تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

فراشه منيّا فهو على الاختلاف ، وكان يقيسه على ما ذكرنا من المسألتين. وجه قول أبي يوسف أن المذي يوجب الوضوء دون الاغتسال ، ولهما ما روى إمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي بإسناده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا رأى الرجل بعد ما ينتبه من نومه بلة ، ولم يذكر احتلاما اغتسل ، وإن رأى احتلاما ، ولم ير بلة فلا غسل عليه» (١) ، وهذا نص في الباب» (٢).

وفي تفسير قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية ، نقل أبو حيان عن الماتريدي قوله : «في الآية دليل على أن المال كله للذكر ، إذا لم يكن معه أنثى ؛ لأنه جعل للذكر مثل ما للأنثيين ، وقد جعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر ، بقوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فدل على أن للذكر حالة الانفراد مثلي ذلك ، ومثلا النصف هو الكل. انتهى» (٣).

رابعا : تأثير الماتريدي في علوم اللغة :

لم يكن تأثير الماتريدي كبيرا في علوم اللغة ؛ نظرا ؛ لأنه كان لا يعتمد عليها في تفسيره كثيرا ، ومع هذا لا نعدم نقلا عنه هنا أو هناك في هذا المجال ؛ ومن ذلك ما جاء في التلويح عند الكلام عن قول الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] : «ذهب الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي ـ رحمه‌الله ـ إلى أن هذا مجاز عن سرعة الإيجاد ، والمراد التمثيل لا حقيقة القول».

وخلاصة ما سبق أن الماتريدي كان له فضل على لاحقيه لا ينكر ، وأن أثره ممتد ومتشعب في مجالات شتى من العلوم : علم الكلام ، والفقه ، واللغة ، والتفسير ، وغيرها ؛ مما يدل على موسوعية هذا العالم الجليل وفضله الذي لا ينكر في خدمة الإسلام وعلومه.

* * *

__________________

(١) أخرجه أحمد (٦ / ٢٥٦) والترمذي (١ / ١٥٤ ـ ١٥٥) كتاب الطهارة باب فيمن يستيقظ فيرى بللا (١١٣) وأبو داود (١ / ١١١) كتاب الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه (٢٣٦) وابن ماجه (١ / ٤٨٥) كتاب التيمم باب من احتلم ولم ير بللا (٦١٢) وأبو يعلى (٤٦٩٤) من حديث عائشة بلفظ : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى بللا ولم ير أنه احتلم اغتسل وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه».

(٢) بدائع الصنائع (١ / ٣٧).

(٣) البحر المحيط (٣ / ١٩٠) وينظر : (٣ / ٣٤٥).

٣٤١

وصف نسخ الكتاب الخطية

اعتمدنا فى تحقيق «تأويلات أهل السنة للماتريدي» على ثلاث نسخ خطية : نسختين بدار الكتب المصرية ، ونسخة بتركيا.

النسخة الأولى : نسخة مصورة منقولة عن المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٦) قوله ، ومحفوظة أيضا تحت رقم ٢٧٣٠٦ ب وتقع في ثلاثة مجلدات ، ينتهى الأول بورقة ٢١٩ ، والثاني بورقة ٤٤٠ ، والثالث بورقة ٦٥٦.

والنسخة مكتوبة بخط مصطفى بن محمد بن أحمد فى سنة ١١٦٥ ه‍ ، وتشتمل على ٦٥٦ ورقة ، وهى نسخة جيدة كاملة ، ليس فيها تآكل سوى الورقة الأولى ، وكل صفحة منها تتكون من سبعة وأربعين سطرا ، يشتمل كل سطر على نحو خمس وعشرين كلمة.

والمخطوطة الأصلية المصور عنها تقع فى مجلد واحد ، مذهبة الصفحات ، تبدأ فيها كل آية بمداد أحمر تكتب به كلمة : قوله ، والخط فيها واضح تماما ، وبها من هذه النسخة بعض تعليقات ، إما تكميل آية وردت بالأصل ، أو تعليق على رأى بمزيد توضيح ، أو تبيين لمعنى لغوى.

النسخة الثانية : نسخة مصورة منقولة عن النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة كوبريلّى بالآستانة تحت رقم ٤٨ ، ومحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٨٧٣ تفسير ، وهى مكتوبة بخط أحمد بن محمد يوسف الخالدى الصفدى الحنفى ٨١٨ ه‍ ، ويوجد من هذه النسخة بدار الكتب المصرية أجزاء تنتهى بتفسير سورة الإسراء ، وتقع في ١٦٣٩ ورقة ، وفى كل صفحة ٣٥ سطرا تقريبا ، ويشتمل كل سطر على نحو ١٦ كلمة ، وخطها واضح فى الأغلب منها ، ويوجد بعض أجزاء من هذه المصورة فى مكتبة معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة ، وقد تم الاعتماد عليها في التحقيق.

النسخة الثالثة : يوجد منها جزء واحد موجود فى دار الكتب المصرية فى ضمن أجزاء نسخة كوبريلّى ، ولكنه يختلف عن هذه النسخة من جهات :

ـ الجزء أصل مخطوط ، بينما أجزاء نسخة كوبريلّى مصورة.

ـ ثم إنه بخط يختلف عن خط النسخة.

ـ وتتكون صفحاته كل صفحة من نحو ٢٨ سطرا ، يشتمل كل سطر على ١٥ كلمة تقريبا.

وهذا يؤكد أن هذا الجزء يختلف عن هذه النسخة ، وأنه من نسخة أخرى.

٣٤٢

وهذا الجزء يبدأ بتفسير سورة «المنافقون» من قوله : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) [المنافقون : ٤] إلى آخر القرآن الكريم ، وعدد صفحاته ٢٥٦ صفحة ، وفيه خرم ورقة أو ورقتين من سورة المزمل.

