تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

إثبات النكاح إذا كان ثمّ شهود ؛ ولكن فيه نفى النكاح بغير شهود تصريحا.

ألا ترى أن من قال : لا نكاح إلا بشهود ، لا يسأل أن : لم قلت : إن النكاح يجوز بالشهود؟ ولكن يسأل أن : لم قلت : إنه لا يجوز بغير شهود؟ فعلى ذلك قوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ليس فيه إثبات الدخول لهم تصريحا ، وفيه نفى دخول غيرهم تصريحا ، والله أعلم.

وقوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ).

قد قلنا : إنه خرج مخرج الرد عليهم ، والإنكار لحكمهم على الله ؛ فقال : بل يدخلها من أسلم وجهه لله وهو محسن.

ثم اختلف فى قوله : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ).

قيل (١) : أخلص دينه لله وعمله.

وقيل : أسلم نفسه لله.

وقد يجوز أن يذكر الوجه على إرادة الذات ، كقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أى : إلا هو.

وقيل : أسلم ، أى : وجه أمره إلى دينه فأخلص. وبعضه قريب من بعض.

أسلم نفسه لله أى بالعبودية ؛ كقوله : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) [الزمر : ٢٩].

وذلك معنى الإسلام : أن تخلص نفسك لله ، لا تجعل لأحد شركا من عبودة ، ولا من عبادة.

وقوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

قد ذكرنا متضمنها فيما تقدم.

وقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ).

فإن قيل : كيف عاتبهم بهذا القول ، وقد أمر نبيه ـ عليه‌السلام ـ فى آية أخرى أن يقول لهم ذلك : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ)؟ [المائدة : ٦٨].

قيل : إنما أمر نبيه : أن يقول لهم : إنهم ليسوا على شىء إذا لم يقيموا التوراة ، فأما إذا

__________________

ـ سعيد بن يحيى الأموى عن حفص بن غياث ، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبى عن خالد بن الحارث ، وعبد الرحمن بن يونس الرقى عن عيسى بن يونس ، ولا يصح فى ذكر الشاهدين غير هذا الخبر.

(١) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨١٢). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٣).

٥٤١

أقاموا التوراة ـ وفيها أمر لهم بالإسلام ، واتباع الرسول محمد ـ فهم على شىء.

ومعنى هذا الكلام ـ والله أعلم ـ أن قال لهم : كيف قلتم ذلك ، وعندكم من الكتاب ما يبين لكم ، ويميز الحق من الباطل ، ويرفع من بينكم الاختلاف ، لو تأملتم فيه وتدبرتم؟!

ويحتمل : أن كل فريق منهم لما قال لفريق آخر ذلك : أنهم ليسوا على شىء ، أكذبهم الله ـ تعالى ـ وردّ عليهم : بلى من أسلم منهم فهم على شىء ؛ لأنه كان أسلم من أوائلهم.

ويحتمل : أنهم ليسوا على شىء ، على نفس دعاويهم ، وقولهم فى الله بما لا يليق ، وهم على شىء ، فى تكذيب بعضهم بعضا بما قالوا.

وقيل : لما قالت اليهود : ليست النصارى على شىء من الدين ؛ فما لك يا محمد اتبع ديننا ؛ فإنهم ليسوا على شىء ؛ وكذلك قول الفريق الآخر لأولئك.

ثم اختلف فى «الإسلام» :

قيل (١) : الإسلام هو الخضوع.

وقيل : الإسلام هو الإخلاص بالأفعال ، وهو أن يسلم نفسه لله ، أو يسلم دينه ، لا يشركه فيه.

وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ).

قيل (٢) : الذين لا يعلمون : الذين لا كتاب لهم ، وهم مشركو العرب.

وقيل : الذين لا يعلمون : هم الذين لا يقدرون على تلاوة [القرآن و](٣) الكتاب ، وتمييز ما فيه ، وهم جهالهم.

سوّى ـ عزوجل ـ بينهم فى القول ـ من علم منهم ومن لم يعلم ـ لأن من علم منهم لم ينتفع بعلمه ؛ فكان كالذى لم يعلم شيئا ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فى قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨ ، ١٧١] أنه سماهم بذلك ؛ لما لم ينتفعوا بالآيات ، والأسباب التى أعطاهم الله ـ عزوجل ـ والله أعلم.

وقوله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

بالعذاب ؛ لاختلافهم فيما بينهم ، وبقولهم فى الله بما لا يليق ، تعالى الله عما يقول

__________________

(١) قاله ابن جرير (١ / ٥٤٠) ، والبغوى (١ / ١٠٦).

(٢) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٢١) ، ونسبه البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٦) لمقاتل.

(٣) سقط فى ط.

٥٤٢

الظالمون علوّا كبيرا.

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)(١١٥)

وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ).

يقول : لا أحد أظلم لنفسه ، ولا أوضع لها.

وقوله : (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).

اختلف فيه :

قيل : مساجد الله : الأرض كلها ؛ لأن الأرض كلها مساجد الله ؛ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» (١) منع أهل الكفر أهل الإسلام أن يذكروا فيها اسم الله ، وأن يظهروا فيها دينه.

وقوله : (وَسَعى فِي خَرابِها).

وهو كقوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) [المائدة : ٣٣].

ويخرج قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ).

أى : لا يدخلون البلدان والأمصار إلا بالخوف ، أو بالعهد ؛ كقوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١١٢] وهو العهد.

ويحتمل قوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) : ما كان ينبغى لهم ـ بما عليهم من حق الله ، وتعظيمه ـ أن يدخلوا المساجد إلا خائفين وجلين ؛ لما كانت هى بقاع اتخذت لعبادة الله ، ونسبت إليه تعظيما لها ؛ فدخلوا مخرّبين لها ، مانعين أهلها من عبادة الله فيها.

وقيل (٢) : مساجد الله : المسجد الحرام.

وذلك أنهم حالوا بينها وبين دخول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فيها ، حتى رجعوا من عامهم ذلك. ثم فتح الله ـ عزوجل ـ مكة لهم ، فصار لا يدخلها مشرك إلا خائفا ؛ كقوله ـ عز

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٣٧١) كتاب المساجد (٥ / ٥٢٣) ، وأحمد (٢ / ٤١١) ، والترمذى (٣ / ٢١٢) ، أبواب السير ، باب ما جاء فى الغنيمة (١٥٥٣) ، وابن ماجه (١ / ٤٥٤) كتاب الطهارة وسننها ، أبواب التيمم (٥٦٧) ، عن أبى هريرة.

