تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

وقيل : تتلو ؛ من التلاوة.

وقيل : ما تتلو : ما يروى الشياطين من السحر. وهو قول ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وهو يرجع إلى واحد.

والآية (١) فى موضع الاحتجاج على اليهود ؛ لأنهم ادعوا : أن الذى هم عليه أخذ عن سليمان عليه‌السلام ، فإن كان كفرا فقد كفر سليمان.

فأخبر الله ـ عزوجل ـ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن سليمان ما كفر ، ولكن الشياطين كفروا بما علّموا الناس من السحر.

ويحتمل : لكن أتباع الشياطين كفروا باعتقادهم السحر ، وعملهم به بتعليم الشياطين ، فنسب ذلك إلى الشياطين بما بهم كفروا ، كما نسبت عبادة الأصنام إلى الشياطين بما بهم عبدوا ، والله أعلم.

__________________

ـ ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى ، وقال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [طه : ٦٦] فأخبر أن ما ظنوه سعيا منها لم يكن سعيا وإنما كان تخييلا ، وقد قيل : إنها كانت عصيّا مجوفة مملوءة زئبقا ، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم محشوة زئبقا ، فأخبر الله أن ذلك كان مموها على غير حقيقته. وذهب جمهور أهل السنة إلى أن السحر قسمان :

قسم هو حيل ومخرقة وتهويل وشعوذة وإيهام ليس له حقائق ، أو له حقائق لكن لطف مأخذها ، ولو كشف أمرها لعلم أنها أفعال معتادة يمكن لمن عرف وجهها أن يفعل مثلها ، ومن جملتها ما ينبنى على معرفة خواص المواد والحيل الهندسية ونحوها ، ولا يمنعه ذلك عن أن يكون داخلا فى مسمى السحر ، كما قال تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [الأعراف : ١١٦] وهذا ما لم يكن خفاء وجهه ضعيفا فلا يسمى سحرا اصطلاحا ، وقد يسمى سحرا لغة ، كما قالوا : سحرت الصبى بمعنى : خدعته.

القسم الثانى : ما له حقيقة ووجود وتأثير فى الأبدان. فقد ذهبوا إلى إثبات هذا القسم من حيث الجملة ، وهو مذهب الحنفية على ما نقله ابن الهمام ، والشافعية والحنابلة. واستدل القائلون بتأثير السحر وإحداثه المرض والضرر ونحو ذلك بأدلة : منها قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ١ ـ ٤] والنفاثات فى العقد : هن السواحر من النساء. فلما أمر بالاستعاذة من شرهن علم أن لهن تأثيرا وضررا. ومنها قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢] ، ومنها ما ورد أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «سحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشىء وما يفعله» ولذلك قصة معروفة فى الصحيح ، وفيها أن الذى سحره جعل سحره فى مشط ومشاطة تحت راعوفة فى بئر ذروان ، وأن الله أطلعه على ذلك فاستخرجها ، وأنزلت عليه المعوذتان فما قرأ على عقدة إلا انحلت ، وأن الله تعالى شفاه بذلك.

ينظر : لسان العرب مادة (سحر) ، الجمل على شرح المنهج (٥ / ١٠٠ ، ١١٠) ، كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٦٤٨) ، كشاف القناع (٦ / ١٨٦).

(١) فى أ : ولأنه.

٥٢١

وروى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله عنهما ـ قال : كان آصف كاتب سليمان ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، وكان يكتب كل شىء بأمر سليمان ، ويدفنه تحت كرسيه ؛ فلما مات سليمان أخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحرا ، وكفرا ، وكذبا ؛ فقالوا : هذا الذى كان يعمل به سليمان ؛ فأكفره جهال الناس وسبوه ، ووقف علماؤهم ، فلم يزل جهالهم يسبونه ؛ حتى أنزل الله ـ عزوجل ـ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ...) الآية.

وقال بعضهم (٢) : إن الشياطين ابتدعت كتابا من السحر والأمر العظيم ، ثم أفشته فى الناس وعلمته إياهم ؛ فلما سمع بذلك سليمان تتبع تلك الكتب ، فدفنها تحت كرسيه كراهية أن يتعلمها الناس. فلما قبض نبىّ الله سليمان ـ عليه‌السلام ـ عمدت الشياطين إلى تلك الكتب فاستخرجتها من مكانها ، وعلموها الناس ، وأخبروهم أنه علم كان سليمان يكتمه ، ويستأثره ؛ فعذر الله نبيّه سليمان ، وبرأه من ذلك على لسان نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...)(٣) الآية.

وقيل أيضا (٤) : لما مات سليمان ـ عليه‌السلام ـ وقع فى الناس أوصاب وأوجاع ؛ فقال الناس : لو كان سليمان ـ عليه‌السلام ـ حيّا لكان عنده من هذا فرج ، فظهرت الشياطين لهم فقالوا : نحن ندلكم على ما كان يعمل به سليمان ـ عليه‌السلام ـ فكتبوا

__________________

(١) أخرجه النسائى وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ١٨٢).

(٢) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٦٥٠). وانظر الدر المنثور (١ / ١٨٣).

(٣) ثبت فى حاشية أ : وقيل : معنى السحر : الإزالة وصرف الشىء عن وجهه ، تقول العرب : ما سحرك عن كذا ، أى : ما صرفك عنه؟ فكأن الساحر لما أرى الباطل فى صورة الحق فقد سحر الشىء عن وجهه ، أى : صرفه. هذا أصله من حيث اللغة.

وأما حقيقة فقد قيل : إنه عبارة عن التمويه والتخييل ، ومذهب أهل السنة أن له وجودا أو حقيقة ، والعمل به كفر ، وذلك إذا اعتقد أن الكواكب هى المؤثرة فى قلب الأعيان ، وروى عن الشافعى : يخيّل ، ويمرض ، وقد يقتل ، حتى أوجب القصاص على من قتل.

وقيل : إن السحر يؤثر فى قلب الأعيان : فيجعل الإنسان على صورة حمار ، والحمار على صورة الكلب ، وقد يطير الساحر فى الهواء. وهذا القول ضعيف عند أهل السنة ؛ لأنهم قالوا : إن الله ـ تعالى ـ هو الخالق الفاعل لهذه الأشياء عند عمل الساحر ، وهو الفاعل لها المؤثر فيها.

والأصح : أن السحر تخييل الخبل : فساد الأعضاء والفلج.

قاموس. ويؤثر فى الأبدان بالأمراض والجنون والموت ، ويدل على ذلك أن للكلام تأثيرا فى الطبائع ؛ فقد يسمع الإنسان ما يكره فيغمّ ، وقد مات قوم بكلام سمعوه ؛ فالسحر بمنزلة العلل فى الأبدان. لباب ابن مازن.

