تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ١

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٣٨

٤ ـ المنزلة بين المنزلتين :

إن هذا الأصل قسمة مميزة من قسمات الفكر الاعتزالي ، انفردوا به ولم يشاركهم فيه أحد ، والقول به سبب نشأة المعتزلة كما أشرنا آنفا.

ويتعلق هذا الأصل بالحكم على مرتكب الكبيرة ، حيث اشتجر الخلاف بين المسلمين حوله وافترقوا شيعا وأحزابا ؛ يقول البغدادي (١) : «وكان واصل من منتابي مجلس الحسن البصري في زمان فتنة الأزارقة وكان الناس يومئذ مختلفين في أصحاب الذنوب من أمة الإسلام على فرق : فرقة تزعم أن كل مرتكب لذنب صغير أو كبير مشرك بالله وكان هذا قول الأزارقة من الخوارج وزعم هؤلاء أن أطفال المشركين مشركون ولذلك استحلوا قتل أطفال مخالفيهم وقتل نسائهم سواء كانوا من أمة الإسلام أو من غيرهم ، وكانت الصفرية من الخوارج يقولون في مرتكبي الذنوب بأنهم كفرة مشركون كما قالته الأزارقة غير أنهم خالفوا الأزارقة في الأطفال ، وزعمت النجدات من الخوارج أن صاحب الذنب الذي أجمعت الأمة على تحريمه كافر مشرك وصاحب الذنب الذي اختلفت الأمة فيه حكم على اجتهاد أهل الفقه فيه وعذروا مرتكب ما لا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه إلى أن تقوم الحجة عليه فيه ، وكانت الإباضية من الخوارج يقولون إن مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عزوجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك ، وزعم قوم من أهل ذلك العصر أن صاحب الكبيرة من هذه الأمة منافق والمنافق شر من الكافر المظهر لكفره.

وكان علماء التابعين في ذلك العصر مع أكثر الأمة يقولون إن صاحب الكبيرة من أمة الإسلام مؤمن لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة من الله تعالى ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنه فاسق بكبيرته وفسقه لا ينفي عنه اسم الإيمان والإسلام وعلى هذا القول الخامس مضى سلف الأمة من الصحابة وأعلام التابعين فلما ظهرت فتنة الأزارقة بالبصرة والأهواز واختلف الناس عند ذلك في أصحاب الذنوب على الوجوه الخمسة التي ذكرناها».

أما واصل بن عطاء ـ رأس المذهب وزعيم نحلة الاعتزال ـ فقد خرج عن قول جميع الفرق المتقدمة ، وزعم أن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر ، وجعل مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان.

ويعلل واصل بن عطاء لرأيه فيقول : إن الإيمان عبارة عن خصال خير ، إذا اجتمعت

__________________

(١) ينظر الفرق بين الفرق (١٣٤ ، ١٣٥).

١٤١

سمي المرء مؤمنا ، وهو اسم مدح ، والفاسق لم يستكمل خصال الخير ، ولا استحق اسم المدح ، فلا يسمى مؤمنا ، وليس هو بكافر أيضا ؛ لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه ، لا وجه لإنكارها ، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالد فيها ؛ إذ ليس في الآخرة إلا الفريقان : فريق في الجنة وفريق في السعير ، ولكنه تخفف النار عليه» (١).

ويتضح من كلام واصل بن عطاء أن المعتزلة يرون أن مرتكب الكبيرة خالد في النار وقد ترتب على هذا المبدأ «أن مرتكب الكبيرة لا حظ له من شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالشفاعة ـ عند المعتزلة ـ ليست لأصحاب الكبائر ؛ لأن العدل يقتضي أن يعذب العاصي على معصيته ، والشفاعة تتنافى مع هذا العدل ، فالشفاعة عندهم ليست لهؤلاء وإنما هي للصالحين ، والمعتزلة بهذا الرأي ينكرون أو يؤولون كثيرا من الأحاديث التي تثبت الشفاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولغيره من العلماء والشهداء والصالحين ، وهذه الشفاعة تنال أصحاب المعاصي فيخرجون بفضلها من النار ، فلا يبقى في النار بعد الشفاعة إلا من حبسهم القرآن المجيد وهم الكفار ؛ لأن هؤلاء لا يغفر الله لهم ولا تنالهم رحمته» (٢).

٥ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

هذا هو الأصل الخامس من أصول المعتزلة المتفق عليها ، فقد قرروا ذلك على المؤمنين أجمعين ، نشرا لدعوة الإسلام وهداية للضالين ، ودفعا لهجوم الذين يحاولون تلبيس الحق بالباطل ؛ ليفسدوا على المسلمين أمر دينهم ، ولذلك تصدوا للذود عن الحقائق أمام سيل الزندقة التي اندفعت في أول العصر العباسي ، تهدم الحقائق الإسلامية ، وتفكك عرا الإسلام عروة عروة ، كما تصدوا أيضا لمناقشة أهل الحديث والفقه ، وحاولوا حملهم على اعتناق آرائهم بالحجة والبرهان أو بالشدة وقوة السلطان (٣).

تلك هي الأصول الخمسة التي أجمع عليها المعتزلة ، ولا يستحق متكلم أن ينسب إلى اعتزال دون أن يؤمن بها.

* * *

__________________

(١) ينظر : الملل والنحل للشهرستاني (١ / ٥٣).

(٢) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام (ص ٩٥).

(٣) محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ١٢٩).

١٤٢

ثانيا : الأشاعرة

اشتدت خصومة الفقهاء والمحدثين للمعتزلة ، واحتدم النزاع بين الفريقين في النظر إلى مسائل الاعتقاد ، ومرد ذلك إلى تباين المنهج الذي يصطنعه كل منهما ، فالفقهاء والمحدثون ينزعون منزعا سلفيّا يقدم النقل على العقل ، والمعتزلة يعتدون بالعقل اعتدادا جعلهم يؤولون ما يتعارض مع أدلته من آيات القرآن ، أو ينكرون ما يناقضها من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخالفوا جمهور المسلمين في أمور كثيرة ؛ كالقول بخلق القرآن وإنكار الشفاعة ورؤية الله يوم القيامة وغير ذلك مما يصدم المشاعر الدينية للمسلمين.