وله طريق آخر عند البخارى (١٤ / ١٧١ ، ١٧٢) كتاب الاعتصام ، باب قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «بعثت بجوامع الكلم» (٧٢٧٣) وليس فيه موضع الشاهد.

(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (١٨٢٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٤).

٥٤٣

وجل. : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٤].

وقيل (١) : أراد بمساجد الله : بيت المقدس ؛ قيل (٢) : إن النصارى استعانوا ببخت نصّر (٣) وهو رئيس المجوس ، حتى خربوا المساجد ، وقتلوا من فيها من أهل الإسلام ، ثم بنى أهل الإسلام ـ بعد ذلك بزمان ـ مساجد ، فكان لا يدخل نصرانى فيها إلا خائفا ، مستخفيا. والله أعلم.

وقوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ).

قيل (٤) : الخزى : الجزية. ويحتمل القتال ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).

وقوله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).

قيل (٥) : إن رهطا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انطلقوا سفرا ، وذلك قبل أن تصرف القبلة إلى الكعبة ، فحضر وقت الصلاة ، فاشتبه عليهم ، فتحرّوا : فمنهم من صلى إلى المشرق ، ومنهم من صلى إلى المغرب ؛ صلوا إلى جهات مختلفة ، فلما بان لهم ذلك قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألوا عن ذلك ؛ فنزلت الآية فيهم (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٢٢) وعن مجاهد (١٨٢٣) ، (١٨٢٤) وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٤).

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٢٥ ، ١٨٢٦) ، وعن السدى (١٨٢٧) وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٤).

(٣) وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبى : كان بخت نصر أصفهبذا لما بين الأهواز إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب. وكان قد بنى مدينة بلخ التى تلقب بالخنساء ، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الأماكن وبعث بختنصر لقتال بنى إسرائيل بالشام فلما قدم الشام صالحه أهل دمشق ، وقد قيل إن الذى بعث بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب وذلك لتعدى بنى إسرائيل على رسله إليهم. وقد روى ابن جرير : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن سليمان بن بلال عن يحيى ابن سعيد الأنصارى ، عن سعيد بن المسيب : أن بختنصر لما قدم دمشق وجد بها دما يغلى على كبا يعنى القمامة فسألهم ما هذا الدم؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن. وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا وهذا لا يصح لأن يحيى بن زكريا بعد بختنصر بمدة والظاهر أن هذا دم نبى متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن شاء الله ممن الله أعلم به.

(٤) قاله السدى أخرجه ابن جرير عنه (١٨٣١) ، وعن قتادة أخرجه ابن جرير (١٨٢٩ ـ ١٨٣٠) وعبد الرزاق كما فى الدر المنثور (١ / ٢٠٤).

(٥) أخرجه عبد بن حميد (٣١٦) والترمذى (١ / ٣٧٥) كتاب الصلاة باب ما جاء فى الرجل يصلى لغير القبلة فى الغيم (٣٤٥) ، وابن ماجه (٢ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧) كتاب إقامة الصلاة باب من يصلى لغير القبلة (١٠٢٠) ، والدار قطنى (١ / ٢٧٢) ، وأبو نعيم فى الحلية (١ / ١٧٩ ـ ١٨٠) ، والبيهقى (٢ / ١١) ، عن عامر بن ربيعة بنحوه ، وقال الترمذى : هذا الحديث ليس إسناده بذلك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف فى الحديث.

وفى الباب شواهد انظرها فى الدر المنثور (١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦).

٥٤٤

اللهِ).

وهذا يردّ على الشافعى قوله ؛ لأنه يقول : إن صلى إلى جهة القبلة يجوز ، وإلا فلا. وليس فى الآية ذكر جهة دون جهة ، بل فيها ذكر المشرق والمغرب ، وكذلك فى الخبر ذكر المشرق والمغرب ؛ فخرج قوله على ظاهر الآية ، وهذا عندنا فى الاشتباه والتحرى ، وأما عند القصد فهو قوله : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).

وروى عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أن قوله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ...) الآية ، نزلت فى النوافل فى الأسفار (١).

ولكن عندنا على ما ذكرنا فى الكل ، والله أعلم.

وقوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).

اختلف فيه :

قيل : ثم وجه الله ، يعنى : ثمّ ما قصدتم وجه الله.

وقيل (٢) : ثمّ قبلة الله.

وقيل : ثمّ وجه الله : ثم الله. على ما ذكرنا من جواز التكلم بالوجه على إرادة الذات ، أى : ليس هو عنهم بغائب.

وقيل (٣) : ثمّ رضاء الله.

وقيل : ثم ما ابتغيتم به وجه الله.

وقيل فيه : ثم وجه الذى وجهكم إليه إذا لم يجئ منكم التقصير ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أكل الناسى : «إنما أطعمك الله وسقاك» (٤).

وقيل فيه : ثم بلوغكم ما قصدتم بفعل الصلاة من وجه الله ورضائه ، أى : ظفرتم به.

ثم الغرض فى القبلة ليس إصابة عينها ، ولكن أغلب الظن ، وأكبر الرأى ؛ لأنه ليس لنا إلى إصابة عينها سبيل ؛ إذ سبيل معرفتها بالاجتهاد ، لا باليقين والإحاطة ، ليس كالمياه والأثواب وغيرها من الأشياء ؛ لأن هذه الأشياء فى الأصل طاهرة ، والنجاسة عارضة فيظفر بأعينها على ما هى فى الأصل.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (١٨٤١ ، ١٨٤٢). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٥).

(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٥٠ ، ١٨٥١). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٦).

(٣) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٨).

(٤) أخرجه البخارى (٤ / ٦٥٨) ، كتاب الصوم ، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا (١٩٣٣) ، ومسلم (٢ / ٨٠٩) ، كتاب الصيام ، باب أكل الناسى وشربه (١٧١ / ١١٥٥) ، عن أبى هريرة بلفظ : «إذا نسى فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه».

٥٤٥

وأما أمر القبلة فإنما بنى على الاجتهاد والقصد ، دون إصابة عينها. والله أعلم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ).

قيل (١) : الواسع : الغنىّ.

وقيل (٢) : الواسع : الجواد ، حيث جاد عليهم بقبول ما ابتغوا به وجه الله ، وحيث وسع عليهم أمر القبلة.

(عَلِيمٌ) بما قصدوا ونووا.

قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(١١٨)

وقوله (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ).