* * *

٣٤٣

٣٤٤

٣٤٥

٣٤٦

٣٤٧

٣٤٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[قال الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي ، رضي الله تعالى عنه : الفرق بين التأويل والتفسير هو ما قيل : التفسير للصحابة ، رضي الله عنهم ، والتأويل للفقهاء ، ومعنى ذلك : أن الصحابة شهدوا المشاهد ، وعلموا الأمر الذي نزل فيه القرآن.

فتفسير الآية أهم لما عاينوا وشهدوا ، إذ هو حقيقة المراد ، وهو كالمشاهدة ، لا تسمح إلا لمن علم ، ومنه قيل : من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ؛ لأنه فيما يفسر يشهد على الله به.

وأما التأويل : فهو بيان منتهى الأمر ، مأخوذ من : آل يؤول ، أي يرجع ، ومعناه ـ كما قال أبو زيد : لو كان هذا كلام غيره يوجه إلي كذا وكذا من الوجوه ، فهو توجيه الكلام إلى ما يتوجّه إليه ، ولا يقع التشديد في هذا مثل ما يقع في التفسير ، إذ ليس فيه الشهادة على الله ؛ لأنه لا يخبر عن المراد ، ولا يقول : أراد الله به كذا ، أو عنى ، ولكن يقول : يتوجه هذا إلى كذا وكذا من الوجوه ، هذا مما تكلم به البشر. والله أعلم ما صحته من الحكمة.

ومثاله : أن أهل التفسير اختلفوا في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) :

قال بعضهم : إن الله تعالى حمد نفسه.

وقال بعضهم : أمر أن يحمد.

فمن قال : عنى هذا ، دون هذا ، فهو المفسر له.

وأما التأويل ـ فهو أن يقول : يتوجه الحمد إلى الثناء والمدح له ، وإلى الأمر بالشكر لله عزوجل ، والله أعلم بما أراد.

فالتفسير ـ ذو وجه واحد ، والتأويل ـ ذو وجوه](١).

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة فاتحة الكتاب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

التّسمية هى آية من القرآن ، وليست من فاتحة الكتاب.

دليل جعلها آية : ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لأبىّ بن كعب (٢) : «لأعلّمنّك آية لم

__________________

(١) ما بين المعقوفين مثبت من ط ، وسقط فى أ ، ب.

(٢) أبى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية الأنصارى النجارى أبو المنذر ، وأبو الطفيل سيد القراء من أصحاب العقبة ، شهد بدرا والمشاهد كلها وجمع القرآن فى حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعرض على النبى عليه الصلاة والسلام وحفظ عنه علما مباركا وكان رأسا في العلم والعمل. وقال ابن عباس : ـ

٣٤٩

تنزل على أحد قبلى إلّا على سليمان بن داود فأخرج إحدى قدميه ، ثمّ قال له : بأىّ آية تفتتح بها القرآن؟ قال : ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فقال : هى هى» (١).

ففى هذا أنها آية من القرآن ، وأنها لو كانت من السور لكان يعلمه نيّفا ومائة آية لا آية واحدة.

ولو كانت منها أيضا ؛ لكان لا يجعلها مفتاح القرآن ، بل يجعلها من السور.

ثم الظاهر أن من لم يتكلف تفسيرها عند ابتداء السورة ثبت أنها ليست منها.

وكذلك ترك الأمة الجهر بها ، على العلم بأنه لا يجوز أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجهر بها ثم يخفى ذلك على من معه ، وأن يكونوا غفلوا ثم يضيعون سنّة بلا نفع يحصل لهم ، حتى توارثت الأمة تركها فيما يحتمل أن يكون الجهر سنة ثم يخفى ، فيكون فى فعل الناس دليل واضح أنها ليست من السور.

ودليل آخر على ذلك ما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الله أنه قال : «قسمت الصّلاة بينى وبين عبدى نصفين ، فإذا قال العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلى قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤). فقال : هذا لى». وهى ثلاث آيات.

وقال بعد قوله : (اهْدِنَا) إلى آخرها : «هذا لعبدى» ، ثبت أنها ثلاث آيات ؛ لتستوى القسمة.

ثم قال فى قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥) : «هذا بينى وبين عبدى نصفين» (٢).

__________________

ـ قال أبى لعمر بن الخطاب : إنى تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل عليه‌السلام وهو رطب. وقال ابن العباس : قال عمر : أقضانا على ، وأقرؤنا أبى ، وإنا لندع من قراءة أبى ، وهو يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

وروى أبو قلابة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقرأ أمتى أبى».

حدث عنه أبو أيوب الأنصارى وابن عباس وأبو هريرة وخلق كثير واختلف فى موته فقيل : مات سنة ٢٠ ه‍ وقيل : سنة ١٩ ه‍ وقيل سنة ٢٢ ه‍ وقيل سنة ٣٠ ه‍ وهو أثبتها. ينظر : تهذيب الأسماء واللغات (١ / ١٠٨ ـ ١١٠) طبقات القراء (١ / ٣١) أسد الغابة (١ / ٦١) الإصابة (١ / ٢٦) المعارف (٢٦١) دول الإسلام (١ / ١٦).

(١) أخرجه مالك (١ / ٨٣) كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى أم القرآن (١) :

أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره ... فذكره بنحوه ، ومن طريق آخر أخرجه البغوى فى تفسيره (١ / ٤٢ ـ ٤٣) ، عن أبى هريرة وله شاهد من حديث بريدة.

أخرجه الدار قطنى (١ / ٣١٠) ، والبيهقى (١٠ / ٦٢) ، وزاد السيوطى فى الدر المنثور (١ / ٢٦) ابن أبى حاتم والطبرانى ، وإسناده ضعيف.

(٢) أخرجه مالك (١ / ٨٤) كتاب : الصلاة ، باب : القراءة خلف الإمام ، الحديث (٣٩) ، وأحمد (٢ / ٢٨٥) ، ومسلم (١ / ٢٩٧) كتاب : الصلاة ، باب : وجوب قراءة الفاتحة ، الحديث (٣٩ ، ٤٠) ، ـ

٣٥٠

فثبت أنها آية واحدة ؛ فصارت بغير التسمية سبعا. وذلك قول الجميع : إنها سبع آيات مع ما لم يذكر في خبر القسمة ؛ فثبت أنها دونها سبع آيات.