(٤) ذكره السيوطى فى الدر (١ / ١٨٣) وعزاه لسعيد بن منصور عن خصيف بنحوه.

٥٢٢

كتبا ، فجعلوها فى البيوت ، فاستخرجوا الكتب التى كتبت لهم الشياطين من السحر ، فقالوا : هذا ما كان يعمل به سليمان. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ...) الآية.

فلا ندرى كيف كانت القصة ، غير أن اليهود تركت كتب الأنبياء والرسل ، واتبعوا كتب الشياطين وما دعوهم إليه من السحر والكفر ، وبالله التوفيق.

وفيه دلالة رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ بما أخبرهم عن قصتهم ـ على ما كان ـ فدل أنه كان عرف ذلك بالله عزوجل.

وفى ذلك أن قد نسب إلى سليمان ما برأه الله عنه من غير أن يبيّن ماهيّته.

ذكره الله عزوجل لوجهين : دلالة لرسوله ، وتكذيبا للذين نحلوه بما هو كفر.

وقوله : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ).

أى : فى ملكه ؛ إذ كان ذلك الوقت هو وقت ظهورهم ، ثم سخّرهم الله لسليمان ، فأمكن ذلك منهم.

ألقاه على ألسن المعاندين لسليمان فى السّر ؛ فرووه عنه بعد الوفاة ؛ فكذبهم الله ـ عزوجل ـ وبرأ نبيّه ـ عليه‌السلام ـ عن ذلك ، وبين كيف كان بدؤه.

فإنما بينها للخلق ؛ لئلا يتبعوا فى الرواية كلّ من لقى النبى (١) ؛ إذ قد يكون من أمثالهم : اختراع الرواية ، وإلزام السامعين الأمور المعتادة من الرسل ، ورد ما لا يوافق ذلك من الرواية ؛ ولذلك أبطل أصحابنا خبر الخاصّ فيما يبلى به العام.

وقوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ).

قيل : (وَما أُنْزِلَ) على النفى ، والجحد ، معطوفا على قوله : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ).

وقيل : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ) : والذى أنزل على الملكين ببابل.

وقيل (٢) : سميت بابل لما تبلبلت به الألسن ، يعنى : اختلفت ؛ فلا يعلم ذلك إلا بالسمع.

ثم اختلف فى «هاروت» و «ماروت».

فقال الحسن : لم يكونا ملكين ، ولكنهما كانا رجلين فاسقين متمردين ؛ وذلك أن

__________________

(١) فى أ : الشىء.

(٢) ذكره السيوطى فى الدر (١ / ١٨٤) عن أنس فى سياق طويل ، وعزاه للدينورى فى المجالسة وابن عساكر من طريق نعيم بن سالم عنه.

٥٢٣

الله ـ عزوجل ـ وصف ملائكته بالطاعة له والائتمار بأمره ، بقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ...) الآية [التحريم : ٦] ، وكقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ...) الآية [الأنبياء : ٢٧].

وكذلك يقول الحسن فى إبليس : إنه لم يكن من الملائكة. وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم.

ثم عارض نفسه بقولهما : (فَلا تَكْفُرْ).

فقال : إن المخبر بمثله إذا عرف ولوع السامع به ، وبما يعرض مثله ـ على العلم منه : أنه يفعل ، ولا يرتدع عن ذلك ـ يقول ذلك له ؛ ترغيبا منه ، والله أعلم.

ومنهم من يقول (١) : كانا ملكين ، لكنهما علما الاسم الأعظم ، فيقضيان به الحوائج إلى أن حل بهما ما حل.

وبهذا يحتج فى بلعم (٢) بقوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ ...) الآية [الأعراف : ١٧٥].

ثم اختلف بعد هذا على أوجه :

قال بعضهم : لم يكن ذلك منهما سحرا ، بل هو تعويذ الفرقة يقدر عليه.

وقال قائلون : إن ما أنزل على الملكين أنزل كلاما حسنا صوابا ، لكنه خلط بالذى لقنهم الشيطان ؛ فصار سحرا.

وقال آخرون : بلى. كان هو فى نفسه سحرا ، يعلمان الناس ذلك ، لكنه لا ينهى عن تعليمه ، ولا يكفر الذى تعلم (٣). إنما ينهى عن الاعتقاد له ، فكان كالكفر الذى يعلم ، لا

__________________

(١) هو قول ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٦٨٤ ، ١٦٨٥) وعن ابن عمر (١٦٨٧ ، ١٦٨٨). وانظر الدر المنثور (١ / ١٨٥ ـ ١٩٣).

(٢) قال ابن عباس وابن مسعود : نزلت هذه الآية فى (بلعم بن باعوراء).

وقال مجاهد : بلعام بن باعر.

وقال عطية عن ابن عباس : كان من بنى إسرائيل.

وروى عن ابن أبى طلحة : أنه كان من الكنعانيين من مدينة الجبارين.

وقال مقاتل : هو من مدينة البلقاء ، وذلك أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقومه ، قصد بلده ، وغزا أهله وكانوا كفارا ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه حتى دعا عليه ، فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل فى التيه بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأى ذنب وقعنا فى التيه؟

فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دعاءه على ، فاسمع دعائى عليه ، ثم دعا موسى عليه‌السلام أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ، ونزع منه المعرفة ، فخرجت من صدره حمامة بيضاء.

(٣) فى أ : يعلم.

٥٢٤

ينهى عن ذلك ؛ لأنه ما لم يعلم لم نعلم (١) قبحه وفساده ، ولكن إنما ينهى عن الاعتقاد له ؛ فكان كالكفر الذى فى تعلمه ، والله أعلم.

ثم نقول : إن قولهما : (فَلا تَكْفُرْ) على الاختيار منهما ، وكلمة السحر جار عليهما فى اللسان ، من غير صنع لهما فيه ، والله أعلم.

وقوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).

قيل (٢) : إلا بعلم الله وقضائه.

وقيل : بخذلانه وتخليه.

وقيل : بمشيئة الله وإرادته.

وأما ظاهر الإذن فهو يخرج على الإباحة ؛ فالعقل يدفعه.

وقيل (٣) : إنه لا يصل إلى هاروت وماروت أحد من بنى آدم ، وإنما يختلف بينهم شيطان فى كل مسألة ، والله أعلم.

ثم السحر يكون على وجهين (٤) :

سحر يكفر به صاحبه ؛ فإن كان ذلك منه بعد الإسلام ، يقتل به صاحبه (٥) ؛ لأنه ارتداد منه.

__________________

(١) فى ط : يعلم.