فيه تنزيه ، نزه به نفسه عما قالوا فيه بما لا يليق ، ورد عليهم.

ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنّ اتخاذ الولد ، والتبنى ـ فى الشاهد ـ إنما يكون لأحد وجوه ثلاثة تحوجه إلى ذلك :

إما لشهوات تغلبه ؛ فيقضيها به.

وإما لوحشة تأخذه ؛ فيحتاج إلى من يستأنس به.

أو لدفع عدو يقهره ؛ فيحتاج إلى من يستنصر به ويستغيث.

فإذا كان الله ـ عزوجل ـ يتعالى عن أن تمسه حاجة ، أو تأخذه وحشة ، أو يقهره عدو ، فلأى شىء يتخذ ولدا؟!.

وقوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

رد على ما قالوا : بأن من ملك السموات وما فيها ، وملك الأرض وما فيها ـ لا تمسه حاجة ، ولا يقهره عدو ؛ إذ كل ذلك ملك له ، يجرى فيهم تقديره ، ويمضى عليهم أمره وتدبيره ، وإنما يرغب إلى مثله إذا اعترض له شىء مما ذكرنا ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.

فإن عورض بالخلة ، قيل : إن الخلة تقع على غير جوهر من منه الخلة ، والولد لا

__________________

(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٨).

(٢) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٨).

٥٤٦

يكون إلا من جوهره ، وإلى هذا يذهب الحسن (١).

والثانى : أن الخلة تقع لأفعال تكتسب ، وتسبق منه ، فيعلو أمره ، وترتفع مرتبته ؛ فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء ، وأما الولد فإنه لا يقع عن أفعال تكتسب ، بل بدو ما به استحقاقه يكون من مولده. وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١].

والثالث : ما قاله الراوندى : أنه لا بد من أن يدعى إلى التسمى ، أو إلى التحقيق ؛ إذ فى الخلة تحقيق ما به يسمى.

ثم لم يحتمل فى هذا تحقيق ما به يسمى ، والاسم لم يرد به الإذن ، وبالله التوفيق.

ويحتمل قوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وجها آخر ، وهو أن يقال : إن ما فى السموات وما فى الأرض ، كلهم عبيده وإماؤه ، فأنتم مع شدة حاجتكم إلى الأولاد لا تستحسنون أن تتخذوا عبيدكم وإماءكم أولادا ، فكيف تستحسنون ذلك لله ـ عزوجل ـ وتنسبون إليه مع غناه عنه؟ وبالله التوفيق.

وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ).

قيل فيه بوجوه :

قيل (٢) : إن كل من فى السموات والأرض من الملائكة ، وعيسى ، وعزير ، وغيرهم ـ من الذين قلتم : إنه اتخذهم ولدا ـ قانتون له ، مقرّون بالربوبية له ، والعبودية لأنفسهم له.

وقيل (٣) : (قانِتُونَ) : مطيعون ؛ أى : كلهم مطيعون متواضعون.

وقيل (٤) : القانت : هو القائم ، لكن القائم على وجهين : يكون القائم المنتصب على الأقدام ، ويكون القائم بالأمر والحفظ.

ثم لا يحتمل أن يراد بالقانت هاهنا : المنتصب بالقدم ؛ فرجع إلى الطاعة له وحفظ ما عليه ، وهو كقوله : (هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣] من الحفظ والرزق.

ويحتمل : تنزيه الخلقة ؛ لأن خلقة كل أحد تنزه ربه عن جميع ما يقولون فيه.

أو أن يقال : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) فى الجملة ؛ كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧].

__________________

(١) فى أ : الحسين.

(٢) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٥٨). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٨).

(٣) قاله ابن عباس وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهما (١٨٥٢ ، ١٨٥٧). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٨).

(٤) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٥٩) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١٠٨).

٥٤٧

وقوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

ابتدعهما ولم يكونا شيئا.

والبديع والمبدع واحد ؛ وهو الذى لم يسبقه أحد فى إنشاء مثله ؛ ولذلك سمى صاحب الهوى : مبتدعا ؛ لمّا لم يسبقه فى مثل فعله أحد.

ثم فيه الحجة على هؤلاء الذين قالوا : اتخذ الله ولدا ، يقول : إن من قدر على خلق السموات والأرض من غير شىء ، ولا سبب ، كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أب؟!

والثانى : أن يقال : إن من له القدرة على خلق ما يصعب ، ويعظم فى أعينكم ، بأقل الأحرف عندكم ـ كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أب؟!

وقوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ).

قيل (١) : وإذا حكم حكما : فإنما يقول له : كن فيكون.

وقيل : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ؛ يعنى قضى بإهلاك قوم واستئصالهم (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

ثم قوله : (كُنْ فَيَكُونُ).

ليس هو قول من الله : أن كن ـ بالكاف والنون ـ ولكنه عبارة بأوجز كلام ، يؤدى المعنى التام المفهوم ؛ إذ ليس فى لغة العرب كلام التحقيق بحرفين يؤدى المعنى المفهوم أوجز من هذا ، وما سوى هذا فهو من الصّلات ، والأدوات ، فلا يفهم معناها ، والله أعلم.

ثم الآية تردّ على من يقول : بأن خلق الشىء هو ذلك الشىء نفسه ؛ لأنه قال : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ذكر «قضى» وذكر «أمرا» ، وذكر «كن فيكون». ولو كان التكوين والمكون واحدا لم يحتج إلى ذكر كن فى موضع العبارة عن التكوين فال «كن» تكوينه ، فيكون المكون ؛ فيدل أنه غيره.

ثم لا يخلو التكوين : إما أن لم يكن فحدث ، أو كان فى الأزل.

فإن لم يكن فحدث ، فإما أن يحدث بنفسه ـ ولو جاز ذلك فى شىء لجاز فى كل شىء ـ أو بإحداث آخر ، فيكون إحداث بإحداث ، إلى ما لا نهاية له. وذلك فاسد ، ثبت أن الإحداث والتكوين ليس بحادث ، وأن الله تعالى موصوف فى الأزل أنه محدث ،

__________________

(١) قاله ابن جرير بنحوه (١ / ٥٥٦) وكذا البغوى (١ / ١٠٨).

٥٤٨

مكون ؛ ليكون كل شىء فى الوقت الذى أراد كونه فيه ، وبالله التوفيق.

وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ).

قيل فيه بوجوه :

قيل : الّذين لا يعلمون ، يعلمون فى الحقيقة ، ولكن سماهم بذلك ؛ لما لم ينتفعوا بعلمهم.

