تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

والغرض من هذا البيان التأكيدي هو ترسيخ مفهوم النص القرآني وحكمه في قلب السامع.

ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما ، واللفظ للبخاري عن عائشة قالت : «تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) [آل عمران : ٧] قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» (١).

__________________

ـ وضعفه ابن معين ، وفيه علي بن زيد ، وفيه كلام. أ. ه.

لكن للحديث شواهد كثيرة يرتقى بها الحديث إلى الصحة منها : عن أبي حميد الساعدي ؛ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه».

أخرجه أحمد (٥ / ٤٢٥) ، والبزار (٢ / ١٣٤ ـ كشف) رقم ١٣٧٣٠) ، وابن حبان (١١٦٦ ـ موارد) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ٢٤١) وفي مشكل الآثار (٤ / ٤١ ـ ٤٢) ، والبيهقي (٦ / ١٠٠) كتاب : الغصب ، باب : من غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا ، كلهم من طريق سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي حميد الساعدي به.

قال البزار : لا نعلمه عن أبي حميد إلا من هذا الطريق ، وإسناده حسن ، وقد روى من وجوه عن غيره من الصحابة.

وصححه ابن حبان.

وقال الهيثمي في المجمع (٤ / ١٧٤) : رواه أحمد والبزار ، ورجال الجميع رجال الصحيح.

ومنها : عن عمرو بن يثربي قال : شهدت خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب «منى» فكان فيما خطب به أنه قال : «ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه ...».

أخرجه أحمد (٣ / ٤٢٢ ، ٥ / ١١٣) ، والدار قطني (٣ / ٢٥ ـ ٢٦) كتاب : البيوع رقم (٨٩) ، والطحاوى في شرح معانى الآثار (٤ / ٢٤١) وفى مشكل الآثار (٤ / ٤٢) ، والبيهقي (٦ / ٩٧) من طريق عمارة بن حارثة عن عمرو بن يثربى به.

وقال الهيثمي في المجمع (٤ / ١٧٤) : رواه أحمد وابنه من زياداته أيضا ، والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات ا. ه.

ومنها أيضا : عن ابن عباس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب الناس في حجة الوداع ، فذكر الحديث وفيه : «لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس».

أخرجه الدار قطني (٣ / ٢٥) كتاب : البيوع ، رقم (٨٧) ، والبيهقي (٦ / ٩٧) كتاب : الغصب ، باب : لا يملك أحد بالجناية شيئا ، من طريق ثور بن يزيد الأيلي عن عكرمة عن ابن عباس به.

(١) أخرجه البخاري (٩ / ٧٢) كتاب التفسير (٤٥٤٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٥٣) كتاب العلم باب النهي عن اتباع متشابه القرآن (١ / ٢٦٦٥) ، والطيالسي (١٤٣٢) و (١٤٣٣) ، وأحمد (٦ / ١٢٤ و ١٣٢ و ٢٥٦) ، وأبو داود (٢ / ٦٠٩) كتاب السنة باب شرح السنة (٤٥٩٨) ، والترمذي (٥ / ٩٩) كتاب التفسير باب (ومن سورة آل عمران) (٢٩٩٤) ، وابن حبان (٧٣) ، والطبراني في الأوسط (٦٣٠٠) ، ـ

٢٠١

الوجه العاشر : ويعتبر من أروع الوجوه وأعظمها ، وهو تطبيق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم للقرآن ، تطبيقا عمليّا في حياته ، مما يعد تفسيرا عمليّا وتطبيقيّا جليّا غاية الجلاء ، مما جعل حاجة الصحابة إلى التفسير القولي غير كبيرة ، فقد عايشوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معاني القرآن ، وتسابقوا إلى الاقتداء به في العمل بآياته المنزلة.

روي عن السيدة عائشة أنها قالت حين سئلت عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان خلقه القرآن» (١).

ولست أبغي من وراء عرض كيفية بيان السنة للقرآن وتفسيره والأوجه المعتبرة في ذلك إلا تقرير الدور العظيم الذي اضطلع به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تفسير القرآن الكريم في تلك المرحلة المتقدمة مرحلة نزول هذا الكتاب الكريم ، مما يعد أساسا من الأسس التي بنى عليها المفسرون فيما بعد عصر النبوة تفسيراتهم للقرآن والتي أسهمت بشكل كبير في استواء التفسير ـ بوصفه علما ـ على سوقه.

القضية الثانية : هل فسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن كله؟ وما المقدار الذي بينه عليه الصلاة والسلام من القرآن لأصحابه؟

وهذه القضية خلافية بين العلماء عرضها الدكتور الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» ، وذكر أن هناك فريقين يتنازعان القضية :

الفريق الأول : ذهب إلى القول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين لأصحابه كل معاني القرآن ، كما بين لهم ألفاظه ، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية (٢).

__________________

ـ والبيهقي في الدلائل (٦ / ٥٤٥) ، والطحاوي في شرح المشكل (٢٥١٧) و (٢٥١٨) من طريق عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة.

وله طريق آخر عنها أخرجه أحمد (٦ / ٤٨) ، والترمذي (٢٩٩٣) وابن ماجه (١ / ٧٥) في المقدمة باب اجتناب البدع (٤٧) ، والطحاوي في شرح المشكل (٢٥١٥) و (٢٥١٦) وابن حبان (٧٦) والطبراني في الأوسط (٣٣٦٨) و (٤٩٥٢) من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة ليس فيه القاسم.

(١) أخرجه مسلم (١ / ٥١٢ ـ ٥١٤) كتاب صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل (١٣٩ / ٧٤٦) ، وأحمد (٦ / ٩١ و ١٦٣) ، والبيهقي (٢ / ٤٩٩) من طريق سعد بن هشام بن عامر عن عائشة ، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٣٠٨).

(٢) المتفحص لأقوال الشيخ ابن تيمية يجده يقول بخلاف ذلك ، وهناك قرينتان تؤكدان ذلك :

القرينة الأولى : تصريحه أن أحسن طرق التفسير وأصحها أن يطلب أول ما يطلب من القرآن ذاته ، وأنه حين يعيينا ذلك ننتقل إلى السنة ، فإذا كان البيان النبوي شاملا لجميع القرآن فكيف يصرح الإمام ابن تيمية بأن القرآن يفسر بعضه بعضا أيضا ، وأنه إن لم نجد في القرآن ما يفسره يتم الانتقال إلى السنة. ـ

٢٠٢

الفريق الثاني : ذهب إلى القول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبين لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل ، وعلى رأس هؤلاء السيوطي (١).

