التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0695-7
الصفحات: ٥٥٤

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، جملة من الأحاديث الشريفة ، فقال ما ملخصه : قوله : (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) أى : بالجزاء في الدار الآخرة (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) أى : لطريق الشر ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة ، ودالة على أن الله يجازى من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن قصد الشر بالخذلان ، وكل ذلك بقدر مقدر ، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.

منها : ما أخرجه البخاري عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ، ومقعده من النار» فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ...) إلى قوله : (لِلْعُسْرى) (١).

و «ما» في قوله ـ سبحانه ـ : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) يجوز أن تكون نافية. والتردي : السقوط من أعلى إلى أسفل. يقال : تردى فلان من فوق الجبل ، إذا سقط من أعلاه إلى أسفله. والمراد به هنا : النزول إلى القبر بعد الموت ، أو السقوط في النار بسبب الكفر والفسوق والعصيان ، من الردى بمعنى الهلاك.

أى : ولا يغنى شيئا عن هذا الشقي الذي بخل واستغنى وكذب بالحسنى ، ماله وجاهه وكل ما كان يملكه في الدنيا ، إذا سقط يوم القيامة في النار.

ويجوز أن تكون «ما» استفهامية : ويكون الاستفهام المقصود به الإنكار والتوبيخ ، أى : وماذا يغنى عن هذا الشقي ماله بعد هلاكه ، وبعد ترديه في جهنم يوم القيامة؟ إنه لن يغنى عنه شيئا ماله الذي يخل به في الدنيا ، بل سيهوى في جهنم دون أن يشفع له شافع ، أو ينصره ناصر ، وصدق الله إذ يقول : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً). وإذ يقول : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ...).

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، أنه قد أعذر إلى عباده ، حيث وضح لهم طريق الخير وطريق الشر ، وكشف لهم عن حسن عاقبة من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ، وسوء عاقبة من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى. وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى). أى : إن علينا ـ بمقتضى حكمتنا ورحمتنا بعبادنا ـ أن نبين لهم طريق الحق ، وطريق الباطل ، بواسطة رسلنا ، فمن شاء بعد ذلك فليؤمن فينال الثواب ، ومن شاء بعد ذلك

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٤٠.

٤٢١

فليكفر فيحل به العقاب ، لأننا نجازي كل إنسان على حسب عمله ، بعد أن هديناه النجدين ، وأرشدناه إلى سبيل الرشد وسبيل الغي.

وإن لنا وحدنا كل ما في الدنيا ، وكل ما في الآخرة. إذ الخلق والأمر بيدنا ، والعطاء والمنع لا يملكه أحد سوانا ، وهذا الكون كله تحت تصرفنا وقدرتنا.

والفاء في قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) للإفصاح عن مقدر ، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها ، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا ..

وقوله : (تَلَظَّى) أى : تتوقد وتتوهج وتلتهب ، وأصله تتلظى ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من حسن عاقبة من أعطى واتقى ، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى ، ومن أن كل شيء تحت قدرتنا وتصرفنا .. فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة ، وخوفتكم من السقوط في نار عظيمة تلتهب وتتوقد ، وهذه النار (لا يَصْلاها) أى : لا يحترق بها (إِلَّا الْأَشْقَى) أى : من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره.

وقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) صفة لهذا الشقي ، لزيادة التشنيع عليه ، والذم له. أى : سيحترق بهذه النار هذا الإنسان الذي بلغ الغاية في الشقاء والتعاسة ، والذي من صفاته أنه كذب بالحق ، وأعرض عن الطاعة. وسار في طريق الكفر والجحود ، حتى أدركه الموت ، وهو على ذلك.

وكعادة القرآن الكريم في المقابلة بين الأشرار والأخيار ، وبين السعداء والأشقياء ، جاء الحديث بعد ذلك عن حال الأتقياء ، فقال ـ تعالى ـ (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) أى : وسيبتعد عن هذه النار المتأججة الأتقى ، وهو من بالغ في صيانة نفسه عن كل ما يغضب الله ـ تعالى ـ ، وحرص كل الحرص على فعل ما يرضيه ـ عزوجل ـ.

فالمراد بالأشقى والأتقى : الشديد الشقاء ، والشديد التقوى.

والتعبير بقوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا) يشعر بابتعاده عنها ابتعادا تاما ، بحيث تكون النار في جانب ، وهذا الأتقى في جانب آخر ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها ، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ).

والفعل «جنب» يتعدى إلى مفعولين ، أولهما هنا هو لفظ الأتقى ، الذي ارتفع على أنه نائب فاعل ، والمفعول الثاني هو الهاء.

