فتح القدير - ج ٣

محمد بن علي بن محمد الشوكاني

فتح القدير - ج ٣

المؤلف:

محمد بن علي بن محمد الشوكاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن كثير
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٧

(أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) قال : من الميّتين. وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من بثّ لم يصبر ، ثم قرأ (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)». وأخرج ابن مندة في المعرفة ، عن مسلم بن يسار عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فذكره. وأخرج ابن مردويه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن عبد الرحمن بن يعمر مرفوعا مرسلا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) قال : همّي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني سأسجد له.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) قال : من رحمة الله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : من فرج الله أن يفرج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) قال : أي الضرّ في المعيشة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بِبِضاعَةٍ) قال : دراهم (مُزْجاةٍ) قال : كاسدة. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال : مزجاة : رثة المتاع خلقة الحبل والغرارة والشيء (١). وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا مزجاة قال : الورق الزيوف التي لا تنفق حتى يوضع منها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جرير في قوله : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) قال : اردد علينا أخانا.

(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨))

__________________

(١). كذا في تفسير ابن جرير وابن كثير والمطبوع ، ولعل الصواب (الشنّ) وهو القربة الخلق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيرها.

٦١

الاستفهام في قوله : (هَلْ عَلِمْتُمْ) للتّوبيخ والتّقريع ، وقد كانوا عالمين بذلك ، ولكنه أراد ما ذكرناه ، ويستفاد منه تعظيم الواقعة لكونه في قوّة ؛ ما أعظم الأمر الذي ارتكبتم من يوسف وأخيه ، وما أقبح ما أقدمتم عليه؟ كما يقال للمذنب : هل تدري من عصيت؟ والذي فعلوا بيوسف هو ما تقدّم ممّا قصّه الله سبحانه علينا في هذه السورة ، وأما ما فعلوا بأخيه ؛ فقال جماعة من المفسرين : هو ما أدخلوه عليه من الغمّ بفراق أخيه يوسف ، وما كان يناله منهم من الاحتقار والإهانة ، ولم يستفهمهم عمّا فعلوا بأبيهم يعقوب مع أنه قد ناله منهم ما قصّه فيما سبق من صنوف الأذى. قال الواحدي : ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغمّ بفراقه تعظيما له ورفعا من قدره ، وعلما بأن ذلك كان بلاء له من الله عزوجل ليزيد في درجته عنده (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) نفى عنهم العلم وأثبت لهم صفة الجهل ؛ لأنهم لم يعملوا بما يقتضيه العلم ، وقيل : إنه أثبت لهم صفة الجهل لقصد الاعتذار عنهم وتخفيف الأمر عليهم ، فكأنه قال : إنما أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر وقت عدم علمكم بما فيه من الإثم وقصور معارفكم عن عاقبته ، وما يترتّب عليه ، أو أراد أنهم عند ذلك في أوان الصبا وزمان الصغر ، اعتذارا لهم ودفعا لما يدهمهم من الخجل والحيرة مع علمه وعلمهم بأنهم كانوا في ذلك الوقت كبارا (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) قرأ ابن كثير «إنك» على الخبر بدون استفهام ، وقرأ الباقون على الاستفهام التقديري ، وكان ذلك منهم على طريق التعجب والاستغراب ، قيل : سبب معرفتهم له بمجرد قوله لهم : (ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) أنهم لما قال لهم ذلك تنبهوا وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلا هو ؛ وقيل : إنه لما قال لهم بهذه المقالة وضع التاج عن رأسه فعرفوه ؛ وقيل : إنه تبسّم فعرفوا ثناياه (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) أجابهم بالاعتراف بما سألوه عنه. قال ابن الأنباري : أظهر الاسم فقال أنا يوسف ولم يقل أنا هو ، تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته ، كأنه قال : أنا المظلوم المستحل منه المحرّم المراد قتله. فاكتفى بإظهار الاسم عن هذه المعاني ، وقال : وهذا أخي مع كونهم يعرفونه ولا ينكرونه ؛ لأنّ قصده وهذا أخي المظلوم كظلمي (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالخلاص عمّا ابتلينا به ؛ وقيل : منّ الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة ؛ وقيل : بالجمع بيننا بعد التفرق ، ولا مانع من إرادة جميع ذلك (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) قرأ الجمهور بالجزم على أنّ من شرطية. وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في يتقي. كما في قول الشاعر :

إ لم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

وقيل : إنه جعل من موصولة لا شرطية ، وهو بعيد. والمعنى : إنه من يفعل التقوى أو يفعل ما يقيه عن الذنوب ويصير على المصائب (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) على العموم ، فيدخل فيه ما يفيده السياق دخولا أوّليا ، وجاء بالظاهر ، وكان المقام مقام المضمر ، أي : أجرهم للدلالة على أنّ الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي لقد اختارك وفضّلك علينا بما خصّك به من صفات الكمال ، وهذا اعتراف منهم بفضله وعظيم قدره ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا أنبياء ، فإنّ

