فتح القدير - ج ٥

محمد بن علي بن محمد الشوكاني

فتح القدير - ج ٥

المؤلف:

محمد بن علي بن محمد الشوكاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن كثير
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٥٠

قد حصّت البيضة رأسي فما

أطعم نوما غير تهجاع

والتهجاع : القليل من النوم ، وفي ذلك قول عمرو بن معدي كرب :

أمن ريحانة الدّاعي السّميع

يهيّجني وأصحابي هجوع (١)

وقيل : «ما» نافية ، أي : ما كانوا ينامون قليلا من الليل ، فكيف بالكثير منه؟! وهذا ضعيف جدّا. وهذا قول من قال : إن المعنى كان عددهم قليلا. ثم ابتدأ فقال : (ما يَهْجَعُونَ) وبه قال ابن الأنباري ، وهو أضعف ممّا قبله. وقال قتادة في تفسير هذه الآية : كانوا يصلون بين العشاءين ، وبه قال أبو العالية وابن وهب (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم. قال الحسن : مدّوا الصلاة إلى الأسحار ، ثم أخذوا بالأسحار الاستغفار. وقال الكلبي ومقاتل ومجاهد : هم بالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم طلب منهم للمغفرة. وقال الضحاك : هي صلاة الفجر. ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي : يجعلون في أموالهم على أنفسهم حقا للسائل والمحروم تقرّبا إلى الله عزوجل. وقال محمد بن سيرين وقتادة : الحق هنا الزكاة المفروضة ، والأوّل أولى ، فيحمل على صدقة النفل وصلة الرحم وقرى الضيف ؛ لأن السورة مكية ، والزكاة لم تفرض إلا بالمدينة ، وسيأتي في سورة : سأل سائل (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ـ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (٢) بزيادة معلوم ، والسائل : هو الّذي يسأل الناس لفاقته.

واختلف في تفسير المحروم ، فقيل : هو الّذي يتعفّف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيا فلا يتصدّقون عليه ، وبه قال قتادة والزهري. وقال الحسن ومحمد بن الحنفية : هو الّذي لا سهم له في الغنيمة ولا يجري عليه من الفيء شيء. وقال زيد بن أسلم : هو الّذي أصيب ثمره أو زرعه أو ماشيته. قال القرطبي : هو الّذي أصابته الجائحة ، وقيل : الّذي لا يكتسب ، وقيل : هو الّذي لا يجد غنى يغنيه ، وقيل : هو الّذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وقيل : هو الملوك ، وقيل : الكلب ، وقيل : غير ذلك. قال الشعبي : لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم ، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ. والّذي ينبغي التعويل عليه ما يدلّ عليه المعنى اللغوي ، والمحروم في اللغة : الممنوع ، من الحرمان وهو المنع ، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل ، ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته ، ومن حرم العطاء ، ومن حرم الصدقة لتعفّفه. ثم ذكر سبحانه ما نصبه من الدلائل على توحيده وصدق وعده ووعيده فقال : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) أي : دلائل واضحة وعلامات ظاهرة من الجبال والبرّ والبحر والأشجار والأنهار والثمار ، وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذّبة لما جاءت به رسل الله ودعتهم إليه ، وخصّ الموقنين بالله لأنهم الذين يعترفون بذلك ويتدبرون فيه فينتفعون

__________________

(١). هذا البيت قاله عمرو بن معدي كرب يتشوّق أخته ، وكان قد أسرها الصّمّة أبو دريد بن الصّمّة.

(٢). المعارج : ٢٤ ـ ٢٥.

١٠١

به (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي : وفي أنفسكم آيات تدلّ على توحيد الله وصدق ما جاءت به الرّسل ، فإنه خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن ينفخ فيه الروح ، ثم تختلف بعد ذلك صورهم وألوانهم وطبائعهم وألسنتهم ، ثم نقش خلقهم على هذه الصفة العجيبة الشأن من لحم ودم وعظم وأعضاء وحواس ومجاري ومنافس. ومعنى (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أفلا تنظرون بعين البصيرة ، فتستدلون بذلك على الخالق الرزّاق المتفرّد بالألوهية ، وأنه لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ ، وأن وعده الحقّ ، وقوله الحقّ وأن ما جاءت إليكم به رسله هو الحقّ الّذي لا شك فيه ولا شبهة تعتريه ، وقيل : المراد بالأنفس الأرواح ، أي : وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي : سبب رزقكم ، وهو المطر فإنه سبب الأرزاق. قال سعيد ابن جبير والضحاك : الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج. وقيل : المراد بالسماء السحاب ، أي : وفي السحاب رزقكم ، وقيل : المراد بالسماء المطر ، وسمّاه سماء لأنه ينزل من جهتها ، ومنه قول الشاعر (١) :

إذا نزل السّماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

وقال ابن كيسان : يعني وعلى ربّ السماء رزقكم ، قال : ونظيره : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٢) وهو بعيد. وقال سفيان الثوري : أي عند الله في السماء رزقكم. وقيل : المعنى : وفي السماء تقدير رزقكم. قرأ الجمهور (رِزْقُكُمْ) بالإفراد ، وقرأ يعقوب وابن محيصن ومجاهد «وأرزاقكم» (٣) بالجمع. (وَما تُوعَدُونَ) من الجنة والنار ، قاله مجاهد. قال عطاء : من الثواب والعقاب ، وقال الكلبي : من الخير والشرّ ، قال ابن سيرين : ما توعدون من أمر الساعة ، وبه قال الربيع. والأولى الحمل على ما هو أعمّ من هذه الأقوال ، فإن جزاء الأعمال مكتوب في السماء ، والقضاء والقدر ينزل منها ، والجنة والنار فيها. ثم أقسم سبحانه بنفسه فقال : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) أي : ما أخبركم به في هذه الآيات. قال الزجاج : هو ما ذكر من أمر الرزق والآيات. قال الكلبي : يعني ما قصّ في الكتاب. وقال مقاتل : يعني من أمر الساعة. وقيل : إن (ما) في قوله : (وَما تُوعَدُونَ) مبتدأ وخبره (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) ، فيكون الضمير ل «ما». ثم قال سبحانه : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) قرأ الجمهور بنصب (مِثْلَ) على تقدير : كمثل نطقكم ، و «ما» زائدة ، كذا قال بعض الكوفيين إنه منصوب ينزع الخافض. وقال الزجاج والفراء : يجوز أن ينتصب على التوكيد ، أي : لحقّ حقا مثل نطقكم. وقال المازني : إن (مِثْلَ) مع (ما) بمنزلة شيء واحد فبني على الفتح. وقال سيبويه : هو مبنيّ لإضافته إلى غير متمكّن ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر والأعمش مثل بالرفع على أنه

__________________

(١). هو معوّد الحكماء معاوية بن مالك.

