التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0695-7
الصفحات: ٥٥٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة العاديات

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «العاديات» وتسمى ـ أيضا ـ سورة «والعاديات» بإثبات الواو ، يرى بعضهم أنها من السور المكية ، ولم يذكر في ذلك خلافا الإمام ابن كثير ، ويرى بعضهم أنها مدنية.

قال الآلوسى : مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء. ومدنية في قول أنس وقتادة وإحدى الروايتين عن ابن عباس. فقد أخرج عنه البزار ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، والدّارقطنيّ ، وابن مردويه أنه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيلا ، فاستمرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت هذه السورة ... (١).

وهذه الرواية التي ساقها الآلوسى وغيره في سبب نزول هذه السورة ، ترجح أنها مدنية ، وإن كان كثير من المفسرين يرى أنها مكية ، والعلم عند الله ـ تعالى ـ.

٢ ـ وعدد آياتها إحدى عشرة آية ، ومن أهم أغراضها ومقاصدها ، التنويه بشأن الجهاد والمجاهدين ، وبفضل الخيل التي تربط من أجل إعلاء كلمة الله ـ تعالى ـ وبيان ما جبل عليه الإنسان من حرص على منافع الدنيا. وتحريض الناس على أن يتزودوا بالعمل الصالح الذي ينفعهم يوم الحساب.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢١٤.

٤٨١

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ)(١١)

والعاديات : جمع عادية ، اسم فاعل من العدو ، وهو المشي السريع ، وأصل الياء في العاديات واو ، فلما وقعت متطرفة بعد كسرة قلبت ياء ، مثل الغازيات من الغزو.

والضّبح : اضطراب النّفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم ، والمراد به هنا : صوت أنفاس الخيل عند جريها بسرعة. وقيل : الضبح نوع من السير والعدو ، يقال : ضبحت الخيل ، إذا عدت بشدة. وهو مصدر منصوب بفعله المقدر ، أى : يضبحن ضبحا ، والجملة حال من «العاديات».

والموريات : جمع مورية ، اسم فاعل من الإيراء ، وهو إخراج النار ، تقول : أورى فلان ، إذا أخرج النار بزند ونحوه.

والقدح : ضرب شيء بشيء لكي يخرج من بينهما شرر النار.

والمراد به هنا : النار التي تخرج من أثر احتكاك حوافر الخيل بالحجارة خلال عدوها بسرعة. و (قَدْحاً) منصوب بفعل محذوف ، أى : تقدحن قدحا.

و (فَالْمُغِيراتِ) جمع مغيرة. وفعله أغار ، تقول : أغار فلان على فلان ، إذا باغته بفعل

٤٨٢

يؤذيه. و (صُبْحاً) منصوب على الظرفية. وقوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) أى : هيجن وأثرن «النقع» أى : الغبار من شدة الجري. تقول : أثرت الغبار أثيره ، إذا هيجته وحركته. والنون في «أثرن» ضمير العاديات.

وقوله : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أى : فتوسطن في ذلك الوقت جموع الأعداء ، ففرقنها ، ومزقنها ، تقول : وسطت القوم أسطهم وسطا ، إذا صرت في وسطهم.

والمراد بالعاديات ، والموريات ، والمغيرات : خيل المجاهدين في سبيل الله ، والكلام على حذف الموصوف. والمعنى : وحق الخيل التي يعتلى صهواتها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله ـ تعالى ـ. والتي تجرى بهم في ساحات القتال ، فيسمع صوت أنفاسها ، والتي تظهر شرر النار من أثر صك حوافرها بالحجارة وما يشبهها والتي تغير على العدو في وقت الصباح ، فتثير الغبار ، وتمزق جموع الأعداء.

وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات ... (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).

وقد أقسم ـ سبحانه ـ بالخيل المستعملة للجهاد في سبيله ، للتنبيه على فضلها ، وفضل ربطها ، ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية ، ولما يترتب على استعمالها في تلك الأغراض من أجر وغنيمة ، ومن ترويع لجموع المشركين ، وتمزيق لصفوفهم.