وقيل (١) : لا يعلمون توحيد ربهم ؛ وهم مشركو العرب. قالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هلا يكلمنا الله ، أو تأتينا آية فتخبرنا بأنك رسوله.

وقيل : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) ، أى : لا يعلمون أنهم لم يبلغوا المبلغ الذى يتمنون تكليم الله إياهم.

وقيل : (لا يَعْلَمُونَ) أنه قد كلمهم وأخبرهم بالوحى ، وإيتاء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آيات على رسالته ، لكنهم يعاندون.

وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ).

قيل : الذين من قبلهم : بنو إسرائيل ؛ قالوا لموسى مثل ما قال مشركو العرب لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١].

وقيل (٢) : اليهود سألوا مثل سؤال النصارى.

وقيل : النصارى سألوا مثل سؤال اليهود ، والله أعلم.

وقوله : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ).

بالكفر والسفه.

وقيل : تشابهت قلوبهم فى المقالة ؛ يشبه بعضها بعضا فى السؤال ؛ لأنهم سألوا سؤال تعنت ، لا سؤال مسترشد.

وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).

يحتمل وجهين :

أحدهما : هذا القول.

والثانى : أن يسألوا سؤال التعنت والعتو ، لا سؤال مسترشد ؛ إذ الله ـ تعالى ـ قد أثبت آيات الإرشاد لمن يبتغى الرشد ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

__________________

(١) قاله قتادة والربيع والسدى ، أخرجه ابن جرير عنهم (١٨٦٥ ، ١٨٦٦ ، ١٨٦٧). وانظر تفسير البغوى (١ / ١٠٩).

(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٦٩ ، ١٨٧٠).

٥٤٩

قيل : بينا أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالآيات ، والحجج التى أقامها : أنه رسول لمن آمن به ، وصدقه ، ولم يعانده.

قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(١٢٣)

وقوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً).

قيل : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد ؛ لتدعوهم إلى الحق ، وهو التوحيد.

وقيل : بالحق : بالقرآن.

وقيل : بالحق : بالحجج والآيات.

(بَشِيراً) لمن أطاعه بالجنة ، (وَنَذِيراً) لمن عصاه وخالف أمره بالنار.

وقيل : بالحق الذى لله على الخلق ، والحق الذى لبعض على بعض ؛ لتدعوهم إليه وتدلهم عليه.

وقوله : «ولا تسأل عن أصحاب الجحيم» (١).

وجائز أن يكون بمعنى : لا تسأل بعد هذا عنهم. ولم يذكر أنه سئل عنهم بعده ؛ فيكون ذلك آية له بما هو خبر عن علم الغيب.

قيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «ليت شعرى! ما فعل أبواى؟» فأنزل الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) ثبت فى حاشية أ : قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ فيه لغتان ؛ بنصب التاء ، وضمها. أما النصب ، فقد قيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل عن أبويه ذات يوم ؛ فقال : ليت شعرى! ما فعل أبواى؟!

فأوحى الله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) بمعنى النهى عن أصحاب الجحيم.

وأما الضم فيحتمل وجهين :

لا ؛ أى لا تسأل أنت يا محمد عن ذنوب أصحاب الجحيم. وهو كقوله تعالى : «ولا يسألون عما كانوا يعملون». وكقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ونحوه.

والثانى : أى لا تسأل بعد هذا عن أصحاب الجحيم. ولم يذكر أنه سأل عنهم بعده.

فإن كان على هذا الوجه فهو أثر دلالة على إثبات رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه أخبر عن الغيبة فلا يعرف إلا بطريق الوحى ، والله تعالى أعلم ، شرح.

٥٥٠

هذه الآية (١).

وفيها لغتان : «لا تسأل» بنصب التاء (٢) وهو ما ذكرنا.

ويحتمل وجها آخر : أى لا تشتغل بأصحاب الجحيم ؛ فإن ذلك تكلف منك وشغل.

وفيها لغة أخرى برفع التاء (٣) : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ، أى : لا تسأل أنت يا محمد عن ذنوب أصحاب الجحيم ؛ وهو كقوله : (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة : ١٣٤ ، ١٤١] ، وكقوله : (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤] ، وكقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤ ، الإسراء : ١٥ ، فاطر : ١٨ ، الزمر : ٧] ونحوه.

وقوله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

اختلف فى الملة :

قيل الملة : السنة ؛ كقوله : «بسم الله ، وعلى ملة رسول الله» (٤) ، وكقوله (اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣].

وقيل الملة : الدين ، كقوله عليه‌السلام : «لا يتوارث أهل الملتين» (٥).

وقيل : الملة هاهنا : القبلة ، وهو كقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥].

آيس ـ عزوجل ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن اتباع أولئك دينه وقبلته ؛ لأنهم يختارون الدين ، والقبلة ؛ بهوى أنفسهم ، لا بطلب الحق ، وظهوره ، ولزوم الحجة.

وذلك : أن النصارى إنما اختاروا قبلتهم المشرق ؛ لأن مكان الجبل الذى كان فيه

__________________

(١) أخرجه وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن جرير (١٨٧٧ ، ١٨٧٨) ، وابن المنذر عن محمد بن كعب كما فى الدر المنثور (١ / ٢٠٩) وقال السيوطى : هو مرسل ضعيف الإسناد.

وأخرجه ابن جرير (١٨٧٩) عن داود بن أبى عاصم ، وقال السيوطى فى الدر (١ / ٢٠٩) : معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذى قبله حجة.

(٢) ينظر : البحر المحيط (١ / ٣٦٨) ، والتبيان (١ / ٤٣٦) ، والحجة لأبى زرعة (١١١) ، والمعانى للأخفش (١ / ١٤٦).

(٣) ينظر : البحر المحيط (١ / ٣٦٧) ، وتفسير الرازى (١ / ٤٧١) ، والكشاف للزمخشرى (١ / ٩١) ، وتفسير الطبرى (٢ / ٥٦٠).

(٤) أخرجه أحمد (٢ / ٦٩) ، والنسائى فى الكبرى (٦ / ٢٦٨) ، وابن حبان (٧٧٢ ، ٧٧٣ ـ موارد) ، وأبو يعلى (٥٧٥٥) ، والحاكم (١ / ٣٦٦) ، وصححه عن ابن عمر.