(٢). هود : ٦.

(٣). في تفسير القرطبي (١٧ / ٤١) : رازقكم.

١٠٢

صفة لحقّ ؛ لأن مثل نكرة وإن أضيفت فهي لا تتعرّف بالإضافة كغير. ورجّح قول المازني أبو عليّ الفارسي ، قال : ومثله قول حميد :

وويحا لمن لم يدر ما هنّ ويحما

فبنى ويح مع ما ولم يلحقه التنوين ، ومعنى الآية تشبيه تحقيق ما أخبر الله عنه بتحقيق نطق الآدمي ووجوده ، وهذا كما تقول : إنه لحق كما أنك ها هنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلّم ، والمعنى : أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة.

وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري ، والدار قطني في الأفراد ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، من طرق عن علي بن أبي طالب في قوله : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) قال : الرياح : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) قال : السحاب : (فَالْجارِياتِ يُسْراً) قال : السفن (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) قال : الملائكة ، وأخرج البزار ، والدار قطني في الأفراد ، وابن مردويه وابن عساكر عن عمر بن الخطاب مثله ورفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي إسناده أبو بكر بن أبي سبرة وهو ليّن الحديث ، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث ، كذا قال البزار. قال ابن كثير : فهذا الحديث ضعيف رفعه ، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر. وأخرج الفريابي وابن مردويه عن ابن عباس مثل قول عليّ. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) قال : حسنها واستواؤها. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، عنه في الآية قال : ذات البهاء والجمال وإن بنيانها كالبرد المسلسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : ذات الخلق الحسن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر مثله. وأخرج ابن منيع عن عليّ قال : هي السماء السابعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) قال : يضلّ عنه من ضلّ. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) قال : لعن المرتابون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : هم الكهنة (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) قال : في غفلة لاهون. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الغمرة : الكفر والشك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : في ضلالتهم يتمادون ، وفي قوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) قال : يعذّبون. وأخرج هؤلاء عنه أيضا في قوله : (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قال : الفرائض (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) قال : قبل أن تنزل الفرائض يعملون.

وأخرج هؤلاء أيضا والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عنه أيضا (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) قال : ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلّون فيها. وأخرج ابن نصر وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في الآية يقول : قليلا ما كانوا ينامون. وأخرج أبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن أنس في الآية قال :

١٠٣

كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال : يصلّون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) قال : سوى الزكاة ، يصل بها رحما ، أو يقري بها ضيفا ، أو يعين بها محروما. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : السائل الّذي يسأل الناس ، والمحروم الّذي ليس له سهم في فيء المسلمين. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : المحروم هو المحارف الّذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ولا يسأل الناس ، فأمر الله المؤمنين برفده. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة في الآية : قالت : هو المحارف الّذي لا يكاد يتيسّر له مكسبه. وأخرج الترمذي ، والبيهقي في سننه ، عن فاطمة بنت قيس أنها سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية قال : «إن في المال حقا سوى الزكاة» وتلا هذه الآية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) إلى قوله : (وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، عن عبد الله بن الزبير في قوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قال : سبيل الغائط والبول.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧))

قوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) ذكر سبحانه قصة إبراهيم ليبيّن أنه أهلك بسبب التكذيب من أهلك. وفي الاستفهام تنبيه على أن هذا الحديث ليس مما قد علم به رسول الله ، وأنه إنما علمه بطريق الوحي. وقيل : إن «هل» بمعنى قد ، كما في قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (١) والضيف مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، وقد تقدم الكلام على قصة ضيف إبراهيم في سورة هود وسورة الحجر ، والمراد بكونهم مكرمين : أنهم مكرمون عند الله سبحانه لأنهم ملائكة جاءوا إليه في صورة بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم في آية أخرى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٢) وقيل : هم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال مقاتل ومجاهد : أكرمهم إبراهيم وأحسن إليهم وقام على رؤوسهم ، وكان لا يقوم على رؤوس الضيف ، وأمر امرأته أن تخدمهم. وقال الكلبي : أكرمهم بالعجل (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) العامل في الظرف «حديث» ، أي : هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه ، أو العامل فيه ضيف لأنه مصدر ، أو العامل فيه

__________________

(١). الإنسان : ١.

(٢). الأنبياء : ٢٦.

١٠٤

المكرمين ، أو العامل فيه فعل مضمر ، أي : اذكر (فَقالُوا سَلاماً) أي : نسلّم عليك سلاما (قالَ سَلامٌ) أي : قال إبراهيم سلام. قرأ الجمهور بنصب (سَلاماً) الأول ورفع الثاني ، فنصب الأول على المصدرية بتقدير الفعل كما ذكرنا ، والمراد به التحية ، ويحتمل أن يكون المعنى : فقالوا كلاما حسنا لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو ، فيكون على هذا مفعولا به. وأما الثاني فرفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، أي : عليكم سلام ، ولهذا قال أهل المعاني : إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة. وقرئ بالرفع في الموضعين ، وقرئ بالنصب فيهما. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بكسر السين ، وقرئ «سلم» فيهما. (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ارتفاع قوم على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : أنتم قوم منكرون. قيل : إنه قال هذا في نفسه ولم يخاطبهم به ؛ لأن ذلك يخالف الإكرام. قيل : إنه أنكرهم لكونهم ابتدءوا بالسلام ولم يكن ذلك معهودا عند قومه ، وقيل : لأنه رأى فيهم ما يخالف بعض الصور البشرية ، وقيل : لأنه رآهم على غير صورة الملائكة الذين يعرفهم ، وقيل : غير ذلك (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) قال الزّجّاج : أي عدل إلى أهله ، وقيل : ذهب إليهم في خفية من ضيوفه ، والمعنى متقارب ، وقد تقدّم تفسيره في سورة الصافات. يقال : راغ وارتاغ بمعنى طلب ، وماذا يريغ : أي يرصد ويطلب ، وأراغ إلى كذا : مال إليه سرّا وحاد (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) أي : فجاء ضيفه بعجل قد شواه لهم ، كما في سورة هود (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) وفي الكلام حذف تدل عليه الفاء الفصيحة ، أي : فذبح عجلا فحنذه فجاء به (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) أي : قرّب العجل إليهم ووضعه بين أيديهم ف (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) الاستفهام للإنكار ، وذلك أنه لما قربه إليهم لم يأكلوا منه. قال في الصّحاح : العجل ولد البقر ، والعجول مثله ، والجمع العجاجيل والأنثى عجلة ، وقيل : العجل في بعض اللغات الشاة (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أي : أحسّ في نفسه خوفا منهم لما لم يأكلوا ممّا قرّبه إليهم. وقيل : معنى أوجس أضمر ، وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه ، ومن أخلاق الناس أنّ من أكل من طعام إنسان صار آمنا منه ، فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشرّ ولم يأتوا للخير. وقيل : إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة ، فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف (قالُوا لا تَخَفْ) وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي : بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند ما يبلغ مبالغ الرجال ، والمبشّر به عند الجمهور هو إسحاق. وقال مجاهد وحده : إنه إسماعيل ، وهو مردود بقوله : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) وقد قدّمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) لم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقولك : أقبل يشتمني ، أي : أخذ في شتمي ، كذا قال الفراء وغيره. والصرّة : الصيحة والضجّة ، وقيل : الجماعة من الناس. قال الجوهري : الصرّة : الضجّة والصيحة ، والصرّة : الجماعة ، والصرّة ، الشدّة من كرب أو غيره ، والمعنى : أنها أقبلت في صيحة ، أو في ضجّة ، أو في جماعة من الناس يستمعون كلام الملائكة ، ومن هذا قول امرئ القيس :

