التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0694-9
الصفحات: ٤٨٧

والظاهر أن الذكر هو القرآن ، والرسول هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسولا منصوب بمقدر ، أى : وأرسل رسولا .. (١).

ثم بين ـ سبحانه ـ حسن عاقبة المؤمنين الصادقين فقال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) إيمانا حقا (وَيَعْمَلْ) عملا (صالِحاً يُدْخِلْهُ) ـ سبحانه ـ بفضله وإحسانه (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً) خلودا أبديا ..

وقوله : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) حال من الضمير المنصوب في قوله (يُدْخِلْهُ) ، والجمع في الضمائر باعتبار معنى (مِنَ) كما أن الأفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها : والرزق : كل ما ينتفع به الإنسان ، وتنكيره للتعظيم.

أى : قد وسع الله ـ تعالى ـ لهذا المؤمن الصادق في إيمانه رزقه في الجنة ، وأعطاه من الخير والنعيم ، ما يشرح صدره ، ويدخل السرور على نفسه. ويصلح باله ..

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بما يدل على كمال قدرته ، وسعة علمه فقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ..).

أى : الله ـ تعالى ـ وحده هو الذي خلق سبع سماوات طباقا وخلق من الأرض مثلهن ، أى : في العدد فهي سبع كالسماوات.

والتعدد قد يكون باعتبار أصول الطبقات الطينية والصخرية والمائية والمعدنية ، وغير ذلك من الاعتبارات التي لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية يقول ـ تعالى ـ مخبرا عن قدرته التامة ، وسلطانه العظيم ، ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) كقوله ـ تعالى ـ إخبارا عن نوح أنه قال لقومه : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ...) وقال ـ تعالى ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ).

وقوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أى : سبعا ـ أيضا ـ كما ثبت في الصحيحين : «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه مع سبع أرضين».

وفي صحيح البخاري : «خسف به إلى سبع أرضين ...» ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم ، فقد أبعد النجعة ، وأغرق في النزع ، وخالف القرآن والحديث بلا مستند .. (٢).

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٤١.

(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨٢.

٤٦١

وقال الآلوسى : الله الذي خلق سبع سماوات مبتدأ وخبر (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أى : وخلق من الأرض مثلهن ، على أن (مِثْلَهُنَ) مفعول لفعل محذوف ، والجملة معطوفة على الجملة قبلها.

والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف ، فقال الجمهور : هي هنا في كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض ، وفي كل أرض سكان من خلق الله ، لا يعلم حقيقتهم أحد إلا الله ـ تعالى ـ.

وقيل : المثلية في الخلق لا في العدد ولا في غيره ، فهي أرض واحدة مخلوقة كالسماوات السبع.

ورد هذا القيل بأنه قد صح من رواية البخاري وغيره ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ...» (١).

والذي نراه أن كون المثلية في العد ، هو المعول عليه ، لورود الأحاديث الصحيحة التي صرحت بأن الأرضين سبع ، فعلينا أن نؤمن بذلك ، وأن نرد كيفية تكوينها ، وهيئاتها ، وأبعادها ، ومساحاتها ، وخصائصها .. إلى علم الله ـ تعالى ـ.

وقوله : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) أى : يجرى أمر الله ـ تعالى ـ وقضاؤه وقدره بينهن ، وينفذ حكمه فيهن ، فالمراد بالأمر : قضاؤه وقدره ووحيه.

واللام في قوله ـ تعالى ـ : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) متعلقة بقوله (خَلَقَ) ...

أى : خلق ـ سبحانه ـ سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، وأخبركم بذلك ، لتعلموا علما تاما أن الله ـ تعالى ـ على كل شيء قدير ، وأن علمه ـ تعالى ـ قد أحاط بكل شيء سواء أكان هذا الشيء جليلا أم حقيرا ، صغيرا أم كبيرا ...

وبعد : فهذا تفسير لسورة «الطلاق» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

الاسكندرية ـ العجمي : ٢٤ من شوال سنة ١٤٠٦ ه‍

٣٠ من يونيو سنة ١٩٨٦ م

كتبه الراجي عفو ربه

محمد سيد طنطاوى

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٤٣.

٤٦٢

تفسير

سورة التّحريم

٤٦٣
٤٦٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «التحريم» من السور المدنية الخالصة ، وتسمى ـ أيضا ـ بسورة (لِمَ تُحَرِّمُ) وبسورة «النبي» صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدد آياتها اثنتا عشرة آية.

٢ ـ وكان نزولها بعد سورة «الحجرات» وقبل سورة «الجمعة» فهي السورة الخامسة بعد المائة بالنسبة لترتيب نزول السور القرآنية ، أما ترتيبها في المصحف ، فهي السورة السادسة والستون.

٣ ـ والسورة الكريمة في مطلعها تحكى جانبا مما دار بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين بعض زوجاته فتعرض صفحة من حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته ، ومن عتاب الله ـ تعالى ـ له ومن فضله عليه ، ودفاعه عنه.

٤ ـ ثم وجهت نداء إلى المؤمنين أمرتهم فيه بأن يداوموا على العمل الصالح الذي ينجيهم من عذاب الله ـ تعالى ـ وحرضتهم على التسلح بالتوبة النصوح لأنها على رأس الأسباب التي تؤدى إلى تكفير سيئاتهم.