٦٢

درج الأنبياء متفاوتة ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١). (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي : وإن الشأن ذلك. قال أبو عبيدة : خطىء وأخطأ بمعنى واحد. وقال الأزهري : المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ، ومنه قولهم : المجتهد يخطئ ويصيب ، والخاطئ من تعمّد ما لا ينبغي. قالوا هذه المقالة المتضمنة للاعتراف بالخطإ والذنب استجلابا لعفوه واستجذابا لصفحه (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) التثريب : التّعيير والتوبيخ ؛ أي : لا تعيير ولا توبيخ ، ولا لوم عليكم. قال الأصمعي : ثرّبت عليه : قبّحت عليه فعله. وقال الزّجّاج : المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوّة ، ولكم عندي الصّلح والعفو ، وأصل التثريب الإفساد ، وهي لغة أهل الحجاز. وقال ابن الأنباري : معناه قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. قال ثعلب : ثرب فلان على فلان إذا عدّد عليه ذنوبه ، وأصل التثريب من الثرب ، وهو الشّحم الذي هو غاشية الكرش ، ومعناه إزالة التثريب ، كما أنّ التجليد والتّقريع إزالة الجلد والقرع وانتصاب اليوم بالتثريب ؛ أي : لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدّر في عليكم وهو مستقرّ أو ثابت أو نحوهما ، أي : لا تثريب مستقرّ أو ثابت عليكم. وقد جوّز الأخفش الوقف على (عَلَيْكُمُ) فيكون اليوم متعلّق بالفعل الذي بعده. وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري ، ثم دعا لهم بقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) على تقدير الوقف على اليوم ، أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على عليكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم ، فيجازي محسنهم ويغفر لمسيئهم. قوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) قيل : هذا القميص هو القميص الذي ألبسه الله إبراهيم لما ألقي في النار ، وكساه إبراهيم إسحاق ، وكساه إسحاق يعقوب. وكان يعقوب أدرج هذا القميص في صبة (٢) وعلّقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين ، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود عليه بصره لأنّ فيه ريح الجنة ، وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا شفي ولا مبتلى إلا عوفي (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) أي يصير بصيرا ، على أن «يأت» هي التي من أخوات كان ، قال الفرّاء : يرجع بصيرا. وقال السدّي : يعود بصيرا. وقيل معناه : يأت إليّ إلى مصر وهو بصير قد ذهب عنه العمى ، ويؤيده قوله : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذراري ، قيل : كانوا نحو سبعين ، وقيل : ثلاثة وتسعين (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام. يقال : فصل فصولا ، وفصلته فصلا ، لازم ومتعد ، ويقال : فصل من البلد فصولا : إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه (قالَ أَبُوهُمْ) أي يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) قيل : إنها هاجت ريح فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة ، فأخبرهم بما وجد. ثم قال : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) لو لا أن تنسبوني إلى الفند ، وهو ذهاب العقل من الهرم ، يقال أفند الرجل : إذا خرف وتغيّر عقله. وقال أبو عبيدة : لو لا أن تسفهون ، فجعل الفند السفه ، وقال الزجاج : لو لا أن تجهلون ، فجعل الفند الجهل ، ويؤيد قول من قال إنه السفه قول النابغة :

__________________

(١). البقرة : ٢٥٣.

(٢). في تفسير القرطبي (٩ / ٢٥٨) : قصبة من فضة.

٦٣

إلّا سليمان إذ قال المليك له

قم في البريّة فاحددها عن الفند

أي أمنعها عن السّفه. وقال أبو عمرو الشيباني : التفنيد : التقبيح ، ومنه قول الشاعر :

يا صاحبيّ دعا لومي وتفنيدي

فليس ما فات من أمري بمردود

وقيل : هو الكذب ، ومنه قول الشاعر :

هل في افتخار الكريم من أود (١)

أم هل لقول الصدّيق من فند

وقال ابن الأعرابي (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) لو لا أن تضعّفوا رأيي. وروي مثله عن أبي عبيدة. وقال الأخفش : التفنيد اللوم وضعف الرأي. وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي ، يقال : فنّده تفنيدا : إذا أعجزه ، وأفند : إذا تكلم بالخطإ ، والفند : الخطأ في الكلام ، وممّا يدل على إطلاقه على اللوم قول الشاعر :

يا عاذليّ دعا الملام وأقصرا

طال الهوى وأطلتما التّفنيدا

أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه ، وأنه لو لا ما يخشاه من التفنيد لما شكّ في ذلك :

فإن الصّبا ريح إذا ما تنفست

على نفس مهموم تجلت همومها

إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني

نسيم الصّبا من حيث ما يطلع الفجر

ولقد تهبّ لي الصّبا من أرضها

فيلذّ مسّ هبوبها ويطيب

(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي قال الحاضرون عنده من أهله : إنك يا يعقوب لفي ذهابك عن طريق الصواب الذي كنت عليه قديما من إفراط حبك ليوسف لا تنساه ، ولا تفتر عنه ، ولسان حال يعقوب يقول لهم :

لا يعرف الشوق إلا من يكابده

ولا الصّبابة إلا من يعانيها

لا تعذل المشتاق في أشواقه

حتى تكون حشاك في أحشائه

وقيل : المعنى : إنك لفي جنونك القديم ، وقيل : في محبتك القديمة. قالوا له ذلك لأنه لم يكن قد بلغهم قدوم البشير (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) قال المفسرون : البشير : هو يهوذا بن يعقوب قال لإخوته : أنا جئته بالقميص ملطخا بالدم ، فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حيّ ، فأفرحه كما أحزنته (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب ، أو ألقاه يعقوب على وجه نفسه (فَارْتَدَّ بَصِيراً) الارتداد : انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها ، والمعنى : عاد ورجع إلى حالته الأولى من صحة بصره (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) أي قال يعقوب لمن كان عنده من أهله الذين قال لهم : إنّي لأجد ريح يوسف ، ألم أقل لكم هذا القول

__________________

(١). «أود» : عوج.

٦٤

فقلتم ما قلتم ، ويكون قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) كلاما مبتدأ لا يتعلق بالقول ، ويجوز أن تكون جملة (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) مقول القول ، ويريد بذلك إخبارهم بما قاله لهم سابقا : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١). (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) طلبوا منه أن يستغفر لهم ، واعترفوا بالذنب ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : ولما رجعوا من مصر ووصلوا إلى أبيهم قالوا هذا القول ، فوعدهم بما طلبوه منه و (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) قال الزّجّاج : أراد يعقوب أن يستغفر لهم في وقت السحر ؛ لأنه أخلق بإجابة الدعاء ، لا أنه بخل عليهم بالاستغفار ، وقيل : أخّره إلى ليلة الجمعة ، وقيل : أخّره إلى أن يستحلّ لهم من يوسف ، ولم يعلم أنه قد عفا عنهم ، وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) تعليل لما قبله.

وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله : (لا تَثْرِيبَ) قال : لا تعيير. وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : «لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة التفت إلى الناس فقال : ماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟ فقالوا : ابن عمّ كريم ، فقال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه. وأخرج البيهقي في «الدلائل» عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني قال : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ؛ ألم تر إلى قول يوسف (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ). وقال يعقوب : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي).