ولم تخل الساحة الفكرية للمعتزلة فحسب ، بل كان هناك الحشوية من الحنابلة ، وكانوا على الطرف المقابل للمعتزلة حيث أجازوا على الله الملامسة والمصافحة والرؤية ، كما أثبتوا له ما وصف به نفسه في القرآن الكريم ـ كأن له عينا أو يدا أو وجها ـ إثباتا ماديّا يوهم التجسيم والمشابهة للحوادث ، واعتمدوا في ذلك على أحاديث فهموها فهما حرفيّا وقاسوها على ما يتعارف من صفات الأجسام ؛ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق آدم على صورة الرحمن» (١) ، وقوله : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» (٢) ، و «وضع يده على كتفي حتى وجدت برد أنامله» (٣).

على هذا النحو مست حاجة المسلمين إلى منهج جديد تتحقق فيه الوسطية التي دعا إليها الإسلام ، فيسلك بالمسلمين السبيل الذي سلكه الصحابة قبلهم في شئون الاعتقاد ، منهج ينزل العقل مكانه الصحيح فيعرف له حدوده وطاقته ، ولا يسرف في الاعتداد به ،

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٢٦٢) كتاب الاستئذان باب بدء السلام (٦٢٢٧) ، ومسلم (٤ / ٢١٨٣) كتاب الجنة وصفة نعيمها باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير (٢٨ / ٢٨٤١) ، وأحمد (٢ / ٣١٥) عن أبي هريرة بلفظ : «خلق الله آدم على صورته ... الحديث».

(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٤٥) كتاب القدر باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء (١٧ / ٢٦٥٤) وأحمد (٢ / ١٦٨) والآجري (ص / ٣١٦) وابن أبي عاصم في السنة برقم (٢٢٢) عن عبد الله بن عمرو بلفظ «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ...» الحديث.

وأخرجه أحمد (٦ / ٢٩٤ ، ٣٠١ ، ٣١٥) وعبد بن حميد (١٥٣٤) والترمذي (٥ / ٤٩٦) كتاب الدعوات (٣٥٢٢) وابن أبي عاصم في السنة (٢٢٣) عن أم سلمة بلفظ «... يا أم سلمة إنه ليس لآدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ...»

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٢٤٣) ، والترمذي (٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦) كتاب التفسير باب (ومن سورة ص) (٣٢٣٥) ، وابن خزيمة في التوحيد (ص / ٢١٨) ، والطبراني في الكبير (٢٠ / ٢١٦) عن معاذ بن جبل مطولا.

١٤٣

منهج يعيد للنقل مكانته التي ضاعت على يد المعتزلة حين جعلوا الدليل النقلي فرعا يتبع الدليل العقلي.

«فظهر في آخر القرن الثالث رجلان امتازا بصدق البلاء : أحدهما : أبو الحسن الأشعري ، ظهر بالبصرة ، والثاني : أبو منصور الماتريدي ظهر بسمرقند ، وقد جمعهما مقاومة المعتزلة» (١).

وينسب مذهب الأشاعرة إلى أبي الحسن الأشعري «٢٦٠ ـ ٣٣٠ ه‍».

ولد أبو الحسن بالبصرة وتخرج في أصول الاعتقاد على المعتزلة ، حيث تتلمذ على شيخ من شيوخهم المبرزين هو أبو علي الجبائي ولازمه ملازمة أتاحت له شيئا غير قليل من النبوغ حتى عدّ من كبار رجال المعتزلة ، فلا غرو أن كان الجبائي ينيبه عنه في حضور كثير من المجادلات والمناظرات التي كان المعتزلة يخوضونها مع خصومهم ومخالفيهم.

الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة :

ولم يكد أبو الحسن الأشعري يبلغ الأربعين من عمره حتى تحول عن مذهب المعتزلة وأنكر طريقتهم في درس العقائد ، وكفر بآرائهم وأصولهم.

ويورد الدارسون أسبابا تبرر هذا التحول ، لعل من أهمها تلك المناظرة الشهيرة التي كانت بين الأشعري وشيخه الجبائي حول : وجوب فعل الصلاح والأصلح على الله ، حيث سأل الأشعري أستاذه الجبائي عن حال ثلاثة إخوة : الأكبر فيهم مؤمن تقي ، والأوسط كافر شقي ، والثالث مات صغيرا قبل بلوغه سن التكليف ، قال الجبائي : أما التقي ففي الجنة ، وأما الكافر ففي النار ، وأما الثالث فلا يثاب ولا يعاقب فهو من أهل السلامة ؛ لأنه ليس مكلفا.

فعاد الأشعري وسأله : فما ذا يقول الله للصغير إن هو أراد أن يكون مثل أخيه الأكبر في الجنة ؛ محتجّا بأنه لو طال عمره لأطاع واستحق الجنة؟! فرد الجبائي بأن الله يقول له : كنت أعلم أنك لو كبرت لوقعت في المعاصي ، ولدخلت النار ؛ فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا.

قال الأشعري : فما الرأي لو قال الأخ الأوسط المعذب في النار : لم لم تمتني يا رب صغيرا حتى لا أعصيك ولا أعذب في النار؟! فلم يستطع الجبائي الإجابة على هذا السؤال

__________________

(١) تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ١٦٣).

١٤٤

الذي يهدم أصلا من أصول المعتزلة وهو مبدأ الصلاح والأصلح (١).

ولا ريب أن هذه المناظرة ـ ولا نستبعد وقوع مناظرات أخرى غيرها ـ قد زعزعت إيمان الأشعري فيما يؤمن به من آراء اعتزالية ، وحملته على إعادة النظر فيها ، وامتحانها عليه يهتدي إلى وجه الحق ، فعكف في بيته مدة ينظر في كتب المعتزلة ، ويزن أدلتهم ، حتى اهتدى إلى فسادها وبطلانها ، فرقى المنبر يوم الجمعة بالمسجد الجامع بالبصرة وقال :

«أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان ، كنت أقول بخلق القرآن ، وأن الله تعالى لا يرى بالأبصار ، وأن أفعال الشر أنا أفعلها ، وأنا تائب مقلع متصد للرد على المعتزلة ، مخرج لفضائحهم ، معاشر الناس ، إنما تغيبت عنكم هذه المدة ؛ لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ، ولم يترجح عندي شيء على شيء ، فاستهديت الله تعالى ، فهداني إلى اعتقاد ما أودعته كتبي هذه ، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقد ، كما انخلعت من ثوبي هذا ، ورمى ثوبا كان عليه» (٢).

