تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

يقولون ، مما هو داخل تحت حدود النهي من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ب ـ جمع القراءات

جمع أصحاب هذه المدرسة القراءات الثابتة ، وكان أكثر تلاميذ ابن عباس حرصا على ذلك ، هو سعيد بن جبير ، فقد كان سعيد بن جبير يؤم الناس في شهر رمضان ، فروي عنه أنه كان «يقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود ، وليلة بقراءة زيد بن ثابت ، وليلة بقراءة غيره ، وهكذا أبدا» (١).

وما من شك في أن جمع القراءات يمنح القدرة على التوسع في معرفة معاني القرآن وأسراره.

ج ـ التفسير بالرأي :

قلنا : إن هذه المدرسة قامت على الرواية ؛ وذلك لأن أصحابها تحرجوا من التفسير بالرأي ، فقد روى ابن خلكان عن سعيد بن جبير أنه كان يتورع من القول في التفسير برأيه ، فقد جاء رجل وسأل سعيدا أن يكتب له تفسير القرآن ، فقال : لأن يسقط شقي أحب إلى من ذلك.

لكن لم يكن كل أصحاب المدرسة على درجة واحدة في هذا التحرج ، فمنهم من زاد تحرجه كسعيد بن جبير ـ كما رأينا ـ ومنهم من خف تحرجه كمجاهد بن جبر ، فكان من أكثر تلاميذ المدرسة المكية تحررا ، لكنه التحرر المنضبط ؛ لذلك نجده يقول : «ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في شيء من كتاب الله ، إذا لم يكن عالما بلغات القرآن ، ولا يكتفي باليسير منها ؛ إذ اللفظ ربما كان مشتركا فيغفل عن أحد المعنيين» (٢).

ويقف في درجة وسطى بين شدة التحرج وخفته عكرمة ، فمن يتتبع تفسيره في بطون كتب التفسير يجد فيه خصائص تفسير أستاذه ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الذي تعلوه المسحة اللغوية والرجوع إلى الشعر ، وهو يمثل لونا من التفسير بالرأي.

ومن ثم يمكن القول دونما وجل : إن المدرسة المكية في التفسير تقوم على الرواية «أي التفسير بالمأثور» لكنها في الوقت نفسه لم تهمل التفسير بالرأي ، يدل على ذلك ما رواه الطبري في تفسيره عن مجاهد في تفسير قول الله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا

__________________

(١) وفيات الأعيان (١ / ١٠٧).

(٢) ينظر : البرهان في علوم القرآن للزركشي (١ / ٢٩٢) ، ودراسات في القرآن الكريم للدكتور السيد خليل (دار المعارف ، القاهرة ١٩٧٢ م) ص ١٣٧.

٢٤١

مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥] فقد فسر المسخ بأنه مسخ للقلوب ولم يقع على الأجسام ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا (١).

أعلام المدرسة المكية.

١ ـ سعيد بن جبير.

سعيد بن جبير الوالبي مولاهم الكوفي الفقيه أحد الأعلام ، روى عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن مغفل وعدي بن حاتم وخلق ، وروى عنه الحكم وسلمة بن كهيل وسليم الأحول ، وسليمان الأعمش وأيوب وعمرو بن دينار ، وخلائق ، وقال اللالكائي : ثقة إمام حجة ، قال عبد الملك بن أبي سليمان : كان يختم في كل ليلتين ، قال ميمون ابن مهران : مات سعيد وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه ، قتل سنة خمس وتسعين كهلا ، قتله الحجاج فما أمهل بعده ، قال خلف بن خليفة عن أبيه : شهدت مقتل ابن جبير ، فلما بان الرأس قال : لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، فلما قالها الثالثة لم يتمها رضي الله عنه.

مكانته في التفسير :

شهد التابعون لسعيد بن جبير بتفوقه في العلم ولا سيما التفسير ، فقد قال عنه الإمام أحمد : «قتل الحجاج سعيد بن جبير ، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه فرضي الله عنه» (٢).

وقال عنه سفيان الثوري : «خذوا التفسير عن أربعة : سعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، وعكرمة ، والضحاك».

وقال قتادة : «كان أعلم الناس أربعة : كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير ، وكان عكرمة أعلمهم بالسير ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام».

ولعلم سعيد وفضله كان يثق فيه أستاذه ابن عباس ، ويحيل عليه من يستفتيه ، وكان يقول لأهل الكوفة إذا أتوه ليسألوه عن شيء : أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعني سعيد بن جبير ويروي عمرو بن ميمون عن أبيه أنه قال : لقد مات سعيد بن جبير ، وما على ظهر

__________________

(١) ينظر : تفسير الطبري (١ / ٢٣٥) ، وتفسير ابن كثير (مكتبة دار التراث) (١ / ١٠٥).

(٢) ينظر : الإسرائيليات والموضوعات لمحمد أبي شهبة ص (١٩٥).

٢٤٢

الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

ويرى بعض العلماء أنه مقدم على مجاهد وطاوس في العلم ، وكان قتادة يرى أنه أعلم التابعين بالتفسير.

هذا وقد وثق علماء الجرح والتعديل سعيد بن جبير ، فقال أبو القاسم الطبري : هو ثقة ، حجة ، إمام على المسلمين ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان عبدا فاضلا ورعا ، وهو مجمع عليه من أصحاب الكتب الستة (١).

٢ ـ مجاهد بن جبر :

مجاهد بن جبر ـ بإسكان الموحدة ـ مولى السائب بن أبي السائب أبو الحجاج المكي المقرئ الإمام المفسر ، روى عن ابن عباس وقرأ عليه ، وعن أم سلمة وأبي هريرة وجابر ، وروى عنه عكرمة وعطاء وقتادة والحكم بن عتيبة وأيوب وخلق.

وثقه ابن معين وأبو زرعة.

قال ابن حبان : مات سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد ، ومولده سنة إحدى وعشرين.

مكانته في التفسير :

مجاهد أحد المبرزين في التفسير ؛ قال الفضل بن ميمون : سمعت مجاهدا يقول : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين عرضة ، وعنه ـ أيضا ـ قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية منه ، وأسأله عنها فيم نزلت؟ وكيف كانت؟

وروى ابن جرير بسنده عن ابن أبي مليكة ، قال : «رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه ، فيقول ابن عباس : اكتب ، حتى سأله عن التفسير كله».