أقول : وفي هذا الكلام نظر فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم : (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) فقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ؛ لأنّ مقصودهم صدور العفو منه عنهم ، وطلبوا من أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم ، وهو لا يكون إلا بطلب ذلك منه إلى الله عزوجل ، وبين المقامين فرق ، فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلا عليهم بسؤال الله لهم ، ولا سيما إذا صح ما تقدّم من أنه أخّر ذلك إلى وقت الإجابة ؛ فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له علم بالقبول.

وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : لما كان من أمر إخوة يوسف ما كان ، كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون ، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإنا أهل بيت مولع بنا أسباب البلاء ، كان جدّي إبراهيم خليل الله ألقي في النار في طاعة ربه ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وأمر الله جدّي أن يذبح له أبي ففداه الله بما فداه ، وكان لي ابن وكان من أحبّ الناس إليّ ففقدته ، فأذهب حزني عليه نور بصري ، وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فأذهب عني بعض وجدي ، وهو المحبوس عندك في السرقة ، وإني أخبرك أني لم أسرق ، ولم ألد سارقا ؛ فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً). وأخرج أبو الشيخ عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١). يوسف : ٨٦.

٦٥

قال في قوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) : «أنّ نمروذ لما ألقى إبراهيم في النار ؛ نزل إليه جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة ، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة ، وقعد معه يتحدّث ، فأوحى الله إلى النار في قوله : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً). ولو لا أنه قال وسلاما لآذاه البرد». وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعا : «إن الله كسا إبراهيم ثوبا من الجنة ، فكساه إبراهيم إسحاق ، وكساه إسحاق يعقوب ، فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد وعلّقه في عنق يوسف ، ولو علم إخوته إذ ألقوه في الجب لأخذوه ؛ فلما أراد الله أن يردّ يوسف على يعقوب كان بين رؤياه وتعبيره أربعون سنة أمر البشير أن يبشره من ثمان مراحل ، فوجد يعقوب ريحه فقال : إني لأجد ريح يوسف لو لا أن تفندون ، فلما ألقاه على وجهه ارتدّ بصيرا ، وليس يقع شيء من الجنة على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله».

وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وأحمد في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) قال : لما خرجت العير هاجت الريح ، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) تسفهون ، فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال : وجد ريحه من مسيرة عشرة أيام. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عنه قال : وجده من مسيرة ثمانين فرسخا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) قال : تجهلون. وأخرج ابن جرير عنه أيضا ، قال : تكذبون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : تهرمون ، يقولون قد ذهب عقلك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع قال : لو لا أن تحمّقون.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) يقول : خطئك القديم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : جنونك القديم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : حبك القديم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : البشير البريد. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحّاك مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان قال : البشير هو يهوذا بن يعقوب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما أن جاء البشير إلى يعقوب فألقى عليه القميص قال : على أيّ دين خلفت يوسف؟ قال : على الإسلام. قال : الآن تمت النعمة. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) قال : إن يعقوب أخّر بنيه إلى السّحر. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : أخّرهم إلى السّحر ، وكان يصلّي بالسّحر. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عنه قال : أخّرهم إلى السحر لأنّ دعاء السّحر مستجاب. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قصة : «هو قول أخي يعقوب لبنيه : سوف أستغفر لكم ربي» يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة.

٦٦

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١))

قوله : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) لعلّ في الكلام محذوفا مقدّرا ، وهو : فرحل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر ، فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ، أي : ضمّهما وأنزلهما عنده. قال المفسرون : المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف ؛ لأنّ أمه قد كانت ماتت في ولادتها لأخيه بنيامين كما تقدم ؛ وقيل : أحيا الله له أمه تحقيقا للرؤيا حتى سجدت له ، في قوله : (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ممّا تكرهون ، وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ، ولا يدخلونها إلا بجواز منهم. قيل : والتقييد بالمشيئة عائد إلى الأمن ، ولا مانع من عوده إلى الجميع ؛ لأنّ دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه ، كما أنهم لا يكونون آمنين إلا بمشيئته ؛ وقيل : إنّ التقييد بالمشيئة راجع إلى قوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) وهو بعيد. وظاهر النظم القرآني : أن يوسف قال لهم هذه المقالة ، أي : ادخلوا مصر قبل دخولهم ، وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقّاهم إلى خارج مصر ، فوقف منتظرا لهم في مكان أو خيمة ، فدخلوا عليه ف (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ) فلما دخلوا مصر ، ودخلوا عليه دخولا آخر في المكان الذي له بمصر (رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي أجلسهما معه على السرير الذي يجلس عليه كما هو عادة الملوك (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أي الأبوان والإخوة ؛ والمعنى : أنهم خرّوا ليوسف سجدا ، وكان ذلك جائزا في شريعتهم ، منزّلا منزلة التحية ؛ وقيل : لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء ، وكانت تلك تحيتهم ، وهو يخالف معنى : وخرّوا له سجدا ، فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض ؛ وقيل : الضمير في قوله : (لَهُ) راجع إلى الله سبحانه ، أي : وخرّوا لله سجدا ، وهو بعيد جدا ؛ وقيل : إن الضمير ليوسف ، واللام للتعليل ، أي : وخرّوا لأجله ، وفيه أيضا بعد. وقال يوسف : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ) يعني التي تقدّم ذكرها (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هذا الوقت (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) بوقوع تأويلها على ما دلّت عليه (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) الأصل أن يتعدّى فعل الإحسان بإلى ، وقد يتعدّى بالباء كما في قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، وقيل : إنه ضمن أحسن معنى لطف ، أي : لطف بي محسنا ، ولم يذكر إخراجه من الجبّ ؛ لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة ، وقد قال : لا تثريب عليكم ، وقد تقدّم سبب سجنه ومدّة بقائه فيه ؛ وقد قيل : إن وجه عدم ذكر إخراجه من الجبّ أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجبّ ، وفيه نظر (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) أي البادية ، وهي أرض كنعان بالشام ، وكانوا أهل مواش وبريّة ؛ وقيل : إن الله لم يبعث نبيا من البادية ، وأن المكان الذي كان فيه يعقوب يقال

٦٧

له «بدا» ، وإياه عنى جميل بقوله :

