التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0695-7
الصفحات: ٥٥٤

معنا ثلاث مرات ، والمراد به هنا : ردعهم وزجرهم عما كانوا فيه من الشرك ، والتطفيف في الكيل والميزان.

والفجار : جمع فاجر ، وهو مأخوذ من الفجور ، وهو شق الشيء شقا واسعا ، وسمى الفجار بذلك مبالغة في هتكهم لحرمات الله ، وشقهم لستر الشريعة ، بدون خوف أو وجل. يقال : فجر فلان فجورا فهو فاجر ، وهم فجار وفجرة ، إذا تجاوزوا كل حد أمر الله ـ تعالى ـ بالوقوف عنده. والمراد بالكتاب المكتوب. أى : صحيفة الأعمال.

والسجّين : اختلفوا في معناه على أقوال منها : أنه علم أو وصف لواد في جهنم ، صيغ بزنة فعّيل ـ بكسر الفاء مع تشديد العين المكسورة ـ ، مأخوذ من السّجن بمعنى الحبس. يقال : سجن الحاكم فلانا يسجنه ـ بضم الجيم ـ سجنا ، إذا حبسه.

قال ابن كثير : قوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) أى : إن مصيرهم ومأواهم لفي سجين ، ـ فعيل من السّجن ، وهو الضيق ـ ، كما يقال : فلان فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك ، ولهذا عظم أمره فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ)؟ أى : هو أمر عظيم ، وسجن مقيم ، وعذاب أليم.

ثم قد قال قائلون : هو تحت الأرض السابعة .. وقيل : بئر في جهنم.

والصحيح أن «سجينا» مأخوذ من السّجن ، وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق ، وكل ما تعالى منها اتسع .. ولما كان مصير الفجار إلى جهنم ، وهي أسفل سافلين.

قال ـ سبحانه ـ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) وهو يجمع الضيق والسفول .. (١).

أى : كلا ، ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنه لا بعث ولا جزاء ، بل الحق أن البعث أمر واقع ، ماله من دافع ، وأن ما عمله هؤلاء الفجار من كفر ومن تطفيف في الكيل والميزان ، لمكتوب في صحائف أعمالهم ، ومسجل عليهم في ديوان الشر الذي يوصلهم إلى قاع جهنم.

وقوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) تهويل وتفظيع لهذا الشيء الضيق الذي يؤدى إلى القذف بهم في أعماق جهنم.

وقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) خبر لمبتدأ محذوف يعود إلى «كتاب الفجار» والمرقوم : المكتوب كتابة واضحة بينة تشبه الخط. الظاهر في الثوب المنسوج. يقال : رقم فلان

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧١.

٣٢١

الكتاب ، إذا جعل له رقما ، أى : علامة يعرف بها.

أى : وهو ـ أى : كتاب الفجار ـ كتاب بين الكتابة ، يفهم صاحبه ما فيه فهما واضحا لا خفاء معه ولا التباس. فقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) بيان وتفسير لكتاب الفجار ، وهو ديوان الشر الجامع لأعمالهم السيئة.

ومنهم من جعل قوله ـ تعالى ـ : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ليس تفسيرا لكتاب الفجار ، وإنما هو تفسير لقوله (سِجِّينٌ).

قال الشوكانى ما ملخصه : وسجين هو ما فسره به ـ سبحانه ـ من قوله (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم ، أى : مسطور.

ومنهم من جعله بيانا وتفسيرا لكتاب المذكور في قوله (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) على تقدير : هو كتاب مرقوم ، أى : قد بينت حروفه.

والأولى ما ذكرناه أولا ، ويكون المعنى : إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون .. لفي ذلك الكتاب المدون للقبائح ، المختص بالشر ، وهو سجين ، ثم ذكر ما يدل على تهويله ، فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ثم بينه بقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) (١).

وعلى أية حال ، فالمقصود بيان المصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الفجار ، حيث سجلت عليهم أعمالهم في ديوان الشر الذي يجمع أعمالهم القبيحة ، والتي ستؤدى بهم إلى السجن الدائم ، وإلى العذاب المقيم.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وعيد وتهديد لأولئك المنكرين للبعث ، والذين من صفاتهم تطفيف الكيل والميزان. أى : هلاك عظيم ، وعذاب أليم ، وسجن دائم في قاع جهنم ، لأولئك المكذبين ، للبعث والحساب والجزاء.

ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا التكذيب فقال : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أى : يكذبون بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب.

(وَما يُكَذِّبُ بِهِ) أى : بيوم الدين (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) أى : وما يكذب بهذا اليوم إلا كل إنسان متجاوز الحدود المشروعة ، ومبالغ في ارتكاب الآثام والقبائح.

هذا المكذب بيوم القيامة من صفاته ـ أيضا ـ أنه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).

__________________

(١) راجع تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٣٩٩ للشوكانى.

