التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0695-7
الصفحات: ٥٥٤

قال صاحب الكشاف : والصمد فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو ـ سبحانه ـ المصمود إليه في الحوائج ، والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم ... (١).

وجاء لفظ «الصمد» محلى بأل ، لإفادة الحصر في الواقع ونفس الأمر ، فإن قصد الخلق إليه ـ سبحانه ـ في الحوائج ، أعم من القصد الإرادى ، والقصد الطبيعي ، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى ، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه ـ تعالى ـ طوعا وكرها.

وقوله ـ سبحانه ـ : (لَمْ يَلِدْ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن أن يكون له ولد أو بنت ، لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه ، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لأن الولد من جنس أبيه ، وهو ـ تعالى ـ منزه عن مجانسة أحد.

وقوله : (وَلَمْ يُولَدْ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن أن يكون له أب أو أم ، لأن المولودية تقتضي ـ أيضا ـ التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لاقتضائها سبق العدم ، أو المجانسة ، وكل ذلك مستحيل عليه ـ تعالى ـ فهو ـ سبحانه ـ : (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) تنزيه له ـ تعالى ـ عن الشبيه والنظير والمماثل.

والكفؤ : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو في القدرة.

أى : ولم يكن أحد من خلقه مكافئا ولا مشاكلا ولا مناظرا له ـ تعالى ـ في ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، فهو كما قال ـ تعالى ـ : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه.

فقد نفى ـ سبحانه ـ عن ذاته التعدد بقوله : (اللهُ أَحَدٌ) ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب ، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة ، الذين يقولون ، بالتثليث ، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله ـ تعالى ـ في ملكه.

__________________

(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨١٨.

٥٤١

وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة ... ـ سبحانه وتعالى ـ عما يقولون علوا كبيرا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٥٤٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة الفلق

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الفلق» تسمى ـ أيضا ـ سورة «قل أعوذ برب الفلق» وتسمى هي والتي بعدها بالمعوّذتين ، وكان نزولهما على الترتيب الموجود في المصحف.

ويرى الحسن وعطاء وعكرمة أنهما مكيتان ، ويرى قتادة وجماعة أنهما مدنيتان ...

قال الآلوسى عند تفسيره لهذه السورة : هي مكية في قول الحسن ... ومدنية في رواية عن ابن عباس. وفي قول قتادة وجماعة ، وهو الصحيح ، لأن سبب نزولها سحر اليهود ... (١).

وقد سار السيوطي في إتقانه على أنهما مكيتان ، وأن نزول سورة الفلق كان بعد نزول سورة «الفيل» وقبل سورة «الناس» ، وأن نزول سورة «الناس» كان بعد سورة «الفلق» وقبل سورة «الصمد».

٢ ـ وعدد آياتها خمس آيات ، والغرض الأكبر منها : تعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف يستعيذ بالله ـ تعالى ـ من شرور الحاقدين والجاحدين والسحرة والفاسقين عن أمر ربهم ...

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢٧٨.

٥٤٣

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)(٥)

والفلق : أصله شق الشيء عن الشيء ، وفصل بعض عن بعض ، والمراد به هنا : الصبح ، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (فالِقُ الْإِصْباحِ) أى : شاقّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر ...

ويصح أن يكون المراد به ، كل ما يفلقه الله ـ تعالى ـ من مخلوقات كالأرض التي تنفلق عن النبات ، والجبال التي تنفلق عن عيون الماء ...

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ أعوذ وأستجير وأعتصم ، بالله ـ تعالى ـ الذي فلق الليل ، فانشق عنه الصباح ، والذي هو رب جميع الكائنات ، ومبدع كل المخلوقات ...

قل أعوذ بهذا الرب العظيم (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) أى : من شر كل ذي شر من المخلوقات ، لأنه لا عاصم من شرها إلا خالقها ـ عزوجل ـ إذ هو المالك لها ، والمتصرف في أمرها ، والقابض على ناصيتها ، والقادر على تبديل أحوالها ، وتغيير شئونها.