ثم شرع الدكتور الذهبي في عرض أدلة كل فريق :

فأدلة الفريق الأول من الكتاب والسنة والمعقول :

فمن الكتاب : قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤].

والبيان في الآية يتناول بيان معاني القرآن ، كما يتناول بيان ألفاظه ، وقد بيّن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألفاظه كلها ، فلا بد أن يكون بيّن كل معانيه ـ أيضا ـ وإلا كان مقصرا في البيان الذي كلف به من الله.

ومن السنة ما روي عن أبي عبد الرحمن السلمي (٢) أنه قال : «حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن .. كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا» (٣).

فهذا الأثر يدل على أن الصحابة تعلموا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معاني القرآن كلها ، كما تعلموا ألفاظه.

ومن المعقول قالوا : إن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في علم من العلوم كالطب أو الحساب ولا يستشرحوه ، فكيف بكتاب الله الذي فيه عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم

__________________

ـ والقرينة الثانية : أن الشيخ ابن تيمية بعد أن صرح بما صرح به من تفسير القرآن بالقرآن ، فإن لم يوجد فتفسيره بالسنة ، قال : «وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال ، ... ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، ولا سيما علماؤهم ، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين»

ومن هنا ، فشيخ الإسلام ابن تيمية برىء مما نسب إليه ، وما كان له أن يقول بهذا ، وهو الخبير بالدروب والعليم ببواطن الأمور.

(ينظر : د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين (ص ٢١٧) وما بعدها).

(١) ينظر : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥١).

(٢) انظر : تهذيب الكمال (٢ / ٦٧٤) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ١٨٣) (٣١٧) ، وتقريب التهذيب (١ / ٤٠٨) (٢٥٠) خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٤٨) والكاشف (٢ / ٧٩) ، تاريخ البخاري الكبير (٥ / ٧٢).

(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١ / ٦٠) (٨٢).

٢٠٣

في الدنيا والآخرة؟

ومما يدل على هذا الدليل العقلي ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «من آخر ما نزل آية الربا ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبض قبل أن يفسرها» (١).

وهذا يدل بالفحوى على أنه كان يفسر لهم كل ما نزل ، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها ، وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه (٢).

وأما أدلة الفريق الثاني : فقد استدلوا ـ أيضا ـ من السنة والمعقول :

فمن السنة : ما أخرجه البزار عن عائشة قالت : «ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيات بعدد ، علمه إياهن جبريل» (٣).

ومن المعقول قالوا : إن بيان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكل معاني القرآن متعذر ، ولا يمكن ذلك إلا في آي قلائل ، والعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل ، ولم يأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتنصيص على المراد في جميع آياته ؛ لأجل أن يتفكر عباده في كتابه.

وقالوا ـ أيضا ـ : لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن ، لما كان لتخصيصه ابن عباس بالدعاء له بقوله : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (٤) فائدة ؛ لأنه يلزم من بيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه كل معاني القرآن ، استواؤهم في معرفة تأويله ، فكيف يخصص ابن عباس بهذا الدعاء؟ (٥).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٥٩٧) ، وابن ماجه (٣ / ٥٩٦) كتاب التجارات باب التغليظ في الربا (٢٢٧٦) ، وقال البوصيري في الزوائد (٢ / ١٩٨) : هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

(٢) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥١ ، ٥٢).

(٣) أخرجه البزار (٢١٨٥ ـ كشف الأستار).

(٤) أخرجه البخاري (١ / ٢٩٤) كتاب الوضوء : باب وضع الماء عند الخلاء حديث (١٤٣) ، ومسلم (٤ / ١٩٢٧) كتاب فضائل الصحابة : باب فضائل عبد الله بن عباس حديث (١٣٨ / ٢٤٧٧) ، وأحمد (١ / ٣٢٧) ، والنسائي في الكبرى (٥ / ٥١ ـ ٥٢) كتاب المناقب : باب عبد الله بن العباس حديث (٨١٧٧).

وأخرجه البخاري (١ / ٢٠٤) كتاب العلم : باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الله علمه الكتاب» حديث (٧٥) ، و (٧ / ١٢٦) كتاب فضائل الصحابة : باب ذكر بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حديث (٣٧٥٦) ، و (١٣ / ٢٥٩) كتاب الاعتصام حديث (٧٢٧٠) والترمذي (٥ / ٦٨٠) كتاب المناقب : باب مناقب عبد الله بن عباس حديث (٣٨٢٤) والنسائي في الكبرى (٥ / ٥٢) كتاب المناقب حديث (٨١٧٩) وابن ماجه (١ / ٥٨) المقدمة : باب فضائل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث (١٦٦) وأحمد (١ / ٢١٤ ، ٣٥٩).

(٥) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٢ ، ٥٣).

٢٠٤

ومن خلال عرض رأي الفريقين يتضح الآتي :

أولا : مغالاة الفريقين فيما ذهبا إليه ، وأن المقبول هو أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام بدور عظيم في تفسير كتاب الله ، لكنه لم يفسره كله بطبيعة الحال ؛ إذ لو قلنا بتفسير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن كله لما كان هناك داع لدعوة القرآن إلى تدبر آيات الله فيه (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [ص : ٢٩] ، ولما كان للتحذير الشديد والوعيد القاصم للذين لا يتدبرونه في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٣ ، ٢٤] من قيمة.

ثم إنه إذا كان الأمر كذلك فلا قيمة للتفسيرات التي وضعها العلماء من لدن الصحابة وحتى يوم الناس هذا ، وهي تفسيرات فيها من الجديد المعجب ما لا يمكن إنكاره ، أو الزعم بأنه غير صحيح.

هذا بالإضافة إلى أننا لو قلنا بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسر القرآن لفظه ومعناه لكذبناه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قال عن القرآن من أنه : «لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد» (١) ، ولكان اختلاف الصحابة حول القرآن بعد رسول الله اجتراء منهم على الله وحيفا عن هديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحاشا أن يفعل الصحابة ذلك أو يقع منهم.

كما أننا لو قلنا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر من معاني القرآن إلا القليل ، لهضمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقه في شخصه ودعوته ورسالته ؛ إذ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصول الدين وأحكامه وشرائعه وأركانه المبثوثة في القرآن الكريم بصورة إجمالية أو كلية ، ففصل المجمل ، وأبان عن جزئيات الكلي ، فعرف الناس دينهم : أصوله وأركانه وشرائعه وجزئياته ، فلو قلنا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر إلا القليل ، فمن الذي بين لنا الدين «الإسلام» الذي جاء به القرآن؟!