ولذا قال الإمام سفيان الثوري : «إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك» ، وقال ابن تيمية : «ولذا يعتمد على تفسيره الشافعي ، والبخاري وغيرهما من أهل العلم».

وقال السيوطي في الإتقان : «وغالب ما أورده الفريابي في تفسيره عنه ، وما أورده فيه عن ابن عباس أو غيره قليل جدّا».

فكل هذه الأقوال تشهد لمجاهد بعلو المكانة في التفسير والعلم ، ومع هذا فقد تحرج بعض العلماء من الأخذ عنه في التفسير ، ولعل الذي دفعهم إلى ذلك أمران :

__________________

(١) التفسير والمفسرون (١ / ١٠٥).

٢٤٣

الأول : أنه كان يسأل أهل الكتاب ، كما سبقت الإشارة إلى أن ابن سعد عزا عدم سؤالهم له في التفسير إلى ذلك ، فقال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.

والثاني : مسلك التحرر الذي سلكه وتفسيره القرآن بالرأي ، فلعل مثل هذا المسلك من مجاهد ، هو الذي جعل بعض المتورعين الذين كانوا يتحرجون من القول في القرآن برأيهم يتقون تفسيره ، ويلومونه على قوله في القرآن بمثل هذه الحرية الواسعة في الرأي ، فقد روي عن ابن مجاهد أنه قال : قال رجل لأبي : أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال : إني إذن لجريء ، لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم (١).

وليس معنى هذا أن في مجاهد مطعنا ، كلا ، فهو ثقة بلا مدافعة ، وإن صح أنه كان يسأل أهل الكتاب فما أظن أنه تخطى حدود ما يجوز له من ذلك ، لا سيما وهو تلميذ حبر الأمة ابن عباس ، الذي شدد النكير على من يأخذ عن أهل الكتاب ويصدقهم فيما يقولونه مما يدخل تحت حدود النهي الوارد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وعليه ، فتبقى لمجاهد إمامته في التفسير التي لا يمكن أن يدفعها عنه دافع ، فليس أخذه عن أهل الكتاب أو حريته في تفسير آيات القرآن يغضان من قيمته ومكانته أو يقللان من تفوقه في العلم والتفسير.

٣ ـ عكرمة

عكرمة البربري مولى ابن عباس أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام ، روى عن مولاه ، وعائشة وأبي هريرة ، وأبي قتادة ومعاوية وخلق ، وروى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي ، وأبو الشعثاء من أقرانه وعمرو بن دينار وقتادة وأيوب وخلق.

قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة رموه بغير نوع من البدعة ، قال العجلي : ثقة بريء مما يرميه الناس به ، ووثقه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي ، ومن القدماء أيوب السختياني.

قال مصعب : مات سنة خمس ومائة.

مكانته في التفسير :

قال المروزي : قلت لأحمد : يحتج بحديث عكرمة؟ فقال : نعم يحتج به.

__________________

(١) د / الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٠٨ ، ١٠٩).

(٢) السابق (١ / ١٠٧).

٢٤٤

وقال ابن معين : إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة ، وفي حماد بن سلمة ، فاتهمه على الإسلام.

وقال العجلي فيه : مكي تابعي ثقة ، بريء مما يرميه به الناس من الحرورية.

وقال البخاري : ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة.

وقد وثقه النسائي وأخرج له في كتابه السنن ، كما أخرج له البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وغيرهم ، وكان مسلم بن الحجاج من أسوئهم رأيا فيه ، ثم عدله بعد ما جرحه.

وقال المروزي : أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة ، واتفق على ذلك رؤساء أهل الحديث من أهل عصرنا ، منهم أحمد بن حنبل ، وابن راهويه ، ويحيى بن معين ، وأبو ثور ، ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال : عكرمة عندنا إمام الدنيا!!! تعجب من سؤالي إياه.

فإن عكرمة ـ رضي الله عنه ـ كان على مبلغ عظيم من العلم ، وعلى مكانة عالية من التفسير خاصة ، وقد شهد له العلماء بذلك ، فقال ابن حبان : كان من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، وقال عمرو بن دينار : دفع إليّ جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة وجعل يقول : هذا عكرمة مولى ابن عباس ، هذا البحر فسلوه.

وكان الشعبي يقول : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.

وقال حبيب بن أبي ثابت : اجتمع عندي خمسة : طاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير ؛ فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما ، فلما نفد ما عندهما جعل يقول : أنزلت آية كذا في كذا ، وأنزلت آية كذا في كذا.

وقال يحيى بن أيوب المصري : سألني ابن جريج : هل كتبتم عن عكرمة؟ فقلت : لا ، قال : فاتكم ثلثا العلم (١).

وروى البخاري في صحيحه عن عكرمة أن ابن عباس قال له : «حدث الناس كل جمعة مرة ، فإن أبيت فمرتين ، فإن أكثرت فثلاث مرات ، ولا تمل الناس هذا القرآن ، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم ، فتقص عليهم ، فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ، ولكن أنصت ، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه ، وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فإني

__________________

(١) ينظر : التفسير والمفسرون (١ / ١١٢ ، ١١٣).

٢٤٥

عهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك» (١).

إن عكرمة حاز منزلة عظيمة في العلم ، فهو من أعلم الناس بالسير والمغازي ؛ قال سفيان الثوري عن عمرو قال : كنت إذا سمعت عكرمة يحدث عن المغازي كأنه مشرف عليهم ينظر كيف يصفون ويقتتلون.

وهو من علماء زمانه بالفقه والقرآن ، وشهد له الأئمة بذلك ، يقول الشعبي : «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة».

ومع كل هذا ، فإن هناك بعض العلماء وجهوا مطاعن إلى عكرمة ، فكانوا يصفونه بالجرأة على العلم ويقولون : إنه كان يدعي معرفة كل شيء في القرآن ، ويزيدون على ذلك فيتهمونه بالكذب على مولاه ابن عباس ، وبعد هذا كله ، يتهمونه بأنه كان يرى رأي الخوارج ، ويزعم أن مولاه كان كذلك ، وقد نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب كل هذه التهم ونسبها لقائليها ، فمن ذلك : ما رواه شعبة عن عمرو بن مرة قال : سأل رجل ابن المسيب عن آية من القرآن ، فقال : لا تسألني عن القرآن ، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني عكرمة وحكى إبراهيم بن ميسرة أن طاوسا قال : لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا.