(٥) أخرجه أحمد (٢ / ١٧٨ ، ١٩٥) ، وأبو داود (٢ / ١٤٠) ، كتاب الفرائض ، باب هل يرث المسلم الكافر (٢٩١١) ، وابن ماجه (٤ / ٢٩١) ، كتاب الفرائض ، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك (٢٧٣١) ، وابن الجارود (٩٦٧) ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

٥٥١

عيسى فى ناحية المشرق بقوله : (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) [مريم : ١٦].

واليهود اختاروا قبلتهم ناحية المغرب ؛ لأن موسى عليه‌السلام كان بناحية المغرب لما أعطى الرسالة وكلمه ربه ؛ كقوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [القصص : ٤٤].

وأما أهل الإسلام فإنما اختاروا الكعبة ـ شرفها الله ـ قبلة بالأمر ، لا اتباعا لهواهم.

والعقل يوجب أن تكون الكعبة قبلة ؛ إذ هى مقصد الخلق من آفاق الدنيا ، فلما احتيج فى الصلاة إلى التوجه إلى وجه كان أحق ذلك الموضع الذى جعل للخلق مقاصد أخرى (١).

ثم قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

أخبر ـ عزوجل ـ رسوله : أن ليس فى وسعك إرضاء هؤلاء ؛ لاختلافهم فى الدعاوى فى الملل.

فإن قيل : كيف نهى رسوله عن اتباع ملتهم على علم منه : أنه لا يتبع؟

قيل : لأن العصمة لا تزيل المحنة ، ولا تدفعها ، بل المحنة إنما تقع فى العصمة لوجهين :

أحدهما : أن عصمته لما مضى لا توجب عصمته فى الحادث.

والثانى : أن أحق من ينهى عن الأشياء من أكرم بالعصمة ؛ إذ على زوال النهى يرتفع عنه جهة العصمة ؛ لأنه يصير برفع النهى مباحا.

فلهذا دل القول على النهى عما فيه إرضاؤهم ـ وإن كان فى الأصل معصوما عنه ـ وبالله التوفيق.

وفى إزالة الأمر والنهى إزالة فائدة العصمة ؛ لأن العصمة : هى أن يعصم فى الأمر حتى يؤديه ، وفى النهى ، حتى ينتهى عنه ، وبالله التوفيق.

وقوله : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).

قيل : إن دين الله ـ الذى اختاره أهل الإسلام ؛ بالأمر ، واتباع الآيات ، والحجج ـ هو الدين ، لا كما اختار أولئك بهوى أنفسهم ، واستقبال الآيات والحجج بالرد ، والإنكار ، والمعاندة.

ويحتمل : أن يكون الخطاب فى قوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)

__________________

(١) فى أ : مقصدا آخر.

٥٥٢

والبيان لأصحابه ، ومن دخل فى دينه وصدقه ، لا هو. وذلك كثير فى القرآن ؛ يخاطب هو والمراد غيره.

وقوله : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).

ظاهره : من ولى يتولى الدفاع عنك ، ولا نصير يمنعك من العذاب.

ويحتمل : ينصرك فتغلب به سلطان الله فيما يريد تعذيبك.

وقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ).

قيل : الكتاب : أراد به التوراة أو الإنجيل.

وقيل : أراد به القرآن.

ومن حمله على التوراة والإنجيل قال : فيه إضمار واو كأنه قال : الذين آتيناهم الكتاب ، ويتلونه حق تلاوته ، أولئك يؤمنون به ، أى : إذا تلوا حق التلاوة ؛ فحينئذ يؤمنون به.

وقيل (١) : يتلونه حق تلاوته ، يعنى يعملون به حق عمله ، ولا يكتمون نعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يحرفونه.

(أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).

وهم الذين أسلموا منهم.

وقيل (٢) : يتبعونه حق اتباعه. وهو واحد.

ومن حمله على القرآن ، فالذين يتلونه حق تلاوته أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١٢٩)

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٩٤ ، ١٨٩٦ ، ١٨٩٩) ، وعن عطاء (١٩٠٢) ، والحسن (١٩٠٣) وقتادة (١٩٠٤). وانظر الدر المنثور (١ / ٢١٠).

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٩٠) ، وعن عطاء (١٨٩١) وابن رزين (١٨٩٢ ، ١٨٩٣) وغيرهم. وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٩).

٥٥٣

وقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ).

قيل (١) : الابتلاء والامتحان فى الشاهد : استفادة علم خفى عليه من الممتحن والمبتلى به ، ليقع عنه علم ما كان ملتبسا عليه.

وفى الغائب لا يحتمل ذلك ؛ إذ الله ـ عزوجل ـ عالم فى الأزل بما كان ، وبما يكون فى أوقاته أبدا.

ثم يرجع الابتلاء منه إلى وجوه :

أحدها : أن يخرج مخرج الأمر بالشىء أو النهى عنه ، لكن الذى ذكر يظهر بالأمر والنهى ؛ فسمى ابتلاء من الله تعالى.

والثانى : ليكون ما قد علم الله أنه يوجد موجودا ، وليكون ما قد علم أنه سيكون كائنا.

وعلى هذا يخرج قوله : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [محمد : ٣١] ، حتى نعلمه موجودا ، كما علم أنه يوجد ؛ كما قال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الأنعام : ٧٣ ، التوبة : ٩٤ ، ١٠٥ ، الرعد : ٩ ، المؤمنون : ٩٢ ، السجدة : ٦] ، علم الغيب ، علم أنه موجد. وعلم الشهادة ، علم به موجودا ، حتى يوجد الذى علم أنه يجاهد منهم ـ مجاهدا ، و [الذى] يصبر منهم صابرا.

ثم اختلف فى الكلمات التى ابتلاه بها :

فقال بعضهم (٢) : الكلمات : هى التى ذكرت فى سورة الأنعام ، وهو قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) [الأنعام : ٧٦] ، ورأى القمر بازغا ، ورأى الشمس بازغة ، هى الحجج التى أقامها على قومه بقوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣].

وقيل (٣) : ابتلاه بعشر ففعلهن : خمسة فى الرأس ، وخمسة فى الجسد.

لكن فى هذا ليس كبير حكمة ؛ إذ يفعل هذا كل واحد ، ولكنّ الحكمة فيه هى :

ما قيل : إن ابتلاءه بالنار ، حيث ألقى فيها ، فصبر ، حتى قال له جبريل : «أتستعين بى؟ قال : أمّا منك فلا» (٤).

__________________

(١) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١١١).