وأنت التي (١) حبّبت شغبا إلى بدا (٢)

إليّ وأوطاني بلاد سواهما

وفيه نظر (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أي أفسد بيننا ، وحمل بعضنا على بعض ، يقال نزغه إذا نخسه ، فأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها ، وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرّما منه وتأدّبا (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) اللطيف : الرفيق ، قال الأزهري : اللطيف من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده ، يقال : لطف فلان بفلان يلطف ؛ إذا رفق به ، وقال عمرو بن أبي عمرو : اللطيف الذي يوصل إليك أربك في لطف. قال الخطابي : اللطيف هو البرّ بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، وقيل : اللطيف العالم بدقائق الأمور ، ومعنى لما يشاء : لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه الصواب (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي العليم بالأمور الحكيم في أفعاله ، ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه‌السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما خوّله من الملك وعلّمه من العلم ، تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع ، فقال : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) من للتبعيض ، أي : بعض الملك ، لأنه لم يؤت كل الملك ، إنما أوتي ملكا خاصا ، وهو ملك مصر في زمن خاص (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي بعضها ، لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم ، أو مجرد تأويل الرؤيا ؛ وقيل : من للجنس كما في قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ، وقيل : زائدة ، أي : آتيتني الملك وعلّمتني تأويل الأحاديث (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) منتصب على أنه صفة لربّ ، لكونه منادى مضافا ، ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدّر ، أي : يا فاطر ، والفاطر : الخالق والمنشئ والمخترع والمبدع (أَنْتَ وَلِيِّي) أي ناصري ومتولّي أموري (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) تتولاني فيهما (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت ، وألحقني بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم ؛ فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك. قيل : إنه لما دعا بهذا الدعاء توفّاه الله عزوجل ، قيل : كان عمره عند أن ألقي في الجبّ سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم أبيه يعقوب عليه ، ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله. قيل : لم يتمنّ الموت أحد غير يوسف لا نبيّ ولا غيره. وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمنّ الموت بهذا الدعاء ، وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين من عباده عند حضور أجله.

وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال : دخل يعقوب مصر في ملك يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، وعاش في ملكه ثلاثين سنة ، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة. قال أبو هريرة : وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (آوى

__________________

(١). في المطبوع : الذي! والمثبت من الديوان ص (٢٠٠)

(٢). شغب : موضع بين المدينة والشام. بدا : واد قرب أيلة من ساحل البحر.

٦٨

إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) قال : أبوه وأمه ضمهما. وأخرجا عن وهب قال أبوه وخالته ، وكانت توفّيت أمّ يوسف في نفاس أخيه بنيامين. وأخرج أبو الشيخ نحوه عن سفيان بن عيينة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) قال : السرير. وأخرج ابن أبي حاتم عن عديّ بن حاتم في قوله : (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) قال : كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لآدم ، وليس سجود عبادة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) قال : لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن ، وجاء بأهله من البدو ، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما سأل نبيّ الوفاة غير يوسف. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال : اشتاق إلى لقاء الله وأحب أن يلحق به وبآبائه ، فدعا الله أن يتوفاه ، وأن يلحقه بهم وأخرج أبو الشيخ عن الضحّاك في قوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) قال : يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : يعني أهل الجنة.

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))

الخطاب بقوله : (ذلِكَ) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مبتدأ خبره (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) ، و (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) خبر ثان. قال الزّجّاج : ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونوحيه خبره ، أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك. والمعنى : الإخبار من الله تعالى لرسوله بأن هذا الذي قصّه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأوحاه الله إليه وأعلمه به ، ولم يكن عنده قبل الوحي شيء من ذلك ، وفيه تعريض بكفار قريش ، لأنّهم كانوا مكذّبين له صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما جاء به جحودا وعنادا وحسدا مع كونهم يعلمون حقيقة الحال (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي لدى إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) إجماع الأمر : العزم عليه ، أي : وما كنت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعا على إلقائه في الجبّ (وَهُمْ) في تلك الحالة (يَمْكُرُونَ) به : أي بيوسف في هذا الفعل الذي فعلوه به ويبغونه الغوائل ، وقيل : الضمير ليعقوب ، أي : يمكرون بيعقوب حين جاءوه بقميص يوسف ملطخا بالدم ، وقالوا : أكله الذئب. وإذا لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك ؛ انتفى علمه بذلك مشاهدة ، ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه ، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير ، فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا مجرّد الوحي من

٦٩

الله سبحانه ، فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به ، فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار ، قال الله سبحانه ذاكرا لهذا : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) أي وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد ، أو ما أكثر الناس على العموم ولو حرصت على هدايتهم ، وبالغت في ذلك ، بمؤمنين بالله لتصميمهم على الكفر الذي هو دين آبائهم ، يقال : حرص يحرص مثل ضرب يضرب ، وفي لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد ، والحرص : طلب الشيء باجتهاد (١). قال الزجّاج : ومعناه : وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم ؛ لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. قال ابن الأنباري : إن قريشا واليهود سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قصة يوسف وإخوته فشرحهما شرحا شافيا ، وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم ، فخالفوا ظنّه ، وحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك ، فعزّاه الله بقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) الآية (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي على القرآن وما تتلوه عليهم منه ، أو على الإيمان وحرصك على وقوعه منهم أو على ما تحدّثهم به من هذا الحديث من أجر من مال يعطونك إياه ويجعلونه لك كما يفعله أحبارهم (إِنْ هُوَ) أي القرآن أو الحديث الذي حدّثتهم به (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي ما هو إلا ذكر للعالمين كافة لا يختص بهم وحدهم (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال الخليل وسيبويه : والأكثرون أن كأين أصلها أيّ دخل عليها كاف التشبيه ، لكنه انمحى عن الحرفين المعنى الإفرادي ، وصار المجموع كاسم واحد بمعنى كم الخبرية ، والأكثر إدخال «من» في مميزه ، وهو تمييز عن الكاف لا عن أيّ كما في : مثلك رجلا. وقد مرّ الكلام على هذا مستوفى في آل عمران. والمعنى : كم من آية تدلهم على توحيد الله كائنة في السموات من كونها منصوبة بغير عمد ، مزينة بالكواكب النيرة السيارة والثوابت ، وفي الأرض من جبالها وقفارها وبحارها ونباتها وحيواناتها تدلّهم على توحيد الله سبحانه ، وأنه الخالق لذلك ، الرزاق له المحيي والمميت ، ولكنّ أكثر الناس يمرّون على هذه الآيات غير متأملين لها ، ولا مفكّرين فيها ، ولا ملتفتين إلى ما تدلّ عليه من وجود خالقها ، وأنه المتفرد بالألوهية مع كونهم مشاهدين لها (يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) وإن نظروا إليها بأعيانهم فقد أعرضوا عما هو الثمرة للنظر بالحدقة ، وهي التفكر والاعتبار والاستدلال. وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد برفع الأرض على أنه مبتدأ ، وخبره يمرّون عليها. وقرأ السدّي بنصب الأرض بتقدير فعل. وقرأ ابن مسعود «يمشون عليها» (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ) أي وما يصدّق ويقرّ أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزاق المحيي المميت (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية ، فإنهم مقرّون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢) ، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٣) ، لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقرّبوهم إلى الله ، (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) (٤) ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عبّاد القبور ، ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت في قوم مخصوصين ، فالاعتبار بما يدلّ عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من