كذلك لو قلنا بهذا لكذبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله

__________________

(١) هو طرف من حديث طويل. أخرجه أحمد (١ / ٩١) والترمذي (٥ / ٢٩ ـ ٣٠) كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل القرآن (٢٩٠٦) والبزار في البحر الزخار (٨٣٤) و (٨٣٥) و (٨٣٦) وأبو يعلى (٣٦٧) ومحمد بن نصر في قيام الليل (ص ١٢٣) من طريق حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي بن أبي طالب ... فذكره مطولا قال الترمذي :

هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات وإسناده مجهول وفي حديث الحارث مقال.

٢٠٥

معه» (١) ، ولأنكرنا سنته التي جاءت ـ كما سبق بيانه ـ لتبين مبهم القرآن ، وتفصل مجمله ، وتقيد مطلقه ، وتخصص عامه ، وتؤكد ما جاء فيه.

يتبين لنا أن التوسط والاعتدال بين المذهبين هو الخليق بالقبول ، ولذلك أقول : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الكثير من معاني القرآن لأصحابه ، تشهد بذلك كتب الصحاح المليئة بتفسيرات الرسول لكثير من الآيات ببيان معانيها وأحكامها ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الوقت نفسه ـ لم يبين كل معاني القرآن ؛ لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) [آل عمران : ٧].

وبدهي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب ؛ لأن القرآن نزل بلغتهم ، ولم يفسر لهم ما تتبادر الأفهام إلى معرفته ، ولم يفسر لهم ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وحقيقة الروح ، وإنما فسر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض المغيبات التي أخفاها الله عنهم ، وأطلعه عليها وأمره ببيانها لهم ، وفسر لهم ـ أيضا ـ كثيرا مما يندرج تحت التفسير الذي تعرفه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم (٢).

ثانيا : أدلة الفريقين محجوجة ومفندة :

فأدلة الفريق الأول محجوجة بما يأتي :

استدلالهم بالآية (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) مردود عليه من وجهين :

الأول : أن القول بعموم الآية الشامل لجميع ألفاظ القرآن ومعانيه ليس صحيحا ؛ لقرينتين تفيدان التخصيص :

الأولى : قرينة مقالية تتمثل في قوله عزّ شأنه : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٦١٠) كتاب السنة : باب في لزوم السنة حديث (٤٦٠٤) وأحمد (٤ / ١٣١) وابن عبد البر في (التمهيد) (١ / ١٥٠) من طريق عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه».

(٢) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٥ ، ٥٦).

٢٠٦

الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) [النحل : ٦٤].

فالآية صريحة في أن بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم للكتاب مقصور على الذي اختلفوا فيه دون ما لم يختلفوا فيه.

والقرينة الثانية : قرينة حالية تتمثل في واقع القرآن الكريم وأمر من نزل بلسانهم العربي المبين ، فإن واقع أمر القرآن وأمر من أنزل بلسانهم أن فيه كثيرا من البينات ، بل قل بدهية البيان نفسها بالنسبة لكل ذي حظ من معرفة هذا اللسان فضلا عن أهله الخلص ، فلا يسيغ لذي منطق مع هذا أن يقوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيان أمثال هذه الجليات (١).

الوجه الثاني : أننا إذا سلمنا ببقاء ما في القرآن الكريم على العموم الصالح ؛ لأن يندرج تحته جميع اللفظ والمعنى ، فإننا لا بد أن ننظر إلى سياق القول الكريم الذي نزل فيه وحديثه عنه ، وذلك أن قوله سبحانه وتعالى : (نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) صلة ل (ما) ، فيفيد قطعا أن حديث هذا العموم هو عن المنزل فحسب ، لا عما لم ينزل أيضا.

وأقول : عرفنا أن جميع الألفاظ منزل ، وأن بعض المعاني منزل عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعضها غير منزل بطبيعة الحال ؛ لأن (ما) لا تدل على العموم هنا.

وأما استدلالهم بما روي عن عثمان وابن مسعود وغيرهما من أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر آيات من القرآن لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها ، فهو استدلال لا ينتج المدعى ؛ لأن غاية ما يفيده ، أنهم كانوا لا يجاوزون ما تعلموه من القرآن حتى يفهموا المراد منه ، وهو أعم من أن يفهموه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو من غيره من إخوانهم ، أو من تلقاء أنفسهم حسبما يفتح الله به عليهم من النظر والاجتهاد (٢).

وأما استدلالهم بأن الصحابة كانوا يفهمون القرآن ويعرفون معانيه فمردود بأن العادة إنما جرت باستشراح ـ أي : طلب شرح ـ ما يشكل فهمه فحسب ، فأما الواضح الذي لا يشكل فهمه ولا يشتبه أمره ، فإن طلب شرح مثله ضرب من العبث واستنفاد الوقت والجهد في غير طائل ، وهذا ما لا يمكن أن يفعله صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

أما الأثر الوارد فلا يدل أيضا لأن وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يبين لهم آية الربا لا تدل على

__________________

(١) ينظر : د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج التفسير ـ الجزء الأول (ص ٢٢٣ ، ٢٢٤).

(٢) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٣).

(٣) ينظر : د. إبراهيم عبد الرحمن محمد : دراسات في مناهج التفسير ـ الجزء الأول (ص ٢٢٥).

٢٠٧

أنه كان يبين لهم كل معاني القرآن ، فلعل هذه الآية كانت مما أشكل على الصحابة ، فكان لا بد من الرجوع فيها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شأن غيرها من مشكلات القرآن (١).

وأما أدلة الفريق الثاني :

فاستدلالهم بحديث عائشة استدلال باطل ؛ لأن الحديث منكر غريب ؛ لأنه من رواية محمد بن جعفر الزبيري (٢) ، وهو مطعون فيه ، قال البخاري : لا يتابع في حديثه ، وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي (٣) : «منكر الحديث» ، وقال فيه ابن جرير الطبري : «إنه ممن لا يعرف من أهل الآثار».

وعلى فرض صحة الحديث ، فهو محمول ـ كما قال أبو حيان ـ على مغيبات القرآن وتفسيره لمجمله ، ونحو ذلك مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله (٤).

وأما استدلالهم بأن بيان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكل معاني القرآن متعذر ، فإنه لا يدل على ندرة ما جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى التفسير ؛ إذ إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مأمور بالبيان ، وقد يشكل الكثير على أصحابه فيلزمه البيان ، بمقتضى أمر الله له (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).

وأما استدلالهم بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن عباس فمردود بأنه لو سلمنا أنه يدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر كل معاني القرآن ، فلا نسلم أنه يدل على أنه فسر النادر منه كما هو المدعى.