وأسند ـ سبحانه ـ الإغارة إليها ـ مع أنها في الحقيقة لراكبيها ـ ، لأن الخيول هي عدة الإغارة ، وهي على رأس الوسائل لبلوغ النصر على الأعداء.

وقيل : المراد بالعاديات : الإبل ، إلا أن الأوصاف المذكورة في الآيات الكريمة من الضبح والإغارة ... تؤيد أن المراد بها الخيل.

قال صاحب الكشاف : أقسم ـ سبحانه ـ بخيل الغزاة تعدو فتضبح. والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون.

فإن قلت : علام عطف «فأثرن»؟ قلت : على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ، وهو قوله (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) وذلك لصحة عطف الفعل على الاسم الذي يشبه الفعل كاسم الفاعل ـ لأن المعنى : واللائي عدون ، فأورين ، فأغرن. فأثرن الغبار. (١).

والتعبير بالفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَثَرْنَ فَوَسَطْنَ). وبالفعل الماضي ، للإشارة إلى أن إثارة الغبار ، وتمزيق صفوف الأعداء ، قد تحقق بسرعة ، وأن الظفر بالمطلوب قد تم على أحسن الوجوه.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٨٧.

٤٨٣

وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) جواب القسم. والكنود : الجحود ، يقال : فلان كند النعمة ـ من باب دخل ـ ، إذا جحدها ولم يشكر الله عليها. وكند الحبل : أى قطعه ، وأصل الكنود : الأرض التي لا تنبت شيئا ، فشبه بها الإنسان الذي يمنع الحق والخير ، ويجحد ما عليه من حقوق وواجبات.

أى : إن في طبع الإنسان ـ إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ الكنود لربه والكفران لنعمته ، والنسيان لمننه وإحسانه ، والغفلة عن المواظبة على شكره ـ تعالى ـ ، والتضرع إليه ـ سبحانه ـ عند الشدائد والضراء .. والتشاغل عن ذلك عند العافية والرخاء.

فالمراد بالإنسان هنا : جنسه ، إذ أن هذه الصفة غالبة على طبع الإنسان بنسب متفاوتة ، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله ـ تعالى ـ.

وقيل : المراد بالإنسان هنا : الكافر ، وأن المقصود به ، الوليد بن المغيرة.

والأولى أن يكون المراد به الجنس ، ويدخل فيه الكافر دخولا أوليا.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أى : وإن الإنسان على كنوده وجحوده لنعم ربه «لشهيد» أى : لشاهد على نفسه بذلك ، لظهور أثر هذه الصفة عليه ظهروا واضحا ، إذ هو عند لجاجه في الطغيان يجحد الجلى من النعم ، ويعبد من دون خالقه أصناما ، مع أنه إذا سئل عن خالقه اعترف وأقر بأن خالقه هو الله ـ تعالى ـ ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

قال الإمام الشيخ محمد عبده : قوله : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أى : وإن الإنسان لشهيد على كنوده ، وكفره لنعمة ربه ، لأنه يفخر بالقسوة على من دونه ، وبقوة الحيلة على من فوقه ، وبكثرة ما في يده من المال مع الحذق في تحصيله ، وقلما يفتخر بالمرحمة ، وبكثرة البذل ـ اللهم إلا أن يريد غشا للسامع ـ وفي ذلك كله شهادة على نفسه بالكنود ، لأن ما يفتخر به ليس من حق شكر النعمة ، بل من آيات كفرها (١).

ومنهم من يرى أن الضمير في قوله ـ تعالى ـ هنا (وَإِنَّهُ) يعود على الخالق ـ سبحانه ـ أى : وإن الله ـ تعالى ـ لعليم ولشهيد على ما يسلكه هذا الإنسان من جحود ، فيكون المقصود من الآية الكريمة ، التهديد والوعيد.

