تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

وقيل : الفحشاء ما فحش فى العقل ، والسوء ما ينتهى بالنهى عنه.

وقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).

يخرج على الأول ، وهو السوء والفحشاء ، يأمرهم بذلك فيقولوا : الله أمرنا بها.

ويحتمل قوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ما قالوا : إن الله حرم هذه الأشياء ، أو القول على الله ما لا يعلمون بما لا يليق به من الولد وإشراك غيره فى عبادته. والله أعلم.

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(١٧١)

وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا).

يحتمل هذا وجهين :

يحتمل : أن آباءهم كانوا أوصوهم ألا يفارقوا دينهم الذى هم عليه ، فقالوا عند ذلك : لا ندع وصية آبائنا ، كقوله : (أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٣].

أو كانوا قوما سفهاء أصحاب التقليد ، فقالوا : إنا قلدنا آباءنا ، فلا نقلد غيرهم.

وقوله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ).

يخرج هذا الكلام على وجهين :

أى : تقلدون أنتم آباءكم وإن كانوا لا يعقلون شيئا.

ويحتمل : (أَوَلَوْ كانَ) ، أى : وقد كان آباؤكم لا يعقلون شيئا فكيف تقلدونهم؟ وهو كقوله : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) [الزخرف : ٢٤] ، أى وقد جئتكم. أو أن يقال : من جعل آباءكم قدوة يقتدى بهم؟

وقوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً)

قيل فيه بوجهين :

قيل (١) : مثلنا (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) أى يصوت (بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) يسمعون الصوت ولا يفهمون ما فيه.

__________________

ـ المسكر حرام لعينه ، قل أو كثر ، سكر منه شاربه أو لم يسكر.

ينظر : تفسير الزمخشرى (١ / ٦٧٤ ـ ٦٧٥) ، وتفسير القرطبى (٦ / ٢٨٥) ، وتفسير الطبرى (٧ / ٣١) ، وتفسير الرازى (٢ / ١٧٩).

(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٦٠ ، ٢٤٦١) ، وعن مجاهد (٢٤٦٢ ، ٢٤٦٣) ، وقتادة (٢٤٦٤ ، ٢٤٦٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٠٦).

٦٢١

وقيل : (يَنْعِقُ) بمعنى ينعق ، ذكر الفاعل على إرادة المفعول ؛ كقوله : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أى مرضية. فعلى ذلك الأولى ، وهو فى اللغة جائز جار.

وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

سماهم بذلك وإن لم يكونوا فى الحقيقة كذلك ؛ لما لم ينتفعوا بها ، إذ الحاجة من هذه الأشياء الانتفاع بها ؛ ولذلك سماهم سفهاء لما لم ينتفعوا بعلمهم وعقلهم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٧٣)

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ).

[يتوجه وجهين :

أحدهما : الإذن فى الأكل ما تستطيبه النفس وتتلذذ به ، ليكون أرضى وأشكر لله فيما أنعم عليه ، ويكون على إرادة الحلال بقوله : (طَيِّباتِ) ، فيكون فى الآية دليل كون المرزوق حلالا وحراما ، إذ قيل : «من ذا» ، ولم يقل : «كلوا ذا» ، ولو كان كل الرزق حلالا لكان يقول : «كلوا مما رزقناكم». والله أعلم.

ثم حق المحنة التمكين مما يحرم ويحل ، ومما ترغب إليه النفس وتزهد. فجائز جميع ذلك كله فى الملك وفى الرزق ليمكن لكم من الأمرين بالمحنة ، إذ ذلك حق المحنة. والله الموفق.

وقوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ)](١) يدل على أن الذى كان لهم الأكل وأمرهم بالتناول منه هو الحلال (٢).

ثم فيه الدليل على أن من الرزق ما هو طيب حلال ، وما هو خبيث حرام ؛ إذ لو لم يكن منه طيب وخبيث لكان لا يشترط فيه ذكر الطيب ، بل يقول : «كلوا مما رزقناكم».

فإن قيل : فما وجه الحكمة فى الامتحان بجعل الخبيث رزقا لهم؟

قيل : هذا أصل المحنة فى كل شىء ، يجعل لهم الغذاء ؛ فلا يأمرهم بالامتناع عنه ، ويجعل لهم قضاء الشهوة فى المحرم ويأمرهم بالكف. وهو الظاهر من المحن.

وقوله : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ).

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط فى أ.

(٢) فى ط : الحال.

٦٢٢

على ما أباح لكم من الطيبات.

وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

أى : إن كنتم منه ترون ذلك.

ويحتمل : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أى إياه توحدون.

ويحتمل : (إِنْ كُنْتُمْ) ممّن تعبدونه ـ إياه تقصدون ـ فاجعلوا عبادتكم له خالصة ، لا تعبدوا غيره ليكون له. ولا قوة إلا بالله.

وقيل : «إن» بمعنى : إذ آثرتم عبادته فاشكروا له.

ويحتمل قوله : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) على جميع ما أنعم عليكم من الدين ، والنبى ، والقرآن وغير ذلك من النعم ، أى : كونوا له شاكرين.

وقوله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ).

ذكر «الميتة» فمعناه : حرم عليكم الأكل من الميتة والتناول منها ، فإذا كان كذلك فليس فيه حرمة ما لا يؤكل والانتفاع به من نحو الصوف ، والشعر ، والعظم ونحوه.

ألا ترى أن هذا إذا أريد من الشاة وهى حية وأبين منها لم تصر ميتة لا يجوز الانتفاع به ، وغيره من اللحم إذا أبين منها صار ميتة (١) ؛ لما روى فى الخبر : «ما أبين من الحى

__________________

(١) إن العضو الذى يبان من الحيوان ـ أى يفصل منه ـ يختلف الحكم الشرعى فى حلّ أكله وحرمته بحسب الأحوال. وتفصيل ذلك كما يلى :

أ ـ العضو المبان من حيوان حى : يعتبر كميتة هذا الحيوان فى حل الأكل وحرمته ، فالمبان من السمك الحى أو الجراد الحى يؤكل عند الجمهور ؛ لأن ميتتهما تؤكل. والمالكية يقولون فى الجراد : إن كانت الإبانة خالية عن نية التذكية ، أو خالية عن التسمية عمدا لم يؤكل المبان ، وإن كانت مصحوبة بالنية والتسمية أكل المبان إن كان هو الرأس ، ولا يؤكل إن كان جناحا أو يدا أو نحوهما. والمبان من سائر الحيوانات البرية ذات الدم السائل لا يؤكل ، سواء أكان أصله مأكولا كالأنعام ، أم غير مأكول كالخنزير ؛ فإن ميتة كل منهما لا تؤكل بلا خلاف ، فكذلك ما أبين منه حيا ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة».

