تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

الفصل الأول

نشأة التفسير وتطوره

تمهيد :

يجدر بنا قبل الخوض في بيان نشأة التفسير وتطوره بيان معناه ، والفرق بينه وبين اصطلاحات قريبة المعنى منه ؛ ذلك أن فكرة التفسير والتأويل وما في معناهما كلفظ «المعنى» شغلت كثيرا من العلماء القدامى والمحدثين على السواء ، فمثلا يقول ابن فارس : «معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة : المعنى والتفسير والتأويل ، وهي وإن اختلفت فالمقاصد متقاربة» (١).

ونقل صاحب اللسان عن ابن الأعرابي وأحمد بن يحيى أن «المعنى والتفسير والتأويل واحد» (٢).

وسنتناول هذه الاصطلاحات الثلاثة في عجالة في الصفحات الآتية :

أولا : التفسير :

التفسير لغة :

مصدر فسّر ـ بتشديد السين ـ مأخوذ من الفسر ، والمحور الذي تدور عليه هذه المادة هو الكشف مطلقا ، سواء أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك ؛ يقال : فسرت اللفظ فسرا من باب ضرب ونصر (٣).

ويستعمل التفسير لغة في الكشف الحسي ، وفي الكشف عن المعاني المعقولة ، واستعماله في الثاني أكثر من استعماله في الأول (٤).

ومن المعنى اللغوي يمكن القول : إن التفسير بوصفه علما يقصد منه كشف المغلق من المراد باللفظ ، فالمفسر يكشف عن شأن الآية وقصصها ومعناها والسبب الذي أنزلت فيه (٥).

__________________

(١) الصاحبي في فقه اللغة (طبع المكتبة السلفية ، ١٣٢٨ ه‍) ص ١٦٢.

(٢) لسان العرب لابن منظور (طبعة دار المعارف ، القاهرة) مادة : «عني» و «فسر» و «أول» (٤ / ٣١٤٧) ، (٥ / ٣٤٢١) ، (١ / ١٧٢).

(٣) ينظر : القاموس المحيط ، مادة «فسر» ، ود. الذهبي : التفسير والمفسرون ص ١٥.

(٤) ينظر : التفسير والمفسرون ، الصفحة نفسها.

(٥) ينظر : د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم (الطبعة الثانية ١٤١٠ ه‍ ـ ١٩٨٩ م) ص ١٤.

١٨١

وقد استعمل القرآن الكريم المادة بهذا المعنى من الكشف والإبانة في قوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣] قال ابن عباس : يعني بيانا وتفصيلا (١).

التفسير اصطلاحا :

قدم كثير من العلماء تعريفات عدة للتفسير ، وعلى ما بينها من أوجه اختلاف فإنها تنص على أن التفسير : علم يبحث عن مراد الله ، سواء جاء ذلك تلميحا أو تصريحا (٢).

وهذا التعريف شامل لكل ما يتوقف عليه المعنى وفهمه وبيان المراد منه.

ثانيا : التأويل

التأويل لغة :

يدور حول معنيين لا ثالث لهما :

الأول : بمعنى الرجوع والعود والعاقبة.

والثاني : بمعنى تفسير الكلام وتبيين معناه.

وقد أشارت كتب اللغة إلى المعنيين ، ففي اللسان أن التأويل من «الأول : الرجوع ، آل الشيء يئول أولا ومآلا : رجع ... وفي الحديث «من صام الدهر فلا صام ولا آل» (٣) ، أي : لا رجع إلى خير ، وأول الكلام وتأوله : دبره وقدره ، وأوله وتأوله : فسره» (٤).

__________________

(١) ينظر : الزركشي : البرهان ، تحقيق : أبي الفضل إبراهيم (طبعة الحلبي ١٩٥٧ م) (٢ / ١٤٧).

(٢) ينظر مثلا تعريفات : السيوطي : الإتقان في علوم القرآن (طبعة مصطفى الحلبي ، القاهرة) (٢ / ١٧٤) ، وأبي حيان : البحر المحيط ـ مقدمة التفسير (١ / ١٣) ، ود / الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٦).

(٣) ذكره بلفظه ابن الأثير في النهاية (١ / ٦٣).

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو

أخرجه البخاري (٤ / ٧٤١) كتاب الصوم باب حق الأهل في الصوم (١٩٧٧) ، ومسلم (٢ / ٨١٤ ـ ٨١٥) كتاب الصيام باب النهي عن صوم الدهر (١٨٦ / ١١٥٩) ، وأحمد (٢ / ١٦٤ ، ١٨٨ ، ١٩٠ ، ١٩٥ ، ٢١٢) ، وعبد الرزاق (٧٨٦٣) ، والحميدي (٥٩٠) ، وعبد بن حميد (٣٢١) ، والترمذي (٢ / ١٣٢) كتاب الصوم باب ما جاء في سرد الصوم (٧٧٠) ، وابن ماجه (٣ / ١٩٤) كتاب الصيام باب ما جاء في صيام الدهر (١٧٠٦) ، والنسائي (٤ / ٢٠٦) كتاب الصيام باب ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه ، وابن خزيمة (٢١٠٩) ، والخطيب في تاريخه (١ / ٣٠٧) من طريق أبي العباس الشاعر عن عبد الله بن عمرو ... فذكره مطولا وقال في آخره قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا صام من صام الأبد» مرتين.

(٤) ابن منظور : لسان العرب مادة (أول) (١ / ١٧١) ، وينظر : الفيروزآبادي : القاموس المحيط (أول) (٣ / ٣٣١).

١٨٢

وقد كثر استعمال لفظ «التأويل» في القرآن الكريم بمعنييه ، فمن الأول قول الله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف : ٥٣] يعني ما يئول إليه في وقت بعثهم ونشورهم.

ومن الثاني قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] فالتأويل هنا يعني التفسير والتعيين والتوضيح.

التأويل اصطلاحا :

التأويل عند السلف في تعريفه غيره عند الخلف ؛ فالتأويل عند السلف يأتي على معنيين :

الأول : تفسير الكلام وبيان معناه ، وبذلك يكون التأويل والتفسير مترادفين.

والثاني : هو نفس المراد بالكلام ، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب ، وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به.

وبين هذا المعنى والذي قبله فرق ظاهر ، فالذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام : كالتفسير والشرح والإيضاح ، ويكون وجود التأويل فيه القلب واللسان ، وله الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج ، سواء أكانت ماضية أم مستقبلية ، فإذا قيل : طلعت الشمس ، فتأويل هذا هو نفس طلوعها ، وهذا في نظر ابن تيمية هو لغة القرآن التي نزل بها ؛ ولهذا يمكن إرجاع كل ما جاء في القرآن الكريم من لفظ التأويل إلى هذا المعنى الثاني (١).

أما الخلف من المتفقهة والمتكلمين والمتصوفين وغيرهم فقد رأوا أن التأويل يعني : صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.

والمتأول عندهم يحتاج إلى أمرين :

الأول : أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادعى أنه المراد.

الثاني : أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح ، وإلا كان تأويلا فاسدا وتلاعبا بالنصوص (٢).

ومن ثم قال الزركشي : «التأويل : التمييز بين المنقول والمستنبط ؛ ليحمل على

__________________

(١) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٩).

(٢) ينظر : السابق (١ / ١٩ ، ٢٠).

١٨٣

الاعتماد في المنقول ، وعلى النظر في المستنبط ؛ تجويزا له وازديادا» (١).

