التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٥

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0695-7
الصفحات: ٥٥٤

والمعنى : أأمنتم ـ أيها الناس ـ من في السماء وهو الله ـ عزوجل ـ أن يذهب الأرض بكم ، فيجعل أعلاها أسفلها .. فإذا هي تمور بكم وتضطرب ، وترتج ارتجاجا شديدا تزول معه حياتكم.

فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره ، بهذا العذاب الشديد ، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه.

والباء في قوله (بِكُمُ) للمصاحبة. أى : يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم ، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم ..

ثم انتقل ـ سبحانه ـ من تهديدهم بالخسف إلى تهديدهم بعذاب آخر فقال : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).

أى : بل أأمنتم ـ أيها الناس ـ من السماء ، وهو الله ـ عزوجل ـ بسلطانه وقدرته .. أن يرسل عليكم (حاصِباً) أى : ريحا شديدة مصحوبة بالحصى والحجارة التي تهلك ، فحينئذ ستعلمون عند معاينتكم للعذاب ، كيف كان إنذارى لكم متحققا وواقعا وحقا ..

فالاستفهام في الآيتين المقصود به التعجيب من أمنهم عذاب الله ـ تعالى ـ عند مخالفتهم لأمره ، وخروجهم عن طاعته.

وقدم ـ سبحانه ـ التهديد بالخسف على التهديد بإرسال الحاصب ، لأن الخسف من أحوال الأرض ، التي سبق أن بين لهم أنه خلقها مذللة لهم ، وفيها ما فيها من منافعهم ، فهذه المنافع ليس عسيرا على الله ـ تعالى ـ أن يحولها إلى عذاب لهم ..

ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بما جرى للكافرين السابقين فقال : (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ..

أى : وو الله لقد كذب الذين من قبل كفار مكة من الأمم السابقة ، كقوم نوح وعاد وثمود .. فكان إنكارى عليهم ، وعقابي لهم ، شديدا ومبيرا ومدمرا لهم تدميرا تاما.

فالنكير بمعنى الإنكار ، والاستفهام في قوله : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للتهويل.

أى : إن إنكارى عليهم كفرهم كان إنكارا عظيما ، لأنه ترتب عليه ، أن أخذتهم أخذ عزيز مقتدر.

كما قال ـ تعالى ـ : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ،

٢١

وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

ثم تنتقل السورة بعد هذا التهديد والإنذار ، إلى دعوتهم إلى التأمل والتفكر ، في مشهد الطير صافات في الجو .. وفي أحوال أنفسهم عند اليأس والفقر ، وعند الهزيمة والإعراض عن الحق .. فيقول ـ سبحانه ـ :

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢٢)

قال بعض العلماء : قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ ..) عطف على جملة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً ..) استرسالا في الدلائل على انفراد الله ـ تعالى ـ بالتصرف في الموجودات ، وقد انتقل من دلالة أحوال البشر وعالمهم ، إلى دلالة أعجب أحوال العجماوات ، وهي أحوال الطير في نظام حركاتها في حال طيرانها ، إذ لا تمشى على الأرض كما هو في حركات غيرها على الأرض ، فحالها أقوى دلالة على عجيب صنع الله المنفرد به .. (٢).

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا ..) للتعجيب من حال المشركين ، لعدم تفكرهم فيما يدعو إلى التفكر والاعتبار ..

والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والطير : جمع طائر كصحب وصاحب ..

والمعنى : أغفل هؤلاء المشركون ، وانطمست أعينهم عن رؤية الطير فوقهم ، وهن (صافَّاتٍ) أى : باسطات أجنحتهن في الهواء عند الطيران في الجو ، (وَيَقْبِضْنَ) أى :

__________________

(١) سورة العنكبوت آية ٤٠.

(٢) تفسير التحرير والتنوير ج ٢٩ ص ٣٧ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ـ رحمه‌الله ـ.

٢٢

ويضممن أجنحتهن تارة على سبيل الاستظهار بها على شدة التحرك في الهواء .. (ما يُمْسِكُهُنَ) في حالتي البسط والقبض (إِلَّا الرَّحْمنُ) الذي وسعت رحمته وقدرته كل شيء ، والذي أحسن كل شيء خلقه ..

(إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أى : إنه ـ سبحانه ـ مطلع على أحوال كل شيء ، ومدبر لأمره على أحسن الوجوه وأحكمها ..

قال صاحب الكشاف : (صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا (وَيَقْبِضْنَ) أى : ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.

فإن قلت : لم قيل (وَيَقْبِضْنَ) ولم يقل : وقابضات؟

قلت : لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة ، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط. للاستظهار به على التحرك ، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل ، على معنى أنهن صافات ، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح .. (١).

والمراد بإمساكهن : عدم سقوطهن إلى الأرض بقدرته وحكمته ـ تعالى ـ حيث أودع فيها من الخصائص ما جعلها تطير في الجو ، كالسابح في الماء.

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ ..) (٢).

ثم لفت أنظارهم للمرة الثانية إلى قوة بأسه ، ونفاذ إرادته ، وعدم وجود من يأخذ بيدهم إذا ما أنزل بهم عقابه فقال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ).

والاستفهام للتحدى والتعجيز ، وأم منقطعة بمعنى بل ، فهي للإضراب الانتقالى من غرض إلى آخر ، ومن حجة إلى أخرى.

ومن اسم استفهام مبتدأ ، وخبره اسم الإشارة ، وما بعده صفته.

والمراد بالجند : الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم. ولفظ (دُونِ) أصله ظرف للمكان الأسفل .. ويطلق على الشيء المغاير ، فيكون بمعنى غير كما هنا ، والمقصود بالآية تحقير شأن هؤلاء الجند ، والتهوين من شأنهم.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨١.

(٢) سورة النحل آية ٧٩.

٢٣

والمعنى : بل أخبرونى ـ أيها المشركون ـ بعد أن ثبتت غفلتكم وعدم تفكيركم تفكيرا ينفعكم ، من هذا الحقير الذي تستعينون به في نصركم ودفع الضر عنكم ، متجاوزين في ذلك إرادة الرحمن ومشيئته ونصره. أو من هذا الذي ينصركم نصرا كائنا غير نصر الرحمن ، أو من ينصركم من عذاب كائن من عنده ـ تعالى ـ.

والجواب الذي لا تستطيعون جوابا سواه : هو أنه لا ناصر لكم يستطيع أن ينصركم من دون الله ـ تعالى ـ ، كما قال ـ سبحانه ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ..)

وكما قال ـ عزوجل ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) كلام معترض بين ما قبله وما بعده ، لبيان حالهم القبيح وواقعهم المنكر.

والغرور : صفة في النفس تجعلها تعرض عن الحق جحودا وعنادا وجهلا. أى ليس الكافرون إلا في غرور عظيم ، وفي جهل تام ، عن تدبر الحق ، لأنهم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ، فرأوها حسنة.

ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى إلزامهم بنوع آخر من الحجج فقال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ..

أى : بل أخبرونى من هذا الذي يزعم أنه يستطيع أن يوصل إليكم الرزق والخير ، إذا أمسك الله ـ تعالى ـ عنكم ذلك ، أو منع عنكم الأسباب التي تؤدى إلى نفعكم وإلى قوام حياتكم ، كمنع نزول المطر إليكم ، وكإهلاك الزروع والثمار التي تنبتها الأرض ..

إنه لا أحد يستطيع أن يرزقكم سوى الله ـ تعالى ـ.

وقوله : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) جملة مستأنفة جواب لسؤال تقديره : فهل انتفع المشركون بتلك المواعظ فكان الجواب كلا إنهم لم ينتفعوا ، بل (لَجُّوا) أى تمادوا في اللجاج والجدال بالباطل و (فِي عُتُوٍّ) أى : وفي استكبار وطغيان ، وفي (نُفُورٍ) أى : شرود وتباعد عن الطريق المستقيم.

أى : أنهم ساروا في طريق أهوائهم حتى النهاية ، دون أن يستمعوا إلى صوت نذير أو واعظ أو مرشد.

ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا لأهل الإيمان وأهل الكفر ، وأهل الحق وأهل الباطل ، فقال

٢٤

ـ سبحانه ـ : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى ، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

والمكب : هو الإنسان الساقط على وجهه ، يقال : كبّ فلان فلانا وأكبه ، إذا صرعه وقلبه بأن جعل وجهه على الأرض .. فهو اسم فاعل من أكب.

