ، وقد ألحق بعض من أنكر حرمة الجمع في العدة بالوطء (٢) حرمة ما نزل منها من اللبن على احتمال درور دونه ، ودون الولد بما كان هو سببا في ذلك كانت حرمة العدة أحق بذلك.

فالأصل : أن الحرمة قد ثبتت (٣) بالنكاح ، فلما وقعت الفرقة أشكل زوالها ؛ فلا يزال بالشك مع ما في الإزالة تعليق الحرمة بالحل أو بالملك خاصة ، وقد بينا وجوبها لا لتلك الوجوه.

ثم الأصل في النكاح : أن المقصود منه الاستمتاع ، وبحله يحل هو ، وبحرمته يحرم ؛ فيجب أن يكون هو الأصل للتحريم والتحليل ، وعلى هذا [يحرم كثير](٤) من الإماء في حق الاستمتاع بهن ، وإن لم يحرم فيهن الملك ، ويحرم بالاستمتاع في ذلك ، وإن كان الملك لا يوجب الحرمة ؛ فإذا ثبت أن الاستمتاع أحق في التحريم ، والعدة حق الاستمتاع ـ أوجبها ، فيجب أن تكون هي محرمة ؛ لذلك لم يجز نكاح الأخت فيها مع ما كانت موجبة الحرمة فيها أكثر مما يوجب في ملك اليمين ، ثم كان الاستمتاع بملك اليمين يحرم الاستمتاع بالأخت ، فالعدة التي هي مجعولة لتأكيد الحرمات وقطع المجعول للحل خاصّة أحق أن يمنع ، والله أعلم.

وعلى ما بينا إذا (٥) ثبت أن الاستمتاع هو الأصل في التحريم ، سواء له وقع من وجه يحل أو لا فيهن الحرمة حرمة الأنفس ، لا حرمة الجمع ؛ إذ لا أثر يقع له جمع.

ثم الأصل في ذلك أن تعلق الحرمات بالمحرم من الأعيان أظهر منه بالمحللة منها ، ثم كان الاستمتاع بالأعيان المحللة توجب حرمة الأمهات والبنات فهو في المحرم أحق مع ما لا يخلو أن تكون الحرمة لا تجب إلا فيما يحل ، فيجب ألا يجب في النكاح الفاسد ، ولا في وطء جارية بعد وطء الابن ، أو الملك فيهما (٦) أيضا زائل بالنسب (٧) ، فيجب ألا

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : بالواطئ.

(٣) في ب : تثبت.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : تحريم كثيرا.

(٥) في ب : إذ.

(٦) في ب : وفيهما.

(٧) في ب : أو بالنسب.

١٠١

تجب الحرمة فيما لا يكون منه نسب ، أو في وقت لا يتمكن ، أو بإيجاب الحقوق ، فيجب ألا تجب في مماسة الأمة دون الفرج ، أو للاستمتاع خاصة ؛ فيجب استواء حال السفاح والنكاح.

وقوله ـ عزوجل ـ : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ)

قال بعضهم : هو كناية عن الجماع.

لكنه عندنا : الدخول بها : هو أخذه يدها في إدخالها في موضع الخلوة والجماع ، لا نفس الجماع ، كما يقال : فلان دخل بفلان موضع كذا ، لا يراد به عين الدخول به المعروف ، وهو أخذ اليد والدخول فيه ؛ لذلك قلنا بأنه إذا أدخلها في موضع وخلا بها ، وجب كمال المهر بظاهر الآية ، ووجبت الحرمة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ أيضا : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) كنى به عن الجماع من حيث لا يكون الجماع إلا بالدخول بها مكانا يسترهما ، وإلا فحقيقة الدخول بآخر ليس بجماع ، ولا يصلح القول به مطلقا دون ذكر المكان ، إلا في المرأة بما يعلم أنها لما ذا يدخل؟ وفيم يدخل؟ فجائز أن يكون في الحرمة على حق الكناية ، والمراد منه الجماع ، وجائز على حقيقة الدخول بها مكانا لذلك ؛ إذ هو الظاهر ، وهذا الثاني يكون بأخذ يدها أو شيء منها ؛ ليكون هو الداخل بها لا هي ، ووجوده لا يكون إلا للشهوة ؛ فيكون هو المذكور للحرمة ، فإذا لم يظهر حقيقة المراد يجب الاحتياط في إيجاب الحرمة من كل وجه ، أو تحقيق هذا ؛ إذ هو أظهر له ، وله أدلة ثلاثة :

أحدها : ما روي : «ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها» (١) أنه أوجب اللعن بالنظر ، فلو لا أن نظر الأول قد حرم الثاني لم يلحقه به اللعن ، ثم النظر دون اللمس في العبادات والأحكام ، فاللمس أحق في إيجاب الحرمة.

والثاني : ما بينا أن علة الحرمة الاستمتاع ، ومعلوم أن معناه في القبلة والمباشرة أعلى منه في السبب الذي يقضى به الاستمتاع ، وهو النكاح ، وقد أوجب له ، فالقبلة أحق أن يوجب لها ، وذلك كما أوجب بسبب الحدث ـ وهو النوم ـ حكمه ، ثم لا يجب إلا في

__________________

(١) أخرجه الدارقطني (٣ / ١٨٨) : كتاب النكاح ، رقم (٩٢) ، ولفظه : «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها» ، عن عبد الله بن مسعود ، قال الدارقطني : موقوف ، وليث وحماد ضعيفان.

وليث هو ابن أبي سليم ، وحماد هو ابن أبي سليمان وهما ضعيفان.

قال الحافظ ابن حجر في التقريب ـ ترجمة (١٥٠٨) ـ عن حماد : فقيه صدوق له أوهام ، ورمي بالإرجاء.

وقال في ترجمة (٥٧٢١) عن ليث : صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه ؛ فترك.

١٠٢

حال دون حال ، وقد يجب لنفس الحدث على كل حال ، فمثله سبب الاستمتاع من حقيقته ، والله أعلم.

والثالث : أن كل أنواع الاستمتاع في الحرمة والحل متصل بالجماع ، وبخاصة في حقوق الأملاك ؛ فعلى ذلك في فسخ الأملاك وتحريمها ، على أنه يبعد أن يكون المرء يستمتع بالمرأة عاما ثم يستمتع بها ولدها ، وكذلك بابنتها دون الفرج ، أو أن يكون من لا يقدر على الإيلاج لعنّة أو جبّ يرتفع عنه الحرمة أبدا ، فيشترى أمّا وابنة ويستمتع بهما أبدا ، وذلك بعيد ؛ فيجب الحرمة من الوجه الذي ذكرت.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).

