مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٨

السابع : يستفاد من قوله تعالى : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ) ان الكفاية انما يتحقق في الإمداد الربوبي وهو لا يختص بنوع خاص ، بل يشمل جميع ما يتعلق بنصرة المؤمنين المادية والمعنوية وما يتعلق بشئونهم العسكرية وثبات نفوسهم واستقرارها وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء.

الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ) ان الإفاضات الربوبية بقدر اطمينان القلب الحاصل من التصفية ، ولا بد أولا من البشارات الإلهية بالفيض والإمداد ، وان لذلك الأثر الكبير في اطمينان القلب الذي يكون المؤمن بحاجة اليه في جميع حالاته لا سيما حالة الجهاد والحرب مع الأعداء.

وإنما وجه الخطاب إلى الرسول الكريم باعتبار انه واسطة الفيض ولبيان أن كل فيض لا بد ان يكون عن طريقه ومن وجهه ، وإذا اجتمعت الواسطة من تصفية النفس واطمينان القلب والتوجه اليه عزوجل يقع النصر والفيض الربوبي لا محالة ، ويتقدران بقدر اطمينان قلب المفاض عليه وسائر خصوصياته.

التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية» وجوه الحكمة في الجهاد مع الأعداء وقد عد سبحانه وتعالى جملة منها وهي قطع دابر الكافرين واذهاب شوكتهم ، وكبتهم أو الهداية والتوبة عليهم ، وزيادة شوكة المسلمين ، أو التعذيب بما يراه الله تعالى في شأنهم ، وقد ذكر عزوجل جملة أخرى منها في مواضع متفرقة يأتي التعرض لها في الموضع المناسب.

العاشر : انما عبر سبحانه وتعالى بقطع الطرف ، لأن الجيش انما يتقوم بقيام طرفه فإذا قطع فلا تبقى له قائمة ، كما في قطع أطراف الإنسان ، والقطع هنا أعم من القتل أو الأسر أو الخذلان أو التطميع

٣٠١

بالمادة ، أو إيقاع الرعب في قلبه ، ففي كل ذلك قطع للطرف واذهاب للشوكة.

الحادي عشر : إن في وقوع جملة (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) المستأنفة الواقعة بين جملتين مرتبطتين فيها من الحكم الكثيرة ما لا يخفى فمنها انها تكون لأجل التهويل وتعظيم الموضوع ، والتسلية للنبي العظيم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بما جرى على اهله وعشيرته من القتل والأسر ، وتسكينا لأقاويل المنافقين لما كثرت حيث قالوا لو كان نبيا لما كسرت رباعيته ولا شج وجهه ، ومنها دفع توهم الغلو فيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نظير قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) الأنفال ـ ١٧ وجلبا لقلوب المؤمنين ، ومنها توطئة لذكر التوبة بعد ذلك لئلا يستوحش المسلمون من قبول توبتهم ؛ فإنها من الله تعالى ويكون التوفيق لتوبتهم منه تعالى أيضا ، مضافا الى أن لهذه الجملة من التأثير المعنوي في ساحة القتال والوغى على النفوس ما لم يكن للسلاح وغيره ، وهي تؤثر في الروح المعنوية وتشدها وتقويها في حالة يكون المحاربون بأشد الحاجة إليها ، وغير ذلك من الحكم الكثيرة وقد جرت عادة الفصحاء والبلغاء على ذكر جملة مستأنفة بين جمل مترابطة يشد بعضها مع بعض وحدة كلامية اهتماما بالموضوع.

الثاني عشر : ان قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) بملاحظة سائر الآيات المباركة يدل على أن المنفي هو بعض مراتب القضاء والقدر ، والا فان امر التشريع وجعل الاحكام مفوض اليه فانه (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) النجم ـ ٤ فلا يصح لأحد ان يتمسك بهذه الآية الشريفة وينفي بعض الأمور عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) باعتبار انه ليس له من الأمر شي.