(٢) قاله سفيان ، أخرجه ابن جرير (١٧٠٧) عنه بنحوه.

(٣) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٢) ونسبه لمجاهد.

(٤) ثبت فى حاشية أ :

والسحر على قسمين ، أحدهما ؛ يكفر به صاحبه. وهو أن يعتقد أن القدرة لنفسه ، وذلك هو المؤثر ، أو يعتقد أن الكواكب هى المؤثرة النقالة.

فإذا انتهى به السحر إلى هذه الغاية صار كافرا بالله ، ويجب قتله ؛ لما روى عن جنوب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الساحر ضربه بالسيف صدق» أخرجه الترمذى.

والقسم الثانى من السحر ؛ هو التخييل الذى يشاكل النيرنجات ، والشعبذة ، ولا يعتقد صاحبه لنفسه فيه قدرة ، ولا أن الكواكب هى المؤثرة ، ويعتقد أن القدرة لله تعالى ، وأنه هو المؤثر.

فبهذا القدر لا يكفر به صاحبه ، ولكنه معصية ، وهو من الكبائر ، ويحرم فعله.

فإن قتل بسحر قتل قصاصا ؛ لما روى عن مالك ، بلغه أن حفصة ، زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتلت جارية لها سحرتها. وقد كانت دونها فأمرت بها فقتلت. أخرجه فى الموطأ. (لباب ابن مازن).

(٥) عقوبة الساحر : ذهب الحنفية إلى أن الساحر يقتل فى حالين : الأول أن يكون سحره كفرا ، والثانى إذا عرفت مزاولته للسحر بما فيه إضرار وإفساد ولو بغير كفر. ونقل ابن عابدين أن أبا حنيفة قال : الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت عليه بالبينة يقتل ولا يستتاب ، والمسلم والذمى فى هذا سواء ، وقيل : لا يقتل إن كان ذميا. ويفهم من كلام ابن الهمام أن قتله إنما هو على سبيل التعزير ، لا بمجرد فعله إذا لم يكن فى اعتقاده ما يوجب كفره ، وقال ابن عابدين : يجب قتل الساحر ولا يستتاب ، وذلك لسعيه فى الأرض بالفساد لا بمجرد عمله إذا لم يكن فى اعتقاده ما يوجب كفره ، لكن إن جاء تائبا قبل أن يؤخذ قبلت. وذهب المالكية إلى قتل الساحر ، لكن قالوا : إنما يقتل إذا حكم بكفره ، وثبت ـ

٥٢٥

وسحر لا يكفر به صاحبه ؛ فلا يقتل به ، إلا أن يسعى فى الأرض بالفساد : من قتل الناس ، وأخذ الأموال. فهو كقاطع الطريق ، يحكم بحكمهم من القتل وسائر العقوبات ، وإذا تاب قبلت توبته.

ألا ترى أن سحرة فرعون لما رأوا الآيات آمنوا بالله ـ تعالى ـ وتابوا توبة لا يطمع فى

__________________

ـ عليه بالبينة لدى الإمام ، فإن كان متجاهرا به قتل وماله فىء إلا أن يتوب ، وإن كان يخفيه فهو كالزنديق يقتل ولا يستتاب ، واستثنى المالكية ـ أيضا ـ الساحر الذمى ، فقالوا : لا يقتل ، بل يؤدب. لكن قالوا : إن أدخل الساحر الذمى ضررا على مسلم فيتحتم قتله ، ولا تقبل منه توبة غير الإسلام ، نقله الباجى عن مالك. لكن قال الزرقانى : الذى ينبغى اعتماده أن ذلك يوجب انتقاض عهده ، فيخير الإمام فيه. أما إن أدخل الساحر الذمى ضررا على أحد من أهل ملته فإنه يؤدب ما لم يقتله ، فإن قتله قتل به. وعند الشافعية : إن كان سحر الساحر ليس من قبيل ما يكفر به ، فهو فسق لا يقتل به ما لم يقتل أحدا ويثبت تعمده للقتل به بإقراره. وذهب الحنابلة إلى أن الساحر يقتل حدا ولو لم يقتل بسحره أحدا ، لكن لا يقتل إلا بشرطين : الأول : أن يكون سحره مما يحكم بكونه كفرا مثل فعل لبيد بن الأعصم ، أو يعتقد إباحة السحر ، بخلاف ما لا يحكم بكونه كفرا ، كمن يزعم أنه يجمع الجن فتطيعه ، أو يسحر بأدوية وتدخين ، وسقى شىء لا يضر. الثانى : أن يكون مسلما ، فإن كان ذميا لم يقتل ؛ لأنه أقر على شركه وهو أعظم من السحر ، ولأن لبيد بن الأعصم اليهودى سحر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقتله ، قالوا : والأخبار التى وردت بقتل الساحر إنما وردت فى ساحر المسلمين لأنه يكفر بسحره. والذمى كافر أصلى فلا يقتل به ، لكن إن قتل بسحر يقتل غالبا ، قتل قصاصا. وشرط آخر أضافه صاحب المغنى : وهو أن يعمل بالسحر ، إذ لا يقتل بمجرد العلم به. ثم قال بعضهم : ويعاقب بالقتل أيضا من يعتقد حل السحر من المسلمين ، فيقتل كفرا ؛ لأنه يكون بذلك قد أنكر مجمعا عليه معلوما من الدين بالضرورة. واحتجوا لقتل الساحر بما روى جندب مرفوعا «حد الساحر ضربة بالسيف». وبما ورد عن بجالة بن عبدة أن عمر ابن الخطاب كتب : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. وبأن حفصة أمرت بقتل ساحرة سحرتها. وأن معاوية كتب إلى عامله قبل موته بسنة : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدى الوليد بن أبى عقبة.

وذهب الجمهور خلافا للحنفية إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا ، وفيه القصاص. ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار. وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافئ له ففيه القصاص إن تعمد قتله به ، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما ، كقوله : قتلته بسحرى ، أو قوله : قتلته بنوع كذا ، ويشهد عدلان يعرفان ذلك ، وقد كانا تابا ، بأن ذلك النوع يقتل غالبا. فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه عمد. فإن قال : أخطأت من اسم غيره إلى اسمه فخطأ. ولا يثبت القتل العمد بالسحر بالبينة عند الشافعية لتعذر مشاهدة الشهود قصد الساحر وتأثير سحره. قال المالكية والشافعية : يستوفى القصاص ممن قتل بسحره بالسيف ولا يستوفى بسحر مثله ، أى لأن السحر محرم ؛ ولعدم انضباطه. وصرح المالكية بأن الذمى إن قتل بسحره أحدا من أهل ملته فإنه يقتل به.