وقوله : (أَهْدى) مشتق من الهدى ، وهو معرفة طريق الحق والسير فيها ، والمفاضلة هنا ليست مقصودة ، لأن الذي يمشى مكبا على وجهه ، لا شيء عنده من الهداية أو الرشد إطلاقا حتى يفاضل مع غيره ، وفيه لون من التهكم بهذا المكب على وجهه.

و «السوى» هو الإنسان الشديد الاستواء والاستقامة ، فهو فعيل بمعنى فاعل.

ومنه قوله ـ تعالى ـ حكاية عما قاله إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أى : مستويا.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى ...) : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه ، كمثل من يمشى مكبا على وجهه ، أى : يمشى منحنيا لا مستويا على وجهه ، أى : لا يدرى أين يسلك ، ولا كيف يذهب ، بل هو تائه حائر ضال ، أهذا أهدى (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أى : منتصب القامة (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أى على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة.

هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة ، فالمؤمن يحشر يمشى سويا على صراط مستقيم .. وأما الكافر فإنه يحشر يمشى على وجهه إلى النار ..

وروى الإمام أحمد عن أنس قال : قيل يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال : «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» (١)؟.

وقال الجمل : هذا مثل للمؤمن والكافر ، حيث شبه ـ سبحانه ـ المؤمن في تمسكه بالدين الحق ، ومشيه على منهاجه ، بمن يمشى في الطريق المعتدل ، الذي ليس فيه ما يتعثر به ..

وشبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل ، بمن يمشى في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض ، فيتعثر ويسقط على وجهه ، وكلما تخلص من عثرة وقع في أخرى.

فالمذكور في الآية هو المشبه به ، والمشبه محذوف ، لدلالة السياق عليه .. (٢).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٠٨.

(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٨٠.

٢٥

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد لفتت أنظار الناس إلى التفكر والاعتبار ، ووبخت المشركين على جهالاتهم وطغيانهم ، وساقت مثالا واضحا للمؤمن والكافر ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض آيات أن يذكر الكافرين بنعم الله ـ تعالى ـ عليهم ، وأن يرد على شبهاتهم وأكاذيبهم بما يدحضها ، وأن يكل أمره وأمرهم إليه وحده ـ تعالى ـ فقال :

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣٠)

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين ـ على سبيل تبصيرهم بالحجج والدلائل الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، وعلى سبيل التنويع في الإرشاد والتوجيه .. قل لهم : الرحمن ـ عزوجل ـ هو الذي أنشأكم وأوجدكم في كل طور من أطوار حياتكم ، وهو سبحانه ـ الذي أوجد لكم السمع الذي تسمعون به ، والأبصار التي تبصرون بها الكائنات ، والأفئدة أى والقلوب التي تدركونها بها ..

ولكنكم ـ مع كل هذه النعم ـ (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) خالقكم ـ عزوجل ـ.

٢٦

وجمع ـ سبحانه ـ الأفئدة والأبصار ، وأفرد السمع ، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير ، ومن حجة أو دليل ، فكان من ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم.

وكذلك شأن الناس فيما تنتظمه أبصارهم من آيات الله في كونه ، فإن أنظارهم تختلف في عمق تدبرها وضحولته ، فكان من ذلك تعدد المبصرين ، بتعدد مقادير ما يستنبطون من آيات الله في الآفاق.

وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شيء واحد ، هو الحجة يناديهم بها المرسلون ، والدليل يوضحه لهم النبيون.

لذلك كان الناس جميعا كأنهم سمع واحد ، فكان إفراد السمع إيذانا من الله بأن حجته واحدة ، ودليله واحد لا يتعدد.

وقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) صفة لمصدر محذوف ، أى : شكرا قليلا ، و (ما) مزيدة لتأكيد التقليل.

وعبر ـ سبحانه ـ بقوله (قَلِيلاً) لحضهم على الإكثار من شكره ـ تعالى ـ ، وذلك عن طريق إخلاص العبادة له ـ عزوجل ـ : ونبذ عبادة غيره.

ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثانية أن يذكرهم بنعمة أخرى فقال (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ الرحمن ـ تعالى ـ وحده (هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ).

أى : هو الذي خلقكم وبثكم وكثركم في الأرض ، إذ الذرء معناه : الإكثار من الموجود ..