__________________

(١). في تفسير القرطبي (٩ / ٢٧١) : باختيار.

(٢). الزخرف : ٨٧.

(٣). لقمان : ٢٥.

(٤). الزمر : ٣.

٧٠

الاختصاص بمن كان سببا لنزول الحكم (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) الاستفهام للإنكار ، والغاشية : ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) ، وقيل : هي الساعة ، وقيل : الصواعق والقوارع ، ولا مانع من الحمل على العموم (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة ، وانتصاب بغتة على الحال. قال المبرّد : جاء عن العرب حال بعد نكرة ، وهو قولهم وقع أمر بغتة ، يقال : بغتهم الأمر بغتا وبغتة ؛ إذا فاجأهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه ، ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) أي : قل يا محمد للمشركين هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي : أي طريقتي وسنّتي ، فاسم الإشارة مبتدأ وخبره سبيلي ، وفسّر ذلك بقوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) أي على حجّة واضحة ، والبصيرة : المعرفة التي يتميّز بها الحق من الباطل والجملة في محل نصب على الحال (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي : ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهديي. قال الفرّاء : والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو. وفي هذا دليل على أنّ كلّ متّبع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقّ عليه أن يقتدي به في الدعاء إلى الله ، أي : الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : وقل يا محمد لهم سبحان الله وما أنا من المشركين بالله الذين يتّخذون من دونه أندادا. قال ابن الأنباري : ويجوز أن يتمّ الكلام عند قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ، ثم ابتدأ فقال : (عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) قال : هم بنو يعقوب إذ يمكرون بيوسف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية يقول : وما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب وهم يمكرون بيوسف. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) قال : كم من آية في السماء يعني شمسها وقمرها ونجومها وسحابها ، وفي الأرض ما فيها من الخلق والأنهار والجبال والمدائن والقصور. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : سلهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض فسيقولون الله ، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره ، وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء في قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم ، وكانوا مع ذلك يشركون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : كانوا يشركون به في تلبيتهم ، يقولون : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : ذلك المنافق يعمل بالرياء وهو مشرك بعمله.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) قال : وقيعة تغشاهم : وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هذِهِ سَبِيلِي) قل : هذه دعوتي. وأخرج أبو الشيخ عنه (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) قال : صلاتي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في

__________________

(١). العنكبوت : ٥٥.

٧١

الآية قال : أمري ومشيئتي ومنهاجي. وأخرجا عن قتادة في قوله : (عَلى بَصِيرَةٍ) أي : على هدى (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١))

قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) هذا ردّ على من قال : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أي : لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم إلا رجالا لا ملائكة ، فكيف ينكرون إرسالنا إياك. وتدلّ الآية على أنّ الله سبحانه لم يبعث نبيا من النساء ولا من الجنّ ، وهذا يرد على من قال : إن في النساء أربع نبيات : حواء ، وآسية ، وأم موسى ، ومريم. وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمرا معروفا عند العرب ، حتى قال قيس بن عاصم في سجاح المتنبئة :

أضحت نبيّتنا أنثى نطيف بها

وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

فلعنة الله والأقوام كلّهم

على سجاح ومن باللوم أغرانا

(نُوحِي إِلَيْهِمْ) كما نوحي إليك (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي المدائن دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو ، ولكون أهل الأمصار أتمّ عقلا وأكمل حلما وأجلّ فضلا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني المشركين المنكرين لنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي : أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم ؛ حتى ينزعوا عمّا هم فيه من التكذيب (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي لدار الساعة الآخرة ، أو الحالة الآخرة على حذف الموصوف. وقال الفرّاء : إنّ الدار هي الآخرة ، وأضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة الأولى ومسجد الجامع ، والكلام في ذلك مبين في كتب الإعراب ، والمراد بهذه الدار : الجنة ، أي : هي خير للمتقين من دار الدنيا ، وقرئ : وللدار الآخرة وقرأ نافع وعاصم ويعقوب (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بالتاء الفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) هذه الغاية لمحذوف دلّ عليه الكلام ، وتقديره : وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا ، ولم نعاجل أممهم الذين لم يؤمنوا بما جاءوا به بالعقوبة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من النصر بعقوبة قومهم ، أو حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا). قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثّاب والأعمش وخلف (كُذِبُوا) بالتخفيف ،