والحق أن إعلان الأشعري السابق بضلال المعتزلة عن المنهج القويم في أمور الاعتقاد قد تضمن إشارة إلى أبرز وجوه الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة ، وهي : القول بخلق القرآن ، ونفي الصفات ، وإنكار رؤية الله تعالى ، وحرية الإرادة الإنسانية والزعم أن الإنسان خالق أفعاله (٣).

وذهب بعض الباحثين إلى أن العامل الحاسم في تحول أبي الحسن الأشعري عن مذهب الاعتزال إلى مذهب أهل السنة إنما هو مذهبه الفقهي الذي كان يتعبد به ، وهو المذهب الشافعي ، وأمر الخصومة بين الفقهاء ـ ومنهم الإمام الشافعي ـ والمتكلمين لا سيما المعتزلة أظهر من أن نحتاج إلى إقامة الأدلة عليه ، فلقد ذم الشافعي علم الكلام وكان يعني بذلك المعتزلة ، وهاجمهم في بعض كتبه ولم يقبل شهادتهم ، وللشافعي نفسه آراء في الاعتقاد تخالف ما ذهب إليه المعتزلة ، فهو يعتقد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن الله يرى بالأبصار يوم القيامة ، ويقول بالشفاعة ، ويؤمن بالقدر خيره وشره.

فلا غرو أن أحس الأشعري بتناقض كبير بين أصول مذهبه الفقهي ، وآراء مذهبه

__________________

(١) وفيات الأعيان لابن خلكان (٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٦) ، وطبقات الشافعية للسبكي (٣ / ٣٥٦ ، ٣٥٧) ، وانظر أيضا : دراسات في علم الكلام ، د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١٠٢).

(٢) وفيات الأعيان (٣ / ٢٨٥).

(٣) انظر : منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام ، محمد حسن أحمد (ص ٢٦٩).

١٤٥

الكلامي أو الاعتقادي الذي رضيه لنفسه.

إذن فإن التكوين الفكري للأشعري نفسه كان يحمل بذور الشك في الفكر الاعتزالي وينطوي على أسباب الثورة والتمرد عليه ، على نحو ينتفي معه العجب من تحوله عن مذهب المعتزلة (١).

وثمة أمر آخر قد يحسن بنا أن نشير إليه في هذا المقام ، هو أن الأشعري كان معجبا بتوسط الإمام الشافعي في آرائه الفقهية بين أهل الرأي وأهل الحديث ، فحاول هو أن يقوم بدور الشافعي في علم الكلام بأن يوازن بين العقل والنقل أو بين غلو المعتزلة في العقل ووقوف بعض الحنابلة عند النقل (٢).

ومن هذه النقطة نفسها ننطلق إلى بيان نقد الأشعري للمعتزلة والحشوية جميعا :

أولا : نقد الأشعري للمعتزلة :

لم يكتف الأشعري بالتحول عن الاعتزال حين انقدح له الرأي في مذهبهم بعد نظر وتأمل ، بل طفق يهدم هذا المذهب ، ويقوض أركانه ودعائمه ، ويفند ما يستند عليه من أدلة وبراهين ، ويكتسب نقد الأشعري للمعتزلة أهمية خاصة من كونه قد انتسب للمعتزلة فترة غير قصيرة ، وانتحل نحلتهم انتحالا أتاح له الوقوف على نقاط ضعفه وأسباب تهافته ، فكان نقده لهم نقد العالم الخبير المستند إلى رصيد ضخم من المعرفة بما ينقد.

والناظر في منهج الأشعري وموقفه من المعتزلة ومناظرته لهم يتبين له أن قوام نقده للمعتزلة إنما هو الإسراف في الاعتداد بالعقل وتقديمه على النص ، والاستناد إليه في كل أمر من أمور الاعتقاد ، فأقحموه بذلك في ميدان وعر تضل فيه الأفهام إذا لم يكن رائدها الوحي ، وتزل فيه الأقدام إذا تخلت عن النقل.

وقد أداهم ذلك إلى آراء خاطئة تخالف ما اصطلح عليه جمهور الأمة ، فنفوا عن الحق سبحانه وتعالى الصفات التي أثبتها القرآن الكريم والسنة المطهرة.

والناس في نظر المعتزلة خالقون لأفعالهم سواء كانت شرّا أم خيرا ، متمتعون بحرية الإرادة سواء خالفت مراد الله من الخلق أم اتفقت معه.

ويترتب على قول المعتزلة أن الناس مشاركون لله تعالى في أخص صفاته وهي الخلق ، وهو ما تأباه العقيدة الصحيحة ؛ إذ لا خالق في الكون إلا الله ، فلا غرو أن كان

__________________

(١) انظر : دراسات في علم الكلام ، د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١٠٥ ، ١٠٦).

(٢) السابق (ص ١٠٦).

١٤٦

المعتزلة في رأي الأشعري شر من مذهب المجوس الذين جعلوا لله شريكا واحدا وهو الشيطان (١).

وساق الغلو في استخدام المعتزلة للعقل إلى القول بوجوب الصلاح والأصلح على الله ، وهو المبدأ الذي هدمه الأشعري في مناظرته لأستاذه أبي علي الجبائي ، وكان أحد الأسباب المباشرة في رفض الأشعري لمنهج المعتزلة وانصرافه عنه ، فمن نحن حتى نوجب على الله شيئا؟! فالعقيدة الصحيحة أن الله يثيب الطائع ويدخله الجنة لا بعمله ، ولكن بتفضله ورحمته.

ومن المسائل الكبرى التي أخذها الأشعري على المعتزلة القول بخلق القرآن ، «فجعلوه مشابها في الخلق والحدوث لجميع الأشياء الحادثة التي تنقصها القداسة ، ونفوا أن يكون صفة لله تعالى ، فخالفهم الأشعري في ذلك وقرر في كتاب الإبانة : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وهو رأي السلف الذي تمسك به الإمام أحمد بن حنبل ، غير أن الأشعري قدم بين يديه أدلة سمعية وأخرى عقلية ، وبذل جهده لإبطال رأي المعتزلة» (٢).