قالوا : والأول أولى ، لأنه هو الذي يتسق مع سياق الآيات ، ومع اتحاد الضمائر فيها.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أى : وإن هذا الإنسان لشديد الحب

__________________

(١) تفسير جزء عم ص ١٠٩.

٤٨٤

لجمع المال ، ولكسبه من مختلف الوجوه بدون تفرقة ـ في كثير من الأحيان ـ بين الحلال والحرام ، ولكنزه والتكثر منه ، وبالبخل به على من يستحقه.

وصدق الله إذ يقول : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ، إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ ، وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ. وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) تهديد لهذا الإنسان الكنود ... وتحريض له على التفكر والاعتبار ، وتذكير له بأهوال يوم القيامة.

أى : أيفعل ما يفعل هذا الإنسان الجحود لنعم ربه .. فلا يعلم مآله وعاقبته (إِذا بُعْثِرَ). أى : إذا أثير وأخرج وقلب رأسا على عقب (ما فِي الْقُبُورِ) من أموات حيث أعاد ـ سبحانه ـ إليهم الحياة ، وبعثهم للحساب والجزاء ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) أى : أثيرت وأخرج ما فيها. يقال : بعثر فلان متاعه ، إذا جعل أسفله أعلاه.

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أى : وجمع ما في القلوب من خير وشر وأظهر ما كانت تخفيه ، وأبرز ما كان مستورا فيها ، بحيث لا يبقى لها سبيل إلى الإخفاء أو الكتمان.

وأصل التحصيل : إخراج اللب من القشر ، والمراد به هنا : إظهار وإبراز ما كانت تخفيه الصدور ، والمجازاة على ذلك. ومفعول (يَعْلَمُ) محذوف ، لتذهب النفس فيه كل مذهب ويجول الفكر في استحضاره وتقديره.

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) جملة مستأنفة لزيادة التهديد والوعيد.

أى : إن رب المبعوثين للحساب والجزاء ، لعليم علما تاما بأحوالهم الظاهرة والباطنة ، في ذلك اليوم الهائل الشديد الذي يبعث فيه الناس من قبورهم ، وسيجازى ـ سبحانه ـ الذين أساؤوا بما عملوا ، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من أهل طاعته ومثوبته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ١٠٠.

٤٨٥
٤٨٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة القارعة

مقدمة وتمهيد

سورة «القارعة» من السور المكية الخالصة ، وكان نزولها بعد سورة «قريش» ، وقبل سورة «القيامة» ، وعدد آياتها إحدى عشرة آية في المصحف الكوفي ، وعشر آيات في الحجازي ، وثماني آيات في البصري والشامي.

وهي من السور التي فصلت الحديث عن أهوال يوم القيامة ، لكي يستعد الناس لاستقباله ، بالإيمان والعمل الصالح.

٤٨٧

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ)(١١)

ولفظ «القارعة» اسم فاعل من القرع ، وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد.

والمراد بها هنا : القيامة ، ومبدؤها النفخة الأولى ، ونهايتها : قضاء الله ـ تعالى ـ بين خلقه ، بحكمه العادل ، وجزائه لكل فريق بما يستحقه من جنة أو نار.

وسميت القيامة بذلك. كما سميت بالطامة ، والصاخة ، والحاقة ، والغاشية ... إلخ ـ لأنها تقرع القلوب بأهوالها ، وتجعل الأجرام العلوية والسفلية يصطك بعضها ببعض ، فيحصل لها ما يحصل من تزلزل واضطراب وتقرع أعداء الله ـ تعالى ـ بالخزي والعذاب والنكال ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ).

والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) استفهام عن حقيقتها ، والمقصود به التهويل من أمرها ، والتفظيع من حالها ، وتنبيه النفوس إلى ما يكون فيها من شدائد ، تفزع لها القلوب فزعا لا تحيط العبارة بتصويره ، ولا تستطيع العقول أن تدرك كنهه.