٣٠٢

بحث روائي

في تفسير القمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) قال (عليه‌السلام) : «سبب نزول هذه الآية ان قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فخرج يبغي موضعا للقتال».

أقول : سياق الآية المباركة يشهد على صحة ما ورد في مثل هذه الروايات ؛ كما عرفت في التفسير.

وفي تفسير القمي في قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) قال : «نزلت في عبد الله بن أبي وقوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج والقعود عن نصرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أقول : يمكن ان يكون فعل عبد الله بن أبي سببا لحصول الهم بالفشل في جمع آخر ، والآية المباركة ناظرة إلى هذا الجمع واما عبد الله بن أبي فقد قعد عن القتال لا أنه همّ بالفشل ، ويشهد لذلك ما رواه الطبرسي في المجمع والسيوطي في الدر المنثور ، والاختلاف في من همّ بالفشل لا يضر بعد معروفيته.

وفي المجمع عن الصادقين (عليهما‌السلام) : «هما بنو سلمة وبنو حارثة حيان من الأنصار ، وقيل هما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر».

وفي الدر المنثور عن السدي في حديث : «وخرج رسول الله

٣٠٣

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى أحد في ألف رجل ، وقد وعدهم الفتح إن يصبروا فرجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه وقالوا له : ما نعلم قتالا ولئن أطعتنا لترجعن معنا ... ثم قال (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وهم بنو سلمة وبنو حارثة همّوا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله وبقي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في سبعمائة».

وفي تفسير القمي في قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : «ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانما نزل «وأنتم ضعفاء»

أقول : وروى مثله في المجمع وهذه الروايات تؤيد ما ذكرناه في معنى الذلة ؛ وهو الانقطاع الى الله تعالى من كل جهة ، وإنما ينفي الأمام (عليه‌السلام) الذلة الحاصلة لبعض الجيوش عند غلبة العدو عليه لا المعنى الذي قلناه ، وقوله (عليه‌السلام) «ونزل» المراد به النزول تأويلا لا النزول اللفظي.

وفي تفسير العياشي عن أبي بصير قال : «قرأت عند أبى عبد الله (عليه‌السلام) (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) فقال (ع) : مه ليس هكذا أنزلها الله انها أنزلت : أنتم قليل».

أقول : هذا الحديث يبين ما ذكرناه ، والمنفي هو الذلة الحاصلة لبعض النفوس عند فقدان الحامي والكفيل. واما الذلة التي تكون بسبب قلة العدد والعدة والانقطاع عن الخلق فلا تنفيها الروايات.

وفي الكافي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) في قول الله عزوجل (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) قال (ع) : العمائم اعتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسد

٣٠٤

لها من بين يديه ، ومن خلفه ، واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

وفي الكافي ايضا عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المسترسلة يوم بدر».

أقول : تقدم ما يتعلق بهذه الروايات في التفسير.

في الدر المنثور عن انس بن مالك قال : «كسرت رباعية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم أحد ودمي وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه ، ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم ، وهو يدعوهم إلى ربهم؟! فانزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ).

وفي اسباب النزول للواحدي عن سالم عن أبيه : «انه سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع : ربنا لك الحمد ، اللهم العن فلانا وفلانا دعا على ناس من المنافقين ، فانزل الله عزوجل : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

أقول : روى قريب منه البخاري في صحيحه واختلاف الروايات لا يضر لما تقدم مكررا من إمكان تعدد منشأ النزول ولعل نزول قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) في هذا الحال لأجل تسكين قلب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والتوعيد على من فعل ذلك به (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

ثم انه قد وردت روايات كثيرة مختلفة المضامين في قصة أحد ونحن نذكر قسما منها في البحث التاريخي إن شاء الله تعالى.