٣٢٢

أى : إذا تقرأ على هذا المكذب آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسولنا .. قال هذه الآيات هي من أساطير الأقوام الأولين وترهاتهم وقصصهم المخترعة التي لا أصل لها.

فأنت ترى أن هؤلاء المكذبين ، قد وصفهم الله ـ تعالى ـ بثلاث صفات هي : الاعتداء على الحق. والمبالغة في ارتكاب الآثام ، والجرأة في الافتراء والكذب ، حيث وصفوا القرآن بأنه ليس من عند الله ـ تعالى ـ.

ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي حملتهم على أن يقولوا في القرآن ما قالوا ، فقال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).

وقوله : (رانَ) من الرّين ـ بتشديد الراء مع الفتح ـ وهو الصدأ الذي يعلو الحديد والمرآة وما يشبههما ، يقال : ران ذنب فلان على قلبه ـ من باب باع ـ رينا وريونا ، إذا غلب عليه وغطاه ، وكل ما غلبك فقد ران بك ، ومنه قولهم : ران النعاس على فلان ، إذا استولى عليه. أى : كلا ، ليس الأمر كما زعموا من أن القرآن أساطير الأولين ، بل الحق أن الذي حملهم على قولهم هذا ، هو الكفر والعناد والجحود .. الذي استولى على قلوبهم في الدنيا فغطاها وطمسها ، فصارت لا تميز بين الكلام الحق والكلام الباطل ، ولا بين كلام الله ـ تعالى ـ وكلام غيره.

وفي الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، أى : عاد إليه صفاؤه ، وإن زاد ـ في الذنوب ـ زادت حتى تعلو قلبه ـ وذلك هو الران الذي قال الله في شأنه : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١).

وقوله : (بَلْ رانَ) قرأه الجمهور بإدغام اللام في الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيهما. وقرأه عاصم بالوقف الخفيف على لام بل والابتداء بكلمة ران بدون إدغام.

وقوله : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة.

وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا.

أى : حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة في حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله ـ تعالى ـ وعن رضاه.

قال الآلوسى : «كلا» ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا «إنهم». أى : هؤلاء المكذبين (عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) لا يرونه ـ سبحانه ـ وهو ـ عزوجل ـ

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٣.

٣٢٣

حاضر ناظر لهم ، بخلاف المؤمنين ، فالحجاب : مجاز عن عدم الرؤية ، لأن المحجوب لا يرى ما حجب ، أو الحجب المنع ، والكلام على حذف مضاف. أى : عن رؤية ربهم لممنوعون فلا يرونه ـ سبحانه ـ.

واحتج مالك ـ رحمه‌الله ـ بهذه الآية ، على رؤية المؤمنين له ـ تعالى ـ ، من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص.

وقال الشافعى ـ رحمه‌الله ـ : لما حجب ـ سبحانه ـ قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا .. (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ ، ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) بيان للون آخر من سوء مصيرهم.

أى : أن هؤلاء المكذبين سيكونون يوم القيامة محجوبين عن رؤية الله ـ تعالى ـ لسخطه عليهم ، وممنوعين من رحمته ، ثم إنهم بعد ذلك لداخلون في أشد طبقات النار حرا .. ثم يقال لهم بواسطة خزنة جهنم على سبيل التقريع والتأنيب ، هذا هو العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا ، وتقولون لمن يحذركم منه : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الإهانة ؛ لأنها أخبرت أن هؤلاء المكذبين : محجوبون عن ربهم ، وأنهم مقاسون حر جهنم ، وأنهم لا يقابلون من خزنتها إلا بالتيئيس من الخروج منها ، وبالتأنيب والتقريع.

وكعادة القرآن الكريم في قرن الترهيب بالترغيب ، والعكس ، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، ما أعده ـ سبحانه ـ للأبرار من خير وفير ، ومن نعيم مقيم ، فقال ـ تعالى ـ :

(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٧٢.

٣٢٤

مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٢٨)

وقوله : (كَلَّا) هنا ، تكرير للردع والزجر السابق في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ، لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار في عليين.

ولفظ «عليين» جمع عليّ ـ بكسر العين وتشديد اللام المكسورة ـ من العلو. ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد ، وأنه اسم للديوان الذي تكتب فيه أعمال الأبرار.

قال صاحب الكشاف : وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم. وعليون : علم لديوان الخير ، الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين. منقول من جمع «عليّ» بزنة فعّيل ـ بكسر الفاء والعين المشددة ـ من العلو ، كسجّين من السجن. سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالى الدرجات في الجنة ، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة .. تكريما له وتعظيما .. (١).

أى : حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار ، لمثبت في ديوان الخير ، الكائن في أعلى مكان وأشرفه.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) تفخيم لشأن هذا الديوان ، وتنويه عظيم بشرفه.

وقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) تفسير لما كتب لهؤلاء الأبرار من خير وبركة ، أى : كتاب الأبرار كتاب واضح بين ، يقرؤه أصحابه بسهولة ويسر ، فتنشرح صدورهم ، وتقر عيونهم.

وقوله ـ تعالى ـ (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) صفة أخرى جيء بها على سبيل المدح لهذا المكتوب من الأعمال الصالحة لهؤلاء الأخيار.

أى : كتاب الأبرار ، وصحائف أعمالهم ، في أسمى مكان وأعلاه ، وهو كتاب واضح بين ، يقرءونه فيظهر البشر والسرور على وجوههم ، وهو فوق ذلك (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أى : يطلع عليه الملائكة المقربون من الله ـ تعالى ـ ، ليكون هذا الاطلاع شهادة لهؤلاء الأبرار ، بأنهم محل رضا الله ـ تعالى ـ وتكريمه وثوابه.

ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم في الجنة ، بعد بيان ما اشتمل عليه كتابهم من خير وبر فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) أى : لفي نعيم دائم ، لا يحول ولا يزول.

(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) والأرائك : جمع أريكة ـ بزنة سفينة ـ وهي اسم للسرير

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٢٢.

٣٢٥

الذي يكون مفروشا فرشا أنيقا جميلا.

أى : هم في نعيم دائم لا يقادر قدره ، وهم ـ أيضا ـ يجلسون على السرر المهيأة لجلوسهم تهيئة حسنة ، ينظرون إلى كل ما يدخل البهجة والسرور على نفوسهم.

وحذف مفعول «ينظرون» لقصد التعميم ، أى : ينظرون إلى كل ما يبهج نفوسهم.

(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) أى : تعرف في وجوههم ـ أيها الناظر إليهم ـ البهجة والحسن ، وصلاح البال ، وهناءة العيش.

وإضافة النضرة ـ وهي الجمال الواضح ـ إلى النعيم ـ الذي هو بمعنى التنعم والترفه ـ من إضافة المسبب إلى السبب. وهذه الجملة الكريمة صفة ثالثة من صفات هؤلاء الأبرار ، ثم تأتى الصفة الرابعة المتمثلة في قوله ـ تعالى ـ : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ).

والرحيق : اسم للخمر الطيبة الصافية الخالية من كل ما يكدر أو يذهب العقل.

والمختوم : أى المسدود الذي لم تمسه يد قبل أيدى هؤلاء الأبرار.

وقوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) صفة ثانية للرحيق. أى : أن هؤلاء الأبرار من صفاتهم ـ أيضا ـ أنهم يسقيهم ربهم ـ بفضله وكرمه ـ من خمر طيبة بيضاء لذيذة ، خالصة من كل كدر .. هذه الخمر مختوم على إنائها بخاتم ، بحيث لم تمسها يد قبل أيديهم. وهذه الخمر ـ أيضا ـ من صفاتها أن شاربها يجد في نهاية شربها ما يشبه المسك في جودة الرائحة.

وقال الشوكانى : وقوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) أى : آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه ، وجد ريحه كريح المسك. وقيل : مختوم أوانيه بمسك مكان الطين ، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته ، وطيب رائحته.

والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه ، كما تختم الأشياء بالطين ونحوه.

وقراءة الجمهور (خِتامُهُ) وقرأ الكسائي خاتمه والخاتم والختام يتقاربان في المعنى إلا أنا الخاتم الاسم ، والختام المصدر .. (١).

واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) يعود للرحيق المختوم ، الدال على صلاح بالهم ، وحسن أحوالهم.

وأصل التنافس : التغالب في الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه النفوس ، بحيث

__________________

(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٤٠٢.

٣٢٦

يبتغيه ويطلبه كل إنسان لنفسه خاصة. يقال : نفس فلان على فلان بهذا الشيء ـ كفرح ـ إذا بخل به عليه. أى : ومن أجل الحصول على ذلك الرحيق المختوم ، والنعيم المقيم .. فليرغب الراغبون ، وليتسابق المتسابقون ، وليتنافس المتنافسون في وجوه الخير. عن طريق المسارعة في تقديم الأعمال التي ترضى الله ـ تعالى ـ.

فالمقصود من الآية الكريمة : تحريض الناس وحضهم على تقديم العمل الصالح ، الذي يوصلهم يوم القيامة إلى أعلى الدرجات.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ. عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) صفة ثالثة من صفات هذا الرحيق.

والمزاج : ما يمزج به الشيء ، ويطلق على الممزوج بالشيء ـ كما هنا ـ فهو من إطلاق المصدر على المفعول.

والتسنيم : علم لعين في الجنة مسماة بهذا الاسم ، وهذا اللفظ مصدر سنمه إذا رفعه. يقال : سنم فلان الطعام. إذا جعله كهيئة السنام في ارتفاعه.