٤٨٨

و «القارعة» : مبتدأ ، و «ما» : مبتدأ ثان ، و «القارعة» : خبر المبتدأ الثاني ، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) معطوف على جملة «ما القارعة» والخطاب في قوله (وَما أَدْراكَ) لكل من يصلح له.

أى : وما أدراك ـ أيها المخاطب ـ ما كنهها في الشدة؟ إنها في الشدة والهول شيء عظيم. لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ.

فالمقصود من الآيات الكريمة : تعظيم شأنها ، والتعجيب من حالها ، وأنها تختلف عن قوارع الدنيا ـ مهما بلغ عظمها ـ اختلافا كبيرا.

وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أن معرفة حقيقتها أمر عسير ... أتبع ذلك ببيان أحوال الناس وقت وقوعها فقال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ).

و «يوم» منصوب بفعل مقدر. والفراش : هو الحشرة التي تتهافت نحو النار ، وسمى بذلك لأنه يتفرش وينتشر من حولها.

والمبثوث : المنتشر المتفرق. تقول : بثثت الشيء ، إذا فرقته ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) أى : متناثرة متفرقة.

أى : تحصل القارعة يوم يكون الناس في انتشارهم وكثرتهم واضطرابهم وإقبالهم نحو الداعي لهم نحو أرض المحشر ... كالحشرات الصغيرة المتهافتة نحو النار.

فأنت ترى أنه ـ سبحانه ـ قد شبه الناس في هذا الوقت العصيب ، بالفراش المتفرق المنتشر في كل اتجاه ، وذلك لأن الناس في هذا اليوم يكونون في فزع ، يجعل كل واحد منهم مشغولا بنفسه ، وفي حالة شديدة من الخوف والاضطراب.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) بيان لحالة أخرى من الأحوال التي يكون عليها هذا الكون يوم القيامة.

والعهن : الصوف ذو الألوان المتعددة ، والمنفوش : المفرق بعضه عن بعض.

أى : وتكون الجبال في ذلك اليوم ، كالصوف الذي ينفش ويفرق باليد ونحوها. لخفته وتناثر أجزائه ، حتى يسهل غزله.

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يراها قد اشتملت على أقوى الأساليب وأبلغها ، في التحذير من أهوال يوم القيامة ، وفي الحض على الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح.

لأنها قد ابتدأت بلفظ القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، ثم ثنت بالاستفهام المستعمل في

٤٨٩

التهويل ، ثم أعادت اللفظ بذاته بدون إضمار له زيادة في تعظيم أمره ، ثم جعلت الخطاب لكل من يصلح له ، ثم شبهت الناس فيه تشبيها تقشعر منه الجلود ، ثم وصفت الجبال ـ وهي المعروفة بصلابتها ورسوخها ـ بأنها ستكون في هذا اليوم كالصوف المتناثر الممزق.

ثم بين ـ سبحانه ـ أحوال السعداء والأشقياء في هذا اليوم فقال : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ).

أى : فأما من ثقلت موازين حسناته. ورجحت أعماله الصالحة على غيرها. فهو في عيشة مرضية. أو في عيشة ذات رضا من صاحبها ، لأنها عيشة هنية كريمة.

(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أى : خفت موازين حسناته ، وثقلت موازين سيئاته ، (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أى : فمرجعه ومأواه الذي يأوى إليه ، نار سحيقة يهوى إليها بدون رحمة أو شفقة ، بسبب كفره وفسوقه.

فالمراد بالأم هنا : المرجع والمأوى ، وبالهاوية : النار التي يسقط فيها ، وسميت النار بذلك. لشدة عمقها. وسمى المأوى أمّا ، لأن الإنسان يأوى إليه كما يأوى ويلجأ إلى أمه.

ويرى بعضهم أن المراد بأمه هنا الحقيقة ، لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير وفي الشر ، لشدة محبتها له.