٣٠٥

بحث عرفاني

يمكن ان يكون قوله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) اشارة إلى معراج آخر لنبينا الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان معراجه الاول كان في مكة من بيت أم هاني وكان من الخلق إلى الحق والانقطاع عن العلائق بالكلية والانقطاع إلى الرب الفياض من جميع الجهات وإعداد نفسه الأقدس لمعراج آخر والسفر من الحق لكشف الحجب الظلمانية عن النفوس ولا حجاب أقوى واغلظ من الكفر مطلقا ولا ينكشف ذلك الحجاب إلا بالسيف فكما أن لجهاده وحروبه المقدسة دخلا في نظام التشريع لها دخل في نظام التكوين أيضا ، وهو إثارة العقول المستترة بالسيوف التي تعمل في نصرة الحق. والغدو من الأهل لتعيين مواقع القتال للمؤمنين معراج للرسول الكريم لإظهار الحق وازالة الحجب والاغشية الظلمانية ، ومن المعلوم إن أغلى الأشياء وأعظمها لدى الإنسان هي الروح التي بين جنبيه ونفسه التي يقضي بها آماله ويفعل أفعاله فهي الأصل وجميع ما سواها من الأهل والمال وسائر الجهات من الفروع التي ترجع إلى حفظ النفس وحب بقائها ، وهذه الجوهرة النفيسة إن بذلت في الأوهام والخيالات والماديات فقد بيعت بأرخص الأشياء وشريت بثمن بخس ، وان كان بذلها في الحقيقة التي لاحد لكمالها بوجه من الوجوه فهي السعادة العظمى. ومن مظاهر تلك الحقيقة الجهاد في سبيل الله تعالى فانه اتصال بالمبدأ القيوم قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران ـ ١٦٩ فهل يعقل حدا لمعنى «عند»

٣٠٦

من لا تناهي لحد الحضور لديه ، مضافا إلى ان في رفع الحجب والأستار من الأسرار والدقائق ما لا يعلمها إلا الله تعالى.

بحث تاريخي

الآيات الشريفة التي تقدم تفسيرها ترشد المؤمنين إلى بعض الأمور التي لا بد من مراعاتها في ميدان القتال والجهاد مع اعداء الله تعالى فقد أمرت المسلمين بالتوكل عليه في جميع أمورهم ، والصبر والثبات والتقوى عن جميع ما يوجب البعد عنه عزوجل ، والاستعانة والانقطاع اليه لطلب الإمداد الربوي والفيض الالهي المعد للمنقطعين اليه والمستغيثين به وقد بين عزوجل بعض الصفات التي يجب على المؤمن التحلي بها وهي طاعة الله تعالى ومتابعة الرسول الكريم ، والصبر والتقوى ، والتوكل عليه وترك ما يوجب الوهن في العزائم ، وقد ذكر عزوجل غزوة بدر وغزوة أحد.

اما الاولى فلأجل ما حصل من المسلمين من الالتفات حول النبي الكريم والانقطاع إلى الله تعالى والإمدادات الغيبية لهم وموجبات النصر على الأعداء.

واما الثانية فلما ظهر من بعض المسلمين من الهم بالفشل والوهن في العزائم وترك متابعة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في وصاياه وأوامره وكادوا أن يقاسوا مرارة الهزيمة لو لا ما منّ الله تعالى به عليهم من العفو والتوبة فأمدهم بالامداد الغيبي ، وسيأتي ذكر غزوة أحد في الآيات الآتية والإشارة إلى بعض غزوات رسول الله (صلى الله

٣٠٧

عليه وآله) في مواضع مختلفة من القرآن الكريم. ونحن نذكر في هذا البحث عدد غزوات الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما يتعلق بغزوة أحد واما سائر الغزوات فيأتي البحث عنها في مواضعها.

حروب رسول الله (ص):

تنقسم حروب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى قسمين : الاول : الغزوة وهي القوة المؤلفة من اعداد كبيرة مقاتلة التي كان يقودها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بنفسه الأقدس.