والخلاصة أن الأشعري لم يرض عن طريقة المعتزلة في النظر إلى العقيدة ، وهي طريقة سداها ولحمتها التعويل على العقل والاستقلال به في تأسيس الأحكام في أصول الدين ، مما جعلهم يفسرون العقيدة والتوحيد تفسيرا لم يدل عليه الكتاب ولا السنة ولا قاله أحد من الأئمة ، وصدق فيهم قول جولد تسيهر : «إنهم رفعوا العقل إلى مرتبة القياس والدليل في أمور الدين والإيمان» (٣).

نقد الأشعري للحشوية :

يطلق مصطلح الحشوية على طائفة من الحنابلة وجماعة من الشيعة ، تمسكوا بحرفية النصوص ، وحملوها على ظاهرها حملا انتهى بهم إلى القول بالتشبيه والتجسيم ؛ يقول الشهرستاني : «إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه ، قالوا : إن معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية أو جسمية يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن» (٤).

واستدل هؤلاء على رأيهم بنصوص من القرآن أثبتت لله سبحانه وتعالى بعض الصفات

__________________

(١) الإبانة للأشعري ص (١١).

(٢) دراسات في علم الكلام ، د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١٠٨).

(٣) العقيدة والشريعة ، جولد تسيهر (ص ٩١).

(٤) ينظر : الملل والنحل للشهرستاني (٣ / ١٩٥).

١٤٧

من الاستواء واليد والعين والوجه ، فأثبتوها إثباتا ماديّا ، فأجازوا على الله الملامسة والمصافحة ، كما عولوا على بعض الأحاديث التي يؤدي معناها المادي الظاهري معنى التجسيم ؛ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق الله آدم على صورته» (١) ، وقوله : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» (٢).

وقد انتقد الأشعري هذه الطائفة وشدد النكير عليها ، ورماهم بضعف النظر العقلي الذي أداهم إلى آرائهم الشاذة في التجسيم الذي يتنافى مع الوحدانية الصحيحة ، وألف رسالة سماها : «استحسان الخوض في علم الكلام» ، أشار فيها إلى ضرورة النظر العقلي في مسائل الاعتقاد ، وأننا لن نعدم من الأدلة القرآنية ما يؤيد أن المنهج السليم ينبغي أن يقوم على النقل والعقل جميعا فقال :

«إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم ، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ، وطعنوا على من فتش في أصول الدين ، وزعموا أن الكلام في الحركة والسكون والجوهر والعرض والجزء والطفرة بدعة وضلالة ، مستدلين بأن شيئا من ذلك لم يؤثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه وأصحابه ولو كان خيرا لتكلموا فيه».

فأجابهم الأشعري بقوله : لم قلتم : إن البحث في ذلك بدعة مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقل بأن من بحث عن ذلك وتكلم فيه فاجعلوه مبتدعا ضالّا؟! فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضلالا ؛ لأنكم قلتم ما لم يقله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم إن الحركة والسكون والاجتماع والافتراق موجود في قصة إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وأفول الكواكب والشمس والقمر.

وقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] دليل الوحدانية في القرآن الكريم ، وكلام المتكلمين في التوحيد والتمانع والتغالب فإنما مرجعه هذه الآية.

وطريقة إلزام الخصم نأخذها من القرآن الكريم ، فحينما جاء الحبر السمين وقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] يريد بذلك إنكار نبوة محمد ، فرد القرآن عليه : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) [الأنعام : ٩١] وهذا إلزام أقر به الخصم.

كما استدل الأشعري على إبطال حوادث لا أول لها من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال : «فمن

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

١٤٨

أعدى الأول» (١).

على هذا النحو أثبت الأشعري أن القرآن الكريم والسنة الشريفة لم يهملا النظر العقلي ولا حرما أدلته ، بل حثا على الأخذ بهما في إلزام الخصوم ودحض شبههم ، وحسبك دليلا أن القرآن نفسه قد تضمن شيئا غير قليل من هذه الأدلة.

ويقول أحد الباحثين :

«وقد اضطر الأشعري للنظر العقلي للأسباب الآتية :

١ ـ أنه تخرج على المعتزلة وتربى على موائدهم الفكرية ، فنال من مشربهم وأخذ من منهلهم ، واختار طريقهم في إثبات العقائد ، وإن خالفهم في النتائج.

٢ ـ أنه تصدى للرد عليهم فلا بد أن يتبع طريقتهم.

٣ ـ أنه تصدى للرد على الفلاسفة والقرامطة والحشوية والروافض وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنحل الباطلة ، وكثير من هؤلاء لا يقنعه إلا أقيسة البرهان ، ومنهم فلاسفة علماء لا يقطعهم إلا دليل العقل ، ولا يرد كيدهم في نحورهم أثر أو نقل.

ومن رد الأشعري على المعتزلة وعلى الحنابلة نرى أن الدفاع عن المنهج الأشعري هو نقطة البداية لعلم الكلام السني من غير أن يتطرف في التأويلات العقلية كالمعتزلة ، أو

__________________

(١) من طرق من حديث أبي هريرة.

أخرجه البخاري (١١ / ٣٢٢) كتاب الطب باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن (٥٧١٧) ، ومسلم (٤ / ١٧٤٢) كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة (١٠١ / ٢٢٢٠) ، وأحمد (٢ / ٢٦٧ ، ٤٠٦ ، ٤٣٤) ، وأبو داود (٢ / ٤١٠) كتاب الطب باب في الطيرة (٣٩١١) ، وابن ماجه (٥ / ١٨٠ ـ ١٨١) كتاب الطب باب من كان يعجبه الفأل (٣٥٤١) ، والنسائي في الكبرى (٤ / ٣٧٦) كتاب الطب باب الصفر وهو داء يأخذ البطن ، وابن حبان (٦١١٥) والبيهقي (٧ / ٢١٦ ، ٢١٧) كلهم من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال إبلي تكون في الرّمل كأنها الظباء فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال : «فمن أعدى الأول؟»

وأخرجه البخاري (١١ / ٤١٠) كتاب الطب باب لا عدوى (٥٧٧٥) ومسلم (٤ / ١٧٤٣) كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة (١٠٣ / ٢٢٢٠) من طريق سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا عدوى» فقام أعرابي فقال أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فمن أعدى الأول».

وأخرجه الحميدي (١١١٧) وأحمد (٢ / ٣٢٧) من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يعدي شيء شيئا. لا يعدي شيء شيئا.» ثلاثا. قال : فقام أعرابي فقال : يا رسول الله إن النّقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل الإبل جربا. قال : فسكت ساعة فقال : «ما أعدى الأول؟ لا عدوى ولا صفر ولا هامة خلق الله كل نفس فكتب حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها».