(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩٣٥ ، ١٩٣٦ ، ١٩٣٧ ، ١٩٣٨). وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٢).

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩١٢ ، ١٩١٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢١٠).

(٤) قاله معتمر بن سليمان عن بعض أصحابه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٦٦٣).

٥٥٤

وابتلى بإسكان ذريته الوادى ، الذى لا ماء فيه ، ولا زرع ، ولا غرس.

وابتلى بالهجرة من عندهم ، وتركهم هنالك ـ وهم صغار ـ ولا ماء معهم ، ولا زرع ، ولا غرس.

وابتلى بالهجرة إلى الشام.

وابتلى بذبح ولده.

ابتلى بأشياء لم يبتل أحد من الأنبياء بمثله ، فصبر على ذلك.

ففى مثل هذا يكون وجه الحكمة.

وفيه لغة أخرى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ) بالرفع (رَبُّهُ) بنصب الباء (١).

ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنه سأل ربه بكلمات فأعطاهن. وهو تأويل مقاتل. وهو أن قال : اجعلنى للناس إماما. قال : نعم. قال : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) ، قال : نعم قال : (وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، قال : نعم. قال : و (اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً).

قال : نعم. قال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). قال : نعم.

مثل هذا : سأل ربه هذا فأعطاهن إياه.

وقوله : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً).

يحتمل : جعله رسولا يقتدى به ؛ لأن أهل الأديان ـ مع اختلافهم ـ يدينون به ، ويقرون نبوته.

ويحتمل : إماما من الإمامة والخلافة.

وقوله : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

فإن قيل : كيف كان قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) جوابا لقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وكانت الرسالة فى ذريته ؛ كقوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف : ٢٨]؟

يحتمل قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : أحب أن تكون الرسالة تدوم فى ذريته أبدا ؛ حتى لا تكون بين الرسل فترات ؛ فأخبر أن فى ذريته من هو ظالم ، فلا ينال الظالم عهده.

ويحتمل : أن يكون سؤاله جعل الرسالة فى أولاد إسماعيل ؛ لأن العرب من أولاد إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ فأخبر أن فى أولاده من هو ظالم ؛ فلا يناله.

والعهد : ما ذكرنا ، هو الرسالة والوحى.

__________________

(١) ينظر : اللباب فى علوم الكتاب (٢ / ٤٤٥).

٥٥٥

وقال الحسن (١) : لا ينال الظالم فى الآخرة العهد.

ويحتمل : أن يكون المراد من ذلك : وذريتى ، فأخبر أن فيهم من لا يصلح لذلك.

ويحتمل : أن يريد به الإمامة لا النبوة ، وقد كانت هى فى نسل كل الفرق ، والنبوة كانت فيهم.

ويحتمل : أن يكون قصد خصوصا من ذريته ، ممن علم الله أن فيهم من لا يصلح لذلك.

ولا يحتمل : أن يريد به الإمامة لا النبوة وقد ذكر ، أو قال الإنسان : قيل له : إنه من ذريتك لكن لا ينال من ذكر ؛ ولهذا خص بالدعاء من آمن منهم دون من كفر.

وقوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ).

قيل (٢) : المثابة. المجمع.

وقيل (٣) : المثابة : المرجع ، يثوبون : يرجعون.

وقيل (٤) : يحجون.

وقوله : (مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً).

هو فعل العباد ؛ لأنهم يأمنون ويثوبون.

أخبر أنه جعل ذلك ؛ ففيه دلالة خلق أفعال العباد (٥).

__________________

(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٩٥٩ ، ١٩٦٠) وعن إبراهيم (١٩٦١).

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩٧٧) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٢).

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٩٦٩) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٢) ، والدر المنثور (١ / ٢٢٢).

(٤) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (١٩٧٤ ، ١٩٧٥) وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٢) ، والدر المنثور (١ / ٢٢٢).

(٥) وهى مسألة معروفة بخلق أفعال العباد ، ومسألة الجبر والاختيار من المسائل التى نوقشت بشدة بين مفكرى الإسلام الذين انقسموا فيها إلى فرق شتى ، واختلفوا تبعا لفهم كل منهم لها ، فمن قائل بالجبر ، وقائل بالحرية التامة ، ووسط هذه المعارك نجد من يحاول جمع الفرق المتنازعة على كلمة سواء ويمكن أن نرد الخلاف حول المسألة إلى أربعة مذاهب :

الأول : مذهب المعتزلة : وهو أن العبد فاعل ومحدث لأفعاله الاختيارية ، فأفعال العباد من حركات وسكنات واقعة من جهتهم بإقدار الله لهم على هذه الأحداث ، وعلى ذلك فإن من قال : إن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله ، فقد أخطأ ، فقدرة الله لا تتعلق بأفعال العباد من حيث الإيجاد والنفى.

أدلتهم استدل المعتزلة من العقل فقالوا : «لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد لوجب كونهم مضطرين إليها ، وألا يكون بين ما يكتسبه العبد وما يضطر إليه فرق. وفى علمنا بالفرق بينهما دلالة على فساد كل قول يسقط الفرق الذى علمناه». ـ

٥٥٦

__________________

ـ وكذا قالوا : «لو كان الله تعالى هو الخالق لفعل العباد لما استحقوا الذم على القبيح والمدح على الحسن ، وذلك لأن المدح والذم على فعل الغير لا يصح ، ولا فرق بين من اعتقد حسن ذلك وبين من اعتقد ذم الجماد والأعراض ومدحها لما يقع منه تعالى من الأفعال».

واستدلوا من القرآن بقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ...) [الملك : ٣] ووجه استدلالهم من الآية أنها تنفى التفاوت عن خلقه سبحانه ، وهذا من أكبر الأدلة على أنه سبحانه لم يخلق أفعال العباد لما فيها من تفاوت كبير.

الثاني : مذهب الجبرية : وهو نفى القدرة والاستطاعة عن الإنسان فى سائر أعماله ، وأن الأفعال مخلوقة لله تعالى فينا لا تعلق لنا بها أصلا ، لا اكتسابا ولا إحداثا وإنما نحن كالظرف لها.

وكأن مذهب الجبرية يأتى فى مقابل مذهب المعتزلة ، فهما على النقيض.

الثالث : مذهب الأشاعرة : ويرى الأشاعرة أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى وحدها وليس للعبد فيها أدنى تأثير ، فهى مخلوقة لله من حيث الإبداع والإحداث وللعبد فيها الكسب.