يحتمل ذكر الصلب وجوها :

أحدها : يحتمل أن يكون ذكر الصلب ؛ ليعلم أن الحرمة في حليلة الولد كهو في الولد الصلب ، وكذلك الحرمة في حليلة ابن الرضاع كهي في حليلة ابن الصلب ؛ على ما كانت في محارم الرضاع ، وإن لم يذكر : نحو أن ذكر أمّهات الرضاع وأخواته ، ولم يذكر غيرها ، ثم دخل ما دون ذلك في الحرمة ؛ فعلى ذلك هذا.

وقال بشر : دل تخصيص الأصلاب على فسخ حرمة حليلة الابن عن الرضاعة ؛ إذ لا يكون من الرضاع ابن.

قلنا : لو لم يكن من الرضاع ابن لم يكن لذكر الصلب للابن معنى ولا فائدة ؛ دل أنه يكون من الرضاع ابن على ما يكون من النسب ، وأن الحرمة من الرضاع كهي في النسب ، وإن كانوا في الحقوق مختلفين (١) : نحو العتاق ، يعتق بعض على بعض ، ويوجب لبعض في أموال بعض النفقة ، وحقوق بمثلها لا توجب في محارم الرضاع ، وذلك ـ والله أعلم ـ أن الرضاع انتفاع ، والنسب حدوث نفس بعضهم من بعض ، فإذا كان كذلك لم يوجب الرضاع إلا حرمة الانتفاع خاصّة ، وهو الاستمتاع ، وأمّا النسب فهو كون الولد منه ، وحدوث نفسه منه ؛ فأوجب مع ذلك حقوقا ، ولأن في إقرار بعضهم في يد بعض ـ مماليك وعبيدا ـ قهرا وغلبة لم يوجب ذلك ؛ فما لم يحصل لبعضهم قهر بعض ، لذلك كان الجواب ما ذكر.

وقيل : إنه ذكر أبناء الأصلاب ؛ وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوج امرأة زيد بن حارثة (٢) بعد ما

__________________

(١) في ب : مختلف.

(٢) زيد بن حارثة بن شراحيل الكعبي ، سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيدا ؛ لمحبة قريش في هذا الاسم ، وهو من أوائل الذين أسلموا ، شهد بدرا وما بعدها ، وقتل في غزوة مؤتة وهو أمير ، وهو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه صراحة في القرآن الكريم. ـ

١٠٣

طلقها ، وقد كان تبناه ، فعابه المنافقون على ذلك ، وقالوا : تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأة ابنه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)(١).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)

يحتمل قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وجوها :

يحتمل الجمع بينهما في العقد ، وقد أجمعوا : أنه إذا لم يجمع بينهما بالعقد ولكنه تزوج إحداهما ، ثم تزوج أخرى ، لم يحل (٢) له نكاح الأخرى ؛ دل أنه لم يرد به الجمع في العقد.

أو يحتمل الجمع في الملك ، وقد أجمعوا ـ أيضا ـ : أن له الجمع بينهما في ملك اليمين ؛ فدل أنه إنما أراد الجمع بينهما في الاستمتاع ، وإذا استمتع بإحداهما بنكاح ، ثم فارقها ، لم يحل له أن يتزوج أختها ، والأولى في عدة منه من طلاق بائن ؛ لأن الاستمتاع هو الذي حبسها عن الأزواج ؛ فكان كالجمع بينهما في الاستمتاع ، ولأن المعنى الذي به حرم الجمع في ملك النكاح ، ذلك إذا كانت في عدة منه موجود ، وهو خوف القطيعة فيما بينهما ، والله أعلم.

ولأن (٣) أكثر أحكام الزوجات قائم فيما بينهما : نحو الإسكان ، والإنفاق عليها ، وإلحاق الولد ، وغير ذلك من الحقوق.

وعن على ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل عن رجل طلق امرأته ، فلم تنقض عدتها حتى تزوج أختها ، ففرق علىّ بينهما ، وجعل لها الصداق بما استحل من فرجها ، وقال : تكمل الأخرى عدتها ، وهو خاطب.

وعن زيد بن ثابت أنه سئل عن رجل تحته أربع نسوة ، فطلق إحداهن ثلاثا ، أيتزوج رابعة؟ فقال : لا ، حتى تنقضي عدة التي طلق.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ مثله.

واختلف في الجمع بين الأختين من ملك اليمين : عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل

__________________

ـ تنظر ترجمته في : الإصابة : ترجمة (٢٨٩٧) ، أسد الغابة ترجمة (١٨٢٩) ، الاستيعاب : ترجمة (٨٤٨).

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٤٩ ـ ١٥٠) (٨٩٦٠).

وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٣) وزاد نسبته لعبد الرزاق في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ، وعزاه لابن المنذر من وجه آخر عن ابن جريج.

(٢) في ب : يجعل.

(٣) في ب : أولا.

١٠٤

عن المرأة وأختها من ملك اليمين ، هل توطأ بعد الأخرى؟ قال : ما أحب أن أجيزهما جميعا ، ونهي عنه (١).

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه حنث في الأختين من ملك اليمين ، فقال : حمل أحدكم ملك اليمين.

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : يحرم من جمع الإماء ما يحرم من جمع الحرائر إلا العدد (٢).

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن رجل له أمتان أختان ، وقع على إحداهما أيقع على الأخرى؟ قال : لا ؛ ما دامت في ملكه (٣).

وأجمعوا ـ أيضا ـ على أنه إن تزوج بامرأة فاشترى أختها لم يحل له أن يطأها (٤) ؛ إلى هذا ذهب أصحابنا ؛ رحمهم‌الله.

ثم إذا طلق امرأته وانقضت عدتها أو ماتت ، حل له أن يتزوج أختها ، ولم يحل له أن يتزوج بأمها ، وذلك ـ والله أعلم ـ بأن الحرمة في الأخت في نفسها وليس في ولدها ، والحرمة في الأم والابنة (٥) في أنفسهما ، وفي ولدها ، فإذا كانت الحرمة في الأخت من وجه ، وفي الأم من وجهين ، ففيما كانت الحرمة من وجه كانت حرمة الجمع لا حرمة تأبيد ، وفيما كانت من وجهين حرمة جمع وحرمة تأبيد ؛ لأنها تأدت إلى أولادها ، وفي الأخت لم يتأد ؛ لذلك اختلفا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)

يحتمل : إلا ما قد سلف قبل التحريم في الجاهلية ، فإنهم إذا انتهوا عن ذلك في الإسلام ، يغفر الله لهم.

ويحتمل قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) وإن كان محرما في ذلك الوقت فإنهم إذا انتهوا عن ذلك بعد الإسلام يغفر ذلك لهم ، ويتجاوز عنهم ، فهم كما ذكرنا في قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً).

__________________

(١) أخرجه عبد الرزاق (٧ / ١٨٨) (١٢٧٢٥).

وذكره السيوطي (٢ / ٢٤٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عمر بن الخطاب.