الثاني : السرية وهي مجموعة من الجند (يقدر عددها ما بين الثلاثين إلى الأربعين أو اكثر) يناط بهم مهمة قتالية محدودة أو مهمة استطلاعية حيث انها تستقصى اخبار العدو وتحصل المعلومات اللازمة عنه ولا تخرج إلا باذن الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيعقد لها رأيتها ، والمعروف انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يودعها بنفسه الكريمة ويدعو لها بالنصر والتوفيق.

واما العين أو العيون فان المراد منها إرسال شخص أو اكثر يقوم بمهمة استطلاعية والتجسس على الأعداء فقط ، وعدد سرايا الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ست وثلاثون سرية على ما هو المعروف.

غزوات رسول الله (ص):

المعروف ان عدد غزوات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ست وعشرون

٣٠٨

غزوة ، وقيل إنها اكثر.

أولها : غزوة الأبواء وتسمى غزوة ودان ـ وهي قرية بين مكة والمدينة بينها وبين الأبواء ستة أميال ـ وذلك في محرم من السنة الثانية من الهجرة.

ثانيها : غزوة بواط وقعت في ربيع الاول من السنة الثانية أيضا وبواط جبال جهينة على إبراد من المدينة جهة ينبع.

ثالثها : غزوة العشيرة في جمادي الاولى من تلك السنة.

رابعها : غزوة بدر الاولى بعد رجوع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من غزوة العشيرة بقليل.

خامسها : غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، مائتان ونيف وأربعون من الأنصار ، والباقون من المهاجرين ، ومعهم فرسان وسبعون بعيرا يتعاقبون عليها والحامل للواء مصعب بن عمير العبدري. وأما المشركون فقد كانوا تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير.

سادسها : غزوة بني سليم في النصف من شوال من نفس السنة.

سابعها : غزوة السويق وسميت هذه الغزوة بهذا الاسم لان المشركين كانوا يلقون جرب السويق وهم يهربون.

ثامنها : غزوة ذي أمر وهو ماء وتسمى بغزوة غطفان أيضا وقعت في شهر ربيع الاول من السنة الثالثة.

تاسعها : غزوة بحران عند ما بلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان جمعا من بني سليم يريدون الغارة على المدينة فسار إليهم في ثلاثمائة من أصحابه لست من جمادي الأولى.

عاشرها غزوة احد لعشر خلون من شوال من السنة الثالثة على ما يأتي من التفصيل.

٣٠٩

الحادية عشرة : غزوة حمراء الأسد ـ وهي من المدينة على سبعة أميال ـ وأقام (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء بعد رجوعهم من غزوة احد.

الثانية عشرة : غزوة بني النضير لما نقضوا العهد مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأرادوا قتله غدرا فخرج لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في عسكر ، فتحصنوا وحاصرهم حتى خضعوا لأمره ورضوا بالجلاء وذلك في السنة الرابعة.

الثالثة عشرة : غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بني النضير بشهرين وهما ربيع الاول وربيع الثاني في السنة الثالثة ، وذلك لما تهيأت قبائل من نجد لحربه فتجهز لهم وخرج في سبعمائة مقاتل.

الرابعة عشرة : غزوة بدر الآخرة في شعبان من هذه السنة عند ما بلغه توعد أبي سفيان.

الخامسة عشرة : غزوة دومة الجندل ـ وهي مدينة بينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة وبين دمشق خمس ليال عند ما بلغه ان جمعا كثيرا فيها يظلمون من مر بها ويريدون الاغارة على المدينة فخرج لهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاول من السنة الخامسة وكان في ألف من المسلمين.

السادسة عشرة : غزوة بني المصطلق ـ وتسمى بغزوة المريسيع ـ قبل غزوة الخندق بثلاثة أشهر من السنة الخامسة.

السابعة عشرة : غزوة الخندق وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة عند ما اجتمعت قبائل قريش في اربعة آلاف مقاتل وغطفان في ألف فارس ، وبنو مرة في أربعمائة وبنو أشجع وبنو سليم في سبعمائة وبنو أسد وغيرهم حيث بلغ المجموع عشرة آلاف مقاتل

٣١٠

يقودهم أبو سفيان بن حرب.