وروى أبو خلف الجزار عن يحيى البكاء قال : سمعت ابن عمر يقول لنافع : اتق الله ، ويحك يا نافع ، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.

وروي أن سعيد بن المسيب قال مثل ذلك لمولاه.

وروى ابن سعد : أن على بن عبد الله كان يوثقه على باب الكنيف ويقول : إن هذا يكذب على أبي.

ثم بعد ذلك كله يصورون للناس مبلغ كراهة معاصريه له فيقولون :

إنه مات هو وكثير عزة في يوم واحد ، فلم يشهد جنازته أحد ، أما كثير فقد شيعه خلق كثير (٢).

وهذه التهم فيها كثير من المبالغة ، حتى إن عكرمة نفسه كانت تصله فيتألم ، فقد روى حماد بن زيد عن أيوب أنه قال : قال عكرمة : رأيت هؤلاء الذين يكذبونني ، يكذبونني من خلفي ، أفلا يكذبونني في وجهي؟ فإذا كذبوني في وجهي فقد والله كذبوني. ثم نراه

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٤٢٤) كتاب الدعوات باب ما يكره من السجع (٦٣٣٧).

(٢) التفسير والمفسرون (١ / ١٠٩ ، ١١٠).

٢٤٦

يستشهد ببعض أصحابه على صدقه فيما يروي عن مولاه ، فعن عثمان بن حكيم قال : كنت جالسا مع أبي أمامة سهل بن حنيف ، إذ جاء عكرمة فقال : يا أبا أمامة ، أذكرك الله ، هل سمعت ابن عباس يقول : ما حدثكم عكرمة عني فصدقوه فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أمامة : نعم.

هذا هو رد عكرمة على متهميه بالكذب ، وتفنيده لما نسب إليه من الافتراء على مولاه (١).

ثم إن كثيرا من التهم ردها علماء موثوق بهم كابن حجر ، وشهد له بعضهم وأنصفوه.

٤ ـ طاوس بن كيسان اليماني

طاوس بن كيسان اليماني الجندي ـ بفتح الجيم والنون ـ الإمام العلم ، قيل : اسمه ذكوان ؛ قاله ابن الجوزي ، روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت ، وزيد ابن أرقم ، وجابر ، وابن عمرو ، وأرسل عن معاذ.

قال طاوس : أدركت خمسين من الصحابة.

وروى عنه مجاهد ، وعمرو بن شعيب ، وحبيب بن أبي ثابت ، والزهري ، وأبو الزبير ، وعمرو بن دينار ، وسليمان الأحول وخلق.

قال ابن عباس : إني لأظن طاوسا من أهل الجنة.

وقال عمرو بن دينار : ما رأيت مثله.

وقال ابن حبان : حج أربعين حجة ، وكان مستجاب الدعوة.

قال ابن القطان : مات سنة ست ومائة ، وقال بعضهم : يوم التروية ، وصلى عليه هشام ابن عبد الملك ووثقه ابن معين وغيره.

مكانته في التفسير :

بلغ طاوس من العلم مبلغا عظيما ، وكان واثقا من علمه هذا ، وكان من الورع والأمانة حتى شهد له بذلك أستاذه ابن عباس فقال فيه ما أشرنا إليه منذ قليل : إني لأظن طاوسا من أهل الجنة ، وقال فيه عمرو بن دينار : ما رأيت أحدا مثل طاوس ، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة ، وقال ابن معين : إنه ثقة.

وقد أدرك طاوس جماعة من الصحابة وروى عنهم ، وروايته عن ابن عباس أكثر وأخذ

__________________

(١) السابق (١ / ١١٠ ، ١١١).

٢٤٧

عنه التفسير أكثر من غيره ؛ ولهذا عد من تلاميذه ، وجاء ذكره في مدرسة مكة.

والتفسير المأثور عنه قليل جدّا ، ومعظمه يرويه عن ابن عباس ، ولقلة التفسير المأثور عنه وطول باعه في الفقه ، قالوا عنه : إنه فقيه لا مفسر ، وعده علماء الفقه فقيها (١).

٥ ـ عطاء بن أبي رباح :

عطاء بن أبي رباح القرشي ، مولاهم أبو محمد الجندي اليماني ، نزيل مكة وأحد الفقهاء والأئمة ، روى عن عثمان وعتاب بن أسيد مرسلا ، وعن أسامة بن زيد ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، وعروة بن الزبير ، وطائفة ، وروى عنه أيوب وحبيب بن أبي ثابت ، وجعفر بن محمد ، وجرير بن حازم ، وابن جريج ، وخلق.

قال ابن سعد : كان ثقة عالما كثير الحديث ، انتهت إليه الفتوى بمكة.

وقال أبو حنيفة : ما لقيت أفضل من عطاء.

وقال ابن عباس ـ وقد سئل عن شيء ـ : يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء.

وقيل : إنه حج أكثر من سبعين حجة.

قال حماد بن سلمة : حججت سنة مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة.

مكانته في التفسير :

لم يكن عطاء مكثرا من رواية التفسير عن ابن عباس ، كما كان مقلّا في التفسير بالرأى ، ويرجع ذلك إلى تحرجه من القول بالرأي.

يقول الدكتور الذهبي : وإذا نحن تتبعنا الرواة عن ابن عباس نجد أن عطاء بن أبي رباح لم يكثر من الرواية عنه كما أكثر غيره ، ونجد مجاهدا وسعيد بن جبير يسبقانه من ناحية العلم بتفسير كتاب الله ، ولكن هذا لا يقلل من قيمته بين علماء التفسير ، ولعل إقلاله في التفسير يرجع إلى تحرجه من القول بالرأي ، فقد قال عبد العزيز بن رفيع : سئل عطاء عن مسألة فقال : لا أدري ، فقيل له : ألا تقول فيها برأيك؟ قال : إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي (٢).