قال صاحب الكشاف : قوله : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة ، هوت أمه ، لأنه إذا هوى ـ أى سقط وهلك .. فقد هوت أمه ثكلا وحزنا ... فكأنه قيل : وأما من خفت موازينه فقد هلك.

وقيل : «هاوية» من أسماء النار ، وكأنها النار العميقة لهوى أهل النار فيها مهوى بعيدا ، كما روى : «يهوى فيها سبعين خريفا» ، أى : فمأواه النار.

وقيل للمأوى : أم ، على التشبيه ، لأن الأم مأوى الولد ومفزعه ... (١).

وقال بعض العلماء : واعلم أنه يجب علينا أن نؤمن بما ذكره الله ـ تعالى ـ من الميزان في هذه الآية وما يشبهها. وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يثبت عن الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونكل ما وراء ذلك إلى علام الغيوب ، على أن وزن الأعمال ، أو وزن صحائفها أو وزن الصور الجميلة ، كل ذلك أمر ممكن ، لا يترتب على فرض وقوعه محال ، فوقوع شيء من ذلك ، لا يعجز الله ـ تعالى ـ ولا يقف أمام قدرته الغالبة ... (٢).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٩٠.

(٢) تفسير جزء عم ص ٣٠٢ لفضيلة الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد (يرحمه‌الله).

٤٩٠

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ، بما يزيد من هول هذه الهاوية فقال : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ، نارٌ حامِيَةٌ).

أى : وأى شيء يخبرك بكنه تلك النار السحيقة؟ إننا نحن الذين نخبرك بذلك فنقول لك ـ أيها المخاطب ـ على سبيل التحذير من العمل الذي يؤدى إليها : إنها نار قد بلغت النهاية في حرارتها.

نسأل الله تعالى ـ أن يعيذنا جميعا منها.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٤٩١
٤٩٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة التكاثر

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «التكاثر» من السور المكية ، وسميت في بعض المصاحف سورة «ألهاكم» وكان بعض الصحابة يسمونها «المقبرة».

قال القرطبي : وهي مكية في قول المفسرين. وروى البخاري أنها مدنية وهي ثماني آيات.

وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها : ما روى عن ابن عباس أنها نزلت في حيين من قريش ، بنى عبد مناف. وبنى سهم ، تكاثروا بالسادة والأشراف في الإسلام ، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيدا ، وأعز نفرا ... فنزلت هذه السورة ... (١).

٢ ـ ومن أغراض السورة الكريمة : النهى عن التفاخر والتكاثر ، والحض على التزود بالعمل الصالح ، وعلى ما ينجى من العذاب ، والتأكيد على أن يوم القيامة حق ، وعلى أن الحساب حق ، وعلى أن الجزاء حق ...

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٦٨.

٤٩٣

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(٨)

وقوله ـ سبحانه ـ : (أَلْهاكُمُ) من اللهو وهو الغفلة عن مواطن الخير ، والانشغال عما هو نافع.

والتكاثر : التبارى والتباهي بالكثرة في شيء مرغوب فيه كالمال والجاه ...

أى : شغلكم ـ أيها الناس ـ التباهي والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة ، كما ألهاكم حب الدنيا عن القيام بما كلفناكم به ...

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أى : بقيتم على هذه الحال ، حتى أتاكم الموت ، ودفنتم في قبوركم ، وانصرف عنكم أحب الناس إليكم ، وبقيتم وحدكم.

والخطاب عام لكل عاقل ، ويدخل فيه المشركون والفاسقون ، الذين آثروا الدنيا على الآخرة دخولا أوليا.

فالمراد بزيارة المقابر : انتهاء الآجال ، والدفن في القبور بعد الموت. وعبر ـ سبحانه ـ عن ذلك بالزيارة. لأن الميت يأتى الى القبر كالزائر له ، ثم بعد ذلك يخرج منه يوم البعث والنشور ، للحساب والجزاء ، فوجوده في القبر إنما هو وجود مؤقت بوقت يعلمه الله ـ تعالى ـ.