٧٢

أي : ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ولم يصدقوا. وقيل : المعنى : ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوا فيما ادّعوا من نصرهم ؛ وقيل : المعنى : وظنّ الرسل أنها قد كذبتهم أنفسهم حين حدّثتهم بأنهم ينصرون عليهم ، أو كذبهم رجاؤهم للنصر. وقرأ الباقون «كذبوا» بالتشديد ، والمعنى عليها واضح ، أي : ظنّ الرسل بأن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب ، ويجوز في هذا أن يكون فاعل ظنّ القوم المرسل إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد. وقرأ مجاهد وحميد «قد كذبوا» بفتح الكاف والذال مخففتين على معنى : وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا ؛ وقد قيل : إن الظنّ في هذه الآية بمعنى اليقين ؛ لأن الرسل قد تيقّنوا أن قومهم كذبوهم ، وليس ذلك مجرد ظنّ منهم. والذي ينبغي أن يفسر الظنّ باليقين في مثل هذه الصورة ويفسر بمعناه الأصلي فيما يحصل فيه مجرّد ظنّ فقط من الصور السابقة (جاءَهُمْ نَصْرُنا) أي : فجاء الرسل نصر الله سبحانه فجأة ، أو جاء قوم الرّسل الذين كذبوهم نصر الله لرسله بإيقاع العذاب على المكذّبين (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) قرأ عاصم (فَنُجِّيَ) بنون واحد. وقرأ الباقون «فننجي» بنونين ، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى ؛ لأنها في مصحف عثمان كذلك. وقرأ ابن محيصن «فنجا» على البناء للفاعل ، فتكون (مَنْ) على القراءة الأولى في محل رفع على أنها نائب الفاعل ، وتكون على القراءة الثانية في محل نصب على أنها مفعول ، وعلى القراءة الثالثة في محل رفع على أنها فاعل ، والذين نجاهم الله هم الرسل ومن آمن معهم ، وهلك المكذّبون (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) عند نزوله بهم ، وفيه بيان من يشاء الله نجاته من العذاب وهم من عدا هؤلاء المجرمين (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) أي قصص الرسل ومن بعثوا إليه من الأمم ، أو في قصص يوسف وإخوته وأبيه (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) والعبرة : الفكرة والبصيرة المخلصة من الجهل والحيرة. وقيل : هي نوع من الاعتبار ، وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول ، وأولو الألباب هم ذوو العقول السليمة الذي يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم ، وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد المدّة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين الرسل الذين قصّ حديثهم ، ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) أي ما كان هذا المقصوص الذي يدلّ عليه ذكر القصص وهو القرآن المشتمل على ذلك حديثا يفترى (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي ما قبله من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور. وقرئ برفع «تصديق» على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو تصديق وتفصيل كل شيء من الشرائع المجملة المحتاجة إلى تفصيلها ؛ لأن الله سبحانه لم يفرّط في الكتاب من شيء ؛ وقيل : تفصيل كلّ شيء من قصة يوسف مع إخوته وأبيه. قيل : وليس المراد به ما يقتضيه من العموم ، بل المراد به الأصول والقوانين وما يؤول إليها (وَهُدىً) في الدنيا يهتدي به كلّ من أراد الله هدايته (وَرَحْمَةً) في الآخرة يرحم الله بها عباده العاملين بما فيه شرط الإيمان الصحيح ، ولهذا قال : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي يصدّقون به وبما تضمّنه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائعه وقدره ، وأمّا من عداهم فلا ينتفع به ولا يهتدي بما اشتمل عليه من الهدى ، فلا يستحقّ ما يستحقونه.

٧٣

وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) قال : أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل المعمور. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال : كيف عذّب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح والأمم التي عذّب الله. وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة أنه سأل عائشة عن قول الله سبحانه (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) قال : قلت أكذبوا أم كذّبوا؟ يعني على هذه الكلمة مخففة أم مشددة ، فقالت : بل كذّبوا تعني بالتشديد ، قلت : والله لقد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم ، فما هو بالظن ، قالت : أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك ، فقلت : لعلها وظنوا أنهم قد كذبوا ، مخففة ، قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل لتظنّ ذلك بربّها ، قلت : فما هذه الآية؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا وصدّقوهم ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عليهم النصر ، حتى إذا استيأس الرسل ممّن كذّبهم من قومهم ، وظنّت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن أبي مليكة : أن ابن عباس قرأها عليه (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مخففة يقول : أخلفوا. وقال ابن عباس : كانوا بشرا ، وتلا : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) ، قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : والله ما وعد الله رسوله من شيء إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنّوا أنّ من معهم من المؤمنين قد كذبوهم ، وكانت تقرؤها مثقلة. وأخرج ابن مردويه من طريق عروة عن عائشة أن النبي قرأ : وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ (قَدْ كُذِبُوا) مخففة ، قال : يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم بما جاءوا به (جاءَهُمْ نَصْرُنا) قال : جاء الرسل نصرنا. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن تميم بن حذلم قال : قرأت على ابن مسعود القرآن فلم يأخذ عليّ إلا حرفين : كلّ آتوه داخرين فقال : أتوه مخففة. وقرأت عليه (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) فقال : كذبوا مخففة ، قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا. وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الأحوص عنه قال : حفظت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سورة يوسف : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) خفيفة. وللسلف في هذا كلام يرجع إلى ما ذكرناه من الخلاف عن الصحابة.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) قال : فننجي الرسل ومن نشاء (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) وذلك أن الله بعث الرسل يدعون قومهم ، فأخبروهم أنّ من أطاع الله نجا ومن عصاه عذّب وغوى. وأخرج أبو الشيخ عنه قال : (جاءَهُمْ نَصْرُنا) العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن السدّي (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) قال : عذابه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (لَقَدْ

٧٤

كانَ فِي قَصَصِهِمْ) قال : يوسف وإخوته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) قال : معروفة لذوي العقول. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) قال : الفرية : الكذب ، (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) قال : القرآن يصدّق الكتب التي كانت قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والزبور ، ويصدّق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حقّ من عند الله (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) فصل الله بين حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته.