وقد روى عن أنس بن مالك (١) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «صلّيت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخلف أبى بكر (٢) ، وعمر (٣) ، وعثمان (٤) ـ رضى الله عنهم ـ فلم

__________________

ـ وأبو داود (١ / ٥١٢ ـ ٥١٣ ـ ٥١٤) كتاب : الصلاة ، باب : من ترك قراءة الفاتحة الحديث (٨٢١) والترمذى (٢ / ٢٥) كتاب : الصلاة ، باب : لا صلاة إلا بالفاتحة ، الحديث (٢٤٧) ، والنسائى (٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦) كتاب : الصلاة ، باب : ترك قراءة البسملة فى الفاتحة ، والبخارى فى «جزء الفاتحة» (ص ٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٢٤٣) كتاب : الأدب ، باب : ثواب القرآن ، حديث (٣٧٨٤) ، والدار قطنى (١ / ٣١٢) وابن خزيمة (١ / ٢٥٣) ، والبيهقى (٢ / ٣٩) عن أبى هريرة.

ولفظ مالك عن أبى السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبى هريرة ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج ، هى خداج هى خداج غير تمام» قال : فقلت : يا أبا هريرة إنى أحيانا أكون وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعى ، ثم قال : اقرأ بها فى نفسك يا فارسى فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قال الله تبارك وتعالى : قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ، فنصفها لى ، ونصفها لعبدى ، ولعبدى ما سأل ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقرءوا ، يقول العبد : الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى : حمدنى عبدى ...» الحديث.

(١) هو أنس بن مالك بن النضر ، النجارى الخزرجى الأنصارى ، ولد سنة ١٠ ق ه صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخادمه ، خدمه إلى أن قبض. ثم رحل إلى دمشق ، ومنها إلى البصرة ، فمات بها آخر من مات بها من الصحابة سنة ٩٣ ه‍ له فى الصحيحين ٢٢٨٦ حديثا.

ينظر : تهذيب ابن عساكر (٣ / ١٩٩) ، وصفة الصفوة (١ / ٢٩٨).

(٢) هو : عبد الله بن أبى قحافة : أبو بكر الصديق رضى الله عنه. وكان اسمه فى الجاهلية : عبد الكعبة ، فسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله واسم أبى قحافة : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك القرشى التيمى. وسمى الصديق : لبداره إلى تصديق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل ما جاء به ، وقيل : لتصديقه له فى خبر الإسراء. وكان يقال له : عتيق لجماله وعتاقة وجهه ، وقيل : لأنه لم يكن فى نسبه شىء يعاب به ، وقيل : كان له أخ يسمى عتيقا فمات فسمى به ، وقيل : بل رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلا ، فقال : «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا».

لم يختلف أنه بويع له ـ رضى الله عنه ـ فى اليوم الذى توفى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختلف فى اليوم الذى توفى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كم كان من الشهر بعد اتفاقهم على أنه يوم الاثنين فى شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، فقيل : لاثنتى عشرة مضت من ربيع الأول. قال ابن جماعة فى مختصر السير : وهو المرجح عند الجمهور ، ولم يصححه السهيلى ولا أبو الربيع بن سالم. انتهى. وقيل : غرة ربيع الأول ، وقيل : الثانى منه ، وإلى هذين القولين مال أبو الربيع بن سالم فى كتابه الاكتفاء فى أخبار الخلفاء.

وفى الاستيعاب : مكث فى خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال ، وقيل : سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال ، وقيل : عشرة أيام ، وقيل : واثنتى عشرة ليلة. واختلف فى حين وفاته : فقيل : هو يوم الجمعة لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، وقيل : يوم الاثنين ، وقيل : ليلة الثلاثاء ، وقيل : عشى يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة. ينظر : تخريج الدلالات السمعية ص (٢١ ، ٢٣ ، ٣٤).

٣٥١

يكونوا يجهرون ب «بسم الله الرحمن الرحيم» (١).

__________________

(٣) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب القرشى العدوى : أبو حفص. أسلم بعد أربعين رجلا ، فكان إسلامه عزا ظهر به الإسلام بدعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى السير لابن إسحاق : أن خباب بن الأرت قال لعمر يحضه على الإسلام يوم أسلم : والله إنى لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإنى سمعته أمس وهو يقول : «اللهم أيد الإسلام بأبى الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب». ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وقتل ـ رحمه‌الله ـ سنة ثلاث وعشرين ، طعنه أبو لؤلوة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لثلاث بقين من ذى الحجة (هكذا قال الواقدى) وقيل : لأربع بقين منه يوم الأربعاء ، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وشهد المواقع وبويع بالخلافة بعد وفاة أبى بكر وتوفى سنة ٢٣ ه‍.

ينظر : تخريج الدلالات السمعية ص (٤٠ ـ ٤١) صفة الصفوة (١ / ١٠١) حلية الأولياء (١ / ٣٨) تاريخ الخميس (٢ / ٢٦٧) تذكرة الحفاظ (١ / ٥) أسد الغابة (٤ / ٥٢) الاستيعاب (٢ / ٤٢٨) (ت ١٨٤٥) مجمع الزوائد (٩ / ٦٠).

(٤) هو عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى ، القرشى ، أمير المؤمنين ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. ولد بمكة سنة ٤٧ ق ه. وأسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنيا شريفا فى الجاهلية. جمع القرآن فى مصحف واحد ، وأفضل من قرأ القرآن على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى جملة كثيرة من العلم ، روى عنه بنوه : عمرو وأبان وسعيد. ومولاه حمران وأنس بن مالك وأبو أمامة بن سهيل والأحنف بن قيس وسعيد بن المسيب وغيرهم. وجهز جيش العسرة ، وصارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر سنة ٢٣ ه‍. وتوفى رحمه‌الله سنة ٣٥ ه‍.