وأوضح من هذا ما قاله صاحب جمع الجوامع وشرحه : «التأويل : حمل الظاهر على المحتمل المرجوح ، فإن حمل عليه لدليل فصحيح ، أو لما يظن دليلا في الواقع ففاسد ، أو لا لشيء فلعب لا تأويل» (٢).

ثالثا : المعنى :

المعنى لغة واصطلاحا :

يراد بالمعنى لغة : القصد والمراد ، جاء في اللسان : «عنيت بالقول كذا : أردت ، ومعنى كل كلام ومعناته ومعنيته : مقصده ، ويقال : عرفت ذلك في معنى كلامه ومعناة كلامه وفي معنى كلامه» (٣).

وله علاقة بالإظهار والوضوح ، كما تقول : عنت القربة : إذا لم تحفظ ماءها بل أظهرته ، ومنه عنوان الكتاب ، أي : الجزء الظاهر منه والمنبئ عما بداخله (٤).

وتجدر الإشارة إلى أن هناك لفظا رابعا له اتصال ما بألفاظ التفسير والتأويل والمعنى ، وهو لفظ البيان ، ويعني : إظهار المتكلم المراد للسامع ، وهو أعم من الألفاظ الثلاثة جميعا ؛ لشموله كلّا من بيان التغيير وبيان التقرير ، وبيان الضرورة ، وبيان التبديل (٥).

الفرق بين التفسير والتأويل :

يمكن القول : إن حاصل ما تضمنته عبارات العلماء العديدة في هذا المقام لا يخرج عن اتجاهين :

الاتجاه الأول : أن التفسير والتأويل ترجمة عن معنى واحد ، بحيث إذا قلنا أحدهما على شيء قلنا الآخر عليه بلا أدنى فرق ، وإلى هذا ذهب أبو عبيد والطبري وطائفة (٦).

والاتجاه الثاني : أن التفسير والتأويل يختلف مدلول أحدهما عن الآخر اصطلاحا كما اختلفا لغة ، وقد حمل لواء هذا الاتجاه النيسابوري والزركشي والراغب الأصفهاني وغيرهم ... وقد تشددوا في التفريق بين اللفظين أيما تشدد ، حتى قال النيسابوري

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٧١ ، ١٧٢).

(٢) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٢٠) نقلا عن جمع الجوامع (٢ / ٥٦).

(٣) اللسان ، مادة (عنى).

(٤) ينظر : السابق ، المادة نفسها.

(٥) ينظر : الجرجاني : التعريفات ، مادة (أول).

(٦) ينظر : السيوطي : الإتقان في علوم القرآن (٢ / ١٧٣).

١٨٤

معرّضا : «قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه» (١).

وقد فرق العلماء بين اللفظين بفروق شتى ، نورد أبرزها ـ خشية الإطالة ـ فمثلا الراغب الأصفهاني يقول : «التفسير أعم من التأويل ، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ ، والتأويل في المعاني» (٢).

وأبو طالب الثعلبي يفرق فيقول : «التفسير : بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا ، كتفسير «الصراط» بالطريق ، و «الصيب» بالمطر. والتأويل : تفسير باطن اللفظ ، مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع لعاقبة الأمر ، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد ، والتفسير إخبار عن دليل المراد» (٣).

والماتريدي صاحبنا يقول : «التفسير : القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا ، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح ، وإلا فتفسير بالرأي ، وهو المنهي عنه ، والتأويل : ترجيح أحد المحتملات بدون قطع ، والشهادة على الله» (٤).

والأقوال كثيرة في التفريق بين التفسير والتأويل ، بعضها يصل بمفهوم المصطلحين إلى حد التباين ، ولعل أولاها بالقبول ما ذكره جملة من العلماء من أن التفسير يرجع إلى الرواية ، والتأويل يرجع إلى الدراية والاستنباط ؛ لأن التفسير كشف وبيان عن مراد الله ، والكشف عن مراد الله لانجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي ، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع ، وخالطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم. أما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل ، وهذا الترجيح يعتمد على الاجتهاد.

ومن ثم قال الزركشي ـ فيما أشرنا إليه من قبل ـ : «وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل ، التمييز بين المنقول والمستنبط ؛ ليحمل على الاعتماد

__________________

(١) السابق ، الصفحة نفسها.

(٢) د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٢١) ، ود. السيد خليل : نشأة التفسير في الكتب المقدسة والقرآن ص ٢٩ نقلا عن : مقدمة في التفسير للراغب ص ٤٠٢ ، ٤٠٣.

(٣) السيوطي : الإتقان في علوم القرآن (٢ / ١٧٣). وينظر : د. أبو شهبة : الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص ٤٣.

(٤) السيوطي : الإتقان في علوم القرآن (٢ / ١٧٣) ، والتفسير والمفسرون (١ / ٢١ ، ٢٢).

١٨٥

في المنقول ، وعلى النظر في المستنبط» (١).

وخلاصة القول : أنه برغم الاختلاف بين المصطلحين ، فإنهما يشتركان في معنى واحد ، وهو محاولة الكشف عن حقيقة شيء ، وأنه حين يستخدم كل منهما في شرح ألفاظ القرآن وبيان معانيه فإنه يجمعهما هذا المعنى العام.

نشأة التفسير وتطوره

من البدهيات أن كل شيء في الوجود لا يكتمل إلا إذا مر بمراحل معينة وأطوار متتالية ، وتلك سنة من سنن الله في الأشياء جميعا ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣].

ويصدق على العلوم ما يصدق على الأشياء ، فلم يعرف أن هناك علما من العلوم وجد كاملا هكذا فجأة ، وإنما كل علم مر بمراحل وتطورات حتى صار علما له أصوله وأركانه التي يقوم عليها.

ومن العلوم علم التفسير ، هذا العلم الذي شهد تطورات منذ نزول الآيات الأولى من كتاب الله الكريم وحتى يوم الناس هذا ، فبدأ بمرحلة المهد ثم الطفولة ، وتطورت به المراحل حتى استوى على سوقه ، وصارت له أصوله وأركانه.

وجدير بمن يتناول علم التفسير أن يقف عند هذه المراحل والتطورات ؛ لأنها تطورات متلاحقة ومتعانقة في آن واحد ، فلا يمكن فصل مرحلة عن مرحلة ، أو اعتماد مرحلة دون أخرى ، وإلا فقد هذا العلم ركنا من أركانه ، وأصلا من أصوله ، ولوقع المفسر في أخطاء جسيمة ، وأدخل في تفسيره للآيات غير مراد الله ومقصوده ، ومن ثم فعلى المفسر أن يراعي كل المراحل ، ولا يعتمد مرحلة دون مرحلة ، ويراعي في المقام الأول مرحلة التفسير في عهد النبوة ؛ لأنها الأساس الذي يبنى عليه ما بعده ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو أعلم الناس بالقرآن.

هذا : وقد أشرنا إلى نشأة علم التفسير في عجالة سريعة عند حديثنا عن الحياة الفكرية والعلمية في عصر الماتريدي في الفصل السادس من الباب الأول من هذه المقدمة ، إلا أنه لأهمية الوقوف على نشأة التفسير وتطوره ، خصصنا الصفحات الآتية لدراسة أبرز مراحل هذه النشأة وذلك التطور :

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٧١ ، ١٧٢).