ب ـ العضو المبان من الميتة : حكمه حكم سائر الميتة فى الأكل وعدمه بلا خلاف.

ج ـ العضو المبان من المذكّى المأكول فى أثناء تذكيته قبل تمامها : حكمه حكم المبان من الحى. فلو قطع إنسان حلقوم الشاة وبعض مريئها للتذكية ، فقطع إنسان آخر يدها أو أليتها ، فالمقطوع نجس حرام الأكل ، كالمقطوع من الحى ، وهذا لا خلاف فيه أيضا.

د ـ العضو المبان من المذكى المأكول بعد تمام تذكيته وقبل زهوق روحه : يحل أكله عند الجمهور ؛ لأن حكمه حكم المذكى ؛ لأن بقاء رمق من الحياة هو رمق فى طريق الزوال العاجل ، فحكمه حكم الموت.

ه ـ العضو المبان من المصيد بآلة الصيد : إما أن يبقى المصيد بعد إبانته حيّا حياة مستقرة ، وإما أن تصير حياته حياة مذبوح : ففى الحالة الأولى : يكون عضوا مبانا من حيوان حى ؛ فيكون كميتته. وفى الحالة الثانية : يكون عضوا مبانا بالتذكية ، ويختلف النظر إليه ؛ لأن له صفتين شبه متعارضتين : ـ

٦٢٣

فهو ميت» (١).

ولأن الصوف واللبن وغيرهما ليسوا بذوى الروح فيموت باستخراج الروح منها ؛ كالحيوان على ما ذكرنا من الخبر.

وروى عن عمر ، رضى الله تعالى عنه ، أنه سئل عن الأنفحة استخرجت من الميتة ، فقال : أفيها دم؟ فقيل : لا. فقال : لا بأس (٢) ، كلوا ؛ فإن اللبن على ذكاة فيه. أو كلام نحو هذا.

وكذلك روى عن ابن عمر ، رضى الله تعالى عنهما ، أنه قال : لا بأس (٣).

فإن قيل : ألا فسد بنجاسة الضرع ؛ كالوعاء النجس يكون فيه اللبن يفسد بفساده؟

قيل : إن الشىء إذا كان موضعا للشىء ومعدنه فى الأصل فإن فساد ذلك الموضع لا يوجب فساد ما فيه.

ألا ترى أن الدم الذى يجرى بين الجلد واللحم إذا ذبح لا يفسد اللحم لما كان ذلك موضعه ومظانه؟! فعلى ذلك اللبن فى الضرع.

وأما الإهاب : فإنه إذا دبغ فقد طهر ؛ لما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أيما إهاب دبغ فقد طهر» (٤).

والدم المذكور فى هذه الآية هو الدم المسفوح. دليله قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [الأنعام : ١٤٥] ،

__________________

ـ الصفة الأولى : أنه عضو أبين قبل تمام التذكية فيكون حكمه حكم المبان من الحى فلا يحل. والصفة الثانية : أن التذكية سبب فى حل المذكى ، وكل من المبان والمبان منه مذكى ؛ لأن التذكية بالصيد هى تذكية للمصيد كله لا لبعضه ، فيحل العضو كما يحل الباقى.

ينظر : مواهب الجليل (٣ / ٢٢٨) ، والمحلى لابن حزم (٧ / ٤٤٩) ، والشرح الكبير (١١ / ٥٣) ، وحاشية ابن عابدين (٥ / ١٩٧).

(١) أخرجه الحاكم (٤ / ١٢٤ ، ٢٣٩) عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن جباب أسنمة الإبل وأليات الغنم ، فقال : «ما قطع من حى فهو ميت» ، وقال الحاكم بعد الرواية الأولى : رواه عبد الرحمن بن مهدى عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم مرسلا ، وقيل : عن زيد بن أسلم عن ابن عمر. ثم ساقه من حديث ابن عمر مسندا ، وقال بعد الرواية الثانية : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.

قلت : ورجح الدار قطنى الرواية المرسلة ، نقله الحافظ فى التلخيص (١ / ٣٩) ، وذكر له شواهد فانظرها.

(٢) انظر السنن الكبرى للبيهقى (١٠ / ٦ ـ ٧).

(٣) ينظر : التخريج السابق.

(٤) أخرجه مسلم (١ / ٢٧٧) ، كتاب الحيض : باب طهارة جلود الميتة بالدباغ (١٠٥ / ٣٦٦) ، ومالك فى الموطأ (٢ / ٤٩٨) ، (١٧) ، والشافعى فى مسنده (١ / ٢٦) (٥٨).

٦٢٤

فالمحرم من الدماء المسفوح وهو السائل. ألا ترى أن الشاة إذا ماتت صارت ميتة بهلاك ذلك المحرم من الدم فيها؟!

وقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

واختلف فيه على أوجه :

قيل : قوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) هو تفسير قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) ، وهو كقوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥] ، فصار قوله : (غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) تفسير قوله : (مُحْصَناتٍ) ؛ لأنها إن كانت محصنة كانت غير مسافحة ولا متخذة الأخدان. فعلى ذلك إن كان مضطرّا كان غير باغ ولا عاد. والله أعلم.

وقيل (١) : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ) أى غير مستحل لتناوله ، (وَلا عادٍ) بعدو على أكله للجوع.

وقيل (٢) : (غَيْرَ باغٍ) غير متجاوز حده ، (وَلا عادٍ) ولا مقتصر نهايته.

[وقيل : (غَيْرَ باغٍ) فيه (وَلا عادٍ) على حد الله إذ حرمه عليه فى غير حال الاضطرار ، فيصير باغيا فى الأكل ، عاديا على حد الله.

وقيل (٣) : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) فى مجاوزته فى أكل الحد المجعول له من إقامة المهجة ودفع الضرورة ، فأكل بشهوة أو لحاجة غير حاجة الجوع خاصة.