ثم وصف ـ سبحانه ـ هذا الإنسان المبالغ في تقواه وطاعته لربه فقال : (الَّذِي يُؤْتِي

٤٢٢

مالَهُ يَتَزَكَّى) أى : هذا الإنسان الشديد التقوى من صفاته أنه يقدم ماله لغيره ، وينفقه في وجوه البر والطاعة ، رجاء أن يكون عند ربه زاكيا ناميا ، خاليا من شبهة الرياء والتفاخر ، وأملا في أن يتطهر به من الذنوب.

فقوله (يَتَزَكَّى) في محل نصب على الحال من فاعل (يُؤْتِي) أى : يؤتى ماله حال كونه لا يطلب من وراء ذلك إلا تزكية ماله ، وتطهير نفسه.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) بيان لبلوغه أسمى درجات الإخلاص والنقاء.

أى : أن هذا الإنسان الكامل في تقاه لا يفعل ما يفعل من وجوه الخيرات ، من أجل المجازاة لغيره على نعمة سلفت من هذا الغير له ، وإنما يفعل ما يفعل من أجل شيء واحد ، وهو طلب رضا الله ـ تعالى ـ والظفر بثوابه ، والإخلاص لعبادته ـ سبحانه ـ.

قال الآلوسى : وقوله : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) منصوب على الاستثناء المنقطع من قوله : (مِنْ نِعْمَةٍ) لأن الابتغاء لا يندرج فيها ، فالمعنى : لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه ـ سبحانه ـ وطلب رضاه ، لا لمكافأة لأحد على نعمة.

وجوز أن يكون نصبه على أنه مفعول لأجله ، أى : لا يؤتى ماله لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل طلب رضا ربه ، لا لأجل شيء آخر ، فهو استثناء مفرغ من أعم العلل والأسباب .. (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) المقصود به الوعد الصادق لهذا التقى ، بما يزيد في سروره ، وفي قرة عينه.

أى : ولسوف نعطى هذا التقى الذي أعطى واتقى وصدق بالحسنى ، من أجل الظفر برضا ربه ـ تعالى ـ لا من أجل شيء آخر .. لسوف نعطيه عطاء يرضيه ويسعده ويشرح صدره.

هذا ، وأكثر المفسرين على أن هذه الآيات الكريمة نزلت في شأن سيدنا أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ.

قال الإمام ابن جرير ما ملخصه : وذكر أن هذه الآيات نزلت في أبى بكر الصديق .. فقد كان يعتق العجائز من النساء إذا أسلمن ، ويشترى الضعفة من العبيد فيعتقهم ، فقال له أبوه : يا بنى ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالا جلداء ـ أى : أشداء ـ يقومون معك ، ويمنعونك ، ويدفعون عنك.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٥٢.

٤٢٣

فقال أبو بكر : أى أبت .. إنما أريد ما عند الله ، فنزلت هذه الآيات .. (١).

وقال الإمام ابن كثير : وقد ذكر غير واحد من المفسرين ، أن هذه الآيات قد نزلت في أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ، ولا شك أنه داخل فيها ، وأولى الأمة بعمومها ، فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ...) ولكنه مقدم الأمة ، وسابقهم في جميع هذه الأوصاف ، وسائر الأوصاف الحميدة ، فإنه كان صديقا ، تقيا ، كريما ، جوادا ، بذالا لماله في طاعة مولاه ، ونصرة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. (٢).

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يحشرنا جميعا في زمرة عباده الأتقياء الأنقياء.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________

(١) تفسير ابن جرير ج ٣٠ ص ١٤٢.

(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٤٤.

٤٢٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة والضحى

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الضحى» من السور المكية الخالصة ، بل هي من أوائل السور المكية ، فقد كان نزولها بعد سورة «الفجر» وقبل سورة «الانشراح» ، وتعتبر بالنسبة لترتيب النزول السورة الحادية عشرة من بين السور المكية ، أما ترتيبها في المصحف فهي السورة الثالثة والتسعون ، وعدد آياتها إحدى عشرة آية.

٢ ـ والقارئ لها ، يرى بوضوح أنها نزلت في فترة تأخر نزول الوحى فيها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن المشركين قد أشاعوا الشائعات الكاذبة حول سبب تأخر الوحى ، فنزلت هذه السورة الكريمة ، لتخرس ألسنتهم. ولتبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم برضا ربه ـ تعالى ـ عنه ، ولتسوق جانبا من نعم خالقه عليه ، ولترشده ـ بل وترشد أمته في شخصه ـ بالمداومة على مكارم الأخلاق ، التي من مظاهرها : العطف على اليتيم ، والإحسان إلى السائل ، وعدم كتمان نعم الله ـ تعالى ـ.

٤٢٥

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(١١)

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه السورة الكريمة روايات منها : ما أخرجه الإمام البخاري ومسلم وغيرهما عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة ـ وفي رواية أنها أم جميل امرأة أبى لهب ـ فقالت : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).