ويفسرون حدوث الأفعال من العبد بأن الله سبحانه وتعالى قد أجرى عادته بأن يوجد فى العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يوجد مانع أوجد فعله المقدور مقرونا بهذه القدرة والاختيار وهم هنا يثبتون للعبد فى أفعاله الكسب ، ومعناه كما يقول الإمام أبو الحسن الأشعرى : «الفعل القائم بمحل قدرة العبد».

فالأشعرى يرى أن الإنسان يقدره الله على إحداث الفعل عند مباشرته ، فيقع الفعل عند هذه القدرة لا بها. ومن هنا يرى أنه ليس لهذه القدرة تأثير فى إيجاد الفعل.

ويختلف بعض الأشاعرة مع الأشعرى فى مفهوم الكسب فذهب الباقلانى : إلى أن أفعال العباد من حيث هى أفعال واقعة بقدرة الله ، ومن حيث هى صفات واقعه بقدرة العباد ، فمثلا : الصلاة من حيث هى فعل واقعة بقدرة الله ، ومن حيث تخصيصها واقعة بقدرة العبد.

وعلى ذلك فالباقلانى يتفق مع الأشعرى فى أن الفعل واقع بقدرة الله من حيث هو فعل ويختلف معه فى القول بأنه واقع بقدرة العبد من حيث هو صفة.

وذهب الجوينى : إلى القول بأن لقدرة العبد تأثيرا فى وجود المقدور ، لكن ليس باستقلال ، بل إن هذه القدرة تستند إلى سبب ، وهذا السبب يستند إلى سبب ، وهكذا حتى ينتهى الأمر إلى مسبب الأسباب.

فهو يختلف عن إمام المذهب ، حيث جعل لقدرة العبد أثرا فى إحداث الفعل.

وذهب الأسفرائيني : إلى أن فعل العبد واقع بقدرة الله وقدرة العبد معا.

ومع هذا الاختلاف بين الأشاعرة فإنه يبقى اتفاقهم على أن الفعل واقع بقدرة الله وللعبد فيه الكسب.

والأشاعرة بهذا يقفون موقفا وسطا بين المعتزلة والجبرية.

أدلتهم : ساق الأشاعرة الكثير من الأدلة النقلية والعقلية :

أولا : الأدلة النقلية :

استدلوا من النقل بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية :

فمن القرآن الكريم :

ـ قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢].

ووجه استدلالهم من الآية أنها تدل على أن الله ـ تعالى ـ خالق كل شىء ، ولما كانت أفعال العباد أشياء فوجب كونه خالقا لها. ـ

٥٥٧

__________________

ـ قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦].

ووجه الدلالة : أن الله ـ تعالى ـ خلق العباد وخلق الأشياء التى يصنعونها فخلقه شامل للعبد وما يكتسبه.

ومن الأحاديث النبوية :

ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خالق كل صانع وصنعته».

ووجه الدلالة ، أن الله سبحانه وتعالى خالق كل شىء ، فهو الخالق للإنسان وما يفعل.

ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فى دعائه «يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك» فقيل يا رسول الله أتخاف علينا وقد آمنا بك وبما حدثت به فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها هكذا وأشار إلى السبابة والوسطى يحركهما».

ووجه الدلالة أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرجع أمر الهداية والإضلال إلى الله ، فمعنى هذا أن ما يفعله العبد يكون بتقدير الله ، فدل ذلك على أن أفعال العبد مخلوقة لله.

ثانيا : الأدلة العقلية :

قالوا «إن فعل العبد ممكن ، وكل ممكن مقدور لله تعالى ، لشمول قدرة الله تعالى لجميع الكائنات الممكنات ، ففعل العبد مقدور لله تعالى فلو كان مقدورا للعبد أيضا على وجه التأثير للزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد وهو ممتنع».

وقالوا كذلك «خالق الشىء لا بد أن يكون قادرا على إعادته مع علمنا بأن الواحد منا لا يقدر على كسبه وهذا دليل على أن ابتداء وجود كسبه كان بقدرة غير قدرته وهى قدرة الله تعالى».

وقالوا أيضا : «إن الأمة مجمعة على صحة تضرع العبد إلى الله تعالى أن يرزقه الإيمان والطاعة ويجنبه الكفر والمعصية ، ولو لا أن الكل بخلق الله تعالى لما صح ذلك ، إذ لا وجه لحمله على سؤال الإقدار والتمكين لأنه حاصل ، أو التقرير والتثبيت لأنه عائد إلى الحصول فى الزمان الثانى وذلك عندهم بقدرة العبد».

الرابع : مذهب الماتريدية :

اتفق الماتريدية مع الأشاعرة فى القول بأن أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى ولهم فيها الكسب ، إلا أنهم اختلفوا مع الأشاعرة فى معنى الكسب.

فالماتريدية ذهبوا إلى «إثبات أن للعبد قدرة وإرادة لها أثر فى الفعل ، لكن لا أثر لها فى الإيجاد والإحداث وإنما أثرها ينصب على وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية ، فهذه القدرة متمثلة فى القصد والاختيار للفعل ، وعلى أساس هذا القصد وذاك الاختيار يخلق الله للعبد القدرة على الفعل ، وعليه تكون نتيجة الفعل».

فالماتريدية يرون أن للعبد اختيارا فى أفعاله والتى يترتب عليها المدح والذم فى العاجلة والثواب والعقاب فى الآجلة ، ولم يمنعوا أن تضاف الأفعال إلى الله تعالى ؛ لأنه هو الذى وصف نفسه بهذه الصفة على الحقيقة وما عداه مخلوق.

أدلة الماتريدية : استدل الماتريدية على صحة مذهبهم بأدلة نقلية وعقلية :

أولا : الأدلة النقلية :

استدل الماتريدية من النقل بالكتاب والسنة :

ـ فمن الكتاب قوله ـ تعالى ـ : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠].

ـ وقوله ـ تعالى ـ : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) [الحج : ٧٧].

ـ وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) [الملك : ١٣]. ـ

٥٥٨

ثم بين فيه ـ عزوجل ـ شدة اشتياق الناس إليها ، وتمنيهم الحضور بها ، مع احتمال الشدائد والمشقة ، وتحمل المؤن ، مع بعد المسافة والخطرات ؛ فدل أن الله تعالى ـ بلطفه وكرمه ـ حبب ذلك إلى قلوب الخلق ، وأنه جعل من آيات الربوبية والوحدانية ، وتدبير سماوى ، لا من تدبير البشرية.