قالوا : وسميت هذه العين بهذا الاسم ، لأنها تنبع من مكان مرتفع ، أو لعلو مكانتها.

وقوله : (عَيْناً) منصوب على المدح.

أى : ومزاج هذا الرحيق وخليطه كائن من ماء لعين في الجنة ، مرتفعة المكان والمكانة ، هذه العين يشرب منها المقربون إلى الله ـ تعالى ـ شرابهم.

قال الآلوسى : والباء في قوله (بِهَا) إما زائدة. أى يشربها. أو بمعنى من. أى : يشرب منها ، أو على تضمين يشرب معنى يروى. أى : يشرب راوين بها. أى يروى بها المقربون .. (١).

وإلى هنا نجد أن هذه الآيات الكريمة قد بشرت الأبرار ببشارات متعددة ، بشرتهم بأن صحائف أعمالهم في أعلى عليين ، وبأنهم في تعميم مقيم ، وبأنهم ينظرون إلى كل ما يشرح صدورهم ، وبأن الناظر إليهم يرى آثار النعمة والرفاهية على وجوههم ، وبأن شرابهم من خمر طيبة لذيذة الطعم والرائحة.

ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من الرذائل التي كان يفعلها المشركون مع المؤمنين ، وبشر المؤمنين بأن العاقبة الطيبة ستكون لهم .. فقال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٧٦.

٣٢٧

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٣٦)

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات ، أن بعض المشركين ـ كأبى جهل والعاص بن وائل ـ كانوا يستهزئون من فقراء المسلمين كصهيب وعمار بن ياسر.

وقوله ـ سبحانه ـ (أَجْرَمُوا) من الإجرام ، وهو ارتكاب الجرم. ويطلق على الإثم العظيم. والذنب الكبير ، والمراد بإجرامهم هنا : كفرهم بالله ـ تعالى ـ واستهزاؤهم بالمؤمنين. أى : إن الذين ارتكبوا في دنياهم أقبح الجرائم وأشنعها ، وهم زعماء المشركين (كانُوا) في الدنيا (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) أى : كانوا في حياتهم يتهكمون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم ، ويعتبرونهم الأراذل الذين يجب الابتعاد عنهم.

(وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) أى : وإذا مر هؤلاء المجرمون بالمؤمنين سخروا منهم ، وتغامزوا فيما بينهم على سبيل الاستهزاء بفقراء المؤمنين.

والتغامز : تفاعل من الغمز ، وهو الإشارة بالجفون والحواجب على سبيل الطعن والتهكم.

أى : يغمز أحدهم الآخر لينبه إلى ما عليه فقراء المسلمين من شظف العيش ، ومن غير ذلك من الأحوال التي لا يرضاها المشركون لجهلهم وغرورهم وبلادة حسهم.

(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أى : وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التي كانوا فيها .. رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين. والسخرية منهم.

فهم لإيغالهم في الكفر والفسوق والعصيان ، لا يكتفون بالغمز واللمز عند ما يرون المؤمنين ، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم ، مادة تفكههم وضحكهم.

فقوله : (فَكِهِينَ) جمع فكه ، صفة مشبهة ، وهي قراءة حفص عن عاصم.

٣٢٨

وقرأ الجمهور فاكهين اسم فاعل : من فكه ـ بزنة ـ فرح ـ إذا مزح في كلامه ليضحك أو يضحك غيره.

وحذف متعلق «فكهين» للعلم به. أى : رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين.

وقوله : (وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) أى : أن هؤلاء الذين أجرموا ، لا يكتفون بغمز المؤمنين ولمزهم وجعلهم مادة السخرية في أحاديثهم مع أهليهم.

بل إنهم تجاوزوا ذلك ، فهم عند ما يرون المؤمنين يقولون عنهم : هؤلاء هم الضالون ، لأنهم تركوا دين آبائهم وأجدادهم ، ودخلوا في دين آخر.

فمرادهم بالضلال : فساد الرأى. وعدم البقاء على دينهم القديم.

وهكذا الأشرار يرون أن أهل الحق والتقى في ضلال.

وجملة : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) جملة حالية من الضمير في (قالُوا).

أى : قالوا إن هؤلاء المؤمنين لضالون ، والحال أن هؤلاء المشركين ما أرسلهم الله ـ تعالى ـ ليكونوا وكلاء عنه ، حتى يحكموا على هذا الفريق بالضلال. وعلى غيره بالرشاد.

فالمقصود بالآية الكريمة : تأنيب الذين أجرموا وتوبيخهم على تصرفاتهم ، لأن الحكم على الغير بالهداية والضلال. هم ليسوا أهلا له إطلاقا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يكلفهم بذلك ، وإنما كلفهم باتباع الرسول الذي أرسله ـ سبحانه ـ لهدايتهم.

فحكمهم على المؤمنين بالضلال يدل على نهاية الغرور والجهل.