* * *

٧٥

سورة الرّعد

قد وقع الخلاف هل هي مكية أم مدنية؟ فروى النحّاس في ناسخه عن ابن عباس أنها نزلت بمكة. وروى أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنها نزلت بالمدينة. وممّن ذهب إلى أنها مكية سعيد بن جبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد. وممّن ذهب إلى أنها نزلت بالمدينة ابن الزبير والكلبي ومقاتل. وقول ثابت : أنها مدنية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بمكة ، وهما قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (١) [إلى آخرها] (٢). وقيل : [مدنية إلا] (٣) قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) (٤). وقد روي هذا عن ابن عباس أيضا وقتادة. وقد أخرج ابن أبي شيبة ، والمروزي في الجنائز ، عن جابر بن زيد قال : كان يستحبّ إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد ؛ فإن ذلك يخفّف عن الميت ، وإنه أهون لقبضه ، وأيسر لشأنه.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))

قوله : (المر) قد تقدّم الكلام في هذه الحروف الواقعة في أوائل السور بما يغني عن الإعادة ، وهو اسم للسورة مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، والتقدير على الأوّل هذه السورة اسمها هذا ، والإشارة بقوله : (تِلْكَ) إلى آيات هذه السورة ، والمراد بالكتاب السورة ، أي : تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة الشأن ، ويكون قوله : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) مرادا به القرآن كلّه ، أي : هو الحقّ البالغ في اتّصافه بهذه الصفة ، أو تكون الإشارة بقوله : (تِلْكَ) إلى آيات القرآن جميعه على أن المراد بالكتاب جميع القرآن ، ويكون قوله : (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) جملة مبينة لكون هذا المنزل هو الحقّ. قال الفرّاء : والذي رفع بالاستئناف وخبره الحق. قال : وإن شئت

__________________

(١). الرعد : ٣١.

(٢). ما بين حاصرتين من تفسير البحر.

(٣). ما بين حاصرتين من الدر المنثور.

(٤). الرعد : ٣١.

٧٦

جعلت الذي خفضا نعتا للكتاب ، وإن كانت فيه الواو كما في قوله :

إلى الملك القرم وابن الهمام (١)

ويجوز أن يكون محل (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الجرّ على تقدير : وآيات الذي أنزل إليك ، فيكون الحق على هذا خبرا لمبتدأ محذوف (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بهذا الحق الذي أنزله الله عليك ، قال الزّجّاج : ما ذكر أنهم لا يؤمنون ذكر الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق فقال : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) والعمد : الأساطين ، جمع عماد ؛ أي قائمات بغير عمد تعتمد عليه ؛ وقيل لها عمد ولكن لا نراه. قال الزجّاج : العمد قدرته التي يمسك بها السموات ، وهي غير مرئية لنا ، وقرئ «عمد» على أنه جمع عمود يعمد به ؛ أي يسند إليه. قال النابغة :

وخبّر الجنّ أنّي قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصّفّاح (٢) والعمد

وجملة ترونها مستأنفة استشهاد على رؤيتهم لها كذلك ، وقيل : هي صفة لعمد ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : رفع السموات ترونها بغير عمد ، ولا ملجئ إلى مثل هذا التكلف (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي استولى عليه بالحفظ والتّدبير ، أو استوى أمره ، أو أقبل على خلق العرش ، وقد تقدّم الكلام على هذا مستوفى ، والاستواء على العرش صفة لله سبحانه بلا كيف كما هو مقرّر في موضعه من علم الكلام (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذلّلهما لما يراد منهما من منافع الخلق ومصالح العباد (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي كلّ من الشمس والقمر يجري إلى وقت معلوم ؛ وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي تكوّر عندها الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم وتنتثر ، وقيل : المراد بالأجل المسمّى درجاتهما ومنازلهما التي تنتهيان إليها لا يجاوزانها ، وهي سنة للشمس ، وشهر للقمر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي يصرّفه على ما يريد ، وهو أمر ملكوته وربوبيته (يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : يبيّنها ، وهي الآيات الدالة على كمال قدرته وربوبيته ، ومنها ما تقدّم من رفع السماء بغير عمد وتسخير الشمس والقمر وجريهما لأجل مسمّى ، والجملتان في محل نصب على الحال أو خبر إن لقوله (اللهُ الَّذِي رَفَعَ) على أن الموصول صفة للمبتدأ ، والمراد من هذا تنبيه العباد أنّ من قدر على هذه الأشياء فهو قادر على البعث والإعادة ، ولذا قال : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي لعلّكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه ، ولا تمترون في صدقه ، ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) قال الفرّاء : بسطها طولا وعرضا. وقال الأصمّ : إن المدّ هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه ، وهذا المدّ الظاهر للبصر لا ينافي كرويتها في نفسها لتباعد أطرافها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت. واحدها راسية ؛ لأن الأرض ترسو بها ، أي :

__________________

(١). وتتمة البيت : وليث الكتيبة في المزدحم.

«القرم» : السيد. «الكتيبة» : الجيش. «المزدحم» : محلّ الازدحام.

(٢). «الصفاح» : حجارة عراض رقاق.

٧٧

تثبت ، والإرساء : الثبوت. قال عنترة :

فصبرت (١) عارفة لذلك حرّة

ترسو إذا نفس الجبان تطلّع

وقال جميل :