١٨٦

المرحلة الأولى : التفسير في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين ، وعلى أساليب بلاغة العرب وبيانهم ، فكانوا يفهمونه ، ويدركون أغراضه ومراميه ، وإن تفاوتوا في الفهم ، والإدراك ؛ تبعا لاختلاف درجاتهم العلمية ، ومواهبهم العقلية ، فقد قال ابن قتيبة : «إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض» (١).

ومعنى هذا أن هناك آيات تشكل معانيها على الصحابة ، وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يسألون الرسول ليوضح لهم موضع الإشكال ، فمن هنا بذرت البذور الأولى لعلم التفسير.

والحق أن التفسير في هذه المرحلة يتميز بسمات لم تتوافر لأي مرحلة تالية ، ومن أبرز هذه السمات :

أن لجميع الأقوال التفسيرية التي شهدتها هذه المرحلة قوة النص المفسّر ، أو هي الوجه الآخر له ، إذا صح هذا التعبير.

إن تفسير القرآن في هذا المرحلة كان من عند الله تبارك وتعالى ، فهو سبحانه أول مبين ومفسر لكتابه ؛ لأنه الأعلم به وبمراد نفسه من غيره ، ولأن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ؛ ولذلك يقول الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] ، ويقول سبحانه : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣] ، ويقول جل وعلا : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٨ ـ ١٩].

وتفسير القرآن في هذه المرحلة ـ أيضا ـ كان موكولا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان طبيعيّا أن يفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن جملة وتفصيلا ، فهم ظاهره وباطنه ، ومجمله ومفصله ، ومقيده ومطلقه ، ومحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، وأمره ونهيه ، وغريبه ومشكله ، وسائر ما يتعلق بالأحكام والاعتقاد والتكاليف ... إلخ.

وقد أعطى القرآن الكريم للرسول الحق في عملية التفسير ، فقد قال الله جل وعلا : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، وقال سبحانه : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٥١].

__________________

(١) ابن قتيبة : المسائل والأجوبة ص ٨ والنص منقول عن : د. عبد الله شحاتة : علوم القرآن والتفسير (دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ١٩٨٣ م) ص (٣٤٥).

١٨٧

وقد بدأ التفسير في هذه المرحلة حينما كان الصحابة يسألون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن فهم القرآن الكريم كاملا ليس ميسورا لهم ، «بل لا بد لهم من البحث والنظر والرجوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يشكل عليهم فهمه ؛ وذلك لأن القرآن فيه المجمل ، والمشكل ، والمتشابه ، وغير ذلك مما لا بد في معرفته من أمور أخرى يرجع إليها» (١).

والأمثلة كثيرة وثابتة تدل على أن الصحابة كانوا يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما يشكل عليهم من معان قرآنية ، فمن ذلك ما أخرجه الترمذي عن على بن أبي طالب قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن «يوم الحج» فقال : «يوم النحر» (٢).

وقد فسر صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحساب اليسير بالعرض حيث قال : «من نوقش الحساب عذب» فقالت له السيدة عائشة : أو ليس قد قال الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق : ٧ ـ ٩] فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذلك العرض» (٣) بيانا للحساب

__________________

(١) د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (مكتبة وهبة ، القاهرة ، الطبعة الثالثة (١٤٠٥ ه‍ ـ ١٩٨٥ م /) (١ / ٣٦).

(٢) أخرجه الترمذي (٢ / ٢٨٠) ، أبواب الحج ، باب : ما جاء في يوم الحج الأكبر (٩٥٧) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور (٣ / ٣٨٠) وأخرجه الترمذي (٩٥٨) وابن أبي شيبة وأبي الشيخ عن على موقوفا كما في الدر المنثور (٣ / ٣٨١).

وقال الترمذي : هذا أصح من الحديث الأول.

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر : أخرجه أبو داود (١ / ٥٩٨ ـ ٥٩٩) كتاب المناسك باب يوم الحج الأكبر (١٩٤٥) ، وابن ماجه (٤ / ٥٠٣) كتاب المناسك باب الخطبة يوم النحر (٣٠٥٨) ، والطحاوي في شرح المشكل (١٤٥٩) و (١٤٦٠) والطبراني (٦٤٤٧) والحاكم (٢ / ٣٣١) والبيهقي (٥ / ١٣٩) وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحيلة كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٣٨١) من طرق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال : «أي يوم هذا؟» قالوا : يوم النحر قال : «هذا يوم الحج الأكبر».

(٣) أخرجه البخاري (٩ / ٧١٠) كتاب التفسير باب (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (٤٩٣٩) ، ومسلم (٤ / ٢٢٠٥) كتاب الجنة وصفة نعيمها (٨٠ / ٢٨٧٦) ، وأحمد (٦ / ١٠٨) من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس أحد يحاسب إلا هلك» قالت : قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس يقول الله عزوجل(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) [الانشقاق : ٧ ـ ٨] قال : «ذاك العرض يعرضون ، ومن نوقش الحساب هلك».

وأخرجه البخاري (٤٩٣٩) ، ومسلم (٧٩ / ٢٨٧٦) ، وأحمد (٦ / ٤٧ و ١٠٨ و ١٢٧) ، وأبو داود (٢ / ٢٠١) كتاب الجنائز باب عيادة النساء (٣٠٩٣) ، والترمذي (٤ / ٢٢٣) كتاب صفة القيامة (٢٤٢٦) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٩٧) كتاب التفسير باب قوله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، وأبو يعلى (٤٤٥٣) ، وابن حبان (٧٣٦٩) و (٧٣٧٠) و (٧٣٧١) ، والقضاعي في مسند الشهاب (٣٣٨) ، والبيهقي في الاعتقاد (٢٠٩ ـ ٢١٠) ، من طرق عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حوسب يوم القيامة عذب» فقلت : أليس قد قال الله ـ

١٨٨

اليسير.

وكذلك فسر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القوة بالرمي في قوله سبحانه : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠](١).

وأحيانا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفسر بنفسه المعنى دون أن يوجه إليه سؤال من أحد الصحابة ، من ذلك ما أخرجه الترمذي عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تفسير قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] يقول : «لا إله إلا الله» (٢).

وهناك لون من التفسير وجد في العهد النبوي ، وهو ما يمكن تسميته : التفسير بالوقائع ، وفيه تفسير الآية قبل نزولها ؛ حيث تقع واقعة ، ويسأل الصحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينزل الوحي بحكم هذه الواقعة المسئول عنها ، فيفهم الصحابة عن الله مراده في الآيات (٣).

__________________

ـ عزوجل : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) [الانشقاق : ٨] فقال : «وليس ذاك الحساب إنما ذاك العرض ، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب».

وأخرجه أحمد (٦ / ٤٨ و ١٥٨) ، وابن خزيمة (٨٤٩) ، من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في بعض صلاته : «اللهم حاسبني حسابا يسيرا» فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال : «ينظر في كتابه ويتجاوز له عنه. إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله به عنه حتى الشوكة تشوكه».

(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢٢) كتاب الإمارة باب فضل الرمي (١٦٧ / ١٩١٧) ، وأحمد (٤ / ١٥٦) ، وسعيد بن منصور (٢٤٤٨) وأبو داود (٢ / ١٧) كتاب الجهاد باب في الرمي (٢٥١٤) ، وابن ماجه (٤ / ٣٤٧) كتاب الجهاد باب الرمي في سبيل الله (٢٨١٣) ، وأبو يعلى (١٧٤٣) ، وابن حبان (٤٧٠٩) ، والطبراني (١٧ / ٣٣٠) (٩١١) ، والبيهقي (١٠ / ١٣) من طرق عن أبي علي الهمداني عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على المنبر : «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ألا إن القوة الرمي ، إلا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي» ، وأخرجه الترمذي (٥ / ١٦٤) كتاب التفسير باب (ومن سورة الأنفال) (٣٠٨٣) والطبري في تفسيره (٦ / ٢٧٥) (١٦٢٤١) و (١٦٢٤٢) من طريق صالح بن كيسان عن رجل عن عقبة بن عامر ... فذكره.

وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٢٨) من طريق مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر ... فذكره.

(٢) أخرجه : الترمذي (٥ / ٣٠٦) ، أبواب التفسير ، باب : ومن سورة الفتح (٣٢٦٥) ، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (٥ / ١٣٨) ، والطبري (١١ / ٣٦٤) (٣١٥٧٩) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (١ / ١٨١) ، والدار قطني في الإفراد وابن مردويه كما في الدر المنثور (٦ / ٧٧) ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب.

(٣) هذا اللون يسمى بعلم أسباب النزول ، وقد أفردت له مؤلفات عدة ، منها : أسباب النزول للنيسابوري ، وأسباب النزول للسيوطي ، وغيرهما ، ولمعرفة أسباب النزول فوائد جمة للمفسر ، فمن فوائدها : الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال ، قال الواحدي : «لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها ، وبيان سبب نزولها» وقال ابن دقيق العيد : «بيان سبب النزول طريق قوي ـ

١٨٩

والآيات التي نزلت مرتبطة بوقائع كثيرة في القرآن الكريم ، وقلما تجد سورة تخلو من آيات مرتبطة بوقائع ، فمن ذلك ما جاء في سورة البقرة : ففي قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] أخرج الواحدي والثعلبي من طريق محمد بن مروان والسدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تميم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب ، الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد على ، فقال : مرحبا بابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وختنه (١) ، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ، ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيرا ، فرجع المسلمون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبروه بذلك ، فنزلت هذه الآية (٢).

وفي قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥] أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال : خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك».

فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ، فتلون وجهه ، ثم قال : «اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار ، ثم أرسل الماء إلى جارك» ، واستوعب للزبير حقه ، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة ، قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك (٣).

__________________

ـ في فهم معاني القرآن» وقال ابن تيمية : «معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، وقد أشكل على جماعة من السلف معاني آيات حتى وقفوا على أسباب نزولها فزال عنهم الإشكال» (ينظر : الإمام السيوطي : أسباب النزول ، تحقيق وتعليق : قرني أبو عميرة ، مكتبة نصير ، القاهرة ، مصر ، ص ٥).

(١) أي صهره وزوج ابنته.

(٢) السيوطي : أسباب النزول (ص ١٠ ، ١١) وقال : هذا الإسناد واه جدا ، فإن السدي الصغير كذاب ، وكذا الكلبي ، وأبو صالح ضعيف وانظر الدر المنثور له (١ / ٦٩).

(٣) أخرجه البخاري (٥ / ٣٠٧) كتاب المساقاة باب سكر الأنهار (٢٣٥٩) و (٢٣٦٠) ، ومسلم (٤ / ـ

١٩٠

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : جاء العاصي بن وائل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعظم حائل ففته ، فقال : يا محمد أيبعث هذا بعد ما أرم؟ قال : «نعم ، يبعث الله هذا ، ثم يميتك ، ثم يحييك ، ثم يدخلك نار جهنم» ، فنزلت الآيات (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) [يس : ٧٧] إلى آخر السورة (١).

والأمثلة في هذا الشأن كثيرة جدّا ، وهي مبثوثة في كتب أسباب النزول ، وكتب السنة الصحيحة كذلك يراجعها من أراد.

إذن نستطيع القول : إن هناك طريقين ، أو بالأحرى مصدرين للتفسير في المرحلة النبوية ، هذان الطريقان هما :

الأول : القرآن الكريم ؛ حيث يجد الناظر في كتاب الله تعالى أن هناك آيات تفسر بها آيات أخرى ، فالقرآن الكريم «قد اشتمل على الإيجاز والإطناب ، وعلى الإجمال والتبيين ، وعلى الإطلاق والتقييد ، وعلى العموم والخصوص ، وما أوجز في مكان قد يبسط في مكان آخر ، وما أجمل في موضع قد يبين في موضع آخر ، وما جاء مطلقا في ناحية قد يلحقه التقييد في ناحية أخرى ، وما كان عامّا في آية قد يدخله التخصيص في آية أخرى ؛ لهذا كان لا بد لمن يتعرض لتفسير كتاب الله تعالى أن ينظر في القرآن أولا : فيجمع ما تكرر منه في موضوع واحد ، ويقابل الآيات بعضها ببعض» (٢) ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد فسر القرآن الكريم بالقرآن الكريم حيث سئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام : ٨٢] فقال الصحابة لما نزلت : وأينا لا يلبس إيمانه بظلم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم تقرءوا قول الله

__________________

ـ ١٨٢٩ ـ ١٨٣٠) كتاب الفضائل باب وجوب اتباعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٢٩ / ٢٣٥٧) ، وأحمد (٤ / ٤) ، وعبد بن حميد (٥١٩) ، وأبو داود (٢ / ٣٣٩) كتاب الأقضية أبواب القضاء (٣٦٣٧) ، وابن ماجه (١ / ٥١) في المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٥) وفي (٢٤٨٠) ، والترمذي (٣ / ٣٦) كتاب الأحكام باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر (١٣٦٣) وفي (٣٠٢٧) ، والنسائي (٨ / ٢٤٥) كتاب آداب القضاة باب إشارة الحاكم بالرفق ، وابن الجارود (١٠٢١) ، وابن حبان (٢٤) ، والطحاوي في المشكل (١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢) ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص / ٤٣) ، والحاكم (٣ / ٣٦٤) ، والبيهقي (٦ / ١٤٥ و ١٥٣ و ١٠ / ١٠٦) من طريق عروة بن الزبير أن عبد الله ابن الزبير حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير ... فذكره.

(١) أخرجه الطبري (١٠ / ٤٦٤) (٢٩٢٤٣) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والإسماعيلي في معجمه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والضياء في المختارة كما في الدر المنثور (٥ / ٥٠٧).

(٢) د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٤٠).

١٩١

تعالى : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣]» (١).

ففسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الظلم في الآية الأولى بالشرك في الآية الثانية.

ومن تفسير القرآن بالقرآن ما جاء بحمل المجمل على المفصل ، مثال ما جاء في تفسير قول الله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] فقد جاء تفسير قوله سبحانه : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) في آية كريمة أخرى هي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٣].

ومن تفسير القرآن بالقرآن ـ أيضا ـ ما جاء بحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص : فمن الأول : ما نقله الغزالي عن أكثر الشافعية من حمل المطلق على المقيد في صورة اختلاف الحكمين عند اتحاد السبب ، ومثل له بآية الوضوء والتيمم ، فإن الأيدي مقيدة في الوضوء بالغاية في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ... ومطلقة في التيمم في قوله تعالى في الآية نفسها : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) [المائدة : ٦] فقيدت في التيمم بالمرافق أيضا (٢).