ينظر : الاستيعاب (٢ / ٤٨٧) ت (٢٠٢٢) ، صفة الصفوة (١ / ١١٢) ، الطبقات الكبرى لابن سعد (٣ / ٥٣) ، طبقات الفقهاء للشيرازى ص (٨) ، حلية الأولياء (١ / ٥٥) ، تذكرة الحفاظ (١ / ٨) ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٨٣) ، غاية النهاية (١ / ٥٠٧).

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤) ، ومسلم (١ / ٢٩٩) كتاب : الصلاة ، باب : حجة من قال لا يجهر بالبسملة ، الحديث (٥٢) ، والبيهقى (٢ / ٥٠) كتاب : الصلاة ، باب : من قال لا يجهر ب «بسم الله الرحمن الرحيم» ، من رواية الأوزاعى ، عن قتادة ، عن أنس قال : «صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول القراءة ولا آخرها».

وأخرجه أحمد (٣ / ٢٧٣) ، ومسلم (١ / ٢٩٩) كتاب : الصلاة ، باب : حجة من قال لا يجهر بالبسملة ، الحديث (٥٠) ، والدار قطنى (١ / ٣١٥) كتاب : الصلاة ، باب : اختلاف الرواية فى الجهر بالبسملة ، الحديث (٢) ، والبيهقى (٢ / ٥١) كتاب : الصلاة ، باب : من قال لا يجهر بالبسملة ، من رواية شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : «صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم».

وأما الرواية التى فيها : «فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» :

أخرجها أحمد (٣ / ١٧٩) ، والدار قطنى (١ / ٣١٥) كتاب : الصلاة ، باب : اختلاف الروايات فى الجهر بالبسملة ، الحديث (٣) ، كلهم من رواية وكيع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : «صليت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم».

وأخرجها الطحاوى أيضا فى شرح معانى الآثار (١ / ٢٠٣) كتاب : الصلاة ، باب : قراءة البسملة فى الصلاة ، من طريق الأعمش عن شعبة ، وابن الجارود فى المنتقى (١ / ٧١) كتاب : الصلاة ، ـ

٣٥٢

وروى ذلك عن على (١) ـ رضى الله عنه ـ وعبد الله بن عمر (٢) وجماعة ، وهو الأمر المعروف فى الأمة ، مع ما جاء فى قصة السحر : أن العقد كانت إحدى عشرة ، وقرأ عليها المعوذتين دون التسمية ؛ فكذا غيرها من السور مع ما إذا جعلت مفتاحا كانت كالتعوذ ، والله الموفق.

والأصل عندنا أن المعنى الذى تضمنه فاتحة القرآن فرض على جميع البشر ؛ إذ فيه الحمد لله والوصف له بالمجد ، والتوحيد له ، والاستعانة به ، وطلب الهداية ، وذلك كله يلزم كافّة العقلاء من البشر ، إذ فيه معرفة الصانع على ما هو معروف ، والحمد له على ما يستحقه ، إذ هو المبتدئ بنعمه على جميع خلقه ، وإليه فقر كلّ عبد ، وحاجة كلّ محتاج ، فصارت لنفسها ـ بما جمعت الخصال التى بيّنّا ـ فريضة على عباد الله.

__________________

ـ باب : صفة صلاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الحديث (١٨١) ، من طريق سعيد بن أبى عروبة ، عن قتادة.

وأخرجه ابن خزيمة (١ / ٢٥٠) كتاب : الصلاة ، باب : ذكر الدليل على عدم الجهر بالبسملة ، الحديث (٤٩٦) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (١ / ٢٠٣) كتاب : الصلاة ، باب : قراءة البسملة فى الصلاة ، والطبرانى (١ / ٢٢٨) رقم (٧٣٩) ، وأبو نعيم فى الحلية (٦ / ١٧٩) ، من رواية الحسن ، عن أنس : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم.

وأما الرواية التى فيها : «فكانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم».

أخرجها الدارقطنى (١ / ٣١٦) كتاب : الصلاة ، باب : اختلاف الرواية فى الجهر بالبسملة ، الحديث (٩) ، والحاكم (١ / ٢٣٣) كتاب : الصلاة ، باب : الجهر بالبسملة (٧) ، بلفظ : «فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم».

وفى البخارى (٩ / ٩٠ ـ ٩١) كتاب : فضائل القرآن ، باب : مد القراءة ، الحديث (٥٠٤٦) ، من رواية قتادة قال : سئل أنس ، كيف كانت قراءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : كانت مدّا ، ثم قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ، يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم.

(١) هو أمير المؤمنين على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو الحسن ، ابن عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وزوج فاطمة الزهراء ، وأبو الحسن والحسين ، من الأوائل إسلاما وفضائله كثيرة ، استشهد فى رمضان سنة ٤٠ ه‍.

ينظر : خلاصة الخزرجى (٢ / ٢٥٠) ، أسد الغابة لابن الأثير ترجمة (٣٧٨٩) ، الإصابة لابن حجر ترجمة (٥٧٠٤).

(٢) أخرجه البيهقى (٢ / ٤٨) عنهما : أنهما كانا يجهران بهما.

وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبو عبد الرحمن. قرشى عدوى. صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نشأ فى الإسلام ، وهاجر مع أبيه إلى الله ورسوله. شهد الخندق وما بعدها ، ولم يشهد بدرا ولا أحدا لصغره. أفتى الناس ستين سنة. ولما قتل عثمان عرض عليه ناس أن يبايعوه بالخلافة فأبى. شهد فتح إفريقية. كف بصره فى آخر حياته. كان آخر من توفى بمكة من الصحابة. وهو أحد المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ينظر : تهذيب الكمال (٢ / ٧١٣) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ٣٢٨) (٥٦٥) ، تقريب التهذيب (١ / ٤٣٥) (٤٩١) ، خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٨١) ، تاريخ البخارى الكبير (٥ / ٢ ، ١٤٥) ، تاريخ البخارى الصغير (١ / ١٤٥ ، ١٥٧) ، الجرح والتعديل (٥ / ١٠٧) ، أسد الغابة (٣ / ٣٤٠) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٣٢٥) ، الإصابة (٤ / ١٨١).