وبعد : فهذه هي مدرسة التفسير في مكة التي كان لها الأثر الكبير في نشأة علم التفسير

__________________

(١) ينظر : تهذيب الكمال (١٣ / ٣٥٧) ، وسير أعلام النبلاء (٥ / ٣٨) ، وتذكرة الحفاظ (١ / ٩٠) ، وشذرات الذهب (١ / ١٣٣).

(٢) التفسير والمفسرون (١ / ١١٥).

٢٤٨

وتطوره ونشره في داخل مكة وخارجها ، فقد كان لسعيد بن جبير رحلة إلى الري ، نشر فيها الكثير من العلم (١) ، وكذلك كان لمجاهد رحلات خارج مكة ، واستقر طاوس باليمن ينشر هناك علم ابن عباس وتفسيره ، وأما عكرمة فقد طاف البلاد الإسلامية شرقا وغربا ، حيث رحل إلى خراسان واليمن والعراق والشام ومصر والحرمين (٢).

ثانيا : المدرسة المدنية :

هذه المدرسة لم يكن لها إسهام وافر في مجال تفسير القرآن الكريم بالرأي ؛ إذ التزم أصحابها السماع والرواية في تفسيرهم ، ومن هنا لم تضف هذه المدرسة لونا عقليّا تتميز به كما أضافت مدرسة مكة التي تحدثنا عنها قبل قليل ، أو مدرسة العراق التي سنتحدث عنها فيما بعد ، بل بقيت ثقافتها معتمدة على الوحي : الكتاب والسنة ، والإلمام بمواضع نزول الوحي وأوقاته ، والإحاطة بأسباب النزول ، وأحوال الذين نزل القرآن فيهم (٣).

ولكن هذا لا ينفي ما قام به زيد بن أسلم في مجال التفسير بالرأي حتى قال عنه عبيد الله بن عمر : «لا أعلم به بأسا إلا أنه يفسر القرآن برأيه ويكثر منه» (٤).

وهذا الحكم لا يعد مغمزا في زيد وثقته وعدالته ، أو طعنا في دينه وعلمه ؛ فلم يوجد من العلماء من نسبه إلى أحد المذاهب المبتدعة ، ويدل على توثيقه وعدالته أنه جلس إليه علماء كثيرون منهم علي بن الحسين زين العابدين ، ولما سئل عن هذا قال : «إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه» (٥).

وأستاذ هذه المدرسة ومؤسسها الأول أبي بن كعب ، وعنه أخذ أعلام المدرسة المدنية من التابعين ، لكن لم يكن أخذهم عنه وحده ، بل أخذوا كذلك عن أبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب كذلك ، ولكن ليس بدرجة أخذهم عن أبي بن كعب.

وقد اشتهر من أعلام هذه المدرسة في التفسير ثلاثة أو أربعة ، وهم : زيد بن أسلم ، وأبو العالية ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن كعب القرظي ، وسنقوم بترجمة كل واحد منهم.

__________________

(١) ينظر : حبر الأمة عبد الله بن عباس ص ١٤٥.

(٢) ينظر : وفيات الأعيان (١ / ٣١٩) ، والبداية والنهاية (٩ / ٢٥٤) ، ومعجم الأدباء (١٢ / ١٨١).

(٣) ينظر : أبي بن كعب ـ الرجل والمصحف للشحات زغلول (الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٧٨ م) ص ٥٧ ، ٥٨.

(٤) تهذيب التهذيب (٣ / ٣٩٦) ، وميزان الاعتدال للذهبي (٢ / ٩٨).

(٥) تهذيب التهذيب (٣ / ١٩٧) ، والعبر في خبر من غبر للذهبي ، تحقيق : فؤاد سيد (الكويت ، ١٩٦١ م) (٦ / ١٨٣).

٢٤٩

أعلام المدرسة المدنية :

١ ـ زيد بن أسلم :

زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني أحد الأعلام ، روى عن أبيه ، وابن عمر ، وجابر ، وعائشة في «أبو داود» وأبي هريرة في الترمذي ، وقال ابن معين : لم يسمع منه ولا من جابر ، وروى عنه بنوه ، وداود بن قيس ، ومعمر ، وروح بن القاسم.

قال مالك : كان زيد يحدث من تلقاء نفسه ، فإذا قام فلا يجترئ عليه أحد ، وثقه أحمد ويعقوب بن شيبة ، مات سنة ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة.

٢ ـ أبو العالية :

رفيع ـ بضم أوله مصغرا ـ ابن مهران الرياحي ـ بكسر المهملة ـ مولاهم أبو العالية البصري مخضرم إمام من الأئمة ، صلى خلف عمر ، ودخل على أبي بكر ، روى عن أبي ، وعلي ، وحذيفة ، وخلق ، وروى عنه قتادة ، وثابت ، وداود بن أبي هند بصريون ، وخلق.

قال عاصم الأحول : كان إذا اجتمع عليه أكثر من أربعة قام وتركهم.

قال مغيرة : أول من أذن بما وراء النهر أبو العالية.

قال أبو خلدة : مات سنة تسعين ، وهو الصحيح.

٣ ـ سعيد بن المسيب :

سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن مخزوم المخزومي أبو محمد المدني الأعور ، رأس علماء التابعين وفردهم وفاضلهم وفقيههم ، ولد سنة خمس عشرة ، روى عن عمر في الأربعة ، وأبي ، وأبي ذر ، وأبي بكرة في ابن ماجه ، وعلي ، وعثمان ، وسعد في البخاري ومسلم ، وطائفة ، وروى عنه الزهري وعمرو ابن دينار وقتادة وبكير بن الأشج ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلق.

قال قتادة : ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه.

وقال أحمد : مرسلات سعيد صحاح.

سمع من عمر ، وقال مالك : لم يسمع منه ، ولكنه أكب على المسألة في شأنه وأمره حتى كأنه رآه.

وقال أبو حاتم : هو أثبت التابعين في أبي هريرة.

قال أبو نعيم : مات سنة ثلاث وتسعين ، وقال الواقدي : سنة أربع.