وقيل (٤) : (غَيْرَ باغٍ) على المسلمين ، (وَلا عادٍ) عليهم](٥).

[لكن تصريح النهى عن الانتفاع بالشىء وحرمة هتكها صاحبها نهى عما هتك لا عما كان مباحا لهم كما روى عن نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا صلاة للمرأة الناشزة ولا للعبد الآبق» وذلك نهى عن الإباق والنشوز لا عن الصلاة ، فمثله لو كان نهيا ، فكيف ولا نهى؟! ولكن ذكر إباحة على صفة لم يذكر الحل والتحريم فى الابتداء مع تلك الصفة وجملته أن بغيه لا يحرم ما قد أحل بالخبر هو بالاتفاق ؛ فكذلك ما أحل بالسبب ، دليل ذلك : أمر الكفرة وسائر الفسقة أنه لم يحرم بينهم شىء من ذلك.

__________________

(١) قاله مقاتل بن حيان كما فى تفسير البغوى (١ / ١٤١).

(٢) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٤١).

(٣) قاله السدى بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠١).

(٤) قاله مجاهد كما فى الدر المنثور للسيوطى (١ / ٣٠٨) ، وعزاه لسفيان بن عيينة ، وآدم ابن أبى إياس وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبى الشيخ والبيهقى فى المعرفة والسنن ، عنه.

(٥) ما بين المعقوفين سقط فى أ.

٦٢٥

والثانى النهى عن قتله](١)

ثم اختلف فى حرمة عين الميتة فى حال الاضطرار (٢) وحلها :

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.

(٢) أجمع المسلمون على إباحة أكل الميتة ونحوها للمضطر ، وقد ذكر الله عزوجل الاضطرار إلى المحرمات فى خمسة مواطن من القرآن الكريم : الأول ـ الآية ١٧٣ من سورة البقرة ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الثانى ـ الآية ٣ من سورة المائدة ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الثالث ـ الآية ١٤٥ من سورة الأنعام ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الرابع ـ الآية ١١٩ من سورة الأنعام ، وقد جاء فيها : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). الخامس ـ الآية ١١٥ من سورة النحل ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) معناه : فمن دفعته الضرورة وألجأته إلى تناول الميتة ونحوها ، بأن يخاف عند ترك تناولها ضررا على نفسه أو بعض أعضائه مثلا. والباغى ، هو الذى يبغى على غيره فى تناول الميتة ، بأن يؤثر نفسه على مضطر آخر ، فينفرد بتناول الميتة ونحوها فيهلك الآخر من الجوع. وقيل : الباغى هو العاصى بالسفر ونحوه والعادى : هو الذى يتجاوز ما يسد الرمق ويندفع به الضرر ، أو يتجاوز حد الشبع. والمخمصة : المجاعة ، والتقييد بقوله تعالى : (فِي مَخْمَصَةٍ) إنما هو لبيان الحالة التى يكثر فيها وقوع الاضطرار ، وليس المقصود به الاحتراز عن الحالة التى لا مجاعة فيها ؛ فإن المضطر فى غير المجاعة يباح له التناول كالمضطر فى المجاعة. والمتجانف للإثم : هو المنحرف المائل إليه ، أى : الذى يقصد الوقوع فى الحرام ، وهو البغى والعدوان المذكوران فى الآيات الأخرى.

ومما ورد فى السنة النبوية ما رواه أبو واقد الليثى ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا مخمصة ، فما يحل لنا من الميتة؟ فقال : «إذا لم تصطبحوا ، ولم تغتبقوا ، ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها».

غير أنهم اختلفوا فى المقصود بالإباحة ، وفى حد الضرورة المبيحة ، وفى تفصيل المحرمات التى يبيحها الاضطرار ، وترتيبها عند التعدد ، وفى الشبع أو التزود منها ، وغير ذلك من المسائل. وبيان ذلك ما يأتى :

المقصود بإباحة الميتة ونحوها :

اختلف الفقهاء فى المقصود بإباحة الميتة ونحوها ، فقال بعضهم : المقصود : جواز التناول وعدمه ؛ لظاهر قوله تعالى : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ). وهذا القول ذهب إليه بعض المالكية والشافعية والحنابلة. وقال آخرون : إن المقصود بإباحة الميتة ونحوها للمضطر : وجوب تناولها. وإلى هذا ذهب الحنفية ، وهو الراجح عند المالكية والشافعية والحنابلة. ودليله قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله عزوجل : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). ولا شك أن الذى يترك تناول الميتة ونحوها حتى يموت يعتبر قاتلا لنفسه ، وملقيا بنفسه إلى التهلكة ؛ لأن الكف عن التناول فعل منسوب للإنسان.

ولا يتنافى القول بالوجوب عند القائلين به مع قوله تعالى : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ؛ لأن نفى الإثم فى ـ

٦٢٦

__________________

ـ الأكل عام يشمل حالتى الجواز والوجوب ، فإذا وجدت قرينة على تخصيصه بالوجوب عمل بها كما فى قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فنفى الجناح عن التطوف ، أى : السعى بين الصفا والمروة ، مفهوم عام قد خصص بما دل على وجوبه أو فرضيته.

حد الضرورة المبيحة :

قال أبو بكر الجصاص : معنى الضرورة فى الآيات : خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل. وقد انضوى تحته معنيان :

أحدهما : أن يحصل فى وضع لا يجد غير الميتة.

والثانى : أن يكون غيرها موجودا ، ولكنه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه.

وكلا المعنيين مراد بالآية عندنا ؛ لاحتمالهما. وحالة الإكراه يؤيد دخولها فى معنى الاضطرار قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». ويؤخذ من (الدر المختار) أن الضرورة تشمل خوف الهلاك ، وخوف العجز عن الصلاة قائما أو عن الصيام. وفسر (الشرح الصغير) للمالكية الضرورة بخوف الهلاك أو شدة الضرر. وفسرها الرملى الشافعى فى (نهاية المحتاج) بخوف الموت أو المرض أو غيرهما من كل محذور يبيح التيمم ، وكذا خوف العجز عن المشى ، أو التخلف عن الرفقة إن حصل له به ضرر ، وكذا إجهاد الجوع إياه بحيث لا يستطيع معه الصبر. والمحذور الذى يبيح التيمم عند الشافعية هو حدوث مرض أو زيادته أو استحكامه ، أو زيادة مدته ، أو حصول شين فاحش فى عضو ظاهر ، بخلاف الشين الفاحش فى عضو باطن. والظاهر : ما يبدو عند المهنة كالوجه واليدين ، والباطن : بخلافه. ويعتمد فى ذلك قول الطبيب العدل فى الرواية. وإذا كان المضطر عارفا فى الطب عمل بمقتضى معرفته ، ولا يعمل بتجربته إن كان مجربا ، على ما قاله الرملى. وقال ابن حجر : يعمل بها ، ولا سيما عند فقد الطبيب. وقال الحنابلة : إن الضرورة أن يخاف التلف فقط لا ما دونه ، هذا هو الصحيح من المذهب ، وقيل : إنها تشمل خوف التلف أو الضرر ، وقيل : أن يخاف تلفا أو ضررا أو مرضا أو انقطاعا عن الرفقة يخشى معه الهلاك.