٣٥٣

ثم ليست هى فى حق الصلاة فريضة ، وذلك نحو التسبيحات بما فيها من تنزيه الله.

والتكبيرات بما فيها من تعظيمه فريضة لنفسها ؛ إذ ليس لأحد ألا ينزه ربه ، ولا يعظمه من غير أن يوجب ذلك فرضيتها فى حق الصلاة ، وفى حق كل مجعولة هى فيه ، لا من طريق توضيح الفرضية من غير طريق الذى ذكرت.

ثم ليست هى بفريضة فى حق القراءة فى الصلاة ؛ لوجوه :

أحدها : أن فرضية القراءة عرفنا بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل : ٢٠] وفيها الدلالة من وجهين :

أحدهما : أنه قد يكون غيرها أيسر.

والثانى : أن فرضيّة القراءة فى هذه الآية من حيث الامتنان بالتخفيف علينا والتيسير ، ولو لم يكن فريضة لم يكن علينا فى التخفيف منّة إذا بالترك.

ثم لا نخير فى فاتحة القرآن ، والآية التى بها عرفنا الفرضية فيما تخير ما يختار من الأيسر ، ثبت أنها رجعت إلى غيرها ، وبالله التوفيق.

والثانى : أن نبىّ الله أخبر عن الله : أنه جعل بها فى حق الثناء ، وهو ما ذكر فى خبر القسمة فصارت تقرأ بذلك الحق ، فلم يخلص لها حق القراءة ، بل ألحق بها حق الدعاء والثناء ، وليس ذلك من فرائض الصلاة ، وبالله التوفيق.

والثالث : ما روى عن عبد الله بن مسعود (١) ـ رضى الله عنه ـ : «أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحيا ليلة بقوله : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) [المائدة : ١١٨] الآية. وبه كان يقوم ، وبه كان يركع ، وبه يسجد ، وبه يقعد» (٢). فثبت أنه لا يتعين قراءتها فى الصلاة مع ما أيّده الخبر الذى فيه

__________________

(١) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم الهذلى أبو عبد الرحمن من أكابر الصحابة ومن أقربهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو من السابقين للإسلام كان خادم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحب سره ، كان له أصحاب سادة منهم علقمة والأسود ومسروق وعبيدة السلمانى وأبو وائل وطارق بن شهاب وزر بن حبيش وأبو عمرو الشيبانى وأبو الأحوص وزيد بن وهب وخلق سواهم ولى بيت المال بالكوفة ثم قدم المدينة فى خلافة عثمان رضى الله عنه فتوفى بها سنة ٣٢ ودفن بالبقيع.

ينظر الإصابة (٤ / ١٢٩) ت (٤٩٤٥) ، الاستيعاب (٢ / ٣٧٠) ت (١٥٣٦) ، صفة الصفوة (١ / ١٥٤) ، طبقات الفقهاء للشيرازى ص (١١) ، غاية النهاية (١ / ٤٥٨) ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٨٧) ، تاريخ الإسلام (٢ / ١٠٠) ، الأعلام للزركلى (٤ / ٢٨٠).

(٢) أخرجه أحمد (٥ / ١٥٦ ، ١٧٠ ، ١٧٧) ، والنسائى (٢ / ١٧٧) كتاب الافتتاح ، باب ترديد الآية ، وابن ماجه (٢ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠) كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء فى صلاة الليل (١٣٥٠) وابن أبى شيبة وابن مردويه والبيهقى عن أبى ذر بنحوه كما فى الدر المنثور (٢ / ٦١٦) ، وفى إسناده مقال.

٣٥٤

«أن ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ» (١) ؛ إذ قال له وقت التعليم (٢) : «اقرأ ما تيسّر عليك» فثبت أن المفروض ذلك.

وأيضا روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٣).

__________________

(١) أخرجه البخارى (١١ / ٣٦) كتاب : الاستئذان ، باب : من رد فقال عليك السلام ، رقم الحديث (٦٢٥١) ، ومسلم (١ / ٢٩٨) كتاب : الصلاة ، باب : وجوب قراءة الفاتحة ، الحديث (٤٥ / ٣٩٧) ، وأبو داود (١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) كتاب : الصلاة ، باب : صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع والسجود (٨٥٦) ، والنسائى (٢ / ١٢٤) كتاب الافتتاح ؛ باب فرض التكبيرة الأولى ، والترمذى (٢ / ١٠٣ ـ ١٠٤) أبواب الصلاة ، باب : ما جاء فى وصف الصلاة ، حديث (٣٠٣).

وابن ماجه (١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧) كتاب : إقامة الصلاة ، باب : إتمام الصلاة (١٠٦٠) ، وأحمد (٢ / ٤٣٧) وأبو عوانة (٢ / ١٠٣) ، والبيهقى (٢ / ١٥ ـ ٣٧ ـ ٦٢) ، وابن خزيمة (١٠ / ٢٣٥) رقم (٤٦١) عن أبى هريرة ، وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح.

وللحديث شاهد فى حديث رفاعة بن رافع بمثل حديث أبى هريرة :

أخرجه أبو داود (١ / ٢٨٩) كتاب : الصلاة ، باب : صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع ، والسجود (٨٦٠) ، والنسائى (٢ / ١٩٣) كتاب : الافتتاح ، باب : الرخصة فى ترك الذكر فى الركوع (١٠٥٣) ، والترمذى (٢ / ١٠٠ ـ ١٠٢) : أبواب الصلاة ، باب : ما جاء فى وصف الصلاة (٣٠٢) ، وأحمد (٤ / ٣٤٠) ، والشافعى فى الأم (١ / ٨٨) ، والدارمى (١ / ٣٠٥ ، ٣٠٦) ، وابن الجارود (ص ١٠٣ ـ ١٠٤) ، والحاكم (١ / ٢٤٢) ، والبيهقى (٢ / ١٠٢) ، من طرق عن رفاعة بن رافع به.