ثم قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) والغاسق : الليل عند ما يشتد ظلامه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ....) أى : إلى ظلامه.

وقوله : (وَقَبَ) من الوقوب ، وهو الدخول ، يقال : وقبت الشمس إذا غابت وتوارت في الأفق. أى : وقل أعوذ به ـ تعالى ـ من شر الليل إذا اشتد ظلامه ، وأسدل ستاره على كل شيء واختفى تحت جنحه ما كان ظاهرا.

٥٤٤

ومن شأن الليل عند ما يكون كذلك ، أن يكون مخيفا مرعبا ، لأن الإنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء.

ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) وأصل النفاثات جمع نفّاثة ، وهذا اللفظ صيغة مبالغة من النّفث ، وهو النفخ مع ريق قليل يخرج من الفم.

والعقد : جمع عقدة من العقد الذي هو ضد الحل ، وهي اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه.

والمراد بالنفاثات في العقد : النساء السواحر ، اللائي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها من أجل السحر.

وجيء بصيغة التأنيث في لفظ «النفاثات» لأن معظم السحرة كن من النساء.

ويصح أن يكون النفاثات صفة للنفوس التي تفعل ذلك ، فيكون هذا اللفظ شاملا للذكور والإناث.

وقيل المراد بالنفاثات في العقد : النمامون الذين يسعون بين الناس بالفساد ، فيقطعون ما أمر الله به أن يوصل ... وعلى ذلك تكون التاء في «النفاثة» للمبالغة كعلامة وفهامة ، وليست للتأنيث.

أى : وقل ـ أيضا ـ أستجير بالله ـ تعالى ـ من شرور السحرة والنمامين ، ومن كل الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ). والحاسد : هو الإنسان الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره. والحسد : حقيقة واقعة. وأثره لا شك فيه ، وإلا لما أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستعيذ من شرور الحاسدين.

قال الآلوسى : وقوله : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) أى إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ، ومبادي الاضرار بالمحسود قولا وفعلا ... (١).

وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحسد في أحاديث كثيرة منها قوله : «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ...».

ومنها قوله : «إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات ، كما تأكل النار الحطب».

هذا ، وقد تكلم العلماء كلاما طويلا عند تفسيرهم لقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) عن السحر ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل وتمويه ...

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢٨٤.

٥٤٥

وجمهورهم على إثباته ، وأن له آثارا حقيقية ، وأن الساحر قد يأتى بأشياء غير عادية ، إلا أن الفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله ـ تعالى ـ ...

وقد بسطنا القول في هذه المسألة عند تفسيرنا لقوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...) (١).

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يعيذنا من شرار خلقه ...

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...

__________________

(١) راجع تفسير سورة البقرة من ص ٢٢٦ ـ ٢٣٦.

٥٤٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة الناس

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الناس» كان نزولها بعد سورة «الفلق» ، وتسمى سورة المعوذة الثانية ، والسورتان معا تسميان بالمعوذتين ، كما سبق أن أشرنا ، وعدد آياتها ست آيات ...

٥٤٧

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤)

الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(٦)

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ أعوذ وألتجئ وأعتصم «برب الناس» أى : بمربيهم ومصلح أمورهم ، وراعى شئونهم ... إذ الرب هو الذي يقوم بتدبير أمر غيره ، وإصلاح حاله ...

(مَلِكِ النَّاسِ) أى المالك لأمرهم ملكا تاما. والمتصرف في شئونهم تصرفا كاملا ...

(إِلهِ النَّاسِ) أى : الذي يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة لأنه هو وحده الذي خلقهم وأوجدهم في هذه الحياة ، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى ...

وبدأ ـ سبحانه ـ بإضافة الناس إلى ربهم ، لأن الربوبية من أوائل نعم الله ـ تعالى ـ على عباده ، وثنى بذكر المالك ، لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا ، وختم بالإضافة إلى الألوهية ، لأن الإنسان بعد أن يدرك ويتعلم ، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين.