تفصيل المحرمات التى تبيحها الضرورة :

ذكر فى الآيات السابقة تحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، وما ذبح على النصب ، فهذه كلها تبيحها الضرورة بلا خلاف. وكذا كل حيوان حى من الحيوانات التى لا تؤكل يحل للمضطر قتله بذبح أو بغير ذبح للتوصل إلى أكله. وكذا ما حرم من غير الحيوانات لنجاسته ، ويمثلون له بالترياق المشتمل على خمر ولحوم حيات. أما ما حرم لكونه يقتل الإنسان إذا تناوله ـ كالسموم ـ فإنه لا تبيحه الضرورة ؛ لأن تناوله استعجال للموت وقتل للنفس ، وهو من أكبر الكبائر. وهذا متفق عليه بين المذاهب.

واختلفت الاجتهادات فى الخمر فقال الحنفية : يشربها من خاف العطش ولم يجد غيرها ، ولا يشرب إلا قدر ما يدفع العطش ، إن علم أنها تدفعه. وقال المالكية والشافعية والحنابلة : لا يشرب المضطر الخمر الصرفة للعطش ، وإنما يشربها من غص بلقمة أو غيرها ، فلم يجد ما يزيل الغصة سوى الخمر. ـ

٦٢٧

__________________

ـ شروط إباحة الميتة ونحوها للمضطر :

إن الفقهاء فى كلامهم عن الاضطرار وأحكامه الاستثنائية لم يجمعوا شروط إباحة الميتة وغيرها من المحرمات لمضطر تحت عنوان خاص بالشروط ، بل يجدها المتتبع مفرقة فى خلال المسائل والأحكام. ويستخلص من كلامهم عن حالات الاضطرار وأحكامها أن الشروط الشرعية التى يشترطها فقهاء المذاهب لإباحة المحرمات للمضطر نوعان : شروط عامة متفق عليها بين المذاهب لجميع أحوال الاضطرار ، وشروط عامة اشترطتها بعض المذاهب دون سواها. وفيما يلى بيان ذلك :

أولا ـ الشروط العامة المتفق عليها :

يشترط فى إباحة الميتة ونحوها للمضطر بوجه عام ثلاثة شروط : الأول ـ ألا يجد طعاما حلالا ولو لقمة ، فإن وجدها وجب تقديمها ، فإن لم تغنه حل له المحرم.

الثانى ـ ألا يكون قد أشرف على الموت بحيث لا ينفعه تناول الطعام ، فإن انتهى إلى هذه الحالة لم يحل له المحرم.

الثالث ـ ألا يجد مال مسلم أو ذمى من الأطعمة الحلال ، وفى هذا الشرط بعض تفصيل بيانه فيما يلى :

قال الحنفية : لو خاف المضطر الموت جوعا ، ومع رفيقه طعام ليس مضطرا إليه فللمضطر أن يأخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته ، فإن لم يكن معه ما يؤدى به القيمة حالا لزمته دينا فى ذمته. وإنما تلزمه القيمة ؛ لأن من القواعد العامة المقررة عندهم : أن الاضطرار لا يبطل حق الغير. وكذا يأخذ من الماء الذى لغيره ما يدفع العطش ، فإن منعه صاحبه قاتله المضطر بلا سلاح ؛ لأن الرفيق المانع فى هذه الحال ظالم. فإن خاف الرفيق جوعا أو عطشا ترك له بعضه. ولا يحل له أن يدفع الجوع أو العطش بالمحرمات كالميتة والخمر مع وجود حلال مملوك لغيره ليس مضطرا إليه ، والمضطر قادر على أخذه ولو بالقوة. وجوز المالكية فى هذه الحال مقاتلة صاحب الطعام بالسلاح بعد الإنذار ، بأن يعلمه المضطر أنه مضطر ، وأنه إن لم يعطه قاتله ، فإن قتله بعد ذلك فدمه هدر ؛ لوجوب بذل طعامه للمضطر ، وإن قتله الآخر فعليه القصاص.

وقال الشافعية والحنابلة : لو وجد المضطر طعاما لغيره ، فإن كان صاحبه غائبا ولم يجد المضطر سواه ، أكل منه وغرم عند قدرته مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا ؛ حفظا لحق المالك. فإن كان صاحبه حاضرا ، فإن كان ذلك الحاضر مضطرا أيضا لم يلزمه بذله للأول إن لم يفضل عنه ، بل هو أولى ؛ لحديث : «ابدأ بنفسك ...» ، لكن يجوز له إيثاره على نفسه إن كان الأول مسلما معصوما ، واستطاع الثانى الصبر على التضييق على نفسه. فإن فضل بعد سد رمقه شىء لزمه بذله للأول. وإن لم يكن صاحب الطعام الحاضر مضطرا لزمه إطعام المضطر. فإن منعه ، أو طلب زيادة على ثمن المثل بمقدار كثير جاز للمضطر قهره ، وإن أدى إلى قتله ، ويكون دم المانع حينئذ مهدرا. وإن قتل المالك المضطر فى الدفع عن طعامه لزمه القصاص. وإن منع المالك الطعام عن المضطر فمات هذا جوعا لم يضمنه المانع بقصاص ولا دية ؛ لأنه لم يحدث فعلا مهلكا. فإن لم يمنع المالك الطعام ، ولكن طلب ثمنا ، ولو بزيادة على ثمن المثل بمقدار يسير لزم المضطر قبوله به ، ولم يجز له قهره. ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له على الأرجح ؛ حملا له على المسامحة المعتادة فى الطعام ، ولا سيما فى حق المضطر. وقيل : يلزمه ـ

٦٢٨

قال بعضهم : عينها حلال ليس بمحرم.