ثم ببشر الله ـ تعالى ـ المؤمنين بما سيكونون عليه يوم القيامة من نعيم فقال : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ).

والفاء في قوله (فَالْيَوْمَ) للسببية ، والمراد باليوم : يوم الجزاء والحساب.

أى : فبسبب استهزاء الذين أجرموا من المؤمنين في الدنيا ، كافأ الله ـ تعالى ـ المؤمنين على صبرهم ، بأن جعلهم يوم القيامة يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين ، كما كان الكفار يضحكون من المؤمنين في الدنيا.

فالمقصود من الآية الكريمة تسلية المؤمنين ، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب .. وأنهم ـ أى : المؤمنين ـ سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش ، وأنهم لا ينظرون إلا إلى ما يسرهم ويبهج نفوسهم.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)

٣٢٩

والاستفهام للتقرير. وقوله : (ثُوِّبَ) من التثويب والإثابة ، أى المجازاة.

يقال : ثوب فلان فلانا وأثابه ، بمعنى جازاه المجازاة اللائقة به.

والمعنى : لقد جوزي الكفار بالجزاء المناسب لتهكمهم بالمؤمنين في الدنيا ، فقد أنزلنا بهم ما يستحقونه من عقاب أليم ، جزاء وفاقا.

وجاء الجزاء بأسلوب الاستفهام ، لتأكيد هذا الجزاء ، حتى لكأن المخاطب هو الذي نطق بهذا الجزاء العادل الذي استحقه الكافرون. ولبيان أن عدالة الله ـ تعالى ـ تقتص من المعتدين مهما طالت بهم الحياة.

والتعبير بثوب ـ مع أنه أكثر ما يستعمل في الخير ـ إنما هو من باب التهكم بهم ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٣٣٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة الانشقاق

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الانشقاق» وتسمى سورة «إذا السماء انشقت» من السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة «الانفطار» ، وقبل سورة «الروم» وعدد آياتها خمس وعشرون آية في المصحف المكي والكوفي. وفي المصحف الشامي والبصري ثلاث وعشرون آية.

٢ ـ والسورة الكريمة ابتدأت بوصف أشراط الساعة. ثم فصلت الحديث عن أحوال السعداء والأشقياء يوم القيامة ، وخلال ذلك حرضت المؤمنين على أن يزدادوا من الإيمان والعمل الصالح ، وحذرت الكافرين من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم وفسوقهم.

٣٣١

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٢٥)

وقوله : (انْشَقَّتْ) من الانشقاق بمعنى الانفطار والتصدع ، بحيث تتغير هيئتها ، ويختل نظامها ، كما قال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ

٣٣٢

الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١).

وانشقاق السماء قد ورد في آيات متعددة منها قوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ).

ومعنى «أذنت» : استمعت. يقال : أذن له ، بمعنى استمع له بإصغاء تام ـ وبابه طرب ـ وفي الحديث الصحيح : «ما أذن الله لشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن» ، وقال الشاعر :

صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به

وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وجملة «وحقت» معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه. أى : جعلت حقيقة وجديرة بالاستماع والانقياد لما يريده الله ـ تعالى ـ منها ، من قولهم فلان محقوق بكذا ، وحق له أن يفعل كذا ، أى : وجب عليه ذلك وجوبا لا انفكاك له عنه.

وجواب الشرط «إذا» وما عطف عليه محذوف ، والتقدير : إذا السماء تصدعت واختل نظامها ، واستمعت لأمر ربها استماعا تاما ، وانقادت لحكمه انقياد العبد لسيده ، وجعلت حقيقة وجديرة بالانقياد والاستماع والطاعة في جميع الأحوال.

(وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أى : بسطت وتساوت بحيث صارت في مستوى واحد ، بدون ارتفاع في جانب أو انخفاض في آخر ، كما قال ـ تعالى ـ : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً).

(وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) أى : وطرحت ما بداخلها من أجساد ومن كنوز ، ومن غيرهما ، وخلت من ذلك خلوا تاما.

وقوله (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) تأكيد لقدرته ـ تعالى ـ ونفاذ أمره. أى : واستمعت الأرض كما استمعت السماء لأمر ربها ، وحق لها أن تستمع وأن تنقاد لحكمه ـ تعالى ـ لأنها خاضعة خضوعا تاما ، لقضائه وأمره.

إذا حدث كل ذلك .. قامت الساعة ، ووجد كل إنسان جزاءه عند ربه ـ سبحانه ـ.

قال صاحب الكشاف : حذف جواب «إذا» ليذهب المقدر كل مذهب. أو اكتفاء بما علم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار. وقيل : جوابها ما دل عليه قوله : (فَمُلاقِيهِ) أى : إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه.

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية ٤٨.