وقوله : (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) بيان لمصيرهم بعد انتهاء آجالهم في هذه الدنيا.

أى : وإليه وحده ـ لا إلى غيره ـ يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة.

ثم حكى ـ سبحانه ـ أقوالهم التي تدل على طغيانهم وجهالاتهم فقال : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

والوعد : مصدر بمعنى الموعود ، والمقصود به ما أخبرهم به صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء .. ومن أن العاقبة والنصر للمؤمنين.

أى : ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأصحابه ، على سبيل التهكم

٢٧

والاستهزاء : متى يقع هذا الذي تخبروننا عنه من البعث والحساب والجزاء ، ومن النصر لكم لا لنا ..؟.

وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا ، فأين هو؟ إننا لا نراه ولا نحسه.

وهنا يأمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمرة الثالثة ، أن يرد عليهم الرد الذي يكبتهم فيقول : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

أى : قل لهم يا محمد علم قيام الساعة ، وعلم اليوم الذي سننتصر فيه عليكم .. عند الله ـ تعالى ـ وحده ، لأن هذا العلم ليس من وظيفتي.

وإنما وظيفتي أنى نذير لكم ، أحذركم من سوء عاقبة كفركم ، فإذا استجبتم لي نجوتم ، وإن بقيتم على كفركم هلكتم.

واللام في قوله : (الْعِلْمُ) للعهد. أى : العلم بوقت هذا الوعد ، عند الله ـ تعالى ـ وحده.

والمبين : اسم فاعل من أبان المتعدى ، أى : مبين لما أمرت بتبليغه لكم بيانا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.

ثم حكى ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يرون العذاب الذي استعجلوه فقال : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ).

والفاء في قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ...) هي الفصيحة. و (فَلَمَّا) ظرف بمعنى حين. و (رَأَوْهُ) مستعمل في المستقبل وجيء به بصيغة الماضي لتحقق الوقوع ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ..).

و (زُلْفَةً) اسم مصدر لأزلف إزلافا ، بمعنى القرب. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ...) أى : قربت للمتقين ، وهو حال من مفعول (رَأَوْهُ).

والمعنى : لقد حل بالكافرين العذاب الذي كانوا يستعجلونه ، ويقولون : متى هذا الوعد. فحين رأوه نازلا بهم ، وقريبا منهم (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى : ساءت رؤيته وجوههم ، وحلت عليها غبرة ترهقها قترة.

(وَقِيلَ) لهم على سبيل التوبيخ والتأنيب (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أى : هذا هو العذاب الذي كنتم تتعجلون وقوعه في الدنيا ، وتستهزءون بمن يحذركم منه.

فقوله (تَدَّعُونَ) من الدعاء بمعنى الطلب ، أو من الدعوى.

٢٨

و (سِيئَتْ) فعل مبنى للمجهول. وأسند ـ سبحانه ـ حصول السوء إلى الوجوه ، لتضمينه معنى كلحت وقبحت واسودت ، لأن الخوف من العذاب قد ظهرت آثاره على وجوههم.

وقال ـ سبحانه ـ (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالإظهار ، ولم يقل وجوههم ، لذمهم بصفة الكفر ، التي كانت السبب في هلاكهم.

ومفعول (تَدَّعُونَ) محذوف. والتقدير : وقيل لهم هذا الذي كنتم تدعون عدم وقوعه. قد وقع ، وها أنتم تشاهدونه أمام أعينكم.

والجار والمجرور في قوله (بِهِ) متعلق بتدعون لأنه مضمن معنى تكذبون.

والقائل لهم هذا القول : هم خزنة النار ، على سبيل التبكيت لهم.

ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمرة الرابعة ، أن يرد على ما كانوا يتمنونه بالنسبة له ولأصحابه فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا ، فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

ولقد كان المشركون يتمنون هلاك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانوا يرددون ذلك في مجالسهم ، وقد حكى القرآن عنهم ذلك في آيات منها قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ).

أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ (أَرَأَيْتُمْ) أى : أخبرونى (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ). ـ تعالى ـ وأهلك (مَنْ مَعِيَ) من أصحابى وأتباعى (أَوْ رَحِمَنا) بفضله وإحسانه بأن رزقنا الحياة الطويلة ، ورزقنا النصر عليكم.