فألحقه بالهاديات ودونه

جواحرها في صرّة لم تزيّل (١)

__________________

(١). «الهاديات» : أوائل بقر الوحش. «جواحرها» : متخلفاتها. «لم تزيل» : لم تتفرق.

١٠٥

وقوله : (فِي صَرَّةٍ) في محل نصب على الحال (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي : ضربت بيدها على وجهها ؛ كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب. قال مقاتل والكلبي : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجّبا ، ومعنى الصكّ : ضرب الشيء بالشيء العريض ، يقال صكّه ، أي : ضربه (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي : كيف ألد وأنا عجوز عقيم؟ استبعدت ذلك لكبر سنها ، ولكونها عقيما لا تلد (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي : كما قلنا لك وأخبرناك قال : ربك فلا تشكّي في ذلك ولا تعجبي منه ، فإن ما أراده الله كائن لا محالة ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا ، وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة ، وقد سبق بيان هذا مستوفى ، وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) تعليل لما قبلها ، أي : حكيم في أفعاله وأقواله ، عليم بكل شيء ، وجملة (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) مستأنفة جوابا عن سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة ، والخطب : الشأن والقصة ، والمعنى : فما شأنكم وما قصّتكم أيها المرسلون من جهة الله ، وما ذاك الأمر الّذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) يريدون قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) أي : لنرجمهم بحجارة من طين متحجّر ، وانتصاب (مُسَوَّمَةً) على الصفة لحجارة ، أو على الحال في الضمير المستكن في الجار والمجرور ، أو من الحجارة لكونها قد وصفت بالجار والمجرور ، ومعنى : (مُسَوَّمَةً) معلّمة بعلامات تعرف بها ، وقيل : كانت مخطّطة بسواد وبياض ، وقيل : بسواد وحمرة ، وقيل : معروفة بأنها حجارة العذاب ، وقيل : مكتوب على كل حجر من يهلك بها ، وقوله : (عِنْدَ رَبِّكَ) ظرف لمسومة ، أي : معلمة عنده (لِلْمُسْرِفِينَ) المتمادين في الضّلالة المجاوزين الحدّ في الفجور. وقال مقاتل : للمشركين ، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هذا كلام من جهة الله سبحانه ، أي : لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : غير أهل بيت. يقال : بيت شريف ويراد به أهله ، وقيل : وهم أهل بيت لوط ، والإسلام : الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه ، فكل مؤمن مسلم ، ومن ذلك قوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) وقد أوضح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفرق بين الإسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين وغير هما ، الثابت من طرق ، أنه سئل عن الإسلام فقال : «أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة ، وتحجّ البيت ، وتصوم رمضان» ، وسئل عن الإيمان فقال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والقدر خيره وشره» (٢) فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الّذي قاله الصادق المصدوق ، ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة متناقضة ، وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية ، والواجب

__________________

(١). الحجرات : ١٤.

(٢). سقط من الحديث : واليوم الآخر.

١٠٦

تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية ، والحقيقة الشرعية هي هذه التي أخبرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وإجابة سؤال السائل له عن ذلك بها (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي : وتركنا في تلك القرى علامة ودلالة تدلّ على ما أصابهم من العذاب ، كلّ من يخاف عذاب الله ويخشاه من أهل ذلك الزمان ومن بعدهم ، وهذه الآية هي آثار العذاب في تلك القرى ، فإنها ظاهرة بيّنة ، وقيل : هي الحجارة التي رجموا بها ، وإنما خصّ الذين يخافون العذاب الأليم لأنهم الذين يتّعظون بالمواعظ ويتفكّرون في الآيات دون غيرهم ممّن لا يخاف ذلك ، وهم المشركون المكذّبون بالبعث والوعد والوعيد.

وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عباس في قوله : (فِي صَرَّةٍ) قال : في صيحة (فَصَكَّتْ وَجْهَها) قال : لطمت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال : لوط وابنتيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانوا ثلاثة عشر.

(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

قوله : (وَفِي مُوسى) معطوف على قوله «فيها» بإعادة الخافض ، والتقدير : وتركنا في قصة موسى آية ، أو معطوف على (وَفِي الْأَرْضِ) والتقدير : وفي الأرض وفي موسى آيات ، قاله الفراء وابن عطية والزمخشري. قال أبو حيان : وهو بعيد جدا ينزّه القرآن عن مثله. ويجوز أن يكون متعلقا بجعلنا مقدّر لدلالة (وَتَرَكْنا) عليه قيل : ويجوز أن يعطف على (وَتَرَكْنا) على طريقة قول القائل :

علفتها تبنا وماء باردا

والتقدير : وتركنا فيها آية ، وجعلنا في موسى آية. قال أبو حيان : ولا حاجة إلى إضمار وجعلنا ؛ لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور : وتركنا. والوجه الأوّل هو الأولى ، وما عداه متكلّف متعسّف لم تلجئ

١٠٧

إليه حاجة ، ولا دعت إليه ضرورة (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) الظرف متعلق بمحذوف هو نعت لآية ، أي : كائنة وقت أرسلناه ، أو بآية نفسها ، والأوّل أولى. والسلطان المبين : الحجّة الظاهرة الواضحة ، وهي العصي وما معه من الآيات (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) التولي : الإعراض ، والركن : الجانب. قاله الأخفش. والمعنى : أعرض بجانبه كما في قوله : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (١) قال الجوهري : ركن الشيء جانبه الأقوى ، وهو يأوي إلى ركن شديد ، أي : عزّ ومنعة. وقال ابن زيد ومجاهد وغير هما : الركن جمعه وجنوده الذين كان يتقوّى بهم ، ومنه قوله تعالى : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٢) أي : عشيرة ومنعة ، وقيل : الركن : نفس القوّة ، وبه قال قتادة وغيره ، ومنه قول عنترة :