وصرح الشافعية والحنابلة بأن الساحر غير المستحق للقتل ، بأن لم يكن سحره كفرا ولم يقتل بسحره أحدا ، إذا عمل بسحره يعزر تعزيرا بليغا لينكف هو ومن يعمل مثل عمله ، ولكن بحيث لا يبلغ بتعزيره القتل ، على الصحيح من المذهب عند الحنابلة لارتكابه معصية. وفى قول للإمام : تعزيره بالقتل.

٥٢٦

مثل تلك التوبة من المسلم الذى نشأ على الإسلام ، حيث أوعدهم فرعون بقطع الأيدى والأرجل ، والصلب ، وأنواع العذاب ، فقالوا : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٥٠].

وذكر عن أبى حنيفة ـ رحمه‌الله ـ فى الساحرة : أنها لا تقتل مرة ، وذكر عنه مرة : أنها تقتل. وقال فى الساحر بالقولين.

فأما ما روى عنه فيه بالقتل بعمل السحر ، فهو على ما ذكرنا من قتله الناس بالسحر ؛ فهو كالساعى فى الأرض بالفساد ، لا بعين (١) السحر.

أو كفر بسحره بعد الإسلام ؛ فيقتل كالمرتد عن الإسلام.

وما ذكر عنه : أنه لا يقتل ؛ فهو إذا لم يكن سحره سحر كفر ، ولا يسعى بالقتل فى الأرض لم يقتل به.

ثم قوله ـ فى الساعى فى الأرض بالفساد : إنه إذا تاب قبل أن يقدر عليه ، سقط عنه القتل ؛ فكذا الساحر.

وأما الذى هو لأجل الكفر يلزم القتل قبل التوبة ، بعد القدرة عليه.

وعلى هذا يخرج قوله فى الساحرة أيضا.

ففيما قال : إنها لا تقتل ؛ لما كان سحرها سحر كفر ، والنساء لا يقتلن للكفر.

وفيما قال : يقتلن ؛ فلأنهن يقتلن للسعى فى الأرض بالفساد كالرجل ، والله أعلم.

وقال بعض الناس : لا تقبل توبة الساحر. وهو غلط.

وأحقّ من يقبل توبته الساحر ؛ إذ هو أبلغ فى تمييز ما هو حجة مما لا حجة.

وهذا هو الأصل : أن المدّعى لشىء ـ على عهد الأنبياء ـ إذا استقبلهم بمثله الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ فهو أحق من يلزمهم الإيمان به ؛ لعلمهم بالحق منه.

والعوامّ منهم لا يعرفون إلا ظاهر ما يلزمهم ، من تصديق الحجج ، والله أعلم.

وقوله : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ) ـ فى الدنيا ـ (وَلا يَنْفَعُهُمْ) فى آخرتهم.

وقوله : (وَلَقَدْ عَلِمُوا).

يعنى : اليهود فى التوراة.

وقوله : (لَمَنِ اشْتَراهُ).

يعنى : اختاره للسحر.

وقيل : يتعلمون ما يضرهم فى آخرتهم ، ولا ينفعهم إن علموه.

__________________

(١) فى أ : بغير.

٥٢٧

(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) يقول : لقد علمت اليهود أن فى التوراة آية لمن اختار السحر.

وقوله : (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).

يقول : نصيب فى الثواب.

وقيل : (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) أى : ما له عند الله وجه.

وقوله : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

أى : بئس ما باعوا به أنفسهم ، يعنى : اليهود الذين يعلّمون الفرقة والسحر.

وقيل (١) : (ما شَرَوْا بِهِ) يقول : ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر. يعنى : من لا يقرأ التوراة.

أو يعنى : أن لو كانوا يعلمون ما باعوا به أنفسهم ، ولكنهم لا يعلمون. أى : لو علموا أنهم بم باعوا أنفسهم من العذاب الدائم ، لعلموا أنهم بئس ما باعوا به.

وقوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا).

بتوحيد الله.

(وَاتَّقَوْا).

الشرك ، والسحر.

(لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ).

يقول : لكان ثوابهم عند الله خيرا من السحر والكفر.

(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

ولكنهم لا يعلمون علم الانتفاع به ، وهو كقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨ ، ١٧١] ليسوا بصم ولا بكم ولا عمى فى الحقيقة ، ولكنهم صم من حيث لا ينتفعون به ؛ إذ الحاجة من العلم ، والبصر ، والسمع الانتفاع به ، فإذا ذهبت المنافع بهما فكان كمن لا علم معه ولا بصر له ولا سمع ؛ حيث لا ينتفع ، ولا يعمل به ، والله أعلم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(١٠٥)

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ

__________________

(١) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧١٩). وانظر الدر المنثور (١ / ١٩٥).

٥٢٨

أَلِيمٌ).

قيل (١) : كانت الأنصار فى الجاهلية يقولون هذا لرسول الله ـ عليه‌السلام ـ فنهاهم الله ـ تعالى ـ أن يقولوها.

وقيل (٢) : كانت اليهود تقول للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : راعنا من الرعونة ؛ من قولك للرجل : يا أرعن ، وللمرأة يا : رعناء.

وكان الحسن يقرؤها : (راعنا) بالتنوين (٣).

وقال الكلبيّ (٤) : كان فى كلام اليهود (راعِنا) سبّا قبيحا ؛ يسب بعضهم بعضا ، وكانوا يأتون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيقولون : راعنا ، ويضحكون ، فنهى المؤمنين عن ذلك خلافا لهم.

وقوله : (وَقُولُوا انْظُرْنا).

قيل : فهمنا بقول بيّن لنا.

وقال مقاتل : أى اقصدنا (٥).

وقيل : إن الأمر بالإنظار يقع موقع التشفع فى النظرة لوجهين : بالصحبة مرة ، وبالخطاب ثانيا فقولهم : (انْظُرْنا) لما لا يبلغ أفهامنا القدر الذى يعنى ما يخاطبنا به.

والثانى : على قصور عقولهم عما يستحقه من الصحبة والإيجاب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فأما الأمر ب «راعنا» ، فهو استعمال فى الظاهر بالمراعاة ، وذلك يخرج على التكبر عليه ، وترك التواضع له ، والخضوع.

وقوله : (وَاسْمَعُوا).

أى : أجيبوا له.

وقيل (٦) : أطيعوا له.

وقيل (٧) : (وَاسْمَعُوا) أى : اسمعوا وعوا.

وقوله : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ

__________________

(١) قاله عطاء ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٣٦ ، ١٧٣٧ ، ١٧٣٨).

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٣٤).