فأخبرونى في تلك الحالة (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أى : من يستطيع أن يمنع عنكم عذاب الله الأليم ، إذا أراد أن ينزله بكم؟ مما لا شك فيه أنه لن يستطيع أحد أن يمنع ذلك عنكم.

قال صاحب الكشاف : كان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك ، فأمر بأن يقول لهم : نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين : إما أن نهلك كما تتمنون ، فننقلب إلى الجنة ، أو نرحم بالنصرة عليكم ، أما أنتم فماذا تصنعون؟ من يجيركم ـ وأنتم كافرون ـ من عذاب أليم لا مفر لكم منه.

٢٩

يعنى : إنكم تطلبون لنا الهلاك الذي هو استعجال للفوز والسعادة ، وأنتم في أمر هو الهلاك الذي لا هلاك بعده .. (١).

والمراد بالهلاك : الموت ، وبالرحمة : الحياة والنصر بدليل المقابلة ، وقد منح الله ـ تعالى ـ نبيه العمر المبارك النافع ، فلم يفارق صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدنيا إلا بعد أن بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وكانت كلمته هي العليا.

والاستفهام في قوله (أَرَأَيْتُمْ) للإنكار والتعجيب من سوء تفكيرهم.

والرؤية علمية ، والجملة الشرطية بعدها سدت مسد المفعولين.

وقال ـ سبحانه ـ (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) للإشارة إلى أن كفرهم هو السبب في بوارهم وفي نزول العذاب الأليم بهم.

ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الخامسة ، أن يبين لهم أنه هو وأصحابه معتمدون على الله ـ تعالى ـ وحده ، ومخلصون له العبادة والطاعة ، فقال : (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ..).

أى : وقل يا محمد لهؤلاء الجاحدين : إذا كنتم قد أشركتم مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، فنحن على النقيض منكم ، لأننا أخلصنا عبادتنا للرحمن الذي أوجدنا برحمته ، وآمنا به إيمانا حقا ، وعليه وحده توكلنا وفوضنا أمورنا.

وأخر ـ سبحانه ـ مفعول (آمَنَّا) وقدم مفعول (تَوَكَّلْنا) ، للتعريض بالكافرين ، الذين أصروا على ضلالهم ، فكأنه يقول : نحن آمنا ولم نكفر كما كفرتم ، وتوكلنا عليه وحده ، ولم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من أصنامكم وأموالكم وأولادكم ..

وقوله (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) مسوق مساق التهديد والوعيد أى : فستعلمون في عاجل أمرنا وآجله ، أنحن الذين على الحق أم أنتم؟ ونحن الذين على الباطل أم أنتم؟ ..

فالمقصود بالآية الكريمة التهديد والإنذار ، مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف ، الذي يحملهم على التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون.

ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمرة السادسة ، أن يذكرهم بنعمة الماء الذي يشربونه فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨٣.

٣٠

وقوله (غَوْراً) مصدر غارت البئر ، إذا نضب ماؤها وجف. يقال : غار الماء يغور غورا ، إذا ذهب وزال ..

والمعين : هو الماء الظاهر الذي تراه العيون ، ويسهل الحصول عليه ، وهو فعيل من معن إذا قرب وظهر.

أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل التوبيخ وإلزام الحجة : أخبرونى إن أصبح ماؤكم غائرا في الأرض ، بحيث لا يبقى له وجود أصلا.

فمن يستطيع أن يأتيكم بماء ظاهر على وجه الأرض ، تراه عيونكم ، وتستعملونه في شئونكم ومنافعكم.

إنه لا أحد يستطيع ذلك إلا الله ـ تعالى ـ وحده ، فعليكم أن تشكروه على نعمه ، لكي يزيدكم منها.

وبعد : فهذا تفسير لسورة «الملك» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

٣١
٣٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير

سورة القلم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «ن» أو «القلم» تعتبر من أوائل السور القرآنية ، التي نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد ذكر السيوطي في كتابه «الإتقان» أنها السورة الثانية في النزول ، بعد سورة «العلق» (١).

ويرى بعض العلماء أنها السورة الرابعة في النزول ، فقد سبقتها سور : العلق ، والمدثر ، والمزمل ، وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية.

٢ ـ والمحققون على أنها من السور المكية الخالصة ، فقد ذكر الزمخشري وابن كثير .. أنها مكية ، دون أن يذكرا في ذلك خلافا.