فما أوهى مراس الحرب ركني

ولكن ما تقادم من زماني

(وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي : قال فرعون في حقّ موسى : هو ساحر أو مجنون ، فردّد فيما رآه من أحوال موسى بين كونه ساحرا أو مجنونا ، وهذا من اللعين مغالطة وإيهام لقومه ، فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسّر على يد ساحر ، ولا يفعله من به جنون. وقيل : إنّ «أو» بمعنى واو ، لأنه قد قال ذلك جميعا ولم يتردّد ، قاله المؤرّج والفرّاء ، كقوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٣) (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي : طرحناهم في البحر ، وجملة (وَهُوَ مُلِيمٌ) في محل نصب على الحال ، أي : آت بما يلام عليه حين ادّعى الربوبية ، وكفر بالله ، وطغى في عصيانه (وَفِي عادٍ) أي : وتركنا في قصة عاد آية (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وهي التي لا خير فيها ولا بركة ، لا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا ، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب ، ثم وصف سبحانه هذه الريح فقال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي : ما تذر من شيء مرّت عليه من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إلا جعلته كالشيء الهالك البالي. قال الشاعر (٤) :

تركتني حين كفّ الدهر من بصري

وإذ بقيت كعظم الرّمّة البالي

وقال قتادة : إنه الّذي ديس من يابس النبات ، وقال السدّي وأبو العالية : إنه التراب المدقوق ، وقال قطرب : إنه الرماد ، وأصل الكلمة من رمّ العظم : إذا بلي فهو رميم ، والرّمة : العظام البالية (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) أي : وتركنا في قصة ثمود آية وقت قلنا لهم : عيشوا بالدنيا إلى حين وقت الهلاك ، وهو ثلاثة أيام ، كما في قوله : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٥) (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي : تكبّروا عن امتثال أمر الله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي كل عذاب مهلك. قرأ الجمهور : (الصَّاعِقَةُ) وقرأ عمر

__________________

(١). الإسراء : ٨٣.

(٢). هود : ٨٠.

(٣). هو جرير.

(٤). الإنسان : ٢٤.

(٥). هود : ٦٥.

١٠٨

ابن الخطاب وحميد وابن محيصن ومجاهد والكسائي «الصّعقة». وقد مرّ الكلام على الصاعقة في البقرة ، وفي مواضع (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي : يرونها عيانا ، والجملة في محل نصب على الحال ، وقيل : إن المعنى : ينتظرون ما وعدوه من العذاب ، والأوّل أولى (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي : لم يقدروا على القيام. قال قتادة : من نهوض ، يعني لم ينهضوا من تلك الصرعة ، والمعنى : أنهم عجزوا عن القيام فضلا عن الهرب ، ومثله قوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (١). (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي : ممتنعين من عذاب الله بغيرهم (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هؤلاء المهلكين ، فإن زمانهم متقدّم على زمن فرعون وعاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي : خارجين عن طاعة الله. قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو بخفض قوم أي : وفي قوم نوح آية ، وقرأ الباقون بالنصب ، أي : وأهلكنا قوم نوح ، أو هو معطوف على مفعول أخذتهم الصاعقة ، أو على مفعول نبذناهم ، أي : نبذناهم ونبذنا قوم نوح ، أو يكون العامل فيه اذكر (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أي : بقوّة وقدرة ، قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال ، والتقدير : وبنينا السماء بنيناها. وقرأ أبو السمال وابن مقسم برفعها على الابتداء (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الموسع : ذو الوسع والسعة ، والمعنى : إنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها لا نعجز عن ذلك ، وقيل : لقادرون ، من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة ، وقيل : إنا لموسعون الرزق بالمطر. قال الجوهري : وأوسع الرجل : صار ذا سعة وغنى (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) قرأ الجمهور بنصب (الْأَرْضَ) على الاشتغال. وقرأ أبو السمال وابن مقسم برفعها ، كما تقدّم في قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) ومعنى فرشناها : بسطناها كالفراش (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي : نحن ، يقال : مهدت الفراش : بسطته ووطّأته ، وتمهيد الأمور : تسويتها وإصلاحها (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أي : صنفين ونوعين من ذكر وأنثى ، وبرّ وبحر ، وشمس وقمر ، وحلو ومرّ ، وسماء وأرض ، وليل ونهار ، ونور وظلمة ، وجنّ وإنس ، وخير وشر (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : خلقنا ذلك هكذا لتتذكروا فتعرفوا أنه خالق كل شيء ، وتستدلوا بذلك على توحيده وصدق وعده ووعيده (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : قل لهم يا محمد : ففرّوا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي ، وجملة (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل للأمر بالفرار ، وقيل : معنى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) اخرجوا من مكة. وقال الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء غير الله ، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه. وقيل : فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرّحمن ، وقيل : فرّوا من الجهل إلى العلم ، ومعنى (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) أي : من جهته منذر بيّن الإنذار (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) نهاهم عن الشرك بالله بعد أمرهم بالفرار إلى الله ، وجملة : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل للنهي (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) في هذا تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيان أن هذا شأن الأمم المتقدمة ، وأن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله ، ووصفه بالسحر والجنون ، قد كان ممّن قبلهم لرسلهم ، و (كَذلِكَ) في محل رفع على أنه

__________________

(١). الأعراف : ٧٨.