وأخرج ابن أبى شيبة والطبراني وابن مردويه ، من حديث خولة ، وكانت تخدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جروا دخل تحت سرير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمات ، فمكث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا خولة ماذا حدث في بيتي ، إن جبريل لا يأتينى ، قالت خوله : فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منّا اليوم. فأخذ برده فلبسه ، وخرج ، فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا بشيء ثقيل ، لم أزل به حتى بدا لي الجر وميتا ، فأخذته بيدي ، فألقيته خلف الدار ، فجاء صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترعد لحيته ـ وكان إذا نزل عليه الوحى أخذته الرعدة ـ فقال يا خولة دثرينى ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه السورة ..

٤٢٦

وذكر بعضهم : أن جبريل ـ عليه‌السلام ـ أبطأ في نزوله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال المشركون : قد قلاه ربه وودعه. فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآيات .. (١).

والضحى : هو وقت ارتفاع الشمس بعد إشراقها ، وهو وقت النشاط والحركة ، والإقبال على السعى والعمل .. ولذا خص بالقسم به. وقيل : المراد بالضحى هنا : النهار كله ، بدليل أنه جعل في مقابلة الليل كله.

والأول أولى : لأن الضحى يطلق على وقت انتشار ضياء الشمس حين ترتفع ، وتلقى بأشعتها على الكون ، ويبرز الناس لأعمالهم المتنوعة.

ومعنى «سجا» : سكن. يقال : سجا الليل يسجو سجوا ، إذا سكن وهدأ وأسدل ظلامه على الكون. ويقال : تسجّى فلان بملابسه ، إذا غطى بها جميع جسده ، ومنه قولهم : سجّى الميت تسجية ، إذا غطى بكفنه ..

قال صاحب الكشاف : قوله : (سَجى) أى : سكن وركد ظلامه. وقيل : ليلة ساجية. أى : ساكنة الريح : وقيل معناه : سكون الناس والأصوات فيه. وسجا البحر : سكنت أمواجه. وطرف ساج ، أى : ساكن فاتر .. (٢).

أى : وحق الضحى وهو الوقت الذي ترتفع فيه الشمس ، ويتم إشراقها ، ويأخذ الناس في النشاط والحركة .. وحق الليل إذا سكن وهجع فيه الناس بعد عناء العمل.

وجواب القسم قوله ـ تعالى ـ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) أى : ما تركك ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ منذ أن اختارك لحمل رسالته ، وما أبغضك ولا كرهك ، بل أنت محل رضانا ومحبتنا ورعايتنا ..

فقوله : (وَدَّعَكَ) من التوديع ، وهو في الأصل الدعاء للمسافر ، ببلوغ الدعة ، وخفض العيش ، ثم استعير للمفارقة بعد الاتصال ، تشبيها بفراق المسافر في انقطاع الصلة ، حيث شبه ـ سبحانه ـ انقطاع صلة الكلام بانقطاع صلة الإقامة.

والمقصود : نفى أن يكون الله ـ تعالى ـ قد قطع وحيه عن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (قَلى) من القلا ـ بكسر القاف ـ وهو شدة البغض ، يقال : قلا فلان فلانا يقليه ، إذا كرهه وأبغضه بشدة. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ).

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٥٦ ، وتفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٤٥.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٦٥.

٤٢٧

والمراد ما قطع الله ـ تعالى ـ عنك وحيه ـ أيها الرسول الكريم ـ ، وما كرهك ، وهذا رد بليغ على المشركين الذين زعم بعضهم أن الله ـ تعالى ـ قد ترك نبيه ، وزعم آخرون أنه قد أبغضه ، وحذف مفعول «قلا» للدلالة عليه في قوله ـ تعالى ـ (ما وَدَّعَكَ) ، وهو إيجاز لفظي لظهور : المحذوف ، ومثله قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَآوى) ، (فَهَدى) ، (فَأَغْنى) ..

ثم بشره ـ سبحانه ـ ببشارتين عظيمتين ، قد بلغتا الدرجة العليا في السمو والرفعة ، فقال : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى).

أى : وللدار الآخرة وما أعده الله لك فيها من نعيم لا يحيط به وصف ، خير لك من دار الدنيا التي أعطيناك فيها ما أعطيناك فيها من نبوة ، وكرامة ومنازل عالية ، وخلق كريم.

وفضلا عن كل ذلك فأنت ـ أيها الرسول الكريم ـ سوف يعطيك ربك من خيرى الدنيا والآخرة ، كل ما يسعدك ويرضيك ، من نصر عظيم ، وفتح مبين ، وتمكين في الأرض ، وإعلاء لكلمة الحق على يدك ، وعلى أيدى أصحابك الصادقين ، ومنازل عظمى في الآخرة لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ ، كالمقام المحمود ، والشفاعة ، والوسيلة ... وبذلك ترضى رضاء تاما بما أعطاك ـ سبحانه ـ من نعم ومنن.