وقال الآلوسى : هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة ، فقد نزلت ـ على ما روى عن ابن عباس ـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...) ثم هذه ، ثم المزمل ، ثم المدثر ، وفي البحر أنها مكية بلا خلاف فيها ، بين أهل التأويل.

وفي الإتقان : استثنى منها : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا ...) إلى قوله ـ تعالى ـ : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢).

٣ ـ والذي تطمئن إليه النفس ، أن سورة (ن) من السور المكية الخالصة ، لأنه لم يقم

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٢٧.

(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٢٢.

٣٣

دليل مقنع. على أن فيها آيات مدنية ، بجانب أن أسلوبها وموضوعاتها تشير إلى أنها من السور المكية الخالصة.

كذلك نميل إلى أن بعض آياتها قد نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن جهر بدعوته.

٤ ـ وقد فصل هذا المعنى بعض العلماء فقال ما ملخصه : لا يمكن تحديد التاريخ الذي نزلت فيه هذه السورة ، سواء مطلعها أو جملتها.

والروايات التي تقول : إن هذه السورة هي الثانية في النزول بعد سورة العلق كثيرة ، ولكن سياق السورة وموضوعها وأسلوبها ، يجعلنا نرجح غير هذا ، حتى ليكاد يتعين أنها نزلت بعد فترة من الدعوة العامة ، التي جاءت بعد نحو ثلاث سنوات من الدعوة الفردية ، في الوقت الذي أخذت فيه قريش تدفع هذه الدعوة وتحاربها ، وتصف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما هو برىء منه ، كذلك ذكرت بعض الروايات في السورة آيات مدنية ، ونحن نستبعد هذا كذلك ، ونعتقد أن السورة كلها مكية ، لأن طابع آياتها عميق في مكيته.

والذي نرجحه بشأن السورة كلها ، أنها ليست الثانية في ترتيب النزول وأنها نزلت بعد فترة من البعثة النبوية ، بل بعد الجهر بالدعوة ، وبعد أن أخذت قريش في محاربتها بصورة عنيفة.

والسورة قد أشارت إلى شيء من عروض المشركين : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) وظاهر أن مثل هذه المحاولة لا تكون والدعوة فردية ، إنما تكون بعد ظهورها ، وشعور المشركين بخطرها .. (١).

٥ ـ والذي يتدبر هذه السورة الكريمة ، يراها قد اشتملت على مقاصد من أبرزها : تحدى المشركين بهذا القرآن الكريم ، والثناء على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأفضل أنواع الثناء (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

والتسلية الجميلة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما أصابه من أعدائه (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

ونهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مهادنة المشركين أو ملاينتهم أو موافقتهم على مقترحاتهم الماكرة ، قال ـ تعالى ـ : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ).

ثم نراها تضرب الأمثال لأهل مكة ، لعلهم يتعظون ويعتبرون ، ويتركون الجحود

__________________

(١) راجع ق ظلال القرآن ج ٢٩ ص ٢١٤.

٣٤

والبطر .. (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. وَلا يَسْتَثْنُونَ. فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ).

ثم نرى من مقاصدها كذلك : المقارنة بين عاقبة الأخيار والأشرار ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة.

وتسفيه أفكار المشركين وعقولهم ، بأسلوب مؤثر خلاب : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) ..

وتهديدهم بأقصى ألوان التهديد : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ..).

ثم تختتم بتكرار التسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأمره بالصبر على أذى أعدائه : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ، إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ ، لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ. وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ).

وبعد : فهذه كلمة مجملة عن سورة «القلم» تكشف عن زمان ومكان نزولها. وعن أهم المقاصد والأهداف ، التي اشتملت عليها.

ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

د. محمد سيد طنطاوى

٣٥

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(١٦)

افتتحت سورة «القلم» بأحد الحروف المقطعة ، وهي آخر سورة في ترتيب المصحف ، افتتحت بواحد من هذه الحروف. أما بالنسبة لترتيب النزول ، فقد تكون أول سورة نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السور المفتتحة بالحروف المقطعة.

وقد قلنا عند تفسيرنا لسورة البقرة : وردت هذه الحروف المقطعة تارة مفردة بحرف واحد ، وتارة مركبة من حرفين أو ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة.