(٢) أخرجه البيهقي في الكبرى (٧ / ١٦٣) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٤) وزاد نسبته لابن المنذر عن ابن مسعود.

(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى (٧ / ١٦٥) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد.

(٤) في ب : يطأهما.

(٥) في ب : والبنت.

١٠٥

يحتمل : كان في ذلك الوقت فاحشة.

ويحتمل : كان فاحشة ، أي : صار فاحشة في الإسلام.

قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(٢٤)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) اختلف في تأويله : قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «والمحصنات عن النساء إلا ما ملكت أيمانكم» قال : ذات الأزواج من المسلمين والمشركين (١).

وقال على ـ رضي الله عنه ـ : ذات الأزواج من المشركين.

وذهب عبد الله في تأويل الآية إلى أن بيع الأمة طلاقها ؛ فيحل للمشتري وطؤها ، وأسر الكتابية والمشركة يحلها لمولاها ؛ وإن كان لها زوج في دار الحرب.

وذهب علي ـ رضي الله عنه ـ إلى أن الآية نزلت في المشركات.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : كل ذات زوج إتيانها زنا ؛ إلا ما سبيت (٢).

وروي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : وقعت في سهمي يوم أوطاس (٣) جارية ، فبينا أنا أسوقها إذ رفعت رأسها إلى الحل فقالت : ذلك زوجى ؛ فأنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ...) الآية ، قال أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ : فاستحللنا فروجهن بها (٤).

بيّن أبو سعيد [الخدري](٥) في حديثه أن الآية نزلت في المشركات ذات الأزواج ،

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٥٥) (٨٩٧٢) ، (٨ / ١٦١) (٩٠٠٤).

وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٧) وزاد نسبته للفريابي وابن أبي شيبة والطبراني ، وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٥١) (٨٩٦١ ، ٨٩٦٢).

وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس.

(٣) أوطاس : واد في ديار هوازن ، وهناك عسكروا هم وثقيف إذ أجمعوا على حرب سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالتقوا بحنين ورئيسهم مالك بن عوف النصري.

انظر : معجم ما استعجم (١ / ٢١٢).

(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٥٣ ـ ١٥٥) (٨٩٧٠ ، ٨٩٧١) بهذا اللفظ ، ورواه أحمد (٣ / ٨٤) ، ومسلم (٢ / ١٠٧٩) في كتاب الرضاع : باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء (١٤٥٦) ، وأبو داود (١ / ٦٥٣) في النكاح : باب في وطء المسبية (٢١٥٥) ، بنحوه.

(٥) سقط من ب.

١٠٦

وكأن حديثه يقوّى قول علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ومن وافقه.

وقيل ـ أيضا ـ في تأويل الآية : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : والمحصنات من النساء حرام على الرجال إلا ما ملكت يمينك ، قال : ملك يمينه امرأته.

وعن أبي قلابة (١) قال : ما سبيتم من النساء ، إذا سبيت المرأة ولها زوج من قومها ، فلا بأس أن يطأها.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) قال : لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة وما زاد عليهن ، فهو عليه حرام كأمه وابنته وأخته (٢) : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الإماء فإنه على أربع ، وأكثر من أربع.

وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٣) هنّ نسائكنّ نصيبهن ، يهاجرن ولا يهاجر أزواجهن ، فمنعناهن في هذه الآية (٤) ، ثم أنزل الله ـ عزوجل ـ في الممتحنة : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] حللن لنا بعد أن نتزوجهن ، وفيه نهى عن الزنا وأباح التزويج ، فجعلوا ملك اليمين التزويج.

وأصلح التأويلين وأولاهما بالقبول ما روي عن على [بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ](٥)

__________________

(١) هو عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي ، أبو قلابة ، أحد الأئمة ، روى عن عائشة وعمر ، وحذيفة وابن عباس وغيرهم ، وروى عنه قتادة وأيوب وعاصم الأحول وغيرهم ، كان من الفقهاء ذوي الألباب ، ثقة كثير الحديث. مات سنة ١٠٤ ه‍.

تنظر ترجمته في : تقريب التهذيب : ترجمة (٣٣٥٣) ، خلاصة الخزرجي (٢ / ٥٨).

(٢) رواه عبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن عباس ؛ كما عزاه لهما السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٧).

(٣) قال القرطبي (٥ / ٨١) : قالوا : معناه بنكاح أو شراء. هذا قول أبي العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ، ورواه عبيدة عن عمر ؛ فأدخلوا النكاح تحت ملك اليمين ، ويكون معنى الآية عندهم في قوله تعالى : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٢٤] يعني تملكون عصمتهن بالنكاح ، وتملكون الرقبة بالشراء ، فكأنهنّ كلهنّ ملك يمين وما عدا ذلك فزنى ، وهذا قول حسن. وقد قال ابن عباس : «المحصنات» العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب. قال ابن عطية : وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنى ؛ وأسند الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها. وأسند أيضا عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل قوله : «والمحصنات» إلى قوله «حكيما» قال ابن عطية : ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ، ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟

(٤) أخرجه ابن جرير الطبري (٨ / ١٦٤) رقم (٩٠١٢) ، وعزاه له السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٧).

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

١٠٧

وابن عباس ـ رضي الله عنه ـ لما (١) روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ، وظاهر القرآن يدل على أن ذلك هو الحق ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد فصل في غير هذا الموضع بين التزويج وملك اليمين ، فجعل ملك اليمين الإماء ؛ ألا ترى إلى قوله : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) [المؤمنون : ٦] [و] قال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) [الأحزاب : ٥٢] فهاتان (٢) الآيتان تدلان على أن قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آية المحصنات : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) على غير الأزواج ، كما روي عن الجماعة من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ الذين ذكرناهم ، ثم الكلام بين على وابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ ونحن نعلم أن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أوجب على الأمة إذا باعها مولاها ولها زوج ـ العدة ؛ إذا كان قد دخل بها ، وأنها عنده لا تحل لمولاها حتى تنقضى عدتها ، فلم يجعلها حلالا للمولى الثاني بملكه إيّاها ؛ فكان قول على ـ رضي الله عنه ـ أشبه بظاهر الآية ؛ لأنه تأول الآية على متزوجة تحل بالملك لمولاها في حال الملك من قول عبد الله ؛ إذ جعلها محرمة وإن كانت مملوكة حتى تمضي (٣) عدتها.

وفي ذلك وجه آخر : وهو أن الله ـ تعالى ـ قال : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وعند الله يحرمها على البائع ويحلها للمشترى ، ولم يخص الله ـ تعالى ـ أحدا من المالكين.

[وروي عن](٤) علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ حمل الآية على امرأة كافرة متزوجة سبيت ، فأحلها الله ـ تعالى ـ : هي لمالكها ، فلم تعرف من حال المملوكة ، هذا مع موافقة الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري ، رضي الله عنه.