فالمراد بالآخرة : الدار الآخرة التي تقابل الدار الأولى ، وهي الحياة الدنيا ، وبعضهم جعل المراد بالآخرة ، نهاية أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الدنيا ، والمراد بالأولى بداية أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الدنيا ، فيكون المعنى : ولنهاية أمرك ـ أيها الرسول الكريم ـ خير من بدايته ، فإن كل يوم يمضى من عمرك ، سيزيدك الله ـ تعالى ـ فيه ، عزا على عز ، ونصرا على نصر ، وتأييدا على تأييد .. حتى ترى الناس وقد دخلوا في دين الله أفواجا .. وقد صدق الله ـ تعالى ـ لنبيه وعده حيث فتح له مكة ، ونشر دعوته في مشارق الأرض ومغاربها.

قال الآلوسى : وحمل الآخرة على الدار الآخرة المقابلة للدنيا ، والأولى على الدار الأولى وهي الدنيا ، هو الظاهر .. وقال بعضهم : يحتمل : أن يراد بهما نهاية أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبدايته ، فاللام فيهما للعهد ، أو عوض عن المضاف إليه. أى : لنهاية أمرك خير من بدايته ، فأنت لا تزال تتزايد قوة ، وتتصاعد رفعة .. (١).

وجيء بحرف الاستقبال في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ، لإفادة أن هذا العطاء مستمر غير مقطوع ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَسَوْفَ يَرْضى).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٥٨.

٤٢٨

وحذف المفعول الثاني في قوله : (يُعْطِيكَ) ، ليعم كل وجوه العطاء التي يحبها صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى : ولسوف يعطيك ربك عطاء يرضيك رضاء تاما.

والتعبير بقوله (فَتَرْضى) المشتمل على فاء التعقيب ، للإشعار بأنه عطاء عاجل النفع ، وأنه سيأتى إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وقت قريب ، وقد أنجز ـ سبحانه ـ وعده.

قال الجمل : وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَلْآخِرَةُ) اللام فيه للابتداء مؤكدة لمضمون الجملة. وإنما قيد بقوله ـ تعالى ـ (لَكَ) لأنها ليست خيرا لكل أحد. وقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ ...) هذا وعد شامل لما أعطاه الله ـ تعالى ـ له من كمال النفس ، وظهور الأمر ، وإعلاء الدين .. واللام لام الابتداء ، والمبتدأ محذوف ، أى : ولأنت سوف يعطيك ربك ، وليست لام القسم ، لأنها لا تدخل على المضارع ، إلا مع نون التوكيد .. (١).

ثم عدد ـ سبحانه ـ نعمه على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ..).

والاستفهام هنا للتقرير ، واليتيم : هو من فقد أباه وهو صغير.

أى : لقد كنت ـ أيها الرسول الكريم ـ يتيما ، حيث مات أبوك وأنت في بطن أمك ، فآواك الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه ، وتعهدك برعايته وحمايته وعصمته ، وسخر لك جدك عبد المطلب ليقوم بكفالتك ، ومن بعده سخر لك عمك أبا طالب ، حيث تولى رعايتك والدفاع عنك قبل الرسالة وبعدها ، إلى أن مات.

وقوله ـ تعالى ـ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) بيان لنعمة أخرى أنعم ـ سبحانه ـ بها على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وللمفسرين في معنى هذه الآية كلام طويل ، نختار منه قولين : أولهما : أن المراد بالضلال هنا الحيرة في الوصول إلى الحق ، والغفلة عما أوحاه الله ـ تعالى ـ إليه بعد ذلك من قرآن كريم ، ومن تشريعات حكيمة .. مع اعتقاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل النبوة أن قومه ليسوا على الدين الحق ، بدليل أنه لم يشاركهم في عبادتهم للأصنام ، ولا في السلوك الذي يتنافى من مكارم الأخلاق.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : (ضَالًّا) معناه : الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع .. (٢).

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٥١.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٦٨.

٤٢٩

وقال الإمام الشيخ محمد عبده ـ رحمه‌الله ـ : عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : نشأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم موحدا ، لم يسجد لصنم ، وطاهر الخلق ، لم يرتكب فاحشة ، حتى عرف بين قومه بالصادق الأمين ، فضلال الشرك ، وضلال الهوى في العمل ، كانا بعيدين عن ذاته الكريمة.

ولكن للضلال أنواع أخر ، منها : اشتباه المآخذ على النفس ، حتى تأخذها الحيرة فيما ينبغي أن تختار .. وهذا هو الذي عناه الله ـ تعالى ـ بالضلال في هذه الآية الكريمة.