وقال آخرون : عينها محرمة لكن التناول منها مباح. وهو قول أصحابنا رحمهم‌الله.

فمن قال بحل عينها للضرورة ذهب إلى أن الحظر والإباحة لا يقع فى الأصل لعين الشىء ، ولا يتكلم فيها بحل ولا حرمة بحيث العين ، بل الحرمة والحل هى الواردة عليها ، موجبة حق الحرمة ، ثم الحرمة ترتفع بالضرورة. فيبقى عينه على ما كان فى الأصل.

ومن قال بحرمة عينها وبحل التناول منها ذهب إلى أن الحرمة حدثت لما كانت ميتة ومهلّا لغير وجه الله. فحدوث الحل للضرورة يدل على أن العلة كانت هى الضرورة فى حق رفع حرمة التناول ، ولم ترفع حرمة عينها إلا أنه أبيح التناول منها للضرورة على بقاء الحرمة. ولكن يجب ألا يتكلم فى هذا ومثله بحرمة العين وحلها بعد أن تكون الإباحة للضرورة ؛ إذ لله أن يحل عينا محرمة فى حال الاضطرار ، وله أن يحرم عينها ويحل التناول منها للاضطرار. فالتكلم فيه فضل وتكلف. وبالله التوفيق.

__________________

ـ ثمن المثل ؛ لأنه خلص من الهلاك بذلك فيرجع عليه بالبدل ، فإن اختلفا فى ذكر العوض صدق المالك بيمينه ؛ إذ لو لم يصدق لرغب الناس عن إطعام المضطر ، وأفضى ذلك إلى الضرر.

ثانيا ـ الشروط العامة المختلف فيها :

اختلف فقهاء المذاهب فى بعض الشرائط المبيحة لأكل الميتة ونحوها من المحرمات للمضطر : فاشترط الشافعية أن يكون المضطر نفسه معصوم الدم. فإن كان المضطر مهدر الدم شرعا كالحربى ، والمرتد ، وتارك الصلاة الذى استوجب القتل ، لم يجز له أكل المحرمات من ميتة أو غيرها إلا إذا تاب. أما مهدر الدم الذى لا تفيد توبته عصمة دمه : كالزانى المحصن ، والقاتل فى قطع الطريق الذى قدر عليه الحاكم ، فقيل : لا يأكل الميتة حتى يتوب وإن لم تكن توبته مفيدة لعصمته. وقيل : لا يتوقف حل الميتة له على توبته.

واشترط الشافعية والحنابلة ألا يكون المضطر عاصيا بسفره أو بإقامته. فإن كان كذلك لم يحل له تناول الميتة ونحوها حتى يتوب. والعاصى بسفره أو بإقامته هو الذى نوى بسفره أو إقامته المعصية ، أى : هو الذى سافر أو أقام لأجل المعصية ، كمن خرج من بلده ناويا قطع الطريق ، وكذا الذى قصد بسفره أو إقامته أمورا مباحة ثم قلبه معصية : كمن سافر أو أقام للتجارة ثم بدا له أن يجعل السفر أو الإقامة لقطع الطريق. وأما العاصى فى أثناء السفر ـ وهو من سافر سفرا مباحا ، وفى أثناء سفره عصى بتأخير الصلاة عن وقتها ، أو بالزنى وهو غير محصن ، أو بالسرقة أو نحو ذلك ـ فلا يتوقف حل أكله للميتة ونحوها على توبته. ومثله العاصى فى إقامته ، كمن كان مقيما فى بلده لغرض مباح ، وعصى فيها بنحو ما سبق ، فإنه يباح له الأكل من المحرم إن اضطر إليه من غير توقف على التوبة. والوجه لمنع المسافر سفر معصية أن أكل الميتة رخصة ، والعاصى بسفره أو إقامته ليس من أهلها ، وأيضا فى الأكل المذكور عون على المعصية فلا يجوز.

أما الحنفية والمالكية ، فقالوا : لا يشترط فى المضطر عدم المعصية ، لإطلاق النصوص وعمومها.

ينظر : أحكام القرآن للجصاص (١ / ١٥٠) ، والمحلى لابن حزم (٧ / ٤٢٦) ، وحاشية ابن عابدين (٥ / ٢١٥ ، ٢٦٥) ، والشرح الصغير مع حاشية الصاوى (١ / ٣٢٣).

٦٢٩

ثم المسألة فى الباغى والعادى : يحرم عليه التناول منها فى حال الاضطرار أم لا؟

قال بعض أهل العلم : محرم ذلك عليه لأوجه :

أحدها : لأنه ظالم. وفى المنع عن التناول منها زجر عن الظلم ، وفى إباحة التناول منها إعانة على الظلم ، لذلك حرم عليه.

والثانى : أن القاتل عوقب عند ما يأوى إلى الحرم بترك المؤاكلة والمشاربة والمجالسة إلى أن يضطر فيخرج عقوبة له. فكذلك هذا يحرم عليه التناول منه عقوبة له إلى أن ينزجر.

وقال : إنه قد استحق بالبغى على أهل الإسلام العقوبة العظيمة ، ويعاقب بهذا أيضا.

ثم من قول هذا الرجل فى الباغى : أنه إذا أتلف أموال أهل العدل لا يتعرض له بها ولا يغرم. وكذلك العادل إذا أتلف أموال أهل البغى (١) لا غرامة عليه (٢).

__________________

(١) البغى حرام ، والبغاة آثمون ، ولكن ليس البغى خروجا عن الإيمان ؛ لأن الله سمى البغاة مؤمنين فى قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ...) إلى أن قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ، ويحل قتالهم ، ويجب على الناس معونة الإمام فى قتالهم. ومن قتل من أهل العدل أثناء قتالهم فهو شهيد. ويسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله ، ويقول الصنعانى : إذا فارق أحد الجماعة ولم يخرج عليهم ولا قاتلهم يخلى وشأنه ؛ إذ مجرد الخلاف على الإمام لا يوجب قتال المخالف. وفى حديث رواه الحاكم وغيره قال النبى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لابن مسعود : «يا ابن مسعود : أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟» قال ابن مسعود : الله ورسوله أعلم. قال : «حكم الله فيهم ألا يتبع مدبرهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفّف على جريحهم». ويرى الشافعية أن البغى ليس اسم ذم ؛ لأن البغاة خالفوا بتأويل جائز فى اعتقادهم ، لكنهم مخطئون فيه ، فلهم نوع عذر ؛ لما فيهم من أهلية الاجتهاد. وقالوا : إن ما ورد فى ذمهم ، وما وقع فى كلام الفقهاء فى بعض المواضع من وصفهم بالعصيان أو الفسق ـ محمول على من لا أهلية فيه للاجتهاد ، أو لا تأويل له. وكذلك إن كان تأويله قطعى البطلان.