ومن النوع الثاني : نفي الخلة والشفاعة على جهة العموم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤] فخصص العموم في قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم : ٢٦] فقد استثنى ما أذن فيه من الشفاعة ، وفي قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] فقد استثنى الله المتقين من نفي الخلة. (٣)

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ١٢٢) كتاب الإيمان باب ظلم دون ظلم (٣٢) ، ومسلم (١ / ١١٤ ـ ١١٥) كتاب الإيمان باب صدق الإيمان (١٩٧ / ١٢٤) ، وأحمد (١ / ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٤٤) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٢٧) كتاب التفسير باب قوله تعالى (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، وأبو يعلى (٥١٥٩) والترمذي (٥ / ١٥٢) كتاب التفسير باب ومن سورة الأنعام (٣٠٦٧) وأبو عوانة (١ / ٧٣) ، وابن حبان (٢٥٣) ، وابن مندة (٢٦٥) و (٢٦٦) و (٢٦٧) و (٢٦٨) ، والبيهقي (١٠ / ١٨٥).

(٢) ينظر : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٤٢).

(٣) ينظر : السابق ، الصفحة نفسها.

١٩٢

ومن تفسير القرآن بالقرآن : حمل المبهم على المبين ، كما في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة : ١٨٧] فقد فسر قوله : (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) بقوله : (الْفَجْرِ).

ومنه ـ أيضا ـ قول الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) [الطارق : ١] فقد بينت كلمة الطارق بما تلاها من قول الله تعالى : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [الطارق : ٣].

«ومن تفسير القرآن بالقرآن : الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف : كخلق آدم من تراب في بعض الآيات ، ومن طين في غيرها ، ومن حمأ مسنون ، ومن صلصال ، فإن هذا ذكر للأطوار التي مر بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح» (١).

وتجدر الإشارة إلى أن تفسير القرآن بالقرآن كان النواة الأولى لعلم التفسير ، وهو ما قاله المستشرق جولد تسيهر ، ووافقه الذهبي حين قال : «نعم نستطيع أن نوافقه ـ يقصد جولد تسيهر» أن المرحلة الأولى للتفسير تتركز في القرآن نفسه ، على معنى رد متشابهه إلى محكمه ، وحمل مجمله على مبينه ، وعامه على خاصه ، ومطلقه على مقيده ... كما تتركز في بعض قراءاته المتواترة» (٢).

الطريق الثاني في تفسير القرآن الكريم في المرحلة النبوية : تفسيره بالسنة الشريفة ، وذلك حين لا نجد في القرآن ما نفسره به ، «فالسبيل المثالية التي لا ينبغي لعاقل أن يعدل عنها ، أن يطلب التفسير ثاني ما يطلبه ـ أي بعد القرآن مباشرة ـ من السنة ، وعلى هذا أطبق أهل السنة والجماعة ؛ انطلاقا منهم ـ رحمهم‌الله ـ من مسلمات أربع :

أولاها : أن خير من يمكن أن يفسر القرآن ، ومن ينبغي أن يطلب منه تفسيره بعد الله تعالى في محكم كتابه هو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي حدثنا ربه فيما حدث من وصفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ، ٤].

فهو إذن صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقتضى كونه رسولا أولا ، ثم بمقتضى شهادة هذا النص وأشباهه ثانيا ـ لا يمكن أن يقر على خطأ أبدا ، دع عنك أن يكون الخطأ في مثل هذا الأمر الجلل ، أعني تفسير القرآن الكريم الذي هو أعظم معجزاته ، وأكبر آيات فضله وسمو منزلته ، فإن جاز عليه الخطأ بمقتضى بشريته في يسير الأمر ، فليس يجوز عليه في أهم المهمات بالنسبة له

__________________

(١) السابق ، الصحفة نفسها

(٢) السابق (١ / ٤٤) ، وينظر : جولد تسيهر : المذاهب الإسلامية في التفسير (١ / ١). وسنعود في قابل دراستنا هذه إلى مناقشة آراء المستشرقين في تفسير القرآن بالقرآن ؛ حيث إنه قد وقعت منهم مغالطات لا يمكن قبولها ، يبغون منها هدم القرآن والإسلام ، ولكن هيهات هيهات

١٩٣

ولشريعته وأمته أصلا ، بل إن جاز عليه الخطأ ولو في يسير من الأمر بمقتضى تلك البشرية ، فليس يجوز في عقل عاقل أن يقر عليه ، بمقتضى ما له من الرسالة ، بل لا محالة يهديه ربه إلى صواب القول والعمل.

الثانية : أن خير من يمكن أن يفسر الشيء من تكون أهم وظائفه تبيان ذلك الشيء ، فعند ذلك نقول : قد صرح الله في محكم ذكره بأن أولى غايتي إنزاله ، وبالتالي أهم وظيفة لنبيه هي تبيانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك الذكر للناس ، على ما قال جل من قائل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤].

الثالثة : أن من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن السنة هي الأصل الثاني لهذا الدين ، والمصدر التالي للقرآن مباشرة في جميع كليات هذا الدين وجزئياته ، فالمجاوز للسنة إذن مع وجدان طلبته فيها راكب لعظيم ، مخالف لمقتضى ضروريات هذا الدين.

الرابعة : أن طلب البيان من السنة ما تيسر فيها هو من جملة مقتضى الأوامر الإلهية الموجبة لطاعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كل ما نأتي ونذر ؛ من أمثال قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩](١).

وقد رسخت هذه المسلمات وتقررت في أذهان أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكانوا يسألونه ـ كما سبقت الإشارة ـ عن جميع ما يشكل عليهم من القرآن الكريم وغيره ، وقد ذكرنا فيما مضى بعض الأمثلة التي تبين ذلك ، ونزيد الأمر وضوحا بعرض مجموعة القضايا الآتية :

القضية الأولى : كيف بينت السنة القرآن (٢)؟

جاء بيان السنة للقرآن على وجوه متعددة ، أبرزها ما يأتي :

الوجه الأول : بيانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض مجملات القرآن ، كما في بعض الفروض التي جاءت في القرآن مجملة : كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، فقد قام صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتفصيل أمرها بأقواله أو أفعاله ، أو كليهما ، تفصيلا ما كنا نستطيع بدونه أن نفهم المقصود منها ، فقد بين صلى‌الله‌عليه‌وسلم مواقيت الصلوات الخمس ، وعدد ركعات كل صلاة وكيفيتها ، وبين مقادير الزكاة ،

__________________

(١) د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين ـ الجزء الأول (طبعة دار الوفاء ، نشر مكتبة الأزهر ، القاهرة (١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م) (ص ٢١٣ ، ٢١٤).

(٢) ينظر في هذه القضية : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٧ ـ ٥٩) ، ود. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين ـ الجزء الأول (ص ٢٣٥ ـ ٢٤٦) ود. عبد الله شحاتة : علوم القرآن والتفسير (ص ٢٤٧ ، ٢٤٨).

١٩٤

وأوقاتها ، وأنواعها ، وبين مناسك الحج وأركانه وسننه ؛ ولذلك كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «صلوا كما رأيتموني أصلي» (١) ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول ـ أيضا ـ : «خذوا عني مناسككم» (٢).

وروى ابن المبارك عن عمران بن حصين أنه قال لرجل : «إنك رجل أحمق ، أتجد الظهر في كتاب الله أربعا لا يجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ، ونحو ذلك ، ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا؟ إن كتاب الله تعالى أبهم هذا ، وإن السنة تفسر هذا» (٣).

الوجه الثاني : تخصيص العام في القرآن ، ومن أمثلته تخصيص آية الزانية والزاني بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفعله بغير المحصن.