فالسور التي بدئت بحرف واحد ثلاث سور وهي : ص ، ق ، ن.

٣٦

والسور التي بدئت بحرفين تسع سور وهي : طه ، يس ، طس ، وحم ، في ست سور ، وهي : غافر ، فصلت ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف.

والسور التي بدئت بثلاثة أحرف ، ثلاث عشرة سورة وهي : (الم) في ست سور ، وهي : البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة.

و (الر) في خمس سور ، وهي : يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر.

و (طسم) في سورتين وهما : الشعراء ، والقصص.

وهناك سورتان بدئتا بأربعة أحرف وهما : الرعد ، «المر» ، والأعراف «المص».

وهناك سورتان ـ أيضا ـ بدئتا بخمسة أحرف ، وهما : «مريم» «كهيعص» والشورى : «حم عسق» فيكون مجموع السور التي افتتحت بالحروف المقطعة : تسعا وعشرين سورة.

هذا ، وقد وقع خلاف بين العلماء في المعنى المقصود بتلك الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ويمكن إجمال خلافهم في رأيين رئيسيين :

الرأى الأول يرى أصحابه : أن المعنى المقصود منها غير معروف ، فهي من المتشابه الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه.

وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس ـ في بعض الروايات عنه ـ كما ذهب إليه الشعبي ، وسفيان الثوري وغيرهم من العلماء.

فقد أخرج ابن المنذر عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال : إن لكل كتاب سرا ، وإن سر هذا القرآن في فواتح السور.

ويروى عن ابن عباس أنه قال : عجزت العلماء عن إدراكها.

وعن على بن أبى طالب أنه قال : «إن لكل كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي».

وفي رواية أخرى عن الشعبي أنه قال : «سر الله فلا تطلبوه».

ومن الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الرأى ، أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس لأنه من المتشابه ، فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل ، أو مثل ذلك كمثل المتكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها.

وقد أجيب عن ذلك بأن هذه الألفاظ ، لم ينتف الإفهام عنها عند كل أحد ، فالرسول

٣٧

صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يفهم المراد منها ، وكذلك بعض أصحابه المقربين ، ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل بعض السور.

وهناك مناقشات أخرى للعلماء حول هذا الرأى ، يضيق المجال عن ذكرها.

أما الرأى الثاني فيرى أصحابه أن المعنى المقصود منها معلوم ، وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه.

وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى :

أ ـ أن هذه الحروف أسماء للسور ، بدليل قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ حم السجدة حفظ إلى أن يصبح» ، وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها كسورة «ص» وسورة «يس».

ولا يخلو هذا القول من الضعف ، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح ، والغرض من التسمية رفع الاشتباه.

ب ـ وقيل : إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة ، للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى.

ج ـ وقيل : إنها حروف مقطعة ، بعضها من أسماء الله ـ تعالى ـ ، وبعضها من صفاته ، فمثلا : (الم) أصلها : أنا الله أعلم.

د ـ وقيل : إنها اسم الله الأعظم. إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال ، والتي أوصلها الإمام السيوطي في كتابه «الإتقان» إلى أكثر من عشرين قولا.

ه ـ ولعل أقرب الآراء إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت في افتتاح بعض السور ، للإشعار بأن هذا القرآن الذي تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التي يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه في الفصاحة والبلاغة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة.

وفضلا عن ذلك ، فإن تصدير هذه السور بمثل هذه الحروف المقطعة ، يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم ، إلى الإنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة ألفاظ غير مألوفة في مجاري كلامهم. وذلك مما يلفت أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا قد تكون سببا في هدايتهم واستجابتهم للحق.

٣٨

هذه خلاصة لآراء العلماء في الحروف المقطعة ، التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ومن أراد مزيدا لذلك فليرجع ـ مثلا ـ إلى كتاب «البرهان» للزركشى. وكتاب «الإتقان» للسيوطي ، وتفسير «الآلوسى».

ولفظ «ن» على الرأى الذي رجحناه ، يكون إشارة إلى إعجاز القرآن ...

وقيل : هو من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ..