وإذا علمنا ضعف استدلالات الفريقين ، فإنه من الأحرى الرجوع إلى الصواب الذي استراحت إليه النفس من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر كل القرآن ولكنه في الوقت نفسه ضرب بنصيب وافر فيه مما لا تستغني عنه الأمة في فهم دينها ، فقد أجاب على تساؤلات الصحابة فيما أشكل عليهم فهمه من آيات الكتاب الكريم.

وخلاصة القول أن المرحلة النبوية كان لها أثرها البارز في نشأة علم التفسير ـ بالرغم من أنها مرحلة النشأة ـ وذلك لأن كلا هذين القسمين ـ تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالسنة ـ لا شك في أنهما أعلى أنواع التفسير ، ولا شك في قبولهما ، أما الأول فلأن الله تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره ، وكتاب الله تعالى أصدق الحديث ؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

__________________

(١) ينظر : د. الذهبي التفسير والمفسرون (١ / ٥٤).

(٢) ينظر : الثقات لابن حبان (٧ / ٣٩٥ ـ ٣٩٦).

(٣) ينظر : سير أعلام النبلاء (١٦ / ٣٤٧) ، وتاريخ بغداد (٢ / ٢٤٣) ، والمنتظم (٧ / ١٢٥) ، وميزان الاعتدال (٣ / ٥٢٣).

(٤) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٤).

٢٠٨

وأما الثاني فلأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت مهمته التوضيح والبيان (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...) [النحل : ٤٤] الآية ، فما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شرح أو بيان بسند صحيح ثابت فإنه مما لا شك فيه أنه حق يجب اعتماده» (١).

المرحلة الثانية : التفسير في عهد الصحابة رضوان الله عليهم :

جاء عهد الصحابة ، وما من شك في أنهم كانوا يفهمون القرآن جملة ، أي : بالنسبة لظاهره وأحكامه ، أما فهمه تفصيلا ، ومعرفة دقائق باطنه ، بحيث لا يغيب عنهم شاردة ولا واردة ، فهذا غير ميسور لهم بمجرد معرفتهم للغة القرآن ، بل لا بد لهم من البحث والنظر ؛ وذلك لأن القرآن ـ كما سبقت الإشارة ـ فيه المجمل ، والمشكل ، والمتشابه ، وغير ذلك مما لا بد في معرفته من أمور أخرى يرجع إليها (٢).

ولذلك فإن قليلا من الصحابة من استشرف لمعرفة تفصيلات القرآن ودقائقه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقل منهم من رزق الفهم الصحيح بعد البحث والنظر ، وليس هذا التفاوت بقادح في أذهان الصحابة وصحة فهمهم للقرآن الكريم عامة ؛ إذ إنه راجع إلى اللغة نفسها ، وهي من أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ، ولا يحيط بها غير النبي المعصوم ، ولا بأس بغروب ألفاظها على بعض الصحابة ما دام ذلك لا يغرب على عامتهم (٣).

وبطبيعة الحال لم يكن الصحابة في درجة واحدة في فهم اللغة وإدراك أسرارها ، وليس بمقدور قوم أن يفهموا كل ما يكتب بلغتهم من العلوم على حد سواء ، ومن هنا لم يكن الصحابة في درجة واحدة لفهم معاني القرآن ، بل تفاوتت مراتبهم ، تبعا لتفاوتهم في فهم اللغة وإدراك أسرارها ، وهذا يرجع إلى تفاوتهم في القوة العقلية ، وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات ، وأكثر من هذا أنهم كانوا لا يتساوون في معرفة المعاني التي وضعت لها المفردات ، فمن مفردات القرآن ما خفي معناه على بعض الصحابة ، ولا ضير في هذا ، فإن اللغة لا يحيط بها إلا معصوم ، ولم يدع أحد أن كل فرد من أمة يعرف جميع ألفاظ لغتها (٤).

__________________

(١) محمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن (الطبعة الثانية ١٤٠٠ ه‍ ـ ١٩٨٠ م) (ص ٦٥).

(٢) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٣٦).

(٣) ينظر : الإمام الشافعي : الرسالة ، تحقيق أحمد شاكر (دار التراث ١٩٧٩ م) (١ / ٤٢) ، والزركشي : البرهان في علوم القرآن ، تحقيق : أبي الفضل إبراهيم (طبعة مكتبة الحلبي ١٩٥٧ م) (١ / ٢٨٤).

(٤) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٣٦ ، ٣٧) ، ود. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم (الطبعة الثانية ١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٨٩ م) (ص ٤٨).

٢٠٩

والمواقف الدالة على ذلك كثيرة ، منها ما أخرج أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : «كنت لا أدري ما فاطر السموات؟ حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها» (١).

وروى عكرمة عن ابن عباس قال : «ما كنت أدري ما قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٨٩] حتى سمعت ابنة ذي يزن الحميري وهي تقول : أفاتحك ، تعني أقاضيك» (٢).

وأظهر ما يدل على تفاوت فهم الصحابة للنصوص ما روي أن الصحابة فرحوا عند نزول قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ؛ حيث ظنوا أنها إخبار وبشرى بكمال الدين ، ولكن عمر بكى وقال : ما بعد الكمال إلا النقص ؛ مستشعرا نعي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وروى البخاري عن ابن عباس قال : «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، وقال : لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه من أعلمكم ، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم ، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١]؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم ولم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا ، فقال : وما تقول؟ قلت : هو أجل رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلمه الله له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١] فذلك علامة أجلك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ٣] ، فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول» (٤).

__________________

(١) أخرجه أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس كما في الدر المنثور للسيوطي (٥ / ٤٥٨).

(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٦ / ٤) (١٤٨٦٧) و (١٤٨٦٩) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (٣ / ١٩١).

(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٤ / ٤١٩) (١١٠٨٧) ، وابن أبي شيبة عن عمر بنحوه كما في الدر المنثور (٢ / ٤٥٦).

وذكر له طريقا آخر عنه أخرجه إسحاق بن راهويه.

(٤) أخرجه البخاري (٩ / ٧٦٠) كتاب التفسير باب قوله (فسبح بحمد ربك واستغفره) (٤٩٧٠) والطبري (١٢ / ٧٣٠) (٣٨٢٣٧) و (٣٨٢٣٨) و (٣٨٢٣٩) ، وسعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معا في الدلائل كما في الدر المنثور (٦ / ٦٩٨).

٢١٠

كل هذه المواقف وغيرها تدل على تفاوت الصحابة في فهم معاني القرآن الكريم ؛ ولذلك قال ابن قتيبة : «إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض» (١).