أحبّها والذي أرسى قواعده

حتى (٢) إذا ظهرت آياته بطنا

(وَأَنْهاراً) أي مياها جارية في الأرض فيها منافع الخلق ، أو المراد جعل فيها مجاري الماء (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) من كلّ الثمرات متعلّق بالفعل الذي بعده ، أي : جعل فيها من كلّ الثمرات زوجين اثنين ، الزوج يطلق على الاثنين ، وعلى الواحد المزاوج لآخر ، والمراد هنا بالزوج الواحد ، ولهذا أكد الزوجين بالاثنين لدفع توهم أنه أريد بالزوج هنا الاثنين ، وقد تقدّم تحقيق هذا مستوفى ، أي جعل كل نوع من أنواع ثمرات الدنيا صنفين ، إما في اللونية ؛ كالبياض والسواد ونحوهما ، أو في الطّعمية ؛ كالحلو والحامض ونحوهما ، أو في القدر ؛ كالصغر والكبر ، أو في الكيفية ؛ كالحر والبرد. قال الفراء : يعني بالزوجين هنا الذكر والأنثى ، والأول أولى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يلبسه مكانه ، فيصير أسود مظلما بعد ما كان أبيض منيرا ، شبه إزالة نور الهدى بالظلمة بتغطية الأشياء الحسية بالأغطية التي تسترها ، وقد سبق تفسير هذه في الأعراف (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي فيما ذكر من مدّ الأرض وإثباتها بالجبال ، وما جعله الله فيها من الثّمرات المتزاوجة ، وتعاقب النور والظلمة آيات بينة للناظرين المتفكرين المعتبرين : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات ، قيل : وفي الكلام حذف ؛ أي : قطع متجاورات ، وغير متجاورات كما في قوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٣) أي : وتقيكم البرد. قيل : والمتجاورات : المدن وما كان عامرا ، وغير المتجاورات : الصحاري وما كان غير عامر ، وقيل : المعنى : متجاورات متدانيات ، ترابها واحد وماؤها واحد ، وفيها زرع وجنات ، ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا ، والبعض طيبا والبعض غير طيب ، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر. (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) الجنات : البساتين ، وقرأ الجمهور برفع جنات على تقدير : وفي الأرض جنات ، فهو معطوف على قطع متجاورات ، أو على تقدير : وبينها جنات. وقرأ الحسن بالنصب على تقدير : وجعل فيها جنات ، وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل ؛ لأنه يكون في الخارج كثيرا كذلك ، ومثله في قوله سبحانه : (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) (٤). (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) برفع هذه الأربع عطفا على جنات. وقرأ الباقون بالجرّ عطفا على أعناب. وقرأ مجاهد والسّلمي بضم الصاد من صنوان. وقرأ الباقون

__________________

(١). في المطبوع : فصرت. والمثبت من الديوان ص (٢٦٤).

«صبرت عارفة» : أي حبست نفسا صابرة أي تصبر للشدائد ولا تنكرها. «ترسو» : تثبت وتستقر.

(٢). في تفسير القرطبي (٩ / ٢٨٠) : حبا.

(٣). النحل : ٨١.

(٤). الكهف : ٣٢.

٧٨

بالكسر ، وهما لغتان. وقال أبو عبيدة : صنوان : جمع صنو ، وهو أن يكون الأصل واحد ، ثم يتفرع فيصير نخيلا ، ثم يحمل ، وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير. قال ابن الأعرابي : الصنو : المثل ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عمّ الرجل صنو أبيه» ، فمعنى الآية على هذا : أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون. قال في الكشاف : والصنوان : جمع صنو ، وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد ، وقيل : الصنوان : المجتمع. وغير الصنوان : المتفرّق. قال النحّاس : وهو كذلك في اللغة ، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر : صنوان ، والصنو : المثل ، ولا فرق بين التثنية والجمع إلا بكسر النون في المثنى ، وبما يقتضيه الإعراب في الجمع : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) قرأ عاصم وابن عامر : يسقى بالتحتية ، أي : يسقى ذلك كله. وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات. واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو ، قال أبو عمرو : التأنيث أحسن لقوله : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) ولم يقل بعضه. وقرأ حمزة والكسائي «يفضل» بالتحتية كما في قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) ، وقرأ الباقون بالنون على تقدير : ونحن نفضل.

وفي هذا من الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل ؛ فإنّ القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد ، وتتفاضل الثمرات في الأكل ، فيكون طعم بعضها حلوا والآخر حامضا ، وهذا في غاية الجودة ، وهذا ليس بجيد ، وهذا فائق في حسنه ، وهذا غير فائق ، ممّا يقنع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء ؛ أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جلّ سلطانه وتعالى شأنه ، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا لسببين : إما اختلاف المكان الذي هو المنبت ، أو اختلاف الماء الذي تسقى به ، فإذا كان المكان متجاورا ؛ وقطع الأرض متلاصقة ، والماء الذي تسقى به واحدا ، لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب ، ولهذا قال الله سبحانه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه ، غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات.

وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (المر) قال : أنا الله أرى. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد (المر) فواتح يفتتح بها كلامه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) قال : التوراة والإنجيل (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) قال : القرآن. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) قال : وما يدريك لعلها بعمد لا ترونها. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عنه في الآية قال : يقول لها عمد ولكن لا ترونها ؛ يعني الأعماد. وأخرج ابن جرير عن إياس بن معاوية في الآية قال : السماء مقببة على الأرض مثل القبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السماء على أربعة أملاك ، كل زاوية موكّل بها ملك. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في قوله : (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) قال الدنيا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) قال : يقضيه وحده. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : الدنيا مسيرة خمسمائة عام : أربعمائة خراب ، ومائة عمران في أيدي المسلمين

٧٩

من ذلك مسيرة سنة. وقد روي عن جماعة من السلف في ذلك تقديرات لم يأت عليها دليل يصحّ. وأخرج ابن جرير عن عليّ بن أبي طالب قال : لما خلق الله الأرض قمصت (١) وقالت : أي ربّ تجعل عليّ بني آدم يعملون عليّ الخطايا ويجعلون عليّ الخبث ، فأرسل الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان إقرارها كاللحم ترجرج. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) قال : ذكرا وأنثى من كل صنف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يلبس الليل النهار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) قال : يريد الأرض الطيبة العذبة التي يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السّبخة القبيحة المالحة التي لا تخرج ، وهما أرض واحدة ، وماؤها شيء واحد ، ملح أو عذب ، ففضلت إحداهما على الأخرى. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : قرئ (مُتَجاوِراتٌ) قريب بعضها من بعض. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : الأرض تنبت حلوا ، والأرض تنبت حامضا ، وهي متجاورات تسقى بماء واحد. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) قال : الصنوان ما كان أصله واحد وهو متفرّق ، وغير صنوان التي تنبت وحدها ، وفي لفظ : صنوان النخلة في النخلة ملتصقة ، وغير صنوان النخل المفرّق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (صِنْوانٌ) قال : مجتمع النخل في أصل واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) قال : النخل المتفرّق. وأخرج الترمذي وحسّنه ، والبزار وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) قال : «الدقل (٢) والفارسي (٣) والحلو والحامض». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا دقل ، وهذا فارسي.

(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))

__________________

(١). «قمصت» : تحرّكت واضطربت.

(٢). «الدقل» : رديء الثمر.

(٣). «الفارسي» : نوع جيد من التمر ، نسبة إلى فارس.

٨٠