قال الجمل : وقد وقع ترتيب هذه الإضافات على الوجه الأكمل ، الدال على الوحدانية ، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة ، علم أن له مربيا ، فإذا درج في العروج ... علم أنه ـ تعالى ـ غنى عن الكل ، والكل راجع إليه ، وعن أمره تجرى أمورهم ، فيعلم أنه

٥٤٨

ملكهم ، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم ، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها ... (١).

وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس ـ مع أنه ـ سبحانه ـ رب كل شيء ـ على سبيل التشريف لجنس الإنسان ، ولأن الناس هم الذين أخطئوا في حقه ـ تعالى ـ ، إذ منهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد النار ، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التي هي مخلوقة له ـ تعالى ـ.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قيل : «برب الناس» مضافا إليهم خاصة؟ قلت : لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم ، الذي يملك عليهم أمورهم ، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم.

فإن قلت : «ملك الناس. إله الناس» ما هما من رب الناس؟ قلت : هما عطفا بيان ، كقولك : سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس ، ثم زيد بيانا بإله الناس ...

فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت : أظهر المضاف إليه الذي هو الناس لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار ... (٢).

وقوله ـ سبحانه ـ : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) متعلق بقوله (أَعُوذُ).

والوسواس : اسم للوسوسة وهي الصوت الخفى ، والمصدر الوسواس ـ بالكسر ـ ، والمراد به هنا : الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل ، أو هو وصف مثل : الثرثار.

و «الخناس» صيغة مبالغة من الخنوس ، وهو الرجوع والتأخر ، والمراد به : الذي يلقى في نفس الإنسان أحاديث السوء.

وقوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) صفة لهذا الوسواس الخناس وزيادة توضيح له ...

وقوله : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) زيادة بيان للذي يوسوس في صدور الناس ، وأن الوسوسة بالسوء تأتى من نوعين من المخلوقات : تأتى من الشياطين المعبر عنهم بالجنّة ... وتأتى من الناس.

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٦١١.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٢٣.

٥٤٩

وقدم ـ سبحانه ـ الجنّة على الناس ، لأنهم هم أصل الوسواس ، إذ أنهم مختفون عنا ، ولا نراهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ).

فلفظ الجنّة ـ بكسر الجيم ـ مأخوذ من الجنّ ـ بفتح الجيم ـ على معنى الخفاء والاستتار.

والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ أعوذ وأعتصم وأستجير ، برب الناس ، ومالكهم ومعبودهم الحق ، من شر الشيطان الموسوس بالشر ، والذي يخنس ويتأخر ويندحر ، إذا ما تيقظ له الإنسان ، واستعان عليه بذكر الله ـ تعالى ـ.

والذي من صفاته ـ أيضا ـ أنه يوسوس في صدور الناس بالسوء والفحشاء ، حيث يلقى فيها خفية ، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد.

وهذا الوسواس الخناس ، قد يكون من الجن ، وقد يكون من الإنس ، فعليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تستعيذ بالله ـ تعالى ـ من شر النوعين جميعا.

قال ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ...).

قال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.

وقال الإمام ابن كثير : هذه ثلاث صفات من صفات الله ـ عزوجل ـ الربوبية ، والملك ، والألوهية.

فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ... فأمر سبحانه ـ المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات ، من شر الوسواس الخناس ، وهو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بنى آدم ، إلا وله قرين يزين له الفواحش ... والمعصوم من عصمه الله.

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه» ، قالوا : وأنت يا رسول الله؟ قال : «نعم ، إلا أن الله ـ تعالى ـ أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير» (١).

ومن الأحاديث التي وردت في فضل هذه السور الثلاث : الإخلاص والمعوذتين ، ما أخرجه البخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٥٨.

٥٥٠

ليلة ، جمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ هذه السور ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، ويبدأ بها على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات ... (١).