وقال الترمذى : حديث حسن.

وقد أخرجه من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن يحيى بن على بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقى ، عن أبيه ، عن جده ، عن رفاعة.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبى.

وقد أخرجه من طريق إسحاق بن يحيى بن أبى طلحة ، عن على بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع.

والحديث صححه ابن خزيمة (١ / ٢٧٤) وابن حبان (٤٨٤ ـ موارد).

وأخرجه أيضا عبد الرزاق (٣٧٣٩) والطحاوى فى شرح معانى الآثار (١ / ١٣٧) والطيالسى (١٣٧٢) وابن حزم فى المحلى (٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧) والبغوى فى شرح السنة (٢ / ٢٣٠).

(٢) فى أ : التعلم.

(٣) أخرجه الشافعى فى الأم (١ / ١٢٩) كتاب : الصلاة ، باب : القراءة بعد التعوذ ، وأحمد (٥ / ٣١٤) ، والدارمى (١ / ٢٨٣) كتاب : الصلاة ، باب : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، والبخارى (٢ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) كتاب : الأذان ، باب : وجوب القراءة للإمام (٧٥٦) ، ومسلم (١ / ٢٩٥) كتاب : الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة ، الحديث (٣٤ / ٣٩٤) ، وأبو داود (١ / ٥١٤) كتاب : الصلاة ، باب : من ترك قراءة الفاتحة ، الحديث (٨٢٢) ، والترمذى (٢ / ٢٥) كتاب : الصلاة ، باب : لا صلاة إلا بالفاتحة ، الحديث (٢٤٧) ، والنسائى (٢ / ١٧٣) كتاب : الافتتاح ، باب : وجوب قراءة فاتحة الكتاب ، وابن ماجه (١ / ٢٧٣) كتاب : إقامة الصلاة ، باب : القراءة خلف الإمام ، الحديث (٨٣٧) ، والدار قطنى (١ / ٣٢١) كتاب : الصلاة ، باب : وجوب قراءة أم الكتاب ، الحديث (١٧) ، والبيهقى (٢ / ٣٨) كتاب : الصلاة ، باب تعيين القراءة بفاتحة الكتاب ، وأبو عوانة (٢ / ١٢٤) ، وابن أبى شيبة (١ / ٣٦٠) ، وعبد الرزاق (٢٦٢٣) ، وابن خزيمة (١ / ٢٤٦) رقم (٤٨٨) ، والبغوى فى شرح السنة (٢ / ٢٠١) ـ

٣٥٥

ثم روى عنه بيان محلها : «إنّ كلّ صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهى خداج ، نقصان ، غير تمام» (١).

والفاسد لا يوصف بالنقصان ، وإنما الموصوف بمثله ما جاز مع النقصان. وبالله التوفيق.

ثم خص فاتحة القرآن بالتأمين بما سمّى بالذى ذكره خبر القسمة.

وغير الفاتحة وإن كان فيه الدعاء ، فإنه لم يخص بهذا الاسم ؛ لذلك لم يجهر به ، فالسبيل فيه ما ذكرنا فى القسمة ، مع ما كان هو أخلص بمعنى الدعاء منها.

ثم السّنّة فى جميع الدعوات المخافتة.

والأصل : أنّ كل ذكر يشترك فيه الإمام والقوم فسنته المخافتة إلا لحاجة الإعلام ، وهذا يعلم من قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) فيزول معناه.

وسبيل مثله المخافتة مع ما جاء به مرفوعا ومتوارثا.

وخبر الجهر يحتمل : السبق ، كما كان يسمعهم فى صلاة النهار أحيانا. ويحتمل : الإعلام ، أنه كان يقرأ به. وبالله التوفيق.

ثم جمعت هذه خصالا من الخير ، ثم كل خصلة منها تجمع جميع خصال الخير.

منها : أن فى الحرف الأول من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) شكرا لجميع النعم ، وتوجيها لها إلى الله لا شريك له ، ومدحا له بأعلى ما يحتمل المدح ، وهو ما ذكرنا من عموم نعمه وآلائه جميع بريّته.

__________________

ـ والحميدى (٣٨٦) والطبرانى فى الصغير (١ / ٧٨) كلهم من طريق الزهرى عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

وقال الترمذى : حديث حسن صحيح.

(١) أخرجه مالك (١ / ٨٤) كتاب : الصلاة ، باب : القراءة خلف الإمام ، الحديث (٣٩) ، والشافعى (١ / ١٢٩) كتاب : الصلاة ، باب : القراءة بعد التعوذ ، والطيالسى (١ / ٣٣٤) ، الحديث (٢٥٦١) ، وأحمد (٢ / ٢٨٥) ، ومسلم (١ / ٢٩٧) كتاب : الصلاة ، باب : وجوب قراءة الفاتحة ، الحديث (٤١ / ٣٩٥) ، وأبو داود ، كتاب : الصلاة ، باب : من ترك قراءة الفاتحة ، الحديث (٨٢١) ، والترمذى (٢ / ٢٥) كتاب : الصلاة ، باب : لا صلاة إلا بالفاتحة ، الحديث (٢٤٧) ، والنسائى (٢ / ١٣٥) كتاب : الافتتاح ، باب : ترك قراءة البسملة فى فاتحة الكتاب ، والبيهقى (٢ / ٣٩) كتاب : الصلاة ، باب : تعيين القراءة بفاتحة الكتاب ، والبخارى فى جزء القراءة (ص ٣) ، وابن خزيمة (١ / ٢٤٧) رقم (٤٨٩). والحميدى رقم (٩٧٤) والدار قطنى (١ / ٣١٢) والطحاوى فى شرح معانى الآثار (١ / ٢١٦) وابن حبان (١٧٧٩ ـ الإحسان) كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج هى خداج هى خداج غير تام».