وتخصيص الظلم في قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(٤) [الأنعام : ٨٢] بالشرك.

الوجه الثالث : تقييده صلى‌الله‌عليه‌وسلم مطلقات القرآن ، ومن ذلك تقييده اليد في قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] باليمين (٥).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٥ / ٥٣) ، والبخاري (٢ / ١١٠) كتاب : الأذان ، باب : من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد ، حديث (٦٣١) ، ومسلم (١ / ٤٦٦) كتاب : المساجد ، باب : من أحق بالإمامة ، حديث (٢٩٣ / ٦٧٤) ، وأبو داود (١ / ٣٩٥ ـ ٣٦) كتاب : الصلاة ، باب : من أحق بالإمامة ، حديث (٥٨٩) ، والترمذي (١ / ٣٩٩) كتاب : الصلاة ، باب : ما جاء في الأذان والسفر ، الحديث (٢٠٥) ، والنسائي (٢ / ٨ ـ ٩) كتاب : الأذان ، باب : أذان المنفردين في السفر ، وابن ماجه (١ / ٣١٣) كتاب : إقامة الصلاة ، باب : من أحق بالإمامة ، الحديث (٩٧٩) ، والدارمي (١ / ٢٨٦) ، والبيهقي (١ / ٣٨٥).

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٣١٨) ، ومسلم (٢ / ٩٤٣) كتاب : الحج ، باب : استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر ، الحديث (٣١٠ / ١٢٩٧) ، وأبو داود (٢ / ٤٩٥) كتاب : المناسك ، باب : في رمي الجمار ، الحديث (١٩٧٠) ، والنسائي (٥ / ٢٧٠) كتاب : المناسك ، باب : الركوب إلى الجمار ، واستظلال المحرم ، وابن ماجه (٢ / ١٠٠٦) كتاب : المناسك ، باب : الوقوف بجمع حديث (٣٠٢٣) ، والترمذي (٣ / ٢٣٤) كتاب : الحج ، باب : ما جاء في الإفاضة من عرفات (٨٨٦) مختصرا.

وابن خزيمة (٤ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، وأبو يعلى (٤ / ١١١) ، رقم (٢١٤٧) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٣) انظر زوائد نعيم بن حماد على كتاب الزهد لابن المبارك (١ / ٢٣) (٩٢).

(٤) سبق تخريجه.

(٥) أخرج الطبري وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن مسعود أنه قرأ (فاقطعوا أيمانها) كما في الدر المنثور (٢ / ٤٩٦).

وذكر له طريقا آخر قال : في قراءة عبد الله بن مسعود : (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم).

١٩٥

الوجه الرابع : إيضاحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض مبهمات القرآن : كتفسيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم للعبد الصالح صاحب موسى عليه‌السلام بالخضر (١).

الوجه الخامس : بيانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لفظا أو متعلقه : كبيان المغضوب عليهم في قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧].

الوجه السادس : بيانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحكاما زائدة على ما جاء في القرآن الكريم ، كتحريم زواج المرأة على عمتها وخالتها (٢) وصدقة الفطر (٣) ، ورجم الزاني المحصن (٤) ، وميراث

__________________

(١) أخرجه البخاري (٩ / ٣٢٩) كتاب التفسير باب قوله وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف : ٥٤] (٤٧٢٥) ، ومسلم (٤ / ١٨٤٧ ـ ١٨٥٠) كتاب الفضائل باب من فضائل الخضر (١٧٠ / ٢٣٨٠) ، وأحمد (٥ / ١١٦ و ١١٨ و ١١٩) ، وعبد بن حميد (١٦٩) ، وأبو داود (٢ / ٦٤٠) كتاب السنة باب في القدر (٤٧٠٧) ، وعبد الله في زياداته (٥ / ١١٧ و ١١٨ و ١٢١ و ١٢٢) ، وابن حبان (٦٢٢٠) والبيهقي في الأسماء والصفات (١ / ١٩٧) ، والنسائي في الكبرى (٣ / ٤٢٧ ـ ٤٢٩) كتاب العلم باب الرحلة في طلب العلم ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور (٤ / ٤١٧) من طريق سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل ... فذكره مطولا.

(٢) أخرجه مالك (٢ / ٥٣٢) كتاب : النكاح ، باب : ما لا يجمع بينه من النساء ، حديث (٢٠) ، والبخاري (٩ / ١٦٠) كتاب : النكاح ، باب : لا تنكح المرأة على عمتها ، حديث (٥١٠٩) ، ومسلم (٢ / ١٠٢٨) كتاب : النكاح ، باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، حديث (٣٣ / ١٤٠٨) ، والشافعي في مسنده (٢ / ١٨) كتاب : النكاح ، باب : الترغيب في التزوج (٥٠) ، والنسائي (٦ / ٩٦) كتاب : النكاح ، باب : الجمع بين المرأة وعمتها ، والدارمي (٢ / ١٣٦) كتاب : النكاح ، باب : الحال التي يجوز للرجل أن يخطب فيها ، وأحمد (٢ / ٤٦٥) ، وسعيد بن منصور (١ / ٢٠٩) رقم (٦٥٤) ، ومحمد بن نصر في السنة (ص ـ ٧٨) رقم (٢٧٠ ، ٢٧١) ، والبيهقي (٧ / ١٦٥) كتاب : النكاح ، باب : ما جاء في الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها. من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

ومن طريق أبي سلمة :

أخرجه مسلم (٢ / ١٠٢٩) كتاب : النكاح ، باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح حديث (٣٧ / ١٤٠٨) ، والنسائي (٦ / ٩٧) كتاب : النكاح ، باب : الجمع بين المرأة وعمتها ، وسعيد بن منصور (١ / ٢٠٨) رقم (٦٥٠) ، وأحمد (٢ / ، ٤٢٣٢٢٩) ، وعبد الرزاق (٦ / ٢٦١) رقم (١٠٧٥٥) ، ومحمد بن نصر المروزي في السنة (ص ـ ٧٨) رقم (٢٦٩٦) من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

ومن طريق قبيصة بن ذؤيب :

أخرجه البخاري (٩ / ١٦٠) كتاب : النكاح ، باب : لا تنكح المرأة على عمتها (٥١١٠) ، ومسلم (٢ / ١٠٢٨) كتاب : النكاح ، باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ، حديث (٣٥ / ١٤٠٨) ، وأبو داود (٢ / ٥٥٤) كتاب : النكاح ، باب : ما يكره أن يجمع بينهن من النساء ، حديث (٢٠٦٦) ، والنسائي (٦ / ٩٦ ـ ٩٧) كتاب : النكاح ، باب : الجمع بين المرأة وعمتها ، وأحمد (٢ / ٤٠١ ، ٤٥٢ ، ٥١٨) ومحمد بن نصر المروزي في السنة (ص ـ ٧٨) رقم (٢٧٢) ، والبيهقي (٧ / ١٦٥) كتاب : النكاح ، باب : ما جاء في الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها ، ـ

١٩٦

__________________

ـ من طريق قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة ... فذكره.