الثامنة عشرة : غزوة بني قريظة وكانت عند انصرافه عن الخندق ولما كان الظهر امر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنا ان يؤذن من كان يصلي العصر لا يصليها إلا في بني قريظة بحكم سعد بن معاذ.

التاسعة عشرة : غزوة بني لحيان ، وهم قبيلة نزلت شمالي شرق مكة وهم الذين قتلوا سبعين صحابيا الذين أرسلهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صفر من السنة الرابعة إلى نجد ليدعوهم إلى الإسلام ، فخرج إليهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في جمادي الاولى من السنة الخامسة في مأتي راكب ومعهم عشرين فرسا.

العشرون : غزوة الحديبية في ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة عند ما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) معتمرا لا يريد حربا ومعه من المهاجرين والأنصار وغيرهم ما يبلغ عددهم ألف وخمسمائة ولكن المشركون منعوه من الزيارة ودخول مكة إلا ان الجميع اتفقوا على الصلح ، وسمي بصلح الحديبية.

الواحدة والعشرون : غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة عند ما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إليها في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس وخيبر تبعد عن المدينة نحو مائة ميل من الشمال الغربي.

الثانية والعشرون : غزوة وادي القرى.

الثالثة والعشرون : غزوة الفتح أي فتح مكة ، وذلك إنه كان بين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبين قريش عهد يمنع احد الفريقين من مقاتلة الآخر والزعامة عليه وعند ما حارب بنو بكر ـ وهم في عهد قريش ـ بني خزاعة ـ وهم في عهد المسلمين ـ والجميع بمكة ساعد القرشيون بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قاتل مستخفيا حتى أخرجوا

٣١١

خزاعة إلى الحرم واصابوا منهم ما اصابوا وبذلك نقضت قريش العهد فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى المدينة لتجديد العهد ولكن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عقد العزم على فتح مكة فتجهز للسفر وسار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في منتصف شهر رمضان في عشرة آلاف ووصل إلى مكة في عشرين خلت من نفس الشهر حتى وصل الحجون موضع رايته.

الرابعة والعشرون : غزوة حنين عند ما اجتمعت هوازن وثقيف وغيرهما من القبائل وخرجوا مع الأموال والذراري والنساء إلى غزو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعند ما بلغه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خبر هذه الغارة خرج في اثني عشر ألف مقاتل في شوال من السنة الثامنة.

الخامسة والعشرون : غزوة الطائف وذلك لما قدم المنهزمون من ثقيف ومن انضم إليهم من غيرهم إلى الطائف أغلقوا عليهم مدينتهم وجمعوا ما يحتاجون اليه واستحصروا فيها فسار إليهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمن معه في شوال من نفس السنة.

السادسة والعشرون : غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد خروجه من الطائف بستة أشهر عند ما بلغه ان نصارى العرب قد اجتمعوا مع جند الروم لمحاربته ووصلت مقدمتهم إلى بلقاء ـ ارض بالشام ـ فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالتجهيز لغزوهم فتجهز ثلاثون الفا في ساعة العسرة وساروا إلى تبوك في جمادي الثانية من السنة الثامنة ولما انتهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى تبوك لم يلق حربا وصالح أهلها وقفل راجعا.

واما غزوة موته فلم يشترك فيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانما جهز جيشا في ثلاثة آلاف مقاتل واستعمل عليه زيد بن حارثة

٣١٢

وقال : «ان أصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب ، فان أصيب فعبد الله ابن رواحه» فسار الجيش وشيعهم الرسول الكريم وذلك في جمادي الاولى من السنة الثامنة.

هذه جملة غزوات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهذا الحصر استقرائي تاريخي يختلف حسب شدة الاستقراء وضعفه ولعله لأجل ذلك اختلفوا في عدد الغزوات.