وظاهر الآية يدل على أن المأسورة ذات الزوج لا عدة عليها ، وهو قوله ـ تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ...) إلى قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] فأمر ألا يردهن إليهم وينكحهن ، فلما جاز أن يتزوج الحرة إذا خرجت مسلمة ولا عدة عليها ، حلت إذا سبيت فملكت قبل أن تعتد.

والثاني : إنها كانت حرة ، فأبطل السبي حكم الحرية والزوجية ، فكذلك يبطل حكم العدة.

هذا كله إذا سبيت ولم يكن معها زوجها ، فأمّا إذا سبيت وزوجها معها ، فإن الفرقة لا

__________________

(١) في ب : ولما.

(٢) في ب : فهاذان.

(٣) في الأصول : تبقى.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : وعن.

١٠٨

تقع بينهما ؛ لأنها لو بانت من زوجها بانت للرق ، والرق لا يمنع ابتداء النكاح كيف يعمل في فسخ نكاح ثابت؟ ولكن اختلاف الدارين هو الموقع فيما بينهما الفرقة ؛ لفوت الاجتماع بينهما ، وإذا فات الاجتماع بين الزوجين والإياس عن الانتفاع وقعت الفرقة فيما بينهما ، وهذا يبطل قول من يقول : إنه تقع الفرقة فيما بينهما للرق.

والثالث : أنّ العدّة حق من حقوق الزوج ؛ يبين ذلك قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) [الأحزاب : ٤٩] فلا يجوز أن يبقى للحربي على المسلمة الخارجة إلى دار الإسلام حق ، فإذا لم تكن عليها العدة لها أن تتزوج ، وسبيل الأمة المسبية مسألة الحرة المسلمة ؛ لأن حكم الإسلام قد جرى عليها ؛ فحلت للمولى وإن كان لها في دار الحرب زوج.

ومن الدليل ـ أيضا ـ على أن المسبية ذات الزوج يحل تزوجها ووطؤها لمولاها : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوج صفية بنت حيى بن أخطب (١) في رجوعه من خيبر قبل أن يصل إلى المدينة (٢) ، ومعلوم أنه كان لها زوج كبير ، وأن عدّتها منه لو كانت واجبة لم تنقض في تلك المدة ؛ فهذا يبين ألا عدة على مسبية من زوجها المقيم في دار الحرب ، ولا على مسلمة إذا خرجت من دار الحرب ، وأقام زوجها هنالك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ...) الآية.

قيل فيه بأوجه ثلاثة :

أحدها : في المسبية ذات الأزواج ، وكذلك روي عن على وأبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ فيكون فيه أمران :

أحدهما : الحرمة على الأزواج.

والثاني : ارتفاع العدة ؛ إذ هما حقان للحربي ، وحقه في نفسه لا يمنع الاسترقاق ، ولو كانت حرّة الاستمتاع فمثله في زوجته ، لكن يدخل على هذا سبي الزوج معها أن الرق قد ثبت فيهما ولم يبطل النكاح ؛ فيجاب لهذا بوجهين :

أحدهما : الاستحسان من حيث يلزم المولى حق الإنكاح بقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ ...) الآية [النور : ٣٢] ، فلم يبطل عليه التجديد ، وليس هذا في سبي الزوجة ؛

__________________

(١) هي أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب ، من بني النضير ، تزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعل صداقها عتقها ، بعد أن سبيت في خيبر ، روت أحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ماتت سنة ٣٦ ه‍.

ينظر : الإصابة ترجمة (١١١٤٠٧) ، أسد الغابة : ترجمة (٧٠٦٣).

(٢) أخرج البخاري (٢ / ٣١ ـ ٣٢) (٣٧١) في الصلاة : باب ما يذكر في الفخذ ، ومسلم ٢ / ١٠٤٣ ـ ١٠٤٤ في النكاح : باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (١٣٦٥).

١٠٩

فلا تعفف لها به ، وهو في دار الحرب.

والثاني : أن يكون الزوج وحق الرق إنما يجب إذا أخرج المرء من يد نفسه ، والمملوك قد يكون له يد في النكاح ، فكأنها لم تخرج من يده إذا سبي معها ، وإذا لم يسبيا لا يكون لمن في دار الحرب يد في دار الإسلام.

وفي حق الآية عبارة أخرى : أنها إذا سبيت دونه انقطعت عنها عصمة الزوج ، وقد جعل الله ـ تعالى ـ انقطاع عصمته بسبب حل غيره ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ...) إلى قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) [الممتحنة : ١٠] وقد جعل ذلك في الزوج سببا لقطع عصمته بقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) [الممتحنة : ١٠] وعصمة الزوجين عصمة مشتركة ، أيهما خرج مسلما خرج لئلا يعود ، وكذلك المختلف يختلف لئلا يخرج ؛ فبطلت العصمة بينهما ، وأحل التناكح ، ولو خرجا معا لا ، فمثله أمر السبي.

وتأويل آخر : أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ...) الآية إلى قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ...) الآية ، على ألا يحل وراء الأربع إلا ملك يمين ، وعلى هذا في غير ذات الأزواج ، وقد روي مثله عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ويكون في ذلك بيان ما كانت حرمته من حيث العدد ، ويختص في النكاح ، فإن كان النكاح وملك اليمين فيما كانت الحرمة من حيث المنكوحة يستوي من حيث كانت حرمة العدد بحيث العقد بما فيه من الحقوق التي لا يقوم لها إلا بشر قد عصم ، وملك اليمين لا يجب فيه ذلك ، وما كانت الحرمة بحيث نفس المرأة تستوى لاستواء الملكين في حق الحل والحرمة.

ووجه آخر : قيل : المحصنات : هن الحرائر (١) ، وما ملكت أيمانكم بالنكاح ، فذهب (٢) من يقول بهذا إلى ما لو لم يذكر «أيمان» ، ولكن قال : «المحصنات من النساء إلّا ما ملكتم» ؛ فيكون التحريم في غير النكاح ، لكنه بعيد على المعهود من الكلام أنه لا يتكلم به إلا في ملك اليمين خاصّة ، ويجوز جعل الأمرين من الإماء على خطر وطء الزانيات على الموالى ، واختيار المتعففات منهن لمكان الأولاد.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٦٣) (٩٠١٠) عن عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي ، و (٩٠١١) عن الزهري.

وذكره السيوطي (٢ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨) وزاد نسبته لابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر عن أنس ابن مالك.

(٢) في ب : فمذهب.

١١٠

وقوله ـ تعالى ـ : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)

قيل : كتب الله عليكم ما ذكر مما مرّ في هؤلاء الإناث (١).

وقال الكسائي (٢) : نصب كتاب الله على قوله : حرم كذا وأحل كذا ، كتاب الله عليكم ؛ على الأمر ؛ يقول : عليكم كتاب الله ، ودونكم كتاب الله ، اتبعوا كتاب الله ، في نحو هذا المعنى.