٢٥٠

٤ ـ محمد بن كعب القرظي :

محمد بن كعب القرظي المدني ثم الكوفي أحد العلماء ، روى عن أبي الدرداء مرسلا ، وعن فضالة بن عبيد ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وروى عنه ابن المنكدر ، ويزيد بن الهاد ، والحكم بن عتيبة.

قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي.

وقال ابن سعد : كان ثقة ورعا كثير الحديث.

قيل : مات سنة تسع عشرة ومائة ، وقيل : سنة عشرين.

ثالثا : المدرسة العراقية :

من المدارس التي أصبحت لها قيمتها العلمية مدرسة العراق ، وكان تلاميذ هذه المدرسة منهم من كان ببغداد ، ومنهم من كان بالكوفة ، ومنهم من كان بالبصرة ، وأستاذ هذه المدرسة الأكبر هو : عبد الله بن مسعود ، حيث ولى سيدنا عمر عمار بن ياسر على الكوفة وسير معه عبد الله بن مسعود معلما ، ووزيرا ، وقد شرب من علمه أهل العراق عللا بعد نهل ، وأصبحوا متأثرين بطريقته في الاجتهاد في الفقه ، والأحكام ، والتفسير ، وهي حرية الرأي في الاجتهاد ، وحسن التصرف في النصوص ، وعدم الجمود عليها (١).

وقد روي عن مسروق أنه قال : وجدت علم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتهى إلى ستة : عمر ، وعلي ، وأبي ، وزيد ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن مسعود ، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين : علي ، وعبد الله ؛ يعني ابن مسعود.

وفي رواية أخرى : ذكر أبا موسى بدل أبي الدرداء (٢).

وأهم سمة تميز مدرسة العراق شيوع طريقة الاستدلال فيها ؛ لأن أهل العراق عرفوا بأنهم أهل رأي ، وقد وضع حجر الأساس لهذه الطريقة عبد الله بن مسعود (٣).

فالحسن البصري مثلا يعمل فكره ورأيه في فهم القرآن ، فيقول في تفسير قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) [النبأ : ٢٣] : «إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، فو الله ما هو إلا أنه : إن انقضى حقب دخل آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة

__________________

(١) الإسرائيليات والموضوعات ص ٩٨.

(٢) ينظر : السابق (ص ٩٩).

(٣) التفسير والمفسرون (١ / ١٢٠).

٢٥١

إلا الخلود ، وهو في هذا التفسير يهتدي بابن مسعود ؛ إذ يروى عنه أنه قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصا الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصا الدنيا لحزنوا» (١).

وليس معنى هذا أن تلاميذ هذه المدرسة أهملوا الرواية ، فقتادة نفسه روى عن السلف إلى جانب تفسيره بالرأي ، فهو يفسر الحكمة في قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦٩] بأنها علم القرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه وأمثاله (٢).

أعلام المدرسة العراقية :

١ ـ علقمة بن قيس :

علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عوف بن النخع النخعي أبو شبل الكوفي ، أحد الأعلام مخضرم ، روى عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وطائفة ، وروى عنه إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وسلمة ابن كهيل ، وخلق.

وقال ابن المديني : أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود.

قال ابن سعد : مات سنة اثنتين وستين ، وقال أبو نعيم : سنة إحدى وستين ، قيل : عن تسعين سنة.

٢ ـ مسروق

مسروق بن الأجدع الهمداني أبو عائشة الكوفي الإمام القدوة ، روى عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، ومعاذ ، وطائفة. وروى عنه زوجته قمير ، وأبو وائل ، والشعبي ، وخلق ، وأرسل عنه مكحول.

قال أبو إسحاق : حج مسروق فما نام إلا ساجدا على وجهه.

وقال ابن المديني : صلى خلف أبي بكر.

وقال ابن معين : ثقة لا يسأل عن مثله.

وقال ابن سعد : توفي سنة ثلاث وستين.

__________________

(١) البغوي : معالم التنزيل (طبعة المنار) (٢ / ٤٤ ، ٤٥).

(٢) السابق ، الصفحة نفسها.

٢٥٢

٣ ـ عامر الشعبي

عامر بن شراحيل الحميري الشعبي أبو عمرو الكوفي ، الإمام العلم ، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر ، روى عنه وعن علي ، وابن مسعود ، ولم يسمع منهم ، وعن أبي هريرة ، وعائشة ، وجرير ، وابن عباس وخلق.

قال : أدركت خمسمائة من الصحابة.

وروى عنه ابن سيرين ، والأعمش ، وشعبة ، وجابر الجعفي ، وخلق.

قال أبو مجلز : ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي.

وقال العجلي : مرسل الشعبي صحيح.

وقال ابن عيينة : كانت الناس تقول : ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه.

وقال يحيى بن بكير : توفي سنة ثلاث ومائة.

٤ ـ الحسن البصري

الحسن بن أبي الحسن البصري مولى أم سلمة والربيع بنت النضر أو زيد بن ثابت ، أبو سعيد الإمام ، أحد أئمة الهدى والسنة ، رمي بالقدر ، ولا يصح ، روى عن جندب ابن عبد الله ، وأنس ، وعبد الرحمن بن سمرة ، ومعقل بن يسار ، وأبي بكرة ، وسمرة.

قال سعيد : لم يسمع منه وأرسل عن خلق من الصحابة ، وروى عنه أيوب ، وحميد ، ويونس ، وقتادة ، ومطر الوراق ، وخلائق.

قال ابن سعد : كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما ، ما أرسله فليس بحجة ، وكان الحسن شجاعا من أشجع أهل زمانه ، وكان عرض زنده شبر.

قال ابن علية : مات سنة عشر ومائة ، قيل : ولد سنة إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

قال أبو زرعة : كل شيء قال الحسن : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» وجدت له أصلا مليّا خلاف أربعة أحاديث.

٥ ـ قتادة

قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري الأكمه ، أحد الأئمة الأعلام ، حافظ مدلس ، روى عن أنس ، وابن المسيب ، وابن سيرين ، وخلق ، وروى عنه أيوب ،

٢٥٣

وحميد ، وحسين المعلم ، والأوزاعي ، وشعبة ، وعلقمة ، قال ابن المسيب : ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة.

وقال ابن سيرين : قتادة أحفظ الناس.

وقال ابن مهدي : قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد.