هذا ، وقد بدأ الصحابة شارعين في تفسير القرآن الكريم ـ على تخوف وتحرج ـ بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معتمدين في تفسيرهم على القرآن الكريم نفسه ، أو على تفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض الآيات وتشريعاته الأخرى (٢) ، أو الاجتهاد والاستنباط ، أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى أحيانا ، فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ مقتدين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمدوا القرآن في تفسير القرآن الكريم حتى قال الدكتور الذهبي : «هذا هو تفسير القرآن بالقرآن ، وهو ما كان يرجع إليه الصحابة في تعرف بعض معاني القرآن ، وليس هذا عملا آليّا لا يقوم على شيء من النظر ، وإنما هو عمل يقوم على كثير من التدبر والتعقل ؛ إذ ليس حمل المجمل على المبين ، أو المطلق على المقيد ، أو العام على الخاص ، أو إحدى القراءتين على الأخرى بالأمر الهين الذي يدخل تحت مقدور كل إنسان ، وإنما يعرفه أهل العلم والنظر خاصة» (٣).

ثم إنهم لجئوا لتفسير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض آيات القرآن ، فقد «تناقلوا فيما بينهم ، تفسير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما فهموه من القرآن وأقرهم عليه ، كما هو الشأن في تناقلهم للأحاديث والآثار التي رووها عنه ، على ما وردت به وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٤).

غير أن الصحابة لم يتوقف جهدهم التفسيري عند حد النقل والرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل لجئوا مع ذلك إلى طريقين جديدين :

الأول : الاجتهاد والاستنباط :

كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى ، ولم يتيسر لهم أخذه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجعوا إلى اجتهادهم ، فأعملوا رأيهم ، وكانت أدواتهم في الاجتهاد هي : معرفة أوضاع اللغة وأسرارها ، ومعرفة عادات العرب ، ومعرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن وقوة الفهم ، وسعة الإدراك ، ومن ثم

__________________

(١) المسائل والأجوبة (ص ٨) ، وينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٣٩).

(٢) تم التعرض لهذين المصدرين : القرآن والسنة بوصفهما مفسرين للقرآن الكريم ، وأنهما كانا المصدرين الوحيدين للتفسير في العهد النبوي ، وقد اعتمدهما الصحابة أيضا.

(٣) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٤٣ ، ٤٤).

(٤) د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص (٥١ ، ٥٢).

٢١١

يقول أحد الباحثين : «ولقد أعان بعض الصحابة على فهم القرآن عدة عوامل منها : معرفتهم بعادات العرب وتقاليدهم ، ومعرفة طرائق اللغة العربية وأسرارها في التعبير ، ثم معرفة أسباب النزول ، وما أحاط بالآيات من ظروف وملابسات تعين على فهمها ؛ ولهذا قالوا : معرفة سبب نزول الآية يعين على فهمها ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، ثم ما يعطاه أحدهم من فهم وسعة إدراك يمكنه من الوصول إلى مراد الآيات» (١).

وقد روى البخاري ما يؤكد ذلك عن أبي جحيفة (٢) قال : قلت لعلي ـ رضي الله عنه ـ : «هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة.

قلت : وما في هذه الصحيفة؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر» (٣).

وفي هذا الأثر دليل على إعمال الصحابة رأيهم ، واجتهادهم في تفسير القرآن الكريم ، والكشف عن غوامضه ، لكن ينبغي التأكيد على أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا متفاوتين في معرفتهم بالأدوات المشار إليها ، وقد ترتب عليه تفاوتهم في فهم معاني القرآن.

الثاني : أهل الكتاب من اليهود والنصارى (٤).

بدأ الأخذ عن أهل الكتاب منذ عهد الصحابة مع شيء من التقييد والتحديد ، ولعل

__________________

(١) السابق ص (٥٠) ، وينظر : السيوطي : الإتقان (طبعة الحلبي ، القاهرة ١٩٧٨ م) (١ / ٣٨) ، وابن تيمية : مقدمة في أصول التفسير ، تحقيق : عدنان زرزور (طبعة الكويت ١٩٧١ م) ص (٤٧).

(٢) انظر : تهذيب الكمال (٣ / ١٤٧٨) ، وتهذيب التهذيب (١١ / ١٦٤) (٢٨١) وتقريب التهذيب (٢ / ٣٣٨) ، والكاشف (٣ / ٣٤٤) ، والتاريخ الكبير للبخاري (٨ / ١٦٣).

(٣) أخرجه البخاري (١ / ٢٧٥) كتاب العلم باب كتابة العلم (١١١) وأطرافه في (١٨٧٠ ، ٣٠٤٧ ، ٣١٧٢ ...) ، والحميدي (٤٠) ، وأحمد (١ / ٧٩) ، والترمذي (٣ / ٨٠) كتاب الديات باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر (٢٦٥٨) ، والنسائي (٨ / ٢٣) كتاب القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر ، والشافعي (٢ / ١٠٤) ، والطيالسي (٩١) ، وعبد الرزاق (١٨٥٠٨) ، والطحاوي في شرح المعاني (٢ / ١٩٢) ، والبزار (٤٨٦) ، والبيهقي (٨ / ٢٨).

(٤) جاء اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام بمئات السنين ، فقد انتشرت المسيحية على نطاق واسع ، وبخاصة في أطراف الجزيرة ، كما غلب اليهود على أقاليم كاملة منها ، وهذا الوجود اليهودي والنصراني في شبه الجزيرة العربية كان له بالطبع أثر ثقافي على العرب فيما قبل الإسلام ، كما كان للعرب في الجاهلية رحلاتهم شرقا وغربا ، وسجل القرآن الكريم إحداها ، وهي رحلة قريش : شتاء إلى اليمن ، وصيفا إلى الشام.

ولما جاء الإسلام كان من الطبيعي أن تكون هناك حوارات ومجادلات بين النبي ـ صلى الله عليه ـ

٢١٢

الذي دفع الصحابة إلى هذا الأخذ ، هو ما جاء في القرآن الكريم من قصص مبثوثة في ثناياه عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وبعض هذه القصص جاء مجملا ، فكانت «نفوس الصحابة تتوق إلى معرفة تفاصيل بعض القصص في القرآن والذي لم يسأل النبي فيه ، فكانوا لا يتحرجون في سؤال أهل الكتاب من جيرانهم فيما يتعلق بهذه التفاصيل التي لا تتعلق بحكم أو تشريع ، وإنما هي تشبع حالة الفضول الإنساني إلى المزيد من المعرفة» (١) ؛ مستندين في ذلك إلى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي يقول فيه : «بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٢)(٣).