(٣) قال ابن عطية : هى قراءة شاذة. ينظر : المحرر الوجيز (١ / ١٨٩) ، واللباب (٢ / ٣٦٠) ، والبحر المحيط (١ / ٥٠٨) ، والدر المصون (١ / ٣٣٢).

(٤) ذكره السيوطى فى الدر (١ / ١٩٥) ، وعزاه لأبى نعيم فى الدلائل عن ابن عباس بنحوه.

(٥) فى أ : مصدقا.

(٦) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٣).

(٧) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٧٤٧) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٩٦).

٥٢٩

مِنْ رَبِّكُمْ).

(ما يَوَدُّ) أى : ما يريد وما يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) ما يود هؤلاء (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

يحتمل وجهين :

أحدهما : أنهم كانوا يهوون ويحبون أن يبعث الرسول من أولاد إسرائيل وهم كانوا من نسله. فلما بعث من أولاد إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ على خلاف ما أحبوا وهووا ، لم تطب أنفسهم بذلك ، بل كرهت ، وأبت أشدّ الإباء والكراهية.

والثانى : لم يحبّوا ذلك ؛ لما كانت تذهب منافعهم التى كانت لهم ، والرئاسة بخروجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله أعلم.

وقوله : (مِنْ خَيْرٍ).

قيل (١) : الخير ؛ النبوة.

وقيل : الخير ؛ الإسلام.

وقيل : الخير ؛ الرسول هاهنا ، والله أعلم.

وقوله : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن على الله أن يعطى لكلّ الأصلح فى الدين ، فى كل وقت ، وكل زمان.

فلو كان عليه ذلك لم يكن للاختصاص معنى ، ولا وجه.

والثانى : قال : (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) والمفضل عند الخلق هو الذى يعطى ويبذل ما ليس عليه ، لا ما عليه ؛ لأن من عليه شىء فأعطاه ، أو قضى ما عليه من الدّين ، لا يوصف بالإفضال ؛ فدل أنه استوجب ذلك الاختصاص ، وذلك الفضل ، لما لم يكن عليه ذلك ، ولو كان عليه لكان يقول : ذو العدل ، لا ذو الفضل ، وبالله التوفيق.

قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ

__________________

(١) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٣).

٥٣٠

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١١٠)

وقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها).

قال بعض أهل الكلام (١) : (ما نَنْسَخْ) من اللوح المحفوظ (أَوْ نُنْسِها) : ندعها فى اللوح.

وقيل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أى نرفع بآية أخرى أو نتركها فى الأخرى.

وقيل (٢) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) فنرفع حكمها ، والعمل بها ، (أَوْ نُنْسِها) أى : نترك قراءتها وتلاوتها.

فيجوز رفع عينها ، ويجوز رفع حكمها وإبقاء عينها ؛ لأوجه :

أحدها : ظهور المنسوخ ؛ فبطل قول من أنكر النسخ ؛ إذ وجد. ومن أنكر ذلك فإنما أنكر لجهل بالمنسوخ ؛ لأن النسخ بيان الحكم إلى وقت ، ليس على البداء ، على ما قالت اليهود.

والثانى : أن للتلاوة فيها فضلا ـ كما للعمل ـ فيجوز رفع فضل العمل ، وبقاء فضل التلاوة.

والثالث : على جعل الأول فى حالة الاضطرار ، والثانى فى وقت السعة ، كقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣].

ثم يجوز أن يرفع عينها فينسى ذكرها ، كما روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «كنا نعدل سورة الأحزاب بسورة البقرة ، حتى رفع (٣) منها آيات ، منها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» (٤).

وأما قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

فاختلف فيه : قيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أى : أخفّ وأهون على الأبدان ؛ كقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) [البقرة : ١٨٤] ، إن الأمر بالصوم كان لوقت دون وقت ؛ إذ رجع الحكم عند الطاقة إلى غيره. وكذا ما كان من الحكم فى تحريم الأكل عند النوم والجماع ، وكذا

__________________

(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٣).

(٢) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٣ ـ ١٠٤).

(٣) فى أ : يرفع.

(٤) أخرجه ابن حبان (٤٤٢٨ ، ٤٤٢٩) عن أبى بن كعب بنحوه ، وأصله فى الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب.

٥٣١

تحريم الميتة : لو لم يرد فيهما الإباحة والحل عند الضرورة لكنّا نعرفه بالحرمة ، وذلك أخف وأهون ، والله أعلم.

وقيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) فى الثواب فى العاقبة.

وقيل (١) : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) فى المنفعة (أَوْ مِثْلِها) فى المنفعة.

وقيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) وهو أن يظهر لكم به الخير فى حق الاتباع. والمثل : فى حق الأمر ؛ فيشترك أصحاب المنكرين للنسخ فى حق الائتمار بالمثل ، ويفضلونهم بظهور الأخير.

وهو كالصلاة إلى بيت المقدس ؛ كان لهم مثل ما لليهود فى حق الائتمار ما كان ظهر لهم الأخير فى وقت ظهور الأمر ، وأبهم الخير. وظهر عنده فيمن أبى : أن اتباعه لم يكن لأجل حق المتابعة ، بل لما كان عنده الحجة.

فأما من جعله خيرا على البدل فاستدل بها الآخر رخصة وإباحة ، والإباحة ورودها للتخفيف.

ومن استدل على أن النسخ ـ أبدا ـ يرد على ما هو أغلظ ، عورض بقوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) [النساء : ١٥] ، فأبدل بعقوبة أشد من الأول ـ وهو الرجم ـ بقوله : «خذوا عنى. خذوا عنى».

ويحتمل قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) وجها آخر : وهو آية والآيات هى الحجج ؛ فيكون معناه : ما نرفع من حجة فننفيها عن الأبصار ، إلا نأت بخير منها يعنى أقوى منها فى إلزام الحجة ، أو مثلها.

ولا شك أن ما يعترض هو أقوى حالة الاعتراض فى لزوم الحجة على ما غاب عن الأبصار ؛ فيكون قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) على هذا الوزن ، أى : نأت بحجة هى أقوى وأكثر من الأولى ، أو مثلها فى القوة.

فإن قيل : ما الحكمة فى النسخ؟ وما وجهه؟

قيل : محنة يمتحن بها الخلق ، ولله أن يمتحن خلقه بما يشاء ، فى أى وقت شاء : يأمر بأمر فى وقت ، ثم ينهى عن ذلك ، ويأمر بآخر.

وليس فى ذلك خروج عن الحكمة ، ولا كان ذلك منه لبداء يبدو له ، بل لم يزل عالما بما كان ويكون ، حكيما يحكم بالحق والعدل ؛ فنعوذ بالله من السرف فى القول.