١٤٩

يستهجن البحث الكلامي كالحنابلة ، ولكنه استطاع أن يوفق بين الجانبين ـ كما فعل الماتريدي ـ واعتمد على النظر العقلي فوضع للفتن الدينية حدّا ، فقضى على مذهب المعتزلة وحل مكانه» (١).

منهج الأشعري :

تبين لنا من نقد الأشعري للمعتزلة والحشوية أنه وقف على علة ضلالهما وفساد ما انتهوا إليه من آراء وتصورات في العقيدة ، وهذه العلة إنما هي الاقتصار على النقل وإهمال العقل ، أو تحكيم العقل وتقديمه على النقل ، أما المعتزلة فاستقلوا بالعقل في تأسيس مذهبهم الاعتقادي وظنوا أنه مرقاة إلى العقيدة السليمة ، فأداهم ذلك إلى آراء شاذة تنكرها النصوص الشرعية الثابتة ، من نفي الصفات والقول بخلق القرآن وإنكار الرؤية والشفاعة ، وفي سبيل ذلك أولو آيات القرآن الكريم وطعنوا في السنة الصحيحة والضعيفة جميعا.

وأما الحشوية فالتزموا بالنقل التزاما حرفيّا ، ولم يجعلوا للعقل حظا من فهمه والاستدلال عليه بأدلته ، فزلت أقدامهم في القول بالتجسيم والتشبيه ، ورأوا كذلك أن النظر العقلي في أصول الدين بدعة ، حيث لم يؤثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه ـ رضوان الله عليهم ـ فصنف الأشعري للرد عليهم رسالة : «استحسان الخوض في علم الكلام» بين فيها أن القرآن والسنة يشتملان على أصول النظر العقلي والاستدلال المنطقي على صحة العقيدة الإسلامية ، وذهب إلى أن تأييد الشرع بالعقل ليس بدعة وإنما هو واجب لا بد من أن ينهض بأدائه علماء المسلمين.

اجتهد الأشعري ـ مستهديا بنقده للمعتزلة والحشوية ـ في تأسيس مذهب جديد يؤلّف في منهجه بين النقل والعقل ويوائم بينهما «فكان يفهم النص في ضوء العقل أو يسير وراء العقل في حدود الشرع ، ويجعل الشرع هاديا للعقل ؛ لأن العقل إذا ترك وشأنه اتبع هواه ، لكنه بالشرع يتبع هداه» (٢).

وإذا كان الأشعري قد جمع في منهجه بين العقل والنقل ، فإنه قدم النقل على العقل ؛ لأن مبنى العقائد على الغيبيات وطريقها الوحي لا العقل ، ونص الأشعري صراحة في مقدمة كتابه «الإبانة عن أصول الديانة» على أنه يتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، كما نص على أن الإمام الذي يتبعه هو

__________________

(١) محمد حسن أحمد ، منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام (ص ٨٤ ، ٨٥).

(٢) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام (ص ١١٤).

١٥٠

أحمد بن حنبل (١).

ونستطيع أن نقرر أن هذا المنهج الذي سلكه أبو الحسن الأشعري امتاز بالوسطية التي دعا إليها الإسلام وأكدها القرآن الكريم في غير آية ، حين حث على إعمال النظر والتفكر في الكون وتدبر إحكام صنعته ، فلم يهمل العقل ولا حرم استخدامه ، ولقد ألمحنا فيما سبق إلى أن القرآن نفسه اشتمل على أدلة عقلية وبراهين قوية ألزم بها خصومه ، بالإضافة إلى ما احتواه من أدلة سمعية.

«ولا ريب في أن الأشعري استطاع بذلك أن يمهد للاعتراف بعلم الكلام وأن يجعله من علوم الدين ، وأن يحسن للعلماء الخوض فيه ، واستطاع أيضا بمنهجه أن يرسخ قواعد المذهب وأن يجذب إليه الكثيرين ، وأن يحد من انتشار مذهب المعتزلة ، وأن يضيق الدائرة الحشوية ، وما ذلك إلا لوسطيته التي التزمها وحرص على تحقيقها في آرائه ، والوسط غالبا ما يكون أقرب إلى الصحة والاعتدال ، فكلا طرفي الأمور ذميم ، وإذا كان الناس قد تقبلوا مذهب الشافعي في الفروع لتوسطه بين أهل الحديث وأهل الرأي ، فإنهم تقبلوا مذهب الأشعري في الأصول ؛ لتوسطه بين الحنابلة والمعتزلة ، أو بين أهل النقل وأهل العقل» (٢).

وثمة إشكال في «منهج الأشعري الكلامي» يثيره كتابه «اللمع» الذي اقترب فيه ـ في رأي عدد من المهتمين بعلم الكلام بصفة عامة وبفكر الأشعري بصفة خاصة ـ من المعتزلة من حيث الاعتداد الكبير بالأدلة العقلية ومن حيث تأويل النصوص الشرعية ، الأمر الذي حمل بعض الدارسين على القول بأن الأشعري قد مر في آرائه الكلامية بمرحلتين متعاقبتين مختلفتين أشد الاختلاف :

المرحلة الأولى : ويقترب فيها من العقيدة السلفية اقترابا شديدا ، ويمثل هذه المرحلة خير تمثيل كتابه : «الإبانة عن أصول الديانة».

المرحلة الثانية : ويقترب فيها من المذهب الاعتزالي ، ويمثلها كتابه «اللمع».

إذ الناظر في كتاب اللمع يجده خاليا من الإشادة بالإمام أحمد ومن الانتساب إليه خلافا لما ذكره في الإبانة ؛ وكذلك فإن كتاب اللمع خلا من بعض المسائل التي أتى بها

__________________

(١) مقدمة الإبانة ص (٣).

(٢) د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١١٧).

١٥١

في الإبانة مثل : إثبات الوجه واليدين والاستواء على العرش (١).

وقد اتخذ البعض من هذين الكتابين ذريعة لاتهام الأشعري بالتناقض في منهجه الكلامي ، أو على أقل تقدير اتخذوا من ذلك دليلا على تطور عقيدة الأشعري ، وتحولها في المرحلة النهائية إلى صورة أقرب للمعتزلة منها إلى أهل السنة.