١٠٩

خبر محذوف ، أي : الأمر كذلك. ثم فسّر ما أجمله بقوله : (ما أَتَى) إلخ ، أو في محل نصب نعتا لمصدر محذوف ، أي : أنذركم إنذارا كإنذار من تقدّمني من الرسل الذين أنذروا قومهم ، والأوّل أولى (أَتَواصَوْا بِهِ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب من حالهم ، أي : هل أوصى أوّلهم آخرهم بالتكذيب وتواطؤوا عليه (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) إضراب على التّواصي إلى ما جمعهم من الطغيان ، أي : لم يتواصوا بذلك ، بل جمعهم الطغيان وهو مجاوزة الحدّ في الكفر. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإعراض عنهم فقال : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي : أعرض عنهم ، وكفّ عن جدالهم ودعائهم إلى الحق ، فقد فعلت ما أمرك الله به وبلّغت رسالته (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) عند الله بعد هذا لأنك قد أدّيت ما عليك ، وهذا منسوخ بآية السيف. ثم لما أمره بالإعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير والموعظة بالتي هي أحسن ، فقال : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) قال الكلبي : المعنى عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم. وقال مقاتل : عظ كفار مكة فإن الذكرى تنفع من كان في علم الله أنه يؤمن. وقيل : ذكّرهم بالعقوبة وأيام الله ، وخصّ المؤمنين بالتذكير لأنهم المنتفعون به ، وجملة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) مستأنفة مقرّرة لما قبلها ؛ لأن كون خلقهم لمجرّد العبادة مما ينشط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للتذكير ، وينشطهم للإجابة. قيل : هذا خاصّ في من سبق في علم الله سبحانه أنه يعبده ، فهو عموم مراد به الخصوص. قال الواحدي : قال المفسرون : هذا خاصّ لأهل طاعته ، يعني من أهّل من الفريقين. قال : وهذا قول الكلبي والضحاك واختيار الفرّاء وابن قتيبة. قال القشيري : والآية دخلها التخصيص بالقطع ، لأن المجانين لم يؤمروا بالعبادة ولا أرادها منهم ، وقد قال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (١) ومن خلق لجهنم لا يكون ممّن خلق للعبادة. فالآية محمولة على المؤمنين منهم ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب : «وما خلقت الجنّ والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون. وقال مجاهد : إن المعنى : إلا ليعرفوني. قال الثعلبي : وهذا قول حسن ؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. وروي عن مجاهد أنه قال : المعنى إلا لآمرهم وأنهاهم ، ويدلّ عليه قوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢) واختار هذا الزجاج. وقال زيد بن أسلم : هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة ، فخلق السعداء من الجن والإنس للعبادة ، وخلق الأشقياء للمعصية. وقال الكلبي : المعنى إلا ليوحدون ، فأما المؤمن فيوحّده في الشدّة والرخاء ، وأما الكافر فيوحّده في الشدّة دون النعمة ، كما في قوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٣) وقال جماعة : إلا ليخضعوا لي ويتذلّلوا ، ومعنى العبادة في اللغة : الذل والخضوع والانقياد ، وكل مخلوق من الإنس والجنّ خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته ، منقاد لما قدّره عليه. خلقهم على ما أراد ، ورزقهم كما قضى ، لا يملك أحد منهم لنفسه نفعا ولا ضرا. ووجه تقديم الجن على الإنس ها هنا تقدم وجودهم (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) هذه الجملة فيها بيان استغنائه سبحانه عن عباده ، وأنه لا يريد منهم منفعة كما تريده السادة

__________________

(١). الأعراف : ١٧٩.

(٢). التوبة : ٣١.

(٣). لقمان : ٣٢.

١١٠

من عبيدهم ، بل هو الغنيّ المطلق الرازق المعطي. وقيل : المعنى : ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم ، ولا يطعموا أحدا من خلقي ولا يطعموا أنفسهم ، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله ، فمن أطعم عيال الله فهو كمن أطعمه. وهذا كما ورد في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله عبدي استطعمتك فلم تطعمني» أي : لم تطعم عبادي ، و «من» في قوله : (مِنْ رِزْقٍ) زائدة لتأكيد العموم. ثم بيّن سبحانه أنه هو الرزاق لا غيره ، فقال : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لا رزّاق سواه ولا معطي غيره ، فهو الّذي يرزق مخلوقاته ، ويقوم بما يصلحهم ، فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق ، أو لذو ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر. قرأ الجمهور : (الرَّزَّاقُ) وقرأ ابن محيصن : «الرزاق» وقرأ الجمهور : (الْمَتِينُ) بالرفع ، وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش بالجرّ صفة للقوة ، والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي. قال الفراء : كان حقه المتينة ، فذكّرها لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرم المحكم الفتل ، يقال : حبل متين ، أي : محكم الفتل ، ومعنى المتين : الشديد القوّة هنا (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي : ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي ، فإن لهم ذنوبا ، أي : نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة. قال ابن الأعرابي : يقال يوم ذنوب ، أي : طويل الشرّ لا ينقضي ، وأصل الذّنوب في اللغة الدلو العظيمة ، ومن استعمال الذنوب في النصب من الشيء قول الشاعر (١) :

لعمرك والمنايا طارقات

لكلّ بني أب منها ذنوب

وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير ، فهو تمثيل ، جعل الذنوب مكان الحظ والنصيب ، قاله ابن قتيبة (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي : لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب ، كما في قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢). (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) قيل : هو يوم القيامة ، وقيل : يوم بدر ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.

وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) عن ابن عباس قال : بقومه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عنه في قوله : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) قال : الشديدة التي لا تلقح شيئا. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب ، وفي قوله : (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) قال : كالشيء الهالك. وأخرج الفريابي وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال : الريح : العقيم النكباء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) قال : بقوة. وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر في قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال : أمره الله أن يتولّى عنهم ليعذبهم ، وعذر محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) فنسختها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ

__________________

(١). هو أبو ذؤيب.

(٢). الأعراف : ٧٠.

١١١

إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قال : ليقرّوا بالعبودية طوعا أو كرها. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال : على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عنه أيضا في قوله : (الْمَتِينُ) يقول : الشديد. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (ذَنُوباً) قال : دلوا.

* * *

١١٢

سورة الطّور

وهي مكية ، قال القرطبي : في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت الطور بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في المغرب بالطور. وأخرج البخاري وغيره عن أمّ سلمة : «أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠))

قوله : (وَالطُّورِ) قال الجوهري : هو الجبل الّذي كلّم الله عليه موسى. قال مجاهد : الطور بالسريانية الجبل ، والمراد به طور سيناء. قال مقاتل بن حيان : هما طوران : يقال لأحد هما طور سينا ، وللآخر طور زيتا ، لأنهما ينبتان التين والزيتون. وقيل : هو جبل مدين ، وقيل : إن الطور كل جبل ينبت ، وما لا ينبت فليس بطور ، أقسم الله سبحانه بهذا الجبل تشريفا له وتكريما. (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) المسطور : المكتوب ، والمراد بالكتاب : القرآن ، وقيل : هو اللوح المحفوظ ، وقيل : جميع الكتب المنزلة ، وقيل : ألواح موسى ، وقيل : ما تكتبه الحفظة ، قاله الفراء وغيره ، ومثله : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١) وقوله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (٢) (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) متعلّق بمسطور ، أي : مكتوب في رقّ. قرأ الجمهور : (فِي رَقٍ) بفتح الراء ، وقرأ أبو السمال بكسرها. قال الجوهري : الرّقّ بالفتح ما يكتب فيه ، وهو جلد رقيق ، ومنه قوله تعالى : (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) قال المبرد : الرقّ : ما رقّ من الجلد ليكتب فيه ، والمنشور : المبسوط. قال أبو عبيدة : وجمعه رقوق ، ومن هذا قول المتلمّس :

__________________

(١). الإسراء : ١٣.

(٢). التكوير : ١٠.