٤٩٤

وقد روى أن أعرابيا عند ما سمع هذه الآية قال : بعثوا ورب الكعبة ، فقيل له كيف ذلك؟ فقال : لأن الزائر لا بد أن يرتحل.

وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التهالك على حطام الدنيا ، في أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن الشّخّير قال : انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : «ألهاكم التكاثر قال : يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت».

وقوله ـ تعالى ـ : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ردع وزجر عن الانشغال عن طاعة الله ، وعن التكاثر بالأموال والأولاد.

وكرر لفظ «كلا» ثلاث مرات في هذه السورة ، لتأكيد هذا الزجر والردع عن كل ما يشغل الإنسان عن وجوه الخير والبر.

والتعبير بقوله : (سَوْفَ) لزيادة الزجر ، ولتحقيق حصول العلم ، وحذف مفعول (تَعْلَمُونَ) لظهوره من المقام. أى : اتركوا التشاغل بالدنيا والتفاخر بالأموال ، فإنكم إن بقيتم على ذلك بدون توبة صادقة ، فسوف تعرفون سوء عاقبة ذلك معرفة لا يخامرها شك ، ولا يفارقها ريب.

وجملة (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) مؤكدة تأكيدا لفظيا للجملة التي قبلها ، وهذا التأكيد المقصود منه المبالغة في الردع والزجر والتحذير من التكاثر والتفاخر ...

ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى كل ما سبق من تحذيرات ، زواجر أخرى فقال : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) ...

وجواب «لو» محذوف لقصد التهويل ، و «اليقين» فعيل بمعنى مفعول ، وعلم اليقين هو العلم الجازم المطابق للواقع الذي لا شك فيه. والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أو من إضافة العام الى الخاص.

أى : لو تعلمون ـ علما موثوقا به ـ سوء عاقبة انشغالكم عن ذكر الله ـ تعالى ـ وتكاثركم وتفاخركم بالأموال والأولاد ... لشغلكم هذا العلم اليقيني عما أنتم عليه من التشاغل والتكاثر.

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة : الزيادة في ردعهم ، لأنه من عادة الغافلين المكابرين. أنك إذا ذكرتهم بالحق وبالرشاد ... زعموا أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا الإرشاد ، لأنهم أهل علم ومعرفة بالعواقب ، فكانت هذه الآية الكريمة بمثابة تنبيههم بأنهم ليسوا على شيء من العلم

٤٩٥

الصحيح ، لأنهم لو كانوا كذلك لما تفاخروا ، ولما تكاثروا.

وقوله ـ سبحانه ـ : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) جواب قسم مقدر ، قصد به تأكيد الوعيد الشديد في التهديد ، وبيان أن المهدد به رؤية الجحيم في الآخرة ، أى : والله لترون الجحيم في الآخرة.

ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا المعنى تأكيدا قويا فقال : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) أى : ثم لترون الجحيم رؤية هي ذات اليقين ونفسه وعينه ، وذلك بأن تشاهدوها مشاهدة حقيقية ، بحيث لا يلتبس عليكم أمرها.

وقد قالوا إن مراتب العلم ثلاثة : علم اليقين وهو ما كان ناتجا عن الأدلة والبراهين.

وعين اليقين : وهو ما كان عن مشاهدة وانكشاف.

وحق اليقين : وهو ما كان عن ملابسة ومخالطة.

ومثال ذلك أن تعلم بالأدلة أن الكعبة موجودة ، فذلك علم اليقين ، فإذا رأيتها بعينيك فذلك عين اليقين ، فإذا ما دخلت في جوفها فذلك حق اليقين ...