ينظر : سبل السلام (٣ / ٤٠٩) ، وروح المعانى (٢٦ / ١٥١).

(٢) اتفق الفقهاء على أن أموال البغاة لا تغنم ، ولا تقسم ، ولا يجوز إتلافها ، وإنما يجب أن ترد إليهم. لكن ينبغى أن يحبس الإمام أموالهم دفعا لشرهم بكسر شوكتهم حتى يتوبوا ، فيردها إليهم لاندفاع الضرورة ، ولأنها لا استغنام فيها ، وإذا كان فى أموالهم خيل ونحوها ـ مما يحتاج فى حفظه إلى إنفاق ـ كان الأفضل بيعه وحبس ثمنه. وفى ضمان إتلاف مالهم كلام ؛ فإن العادل إذا أتلف نفس الباغى أو ماله حال القتال بسبب القتال أو ضرورته لا يضمن ؛ إذ لا يمكن أن يقتلهم إلا بإتلاف شىء من أموالهم كالخيل ، فيجوز عقر دوابهم إذا قاتلوا عليها ، وإذا كانوا لا يضمنون الأنفس فالأموال أولى. أما فى غير حال القتال وضرورته فلا تحرق مساكنهم ، ولا يقطع شجرهم ؛ لأن الإمام إذا ظفر لهم بمال حال المقاتلة فإنه يحبسه حتى يرد إليهم ، فلا تؤخذ أموالهم ؛ لأن مواريثهم قائمة ، وإنما قوتلوا بما أحدثوا من البدع ، فكان ذلك كالحد يقام عليهم. وقيد الماوردى الضمان بما إذا كان الإتلاف خارج القتال بقصد التشفى والانتقام ، أما إذا كان لإضعافهم أو هزيمتهم فلا ـ

٦٣٠

والغرامة نوع من العقوبات ، فإذا استويا فى سقوط الغرامة ـ وإن كان أحدهما ظالما ـ كيف لا استويا أيضا فى هذا؟ وما الذى يوجب التفرقة بينهما؟

ثم نقول لهذا المخالف لنا : إن الباغى المقيم يمسح يوما وليلة ، وإذا سافر لم يرخص له المسح. وهو فى الحضر رخصة كهى فى السفر. فما باله حرم إحدى الرخصتين على إباحة الأخرى مع وجود الظلم والبغى؟ فقال : لأن الضرورة طريق التناول فيه رخصة ، لا ترخص الظالم ، إذ هو تخفيف.

والأصل فى المسألة أن الباغى على أهل الإسلام لا يأتمر بأحكام أهل الإسلام ؛ إذ لو ائتمر أمر بالكف عن بغيه. وإذا لم يأتمر فى ذا ، لا شك أنه لا يأتمر فى الثانى ، ولا يؤمر بما فيه العبث ، ولا يزجره التحريم عن التناول ، إذ على العلم بحرمة البغى بغى ما اشتهت نفسه ، فكيف ينتهى للحرمة فيما اضطرت إليه نفسه؟ ولم يملك الغلبة عليها فى شهوتها إيثارا لها ، كذلك إنظارا لها للكف لا معنى لإحداث الحرمة عليه ببغيه.

__________________

ـ ضمان. واستظهر الزيلعى وابن عابدين حمل الضمان على ما قبل تحيزهم وخروجهم ، أو بعد كسرهم وتفرق جمعهم.

ونقل الزيلعى عن المرغينانى : أن العادل إذا أتلف نفس الباغى أو ماله لا يضمن ولا يأثم ؛ لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم. وفى (المحيط) : إذا أتلف مال الباغى يؤخذ بالضمان ؛ لأن مال الباغى معصوم فى حقنا ، وأمكن إلزام الضمان ، فكان فى إيجابه فائدة.

وإذا أتلف أهل البغى لأهل العدل مالا فلا ضمان عليهم ؛ لأنهم طائفة متأولة فلا تضمن كأهل العدل ؛ ولأنه ذو منعة فى حقنا ، وأما الإثم فإنه لا منعة له فى حق الشارع ، ولأن تضمينهم يفضى إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة ؛ لما رواه عبد الرزاق بإسناده عن الزهرى ، أن سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها ، وشهدت على قومها بالشرك ، ولحقت بالحرورية فتزوجت ، ثم إنها رجعت إلى أهلها تائبة ، قال فكتب إليه : أما بعد ، فإن الفتنة الأولى ثارت وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ممن شهد بدرا ـ كثير ، فاجتمع رأيهم على ألا يقيموا على أحد حدّا فى فرج استحلوه بتأويل القرآن ، ولا قصاصا فى دم استحلوه بتأويل القرآن ، ولا يرد مال استحلوه بتأويل القرآن ، إلا أن يوجد شىء بعينه فيرد على صاحبه ، وإنى أرى أن ترد إلى زوجها ، وأن يحد من افترى عليها.

وفى قول للشافعى : يضمنون ؛ لقول أبى بكر : «تدون قتلانا ، ولا ندى ـ من الدية ـ قتلاكم» ، ولأنها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح ؛ فوجب ضمانه ، كالتى أتلفت فى غير حال الحرب. وإذا تاب البغاة ورجعوا أخذ منهم ما وجد بأيديهم من أموال أهل الحق ، وما استهلكوه لم يتبعوا به ، ولو كانوا أغنياء ؛ لأنهم متأولون.

وإذا قتل الباغى أحدا من أهل العدل فى غير المعركة يقتل به ؛ لأنه قتل بإشهار السلاح والسعى فى الأرض بالفساد كقاطع الطريق ، وقيل : لا يتحتم قتله ، وهو الصحيح عند الحنابلة ؛ لقول على ـ رضى الله عنه ـ : (إن شئت أن أعفو ، وإن شئت استقدت).