قال حماد بن زيد : توفي سنة سبع عشر ومائة ، وقد احتج به أرباب الصحاح.

٦ ـ الأسود بن يزيد

الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن الكوفي ، مخضرم فقيه ، روى عن ابن مسعود ، وعائشة ، وأبي موسى ، وطائفة. وروى عنه إبراهيم النخعي ، وابنه عبد الرحمن ، وأبو إسحاق ، وعمارة بن عمير ، وطائفة.

وثقه ابن معين والناس ، قال إبراهيم : كان يختم في كل ليلتين ، وروي أنه حج ثمانين حجة. توفي سنة أربع أو خمس وسبعين.

٧ ـ مرة الهمداني

مرة بن شراحيل الهمداني ، أبو إسماعيل الكوفي العابد ، مرة الطيب ، ومرة الخير ، روى عن أبي بكر وعمر وجماعة. وروى عنه الشعبي ، وطلحة بن مصرف ، وطائفة.

وثقة ابن معين ، وقال الحارث الغنوي : سجد حتى أكل التراب جبهته.

قال ابن سعد : توفي بعد الجماجم.

وقيل : سنة ست وسبعين.

ومن خلال دراسة المدارس الثلاثة الرئيسية يمكننا القول بأنها تقوم في مجملها على الرواية ، وأن التفسير بالرأي لم يكن سائدا في هذه المرحلة المبكرة ، غير أن الذين جاءوا من بعد توسعوا في التفسير بالرأي ؛ بناء على البذور التي بذرها أعلام هذه المدارس من التفسير بالرأي ، وبخاصة مدرسة العراق التي كانت أوسع المدارس التفسيرية اتجاها إلى الرأي واستخدام العقل في التفسير.

ولقد كان لهذه المدارس دور مؤثر في نشأة التفسير وتطويره ونشره ، مما كان له أبعد الأثر على هذا العلم في العصور التالية ، وما زلنا حتى اليوم نغترف من فيض أعلام هذه المدارس.

٢٥٤

الفصل الثالث

المناهج التفسيرية بين القديم والحديث

لقد أجمع علماء التفسير منذ القديم ـ فيما نقله الزركشي ـ على شروط كثيرة لا بد من مراعاتها عند تفسير القرآن الكريم أجملوها في أربعة شروط هي :

أولا : الأخذ بما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أحاديث في التفسير.

ثانيا : الأخذ بقول الصحابي ، وخاصة فيما لا مجال للاجتهاد فيه : كالأمور الغيبية ، والناسخ والمنسوخ.

ثالثا : الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى غير معناها الحقيقي ، أو إلى غير مرادها.

رابعا : الأخذ بما يقتضيه الكلام ويدل عليه قانون الشرع (١).

واستمر العمل بهذا المنهج كحد يعرف به الرأي الممدوح من الرأي المذموم إلى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث سادت العالم مناهج جديدة ، ومع مرور الزمن وتغلغل هذه المناهج وتمكنها من عقول بعض المفكرين داخل العالم الإسلامي ـ ظهرت مدرسة فكرية حديثة تدعو إلى تجديد فهم القرآن فهما عصريّا ، متبنية في ذلك ما توصل إليه العقل البشري من مناهج وعلوم ـ وخاصة الغربية ـ على رأسها علم الألسنية الحديثة وغيره. وكان من أهم آراء المدرسة الفكرية الحديثة الدعوة صراحة إلى تجاوز كل الأدوات المنهجية التراثية ؛ لأنها ـ حسب رأيها ـ تمثل فترة زمنية معينة ، ثم تبنيها الأدوات المنهجية المعاصرة ، مثل المنهج التاريخي ، والمنهج البنيوي ، والمنهج الجدلي وغيرها (٢).

وفي هذا الفصل محاولة لدراسة أهم مناهج التفسير في القديم والحديث ، وبيان أهم ما يميز هذه المناهج وما يعتورها من قصور ، وذلك على النحو التالي :

أولا : مناهج التفسير في القديم

بعد التابعين ، وقيام المدارس التفسيرية ، ظهرت مؤلفات في التفسير مستقلة ؛ حيث

__________________

(١) ينظر : الزركشي : البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٥٦ ـ ١٦١).

(٢) ينظر : الجيلاني بن التوهامي مفتاح : المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم ـ أبو القاسم حاج حمد نموذجا (بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر ، العدد ١٠١ ، السنة ٢٦ ، ربيع الثاني ١٤٢٢ ه‍ ـ يولية ٢٠٠١) ص (١٣ ، ١٤).

٢٥٥

كان التفسير من قبل جزءا من الحديث ، وكان التفسير يقوم على الأسانيد ، فجاء مفسرون كثيرون في حوالي القرن الخامس الهجري فاختصروا الأسانيد ، ونقلوا الأقوال من غير أن يعزوها إلى قائليها ، ومن ثم كثر الدخيل في التفسير ، ثم إن التفسير غلب عليه التأويل والتفسير الاجتهادي لعلماء برعوا في بعض العلوم ، وبرزوا فيها ، ومنهم من هم من أهل السنة والجماعة ، ومنهم من هم من أهل الزيغ والابتداع ، فصار كل واحد منهم يميل بالتفسير إلى إبراز ما برع فيه ، فالنحوي ليس له هم إلا الإعراب وذكر الأوجه المحتملة في الآية ، والأخباري ليس له هم إلا ذكر القصص واستيفاؤها عمن مضى من الأنبياء والأمم والملوك ، وذكر ما يتعلق بالنقد والملاحم وأحوال الآخرة ، والفقيه يكاد يسرد فيه مسائل الفقه جميعها ، وكثيرا ما يستطرد إلى إقامة الأدلة ، وبيان منشأ الخلاف إلى غير ذلك مما لا تعلق له بالآية ، وصاحب العلوم العقلية قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبههم والرد عليها ، ويخرج من شيء إلى شيء ، ويستطرد ثم يستطرد حتى ينسى الإنسان أنه في كتاب تفسير ، ويخيل إليه أنه يقرأ كتابا من كتب الكلام ، وأصحاب المذاهب المبتدعة قد نحوا بالتفسير ناحية مذاهبهم كالشيعة والمعتزلة والباطنية والروافض وغيرهم (١).