١١٣

فكأنّما هي من تقادم عهدها

رقّ أتيح كتابها مسطور

وأما الرّقّ بالكسر فهو المملوك ، يقال عبد رقّ وعبد مرقوق (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) في السماء السابعة. وقيل : في سماء الدنيا ، وقيل : هو الكعبة ، فعلى القولين الأوّلين كون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة ويعبد الله فيه. وعلى القول الثالث يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازا ؛ باعتبار كثرة من يتعبّد فيه من بني آدم (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) يعني السماء ، سمّاها سقفا لكونها كالسقف للأرض ، ومنه قوله : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) (١) وقيل : هو العرش (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي : الموقد ، من السجر : وهو إيقاد النار في التنور ، ومنه قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٢) وقد روي أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون نارا ، وقيل : المسجور : المملوء ، وقيل : إنه من أسماء الأضداد ، يقال : بحر مسجور ، أي : مملوء ، وبحر مسجور ، أي : فارغ ، وقيل : المسجور : الممسوك ، ومنه ساجور الكلب ، لأنه يمسكه. وقال أبو العالية : المسجور الّذي ذهب ماؤه ، وقيل : المسجور المفجور ، ومنه : (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (٣) وقال الربيع ابن أنس : هو الّذي يختلط فيه العذب بالمالح. والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش وغيرهم (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) هذا جواب القسم ، أي : كائن لا محالة لمن يستحقه (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفعه ويردّه عن أهل النار ، وهذه الجملة خبر ثان لأن ، أو صفة لواقع ، و «من» مزيدة للتأكيد. ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالّة على كمال القدرة الربانية (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) العامل في الظرف «لواقع» أي : إنه لواقع في هذا اليوم ، ويجوز أن يكون العامل فيه دافع. والمور : الاضطراب والحركة. قال أهل اللغة : مار الشيء يمور مورا ؛ إذا تحرك وجاء وذهب ، قاله الأخفش وأبو عبيدة ، وأنشد بيت الأعشى :

كأنّ مشيتها من بيت جارتها

مشي (٤) السّحابة لا ريث ولا عجل

وليس في البيت ما يدلّ على ما قالاه إلا إذا كانت هذه المشية المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة. وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض ، وقال مجاهد : تدور دورا ، وقيل : تجري جريا ، ومنه قول الشاعر (٥) :

وما زالت القتلى تمور دماؤها

بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (٦)

ويطلق المور على الموج ، ومنه ناقة موّارة اليد ، أي : سريعة تموج في مشيها موجا ، ومعنى الآية أن العذاب

__________________

(١). الأنبياء : ٣٢.

(٢). التكوير : ٦.

(٣). الانفطار : ٣.

(٤). في تفسير القرطبي : مور.

(٥). هو جرير.

(٦). «الأشكل» : ما فيه بياض وحمرة.

١١٤

يقع بالعصاة ولا يدفعه عنهم دافع في هذا اليوم الّذي تكون فيه السماء هكذا ، وهو يوم القيامة. وقيل : إن السماء ها هنا الفلك ، وموره : اضطراب نظمه واختلاف سيره (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) أي : تزول عن أماكنها ، وتسير عن مواضعها كسير السحاب ، وتكون هباء منبثّا ، وقيل : ووجه تأكيد الفعلين بالمصدر الدالة على غرابتهما وخروجهما عن المعهود ، وقد تقدّم تفسير مثل هذا في سورة الكهف (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ويل : كلمة تقال للهالك ، واسم واد في جهنم ، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة ، أي : إذا وقع ما ذكر من مور السماء وسير الجبال فويل لهم. ثم وصف المكذّبين بقوله : (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أي : في تردّد في الباطل واندفاع فيه يلهون لا يذكرون حسابا ولا يخافون عقابا. والمعنى : أنهم يخوضون في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتكذيب والاستهزاء ، وقيل : يخوضون في أسباب الدنيا ويعرضون عن الآخرة (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) الدعّ : الدفع بعنف وجفوة ، يقال : دعّته أدعّه دعّا ، أي : دفعته ، والمعنى : أنهم يدفعون إلى النار دفعا عنيفا شديدا. قال مقاتل : تغلّ أيديهم إلى أعناقهم ، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم. قرأ الجمهور : بفتح الدال وتشديد العين. وقرأ عليّ والسلمي وأبو رجاء وزيد بن عليّ وابن السّميقع بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة ، أي : يدعون إلى النار من الدعاء. و «يوم» إما بدل من يوم تمور ، أو متعلق بالقول المقدر في الجملة التي بعد هذه ، وهي (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أي : يقال لهم ذلك يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ، أي : هذه النار التي تشاهدونها هي النار التي كنتم تكذّبون بها في الدنيا ، والقائل لهم بهذه المقالة هم خزنة النار ، ثم وبّخهم سبحانه أو أمر ملائكته بتوبيخهم ، فقال : (أَفَسِحْرٌ هذا) الّذي ترون وتشاهدون كما كنتم تقولون لرسل الله المرسلة ولكتبه المنزلة ، وقدّم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الّذي وقع الاستفهام عنه وتوجه التوبيخ إليه (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) أي : أم أنتم عمي عن هذا كما كنتم عميا عن الحقّ في الدنيا (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) أي : إذا لم يمكنكم إنكارها ، وتحققتم أن ذلك ليس بسحر ، ولم يكن في أبصاركم خلل ، فالآن ادخلوها وقاسوا شدّتها ، فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا ، وافعلوا ما شئتم ، فالأمران (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) في عدم النفع ، وقيل : أيضا تقول لهم الملائكة هذا القول ، وسواء خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمران سواء ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، أي : سواء عليكم الصبر وعدمه ، وجملة : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تعليل للاستواء ، فإن الجزاء بالعمل إذا كان واقعا حتما كان الصبر وعدمه سواء (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) لما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين ، وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة ، ويجوز أن تكون من جملة ما يقال للكفار زيادة في غمّهم وحسرتهم ، والتنوين (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) للتفخيم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) يقال رجل فاكه ، أي : ذو فاكهة ، كما قيل : لابن ، وتامر. والمعنى : أنهم ذوو فاكهة من فواكه الجنة ، وقيل : ذوو نعمة وتلذّذ بما صاروا فيه ممّا أعطاهم الله عزوجل مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وقد تقدّم بيان معنى هذا. قرأ الجمهور : (فاكِهِينَ) بالألف والنصب على الحال. وقرأ خالد : «فاكهون» بالرفع على أنه خبر بعد خبر. وقرأ ابن عباس : «فكهين»

١١٥

بغير ألف ، والفكه : طيب النفس ، كما تقدم في الدخان ، ويقال للأشر والبطر ، ولا يناسب التفسير به هنا (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) معطوف على آتاهم ، أو على خبر إنّ ، أو الجملة في محل نصب على الحال بإضمار قد (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي : يقال لهم ذلك ، والهنيء : ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر. قال الزجاج : أي ليهنئكم ما صرتم إليه هنيئا والمعنى : كلوا طعاما هنيئا ، واشربوا شرابا هنيئا ، وقد تقدم تفسير هنيئا في سورة النساء ، وقيل : معنى هنيئا : أنكم لا تموتون (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) انتصابه على الحال من فاعل كلوا ، أو من مفعول آتاهم ، أو من مفعول وقاهم ، أو من الضمير المستكنّ في الظرف ، أو من الضمير في فاكهين. قرأ الجمهور : (عَلى سُرُرٍ) بضم الراء الأولى. وقرأ أبو السمال : بفتحها ، والسّرر : جمع سرير. والمصفوفة : المتصل بعضها ببعض حتى تصير صفا (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي : قرنّاهم بها. قال يونس بن حبيب : تقول العرب زوّجته امرأة وتزوّجت بامرأة ، وليس من كلام العرب زوّجته بامرأة. قال : وقول الله تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي : قرناهم بهنّ. وقال الفرّاء : زوّجته بامرأة لغة أزد شنوءة ، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الدخان. قرأ الجمهور : (بِحُورٍ عِينٍ) من غير إضافة. وقرأ عكرمة بإضافة الحور إلى العين.

وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس (وَالطُّورِ) قال : جبل. وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الطور : جبل من جبال الجنة» وكثير : ضعيف جدا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) قال : في الكتاب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة» ، وفي الصحيحين وغير هما : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزه إلى السماء السابعة : «ثم رفع إليّ البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه». وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء سأل عليا عن البيت المعمور فقال : ذلك الضراح بيت فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه أبدا إلى يوم القيامة. وأخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر ورفعه. قال : إن البيت المعمور لبحيال الكعبة ، لو سقط منه شيء لسقط عليها ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا ، ثم لا يعودون إليه. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه ، وضعّف إسناده السيوطي. وأخرج ابن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) قال : السماء. وأخرج عبد الرّزّاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال : بحر في السماء تحت العرش. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : المسجور : المحبوس. وأخرج ابن المنذر عنه قال : المسجور :

١١٦

المرسل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) قال : تحرك ، وفي قوله : (يَوْمَ يُدَعُّونَ) قال : يدفعون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) قال : يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي : لا تموتون فيها ، فعندها قالوا : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ـ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤))

لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم على الخصوص ، فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) والموصول مبتدأ ، وخبره (أَلْحَقْنا بِهِمْ) ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدّر ، أي : وأكرمنا الذين آمنوا ، ويكون «ألحقنا» مفسرا لهذا الفعل المقدّر. قرأ الجمهور : (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بإسناد الفعل إلى الذرّية. وقرأ أبو عمرو : «أتبعناهم» بإسناد الفعل إلى المتكلم ، كقوله : ألحقنا. وقرأ الجمهور : (ذُرِّيَّتُهُمْ) بالإفراد. وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب على الجمع ، وجملة : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) معطوف على آمنوا ، أو معترضة ، و (بِإِيمانٍ) متعلّق بالاتباع ، ومعنى هذه الآية : أن الله سبحانه يرفع ذرّية المؤمن إليه وإن كانوا دونه في العمل ؛ لتقر عينه ، وتطيب نفسه ، بشرط أن يكونوا مؤمنين ، فيختصّ ذلك بمن يتّصف بالإيمان من الذرية وهم البالغون دون الصغار ، فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم فبدليل آخر غير هذه الآية. وقيل : إن الذرّية تطلق على الكبار والصغار كما هو المعنى اللغوي ، فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذرّيتهم وكبارهم ، ويكون قوله : (بِإِيمانٍ) في محل نصب على الحال ، أي : بإيمان من الآباء. وقيل : إن الضمير في «بهم» راجع إلى الذرّيّة المذكورة أوّلا ، أي : ألحقنا بالذرّية المتبعة لآبائهم بإيمان ذرّيتهم. وقيل : المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار فقط ، وظاهر الآية العموم ، ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار كونهم السبب في نزولها إن صحّ ذلك ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قرأ الجمهور بفتح اللام من (أَلَتْناهُمْ) وقرأ ابن كثير بكسرها ،

__________________

(١). الصافات : ٥٨ ـ ٥٩.

١١٧

أي : وما نقصنا الآباء بإلحاق ذرّيتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئا ، فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا. وقيل : المعنى : وما نقصنا الذرية من أعمالهم لقصر أعمارهم ، والأول أولى ، وقد قدّمنا تحقيق معنى لاته وألاته في سورة الحجرات. وقرأ ابن هرمز (١) آلتناهم بالمدّ ، وهو لغة. قال في الصحاح : يقال : ما ألته من عمله شيئا ، أي : ما نقصه (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) رهين بمعنى مرهون ، والظاهر أنه عامّ ، وأن كل إنسان مرتهن بعمله ، فإن قام به على الوجه الّذي أمره الله به فكّه وإلا أهلكه. وقيل : هو بمعنى راهن ، كلّ امرئ بما كسب دائم ثابت. وقيل : هذا خاصّ بالكفار لقوله : ؛ (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ـ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) (٢) ثم ذكر سبحانه ما أمدّهم به من الخير فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي : زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوّعة ، ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم ويستطيبونه (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي : يتعاطون ويتناولون كأسا ، والكأس : إناء الخمر ، ويطلق على كل إناء مملوء من خمر أو غيره ، فإذا فرغ لم يسمّ كأسا (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) قال الزجاج : لا يجري بينهم ما يلغي ولا ما فيه إثم يجري بين من يشرب الخمر في الدنيا ، والتأثيم : تفعيل من الإثم ، والضمير في (فِيها) راجع إلى الكأس ، وقيل : (لا لَغْوٌ فِيها) أي : في الجنة ولا يجري فيها ما فيها إثم ، والأوّل أولى. قال ابن قتيبة : لا تذهب بعقولهم فيلغوا كما يكون من خمر الدنيا ، ولا يكون منهم ما يؤثمهم. وقال الضحاك : (لا تَأْثِيمٌ) أي : لا كذب. قرأ الجمهور : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) بالرفع والتنوين فيهما. وقرأ ابن كثير وابن محيصن بفتحهما من غير تنوين. قال قتادة : اللغو : الباطل. وقال مقاتل بن حيان : لا فضول فيها. وقال سعيد ابن المسيب : لا رفث فيها. وقال ابن زيد : لا سباب ولا تخاصم فيها. والجملة في محل نصب على الحال صفة لكأسا (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ) أي : يطوف عليهم بالكأس والفواكه والطعام وغير ذلك مماليك لهم ، وقيل : أولادهم (كَأَنَّهُمْ) في الحسن والبهاء (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) أي : مستور مصون في الصّدف لم تمسّه الأيدي. قال الكسائي : كننت الشيء : سترته وصنته من الشمس ، وأكننته : جعلته في الكنّ ، ومنه : كننت الجارية ، وأكننتها ، فهي مكنونة (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي : يسأل بعضهم بعضا في الجنة عن حاله ، وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة ، فيحمدون الله الّذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهمّ ، وما كانوا فيه من الكدّ والنكد بطلب المعاش وتحصيل ما لا بدّ منه من الرزق. وقيل : يقول بعضهم لبعض : بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل : إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور. والأوّل أولى لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة ، وجملة (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل : قالوا إنّا كنّا قبل ، أي : قبل الآخرة ، وذلك في الدنيا في أهلنا خائفين وجلين من عذاب الله ، أو كنا خائفين من عصيان الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة أو بالتوفيق لطاعته (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) يعني عذاب جهنم ، والسّموم من أسماء جهنم ، كذا قال

__________________

(١). في تفسير القرطبي (١٧ / ٦٧) : أبو هريرة.