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٧٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٩٧).

٥٣٢

وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

يحتمل : أن يكون الخطاب له ـ عليه‌السلام ـ والمراد بالخطاب الذين سبق ذكرهم فى قوله : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [البقرة : ١٠٥].

إنه قادر على إنزال الخير على من يشاء ، واختصاص بعض على بعض ، وتفضيل بعضهم على بعض.

ويحتمل : أن يكون المراد فى الخطاب له ـ عليه الصلاة والسلام ـ على حقيقة العلم على التذكير والتنبيه ، أى : تعلم أنت أن الله على كل شىء قدير ، وهو كقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩]. على حقيقة العلم له.

ويحتمل : على الإعلام والإخبار لقومه ، وقد ذكرنا.

وعلى ذلك يخرج قوله :

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

أى : من كان يملك ملك السموات وملك الأرض ، يملك تخصيص بعض على بعض ، وتفضيلهم فيها ، ويحكم فيها بما يشاء ، ويحدث من الأمر ما أراد ، والله أعلم.

ويحتمل : نزوله على أثر نوازل لم تذكر فيه ، وذلك فى القرآن كثير ، وإنما يقال هذا الحرف عند ضيق القلب ؛ تسكينا له.

ومعنى تخصيص السّماوات والأرض بالملك له ؛ لمنتهى علم الخلق بهما (١) ، وإن كان له ملك الدنيا والآخرة ، وبالله التوفيق.

وقوله : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).

يدل هذا على أنه خرج على أثر نوازل وإن لم تذكر.

وقوله : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ).

سؤال تعنت : لن نؤمن لك ـ تعنتا ـ حتى نرى الله جهرة.

وقيل (٢) : إنهم سألوا ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما سأل قوم موسى موسى.

وقيل (٣) : سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعل الصفا ـ لهم ـ ذهبا إن كان ما يقوله حقّا.

وقيل (٤) : سؤالهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١] ، وكانوا

__________________

(١) فى ط : لهما.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٧٨١) ، وعن السدى (١٧٨٢). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠١).

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٨٣ ، ١٧٨٤ ، ١٧٨٥). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠١).

(٤) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).

٥٣٣

يسألون سؤال تعنت ، لا سؤال استرشاد واهتداء.

وقوله : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ).

قيل (١) : اختار الكفر بالإيمان.

وقيل (٢) : ومن يختر (٣) شدة الآخرة على رخائها وسعتها.

وفى حرف ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : «ومن يشتر الكفر بالإيمان» وذلك كله واحد.

وقوله : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).

قيل (٤) : عدل عن الطريق.

وقيل (٥) : عدل عن قصد الطريق.

وقيل (٦) : أخطأ قصد طريق الهدى ، وكله واحد.

وقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً).

إنهم كانوا يجهدون كل جهدهم حتى يصرفوا ويردوا أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن دين الله ـ الإسلام ـ إلى ما هم عليه ؛ كقوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران : ٦٩] ، وكقوله : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) [آل عمران : ١٠٠] ، وكقوله : (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٤٩].

وذلك ـ والله أعلم ـ لخوف فوت رياستهم التى كانت لهم ، وذهاب منافعهم التى ينالون من الأتباع والسفلة ، فودّوا ردّهم وصرفهم إلى دينهم.

ثم احتجت المعتزلة علينا بظاهر قوله تعالى : (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ، قالوا : دلت الآية على أن الحسد (٧) ليس من عند الله بما نفاه ـ عزوجل ـ عنه ، وأضافه إلى أنفسهم

__________________

(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).

(٢) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٨٧ ، ١٧٨٨). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠١).

(٣) فى ط : يختار.

(٤) قاله السدى ، أخرجه ابن أبى حاتم عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٢٠١).

(٥) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).

(٦) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٥).

(٧) الحسد : بفتح السين أكثر من سكونها ، وهو مصدر : حسد ، ومعناه فى اللغة : أن يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود. وأما معنى الحسد فى الاصطلاح فلا يخرج عن المعنى اللغوى.

والحسد إن كان حقيقيا ـ أى : بمعنى تمنى زوال النعمة عن الغير ـ فهو حرام بإجماع الأمة ؛ لأنه اعتراض على الحق ، ومعاندة له ، ومحاولة لنقض ما فعله ، وإزالة فضل الله عمن أهّله له ، ـ

٥٣٤

بقوله : (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ).

قيل : صدقتم فى زعمكم بأن الحسد ليس من عند الله ، وكذلك نقول ، ولا نجيز إضافة الحسد إليه بحال ولكن نقول : خلق فعل الحسد من الخلق ، وكذلك يقال فى الأنجاس ، والأقذار ، والحيّات والعقارب ونحوها : إنه لا يجوز أن تضاف إلى الله تعالى فيقال : يا خالق الأنجاس والحيات والعقارب ، وإن كان ذلك كله خلقه ، وهو خالق كل شىء.

فعلى ذلك ، نقول بخلق فعل الحسد ، وفعل الكفر من العبد ، ولا نجوّز أن يضاف إلى الله تعالى.

ثم يقولون فى الطاعات والخيرات كلها : إنها من عند الله ، غير مخلوقة ، فلئن كانت

__________________

ـ والأصل فى تحريمه الكتاب والسنة والمعقول :

أما الكتاب : فقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [الفلق : ٥] فقد أمرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالاستعاذة من شر الحاسد ، وشره كثير ، فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين ، ومنه ما هو مكتسب كسعيه فى تعطيل الخير عنه وتنقيصه عند الناس ، وربما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك. وقد اختلف أهل التأويل فى الحاسد الذى ورد الأمر بالاستعاذة من شره : فقال قتادة : المراد : شر عينه ونفسه. وقال آخرون : بل أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شر اليهود الذين حسدوه ، والأولى بالصواب فى ذلك ـ كما قال الطبرى ـ : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بأن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد. وإنما كان ذلك أولى بالصواب ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ لم يخصص من قوله : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [الفلق : ٥] حاسدا دون حاسد ، بل عم أمره إياه بالاستعاذة من شر كل حاسد فذلك على عمومه. والحاسد كما قال القرطبى عدو نعمة الله. قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. ثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة؟ ثالثها : أنه ضاد فعل الله ، أى : أن فضل الله يؤتيه من يشاء ، وهو يبخل بفضل الله. ورابعها : أنه خذل أولياء الله ، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم. وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس.

وأما السنة فقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إياكم والحسد ؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو العشب».