ويدافع أحد الباحثين عن وحدة المنهج الأشعري ، مبينا أن التباين في المنهج الذي احتذاه الأشعري في كتابيه الإبانة واللمع يرجع إلى اختلاف الفرقة التي يرد عليها وينقد آراءها ، فيقول :

إن الأشعري حين ألف الإبانة كان يريد أن يحسم موقفه مع المعتزلة ويبين العقيدة التي يعتنقها ويسير عليها ويدافع عنها ، فجاء منهجه متحاملا على المعتزلة غير مهادن لهم ؛ لأنه كما نعلم أخذ على نفسه عهدا أن يكشف أمرهم ويظهر فضائحهم ، ومن ناحية أخرى فإنه أظهر أن الإمام الذي يسير على منهجه هو الإمام أحمد بن حنبل الذي وقف ضد المعتزلة وقفته المشهورة ، فكتاب الإبانة من هذه الناحية يعتبر تقريرا لعقيدة الأشعري بملامح منهجية جديدة.

أما كتاب اللمع فقد ألفه ليرد على الدهرية ونفاة الصانع بجانب رده على المعتزلة بعد أن تم له النصر عليهم فجاءت آراؤه بعيدة عن التحامل ؛ فالكتاب والأمر كذلك تعبير عن منهج قد نضج فعلا ، وقد دافع إمام الحرمين عن منهج الأشعري ، ولم يشر إلى أي مراحل منهجية مع أن الجويني كان إذا تصدى لمسألة فإنه يذكر الأقوال فيها ، ويبين طرقها المختلفة ، ويفند الأمر من وجهة نظره تفنيدا منهجيّا ، ولم يطلعنا وهو يرد على خصوم شيخه على أي اختلاف لمنهج الأشعري ، فلما طعن المعتزلة على الأشعري في تصدير كتابه اللمع بالدلالة القرآنية وبمفهومها الشارح لها ، بين الجويني في الشامل أن السبب الذي جعل الأشعري يسلك هذا المنهج هو أن الله تعالى احتج على الكفرة والمنكرين بالحجج التي صدر بها الأشعري اللمع حتى تكون حجته موافقة للقرآن ، فقال : «وما اعترضوا به من قولهم : إن الاستدلال بالقرآن على الدهرية ونفاة الصانع لا يتحقق باطل ؛ لأن شيخنا ما استدل عليهم بنفس الآية وإنما استدل عليهم بمعناها ، وهي تنطوي على وجه الحجاج ، والذي يوضح ذلك أن الرب تعالى احتج بما ذكره على الكفرة والمنكرين ، وذكره الأشعري ليقيم الاحتجاج به على حسب ما أراد الله من الاحتجاج».

__________________

(١) انظر : منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام ، محمد حسن أحمد (ص ١٨٦).

١٥٢

ومهما يكن من أمر ، فإن المذهب الأشعري نفسه قد تطور بعد وفاة رائده الأول أبي الحسن على يد الأشاعرة المتأخرين الذين كانوا في آرائهم ومنهجهم أدنى إلى المعتزلة ، من حيث الاعتماد على العقل في الاستدلال والاستنباط ، وإن كانوا لا يردون الشرع ولا يهملونه ؛ لأنهم يرون أن الشرع حجة الله والعقل حجة الله ، وحجج الله تتعاضد ولا تتعارض.

ويبدو قرب منهج الأشاعرة المتأخرين من منهج المعتزلة في موقفهم من الدليل السمعي والشروط التي وضعوها له ، والتي من أهمها ما يلي :

أولا : أن يكون غير مستحيل في العقل ، وهذا يتفق مع قولهم : إن العقل والشرع حجتين لله تعالى ، وحجج الله تتعاضد ولا تتعارض ؛ فلا يوجد في نظرهم دليل سمعي قطعي مستحيل في العقل.

ثانيا : أن يكون قطعي الثبوت ؛ ولذلك فأخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد ؛ لأنها ليست قطعية الثبوت.

ثالثا : أن يكون قطعي الدلالة ، فإذا كان السمعي قطعي الثبوت ، ولكنه يحتمل التأويل ، كان غير قطعي الدلالة (١).

بعض آراء الأشعري :

رأينا أن نختم حديثنا عن المذهب الأشعري ، بأن نذكر طرفا من آراء أبي الحسن وشيعته في بعض مسائل الاعتقاد ، والتي كانت ثمرة من ثمار المنهج الذي اصطنعوه ، من أجل أن يكون تصور القارئ عن هذا المذهب أدنى إلى الكمال وأقرب إلى الوضوح.

١ ـ اقترب الأشعري في بحثه لصفات الله تعالى من أهل السنة إلى حد بعيد ، حيث أثبت لله الصفات جميعا بقسميها أي الصفات السلبية والصفات الثبوتية كالعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات ، بيد أنه لم يقف عند هذا الحد ، بل تابع البحث في الصفات بحثا عقليّا فانتهى إلى ما يلي :

أولا : أن الصفات زائدة على الذات ، وليست عين الذات كما يرى المعتزلة ، ويرى الأشعري أن هذا التصور لصفات الله لا يترتب عليه تصور التعدد أو التركيب في ذات الله ، والدليل على صدق كلامه زيادة صفات الإنسان على ذاته دون أن تؤدي إلى تعدد في

__________________

(١) د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١١٥ ، ١١٦).

١٥٣

ذات الإنسان (١).

ثانيا : هذه الصفات متغايرة فيما بينها ، فالعلم صفة لله تختلف عن صفة القدرة وكلتاهما مختلفتان عن صفة الإرادة.

ثالثا : هذه الصفات الإلهية أزلية لا بداية لها ، فهي تشترك في القدم مع الذات ، «ويدلل الأشعري على هذا الرأي بدليل يثبت به أن هذه الصفات لا يمكن أن تكون حادثة ؛ لما يترتب على ذلك من نتائج باطلة ، ويعلل ذلك بقوله : إننا إذا افترضنا جدلا أن هذه الصفات حادثة ، فسنكون أمام احتمالات أو فروض ثلاثة :

الأول منها : أن يحدث الله هذه الصفات في نفسه ، وهذا باطل ؛ لأنه يجعل الله محلّا للحوادث ومقارنا لها ، وما يتصل بالحوادث حادث عند المتكلمين.