(٢). المدثر : ٣٨ ـ ٣٩.

١١٨

الحسن ومقاتل. وقال الكلبي وأبو عبيدة : هو عذاب النار. وقال الزجّاج : سموم جهنم ما يوجد من حرّها. قال أبو عبيدة : السّموم بالنهار ، وقد يكون بالليل ، والحرور بالليل ، وقد يكون بالنهار ، وقد يستعمل السموم في لفح البرد ، وفي لفح الشمس والحرّ أكثر ، ومنه قول الشاعر :

اليوم يوم بارد سمومه

من جزع اليوم فلا ألومه

وقيل : سميت الريح سموما لأنها تدخل المسامّ (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) أي : نوحّد الله ونعبده ، أو نسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة والرّحمة (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) قرأ الجمهور بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرأ نافع والكسائي بفتحها ، أي لأنه ، والبرّ : كثير الإحسان ، وقيل : اللطيف ، والرّحيم : كثير الرحمة لعباده (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) أي : اثبت على ما أنت عليه من الوعظ والتذكير ، والباء متعلّقة بمحذوف هو حال ، أي : ما أنت متلبسا بنعمة ربك التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل والنبوّة بكاهن ولا مجنون ، وقيل : بمحذوف يدل عليه الكلام ، أي : ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربّك بكاهن ولا مجنون ، وقيل : الباء سببية متعلّقة بمضمون الجملة المنفية ، والمعنى : انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك ، كما تقول : ما أنا بمعسر بحمد الله. وقيل : الباء للقسم متوسطة بين اسم ما وخبرها ، والتقدير : ما أنت ونعمة الله بكاهن ولا مجنون ، والكاهن : هو الّذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي ، أي : ليس ما تقوله كهانة ، فإنك إنما تنطق بالوحي الّذي أمرك الله بإبلاغه. والمقصود من الآية ردّ ما كان يقوله المشركون : إنه كاهن أو مجنون (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) «أم» هي المنقطعة ، وقد تقدّم الخلاف هل هي مقدّرة ببل والهمزة ، أو ببل وحدها. قال الخليل : هي هنا للاستفهام. قال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم. قال النحاس : يريد سيبويه أنّ «أم» في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث ، و «نتربص» في محل رفع صفة لشاعر ، و «ريب المنون» : صروف الدهر ، والمعنى : ننتظر به حوادث الأيام فيموت كما مات غيره ، أو يهلك كما هلك من قبله ، والمنون يكون بمعنى الدهر ، ويكون بمعنى المنية. قال الأخفش : المعنى نتربّص إلى ريب المنون ، فحذف حرف الجرّ ، كما تقول : قصدت زيدا ، وقصدت إلى زيد ، ومن هذا قول الشاعر :

ترّبص بها ريب المنون لعلّها

تطلّق يوما أو يموت حليلها

وقول أبي ذؤيب الهذلي :

أمن المنون وريبه تتوجع

والدّهر ليس بمعتب من يجزع

قال الأصمعي : المنون واحد لا جمع له. قال الفرّاء : يكون واحدا وجمعا. وقال الأخفش : هو جمع لا واحد له. ثم أمره سبحانه أن يجيب عنهم ، فقال : (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي : انتظروا موتي أو هلاكي ، فإني معكم من المتربّصين لموتكم أو هلاككم. قرأ الجمهور «نتربص» بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين. وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول. (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) أي : بل

١١٩

أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض ، فإن الكاهن هو المفرط في الفطنة والذكاء ، والمجنون : هو ذاهب العقل فضلا عن أن يكون له فطنة وذكاء. قال الواحدي : قال المفسرون : كانت عظماء قريش توصف بالأحلام ، وجاوزوا الحدّ في العناد ، فقالوا ما قالوا ، وهذه الاضطرابات من شيء إلى شيء مع الاستفهام كما هو مدلول «أم» المنقطعة تدل على أن ما تعقبها أشنع ممّا تقدّمها ، وأكثر جرأة وعنادا (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي : اختلق القرآن من جهة نفسه وافتعله ، والتقوّل لا يستعمل إلا في الكذب في الغالب ، وإن كان أصله تكلّف القول ، ومنه اقتال عليه ، ويقال اقتال عليه : بمعنى تحكّم ، ومنه قول الشاعر (١) :

ومنزلة في دار صدق وغبطة

وما اقتال في حكم عليّ طبيب

ثم أضرب سبحانه عن قولهم : (تَقَوَّلَهُ) وانتقل إلى ما هو أشدّ شناعة عليهم فقال : (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي : سبب صدور هذه الأقوال. المتناقضة عنهم كونهم كفارا لا يؤمنون بالله ، ولا يصدقون ما جاء به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم تحدّاهم سبحانه وألزمهم الحجّة فقال : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) أي : مثل القرآن في نظمه ، وحسن بيانه ، وبديع أسلوبه (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) فيما زعموا من قولهم : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقوّله وجاء به من جهة نفسه مع أنه كلام عربيّ ، وهم رؤوس العرب وفصحاؤهم والممارسون لجميع الأوضاع العربية من نظم ونثر.

وقد أخرج سعيد بن منصور وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : «إن الله ليرفع ذرّية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه. ثم قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ)» الآية. وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعا. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك ، فيقول : يا ربّ قد عملت لي ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به» وقرأ ابن عباس (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) الآية. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية. وإسناده هكذا. قال عبد الله بن أحمد : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا محمد بن فضيل ، عن محمد بن عثمان ، عن زاذان ، عن عليّ بن أبي طالب قال : «سألت خديجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هما في النار ، فلما رأى الكراهة في وجهها قال : لو رأيت مكانهما لأبغضتهما ، قالت : يا رسول الله فولديّ منك. قال : في الجنة ، قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار ، ثم قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا)» الآية. وقال الإمام أحمد في المسند : حدّثنا يزيد ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النّجود ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة ، فيقول : يا ربّ

__________________

(١). هو كعب بن سعد الغنوي.

١٢٠