ينظر : حاشية الدسوقى (٤ / ٣٠٠) ، والتاج والإكليل (٦ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩) ، حاشية ابن عابدين (٣ / ٣١٢) ، تبيين الحقائق (٣ / ٢٩٦) ، المغنى (٨ / ١١٣).

٦٣١

وأصله قوله عزوجل : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] ، وقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، حرم عليهم إلقاء أنفسهم إلى المهالك ، وقتلهم الأنفس. وفى دفع هذه الرخصة عنه إباحة محرم ، وهو أعظم منه عليه. فلم يفعل؟ وأما [من] قال : بأن من قتل فأوى إلى الحرم ، فإن أهله نهوا عن مؤاكلته ومشاربته ، ولم ينه فى نفسه الأكل والشرب ، إذ لا يقدر أحد منعه عن ذلك. فالقول فى مثله تكلف. فكذا الأول. والله أعلم.

ثم المسألة فى القدر الذى يجوز أن يتناول منها.

فعندنا : أن الإباحة كانت للاضطرار ، فهو على القدر الذى له الدفع والإزالة ، وذلك بدون ما فيه شدة المجاعة ، وذلك الأصل فى انتفاء الضرورة.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ)(١٧٦)

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) : أى فى الكتاب يحتمل هذا وجهين :

يحتمل : أن كتموا ما فى كتبهم من بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله ، وصفته.

ويحتمل : ما كتموا من الأحكام والشرائع من نحو الحدود والرجم وغير ذلك من الأحكام. وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

وقوله : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً).

قد ذكرنا تأويل هذا فيما تقدم.

وقوله : (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ).

يحتمل وجهين :

يحتمل : ما يأكلون فى دنياهم إلا أوجب ذلك لهم فى الآخرة أكل النار.

ويحتمل : ما يأكلون فى دنياهم إلا أكلوا فى الآخرة عين النار.

وقوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

قيل : لا يكلمهم بكلام خير ، ولكن يكلمهم بغيره ، كقوله : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨].

وقيل (١) : لا يكلمهم غضبا عليهم ؛ يقال : فلان لا يكلم فلانا ، لما غضب عليه.

__________________

(١) قاله البغوى بنحوه (١ / ١٤١).

٦٣٢

وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ).

قيل : استحبوا الضلالة على الهدى.

وقيل : اختاروا العذاب على المغفرة. وما قاله الكلبى فهو أحسن : أنهم اشتروا اليهودية ـ التى هى تحصل عذابا ـ بالإيمان ـ الذى يحصل مغفرة ـ وقد ذكرنا هذا فيما تقدم أيضا.

وقوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ).

قيل (١) : فما أدومهم فى النار.

وقيل (٢) : فما أصبرهم على العمل الذى يوجب لهم النار.

وقيل : فما أجرأهم على عمل أهل النار.

وقيل (٣) : ما أعملهم بأعمال أهل النار.

وقال الحسن (٤) : فما لهم عليها صبر ولكن ما أجرأهم على النار.

وقد يقال لمن يطول حبسه : فما أصبرك على الحبس. لا على حقيقة الصبر ، لكن على وجوده فيه.

وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ).

أى : خالفوا. وإلا قد اختلف أهل الإيمان والكفر ، ولكن أراد ـ والله أعلم ـ بالاختلاف : الخلاف ، أى : خالفوا الكتاب ولم يعملوا به.

(لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ)

قيل (٥) : لفى خلاف بعيد.

وقيل : لفى ضلال طويل.

وقيل (٦) : لفى عداوة بعيدة.

وقيل : حرف «البعيد» فى الوعيد إياس ؛ كأنه قال : لا انقطاع له.

* * *

__________________

(١) قاله الكسائى كما فى تفسير البغوى (١ / ١٤٢).

(٢) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠٨) ، ونسبه البغوى (١ / ١٤٢) للحسن وقتادة.

(٣) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير عنه (٢٥١٩).

(٤) أخرجه ابن جرير (٢٥١٠) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١٤٢).

(٥) قاله البغوى (١ / ١٤٢).

(٦) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٢٠).

٦٣٣
٦٣٤

فهرس المحتويات

مقدمة.......................................................................... ٣

الباب الأول : عصر الماتريدي...................................................... ٧

الفصل الأول : قيام الدولة العباسية................................................. ٩

الفصل الثاني : أبرز الأحداث السياسية في الدولة العباسية........................... ١٦

الفصل الثالث : ظاهرة الدول المستقلة في الشرق الإسلامي.......................... ٣٣

الفصل الرابع : نظام الحكم في الدولة العباسية...................................... ٤٤

الفصل الخامس : الحالة الاجتماعية في عصر الماتريدي............................... ٥٢

المبحث الأول : عناصر السكان في الدولة العباسية في عصر الماتريدي................. ٥٣

المبحث الثاني : مظاهر الحياة الاجتماعية.......................................... ٥٦

الفصل السادس : الحياة الفكرية والعلمية في عصر الماتريدي.......................... ٥٩

الباب الثاني : ترجمة الماتريدي..................................................... ٧١

الفصل الأول : اسمه ولقبه وكنيته ونسبه ومولده ووفاته............................... ٧٣

الفصل الثاني : البيئة التي نشأ فيها الماتريدي........................................ ٧٦

الفصل الثالث : شيوخه وتلاميذه وأقرانه........................................... ٨٠

الفصل الرابع : قيمة الماتريدي العلمية............................................. ٨٦

الباب الثالث : الفرق والمذاهب الإسلامية......................................... ٩٥

الفصل الأول : الفرق السياسية................................................... ٩٧

أولا : الخوارج................................................................. ١٠٣

ثانيا : الشيعة................................................................ ١١٢

ثالثا : المرجئة................................................................. ١١٩

الفصل الثاني : المذاهب الاعتقادية.............................................. ١٢٣

أولا : المعتزلة................................................................. ١٢٨

ثانيا : الأشاعرة............................................................... ١٤٣

ثالثا : الماتريدية............................................................... ١٥٦

أولا : المسائل المختلف فيها لفظا................................................ ١٦٠

المسألة الأولى : السعادة والشقاوة............................................... ١٦٠

المسألة الثانية : حكم بقاء الرسالة بعد موت الرسل................................ ١٦٢