وقد هداه ـ سبحانه ـ إلى الحق بعد هذه الحيرة ، بأن اختار له دينا قويما وعلمه كيف يرشد قومه. هذا هو معنى قوله ـ تعالى ـ : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) ، وهو معنى قوله ـ تعالى ـ في سورة الشورى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ...).

وليس في وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالضال على هذا المعنى شين له ، أو حط من شأنه ، بل هذا فخره وإكليل مجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث كان على غير علم فعلمه الله ، ولم يكن مطلعا على الغيب ، فأطلعه الله على ما يريد اطلاعه عليه ، وبهذا التفسير نستغني عن خلط المفسرين في التأويل .. (١).

أما القول الثاني في معنى الآية الكريمة ، فهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بين قوم مشركين ، وكان بعرضة أن يضل معهم ، ولكن الله ـ تعالى ـ حبب إليه الانفراد عنهم ، واعتزال شركهم وسوء أخلاقهم .. فكان بذلك كالشجرة المنفردة في الصحراء ، والعرب تسمى الشجرة التي بهذه الصفة ضالة.

قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أى : غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، فهداك ، أى : أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة.

وقال قوم : (ضَالًّا) أى : لم تكن تدرى القرآن الكريم والشرائع ، فهداك الله إليهما.

وقال قوم (ضَالًّا) أى : وجدك في قوم ضلال فهداهم الله ـ تعالى ـ بك ، والعرب إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرض ، لا شجر معها ، سموها ضالة ، فيهتدى بها إلى الطريق ، فقال ـ سبحانه ـ لنبيه (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أى : لا أحد على دينك ، وأنت وحيد ليس معك أحد ، فهديت بك الخلق إلى ديني .. (٢).

هذا هما القولان اللذان نرتاح إليهما ، وارتياحنا إلى أولهما أشد وأقوى ؛ لأن الرسول

__________________

(١) راجع تفسير جزء عم ج ٨٥.

(٢) راجع تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ٩٦.

٤٣٠

صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نشأ في بيئة منحرفة في عقائدها وأخلاقها ، لم تطمئن نفسه الكريمة إليها ، إلا أنه كان حائرا في الوصول إلى الدين الحق ، فهداه الله ـ تعالى ـ إليه ، والهداية إلى الحق بعد الحيرة والضلال عنه ، منة عظمى ، ونعمة كبرى.

وهناك أقوال أخرى ضعيفة كقولهم : (ضَالًّا) أى : عن القبلة فهداك الله إليها ، أو (ضَالًّا) في شعاب مكة ، فهداك الله وردك إلى عمك أو (ضَالًّا) في سفرك مع عمك إلى الشام ، فردك الله ـ تعالى ـ إليه.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) بيان لنعمة ثالثة من نعمه ـ تعالى ـ على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأصل العائل : الإنسان الذي له عائلة لا يستطيع الإنفاق عليها ، ثم أطلق هذا اللفظ على الإنسان الفقير حتى ولو لم تكن له عائلة أو أسرة ، والفقر يسمى عيلة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ـ أى : فقرا ـ (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ ...).

أى : وقد كنت ـ أيها الرسول الكريم ـ فقيرا ، حيث مات أبوك دون أن يترك لك مالا كثيرا ، ونشأت في كنف جدك ثم عمك ، وأنت على هذه الحال. ثم أغناك الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه بنوعين من الغنى :

أما أولهما ـ وهو الأعظم ـ : فهو غنى النفس ، بأن منحك نفسا عفيفة قانعة بما أعطاك ـ سبحانه ـ من رزق ، حتى ولو كان كفافا.

وأما ثانيهما : فهو الغنى المادي عن الاحتياج إلى الناس ، بما أجراه على يديك من الربح في التجارة ، وبما وهبتك زوجك خديجة من مالها ، فعشت مستور الحال ، غير محتاج إلى من ينفق عليك.

وهكذا نجد الآيات الكريمة تبين لنا أن من فضل الله ـ تعالى ـ على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه آواه في يتمه وصغره ، وهداه من ضلاله وحيرته ، وأغناه بعد فقره وحاجته.

وبعد أن عدد ـ سبحانه ـ هذه النعم لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره بشكرها ، وأداء حقوقها.

فقال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ...) والقهر : التغلب على الغير والإذلال له.

أى : إذا كان الأمر كما أخبرتك من أنك كنت يتيما فآويناك ، وكنت ضالا فهديناك ، وكنت فقيرا فأغنيناك ، فتذكر هذه النعم ، واشكر ربك عليها ، ومن مظاهر هذا الشكر : أن تواسى اليتيم ، وأن تكرمه. وأن تكون رفيقا به .. ولا تكن كأهل الجاهلية الذين كانوا يقهرون الأيتام ويذلونهم ويظلمونهم ..

٤٣١

ولقد استجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أمره ربه به ، فأكرم اليتامى ورعاهم ، وحض على ذلك في أحاديث كثيرة منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» وأشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإصبعيه السبابة والوسطى.