ورغم هذا التعدد في الاتجاهات حول تفسير القرآن الكريم فإنه يمكننا أن نقول : إن مناهج التفسير القديمة تذهب في اتجاهات ثلاثة :

الاتجاه الأول : منهج تفسير القرآن الكريم بالمأثور.

والاتجاه الثاني : منهج تفسير القرآن الكريم بالرأي.

والاتجاه الثالث : التفسير الإرشادي وغرائب التفسير.

وفي الصفحات التالية نلقي الضوء على هذه المناهج ، ببيان أهم ما يميز كل منهج ومميزاته ، وأوجه القصور فيه.

١ ـ منهج تفسير القرآن الكريم بالمأثور

التفسير بالمأثور هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانا لمراد الله تعالى من كتابه ، فالتفسير بالمأثور إما أن يكون تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القرآن بالسنة النبوية ، أو تفسير القرآن بالمأثور عن الصحابة (٢) ، وبعضهم أدرج في التفسير بالمأثور

__________________

(١) ينظر : محمد بن محمد أبي شهبة : الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص (١٠٤ ـ ١١٠).

(٢) ينظر : الزرقاني ، مناهل العرفان في علوم القرآن ص ١٢ ، ومحمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن (٢ / ٦٣).

٢٥٦

أقوال التابعين (١).

يقول الدكتور الذهبي : وإنما أدرجنا في التفسير بالمأثور ما روي عن التابعين ـ وإن كان فيه خلاف : هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي ـ لأنا وجدنا كتب التفسير بالمأثور : كتفسير ابن جرير وغيره ، لم تقتصر على ذكر ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما روي عن أصحابه ، بل ضمت إلى ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير (٢).

وعلى هذا ، فمصادر التفسير بالمأثور أربعة : القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، وأقوال الصحابة ، وأقوال التابعين.

المصدر الأول : القرآن الكريم :

يطلب تفسير القرآن العظيم أول ما يطلب من القرآن نفسه فحيثما ظفرنا بطلبنا في ذلك من القرآن لم يجز أن نعدل عنه إلى غيره بوجه من الوجوه ؛ وذلك لأمور أربعة كلها من البدهيات المسلمة من كافة من يعتبرون من أهل الإيمان ، بل من العقلاء.

أحدها : أن صاحب البيت أدرى بالذي فيه ، وأن خير من يفسر القول بالتالي هو قائله بنفسه.

ثانيها : أن من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن هو المصدر الأول والدعامة الرئيسية التي يقوم عليها بنيان شريعة الإسلام ، بحيث لا يمكن أن يتم الإيمان بهذه الشريعة إلا بعد الأخذ بمحتوى هذا المصدر والإذعان لجميعه جملة وتفصيلا.

وثالثها : أن ذلك ولا ريب هو من جملة مقتضى الأوامر الإلهية الموجبة لطاعته تعالى فيما تنازعنا فيه فضلا عما اتفقنا عليه من أمثال قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩].

رابعها : كون القرآن كلام رب العالمين أفضل كل قول وأحسن كل حديث ؛ فلا يعدل عن الأفضل ما أمكن إلى المفضول ، وأنه معجزة بجملته وتفصيله بلفظه ومعناه ، بهدفه وغايته إلى غير ذلك من عظيم خصائصه وكريم فضائله ، فكيف يدعه العاقل إلى ما دونه في جميع ذلك؟!

لجميع هذه الأسباب وغيرها رأينا أهل الحق لا يطلبون تفسير القرآن من غيره ما

__________________

(١) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٥٤).

(٢) السابق : الصفحة نفسها.

٢٥٧

أتيحت لهم سبيل إلى نيل بغيتهم منه ، ومما لا ريب فيه أن الناظر في كتاب الله تعالى يجد فيه ألوانا شتى من تفسير بعضه لبعض ، فقد نرى ما أوجز منه في مكان قد بسط في مكان آخر كما ترى منه العام الذي جاء فيه تخصيصه ، والمطلق الذي وقع فيه تقييده ، والمجمل الذي حصل فيه بيانه ، والمبهم الذي ذكر فيه تفسيره (١).

هذا ، وقد ذكرنا في الفصل الأول من هذه الدراسة نماذج لتفسير القرآن بالقرآن ، وغيرها كثير يعلم بالتدبر في كتاب الله.

المصدر الثاني : السنة المطهرة :

سبقت الإشارة إلى أنه إن لم يتهيأ لنا الظفر بالبغية في القرآن اتجهنا مباشرة ـ كما فعل السلف ـ إلى السنة الصالحة للحجية ، أي : الثابتة بطريق صحيح أو حسن ، لا يقدم في ذلك غيرها عليها بحال من الأحوال ، انطلاقا من المسلمات الأربع التي سبق أن ذكرناها.

المصدر الثالث : أقوال الصحابة :

إن أعيانا البيان من القرآن الكريم وثابت السنة المطهرة تطلبناه في أقوال الصحابة عليهم الرضوان ، وقد أطلق الحاكم في المستدرك : أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي ، له حكم المرفوع ، فكأنه رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعزا هذا القول للشيخين حيث يقول في المستدرك : «ليعلم طالب الحديث أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل ـ عند الشيخين ـ حديث مسند».

ولكن قيد ابن الصلاح والنووي وغيرهما هذا الإطلاق بما يرجع إلى أسباب النزول ، وما لا مجال للرأي فيه ، قال ابن الصلاح في مقدمته : «ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي ، أو نحو ذلك مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا مدخل للرأي فيه ؛ كقول جابر ـ رضي الله عنه ـ : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول ، فأنزل الله عزوجل : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ...)(٢) [البقرة : ٢٢٣] الآية ، فأما سائر تفاسير الصحابة التي

__________________

(١) ينظر : د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : الدخيل في التفسير ، الجزء الأول (مطبعة دار البيان بمصر ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م) (ص ٢٣ ، ٢٤).