٣٥٦

ثم فيه الإقرار بوحدانيته فى إنشاء البريّة كلها ، وتحقيق الربوبية له عليها بقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) وكل واحد منها يجمع خصال خير الدارين ، ويوجب القائل به ـ عن صدق القلب ـ درك الدارين.

ثم الوصف لله ـ عزوجل ـ بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأحد من معناهما حقيقة ، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق نحو «الله» و «الرحمن».

ثم الوصف بالرحمة التى بها نجاة كل ناج ، وسعادة كل سعيد ، وبها يتقى المهالك كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التى بها تعاطف بينهم وتراحمهم.

ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤) مع الوصف له بالمجد ، وحسن الثناء عليه.

ثم التوحيد ، وما يلزم العباد من إخلاص العبادة له ، والصدق فيها ، مع جعل كل رفعة وشرف منالا به عزوجل.

ثم رفع جميع الحوائج إليه ، والاستعانة به على قضائها ، والظفر بها على طمأنينة القلب وسكونه ، إذ لا خيبة عند معونته ، ولا زيغ عند عصمته.

ثم الاستهداء إلى ما يرضيه ، والعصمة عما يغويه فى حادث الوقت ، على العلم بأنه لا ضلال لأحد مع هدايته فى التحقيق.

والرجاء والخوف من الله لا من غيره.

وعلى ذلك جميع معاملات العباد ، ومكاسبهم على الرجاء من الله تعالى أن يكون جعل ذلك سببا به يصل إلى مقصوده ، ويظفر بمراده. ولا قوة إلا بالله.

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤)

قوله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).

احتمل : أن يكون جلّ ثناؤه حمد نفسه ؛ ليعلم الخلق استحقاقه الحمد بذاته ؛ فيحمدوه.

فإن قيل : كيف يجوز أن يحمد نفسه ، ومثله فى الخلق غير محمود؟!

قيل له : لوجهين :

أحدهما : أنّه استحقّ الحمد بذاته ، لا بأحد ؛ ليكون فى ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى على نفسه ؛ ليثنوا عليه. وغيره إنما يكون ذلك له به ـ جل وعزّ ـ فعليه : توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه ؛ إذ نفسه لا تستوجبه بها ، بل بالله تعالى.

٣٥٧

والثانى : أن الله تعالى حقيق بذلك ؛ إذ لا عيب يمسّه ، ولا آفة تحل به فيدخل نقصان فى ذلك. ولا هو خاصّ بشيء. والعبد لا يخلو عن عيوب تمسّه ، وآفات تحل به ، ويمدح بالائتمار ، ويذم بتركه. وفى ذلك تمكن النقصان ، وحق لمثله الفزع إلى الله ، والتضرع إليه ؛ ليتغمده برحمته ، ويتجاوز عن صنيعه.

وعلى ذلك معنى التكبير ، نحمد به ربنا ولا نحمد غيره ؛ إذ ليس للعبد معنى يستقيم معه تكبّره ، إذ هم جميعا أكفاء من طريق المحبّة ، والخلق ، وما أدرك أحد منهم من فضيلة أو رفعة فبالله أدركه ، لا بنفسه ؛ فعليه تنزيه الرب ، والفزع إليه بالشكر ، لا بالتكبر على أمثاله. والله عن هذا الوصف متعال.

ويحتمل أن يكون قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إضمار الأمر ، أى : قولوا : الحمد لله ؛ لأن الحمد يضاف إلى الله ، فلا بد من أن يكون له علينا ؛ فأمر بالحمد لذلك.

ثم يخرج ذلك على وجهين :

أحدهما : ما روى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «الحمد لله : أى الشكر لله بما صنع إلى خلقه» (٢).

فيخرج تأويل الآية على هذا ؛ لأنه ـ على هذا الترتيب ـ على الأمر بتوجيه الشكر إليه ، وذلك يتضمن الأمر أيضا بكل الممكن من الطاعة على ما روى عن النبى ـ عليه‌السلام ـ «أنّه صلّى حتّى تورّمت قدماه فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا» (٣)!.

__________________

(١) هو : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى ، أبو العباس حبر الأمة الصحابى الجليل ، ولد بمكة سنة (٣ ق ه) وشهد مع الإمام على (الجمل وصفين) وعن أبى وائل قال : استعمل ابن عباس على الحج فخطب خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا. وقال أبو بكر : قدم ابن عباس علينا بالبصرة وما فى العرب مثله جسما وعلما وبيانا وجمالا وكمالا ، وينسب إليه كتاب فى تفسير القرآن جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه فى كل آية ، توفى بالطائف سنة ٦٨ ه‍ فى أيام الزبير ، وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلى الطائف فمات بها وهو ابن سن ٧٠ ، وقيل : ابن ٧١ سنة ، وقيل : ٧٤ سنة ، رحمه‌الله. راجع : الإصابة (٤ / ٩٠ / ت ٤٧٧٢) ، صفة الصفوة (١ / ٣١٤) ، الاستيعاب (٢ / ٣٨٣ / ت ١٥٩٣) ، طبقات الفقهاء للشيرازى ص (١٨) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٢٢٤) ، أسد الغابة (٣ / ١٩٢) ، حلية الأولياء (١ / ٣١٤) ، تذكرة الحفاظ (١ / ٣٤) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣٤٥) ، معالم الإيمان (١ / ١٠٧) ، تاريخ الإسلام (٣ / ٣٠) ، مفتاح دار السعادة (٢ / ١٣ ـ ١٤).

(٢) أخرجه ابن جرير ، وابن أبى حاتم عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٣٤).