وفيه دلالة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ إذ أخبر عما قد كان ؛ فثبت أنه أخبر عن الله عزوجل.

وقوله : (وَأَمْناً) لمن دخله من عذاب الآخرة.

وقيل : (وَأَمْناً) لكل مجترم (١) آوى به ، وآوى إليه من القتل ، وغيره ؛ كقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] عن كل ما ارتكب.

وأما عندنا : فإنه إن قتل قتيلا ، ثم التجأ إليه ، فإنه لا يقتل ما دام فيه ؛ لأنه لا يقتل للكفر (٢) هنالك.

__________________

ـ ووجه الدلالة من الآيات أنها تدل على أن أفعال العباد واقعة بقدرة حادثة منها ، وهذه القدرة يخلقها الله تعالى مقارنة للفعل لا سابقة عليه ولا متأخرة عنه.

ثانيا : الأدلة العقلية :

استدل الماتريدية من المعقول ، فقالوا : «إن كل واحد منا يعرف بطريق الضرورة الفرق بين ما هو فيه مختار وله فيه عمل ، وبين ما هو فيه مضطر ، فمن سوى بين الأمرين كالمجبرة فإن بطلان قوله لا يحتاج إلى برهان».

وقالوا : «إن العبد يقدر بإقدار الله له فلا يمكن أن يقدر بإقدار من ليست له القدرة عليه كما لا يجوز أن يعلم بإعلام من لا علم له به ، ومعلوم أن فاقد الشىء لا يعطيه فلا يمكن لأحد أن يقدر غيره على شىء لم يقدر هو عليه.

وقد ثبتت قدرة الله عليه وعلى ما يقدره الله عليه ، فمحال وجود الفعل بغير قدرته مما يدل على أنه تعالى خالق ذلك الفعل ولا خالق سواه.

وخلاصة القول فى المسألة أن العبد مسير ومخير ، مسير فى الأمور الخارجة عن قدرته ، ومخير فيما هو واقع تحت قدرته.

وأن العبد فى الأفعال الاختيارية الواقعة تحت قدرته يوقع الأفعال بإرادة الله ومشيئته ، وأن إرادة الله ومشيئته لا تعنى الإجبار ، بل تعنى أن فعل العبد لا يتأخر وقوعه ولا يتقدم عن تقدير الله له.

ويعضد هذا القول منهج القرآن الكريم فى هذه المسألة ، فهو تارة ينسب الأفعال تحت قدرة العبد ، فيقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) [البقرة : ١٩٧] ويقول : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١١٠] وتارة يجعل أفعال العباد خاضعة لمشيئة الله وإرادته ، فيقول ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ولا تنافى بين الأمرين. والله أعلم. ينظر : المغنى للقاضى عبد الجبار (٨ / ١٩٣) ، الأصول الخمسة ص (٣٣٤) ، والملل والنحل (١١٤) ، والفرق بين الفرق (٢١١).

(١) فى أ : مجرم.

(٢) فى أ : لكفر.

٥٥٩

فعلى ذلك القصاص ؛ لقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩١] ، وما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّ مكّة حرام بتحريم الله إيّاها يوم خلق السّماوات والأرض ، لم تحلّ لأحد قبلى ولا تحلّ لأحد بعدى. وإنّما أحلّت لى ساعة من نهار. لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها» (١).

وما روى عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «لو ظفرت بقاتل عمر فى الحرم ما قتلته» وإذا قتل فى الحرم يقتل به هنالك (٢).

والوجه فيه : أن إقامة مثله عليه فيما يرتكبه فى الحرم أحق ؛ إذ هى كفارة ؛ لينزجر عما ارتكب ، وأحق ما يقع فيه الزجر بمثله ، ما هو فيه من المكان.

وإذا قتل فى غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم ـ قال أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ لا يخرج من الحرم.

وأبو يوسف (٣) ـ رحمه‌الله ـ جعل ذلك للسلطان ، ذهب إلى أنه قال : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ

__________________

(١) أخرجه البخارى (٤ / ٤٦ ـ ٤٧) كتاب : جزاء الصيد ، باب : لا يحل القتال بمكة ، حديث (١٨٣٤) ، ومسلم (٢ / ٩٨٦ ، ٩٨٧) كتاب : الحج ، باب : تحريم مكة وصيدها ، وحلالها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام ، حديث (٤٤٥ / ١٣٥٣).

وأبو داود (٢ / ٦) كتاب : الجهاد ، باب : فى الهجرة هل انقطعت ، حديث (٢٤٨٠) ، والنسائى (٧ / ١٤٦) كتاب : الجهاد ، باب : ذكر الاختلاف فى انقطاع الهجرة ، والترمذى (٤ / ١٢٦) كتاب : السير ، باب : ما جاء فى الهجرة ، حديث (١٥٩٠) ، والدارمى (٢ / ٢٣٩) كتاب : السير ، باب : لا هجرة بعد الفتح ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٠٩) رقم (٩٧١٣) ، وابن الجارود (١٠٣٠) ، وابن حبان (٤٨٤٥ ـ الإحسان) ، والبيهقى (٥ / ١٩٥) ، والطبرانى فى الكبير رقم (١٠٩٤٤) ، والبغوى فى (شرح السنة) (٥ / ٥٢٠) من طريق منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ـ فتح مكة ـ : «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى ، ولم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها» فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : «إلا الإذخر» ، وهذا لفظ البخارى.

(٢) كما أنه لا خلاف بين الفقهاء فى أن من دخل الحرم مقاتلا وبدأ القتال فيه ، يقاتل ؛ لقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١].

ينظر : تفسير القرطبى (٧ / ١٠٤) ، ابن عابدين (٢ / ٢٥٦) ، والبدائع (٧ / ١١٤) ، جواهر الإكليل (١ / ٢٠٧).

(٣) هو : يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصارى الكوفى البغدادى صاحب أبى حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه ولد بالكوفة سنة ١١٣ ه‍ ونشأ فى طلب العلم سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيبانى وعطاء بن السائب ، وأخذ عنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد وغيرهم ، وولى القضاء ببغداد ، وكان أول من دعى قاضى القضاة. من تصانيفه : كتاب الخراج والآثار وغيره ، ومات ببغداد سنة ١٨٢ ه‍. ينظر : طبقات الفقهاء للشيرازى ص ١١٣ ، والبداية والنهاية (١٠ / ١٨٠) ـ

٥٦٠