وأما المعقول فإن الحاسد مذموم ، فقد قيل : إن الحاسد لا ينال فى المجالس إلا ندامة ، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء ، ولا ينال فى الخلوة إلا جزعا وغما ، ولا ينال فى الآخرة إلا حزنا واحتراقا ، ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا. ويستثنى من تحريم الحسد ما إذا كانت النعمة التى يتمنى الحاسد زوالها عند كافر أو فاسق يستعين بها على معاصى الله تعالى.

أما إذا كان الحسد مجازيّا ـ أى بمعنى الغبطة ـ فإنه محمود فى الطاعة ، ومذموم فى المعصية ، ومباح فى الجائزات ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حسد إلا فى اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» أى : كأنه قال : لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة فى هذين الأمرين.

ينظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ٢٢٨) ، صحيح مسلم بشرح النووى (٦ / ٩٧) ، فيض القدير (٣ / ١٢٥) ، فتح البارى (١ / ١٦٧).

٥٣٥

العلة فى الذى لا يكون مخلوقا ، أنه ليس هو من عنده لوجب القول بخلقه ما هو من عنده ، ثم لم يقولوا به ؛ فبان أن ما يقولون فاسد ، باطل ، ليس بشيء.

ثم جهة الحسد ما ذكرنا أنهم أحبوا أن تكون الرسالة فيهم ، أو أن يكون من عنده سعة ؛ كقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) [هود : ١٢] وكقوله : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ فبهذين الوجهين يخرج حسدهم.

قوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ).

أى : من قبلها ، لا أن الله ـ تعالى ـ أمرهم. وليس يضاف إلى الله ـ تعالى ـ بأنه من عنده بما يخلق ، ولكن بما يأمر أو يلزم.

ألا ترى أن الأنجاس كلها ، والخبائث ، والشياطين ، كلهم مخلوقة وإن لم يجز نسبتها إلى الله ـ تعالى ـ بمعنى أنه من عنده؟ كذلك ما ذكر من الحسد.

على أنه معلوم أنهم لم يكونوا يدعون من دون الله خلقا فبذلك الوجه ينكر عليهم ، بل كانوا يدعون الأمر فى كل ما نسب إلى الله تعالى ؛ فعلى ذلك ورد العقاب ، والله أعلم.

وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ).

أى : بين لهم فى التوراة أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبى ، وأن دينه الإسلام ؛ كقوله : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦ ، الأنعام : ٢٠].

وقوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ).

يحتمل : النهى عن مكافأة ما يؤذونه فى الدّنيا ، ثم لم ينسخ.

وقيل (١) : فيه نهى عن قتالهم ، حتى يأتى أمر الله فى ذلك ، ثم جاء بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) الآية [التوبة : ٢٩].

وقيل : حتى يأتى الله بأمره ، أى : بعذابه ، والله أعلم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

من التعذيب والانتقام ، وبكل شىء. ولم ينسخ هذا.

وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).

كرر الله ـ عزوجل ـ الأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فى القرآن تكرارا كثيرا ، حتى كانت لا تخلو سورة إلا وذكرهما فيها ـ فى غير موضع ـ وذلك لعظم شأنهما ، وأمرهما ، وعلو منزلتهما عند الله ، وفضل قدرهما.

__________________

(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٠٠) ، وعن الربيع (١٨٠١) ، والسدى (١٨٠٣). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٢).

٥٣٦

وعلى ذلك جعلهما شريعة فى الرسل السالفة ، صلوات الله عليهم.

ألا ترى إلى قول إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم : ٤٠].

وقوله لموسى وهارون : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) إلى قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس : ٨٧]. وقول عيسى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم : ٣١] ، وقوله : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) [المائدة : ١٢].

وذلك ـ والله أعلم ـ أن الصلاة قربة فيما بين العبد وبين ربه ، تجمع جميع أفعال الخير ، وفيها غاية منتهى الخضوع له ، والطاعة : من القيام بين يديه ، والمناجاة فيه ، والركوع له ، والسجود على الأرض ، وتعفير الوجه فيها حتى لو أن أحدا ممن خلص دينه لله لو أعطى ما فى الدنيا على أن يعفّر وجهه فى الأرض لأحد من الخلق ما فعل ، وبالله التوفيق.

والزكاة فيما بين العبد وبين الخلق ؛ لتآلف القلوب واجتماعها ، وفيها إظهار الشفقة لهم والرحمة (١).

__________________

(١) إيتاء الزكاة كان مشروعا فى ملل الأنبياء السابقين ، قال الله ـ تعالى ـ فى حق إبراهيم وآله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)[الأنبياء : ٧٣]. وشرع للمسلمين إيتاء الصدقة للفقراء ، منذ العهد المكى ، كما فى قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) [البلد : ١١ ـ ١٦] وبعض الآيات المكية جعلت للفقراء فى أموال المؤمنين حقا معلوما ، كما فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج : ٢٥ ـ ٢٦]. وقال ابن حجر : اختلف فى أول فرض الزكاة : فذهب الأكثرون إلى أنه وقع بعد الهجرة ، وادعى ابن خزيمة فى (صحيحه) أن فرضها كان قبل الهجرة. واحتج بقول جعفر للنجاشى : «ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» ويحمل على أنه كان يأمر بذلك فى الجملة ، ولا يلزم أن يكون المراد : هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول. قال : ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة ؛ لأن الآية الدالة على فرضيّته مدنية بلا خلاف ، وثبت من حديث قيس بن سعد قال : «أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهانا ، ونحن نفعله».

ويظهر فضل الزكاة من أوجه :

ـ اقترانها بالصلاة فى كتاب الله تعالى ، فحيثما ورد الأمر بالصلاة اقترن به الأمر بالزكاة ، من ذلك قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ١١٠] ، ومن هنا قال أبو بكر فى قتال مانعى الزكاة : «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، إنها لقرينتها فى كتاب الله».

ـ أنها ثالث أركان الإسلام الخمسة ؛ لما فى الحديث : «بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت». ـ

٥٣٧

لذلك عظّم الله شأنهما ، وشرف أمرهما ، وأعلى منزلتهما ؛ وعلى ذلك قرنهما بالإيمان فى المواضع كلها ، وأثبت بين الخلق الأخوّة بهما بقوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١].

ثم هما تكرمان بالعقل ؛ لأن الصلاة تجمع جميع أنواع خيرات الأفعال ، وفيها غاية الخضوع له ، والخشوع ـ على ما ذكرنا ـ وذلك مما يوجبه العقل ، وإن لم يرد فيه السمع.

وكذلك الزكاة : فيها تزكية الأنفس وتطهيرها ، وذلك مما فى العقل واجب.