ولقد حدد ابن كثير المراد من هذا الحديث ، فقال : «هو محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا ، فليس عندنا ما يصدقها ولا يكذبها ، فيجوز روايتها للاعتبار ، فأما ما شهد له شرعنا بالصدق فلا حاجة بنا إليه ؛ استغناء بما عندنا ، وما شهد له شرعنا

__________________

ـ وسلم ـ وبين أهل الكتاب بغرض دعوتهم إلى الإسلام ، ووجدت عوامل هيئات تسرب الإسرائيليات إلى تفسير القرآن الكريم ، ومن هنا وجدنا الصحابة يأخذون عن أهل الكتاب في تفسيرهم ، وتتابع الأخذ في العهود التالية ، ونشأت الدراسات الكثيرة الناقدة لما في التفاسير المعتمدة على ما عند أهل الكتاب ، ومصححة ما فيها : ينظر : د. آمال محمد عبد الرحمن ربيع الإسرائيليات في تفسير الطبري ـ دراسة في اللغة والمصادر العبرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ١٤٢٢ ه‍ ـ ٢٠٠١ م) ص ٢٦ ، ٢٧.

(١) السابق ص ٢٨.

(٢) ورد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري وجابر.

فأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري (٦ / ٥٧٢) في أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (٣٤٦١) ، والترمذي (٥ / ٣٩) في العلم ، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (٢٦٦٩) ، وأحمد (٢ / ١٥٩) من طريق حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو رفعه «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وكذا أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ١٢٨) ، والخطيب في التاريخ (١٣ / ١٥٧) وعبد الرزاق (١٠١٥٧) والدارمي (١ / ١٣٦) ، وأبو نعيم في الحلية (٦ / ٧٨). وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود (٢ / ٣٤٦) في العلم ، باب الحديث عن بني إسرائيل (٣٦٦٢) ، وأحمد (٢ / ٤٧٤ ، ٢٠٥) والحميدي (٢ / ٤٩١ ، ٤٩٢) برقم (١١٦٥) ، وابن أبي شيبة في الأدب (٩ / ٦٢) ، باب في الرخصة في حديث بني إسرائيل وابن حبان (١٠٩ ـ موارد) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به وكذا أخرجه الشافعي في مسنده (١ / ١٧) برقم (١٧) والخطيب في شرف أصحاب الحديث برقم (١٩). وأما حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو يعلى في مسنده (١٢٠٩) من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا بنحوه.

وأما حديث جابر فأخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٩٢).

(٣) البداية والنهاية (دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٩٧٨) (١ / ٦ ، ٧).

٢١٣

بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار والإبطال».

وهذا الذي قاله ابن كثير اتبعه الصحابة ، فدققوا في الأخذ عن أهل الكتاب ، وكان أخذهم في أضيق الحدود ، وما أشيع عنهم من توسعهم في الأخذ عن أهل الكتاب قد يكون مرجعه إلى أنه قد وضع عليهم الكثير ، ودس عليهم من أقوال أهل الكتاب الكثير من الروايات التي لم يعتمدوها ، فأوهم ذلك المتأخرين توسع الصحابة في الأخذ عنهم.

وتأكيدا لهذا يقول الدكتور الذهبي : «رجوع بعض الصحابة إلى أهل الكتاب ، لم يكن له من الأهمية في التفسير ما للمصادر الثلاثة السابقة (١) ، وإنما كان مصدرا ضيقا محدودا ؛ وذلك أن التوراة والإنجيل وقع فيهما كثير من التحريف والتبديل ، وكان طبيعيّا أن يحافظ الصحابة على عقيدتهم ، ويصونوا القرآن عن أن يخضع في فهم معانيه لشيء مما جاء ذكره في هذه الكتب التي لعبت فيها أيدي المحرفين ، فكانوا لا يأخذون عن أهل الكتاب إلا ما يتفق وعقيدتهم ولا يتعارض مع القرآن» (٢).

إن ورع الصحابة وصدق إيمانهم جعلهم يسلكون في الأخذ عن أهل الكتاب مسلكا آمنا ، متمثلين وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» (٣) ، هذا فيما يتعلق بالغيبيات أو الأخبار التاريخية المفصلة في الكتب السابقة. أما فيما يتعلق بالعقيدة أو الأحكام الشرعية ، أو ما لا يكون لمعرفة تفاصيله والوقوف على حقيقته فائدة تذكر ، فقد كانوا يعدون ذلك قبيحا من قبيل تضييع الأوقات (٤).

كما كانوا يردون على أهل الكتاب مقالاتهم المخالفة للشريعة ، ونختار للاستشهاد على ذلك موقف الصحابي الجليل أبي هريرة في مراجعته ومحاورته لهذين الكتابيين ـ كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ـ حول ساعة يوم الجمعة التي عناها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار

__________________

(١) يقصد : تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالسنة ، والاجتهاد والاستنباط في التفسير.

(٢) التفسير والمفسرون (١ / ٦٣).

(٣) أخرجه البخاري (٩ / ٢٢ ـ ٢٣) كتاب التفسير باب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) (٤٤٨٥) والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٢٦) كتاب التفسير باب سورة العنكبوت ، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب كما في الدر المنثور (٥ / ٢٨٢).

(٤) ينظر : ولي الله الدهلوي : الفوز الكبير في أصول التفسير (طبع المنيرية ، مصر) ص ٣٥ ، ود.

الذهبي : الإسرائيليات في التفسير والحديث (طبع مجمع البحوث الإسلامية ، القاهرة ١٩٨٦ م) ص (٥٨).

٢١٤

بيده يقللها» (١) ، فقد اختلف السلف في تعيين هذه الساعة ، وهل هي باقية أو رفعت؟ وإذا كانت باقية ، فهل هي في جمعة واحدة من السنة أو في كل جمعة منها؟

فنجد أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ يسأل كعب الأحبار عن ذلك ، فيجيبه كعب بأنها في جمعة واحدة من السنة ، فيرد عليه أبو هريرة قوله هذا ، ويبين له أنها في كل جمعة ، فيرجع كعب إلى التوراة فيرى الصواب مع أبي هريرة ، فيرجع إليه.

ثم يتوجه أبو هريرة إلى عبد الله بن سلام يسأله تحديد هذه الساعة ، ويقول له : أخبرني ولا تضن علي ، فيجيبه ابن سلام بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة ، فيرد عليه أبو هريرة بقوله : كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي» (٢) ، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟

ولذا كان تعليق كعب الأحبار على مثل هذه الأسئلة والمحاورات : «ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة» (٣).