وقيل : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) يقول : هذا حرام الله عليكم في الكتاب (٣).

وقيل : هذا التحريم من النكاح قضاء الله عليكم في الكتاب (٤).

وقوله ـ جل وعزّ ـ : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٥) اختلف فيه :

قيل : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : ما سوى ذلكم ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٦) ؛ دليله قوله : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) [البقرة : ٩١] أي : سواه.

وقيل : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : ما قبله وأمامه ، وهو كقوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) [الكهف : ٧٩] وهو كان أمامهم.

وقيل : (وَراءَ ذلِكُمْ) أي : بعد ذلك وخلفه ، وهو ظاهر.

ومن قال سوى ذلك يقول : أحل لكم ما سوى ذلكم الذي حرم عليكم ما لم يسم لكم.

ومن قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) : أمام ذلك وقبله ، وهو ما ذكر قبل هذه المحرمات : قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣].

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٠) (٩٠٢٠) عن ابن زيد.

(٢) على بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام أبو الحسن الكسائي إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة المشهورين ، وهو من أهل الكوفة ، واستوطن بغداد توفي سنة تسع وثمانين ومائة وقيل غير ذلك ينظر : بغية الوعاة للسيوطي (٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤).

(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٠) (٩٠١٥) عن إبراهيم النخعي ، (٩٠٢٠) عن ابن زيد.

(٤) انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣).

(٥) قال القرطبي (٥ / ٨٢) : روى مسلم وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» ، وقال ابن شهاب : فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة ، وقد قيل : إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها ؛ لأن الله ـ تعالى ـ حرم الجمع بين الأختين ، والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع بين الأختين ؛ أو لأن الخالة في معنى الوالدة ، والعمة في معنى الوالد. والصحيح الأول ؛ لأن الكتاب والسنة كالشيء الواحد ؛ فكأنه قال : أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب ، وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليه‌السلام.

(٦) انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤).

١١١

ومن قال : (ما وَراءَ) : بعد ، أي : ما بعد الأربعة الأصناف المحرمة : المحرمات بالنسب ، والمحرمات بالرضاعة ، والمحرمات بالصهر ، والمحرمات بالجمع ، يقول : أحل لكم ما بعد هؤلاء الأربعة الأصناف.

وقيل في قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) : هن المتعففات من الإماء (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من الإماء المسافحات الزانيات (١) ، كأنه قال : فاستمتعوا بالمتعففات منهن ولا تستمتعوا بالزانيات ؛ لأنهن يلبسن عليكم النسب ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣].

وقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ)(٢) بين الله ـ تعالى ـ أن النكاح لا يكون إلا ببدل يكون مالا ؛ لأنه قال : (بِأَمْوالِكُمْ).

وفي الآية دلالة ـ أيضا ـ على أن ما يملك ولا يقع عليه اسم المال لا يكفينّ مهرا ؛ لأنه قال : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) ولا يسمّى الدانق (٣) والحبة (٤) : مالا ، ولو كانت الحبة مالا كانت (٥) التمرة مالا ، فثبت بما وصفنا من دلالة الآية أن المهور لا تكون إلا من الأملاك.

فإن قيل : روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لرجل : «قد زوّجتكها بما معك من القرآن» (٦) ، قيل : تأويله عندنا ـ والله أعلم ـ : «بما معك من القرآن» أي : من أجل ما معك من القرآن ، ولا يجوز أن تكون السورة مهرا بدليل الكتاب ؛ لأنها ليست بمال ، وكذلك كل شيء ليس بمال ولا يكون له قيمة ، فلا يجوز أن يكون مهرا ، وكذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] يدل على أن السورة وما لا يتمول لا يكون مهرا.

وروي عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ تزوج على وزن نواة من

__________________

(١) أخرجه ابن جرير بمعناه (٨ / ١٦٠) (٨٩٩٨) عن ابن عباس ، و (٨٩٩٩) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٢) قال القرطبي (٥ / ٨٤) : أباح الله ـ تعالى ـ الفروج بالأموال ولم يحصل ، فوجب إذا حصل بغير المال ألا تقع الإباحة به ؛ لأنها على غير الشرط المأذون فيه ، كما لو عقد على خمر أو خنزير أو ما لا يصح تملكه.

(٣) الدانق : من الأوزان. هو سدس الدرهم والدينار.

ينظر : لسان العرب (٢ / ١٤٣٣) (دنق).

(٤) الحبة من الشيء : القطعة منه.

ينظر : لسان العرب (٢ / ٧٤٥) (حبب).

(٥) في ب : وكانت.

(٦) أخرجه البخاري (١٠ / ٢٥٧) كتاب النكاح : باب التزويج على القرآن وبغير صداق (٥١٤٩) ، ومسلم (٢ / ١٠٤٠ ـ ١٠٤١) كتاب النكاح : باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد ، (١٤٢٥).

١١٢

الذهب (١).

قلنا : وزن نواة من الذهب يكون دينارا.

فإن قيل : قد بين في الخبر قيمتها ثلاثة دراهم وثلث ، لكن لا ندري من كان المقوم للنواة ، ولا يجوز أن يجعل تقويم ذلك المقوم وتفسيره حجة على علمائنا حتى نعلم ذلك ، مع ما قال قوم : إن النواة عشرة دراهم ، وهو ما قال إبراهيم (٢).

فإن قيل : روي عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أعطى فى نكاح ملء كفّه طعاما أو دقيقا أو سويقا فقد استحلّ» (٣).

وكذلك يقول أصحابنا ـ رحمهم‌الله ـ ولكن يتم لها عشرة دراهم ، ولم يقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ولا شيء عليه سوى ذلك مع ما يقول المخالف لنا إذا كان المهر مما لا يتمول (٤) لم يكن مهرا ، وملء الكف من الطعام لا يتمول ، وإن جعل ذلك مهرا فقد ترك أصله : أن ما لا يتمول فليس بمهر ، فكذلك ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «زوّجتكها بما معك من القرآن» (٥) ولم يذكر أن ليس عليه سوى ذلك ، وأهل العلم مجمعون على أن السورة لا تكون مهرا.

ومن الحجة لعلمائنا ما روي عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا مهر دون عشرة» (٦).

وروي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : «لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم» (٧).

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ مثله.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٠ / ١٤٥ ـ ١٤٦) في النكاح : باب قول الرجل لأخيه : انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها (٥٠٧٢) ، ومسلم (٢ / ١٠٤٢ ـ ١٠٤٣) في النكاح : باب الصداق وجواز تعليم قرآن وخاتم حديد (١٤٢٧).

(٢) هو إبراهيم بن سويد النخعي الكوفي الأعور روى عن علقمة والأسود ، وروى عنه سلمة بن كهيل وزبيد اليمامي ، قال النسائي : هو ثقة.