٣٣٣

وقوله : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) أذن له : استمع له .. والمعنى : أنها فعلت في انقيادها لله ـ تعالى ـ حين أراد انشقاقها ، فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ، ولم يأب ولم يمتنع ، كقوله ـ تعالى ـ (أَتَيْنا طائِعِينَ).

«وحقت» هو من قولك : هو محقوق بكذا وحقيق به ، يعنى : وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع .. (١).

وقال الجمل في حاشيته : وقوله (وَحُقَّتْ) الفاعل في الأصل هو الله ـ تعالى ـ أى : حقّ وأوجب الله عليها سمعه وطاعته .. فعلم من ذلك أن الفاعل محذوف ، وأن المفعول هو سمعها وطاعتها له ـ تعالى ـ (٢).

ثم وجه ـ سبحانه ـ بعد ذلك نداء للإنسان ، دعاه فيه إلى طاعته وإخلاص العبادة له ، فقال : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) والمراد بالإنسان هنا : جنسه. وأصل الكدح في كلام العرب : السعى في سبيل الحصول على الشيء بجد واجتهاد وعناء.

مأخوذ من كدح فلان جلده ، إذا خدشه ، ومنه قول الشاعر :

وما الدهر إلا تارتان فمنهما

أموت ، وأخرى أبتغى العيش أكدح

وقول الآخر :

ومضت بشاشة كل عيش صالح

وبقيت أكدح للحياة وأنصب

أى : وبقيت أسعى سعيا حثيثا للحياة ، وأتعب من أجل الحصول على مطالبي فيها.

والضمير في قوله : (فَمُلاقِيهِ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ ، ويصح أن يعود للكدح ، بمعنى ملاق جزاء هذا الكدح.

والمعنى : يا أيها الإنسان إنك باذل في حياتك جهدا كبيرا من أجل مطالب نفسك.

وإنك بعد هذا الكدح والعناء ... مصيرك في النهاية إلى لقاء ربك ، حيث يحاسبك على عملك وكدحك .. فقدم في دنياك الكدح المشروع ، والعمل الصالح.

والسعى الحثيث في طاعته ـ تعالى ـ ، لكي تنال ثواب ربك ورضاه.

قال ابن كثير : وقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) أى : ساع إلى ربك سعيا ، وعامل عملا (فَمُلاقِيهِ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٢٥.

(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٠٨.

٣٣٤

ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي .. عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال جبريل : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه».

ومن الناس من يعيد الضمير على قوله (رَبِّكَ) أى : فملاق ربك فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا فكلا القولين متلازم. (١).

ثم فصل ـ سبحانه ـ بعد ذلك عاقبة هذا الكدح ، والسعى المتواصل .. فقال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً).

والمراد بالكتاب هنا : صحيفة العمل التي سجلت فيها حسنات الإنسان وسيئاته.

والمراد بالحساب اليسير : عرض الأعمال ، مع التجاوز عن الهفوات ، بفضل الله ـ تعالى ـ : أى : الناس جميعا يكدحون في هذه الحياة ، ثم يعودون إلى خالقهم للحساب والجزاء ، فأما من أعطى كتابه بيمينه ، وهم المؤمنون الصادقون ، فسوف يحاسب من ربه ـ تعالى ـ حسابا يسيرا سهلا ، بأن تعرض أعماله على خالقه ـ تعالى ـ ثم يكون التجاوز عن المعاصي والثواب على الطاعة ، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة.

ثم ينقلب هذا الإنسان بعد ذلك إلى أهله وعشيرته ، مبتهجا مسرورا ، بسبب فضل الله ـ تعالى ـ عليه ، ورحمته به.

وعبر ـ سبحانه ـ عن فوز هذا الإنسان ، بأنه يؤتى كتابه بيمينه ، للإشعار بأنه من أهل السعادة والتقوى ، فقد جرت العادة أن اليد اليمنى إنما تتناول بها الأشياء الزكية الحسنة. والباء في قوله (بِيَمِينِهِ) للملابسة أو المصاحبة ، أو بمعنى في.

قال الآلوسى : والحساب اليسير : هو السهل الذي لا مناقشة فيه. وفسره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعرض وبالنظر في الكتاب ، مع التجاوز ، أخرج الشيخان عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس أحد يحاسب إلا هلك». قلت يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، أليس الله ـ تعالى ـ يقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، قال : ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك».

وأخرج الإمام أحمد عن عائشة ـ أيضا ـ قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في بعض صلاته : «اللهم حاسبني حسابا يسيرا» فلما انصرف قلت له : يا رسول الله ،

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٨.

٣٣٥

ما الحساب اليسير؟ قال : «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه». (١).

ثم بين ـ سبحانه ـ حال الأشقياء ، بعد بيانه لحال السعداء فقال : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً). أى : وأما من أعطى صحيفة أعماله ـ لسوادها وقبح أعمالها ـ بشماله من وراء ظهره وهو الكافر ـ والعياذ بالله ـ قيل تغل يمناه إلى عنقه ، وتجعل شماله وراء ظهره ، على سبيل الإهانة والإذلال له.

(فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) أى : فسوف يطلب الهلاك ، بأن ينادى عليه بحسرة وندامة ويقول : أيها الموت أقبل فهذا أوانك ، لتنقذنى مما أنا فيه من سوء.

وفي طلبه للهلاك ، وتفضيله على ما هو فيه ، دليل على أن هذا الشقي ـ والعياذ بالله ـ قد وصل به الحال السيئ إلى أقصى مداه ، حتى لقد أصبح الهلاك نهاية أمانيه ، كما قال الشاعر :

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكن أمانيا

فالمراد بالدعاء في قوله (يَدْعُوا ثُبُوراً) النداء. والثبور : الهلاك ، بأن يقول : يا ثبوراه أقبل فهذا أوان إقبالك.

وقوله ـ تعالى ـ (وَيَصْلى سَعِيراً) بيان للعذاب الذي يحل به. أى : ويدخل النار الشديدة الاشتعال فيتقلب فيها ، ويقاسى حرها.

وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) تعليل لما أصابه من سوء. أى : إن هذا الشقي كان في الدنيا فرحا بطرا بين أهله ، لا يفكر في عاقبة ، ولا يعمل حسابا لغير ملذاته وشهواته. وإنه فوق ذلك (ظَنَ) أى : أيقن أنه لن يرجع إلى ربه يوم القيامة ، ليحاسبه على أعماله ، ويجازيه بما يستحقه من جزاء.

قال القرطبي : قوله (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أى : لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب. ثم يثاب أو يعاقب. يقال : حار فلان يحور إذا رجع ، ومنه قول لبيد :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

فالحور في كلام العرب : الرجوع ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم إنى أعوذ بك من الحور بعد الكور» يعنى : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة .. (٢).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٨٠.

(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٢٧٣.

٣٣٦

وقوله ـ سبحانه ـ (بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) إيجاب لما نفاه ، وإثبات لما استبعده ، وجملة «إن ربه» بمنزلة التعليل لما أفادته بلى من إبطال لما نفاه.

أى : ليس الأمر كما زعم من أنه لن يبعث ولن يرجع إلى ربه ... بل الحق الذي لا يشوبه باطل ، أن هذا الشقي سيرجع إلى ربه يوم البعث والنشور ، ليجازيه على أعماله ، لأنه ـ سبحانه ـ كان ـ وما زال ـ عليما بأحوال هذا الشقي وغيره ، إذ لا يخفى عليه ـ سبحانه ـ شيء في الأرض ولا في السماء.

فالمراد بالبصر هنا : العلم التام بأحوال الخلق.

ثم أقسم ـ سبحانه ـ ببعض مخلوقاته ، على أن مشيئته نافذة ، وقضاءه لا يرد ، وحكمه لا يتخلف. فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ. وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ).

والفاء في قوله (فَلا أُقْسِمُ) واقعة في جواب شرط مقدر ، وهي التي يعبر عنها بالفصيحة ، و «لا» مزيدة لتأكيد القسم ، وجوابه «لتركبن».

والشفق : الحمرة التي تظهر في الأفق الغربي بعد غروب الشمس ، وهو ضياء من شعاعها ، وسمى شفقا لرقته ، ومنه الشفقة لرقة القلب.

والوسق : جمع الأشياء ، وضم بعضها إلى بعض. يقال : وسق الشيء يسقه ـ كضرب ـ إذا جمعه فاجتمع ، ومنه قولهم : إبل مستوسقة ، أى : مجتمعة ، وأمر متسق. أى : مجتمع على ما يسر صاحبه ويرضيه.

واتساق القمر : اجتماع ضيائه ونوره ، وهو افتعال من الوسق. وهو الجمع والضم ، وذلك يكون في الليلة الرابعة عشرة من الشهر.

أى : أقسم بالحمرة التي تظهر في الأفق الغربي ، بعد غروب الشمس ، وبالليل وما يضمه تحت جناحه من مخلوقات وعجائب لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ وبالقمر إذا ما اجتمع نوره ، واكتمل ضياؤه ، وصار بدرا متلألئا.

وفي القسم بهذه الأشياء ، دليل واضح على قدرة الله ـ تعالى ـ الباهرة ، لأن هذه الأشياء تتغير من حال إلى حال ، ومن هيئة إلى هيئة .. فالشفق حالة تأتى في أعقاب غروب الشمس ، والليل يأتى بعد النهار ، والقمر يكتمل بعد نقصان ... وكل هذه الحالات الطارئة ، دلائل على قدرة الله ـ تعالى ـ.

وقوله ـ سبحانه ـ (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) جواب القسم ـ كما سبق أن أشرنا ـ.