والفرض الثاني : أن يحدثها الله في غيره ، وهذا باطل أيضا ؛ لأن ذلك يستلزم أن يكون هذا الغير موصوفا بصفات الله تعالى ، فيكون مريدا بإرادة الله تعالى ، وعالما بعلمه ، وهذا باطل.

والفرض الثالث : هو أن تكون الصفة الحادثة مستقلة بذاتها ، وهذا باطل أيضا ؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها بل تحتاج إلى موصوف تقوم به.

وإذا بطلت هذه الفروض الثلاثة لم يكن أمامنا إلا التسليم بقدم هذه الصفات وأزليتها» (٢).

٢ ـ ذهب الأشعري إلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، متابعا في ذلك رأي السلف الذي دافع عنه وأوذي بسببه الإمام أحمد بن حنبل ، بيد أن الأشعري قدم بين يدي رأيه أدلة سمعية وعقلية ، خلاصتها أن القرآن كلام الله فلا ينبغي أن يكون حادثا ؛ لما ينبني على ذلك من إلحاق صفة الحدوث بالله تعالى.

٣ ـ خالف الأشعري المعتزلة في مسألة رؤية الله في الآخرة ، حيث ذهب إلى إثباتها ، غير أنه نفى أن تكون هذه الرؤية رؤية إحاطة ؛ لأن الله تنزه عن أن تدركه الأبصار ، ونفى أيضا عن الرؤية معاني التجسيم والتشبيه ، ورأى أن الرؤية المقصودة أقرب إلى الرؤية القلبية ، فوقف بذلك موقفا وسطا بين المعتزلة المنكرين لها والمشبهة الذين أثبتوها وأثبتوا

__________________

(١) ينظر : اللمع للأشعري (٣١).

(٢) د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١١٩).

١٥٤

ما تؤدي إليه من الجسمية والمكان (١).

٤ ـ خالف الأشعري المعتزلة في مسألة حرية العباد في أفعالهم ، ووقف موقفا وسطا بينهم وبين الجبرية حيث قال بنظرية الكسب ، وتعني أن الفعل خلق وإبداع من الله وكسب من العبد (٢).

٥ ـ هدم الأشعري مبادئ المعتزلة في وجوب الصلاح والأصلح على الله وإنكار الشفاعة ، والقول بخلود أصحاب الكبائر في النار ، ومال في ذلك كله إلى رأي السلف.

على هذا النحو اختلفت آراء المذهب الأشعري عن آراء المعتزلة والحشوية ، وكانت وسطا بينهما ، ولعل هذه الوسطية التي تحققت في فكر الأشعري ومدرسته هي السبب في ذيوع مذهبه وانتشاره في أكثر البلاد الإسلامية.

* * *

__________________

(١) السابق (ص ١٢١) ، نقلا عن كتاب «في علم الكلام» د / أحمد محمود صبحي (١ / ٤٧٥).

(٢) ينظر : اللمع ص (٣٣).

١٥٥

ثالثا : الماتريدية

أسس هذا المذهب العلامة محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي مصنف هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه ، وقد سبقت ترجمتنا له.

وقد كان الماتريدي مشهورا بالاعتدال والتوسط حتى اتفق الناس على علو قدره وتميز منزلته ، حتى قيل : لو لم يكن في الحنفية إلا هذا الإمام لكفاهم.

وكنا قد أشرنا إلى أن الماتريدي كان أحد اثنين قاما بالذود عن عقيدة أهل السنة ، وتفنيد آراء المعتزلة المخالفة لها.

ومن الحق أن نقرر أن الماتريدي اتخذ منهجا امتاز بالوسطية والاعتدال ، على نحو ما صنع معاصره أبو الحسن الأشعري ، فاحتلت شخصيته مكانة تليق به كواحد من أفاضل علماء أهل السنة والجماعة في بلاد المشرق الإسلامي.

وسوف نفصل القول في بيان مذهب الماتريدية ، والمسائل التي خالف فيها الماتريدي أبا الحسن الأشعري.

فنقول :

يعد الماتريدي ـ بحق ـ واحدا من أبرز المؤسسين لعلم الكلام الإسلامي ؛ إذ ينسب إليه المذهب الماتريدي ، وهو مذهب يهدف إلى فهم أصول الشريعة وقواعد الإسلام في ضوء الأسس العقلية السليمة ، فهو مذهب يجمع بين العقل والنقل ، وإن كان العقل تابعا ، مهمته فهم أصول التوحيد التي نقلت إلينا من طريق الوحي.

وقد أشرنا في غير موضع إلى تشابه المذهب الأشعري مع المذهب الماتريدي ، وأن كلا المذهبين قد نشأ في سياق فكري واحد.

وقامت الماتريدية بالرد على المخالفين والمغالين وبخاصة المعتزلة والروافض والمشبهة ، وكان المنهج الذي اعتمده علماء هذا المذهب في الرد على المخالفين ومناقشة المسائل الكلامية منهجا معتدلا يوازن بين العقل والنقل ، وهو المنهج نفسه الذي عول عليه الأشعري.

أثمر اتفاق ـ أو قل تطابق ـ المنهجين اللذين اصطنعهما الأشاعرة والماتريدية ، اتفاقا بينهما في أمهات المسائل الكلامية ؛ مثل : وجود الله وصفاته ، وجواز رؤيته في الدنيا ، وتحقق الرؤية للمؤمنين في الآخرة ... إلى آخر هذه المسائل المثبتة في كتب التوحيد

١٥٦

وعلم الكلام.

ونذكر هنا على سبيل الإجمال المسائل التي اختلف فيها السادة الأشعرية مع السادة الماتريدية وقد تقدم بيان أن مدار جميع عقائد الملة الإسلامية على قطبين من أقطاب العلوم الشرعية : أحدهما الإمام أبو الحسن الأشعري ، والآخر الإمام أبو منصور الماتريدي.

وقبل ذكر هذه المسائل يجدر بي أن أبين أن الأشاعرة والماتريدية متفقون على الأصول العامة لعقيدة أهل السنة والجماعة ، والخلاف الظاهر بينهما في بعض المسائل الجزئية ، وهو أمر لا يقدح في نسبتهما جميعا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ، ولا يوجب القول بأن أحد الفريقين مبتدع ، مخالف للعقيدة السليمة (١).

قال الخيالي في حاشيته على شرح العقائد : «الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة ، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار ، وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور ، وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل ؛ كمسألة التكوين وغيرها». اه.