ويدل هذا الموقف من أبي هريرة على تيقظ الصحابة لهذه الأفكار الدخيلة التي بدأت تتسرب إلى دينهم ، ومقاومتهم لها في هذا الوقت المبكر (٤).

المفسرون من الصحابة :

اشتهر عدد غير قليل من الصحابة المفسرين ، عد السيوطي ـ رحمه‌الله ـ منهم : الخلفاء الراشدين ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبا موسى الأشعري ، وعبد الله بن الزبير ، رضي الله عنهم أجمعين.

وهناك من تكلم في التفسير غير هؤلاء : كأنس بن مالك ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعائشة ، غير أن ما نقل عنهم في التفسير قليل جدّا ، فلم يكن لهم

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٤٨٦ و ٥٠٤) و (٥ / ٤٥١ و ٤٥٣) ، وأبو داود (١ / ٣٤١) كتاب الصلاة باب فضل يوم الجمعة (١٠٤٦) والترمذي (١ / ٥٠٢) كتاب الجمعة باب في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة (٤٩١) والنسائي (٣ / ١١٣) كتاب الجمعة باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء وابن خزيمة (١٧٣٨) وأبو يعلى (٥٩٢٥) والحاكم (١ / ٢٧٨) و (٢ / ٥٤٤) والبيهقي (٣ / ٢٥٠) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

وأخرجه البخاري (١٢ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦) كتاب الدعوات باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة (٦٤٠٠) ومسلم (٢ / ٥٨٤) كتاب الجمعة باب في الساعة التي في يوم الجمعة (١٤ / ٨٥٢) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة. وله طرق أخرى غير ما ذكرت.

(٢) تقدم.

(٣) تنظر القصة في : ابن حجر : الإصابة في تمييز الصحابة (طبع الشرفية ١٩٠٧ م) (٤ / ٢٠٨).

(٤) ينظر : د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٧٣.

٢١٥

شهرة ما كان للعشرة المذكورين أولا ، وحتى هؤلاء العشرة تفاوتوا فيما بينهم قلة وكثرة ، فأبو بكر وعمر وعثمان لم يرد عنهم في التفسير إلا النزر اليسير ؛ نظرا لاشتغالهم بمهام الخلافة وتقدم وفاتهم(١).

وعلى هذا يمكن القول : إن أبرز مفسري الصحابة هم : علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ؛ نظرا لكثرة الرواية عنهم في التفسير كثرة غذت مدارس التفسير في الأمصار المختلفة فيما بعد على اختلافها وكثرتها.

* * *

__________________

(١) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٦٤) ، والزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن (دار إحياء الكتب العلمية ، عيسى البابي الحلبي) (٢ / ١٤).

٢١٦

أشهر المفسرين من الصحابة ودورهم في التفسير

١ ـ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ :

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبو حفص المدني ، أحد فقهاء الصحابة ، وثاني الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأول من سمي أمير المؤمنين ، شهد بدرا ، والمشاهد إلا تبوك ، وولي أمر الأمة بعد أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وفتح في أيامه عدة أمصار ، أسلم بعد أربعين رجلا ، وعن ابن عمر مرفوعا : «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» (١) ، ولما دفن قال ابن مسعود : «ذهب اليوم تسعة أعشار العلم» ، استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ، ودفن في أول سنة أربع وعشرين ، وهو ابن ثلاث وستين ، وصلى عليه صهيب ، ودفن في الحجرة النبوية ، ومناقبه جمة.

ب ـ دوره في التفسير :

لقد تهيب عمر بن الخطاب ـ كما تهيب أبو بكر قبله ـ القول في كتاب الله ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، من ذلك ما يرويه الشعبي قال : «سئل أبو بكر عن الكلالة ، فقال : إني سأقول فيها برأي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، أراه ما خلا الوالد والولد».

يقول الشعبي : «فلما استخلف عمر ، قال : إني لأستحي من الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر (٢) ، ثم يتردد عمر فيرجع آخر عهده عن هذا القول ، ويذهب إلى أن الكلالة من لا ولد له ، ويقول : وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي فيها من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه ، ثم يقول : ثلاث لأن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها : الكلالة ، وأبواب الربا ، والخلافة» (٣).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٥٣ و ٩٥) وفي فضائل الصحابة له (٣١٣) و (٣١٤) وابن سعد في الطبقات (٣ / ٣٣٥) وعبد الله بن أحمد في زياداته على الفضائل (٣٩٥) والترمذي (٦ / ٥٧) في كتاب المناقب باب في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب (٣٦٨٢) وعبد بن حميد (٧٥٨) وابن حبان (٦٨٩٥) والطبراني في الأوسط (٢٩١) و (٢٧٤٧) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (٢ / ٣٢٧) وابن عبد البر في التمهيد (٨ / ١٠٩) وانظر صحيح الترمذي للعلامة الألباني (٢٩٠٨). وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

(٢) أخرجه الطبري (٣ / ٦٢٥ ـ ٦٢٦) (٨٧٤٧) و (٨٧٤٨) ، وسعيد بن منصور وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، والدارمي ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه كما في الدر المنثور للسيوطي (٢ / ٤٤٣).

(٣) أخرجه الطبري (٤ / ٣٨١) (١٠٨٨٤) و (١٠٨٨٥) ، وابن ماجه (٤ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) كتاب الفرائض باب الكلالة (٢٧٢٧) ، والطيالسي ، وعبد الرزاق ، والعدني والساجي ، والحاكم ، والبيهقي كما في الدر المنثور (٢ / ٤٤٢).

٢١٧

فهذا الموقف يكشف ـ أولا ـ عن تهيب عمر بن الخطاب مقتديا بأبي بكر من القول في كتاب الله ، ويكشف ـ ثانيا ـ عن أنه برغم التهيب فإن عمر أدلى بدلوه في التفسير ، وذلك حين تكون هناك مصالح عملية وواقعية تتوقف على مدلول العبارة.

ولكي يصل إلى جواب قاطع للمسألة ، كان أحيانا يلجأ إلى طرح المسألة على الناس ، مثلما فعل في مسألة تحديد ليلة القدر ، فقد روى أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جلس في رهط من الصحابة فذكروا ليلة القدر ، فتكلم كل بما عنده ، فقال عمر : ما لك يا ابن عباس لا تتكلم؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة ، قال ابن عباس : فقلت : يا أمير المؤمنين إن الله وتر يحب الوتر ، فجعل الدنيا تدور على سبع ، وخلق أرزاقنا من سبع ، وخلق فوقنا وتحتنا سبعا ، فأراها في السبع الأواخر من رمضان ، فتعجب عمر ، وقال : ما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه (١).