وقال الحافظ ابن حجر : ثقة ، لم يثبت أن النسائي ضعفه.

ينظر : خلاصة الخزرجي (١ / ٤٦) ، تقريب التهذيب ترجمة (١٨٦).

(٣) أخرجه الدارقطني (٣ / ٢٤٣) بلفظه في كتاب النكاح : باب المهر ، وأحمد (٣ / ٣٥٥) ، وأبو داود (١ / ٦٤٢) في النكاح : باب قلة المهر (٢١١٠). والبيهقي في السنن (٧ / ٢٣٨).

(٤) يتمول : يقال : تمول فلان مالا : إذا اتخذ قنية.

ينظر : لسان العرب (٦ / ٤٣٠٠) (مول).

(٥) تقدم تخريجه قريبا.

(٦) أخرجه الدارقطني (٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧) في النكاح : باب المهر.

والبيهقي في السنن (٧ / ١٣٣ ، ٢٤٠) ، وأبو يعلى في مسنده (٤ / ٧٢ ، ٧٣) (٢٠٩٤) ، وذكره الزيلعي في نصب الراية (٣ / ١٩٦) وعزاه للدارقطني والبيهقي عن جابر ، وذكروه والهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٨٥) وقال : رواه أبو يعلى ، وفيه مبشر بن عبيد ، وهو متروك.

(٧) أخرجه البيهقي (٧ / ٢٤٠) في الصداق : باب ما يجوز أن يكون مهرا.

١١٣

على أن أهل العلم أجمعوا أن النكاح لا يكون إلا ببدل ، وأنه خالف سائر الأملاك التي توهب (١) ويتصدق بها بغير بدل ، وكل يجعل لذلك حدّا ، وإن اختلفوا في ذلك المقدر والحد ، وكل يقول ـ أيضا ـ : إن التافه لا يكون مهرا ، فذهب أصحابنا أن الفروج لما لم تملك إلا ببدل ، لم يجعل البدل إلا ما أجمعوا عليه ، وهو عشرة دراهم ؛ إذ كان النكاح مخصوصا ألا يملك إلا ببدل دون غيره من الأملاك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ)(٢) قيل : متناكحين غير زانين بكل زانية (٣).

وقيل : (بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ) أي : عفائف للفروج ، وغير مسافحين في العلانية بالزنا (٤) ؛ وكأنه أمر ـ عزوجل ـ ابتغاء النكاح بالأموال ، ونهي عن الاستمتاع بغير مال.

وقيل : المسافح الذي يزني بكل امرأة يجدها (٥) ، والمسافحة كذلك تزنى بكل أحد.

والمتخذات أخدان : هن اللاتي لا يزنين إلا بأخدانهن.

والسفاح من الفعل : ما ظهر وعلا.

مسألة في المتعة :

وقوله (٦) ـ تعالى ـ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)

ذهب قوم إلى جواز المتعة (٧) بهذه (٨) الآية ؛ يقولون : ذكر الاستمتاع بهن ولم يذكر

__________________

(١) في ب : يوهب.

(٢) قال القرطبي (٥ / ٨٤) : إن قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء : ٢٤] يحتمل وجهين : أحدهما :

ما ذكرناه وهو الإحصان بعقد النكاح ، تقديره : اطلبوا منافع البضع بأموالكم على وجه النكاح لا على وجه السفاح ؛ فيكون للآية على هذا الوجه عموم. ويحتمل أن يقال : «محصنين» أي : الإحصان صفة لهن ، ومعناه : لتزوجوهن على شرط الإحصان فيهن ؛ والوجه الأول أولى ؛ لأنه متى أمكن جري الآية على عمومها والتعلق بمقتضاها فهو أولى ؛ ولأن مقتضى الوجه الثاني أن المسافحات لا يحل التزوج بهن ، وذلك خلاف الإجماع.

(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٤ ـ ١٧٥) (٩٠٢٥) (٩٠٢٦) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٩) وزاد نسبته لابن المنذر وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(٤) انظر : البحر لأبي حيان (٣ / ٢٢٥).

(٥) انظر : البحر لأبي حيان (٣ / ٢٢٥).

(٦) في ب : قوله.

(٧) قال القرطبي (٥ / ٨٦) : وقال ابن العربي : وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة ؛ لأنها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر ، ثم أبيحت في غزوة أوطاس ، ثم حرمت بعد ذلك ، واستقر الأمر على التحريم ، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة ، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ، ثم استقرت بعد ذلك. وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها : إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات ؛ فروى ابن أبي عمرة أنها كانت في صدر الإسلام. وروى سلمة بن الأكوع أنها كانت عام أوطاس. ومن رواية عليّ تحريمها يوم خيبر. ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح.

(٨) في ب : هذه.

١١٤

النكاح ، وذكر الأجر بعد الاستمتاع ، والمهر إنما يجب في النكاح بالعقد : يؤخذ الزوج أولا بالمهر ثم يستمتع بها ؛ فهو بالمتعة والإجارة أشبه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] أمر بإيتاء الأجرة إذا أرضعن فعلى ذلك : لما ذكر الاستمتاع بهن ، وأمر بإيتاء الأجر لا المهر ؛ دل أنها نزلت في المتعة.

وأمّا عندنا : فإنها نزلت في النكاح ؛ دليله ما تقدم من الذكر ، وهو قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) نكاحا ، وقوله : (مُحْصِنِينَ) : متناكحين ، (غَيْرَ مُسافِحِينَ) غير زانين.

وقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) كل ذلك يدل أنه في النكاح ، فكذلك قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) في النكاح (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) وقد سمى الله المهر أجرا ؛ كقوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥] ، وقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٦]

وأما قولهم : ذكر إيتاء الأجر بعد الاستمتاع والمهر يجب بالنكاح ـ فهو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ) [الطلاق : ١] [أي : طلقوهن](١) ـ إذا طلقتم ـ لعدتهن ، ونحو ذلك كثير.

وقال أبو بكر الأصم : دل قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) فآتوهن مهورهن كملا ، وإذا لم يدخلوا بهن فالنصف بالآية الأخرى ؛ فهذا فائدة ذكر الأجور والاستمتاع ، وهو بالنكاح أشبه وأولى من المتعة (٢) ؛ لما ذكرنا من تحريم الأجناس من المحرمات في أولها وإباحتها

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أصل المتعة في اللغة : الانتفاع ، يقال : تمتعت بكذا ، واستمتعت ـ بمعنى ، والاسم المتعة. قال الجوهري : ومنه متعة النكاح ، ومتعة الطلاق ، ومتعة الحج ؛ لأنه انتفاع ، والمراد بالمتعة هنا أن يتزوج الرجل المرأة مدة من الزمن ، سواء أكانت المدة معلومة مثل أن يقول : زوجتك ابنتى مثلا شهرا ، أو مجهولة مثل أن يقول : زوجتك ابنتى إلى قدوم زيد الغائب ؛ فإذا انقضت المدة ـ فقد بطل حكم النكاح ؛ وإنما سمى النكاح لأجل بذلك ؛ لانتفاعها بما يعطيها ، وانتفاعه بقضاء شهوته ؛ فكان الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح.