ونحن نذكر في هذا البحث غزوة احد وما يتعلق بها من موقعها واسبابها ونتائجها وكيفية الحرب وغير ذلك على ما هو المعروف بين اهل السير والتواريخ وما ورد عن الائمة الهداة (عليهم‌السلام) ان شاء الله تعالى.

موقع القتال :

هذه الغزوة كانت في أحد وهو جبل بظاهر المدينة في شمالها على خمسة أميال وهو اقرب الجبال إليها ، وطوله من شرقه إلى غربه يساوي ستة كيلو مترات ، وترتفع قمة هذا الجبل عن سطح البحر بمقدار ألف ومأتي مترا.

وقد عسكر المسلمون والمشركون في هذا الموضع ، وكان موقفا الفريقين متعارضا لاختلاف هدف كل واحد منهما. فالفريق الذي كان يريد مهاجمة المدينة (المشركون) فانه استقبل جبل احد واستدبر المدينة ، والفريق الذي أراد الدفاع عن المدينة (المسلمون) فانه استقبل المدينة واستدبر جبل احد.

٣١٣

ومن ذلك يعرف ان جيش المشركين وصل إلى جنوب غربي جبل احد عن طريق وادي العقيق غربي المدينة ، وتمكن من الوصول إلى الطرف الشمالي من المدينة المنورة ، فيكون الموضع الذي عسكر فيه المشركون يقع بالتحديد شمال شرق المدينة.

وقد اطلق المشركون ابلهم وخيولهم في مزارع المسلمين شمالي المدينة ليستنفروا المسلمين ويجبروهم على القتال خارج ابنية المدينة وعند السفوح الجنوبية بجبل احد.

وقد تجنبوا الدخول إلى المدينة المنورة وحاراتها وآطامها وتحصيناتها فإنهم كانوا يعلمون بأنهم لا يتمكنون من محاربة المسلمين فيها لأنهم لم يكونوا يحسنون مثل هذا النوع من القتال.

وقد لفت الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انظار أصحابه إلى هذه الجهة عند ما اظهر رأيه لهم في البقاء داخل المدينة والتحصن فيها ومقاتلة المشركين إذا هموا الدخول فيها ، لعلمه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأنهم لا يقدرون على ذلك وسينصرفون عنها خائبين تماما كما حدث في غزوة الخندق أو لغير ذلك من الأسرار ، وبعد ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتقدمة يشير إلى بعض منها ولكن اكثر المسلمين اتفقوا على الخروج ومقاتلة المشركين خارج المدينة وكان ذلك خلاف المأمول منهم ، ولقد لاقوا المتاعب والمصاعب في خروجهم هذا.

وكيف كان فقد امر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أصحابه بالتهيؤ للخروج ودخل داره وتقلد سيفه وارتدى عدة القتال ، ولما تردد من خالف رأي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأظهروا الرغبة على النزول على رأيه قال قولته المشهورة «لا ينبغي لنبي لبس لامته ـ الدرع ونحوه ـ ان يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه» ولقد

٣١٤

تلقى الوحي من السماء بالخروج قال تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومعه ألف رجل من ناحية المشرق حتى نزل (الشيخين) موضع بين المدينة وأحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جبل أحد ـ ولقد اختار النبي (ص) أرضا للقتال في أحد بمنتهى الحكمة والمهارة ، ولقد اعترف بذلك غير المسلمين أيضا فوضع خمسين من الرماة في فم الشعب خلف قواته لغرض حرمان العدو من الالتفاف على قواته من الخلف ، وتحمى ظهرها وتستر انسحابه عند الحاجة وحددت كتب السير والتواريخ ذلك الموضع ب (جبل عينين) وان كان ذلك اقرب إلى الربوة منها الى الجبل.

وكيف كان فقد أسند إلى هذا الموضع جناحه الأيسر كما أسند جناحيه الأيمن الى سفح جبل أحد الذي كان شديد الانحدار واستقبل قوات المشركين ، فكان في حصن منيع وكبير. ولذا لما سقط هذا الموضع بيد المشركين انهار دفاع المسلمين وتدفقت خيل المشركين على المسلمين ووقعت الهزيمة كما نطق به التنزيل قال تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) آل عمران ـ ١٥٣ هذا موقع القتال في غزوة أحد وهندسة الحرب فيها.