(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٣٦٩) كتاب : الزكاة ، باب : صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ، حديث (١٥٠٤) ، ومسلم (٢ / ٦٧٧) كتاب : الزكاة ، باب : زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير ، حديث (١٢ / ٩٨٤) ، وأبو داود (٢ / ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥) كتاب : الزكاة ، باب : كم يؤدي في صدقة الفطر ، حديث (١٦١١) ، والنسائي (٥ / ٤٨) كتاب : الزكاة ، باب : فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين ، وابن ماجه (١ / ٥٨٤) كتاب : الزكاة ، باب : صدقة الفطر ، حديث (١٨٢٦) ، والترمذي (٣ / ٦١) كتاب : الزكاة ، باب : ما جاء في صدقة الفطر ، حديث (٦٧٦) ، ومالك (١ / ٢٨٤) كتاب : الزكاة ، باب : زكاة الفطر ، حديث (٥٢) ، والشافعي (١ / ٢٥٠) كتاب : الزكاة ، باب : الخامس في صدقة الفطر ، وأحمد (٢ / ١٣٧) ، والدارمي (١ / ٣٩٢) كتاب : الزكاة ، باب : في زكاة الفطر ، والبيهقي (٤ / ١٥٩) كتاب : الزكاة ، باب : من قال : زكاة الفطر فريضة ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (١ / ٣٢٠) ، من طريق مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، وقال الترمذي حسن صحيح.

(٤) أخرجه البخاري (١٢ / ١٣٦) كتاب : الحدود ، باب : سؤال الإمام المقر هل أحصنت؟ حديث (٦٨٢٥) ، ومسلم (٣ / ١٣١٨) ، كتاب : الحدود ، باب : من أجاز ألا يحضر الإمام ، والبغوي في شرح السنة (٥ / ٤٦٥ ، ٤٦٦) كلهم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من الناس وهو في المسجد فناداه : يا رسول الله ، إني زنيت فأعرض عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله ، فقال : يا رسول الله ، إني زنيت فأعرض عنه ، فجاء لشق وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي أعرض عنه ، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أبك جنون؟ قال : لا يا رسول الله ، فقال : أحصنت؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : اذهبوا فارجموه».

وللحديث طريق آخر عن أبي هريرة :

أخرجه الترمذي (٤ / ٢٧) كتاب : الحدود ، باب : ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع ، حديث (١٤٢٨) ، وابن ماجه (٢ / ٨٥٤) كتاب : الحدود ، باب : الرجم ، حديث (٢٥٥٤) ، وأحمد (٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، ٤٥٠) ، وابن الجارود في المنتقى رقم (٨١٩) ، وابن حبان (٢٤٢٢ ـ الإحسان) ، والحاكم (٤ / ٣٣٦) ، والبغوي في شرح السنة (٥ / ٤٦٥) كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : «جاء ماعز بن مالك الأسلمي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إني زنيت فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الأيمن فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الأيسر فقال : يا رسول الله إني قد زنيت فأعرض عنه ثم جاءه فقال : إني قد زنيت ، قال ذلك أربع مرات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انطلقوا به فارجموه» فانطلقوا به ، فلما مسته الحجارة أدبر يشتد ، فلقيه رجل في يده نحى جمل ، فضربه به فصرعه فذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «فهلا تركتموه».

وقال الترمذي : حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة.

وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، وصححه ابن حبان.

وقال البغوي عقبه : هذا حديث متفق على صحته ، وهو وهم ، فهو متفق على صحته من حديث أبي هريرة ، ولكن ليس من هذا الطريق.

وللحديث طريق ثالث عن أبي هريرة :

أخرجه أبو داود (٤ / ٥٧٩) كتاب الحدود ، باب : رجم ماعز بن مالك ، حديث (٤٤٢٩) ،

١٩٧

الجدة (١) ، والحكم بشاهد ويمين (٢) ... وغير ذلك.

__________________

ـ والنسائي في الكبرى (٤ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧) كتاب : الرجم ، باب : استقصاء الإمام على المعترف عنده بالزنا ، حديث (٧١٦٤) ، وأبو يعلى (١٠ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥) رقم (٦١٤٠) كلهم من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن ابن عم لأبي هريرة عن أبي هريرة أن ماعز بن مالك جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فأعرض عنه حتى قالها أربعا ، فلما كان في الخامسة قال : «زنيت؟» قال : نعم ، قال : «وتدري ما الزنى؟» قال : نعم ، أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا ، قال : «ما تريد إلى هذا القول؟» قال : أريد أن تطهرني ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والعصا في الشيء؟» قال : نعم يا رسول الله ، قال : فأمر برجمه فرجم ، فسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا ستر الله عليه ، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب ، فسار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا ثم مر بجيفة حمار فقال : «أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا جيفة هذا الحمار» ، قالا : غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا؟ قال : «فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه ، والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يتقمص فيها».

وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة ابن عم أبي هريرة ، لكن أخرجه به الرزاق (٧ / ٣٢٢) رقم (١٣٣٤٠) عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير عن عبد الرحمن بن الصامت عن أبي هريرة به ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود (٤ / ٥٧٩) كتاب : الحدود ، باب : رجم ماعز بن مالك ، حديث (٤٤٢٨) ، والنسائي في الكبرى (٤ / ٢٧٧) كتاب : الرجم ، باب : ذكر استقصاء الغمام على المعترف عنده بالزنا ، حديث (٧١٦٥) ، وابن الجارود رقم (٨١٤) ، وابن حبان (١٥١٣ ـ موارد) ، والدار قطني (٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧) كتاب الحدود ، والديات ، حديث (٣٣٩) ، والبيهقي (٨ / ٢٢٧) كتاب الحدود ، باب : من قال : لا يقام عليه الحد حتى يعترف أربع مرات ، وقد أخرجه ابن حبان (١٥١٤ ـ موارد) من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير به ، وأخرجه النسائي في الكبرى (٤ / ٢٧٧) كتاب : الرجم ، حديث (٧١٦٦) من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير ، وصححه ابن حبان.

وقال النسائي : عبد الرحمن ليس بمشهور.

قلت : ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٥ / ٢٩٧) ، والبخاري في تاريخه الكبير (٥ / ٣٦١) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، وذكره ابن حبان في الثقات.

(١) أخرجه مالك (٢ / ٥١٣) كتاب : الفرائض ، باب : ميراث الجدة ، حديث (٤) ، وأحمد (٤ / ٢٢٥) ، وأبو داود (٣ / ٣١٦) كتاب : الفرائض ، باب : في الجدة ، حديث (٢٨٩٤) ، والترمذي (٤ / ٤٢٠) كتاب : الفرائض ، باب : ميراث الجدة ، حديث (٢١٠١) ، وابن ماجه (٢ / ٩٠٩) كتاب : الفرائض ، باب : ميراث الجدة ، حديث (٢٧٢٤) ، وعبد الرزاق (١٩٠٨٣) ، وابن الجارود رقم (٩٥٩) ، وأبو يعلى (١ / ١١٠) رقم (١١٩ ، ١٢٠) ، وابن حبان (١٢٢٤ ـ موارد) ، والدار قطني (٤ / ٩٤) كتاب : الفرائض ، والحاكم (٤ / ٣٣٨) كتاب : الفرائض ، باب : قضاء أبي بكر في الجدة ، والبيهقي (٦ / ٢٣٤) كتاب : الفرائض ، باب : فرض الجدة والجدتين ، كلهم من طريق قبيصة بن ذؤيب به.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وصححه ابن حبان.

وفيه نظر ، فإن قبيصة بن ذؤيب لم يدرك أبا بكر.

قال العلائي في جامع التحصيل (ص ـ ٢٥٤) : قبيصة بن ذؤيب ولد عام الفتح على الأصح ،

١٩٨

الوجه السابع : بيانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم النسخ ، كأن يبين لنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن آية كذا نسخت كذا ، أو أن حكم كذا نسخ بكذا ... وهكذا ، ومن ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا وصية

__________________

ـ وقيل : أول سنة من الهجرة وفي التهذيب أن روايته عن أبي بكر وعمر رضي الله عنه مرسلة.