(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٤٦) كتاب التفسير باب (نساؤكم حرث لكم ..) (٤٥٢٨) ، ومسلم (٢ / ١٠٥٨) كتاب النكاح باب جواز جماع امرأته في قبلها (١١٧ / ١٤٣٥) ، والحميدي (١٢٦٣) والترمذي (٥ / ٨٦) كتاب التفسير باب (ومن سورة البقرة) (٢٩٧٨) ، وأبو داود (١ / ٦٥٦) كتاب النكاح باب في جامع النكاح (٢١٦٣) ، وابن ماجه (٣ / ٣٥٩) كتاب النكاح باب النهي عن إتيان ـ

٢٥٨

لا تشتمل على إضافة شيء إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمعدودة في الموقوفات» (١).

والحق أن قول الصحابي يكون في حكم المرفوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كان قوله فيما لا مجال للرأي فيه ، ولم يكن قائله معروفا بالأخذ عن بني إسرائيل ، أو كان ولكن مرويه مما لا صلة له بما لدى بني إسرائيل ، فالواجب أن نأخذ بهذا القول أخذنا بالمرفوع بلا أدنى فرق ؛ انطلاقا في ذلك من عين المسلمات الأربع التي ينطلق أهل الحق في أخذهم بالمرفوع منها.

فإن لم يتوفر الثابت من مأثور الصحابة بأن اختل فيه الشرطان الآنفان أحدهما أو كلاهما ، لم يخل أمر ذلك المأثور عندهم من إحدى أحوال أربع :

أولاها : أن يعرف كونه محلّا لإجماع الصحابة وأنه لم يشذ عن القول به أحد منهم.

الثانية : أن يعرف كونه مجالا لاختلافهم اختلافا تضل معه الفكرة ، ولا يهتدى فيه إلى الصواب في غالب الظن.

الثالثة : أن يكون كسابقه ولكن مع تبين وجه الصواب منه وترجحه في غالب الظن.

الرابعة : ألا يعرف فيه إجماع منهم ولا اختلاف ، وإنما غاية الأمر فيه أنه أثر عن الواحد أو الاثنين مثلا دون أن يبلغنا عن أحد من الصحابة ما يخالفه أو ما يوافقه.

فإن كانت الحال الأولى فيما ثبت من مأثور الصحابة ، وجب عند القوم الأخذ بمقتضاه كسوابقه من الكتاب والسنة المرفوعة وما له حكم المرفوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أقوالهم في تفسير القرآن المجيد ؛ لأجل الإجماع ؛ انطلاقا في ذلك من مسألتين اثنتين :

أولاهما : ما اشتهر واستفيض عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عصمة أمته ـ أي : في كل عصر من عصورها ـ من أن تجتمع على خطأ أو ضلالة.

الثانية : أن الإجماع كما هو معلوم لا بد أن يكون له مستند من الكتاب أو السنة الصالحة للحجية ، فالأخذ بالمجمع عليه إذن هو أخذ في ذات الوقت بمستند الإجماع ، وانطلاقا من عين المسلمات المناسبة له ، أعني : أنه إن كان مستند إجماع الصحابة هو الكتاب ، فالأخذ بمقتضى إجماعهم حينئذ فوق كونه انطلاقا من المسلمة السابقة هو في ذات الوقت

__________________

ـ النساء في أدبارهن (١٩٢٥) ، وأبو يعلى (٢٠٢٤) ، والطحاوي في شرح المعاني (٣ / ٤٠ ، ٤١) وفي شرح المشكل (٦١١٩) ، وابن حبان (٤١٦٦) و (٤١٩٧) ، والطبراني في الأوسط (٥٧٥) و (٨٠٣١) ، وأبو نعيم في الحلية (٣ / ١٥٤) ، والبيهقي (٧ / ١٩٤ ، ١٩٥).

(١) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٩٤).

٢٥٩

أخذ كذلك بمقتضى الكتاب وانطلاق من عين المسلمات التي أسلفنا لك عند القول فيه ، وهكذا فقل في السنة على ما هو في غاية الظهور ، فهذه هي الحال الأولى لما ليس له حكم المرفوع من مأثور الصحابة ، عليهم الرضوان.

وأما الحال الثانية لذلك وهي : أن يقع منهم الاختلاف فيه على وجه لا يتبين معه الصواب في قوله هذا أو ذاك ، فإن أهل السنة لا يلتفتون إلى مأثور الصحابة في مثل هذه الحال ؛ لعدم الجدوى بالكلية فيما لا يتبين وجه الصواب فيه كما هو جلي.

وأما الحالان الباقيان لذلك بألا يصل اختلافهم فيه إلى خفاء وجه الصواب منه ، أو يثبت عن أحدهم الأثر دون أن يعرف إجماع منهم عليه ولا اختلاف فيه ـ فإنه يترجح عند أهل السنة في هاتين الحالين الأخذ بمقتضى مأثور الصحابة في تفسيرهم ؛ انطلاقا منهم في ذلك ـ أيضا ـ من مسلمات ثلاث :

إحداها : أن هؤلاء الصحابة ينبغي أن يكونوا خير الناس معرفة بهذا التنزيل المجيد من جهة أن أكثرهم عرب خلص ؛ فينبغي التحاكم إليهم فيما هو بلسانهم عربي مبين غير ذي عوج.

الثانية : أن أكثرهم كذلك حضروا الوحي ، وشهدوا وقائع التنزيل فينبغي أن ينتهي الأمر إليهم فيما يمكن أن يكونوا قد حضروه ، وشهدوا وقائعه.

الثالثة : أن لهم فوق هذا كله من الفهم التام والعلم الصحيح ما ليس لسواهم ، فهم أحق إذن أن يؤخذ بفهمهم وعلمهم (١).

ومن هذا يتبين :

أولا : تفسير الصحابي له حكم المرفوع ، إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول ، وكل ما ليس للرأي فيه مجال ، أما ما يكون للرأي فيه مجال ، فهو موقوف عليه ما دام لم يسنده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثانيا : ما حكم عليه بأنه من قبيل المرفوع لا يجوز رده اتفاقا ، بل يأخذه المفسر ولا يعدل عنه إلى غيره بأية حال.

ثالثا : ما حكم عليه بالوقف ، تختلف فيه أنظار العلماء :

فذهب فريق : إلى أن الموقوف على الصحابي من التفسير لا يجب الأخذ به ؛ لأنه لما

__________________

(١) د. إبراهيم عبد الرحمن خليفة : الدخيل في التفسير ص ٢٧ ـ ٣٠.

٢٦٠