اسباب الحرب :

إذا راجعنا كتب السير والتاريخ نجد انهم يذكرون أسبابا عديدة لهذه الغزوة ولكن أكثرها لا تخلو عن المناقشة والذي يستفاد من مجموع

٣١٥

الحوادث الواقعة قبل غزوة أحد وبعدها امور هي :

الاول : خذلان المشركين في غزوة بدر الكبرى ورجوعهم إلى مكة مقهورين موتورين ؛ وفي المجمع عن الصادق (عليه‌السلام) : «كان سبب غزوة احد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة ؛ وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر لأنه قتل منهم سبعون وأسر سبعون» فحرصت قريش منذ نكبتها في بدر على الأخذ بثأرها من المسلمين وصممت على الاستعداد عسكريا لاستعادة كرامتها وشرفها.

الثاني : خوف القبائل المجاورة للمدينة سواء كانت من المشركين أم اليهود من قوة المسلمين مما كانوا يترقبون الفرص للانتقام منهم ونقض العهد ويتربصون الدوائر ويتجسسون عليهم ويؤذونهم بالقول والفعل. ولما علمت بعزم قريش على الغزو حرضتها على ذلك.

الثالث : خوف قريش على الطرق التجارية المؤدية إلى الشام وإلى العراق من ان تقع بيد المسلمين فيمنعونهم عن التجارة كما وقعت المدينة بأيديهم وأصبحت قاعدة أمنية لدعوتهم وحركاتهم العسكرية.

الرابع : خوف انتشار الدعوة الاسلامية لأنها كانت تلقى إذنا صاغية وارتفعت بعض الموانع عن قبولها بعد هزيمة قريش في بدر الكبرى فقد أسلمت اكثر مشركي المدينة بعد بدر.

الخامس : الدفاع عن المدينة بعد ما عرف الرسول الكريم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استعداد قريش لغزوها وابادة أهلها ومحو الدعوة في مهدها.

السادس : استفزاز قريش المسلمين في عدة مواقع منها انهم أرسلوا إبلهم وخيلهم ترعى زروع يثرب.

٣١٦

التعبئة :

لما رجعت قريش إلى مكة من بدر بعد اصابتهم الهزيمة والخذلان ـ قتلا واسرا ـ حرصت على الأخذ بثأرها من المسلمين وقد نذر أبو سفيان بن حرب ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا وصممت على استعادة كرامتها وشرفها كما عرفت فاستعدت لذلك استعدادا تاما قرر كبراء قريش تخصيص ربح تجارة قافلة أبي سفيان التي جرت من أجلها معركة بدر لإنجاز هذه المعركة وتقويتها بالمواد والسلاح ، وقد كان ربح تلك التجارة ـ كما في السيرة الحلبية ـ خمسين ألف دينار فبذلوا الربح في معركة الثار ، وقال أبو سفيان : يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد فلما غزوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم أحد أذنوا لنسائهم في البكاء والنوح» واجتمعت قريش للحرب بحدها ـ وهو البأس ـ وجدها ـ وهو العظمة والغنى ـ واحابيشها ـ وهم حلفاء قريش ـ ومن اطاعتها من قبائل كنانة واهل تهامة فكانوا نحو ثلاثة آلاف ، الفان وتسعمائة من قريش ومواليها واحابيشها ، ومائة من بني ثقيف ، بينهم سبعمائة دارع ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير ، وفي مجمع البيان عن الصادق (عليه‌السلام) : «ان القوة لما خرجت من مكة كانت ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل» ولقد جاء المشركون من مكة إلى أحد وليس فيهم رجل واحد يمشي على قدميه واستصحب أكثرهم نساءهم للتشجيع ورفع المعنويات.