والحديث ذكره الحافظ في التلخيص (٣ / ٨٢) وقال : وإسناده صحح لثقة رجاله ، إلا أن صورته مرسل ، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق ، ولا يمكن شهوده للقصة.

وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (٢ / ١٣٢) : وقال ابن حزم في محلاه : لا يصح لأنه منقطع ؛ لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة ولا محمد ، وتبعه عبد الحق وابن القطان.

(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٣٧) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين والشاهد حديث (٣ / ١٧١٢) ، وأبو داود (٤ / ٣٢) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين والشاهد حديث (٣٦٠٨) ، والنسائي في الكبرى (٣ / ٤٩٠) كتاب : القضاء ، باب : الحكم باليمين مع الشاهد الواحد حديث (٦٠١١) ، وابن ماجه (٢ / ٧٩٣) كتاب : الأحكام ، باب : القضاء بالشاهد واليمين حديث (٢٣٧٠) ، وأحمد (١ / ٢٤٨ ، ٣١٥ ، ٣٢٣) ، والشافعي (٢ / ١٧٨) كتاب : الأقضية رقم (٦٢٧ ، ٦٢٨) ، وابن الجارود في المنتقى رقم (١٠٠٦) ، وأبو يعلى (٤ / ٣٩٠) رقم (٢٥١١) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ١٤٤) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين مع الشاهد ، والبيهقي (١٠ / ١٦٧) كتاب : الشهادات ، باب : القضاء باليمين مع الشاهد ، والبغوي في شرح السنة (٥ / ٣٤٠» كلهم من طريق قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى باليمين على الشاهد».

وهذا الحديث قد طعن فيه الطحاوي فقال في «شرحه» : أما حديث بن عباس فمنكر ؛ لأن قيس ابن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء فكيف يحتجون به في مثل هذا. اه.

وقد رد عليه البيهقي فقال في المعرفة (٧ / ٤٠١ ـ ٤٠٢) : ورأيت أبا جعفر الطحاوي رحمنا الله وإياه ، أنكر واحتج بأنه لا يعلم قيسا يحدث عن عمرو بن دينار بشيء ، والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار ما كان قيس بن سعد ثقة ، والراوي عنه ثقة ثم يروي عن شيخ يحتمله سنه ولقيه غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولا وقيس بن سعد مكي وعمرو بن دينار مكي وقد روى قيس عمن هو أكبر سنا وأقدم موتا من عمرو : عطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر ، وروى عن عمرو من كان في قرن قيس وأقدم لقيا منه : أيوب ابن أبي تميمة السختياني فإنه رأى أنس ابن مالك وروى عن سعيد بن حبير ، ثم روى عن عمرو بن دينار فمن أين إنكار رواية قيس عن عمرو غير أنه روى عنه ما يخالف مذهب هذا الشيخ ولم يمكنه أن يطعن فيه بوجه آخر فزعم أنه منكر.

وقد روى جرير بن حازم وهو من الثقات عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن حبير عن ابن عباس أن رجلا وقصته ناقته وهو محرم فذكر الحديث ، فقد علمنا قيسا روى عن عمرو بن دينار غير حديث اليمين مع الشاهد فلا يضرنا جهل غيرنا. ثم تابع قيس بن سعد على روايته هذه عن عمر ومحمد بن مسلم الطائفي ا. ه قلت : والمتابعة التي أشار إليها البيهقي.

أخرجها أبو داود (٤ / ٣٢) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين والشاهد حديث (٣٦٠٩) والبيهقي (١٠ / ١٦٨) كتاب : الشهادات ، باب : القضاء باليمين مع الشاهد ، وفي المعرفة (٧ / ٤٠٢).

وفي الباب عن أبي هريرة ، وزيد بن ثابت ، وجابر ، وسعد بن عبادة.

١٩٩

لوارث» (١) يبين أن آية الوصية للوالدين والأقربين منسوخ حكمها وإن بقيت تلاوتها.

الوجه الثامن : دفعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض إشكالات وردت على القرآن : كدفعه ما استشكل به نصارى نجران على أخوة مريم لهارون ، يعنون أخا موسى ـ عليه‌السلام ـ مع أن بينها ـ عليها‌السلام ـ وبينه كذا وكذا ، فقد دفع ذلك ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأن ليس المقصود في الآية (يا أُخْتَ هارُونَ) [مريم : ٢٨] هارون النبي ، بل هو آخر في عهدها سمي باسمه (٢).

الوجه التاسع : بيان التأكيد منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك أنه يؤكد الحكم الذي جاء به القرآن ويقويه ، وذلك كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (٣) فإنه يوافق قوله سبحانه : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩].

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٣ / ٢٩٠) كتاب : الوصايا ، باب : الوصية للوارث ، حديث (٢٨٧٠) ، والترمذى (٤ / ٤٣٣) كتاب : الوصايا ، باب : ولا وصية لوارث ، حديث (٢١٢٠) ، وابن ماجه (٢ / ٩٠٥) كتاب : الوصايا ، باب : لا وصية لوارث ، حديث (٢٧١٣) ، وأحمد (٥ / ٢٦٧) ، والطيالسي (٢ / ١١٧ ـ منحة) رقم (٢٤٠٧) ، وسعيد بن منصور (٤٢٧) ، والدولابي في الكني (١ / ٦٤) ، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (١ / ٢٢٧) ، والبيهقي (٦ / ٢٦٤) كتاب : الوصايا ، باب : نسخ الوصية للوالدين ، كلهم من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع : «إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث».

وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

وأخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (٩٤٩) من طريق الوليد بن مسلم قال : ثنا ابن جابر ، ثنا سليم بن عامر ، سمعت أبا أمامة ، فذكر الحديث.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة وهم عمرو بن خارجة ، وأنس بن مالك ، وابن عباس ، وجابر ، وعلي ، وعبد الله بن عمرو ، ومعقل بن يسار ، وزيد بن أرقم ، والبراء ، ومجاهد مرسلا

(٢) أخرجه مسلم (٩ / ٢١٣٥) وأحمد (٤ / ٢٥٢) والترمذي (٣١٥٥) وابن حبان (٦٢٥٠) والطبراني في الكبير (٢٠ / ٩٨٦) والبيهقي في الدلائل (٥ / ٣٩٢) وابن جرير (٨ / ٣٣٦) (٢٣٦٩١) ، (٢٣٦٩٢) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن المغيرة بن شعبة كما في الدر المنثور (٤ / ٤٨٦) ولفظه :

قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون : يا أخت هارون ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألته عن ذلك فقال : إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم.

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٧٢ ـ ٧٣) ، والدارمي (٢ / ٢٤٦) كتاب : البيوع ، باب : في الربا الذي كان في الجاهلية ، وأبو يعلى (٣ / ١٣٩) رقم (١٥٧٠) ، والدار قطني (٣ / ٢٦) كتاب : البيوع رقم (٩٢ ، ٩٣) والبيهقي (٦ / ١٠٠) كتاب : الغصب ، باب : من غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بني عليه جدارا ، كلهم من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي حرة الرقاشي عن عمه به.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٢٦٨) وقال : رواه أحمد ، وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود ـ

٢٠٠