فأنت ترى أنه ـ سبحانه ـ قد حذر الناس من الاشتغال عن طاعته ، ومن التباهي والتكاثر ، بأبلغ أساليب التأكيد وأقواها.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة بقوله : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، والمراد بالنعيم هنا : ما يتنعم به الإنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد ، ومن طعام وشراب ، ومن متعة وشهوة ... من النعومة التي هي ضد الخشونة.

أى : ثم إنكم بعد ذلك ـ أيها الناس ـ والله لتسألن يوم القيامة عن ألوان النعم التي منحكم الله ـ تعالى ـ إياها ، فمن أدى ما يجب عليه نحوها من شكر الله ـ تعالى ـ عليها كان من السعداء ، ومن جحدها وغمطها وشغلته عن طاعة ربه ، وتباهي وتفاخر بها ... كان من الأشقياء ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).

فالمراد بالسؤال إنما هو سؤال التكريم والتبشير للمؤمنين الشاكرين ، وسؤال الإهانة والتوبيخ للفاسقين الجاحدين.

والآية الكريمة دعوة حارة للناس ، إلى شكر نعمه ـ تعالى ـ واستعمالها فيما خلقت له.

قال القرطبي ما ملخصه : والسؤال يكون للمؤمن والكافر ... والجمع بين الأخبار التي

٤٩٦

وردت في ذلك : أن الكل يسألون ، ولكن سؤال الكافر توبيخ ، لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف ، لأنه قد شكر ، وهذا النعيم في كل نعمة ... (١).

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من عباده الشاكرين ...

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٧٧.

٤٩٧
٤٩٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة العصر

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «العصر» وتسمى سورة «والعصر» من السور المكية عند جمهور المفسرين ، وكان نزولها بعد سورة «الانشراح» وقبل سورة «العاديات» فهي السورة الثالثة عشرة في ترتيب النزول.

وقيل هي مدنية ، والمعول عليه الأول ، لأنه المنقول عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما ، وعدد آياتها ثلاث آيات.

٢ ـ وقد اشتملت على بيان من هم أهل الخسران ، ومن هم أهل السعادة.

قال الآلوسى : وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت ، فقد روى عن الشافعى أنه قال : لو لم ينزل من القرآن غير هذه السورة لكفت الناس ، لأنها شملت جميع علوم القرآن.

وأخرج الطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب عن أبى حذيفة ـ وكانت له صحبة ـ أنه قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا التقيا لم يتفرقا ، حتى يقرأ أحدهما على الآخر ، سورة «والعصر» ثم يسلم أحدهما على الآخر ... أى : عند المفارقة (١).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢٢٠.

٤٩٩

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(٣)

وللعلماء أقوال متعددة في المقصود بالعصر هنا فمنهم من يرى أن المقصود به : الدهر كله ، لما فيه من العبر التي تدل دلالة واضحة على عظيم قدرة الله ـ تعالى ـ ، ولما فيه من الأحداث التي يراها الناس بأعينهم ، ويعرفونها عن غيرهم ...

فهم يرون ويسمعون كم من غنى قد صار فقيرا ، وقوى قد صار ضعيفا ، ومسرور قد أصبح حزينا ... ورحم الله القائل :

أشاب الصغير وأفنى الكبير

كر الغداة ومر العشى

قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَالْعَصْرِ) أى : الدهر ، قال ابن عباس وغيره. فالعصر مثل الدهر ... وأقسم به ـ سبحانه ـ لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها (١) ...

ومنهم من يرى أن المقصود به : وقت صلاة العصر ، وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأى فقال : أقسم ـ سبحانه ـ بصلاة العصر لفضلها ، بدليل قوله ـ تعالى ـ : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ـ وهي صلاة العصر ـ ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار ... (٢).

ومنهم من يرى أن المراد بالعصر هنا : عصر النبوة. لأفضليته بالنسبة لما سبقه من عصور.

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٧٨.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٩٣.

٥٠٠