٦٣٥

المسألة الثالثة : الإرادة وهل تستلزم الرضا والمحبة أم لا.............................. ١٦٣

المسألة الرابعة : الاستثناء في الإيمان............................................. ١٦٤

المسألة الخامسة : إيمان المقلد................................................... ١٦٦

المسألة السادسة : الكسب.................................................... ١٦٧

المسألة السابعة : الكافر منعم عليه أم لا؟........................................ ١٦٨

ثانيا : المسائل المختلف فيها معنويّا.............................................. ١٦٩

المسألة الأولى : التكليف بما لا يطاق............................................ ١٦٩

المسألة الثانية : الثواب والعقاب................................................. ١٧٢

المسألة الثالثة : التكوين....................................................... ١٧٣

المسألة الرابعة : كلام الله تعالى.................................................. ١٧٤

المسألة الخامسة : معرفة الله تعالى................................................ ١٧٦

المسألة السادسة : عصمة الأنبياء............................................... ١٧٧

الباب الرابع : حول تفسير القرآن الكريم......................................... ١٧٩

الفصل الأول : نشأة التفسير وتطوره............................................ ١٨١

أولا : التفسير................................................................ ١٨١

ثانيا : التأويل................................................................ ١٨٢

ثالثا : المعنى.................................................................. ١٨٤

نشأة التفسير وتطوره.......................................................... ١٨٦

المرحلة الأولى : التفسير فى عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................ ١٨٧

المرحلة الثانية : التفسير في عهد الصحابة رضوان الله عليهم......................... ٢٠٩

أشهر المفسرين من الصحابة ودورهم في التفسير................................... ٢١٧

المرحلة الثالثة : التفسير في عصر التابعين......................................... ٢٢٨

التفسير الموضوعي للقرآن الكريم................................................ ٢٣٤

الفصل الثاني : مدارس تفسير القرآن الكريم....................................... ٢٣٨

الفصل الثالث : المناهج التفسيرية بين القديم والحديث............................. ٢٥٥

٢ ـ منهج التفسير بالرأي....................................................... ٢٦٧

٣ ـ منهج التفسير الإشاري..................................................... ٢٨١

الباب الخامس : الماتريدي مفسرا................................................ ٢٩٩

الفصل الأول : انتماء الماتريدي التفسيري........................................ ٣٠١

الفصل الثاني : منهج الماتريدي في تفسيره......................................... ٣١٤

الفصل الثالث : بذور التجديد فى تفسير الماتريدي................................ ٣٣٣

٦٣٦

الفصل الرابع : تأثر الماتريدي بمن سبقوه.......................................... ٣٣٥

الفصل الخامس : تأثير الماتريدي فيمن جاءوا بعده................................. ٣٣٨

وصف النسخ الخطية.......................................................... ٣٤٢

تفسير سورة الفاتحة

البسملة..................................................................... ٣٤٩

من آية ٢ إلى ٤.............................................................. ٣٥٧

من آية ٥ إلى ٧ ............................................................. ٣٦٢

تفسير سورة البقرة

من آية ١ إلى ٥.............................................................. ٣٧٠

من آية ٦ إلى ١٠............................................................ ٣٧٥

من آية ١١ إلى ١٦........................................................... ٣٨٤

من آية ١٧ إلى ٢٠........................................................... ٣٨٩

من آية ٢١ إلى ٢٥........................................................... ٣٩٨

من آية ٢٦ إلى ٢٩........................................................... ٤٠٦

من آية ٣٠ إلى ٣٩........................................................... ٤١٢

من آية ٤٠ إلى ٤٦........................................................... ٤٤٢

من آية ٤٧ إلى ٥٣........................................................... ٤٥١

من آية ٥٤ إلى ٥٩........................................................... ٤٦٢

من آية ٦٠ إلى ٦١........................................................... ٤٧١

آية ٦٢..................................................................... ٤٨٤

من آية ٦٣ إلى ٦٦........................................................... ٤٨٥

من آية ٦٧ إلى ٧٤........................................................... ٤٨٩

من آية ٧٥ إلى ٧٩........................................................... ٤٩٦

من آية ٨٠ إلى ٨٢........................................................... ٥٠٠

من آية ٨٣ إلى ٨٦........................................................... ٥٠٢

من آية ٨٧ إلى ٩١........................................................... ٥٠٦

من آية ٩٢ إلى ٩٦........................................................... ٥١١

من آية ٩٧ إلى ٩٨........................................................... ٥١٧

من آية ٩٩ إلى ١٠٣......................................................... ٥١٨

من آية ١٠٤ إلى ١٠٥....................................................... ٥٢٨

٦٣٧

من آية ١٠٦ إلى ١١٠....................................................... ٥٣٠

من آية ١١١ إلى ١١٣....................................................... ٥٣٩

من آية ١١٤ إلى ١١٥....................................................... ٥٤٣

من آية ١١٦ إلى ١١٨....................................................... ٥٤٦

من آية ١١٩ إلى ١٢٣....................................................... ٥٥٠

من آية ١٢٤ إلى ١٢٩....................................................... ٥٥٣

من آية ١٣٠ إلى ١٣٤....................................................... ٥٧٤

من آية ١٣٥ إلى ١٣٨....................................................... ٥٧٦

من آية ١٣٩ إلى ١٤١....................................................... ٥٨٠

من آية ١٤٢ إلى ١٤٣....................................................... ٥٨١

من آية ١٤٤ إلى ١٤٨....................................................... ٥٨٨

من آية ١٤٩ إلى ١٥٢....................................................... ٥٩٢

من آية ١٥٣ إلى ١٥٧....................................................... ٥٩٥

آية ١٥٨.................................................................... ٦٠٤

من آية ١٥٩ إلى ١٦٢....................................................... ٦٠٧

من آية ١٦٣ إلى ١٦٤....................................................... ٦٠٩

من آية ١٦٥ إلى ١٦٧....................................................... ٦١٣

من آية ١٦٨ إلى ١٦٩....................................................... ٦١٧

من آية ١٧٠ إلى ١٧١....................................................... ٦٢١

من آية ١٧٢ إلى ١٧٣....................................................... ٦٢٢

من آية ١٧٤ إلى ١٧٦....................................................... ٦٣٢

فهرس المحتويات............................................................... ٦٣٥

* * *

٦٣٨