ومن الآيات القرآنية التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ...).

وقد تكرر الأمر برعاية اليتيم ، وبالمحافظة على ماله في مطلع سورة النساء خمس مرات قال ـ تعالى ـ : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ...) وقال ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ، مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ...) وقال ـ عزوجل ـ : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ..) ، وقال سبحانه ـ : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) وقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ..).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) معطوف على ما قبله. أى : وكما أننا قد هديناك بعد حيرة .. فاشكر نعمنا على ذلك ، بأن تفتح صدرك للسائل الذي يسألك العون ، أو يسألك معرفة ما يجهله من علم. فالمراد بالسائل ، ما يشمل كل سائل عن مال ، أو عن علم ، أو عن غير ذلك من شئون الحياة.

قال القرطبي : قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أى : لا تزجره ، فهو نهى عن إغلاظ القول .. وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ردوا السائل ببذل يسير ، أو رد جميل ..».

وفي حديث أبى هارون العبدى قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري يقول : مرحبا بوصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إن رسول الله قال : «إن الناس لكم تبع ، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ...» (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) والتحديث بالشيء : الإخبار به ، والحديث عنه ، أى : وكما كنت عائلا فأغنيناك بفضلنا وإحساننا ، فاشكرنا على ذلك ، بأن تظهر نعمنا عليك ولا تسترها ، وأذعها بين الناس ، وأمر أتباعك أن يفعلوا ذلك ، ولكن بدون تفاخر أو مباهاة ... فإن ذكر النعم على سبيل الرياء والتفاخر والتطاول على الغير ... يبغضه الله ـ تعالى ـ ، ويعاقب صاحبه عقابا أليما.

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ٢٠ ص ١٠١.

٤٣٢

قال الإمام ابن كثير : وقوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أى : وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء في الدعاء : «واجعلنا شاكرين لنعمتك. مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا». وعن أبى نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها. وعن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول على المنبر : «من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب ...» (١).

فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد ذكر ثلاث نعم مما أنعم به على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأرشده إلى كيفية شكرها. نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من عباده الشاكرين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٤٩.

٤٣٣
٤٣٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة الشرح

مقدمة وتمهيد

١ ـ هذه السورة الكريمة من السور المكية ، وتسمى : سورة «الشرح» وسورة «ألم نشرح» وسورة «الانشراح» ، وترتيبها في النزول ، الثانية عشرة ، وكان نزولها بعد سورة الضحى ، وقبل سورة «العصر». وعدد آياتها ثماني آيات.

٢ ـ وكما عدد الله ـ تعالى ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض نعمه العظيمة عليه في سورة الضحى ، جاءت سورة الشرح ، لتسوق نعما أخرى منه ـ تعالى ـ عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاثا إياه على شكره ، ليزيده منها.

٤٣٥

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)(٨)

والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) للتقرير لأنه إذا دخل على النفي قرره ، وهذا التقرير المقصود به التذكير ، حتى يداوم على شكره ـ تعالى ـ.

وأصل الشرح : البسط للشيء وتوسعته ، يقال : شرح فلان الشيء ، إذا وسعه ، ومنه شرح فلان الكتاب ، إذا وضحه ، وأزال مجمله ، وبسط ما فيه من غموض.

والمراد بشرح الصدر هنا : توسعته وفتحه ، لقبول كل ما هو من الفضائل والكمالات النفسية. وإذهاب كل ما يصد عن الإدراك السليم وعن الحق والخير والهدى.

وهذا الشرح ، يشمل الشق البدني لصدره صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يشمل الشرح المعنوي لصدره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن طريق إيداعه الإيمان والهدى والعلم والفضائل.

قال الإمام ابن كثير : قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) يعنى : أما شرحنا لك صدرك. أى : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ....) ، وقيل المراد بقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) شرح صدره ليلة الإسراء ، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة ... وهذا وإن كان واقعا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي فعل بصدره ليلة الإسراء ، ما نشأ عنه من الشرح المعنوي ـ أيضا ـ ... (١).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥١.

٤٣٦

والمعنى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك شرحا عظيما ، بأن أمرنا ملائكتنا بشقه وإخراج ما فيه مما يتنافى مع ما هيأناك له من حمل رسالتنا إلى الناس ، وبأن أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإيمان والفضائل والحكم ... ما لم نعطه لأحد سواك.

ونون العظمة في قوله ـ سبحانه ـ (نَشْرَحْ) تدل على عظمة النعمة ، من جهة أن المنعم العظيم ، إنما يمنح العظيم من النعم ، وفي ذلك إشارة الى أن نعمة الشرح ، مما لا تصل العقول إلى كنه جلالتها.