والحق أن عمر بن الخطاب في تفسيره للقرآن كان يسلك مسلكا واقعيّا عمليّا ، بمعنى أنه إذا كانت هناك مصلحة عملية تتوقف على تحديد مدلول اللفظ ، فإن التفسير في هذه الحالة يصبح بحثا ملحّا وأمرا ضروريّا ، وأما إن لم تكن هناك مصلحة عملية فلا بأس عنده ألا يدري مدلول اللفظ ؛ ولذلك نجده فيما يروى عنه حين كان يقرأ قوله تعالى : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : ٢٧ ـ ٣١] فقال : الفاكهة والقضب ، وهذه الأشياء عرفناها ، فما الأبّ؟ فوضع يده على رأسه ثم قال : «إن هذا لهو التكلف يا ابن الخطاب ، وما عليك ألا تدري ما الأبّ؟» (٢).

ومن كل ما سبق يتكشف لنا أن دور عمر بن الخطاب في التفسير كان دورا محدودا ، لكنه لبنة في تطور التفسير لا يمكن إهمالها وتركها دون الإفادة منها.

٢ ـ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ :

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو الحسن ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وختنه على ابنته ، أمير المؤمنين ، يكنى : أبا تراب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميّا ، له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا ، اتفق البخاري

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٦٣٥) وذكر له طرق أخرى منها طريق عاصم أخرجه محمد بن نصر ، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقى ، وطريق عكرمة أخرجه عبد الرزاق ، وابن راهويه ، ومحمد بن نصر ، والطبراني ، والبيهقى ، وطريق سعيد بن جبير أخرجه ابن سعد ، وعبد بن حميد.

(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٥١) (٣٦٣٦٧) و (٣٦٣٦٨) و (٣٦٣٦٩) (٣٦٣٧٠) وسعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب والخطيب والحاكم وصححه عن أنس عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٢٢).

٢١٨

ومسلم على عشرين منها وانفرد البخاري بتسعة ، ومسلم بخمسة عشر ، شهد بدرا والمشاهد كلها ، روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد ، وفاطمة ، وعمر ، وابن عباس ، والأحنف ، وأمم.

قال أبو جعفر : كان شديد الأدمة ربعة إلى القصر ، وهو أول من أسلم من الصبيان جمعا بين الأقوال ، قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (١) ، وفضائله كثيرة ، استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين ، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض.

ب ـ دوره في التفسير :

الرواية عن علي بن أبي طالب كثيرة ، وذلك راجع إلى أمور ، أبرزها :

الأول : تأخرت وفاته عن الخلفاء السابقين ، فقد كانت وفاته ـ رضي الله عنه ـ عام ٤٠ من هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثاني : وجد في زمن كثرت فيه حاجة الناس إلى التفسير ؛ وذلك لاتساع رقعة الإسلام ، ودخول الأعاجم فيه حتى كادت تذوب بهم خصائص العروبة ، ونشأ جيل من أبناء الصحابة كان في حاجة إلى علم الصحابة.

الثالث : فهم علي ـ رضي الله عنه ـ العميق للقرآن ، وخصوبة فكره ، وغزارة علمه ، فكان أهلا لأن يحمل عنه ، ويدل على هذا ما روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّا يخطب وهو يقول : «سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم. وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار؟ أفي سهل أم في جبل؟» (٢).

__________________

(١) أخرج مسلم (٤ / ١٨٧١) في فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي ابن أبي طالب (٣٢ / ٢٤٤) ، والترمذي (٥ / ٢١٠) في التفسير ، باب ومن سورة آل عمران (٢٩٩٩) ، وأحمد (١ / ١٨٥) ، والحاكم (٣ / ١٥٠) ، والبيهقي (٧ / ٦٣) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : لما أنزل الله هذه الآية (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : «اللهم هؤلاء أهلي».

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وينظر تفسير الدر المنثور (٢ / ٦٧ ـ ٧٠).

(٢) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢ / ٤٦٤) ، وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور والحارث بن أبي أسامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن علي بن أبي طالب.

٢١٩

وما روي عن ابن مسعود قال : «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن» (١).

والآثار الكثيرة المروية عن علي ـ رضي الله عنه ـ تدل دلالة واضحة على فضله ومنزلته في التفسير ، ومدى الدور الذي اضطلع به في هذا الشأن.

كما أنه يعتبر أول من وضع بفكره الثاقب ، ونظره الصادق في القرآن الكريم ـ اللبنة الأولى في منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم الذي ما زال ـ حتى عصرنا هذا ـ يتحسس طريقه ، ويخطو خطواته الأولى عليه ، فقد كان علي ـ رضي الله عنه ـ يجمع الآيات في الموضوع الواحد ليستخلص منها جميعا حكما صادقا يفسر فيه القرآن بعضه بعضا (٢).

يدل على هذا ما رواه ابن حزم من أن عليّا ذكر عثمان حين أراد إقامة حد الزنى على من وضعت بعد زواجها بستة أشهر بقول الله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] مع قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣] ، فرجع عثمان عن إقامة الحد عليها» (٣).

«أي أن عثمان حكم العادة الجارية من أنه لا تلد المرأة لأقل من سبعة أشهر ، فاعتبر ولادتها قبل ذلك قرينة لإقامة الحد عليها ، لكن عليّا يستدرك عليه ويتدارك الأمر ، حيث حكم القاعدة التي تدرأ الحدود بالشبهات ، وفهم من الآيتين السابقتين مجتمعتين أن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر ، واعتبر ذلك شبهة تحول دون القطع بوقوع الزنى ، ومن ثم فلا يقع الحد» (٤).

يتبين من خلال ما سبق البصمة الواضحة للإمام علي ـ رضي الله عنه ـ في التفسير ، وإسهامه الواضح في تطوره.

__________________

(١) أخرج طرفه الأول عن ابن مسعود مرفوعا البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحدهما ثقات كما في مجمع الزوائد (٧ / ١٥٥) ومن طريق آخر أخرجه ابن جرير في تفسيره (١ / ٣٥ ـ ٣٦) (١٠).

(٢) ينظر : د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٥٥.

(٣) الإحكام في أصول الأحكام (طبع العاصمة بالقاهرة ، د. ت) (٢ / ١٤٦) ، وينظر : الشاطبي : الموافقات في أصول الشريعة ، تحقيق : محمد عبد الله دراز (طبع بيروت ، ١٩٧٥) (٣ / ٣٧٣).

(٤) د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٥٦.

٢٢٠