٣٣٧

والمراد بالركوب : الملاقاة والمعاناة ، والخطاب للناس ، والطبق جمع طبقة ، وهي الشيء المساوى لشيء آخر ، والمراد بها هنا : الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد.

أى : وحق الشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق .. لتلاقن ـ أيها الناس ـ أحوالا بعد أحوال ، هي طبقات ومراتب في الشدة ، بعضها أصعب من بعض ، وهي الموت ، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة.

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) خطاب لجنس الإنسان المنادى أولا ، باعتبار شموله لأفراده ، والمراد بالركوب : الملاقاة ، والطبق في الأصل ما طابق غيره مطلقا. وخص في العرف بالحال المطابقة لغيرها .. و «عن» للمجاوزة ، أو بمعنى «بعد». والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة أو حالا من فاعل لتركبن ، والظاهر أن «طبقا» منصوب على المفعولية. أى : لتلاقن حالا كائنة بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول .. منها ما هو في الدنيا ، ومنها ما هو في الآخرة.

وقرأ الأخوان ـ حمزة والكسائي ـ وابن كثير (لَتَرْكَبُنَ) ـ بفتح الباء ـ على أنه خطاب للإنسان ـ أيضا ـ ، لكن باعتبار اللفظ ، لا باعتبار الشمول.

وأخرج البخاري عن ابن عباس أنه خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أى : لتركبن ـ أيها الرسول الكريم ـ أحوالا شريفة بعد أخرى من مراتب القرب. أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة ، ثم تكون العاقبة لك .. (١).

والفاء في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ.) لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجيب على ما قبلها ، و «ما» للاستفهام الإنكارى. أى : إذا كان الأمر كما وضحنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أن البعث حق ، ومن أن المستحق للعبادة هو الله ـ تعالى ـ وحده .. فأى شيء يمنع هؤلاء الكافرين من الإيمان ، مع أن كل الدلائل والبراهين تدعوهم إلى الإيمان.

وأى : مانع منعهم من السجود والخضوع لله ـ تعالى ـ عند ما يقرأ عليهم القرآن الكريم ، الذي أنزلناه عليك لإخراجهم من الظلمات إلى النور.

فالمقصود من الآيتين الكريمتين تعجيب الناس من حال هؤلاء الكافرين الذين قامت أمامهم

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٨٢.

٣٣٨

جميع الأدلة على صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يبلغه عن ربه ، ومع ذلك فهم مصرون على كفرهم وجحودهم وعنادهم.

قال الآلوسى : وقد صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية ، فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي .. عن أبى هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وفي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ..) وهي سنة عند الشافعى ، وواجبة عند أبى حنيفة .. (١).

أما الإمام مالك فالرواية الراجحة في مذهبه ، أن هذه الآية ليست من آيات سجود التلاوة.

وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) إضراب انتقالي ، من التعجيب من عدم إيمانهم مع ظهور كل الأدلة على وجوب الإيمان ، إلى الإخبار عنهم بأنهم مستمرون على كفرهم ، أى : ليس هناك أى مانع يمنع الكافرين من الإيمان ، بعد أن قامت جميع الشواهد على صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل الحق أن هؤلاء الكافرين إنما استمروا على كفرهم بسبب عنادهم وحسدهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما آتاه الله ـ تعالى ـ من فضله ، وتكذيبهم للحق عنادا وجحودا.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) كلام معترض بين سابقه ولا حقه ، والمقصود به التهديد والوعيد.

ومعنى «يوعون» يضمرون ويخفون ويسرون ، وأصل الإيعاء حفظ الأمتعة في الوعاء ، يقال : أوعى فلان الزاد والمتاع ، إذا جعله في الوعاء ، والمراد به هنا : الإضمار والإخفاء ، كما في قول الشاعر : والشر أخبث ما أوعيت من زاد.

أى : والله ـ تعالى ـ أعلم من كل أحد ، بما يضمره هؤلاء الكافرون ، وبما يخفونه في صدورهم من تكذيب للحق ، ومن جحود للقرآن الكريم ، ومن معاداة للمؤمنين.

وقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تفريع على قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ).

والتبشير : الإخبار بما يسر ، والمراد به هنا التهكم بهم ، بدليل توعدهم بالعذاب الأليم.

أى : فبشر ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء الكافرين المكذبين للحق ، بالعذاب الأليم.

والاستثناء في قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٨٣.

٣٣٩

مَمْنُونٍ) استثناء منقطع. أى : هذا هو حال الكافرين ، لكن الذين آمنوا إيمانا حقا ، وقدموا في دنياهم الأعمال الصالحة ، فلهم في الآخرة أجر غير مقطوع ، فقوله (مَمْنُونٍ) من منّ : إذا قطع يقال : مننت الحبل إذا قطعته ، أو لهم أجر خالص من شوائب الامتنان ، وهو أن يعطى الإنسان غيره عطاء ، ثم يتباهى عليه به.

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٣٤٠