وقد كانت المتعة منتشرة عند العرب في الجاهلية ، فكان الرجل يتزوج المرأة مدة ، ثم يتركها من غير أن يرى العرب في ذلك غضاضة ، فلما جاء الإسلام أقرهم على ذلك في أول الأمر ، ولم نعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهي عن المتعة إلا في غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة ؛ فقد روي عن على ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» واستمر الأمر على ذلك ، حتى فتح مكة ؛ حيث ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أباحها ثلاثة أيام ، وفي بعض الروايات : أنه أباحها يوم أوطاس ، ولكن الحقيقة أن ذلك كان في يوم الفتح ، ومن قال : يوم أوطاس ؛ فذلك لاتصالها بها ، ثم حرمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك إلى يوم القيامة.

فيعلم من هذا أن المتعة كانت مباحة قبل خيبر ، ثم حرمت في خيبر ، ثم أبيحت يوم الفتح ، ثم ـ

١١٥

في آخرها ما وراء ذلك ، وبين ـ أيضا ـ أن الاستمتاع هنا النكاح ، وأن الأجر هو المهر ؛ لما ذكرنا.

وروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : رحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد ؛ فلو لا نهيه عنها إيانا ما زنى إلا شقى (١) ، وكان يراها حراما حلالا.

قال : [وكان يقول](٢) في حرف أبي : «إلى أجل مسمى».

وروي عنه أنه قال : إن الناس هذا قد أكثروا في المتعة ، فقال : إنها لا تحل إلا لمن اضطر إليها ؛ كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير (٣) ؛ فدل قوله : إنها بمنزلة الميتة على أنه رجع عن قوله الأول ؛ فإن كانت المتعة في حال غير الضرورة حراما فهي في حال الضرورة حرام ، وإنما أحل الله المحرم في الضرورة إذا خاف الرجل على تلف نفسه ، وليس في ترك الوطء خوف تلف نفسه.

وروي (٤) عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله ـ تعالى ـ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) قال : نسخها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ...) الآية (٥) [الطلاق : ١].

هذا يدل على أنه رجع عن قوله الأول.

و [من](٦) الدليل على تحريمها قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) [المؤمنون : ٥ ـ ٦] فحرم الله ـ تعالى ـ من الجماع ما عدا النكاح وملك اليمين ، والمتعة ليست بملك نكاح ، ولا ملك يمين ؛ فهي

__________________

 ـ حرمت بعد ذلك إلى يوم القيامة ؛ فتكون المتعة مما تناولها التحريم والإباحة مرتين. ينظر : المبسوط (٥ / ١٥٢) ، البحر الرائق (٣ / ٨٥) ، التاج والإكليل (٥ / ٤١١) ، أسنى المطالب (٣ / ٢١٩) ، كشاف القناع (٥ / ٩٦) ، المحلى لابن حزم (٩ / ١٢٧).

(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٨) (٩٠٤٢) عن علي بن أبي طالب ، وعبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٤٩٦) في باب المتعة ، عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٢) وزاد نسبته لابن المنذر عن ابن عباس ، ولعبد الرزاق وأبي داود في ناسخه عن الحكم عن علي بن أبي طالب.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : وقال.

(٣) أخرجه مسلم (٢ / ١٠٢٦ ـ ١٠٢٧) في النكاح : باب نكاح المتعة (١٤٠٤) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٥٠٢) في باب المتعة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٢) وعزاه لابن المنذر والطبراني والبيهقي في السنن ، عن ابن عباس.

(٤) في ب : روى.

(٥) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥١) وعزاه لأبي داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس ، رضي الله عنهما.

(٦) سقط من ب.

١١٦

داخلة في التحريم.

ومن الدليل على تحريمها ما روي عن على ـ رضي الله عنه ـ عن (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [أنه](٢) نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم [الحمر](٣) الإنسية (٤).

وعن سبرة الجهني (٥) ، عن [رسول الله](٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه (٧) نهي عن متعة النساء يوم فتح مكة (٨).

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر عن متعة النساء ، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية.

وفي خبر آخر أنه كان قائما بين الركن والمقام وهو يقول : «إنّي كنت أذنت لكم فى المتعة ، فمن كان عنده شىء فليفارقه ، ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ قد حرّمها إلى يوم القيامة» (٩).

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول في المتعة : لو تقدمت فيها لرجمت (١٠).

وعن عبد الله قال : المتعة ـ متعة النساء ـ منسوخة ، نسخها الطلاق ، والصداق ، والعدة ، والمواريث ، والحقوق التي تجب في النكاح (١١).

__________________

(١) في ب : أن.

(٢) سقط من ب.

(٣) سقط من ب.

(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٨٦ ـ ٨٧) في الذبائح والصيد : باب لحوم الحمر الإنسية برقم (٥٥٢٣) ، ومسلم (٢ / ١٠٢٧ ـ ١٠٢٨) في النكاح : باب نكاح المتعة برقم (١٤٠٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٢) وزاد نسبته لمالك ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والترمذي والنسائي وابن ماجه عن علي ابن أبي طالب.

(٥) هو سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة الجهني ، روى عن أبيه ، وروى عنه ابن وهب ، وهشام بن عمار : وثقه ابن حبان.

تنظر ترجمته في : خلاصة الخزرجي (١ / ٣٦٥).

(٦) في ب : النبي.

(٧) في ب : أنه قال.

(٨) أخرجه مسلم (٢ / ١٠٢٣ ـ ١٠٢٦) في النكاح : باب نكاح المتعة (١٤٠٦) ، وأحمد في المسند (٣ / ٤٠٤ ، ٤٠٥) والدارمي في سننه (٢ / ١٤٠) في النكاح : باب النهي عن متعة النساء ، وأبو داود في سننه (١ / ٦٣٢) في النكاح : باب في نكاح المتعة (٢٠٧٢ ، ٢٠٧٣).

(٩) تقدم تخريجه.

(١٠) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٥٠٣) (١٤٠٣٨) : باب المتعة ، والبيهقي (٧ / ٢٠٦) في النكاح : باب نكاح المتعة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٢).

(١١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥١) وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر عن ابن مسعود.

١١٧

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها إذا ذكر لها المتعة قالت : والله ما نجد في كتاب الله النكاح والاستسرار ، ثم تتلو هذه الآية : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) الآية (١) [المؤمنون : ٥].

وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما (٢). فأنكر قوم على عمر ـ رضي الله عنه ـ إقراره أنهما فعلا في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونهيه عنهما.

لكن الجواب في ذلك كحكم أنه علم بنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن (٣) متعة النساء ، وما نزل فيها من نص القرآن ؛ فكان وعيده لاحقا بمن فعلها لعلمه بأنها منسوخة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) يحتمل الإجارة.

ويحتمل التسريح بالنكاح أنه إذا كان بعد الاستمتاع يؤتيهن كل المهر ؛ لأنه ذكر المهر في النكاح ، والبعض بعد الطلاق ، فبين الكل في هذا ، وأيد هذا التأويل ما كان عليه ذكر المحرمات والإحلال أنه كله بالنكاح ، وكذلك على ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) [النساء : ٢٥] أن كله في النكاح لا في الإجارة وإن ذكر فيه الأجر كما ذكر للإماء ، ولو كان بالإجارة فهو منسوخ بقوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) [النور : ٣٣] كان ذلك إجارة وصف أنه بغي ، ونهوا عن ذلك.

وبقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) [المؤمنون : ٥] ذكر أن مبتغى وراء ذلك باغ بهذا لو عرف بحكم الكتاب ، فما ذكرته له ناسخ ، ولو عرف بالإخبار ، فكانت أخبار الإباحة رويت مقرونا بها النهي ، فمن رام الأخذ بطرف منها على الإغضاء عن الطرف الثاني أعطى خصمه الإغضاء عليه بالطرف الثاني والمنع عما قال به.

ثم امتناع الأمة عن العمل على ظهور الحاجة ، ونفور الطباع عن قبول مثله من أحد في المتضادين ؛ فاصبر على الحق.

ثم دل ما روي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : نسخه الطلاق والعدة (٤) ـ أن الأول كان نكاحها يمضي بمضي المدة أبطله ارتفاع أحكام النكاح عنه.

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٨) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن أبي مليكة عنها.

(٢) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٢) وعزاه لابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب. رضي الله عنه.

(٣) في ب : من.

(٤) تقدم قريبا.

١١٨

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ).

في الآية دلالة أن الزيادة في المهر جائزة ؛ لأن الفريضة هي التسمية.

فإن قيل : قوله : (فِيما تَراضَيْتُمْ) معناه [قوله](١) : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ...) [البقرة : ٢٣٧] : هو أن تبذل المرأة من مهرها شيئا للزوج (٢) ، أو الزوج لها (٣).

قيل : لو كان ذلك كذلك برضاها ؛ يعني : رضا زوجها ، وقال : (تَراضَيْتُمْ بِهِ) فجعل للزوج في الرضا نصيبا ، ومعناه ـ والله أعلم ـ أن الزوج إذا زاد على المهر فذلك جائز ، فهذا التراضي إنما يكون منهما جميعا في الحالين ، وذلك أصل الزيادة في المهر ، والثمن في البيع ، وأشباه ذلك.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يخطب أم سلمة (٤) ويقول : «إن كان إيمانك أن أزيدك فى الصّداق زدتك ، وإن أزدك أزد (٥) النّسوة».

وروي عن على ـ رضي الله عنه ـ قال : زدها ، فهو أعظم للبركة.

وروي عن عثمان وعمار كذلك.

وقد دل الكتاب والسنة وقول الصحابة على جواز ذلك ، فهو الحق ، وعلى ذلك جمهور المسلمين في بياعاتهم وتجاراتهم.

ومن الدليل ـ أيضا ـ على جواز الزيادة في الثمن والمهر وأنها تصير كأنها [كانت](٦) مسماة في عقد البيع ـ : أن رجلا لو اشترى من رجل عبدا بيعا باتّا (٧) ، ثم إن أحدهما جعل لصاحبه الخيار يوما فنقض البيع ـ أن نقضه جائز ، ويصير ذلك كالخيار المشروط في أصل البيع ، وكذلك رجل اشترى عبدا بألف درهم حالّة ، ثم إن البائع أجّل المشترى في الثمن

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب : الزوج.

(٣) أخرجه ابن جرير بمعناه (٨ / ١٨١) (٩٠٤٧) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس.

(٤) هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية ، المخزومية ، مشهورة بكنيتها أم سلمة ، هاجرت إلى الحبشة ، ثم هاجرت إلى المدينة ، خطبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد موت زوجها أبي سلمة. روت كثير من الأحاديث. ماتت سنة ٥٩ ه‍.

تنظر ترجمتها في : الإصابة : ترجمة (١١٨٤٩) ، أسد الغابة : ترجمة (٧٣٤٣) ، الاستيعاب : ترجمة (٣٥٦٥).

(٥) في الأصول : أزيدك أزيد.

(٦) سقط من ب.

(٧) في ب : نباتا.

١١٩

شهرا ـ كان الأجل جائزا (١) ، ويصير كأنهما سميا الأجل في عقد البيع ، فوجب أن تكون الزيادة بعد البيع في الثمن ، كأنها كانت في عقد البيع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) [عليما] فيما حرم وأحل ، حكيما حيث وضع كل شيء موضعه.

قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)

وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) فقال بعض أهل العلم : لا يجوز تزوج الأمة حتى يعجز عن نكاح الحرة ، ويخشى مع ذلك العنت ، فإذا اجتمع الأمران فحينئذ يجوز أن يتزوج الأمة ، ولا يجوز أن يكون تأويل الآية في هذا ؛ وذلك أن الإماء أعز وجودا اليوم من الحرائر ، ويجد الرجل حرة يتزوجها بأدنى شيء ما لم يجد بمثله الأمة ، إلا أن يقال : إن الإماء في ذلك الزمان أوجد ، وإن الحرائر أعز ، وإن مئونة الإماء ومهورهن أقل ، فخرج الخطاب على ذلك.

أو أنه لما نزل قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) [النور : ٣٢] رغب السادات في تزويج الإماء بشيء يسير ، فعند ذلك نزل قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ...) الآية ، وإلا الأمر الظاهر ما ذكرنا أنهن أعز وجودا من الحرائر وأكثر مئونة ، وأن الحرائر أهون وجودا ، ومئونتهن أقل.

أو أن تكون الآية في الإنفاق عليهن ، ليس في ابتداء النكاح ، وهو أن الرجل إذا تزوج حرة لزمه أن ينفق عليها شاء أو أبى ، فإذا عجز عن الإنفاق عليها يطلقها ويتزوج بأمة ؛ إذ نفقة الأمة على سيدها ونفقة الحرة عليه ، فأمر أن يطلق الحرة التي نفقتها عليه ويتزوج أمة تكون نفقتها (٢) على سيدها ، هذا أشبه ـ والله أعلم ـ مما قاله أولئك.

__________________

(١) في ب : زائدا.

(٢) في ب : نفقته.

١٢٠