واللام في قوله ـ تعالى ـ : (لَكَ) للتعليل ، وهو يفيد أن ما فعله الله ـ تعالى ـ به ، إنما هو من باب تكريمه ، ومن أجل تشريفه وتهيئته لحمل رسالته العظمى إلى خلقه ، فمنفعة هذا الشرح إنما تعود إليه وحده صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا إلى غيره.

قال الإمام الرازي : فإن قيل : لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟ فالجواب أن محل الوسوسة هو الصدر ، كما قال ـ تعالى ـ : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ، فإزالة تلك الوسوسة ، وإبدالها بدواعى الخير ، هي الشرح ، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب.

قال محمد بن على الترمذي : القلب محل العقل والمعرفة ، وهو الذي يقصده الشيطان ، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب ، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ، وبث فيه الهموم ، فيضيق القلب ، ولا يجد للطاعة لذة ، وإذا طرد العدو في الابتداء ، حصل الأمن ، وانشرح الصدر ... (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والمراد بالوضع هنا : الإزالة والحط ، لأن هذا اللفظ إذا عدى بعن كان للحط والتخفيف ، وإذا عدى بعلى كان للحمل والتثقيل.

تقول : وضعت عن فلان قيده : إذا أزلته عنه ، ووضعته عليه : إذا حملته إياه.

والوزر : الحمل الثقيل ، و (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أى : أثقله وأوهنه وأتعبه ، حتى سمع له نقيض ، وهو الصوت الخفى الذي يسمع من الرّحل الكائن فوق ظهر البعير ، إذا كان هذا الرحل ثقيلا ، ولا يكاد البعير يحمله إلا بمشقة وعسر.

والمعنى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك ، وأزلنا عنك ما أثقل ظهرك

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٤٢٨.

٤٣٧

من أعباء الرسالة ، وعصمناك من الذنوب والآثام ، وطهرناك من الأدناس ، فصرت ـ بفضلنا وإحساننا ـ جديرا بحمل هذه الرسالة ، بتبليغها على أكمل وجه وأتمه.

فالمراد بوضع وزره عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغفرة ذنوبه ، وإلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله : قوله ـ تعالى ـ : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) بمعنى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).

وقال غير واحد من السلف في قوله : (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أى : أثقلك حمله ... (١).

ويرى كثير من المفسرين أن المراد بوضع وزره عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إزالة العقبات التي وضعها المشركون في طريق دعوته ، وإعانته على تبليغ الرسالة على أكمل وجه ، ورفع الحيرة التي كانت تعتريه قبل النبوة.

قال بعض العلماء : وقد ذكر جمهرة المفسرين أن المراد بالوزر في هذه الآية : الذنب ، ثم راحوا يتأولون الكلام ، ويتمحلون الأعذار ، ويختلفون في جواز ارتكاب الأنبياء للمعاصي ، وكل هذا كلام ، ولا داعي إليه ، ولا يلزم حمل الآية عليه.

والمراد ـ والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم ـ بالوزر : الحيرة التي اعترته صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعثة ، حين فكر فيما عليه قومه من عبادة الأوثان. وأيقن بثاقب فكره أن للكون خالقا هو الجدير بالعبادة ، ثم تحير في الطريق الذي يسلكه لعبادة هذا الخالق ، وما زال كذلك حتى أوحى الله إليه بالرسالة فزالت حيرته. ولما دعا قومه إلى عبادة الله ، وقابلوا دعوته بالإعراض ... ثقل ذلك عليه ، وغاظه من قومه أن يكذبوه ... وكان ذلك حملا ثقيلا ... شق عليه القيام به.

فليس الوزر الذي كان ينقض ظهره ، ذنبا من الذنوب ... ولكنه كان هما نفسيا يفوق ألمه ، ألم ذلك الثقل الحسى ... فلما هداه الله ـ تعالى ـ إلى إنقاذ أمته من أوهامها الفاسدة ... كان ذلك بمثابة رفع الحمل الثقيل ، الذي كان ينوء بحمله. لا جرم كانت هذه الآية واردة على سبيل التمثيل ، واقرأ إن شئت قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٢).

ويبدو لنا أن هذا القول الثاني ، هو الأقرب إلى الصواب. لأن الكلام هنا ليس عن الذنوب التي ارتكبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعثة ـ كما يرى بعض المفسرين ـ وإنما الكلام هنا عن النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ عليه والتي من مظاهرها توفيقه للقيام بأعباء الرسالة ، وبإقناع كثير من الناس بأنه على الحق ، واستجابتهم له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٨.

(٢) تفسير (جزء عم) ص ٢٤٢ للشيخ محيى الدين عبد الحميد ـ رحمه‌الله ـ.

٤٣٨

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) بيان لنعمة ثالثة من نعمه ـ تعالى ـ على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أى : لقد شرحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ صدرك ، وأزلنا عن قلبك الحيرة التي كانت تعتريك قبل تبليغ الرسالة وبعد تبليغها ، بأن يسرنا لك كل صعب.