فإن قيل : ما الحكمة فى وجوبها؟

قيل : إظهار ما أنعم الله [على العبد](١) ، من الأموال والسّعة فيها ، وما أعطاهم من سلامة الجوارح عن جميع الآفات ، يخرج مخرج الأمر بأداء شكر ما أنعم عليهم عزوجل.

فإن قيل : ما الحكمة فى وجوبها فيما أعطى منهما ، يعنى من النفس ، والمال دون غيره؟

قيل : لأن الوجوب من غيره يخرج مخرج المعاوضة والمبادلة ، لا مخرج أداء الشكر ، والله أعلم.

ثم الحكمة فى : إيجاب الصلاة والزكاة ، وغيرهما من العبادات أن الله ـ تعالى ـ إذ عمهم بنعمه فيما فضلهم بالجوهر ، وسخر لهم جميع ما فى الأرض ، وبسط عليهم النعم ، حتى صار كل منهم لا يبصر غير نعمه ، من غير استحقاق منهم شيئا من ذلك ـ لزمهم الشكر عليها.

__________________

ـ أنها من حيث هى فريضة أفضل من سائر الصدقات ؛ لأنها تطوعية ، وفى الحديث القدسى : «ما تقرب إلى عبدى بشيء أحب إلى مما افترضته عليه».

ـ أن الصدقة وإنفاق المال فى سبيل الله يطهران النفس من الشح والبخل وسيطرة حب المال على مشاعر الإنسان ، ويزكيه بتوليد مشاعر الموادّة ، والمشاركة فى إقالة العثرات ، ودفع حاجة المحتاجين ، أشار إلى ذلك قول الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) [التوبة : ١٠٣].

ـ الزكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعا إلى إخراجها لتشترك فى زيادة الحركة الاقتصادية ، يشير إلى ذلك قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة».

ـ الزكاة تسد حاجة جهات المصارف الثمانية ، وبذلك تنتفى المفاسد الاجتماعية والخلقية الناشئة عن بقاء هذه الحاجات دون كفاية.

ينظر : فتح البارى (٣ / ٢٦٦) ، حجة الله البالغة (٢ / ٣٩ ، ٤٠)

(١) فى ط : عليه.

٥٣٨

ثم كانت الصلاة تجمع استعمال جميع الجوارح فيما لله فيها القيام بها شكرا له ، مع ما فيها توقف أحوال نفسه بالاختيار بما هى عليه بالاضطراب والخلقة والقلب بالنية ، والخوف والرجاء ، وإحضار الذهن والعقل بالتعظيم والتبجيل ؛ فيكون كل شىء منه فى شكره ؛ لما له فيه من سبوغ النعمة ، والله أعلم.

وكذلك بالأموال فضلوا ـ فى هذه الدنيا ـ واستمتعوا بلذيذ العيش ؛ فأمروا بالإخراج لله ، مع ما إذ سخرت هذه الأرض ـ بما فيها ـ لجميع البشر ، ألزم من ذلك صلة من لم يملك ، ليستووا فى الاستمتاع بالتسخير لهم ، من الوجه الذى علم الله لهم فى ذلك صلاح الدارين ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ).

الآية تخرج على خلاف قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن من ارتكب كبيرة ثم أقام الصلاة وآتى الزكاة ، وجاهد فى سبيل الله ، وحج بيت الله الحرام ، فقدم خيرات كثيرة ـ فإنه لا يجد مما قدم شيئا ، ولكن يجد ما قدم من شر.

وذلك ليس من فعل الكريم والجواد ، ولا كذلك وصف الله نفسه ، بل وصف نفسه على خلاف ما وصفوا هم ، فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦].

وهم يقولون : لا يتقبل عنهم ما قدموا من الخيرات ، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ، وذلك سرف فى القول ؛ فنعوذ بالله من السرف فى القول ، والحكم على الله ، وبالله العصمة والتوفيق.

وقوله : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

بما قدمتم من الخير والشر ؛ تنبيه منه عزوجل ليكونوا على حذر من الشر ، وترغيب منه لهم بالخيرات. والله أعلم.

قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١١٣)

وقوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

٥٣٩

يحتمل هذا وجهين :

يحتمل : أن قالوا ذلك جميعا ؛ لما أرادوا أن يروا الناس الموافقة فيما بينهم ؛ ليرغبوا فى دينهم ، وينفروا عن دين الإسلام ، وإن كانوا هم ـ فى الباطن ـ على الخلاف والعداوة.

ويحتمل : أن يكون ذلك القول من كل فريق فى نفسه ، لا عن كل الفريقين جميعا على الموافقة.

دليله : قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) دلت الآية أن ذلك القول لم يكن من الفريقين جميعا على الموافقة ، ولكن كان من كلّ فى نفسه على غير موافقة منهم ولا مساعدة ، والله أعلم.

ثم فى الآية دليل ، لزم الدليل على النّافى ؛ لأنهم نفوا دخول غيرهم الجنّة بقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) فطولبوا بالبرهان بقوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه لا يدخل فيها سواكم.

فإن قيل : إنهم إذا نفوا دخول غيرهم فيها ادعوا لأنفسهم الدخول ، فإنما طولبوا بالبرهان على ما ادعوا ، ليس على ما نفوا.

قيل : لا يحتمل ذا ؛ لأنهم لم يذكروا دخول أنفسهم تصريحا ، إنما نفوا دخول غيرهم وهو كمن يقول : لا يدخل هذه الدار إلا فلان وفلان ، ليس فيه أن فلانا وفلانا يدخلان ولكن فيه نفى دخول غيرهما.

أو نقول : نفوا دخول غيرهم تصريحا ، وادعوا لأنفسهم الدخول مستدلا ، وإنما يطلب الحجة على مصرّح قولهم ، لا على مستدلّهم.

ألا ترى أن الجواب من الله ـ عزوجل ـ بالإكذاب والرد عليهم خرج على ما نفوا دخول غيرهم ، وهو قوله : (بَلى) ـ يدخل الجنة ـ (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ).

ألا ترى إلى ما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا نكاح إلا بشهود» (١) ليس فيه

__________________

(١) ذكره الزيلعى فى نصب الراية (٣ / ١٦٧) ، وقال : غريب بهذا اللفظ. قلت : وفى الباب عن عائشة : أخرجه ابن حبان (٤٠٧٥ ـ الإحسان) ، والدار قطنى (٣ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧) ، والبيهقى (٧ / ١٢٤ ـ ١٢٥) من طريق عروة عنها بلفظ :

«لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل ، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل ، فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له».

قال ابن حبان : لم يقل أحد فى خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهرى هذا «وشاهدى عدل» إلا ثلاثة أنفس : ـ

٥٤٠