وبعد : فإلى هنا ـ بحمد الله وفضله وكرمه وتوفيقه ـ أكون قد انتهيت من هذا التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، بعد أن قضيت في كتابته زهاء خمسة عشر عاما.

وإنى لأضرع إلى الله ـ عزوجل ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، كما أضرع إليه ـ سبحانه ـ أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا ، وبهجة أرواحنا.

وأن يوفقنا للعمل بما فيه من هدايات ، وآداب ، وأحكام ، ومواعظ ... وأن يذكرنا منه ما نسينا ، وأن يعلمنا منه ما جهلنا ، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم نلقاه (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

كما نسأله ـ تعالى ـ أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وأن يغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، وأن يزيدنا من التقى والهدى والعفاف والغنى ، وأن يؤتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ...

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٤٦.

٥٥١
٥٥٢

فهرس إجمالى لتفسير جزء تبارك وعم

٦٧ سورة الملك................................................................. ٥

٦٨ سورة القلم................................................................. ٣٣

٦٩ سورة الحاقة................................................................ ٦٥

٧٠ سورة المعارج............................................................... ٨٩

٧١ سورة نوح................................................................ ١٠٩

٧٢ سورة الجن............................................................... ١٢٧

٧٣ سورة المزمل............................................................... ١٤٩

٧٤ سورة المدثر............................................................... ١٧١

٧٥ سورة القيامة.............................................................. ١٩٥

٧٦ سورة الإنسان............................................................ ٢١١

٧٧ سورة المرسلات........................................................... ٢٣١

٧٨ سورة النبأ................................................................ ٢٤٥

٧٩ سورة النازعات............................................................ ٢٦١

٨٠ سورة عبس............................................................... ٢٨١

٨١ سورة التكوير............................................................. ٢٩٥

٨٢ سورة الانفطار............................................................ ٣٠٧

٨٣ سورة المطففين............................................................ ٣١٥

٨٤ سورة الانشقاق........................................................... ٣٣١

٨٥ سورة البروج.............................................................. ٣٤١

٨٦ سورة الطارق............................................................. ٣٥١

٨٧ سورة الأعلى............................................................. ٣٥٩

٨٨ سورة الغاشية............................................................. ٣٧١

٨٩ سورة الفجر.............................................................. ٣٨١

٥٥٣

٩٠ سورة البلد............................................................... ٣٩٧

٩١ سورة الشمس............................................................ ٤٠٩

٩٢ سورة الليل............................................................... ٤١٧

٩٣ سورة الضحى............................................................ ٤٢٥

٩٤ سورة الشرح.............................................................. ٤٣٥

٩٥ سورة التين............................................................... ٤٤٣

٩٦ سورة العلق............................................................... ٤٥١

٩٧ سورة القدر.............................................................. ٤٦١

٩٨ سورة البينة............................................................... ٤٦٧

٩٩ سورة الزلزلة.............................................................. ٤٧٥

١٠٠ سورة العاديات.......................................................... ٤٨١

١٠١ سورة القارعة............................................................ ٤٨٧

١٠٢ سورة التكاثر........................................................... ٤٩٣

١٠٣ سورة العصر............................................................ ٤٩٩

١٠٤ سورة الهمزة............................................................. ٥٠٣

١٠٥ سورة الفيل............................................................. ٥٠٩

١٠٦ سورة قريش............................................................. ٥١٣

١٠٧ سورة الماعون............................................................ ٥١٧

١٠٨ سورة الكوثر............................................................ ٥٢١

١٠٩ سورة الكافرون.......................................................... ٥٢٥

١١٠ سورة النصر............................................................ ٥٢٩

١١١ سورة المسد............................................................. ٥٣٣

١١٢ سورة الإخلاص......................................................... ٥٣٩

١١٣ سورة الفلق............................................................. ٥٤٣

١١٤ سورة الناس............................................................. ٥٤٧

٥٥٤