(٣) أخرجه البخارى (٩ / ٥٥٨) كتاب التفسير ، باب قوله :(«ليغفر الله لك ...») الآية (٤٨٣٦) ، ومسلم (٤ / ٢١٧١) ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة (٧٩ / ٢٨١٩) ، وعبد الرزاق (٤٧٤٦) ، والحميدى (٧٥٩) ، وأحمد (٤ / ٢٥١ ، ٢٥٥) ، والترمذى (١ / ٤٣٧) ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى الاجتهاد فى الصلاة (٤١٢) ، وابن ماجه (٢ / ٥٣١) ، كتاب ـ

٣٥٨

فصيّر أنواع الطاعات شكرا له ، فمن أطاع الله ـ تعالى ـ فقد شكر له ، فيخرج تأويل الآية على هذا.

والوجه الثانى : أنه يخرج مخرج الثناء على الله ـ عزوجل ـ والمدح له ، والوصف بما يستحقه ، والتنزيه عما لا يليق به ، من توجيه النعم إليه ، وقطع الشركة عنه فى الإنعام والإفضال على عباده.

وعلى ذلك ما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن الله ـ عزوجل ـ يقول : قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله ربّ العالمين ، قال الله تعالى : حمدنى عبدى» (١) ؛ فجعل الحمد هذا الحرف ، وصيّر منه ثناء ؛ لوجهين :

أحدهما : أنه نسب الربوبية إليه فى جميع العالم ، وقطعها عن غيره.

والثانى : أنه سمّى ذلك صلاة ، والصلاة اسم للثناء والدعاء ، وذلك خلاف الذم ونقيضه.

وفى الوصف بالبراءة من الذم مدح ، وثناء بغاية المدح والثناء ؛ ولذلك يفرق القول بين الحمد والشكر ؛ إذ أمرنا بالشكر للناس بما جاء عن رسول الله ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» (٢) صيره بمعنى المجازاة ، والحمد بمعنى الوصف بما هو أهله ؛ فلم يستحب الحمد إلا لله. وبالله التوفيق.

وقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ).

روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «سيد العالمين». والعالم : كل من دبّ على وجه الأرض.

وقد يتوجه : «الربّ» إلى الرّبوبية لا إلى السؤدد ؛ إذ يستقيم القول برب كل شىء من بنى آدم وغيره ، نحو رب السموات والأرضين ، ورب العرش ونحوه ، وغير مستقيم القول بسيد السموات ونحوه.

__________________

ـ إقامة الصلاة ، باب ما جاء فى طول القيام (١٤١٩) ، والنسائى (٣ / ٢١٩) ، كتاب قيام الليل ، باب الاختلاف على عائشة فى إحياء الليل ، وابن خزيمة (١١٨٢ ، ١١٨٣) ، وابن حبان (٣١١) ، والبيهقى (٣ / ١٦) ، (٧ / ٣٩) ، والخطيب فى تاريخه (١٤ / ٣٠٦) ، والبغوى (٢ / ٤٦٧) ، من حديث المغيرة بن شعبة.

وأخرجه البخارى (٤٨٣٧) ، ومسلم (٨١ / ٢٨٢٠) عن عائشة.

(١) تقدم.

(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٢٥٨ ، ٢٩٥ ، ٣٠٢ ، ٣٨٨ ، ٤٦١ ، ٤٩٢) والبخارى فى الأدب المفرد (٢١٨) ، وأبو داود (٢ / ٦٧١) ، كتاب الأدب ، باب فى شكر المعروف (٤٨١١) ، والترمذى (٣ / ١٩٥٤) ، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء فى الشكر لمن أحسن إليك (١٩٥٤) عن أبى هريرة.

٣٥٩

وقد يتوجه اسم الرب إلى المالك ؛ إذ كل من ينسب إليه الملك يسمّى أنه مالكه ، ولا يسمّى أنه سيد إلا فى بنى آدم خاصة.

واسم الرب يجمع ذلك كلّه ؛ لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب ، وإن احتمل المروى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ إذ هو فى الحقيقة سيّد من ذكر وربّهم. والله الموفق.

ثم اختلف أهل التفسير فى العالمين :

فمنهم من رد إلى كل ذى روح دب على وجه الأرض.

ومنهم من رد إلى كل ذى روح فى الأرض وغيرها.

ومنهم من قال : لله كذا ، كذا عالم.

والتأويل عندنا ما أجمع عليه أهل الكلام : أن العالمين : اسم لجميع الأنام والخلق جميعا. وقول أهل التفسير يرجع إلى مثله ، إلا أنهم ذكروا أسماء الأعلام ، وأهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرهم.

ثم العالم اسم للجميع ، وكذلك الخلق ، ثم تعريف ذلك بالعالمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع ، من غير أن يكون فى التحقيق تفاوت ، وقد يتوجه إلى عالم كل زمان وكذا خلق كل زمان على حكم تجدد العالم. وبالله التوفيق.

وفى ذلك أن الله ـ عزوجل ـ ادعى لنفسه : رب العالمين كلهم ، من تقدم وتأخر ، ومن كان ويكون ، ولم يقدر أحد أن ينطق بالتكذيب ، يدّعى شيئا من ذلك لنفسه ؛ فدل ذلك على أن لا رب غيره ، ولا خالق لشىء من ذلك سواه ؛ إذ لا يجوز أن يكون حكيم أو إله ينشئ ويبدع ولا يدعيه ، ولا يفصل ما كان منه ما كان لغيره ، وبنفسه قام ذلك لا بغيره ؛ وعلى ذلك معنى قوله تعالى : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١] فهذا ـ مع ما فى اتّساق التدبير ، واجتماع التضاد ، وتعلق حوائج بعض ببعض ، وقيام منافع بعض ببعض ، على تباعد بعض من بعض وتضادها ـ دليل واضح على أن مدبر ذلك كله واحد ، وأنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مدبّر عليم. والله المستعان.

وقوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

اسمان مأخوذان من الرحمة ، لكنه روى فيهما : رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر ، وكأن الذى روى عنه هذا أراد به لطيفان أحدهما ألطف من الآخر ، دليل ذلك وجهان :

أحدهما : مجىء الأثر فى ذلك ـ اللطيف ـ فى أسماء الله تعالى مع ما نطق به

٣٦٠