وقال الكستلي (٢) في حاشيته عليه : «المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلى السنة ـ أي : طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والجماعة ـ أي : طريقة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب أبي سليمان الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة ، وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول ؛ كمسألة التكوين ومسألة الاستثناء في الإيمان ، ومسألة إيمان المقلد. والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة». اه.

وقال ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب : «اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل ، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك ... وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف :

الأولى : أهل الحديث ، ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية ، أعني الكتاب والسنة

__________________

(١) ينظر : الروضة البهية (ص ٢٦٢).

(٢) ينظر : حاشيته على العقائد ص (٦٧).

١٥٧

والإجماع.

الثانية : أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية ، وهم الأشعرية والحنفية ، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري ، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي ، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه ، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط ، والعقلية والسمعية في غيرها ، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد.

الثالثة : أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية ، ومبادئهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية ، والكشف والإلهام في النهاية» اه.

وليعلم أن كلا من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور ـ رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام خيرا ـ لم يبتدعا من عندهما رأيا ولم يشتقا مذهبا ، إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كان عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فأحدهما : قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي وما دلت عليه ، والثاني : قام بنصرة نصوص مذهب أبي حنيفة وما دلت عليه ، وناظر كل منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين ، وهذا في الحقيقة هو أصل الجهاد الحقيقي ، فالانتساب إليهما إنما هو باعتبار أن كلّا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه ، فصار المقتدي به في تلك المسالك والدلائل يسمى أشعريّا وماتريديّا (١).

ويقول الدكتور محمد حسن أحمد حسانين :

فالماتريدية والأشاعرة متفقون في المذهب ، أما الناحية المنهجية : فإن بينهم بعض الاختلاف الذي لا يضر في العقيدة ولا يبدع أحدا منهم ؛ فالأمور المختلف فيها جزئية فرعية ، معظمها مبني على شبه الألفاظ وتعيين المعنى المراد منها.

وهي عند النظر السليم لا تخرج عن كونها اختلافات مثل ما بين أصحاب الأشعري وأصحاب أبي حنيفة (٢).

وقال العلامة السبكي في الطبقات : ولي قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل وضممت إليها مسائل اختلف الأشاعرة فيها ... وقال في شرح عقيدة ابن الحاجب : ثم تصفحت كتب الحنفية ، فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث

__________________

(١) ينظر : إتحاف السادة المتقين (٢ / ٦ ، ٧).

(٢) ينظر : منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام ص (٢٣١).

١٥٨

عشرة مسألة ، منها معنوي ست مسائل والباقي لفظي ، وتلك الستة المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم.

قلت : ومطلع القصيدة التي ذكرها السبكي هي :

الورد خدّك صيغ من إنسان

أم في الخدود شقائق النّعمان

والسيف لحظك سلّ من أجفانه

فسطا كمثل مهنّد وسنان

تالله ما خلقت لحاظك باطلا

وسدى تعالى الله عن بطلان (١)

ثم ذكر في البيت التاسع والستين وما بعده :

هذا اعتقاد مشايخ الإسلام وه

والدّين فلتسمع له الأذنان

الأشعري عليه ينصره ولا

يألو جزاه الله بالإحسان

وكذاك حالته مع النعمان لم

ينقض عليه عقائد الإيمان

يا صاح إن عقيدة النعمان وال

أشعري حقيقة الإتفان

فكلاهما والله صاحب سنّة

بهدى نبيّ الله مقتديان

لا ذا يبدّع ذا ولا هذا وإن

تحسب سواه وهمت في الحسبان

من قال إن أبا حنيفة مبدع

رأيا فذلك قائل الهذيان

أو ظنّ أن الأشعريّ مبدّع

رأيا فذلك قائل الهذيان

أو ظنّ أن الأشعريّ مبدّع

فلقد أساء وباء بالخسران

كلّ إمام مقتد ذو سنّة

كالسيف مسلولا على الشيطان

والخلف بينهما قليل أمره

سهل بلا بدع ولا كفران

فيما يقل من المسائل عدّه

ويهون عند تطاعن الأقران

ولقد يئول خلافها إمّا إلى

لفظ كالاستثناء في الإيمان (٢)

ويدلنا النظر في كتب العقائد وتأمل مصنفات الأصول أن ما بينهما من خلاف إنما هو خلاف فرعي لا يمس شيئا من الأصول.

وفيما يلي نجمل المسائل التي كانت محل خلاف بين الأشاعرة والماتريدية ، ثم نذكر نبذة يسيرة عن كل مسألة : مع بيان المسائل المختلف فيها لفظا والمختلف فيها معنى.

فأما المسائل المختلف فيها لفظا فهي :

١ ـ السعادة والشقاء.

__________________

(١) ينظر : طبقات الشافعية للسبكي (٣ / ٣٧٩).

(٢) ينظر : طبقات الشافعية للسبكي (٣ / ٣٨٣).

١٥٩

٢ ـ بقاء الرسالة.

٣ ـ الإرادة والرضا.

٤ ـ الاستثناء في الإيمان.

٥ ـ إيمان المقلد.

٦ ـ الكسب.

٧ ـ الكافر منعم عليه أم لا.

والمسائل المختلف فيها معنويّا :

١ ـ تكليف ما لا يطاق.

٢ ـ الثواب والعقاب.

٣ ـ التكوين.

٤ ـ كلام الله.

٥ ـ معرفة الله تعالى بالعقل أم بالشرع؟

٦ ـ عصمة الأنبياء عليهم‌السلام.

أولا : المسائل المختلف فيها لفظا :

المسألة الأولى : السعادة والشقاوة

السعادة والشقاوة في اللغة والاصطلاح :

أ ـ في اللغة :

السعادة : خلاف الشقاوة ، والسعيد : نقيضه الشقي ، والسعد : هو اليمن ونقيضه النحس (١).

ب ـ في الاصطلاح :

السعادة : هي ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب ، وهي نور في القلب يسكن إلى شاهده ويطمئن صاحبه في الدنيا بالإيمان ، وفي الآخرة بالنظر إلى وجه الرحمن سبحانه وتعالى ، ودخول الجنة (٢).

__________________

(١) انظر : لسان العرب ، مادة (س ع د) (٣ / ٢١٣ ـ ٢١٧).

(٢) انظر : كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (٣ / ٧٠٢).

١٦٠