وفوق ذلك فقد رفعنا لك ذكرك ، بأن جعلناك رفيع الشأن ، سامى المنزلة ، عظيم القدر ، ومن مظاهر ذلك : أننا جعلنا اسمك مقرونا باسمنا في النطق بالشهادتين.

وفي الأذان ، وفي الإقامة ، وفي التشهد ، وفي غير ذلك من العبادات ، وأننا فضلناك على جميع رسلنا ، بل على جميع الخلق على الإطلاق ، وأننا أعطيناك الشفاعة العظمى ، وجعلنا طاعتك من طاعتنا.

قال الآلوسى : أخرج أبو يعلى ، وابن جرير ... عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أتانى جبريل فقال لي : إن ربك يقول : أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت : الله ـ تعالى ـ أعلم. قال : «إذا ذكرت ذكرت معى».

ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذه النعم الجليلة ، ما يدخل السرور على قلبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يبعث الأمل في نفسه وفي نفوس أصحابه ، بأن بين لهم سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).

والفاء للإفصاح ، ومع بمعنى بعد ، وأل في العسر لاستغراق أنواع العسر المعروفة للمخاطبين. من فقر ، وضعف ، وقلة في الوسائل التي تؤدى إلى إدراك المطلوب. والجملة الثانية مؤكدة ومقررة للجملة الأولى. والتنكير في قوله (يُسْراً) للتفخيم.

والمعنى : إذا تقرر عندك ما أخبرناك به ، من شرح الصدر ، ووضع الوزر. ورفع الذكر ... فاعلم أنه ما من عسر إلا ويعقبه يسر ، وما من شدة إلا ويأتى بعدها الفرج ، وما من غم أو هم ، إلا وينكشف ، وتحل محله المسرة ... وما دام الأمر كذلك ، فتذرع أنت وأصحابك بالصبر ، واعتصموا بالتوكل على الله ، فإن العاقبة لكم.

ففي هاتين الآيتين ما فيهما من تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأتباعه ، ومن وعد صادق بأن كل صعب يلين ، وكل شديد يهون ، وكل عسير يتيسر. متى صبر الإنسان الصبر الجميل ، وتسلح بالعزيمة القوية ، وبالإيمان العميق بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره.

وأكد ـ سبحانه ـ هاتين الآيتين ، لأن هذه القضية قد تكون موضع شك ، خصوصا بالنسبة لمن تكاثرت عليهم الهموم وألوان المتاعب ، فأراد ـ سبحانه ـ أن يؤكد للناس في كل زمان ومكان ، أن اليسر يعقب العسر لا محالة ، والفرج يأتى بعد الضيق ، فعلى المؤمن أن يقابل المصائب بصبر جميل ، وبأمل كبير في تيسير الله وفرجه ونصره.

٤٣٩

وقال ـ سبحانه ـ (مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ولم يقل بعد العسر يسرا ، للإشعار بأن هذا اليسر ، ليس بعد العسر بزمن طويل ، وإنما هو سيأتى في أعقابه بدون مهلة طويلة ، متى وطن الإنسان نفسه على الصبر والأمل في فرج الله ـ تعالى ـ.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين بعض الآثار ، منها ما رواه ابن أبى حاتم ، عن عائد بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا وحياله جحر فقال : «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر ، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه».

وعن الحسن قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.

وعن قتادة : ذكر لنا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشر أصحابه فقال : «لن يغلب عسر يسرين». ومعنى هذا أن العسر معرّف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكّر فمتعدد ، ولهذا قال : «لن يغلب عسر يسرين» فالعسر الأول عين الثاني ، واليسر تعدد ... (١).

وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف تعلق قوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) بما قبله؟ قلت : كان المشركون يعيرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين بالفقر فذكّره الله ـ تعالى ـ بما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، كأنه قال : خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله ، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا.

فإن قلت «إن مع» للصحبة ، فما معنى اصطحاب اليسر للعسر؟ قلت : أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، فقرب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر ، زيادة في التسلية ، وتقوية القلوب.

فإن قلت : فما المراد باليسرين؟ قلت : يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما تيسر لهم في أيام الخلفاء ... وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة.

فإن قلت : فما معنى هذا التنكير؟ قلت التفخيم ، كأنه قال : إن مع العسر يسرا عظيما وأى يسر ... (٢).

وبعد هذا التعديد لتلك النعم العظيمة ، أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الاجتهاد في العبادة فقال ـ تعالى ـ : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ).

وأصل الفراغ خلو الإناء مما بداخله من طعام أو غيره ، والمراد به هنا الخلو من الأعمال

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٥٤.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٧١.

٤٤٠