وقد ذكر بعض المفسرين أقوالا أخرى ، لا يعتمد عليها لضعفها ، ومن ذلك قولهم : إن «نون» اسم لحوت عظيم ... أو اسم للدواة .. وقيل : «نون» لوح من نور .. (١).

والواو في قوله : (وَالْقَلَمِ) للقسم ، والمراد بالقلم : جنسه ، فهو يشمل كل قلم يكتب به و «ما» في قوله (وَما يَسْطُرُونَ) موصولة أو مصدرية. و (يَسْطُرُونَ) مضارع سطر ـ من باب نصر ـ ، يقال : سطر الكتاب سطرا ، إذا كتبه. والسطر : الصف من الشجر وغيره ، وأصله من السطر بمعنى القطع ، لأن صفوف الكتابة تبدو وكأنها قطع متراصة.

وجواب القسم قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).

أى : وحق القلم الذي يكتب به الكاتبون من مخلوقاتنا المتعددة ، إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لمبرأ مما اتهمك به أعداؤك من الجنون ، وكيف تكون مجنونا وقد أنعم الله ـ تعالى ـ عليك بالنبوة والحكمة.

فالمقصود بالآيات الكريمة تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما أصابه من المشركين ، ودفع تهمهم الباطلة دفعا يأتى عليها من القواعد فيهدمها ، وإثبات أنه رسول من عنده ـ تعالى ـ.

وأقسم ـ سبحانه ـ بالقلم ، لعظيم شرفه ، وكثرة منافعه ، فبه كتبت الكتب السماوية ، وبه تكتب العلوم المفيدة .. وبه يحصل التعارف بين الناس ..

وصدق الله إذ يقول : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).

قال القرطبي : أقسم ـ سبحانه ـ بالقلم. لما فيه من البيان كاللسان. وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء من في الأرض ، ومنه قول أبى الفتح البستي :

إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم

وعدّوه مما يكسب المجد والكرم

كفى قلم الكتاب عزا ورفعة

مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم (٢)

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢١٣. وتفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٢٣.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٢٥.

٣٩

والضمير في قوله : (يَسْطُرُونَ) راجع إلى غير مذكور في الكلام ، إلا أنه معلوم للسامعين ، لأن ذكر القلم يدل على أن هناك من يكتب به.

ونفى ـ سبحانه ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجنون بأبلغ أسلوب ، لأن المشركين كانوا يصفونه بذلك ، قال ـ تعالى ـ. (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ، لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).

قال الآلوسى : قوله : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ). جواب القسم ، والباء الثانية مزيدة لتأكيد النفي. ومجنون خبر ما ، والباء الأولى للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير في الخبر ، والعامل فيها معنى النفي.

والمعنى : انتفى عنك الجنون في حال كونك ملتبسا بنعمة ربك أى : منعما عليك بما أنعم من حصافة الرأى ، والنبوة .. (١).

وفي إضافته صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الرب ـ عزوجل ـ مزيد إشعار بالتسلية والقرب والمحبة. ومزيد إشعار ـ أيضا ـ بنفي ما افتراه الجاهلون من كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجنونا ، لأن هذه الصفة لا تجتمع في عبد أنعم الله ـ تعالى ـ عليه ، وقربه ، واصطفاه لحمل رسالته وتبليغ دعوته.

ثم بشره ـ سبحانه ـ ببشارة ثانية فقال : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ).

وقوله : (مَمْنُونٍ) مأخوذ من المن بمعنى القطع ، تقول : مننت الحبل ، إذا قطعته. ويصح أن يكون من المن ، بمعنى أن يعطى الإنسان غيره عطية ثم يفتخر بها عليه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ...).

أى : وإن لك ـ أيها الرسول الكريم ـ عندنا ، لأجرا عظيما لا يعلم مقداره إلا نحن ، وهذا الأجر غير مقطوع بل هو متصل ودائم وغير ممنون.

وهذه الجملة الكريمة وما بعدها ، معطوفة على جملة جواب القسم ، لأنهما من جملة المقسم عليه ..

ثم أثنى ـ سبحانه ـ عليه بأجمل ثناء وأطيبه فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

والخلق ـ كما يقول الإمام الرازي ـ ملكة نفسانية ، يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة ... و.... (٢).

والعظيم : الرفيع القدر ، الجليل الشأن ، السامي المنزلة.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٢٤.

(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١٨٥.

٤٠