وقد بذلت نساء قريش ـ خاصة هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان ـ

٣١٧

أقصى جهودهن لتشجيع قريش وبعث الحماس في نفوس الرجال لأخذ الثار من المسلمين وهي التي حرضت وحشيا الحبشي على قتل حمزة عم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقتله بحربته المعروفة. ثم انه خرجت قريش من مكة ووصلت أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة في اربعة عشر شهرا.

وقد أرسل العباس عم الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رسالة مع أحد الرجال لأخذ الثار من المسلمين يخبرهم عن وقت خروج قريش لقتاله وعن عدد قواتها فاسرع الرجل بعد ما اشترط عليه العباس ان يسير ثلاثا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلما بلغ رسول الله الخبر جمع أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أبي سلول الله لا نخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها ، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والامة على أفواه السكك وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا كان الظفر لهم علينا» وكان الرسول الكريم يرغب البقاء في المدينة ايضا وقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس فقالوا يا رسول الله ما طمع فينا احد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطمعون فينا وأنت فينا؟ لا حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوءون موضع القتال كما حكي عزوجل عنهم في الآية الشريفة وقد عرفت سابقا موضع القتال وعبّأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أصحابه فسار في ألف من أصحابه كما سيأتي.

٣١٨

القوى :

وصلت قوات المسلمين وقوات المشركين الى أحد يوم الجمعة الخامس عشر من السنة الثالثة للهجرة اما قوى المسلمين فقد كانت مؤلفة من ستّمائة وخمسون فارسا وحامل اللواء علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) كما ورد عن الصادق (عليه‌السلام) وقيل ان حامل اللواء هو مصعب بن عمير اخي بني عبد الدار ، وخمسون من الرماة على الشعب قال الصادق (عليه‌السلام) : «ووافت قريش إلى احد وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبّأ أصحابه وكانوا سبعمائة رجل ووضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب واشفق ان يأتي كمينهم من ذلك المكان فقال (ص) : لعبد الله بن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وان رأيتموهم هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم» وقد رجع عبد الله بن أبي مع ثلاثمائة من أصحابه عند ما وصل الرسول مع ألف إلى الشوط وقد كان خروجهم خيرا للمسلمين وقد ذمهم الله تعالى وقبح أفعالهم ولما انتهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى احد وبالتحديد موضع القنطرة ـ وقد اندرست فلا يعلم موقعها ـ وقد حانت الصلاة وهو يرى المشركين امر بلالا فاذن وصلى ولقد همت طائفتان من المؤمنين وهما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس بالفشل ، ولم يعرف عدد هاتين الطائفتين ، وكان معسكر المسلمين بالقرب من أحد على ما عرفت وقد

٣١٩

استعرض (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المسلمون ورد من استصغر منهم وهم سبعة عشر شخصا وأجاز اشخاصا من أبناء الخامسة عشر. وقد لبس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدرع فوق الدرع وجعل على أحد الجانبين الزبير بن العوام وعلى الآخر المنذر بن عمرو.

واما قوات المشركين فقد كانت مؤلفة من ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف كما ورد عن الصادق (عليه‌السلام) وكان على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبى جهل ، وكان اللواء عند طلحة بن أبى طلحة من بني عبد الدار ، وقد نظم المشركون قواتهم للقتال بأسلوب الصف وأمنوا حماية ميمنة الصفوف وميسرتها بالفرسان. وكان مع القوة مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وهذه القوات كانت بقيادة أبى سفيان.

وقال في المجمع عن الصادق (عليه‌السلام) : «ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا وقال : إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم» وعند احتدام القتال انحط خالد بن الوليد في مأتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع.

وفد تفوق المشركون على المسلمين بالعدد إلى خمسة أمثال المسلمين واما بالعدة فقد كان تفوقهم اكثر كما عرفت.

المعركة :

ابتدأ القتال عند ما قامت مفرزة من قوات المشركين بقيادة أبى عامر

٣٢٠