٥ ـ ثم ختمت السورة الكريمة بضرب مثلين أحدهما للذين آمنوا ، ويتمثل في امرأة فرعون وفي مريم ابنة عمران ، والآخر للذين كفروا ويتمثل في امرأة نوح وامرأة لوط ـ عليهما‌السلام ـ والغرض من ذلك العظة والاعتبار.

٤٦٥

التفسير

وقد افتتح ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٥)

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة ، منها ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ ـ والمغافير : صمغ حلو له رائحة كريهة ـ إنى أجد منك ريح مغافير.

فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه ، وقد حلفت ، فلا تخبري بذلك أحدا ، فنزلت هذه الآيات.

٤٦٦

وفي رواية أن التي شرب عندها العسل : حفصة بنت عمر ، وأن القائلة له ذلك : سودة بنت زمعة ، وصفية بنت حيي.

قالوا : والاشتباه في الاسم لا يضر ، بعد ثبوت أصل القصة.

وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) ... الآيات ....

وروى ابن جرير عن زيد بن أسلم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصاب أم إبراهيم مارية ، في بيت بعض نسائه ـ وفي رواية في بيت حفصة فقالت : يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها أى مارية ـ عليه حراما ، وحلف بهذا .. فأنزل الله هذه الآيات (١).

قال القرطبي ما ملخصه : «وأصح هذه الأقوال أولها .. والصحيح أن التحريم كان في العسل ، وأنه شربه عند زينب ، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك ، ونزلت الآية في الجميع» (٢).

وقال الإمام ابن كثير ـ بعد أن ساق عددا من الروايات في هذا الشأن : والصحيح أن ذلك كان في تحريمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم للعسل (٣).

وقال الآلوسى : قال النووي في شرح مسلم : الصحيح أن الآية في قصة العسل ، لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين ، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح.

والصواب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش .. (٤).

وقد افتتح ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بتوجيه النداء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ).

وفي توجيه النداء إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنبيه إلى أن ما سيذكر بعد النداء ، شيء مهم ، بالنسبة له ولسائر المسلمين.

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ..) للنفي المصحوب بالعتاب منه ـ سبحانه ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٧٧ وتفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨٥ ، وتفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٤٦.

(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٧٩.

(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨٧.

(٤) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٤٧.

٤٦٧

وجملة (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) حال من فاعل (تُحَرِّمُ) ، والعتاب واقع على مضمون هذه الجملة والتي قبلها ، وهي قوله (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ).

والمعنى : يا أيها الرسول الكريم ، لما ذا حرمت على نفسك ما أحله الله ـ تعالى ـ لك من شراب أو غيره؟ أفعلت ذلك من أجل إرضاء أزواجك؟.

إنه لا ينبغي لك أن تفعل ذلك ، لأن ما أباحه الله ـ تعالى ـ لك ، لا يصح أن تحرمه على نفسك أو أن تمتنع عن تعاطيه ، فتشق على نفسك من أجل إرضاء غيرك.

قال بعض العلماء : «ناداه بلفظ «النبي» إشعارا بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهى ، والمراد بتحريمه ما أحل له ، امتناعه منه ، وحظره إياه على نفسه.

وهذا المقدار مباح ، ليس في ارتكابه جناح ، وإنما قيل له (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) رفقا به ، وشفقة عليه ، وتنويها لقدره ولمنصبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يراعى مرضاة أزواجه بما يشق عليه ، جريا على ما ألف من لطف الله ـ تعالى ـ به ، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ..» (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما أصابه من وقع هذا اللوم ، ومن أثر هذا العتاب ، وإرشاد له صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن ما فعله داخل تحت مغفرة الله ـ تعالى ـ ورحمته.

أى : والله ـ تعالى ـ واسع المغفرة والرحمة وقد غفر لك ـ بفضله وكرمه ما فعلته بسبب بعض أزواجك ، وجعلك على رأس من تظلهم رحمته.

ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر رحمته فقال : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ).

وقوله (فَرَضَ) هنا بمعنى شرع ، والتحلة : مصدر بمعنى التحليل ، والمراد بها الكفارة ، وهي مصدر حلّل كالتكرمة مصدر كرم ، من الحل الذي هو ضد العقد.

أى : قد شرع الله ـ تعالى ـ لكم تحليل الأيمان التي عقدتموها ، عن طريق الكفارة ، لأن اليمين إذا كانت في أمر لا يحبه الله ـ تعالى ـ فالعدول عنها أولى وأفضل.

وفي الحديث الشريف يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير».

وقد اختلف العلماء في التحريم الذي كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكان بيمين أم لا.

__________________

(١) راجع تفسير القاسمى ج ١٦ ص ٥٨٥٢.

٤٦٨

وظاهر الآية يؤيد القول بالإيجاب لقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) لأن هذه الجملة الكريمة تشعر بأن هناك يمينا تحتاج إلى كفارة.

وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة أنه قال : «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحدا ...».

قال الآلوسى ما ملخصه : واختلفوا هل كفر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن يمينه هذه أولا؟

فعن الحسن أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وإنما هو تعليم للمؤمنين.

وعن مقاتل : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق رقبة ... ونقل مالك عن زيد بن أسلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى الكفارة (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) أى : وهو ـ سبحانه ـ سيدكم ومتولى أموركم وناصركم. وهو ـ تعالى ـ : (الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أى : العليم بجميع أحوالكم وشئونكم ، الحكيم في كل أقواله وأفعاله وتدبير شئون عباده.

والظرف في قوله ـ تعالى ـ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) متعلق بمحذوف تقديره اذكر ، وقوله : (أَسَرَّ) من الإسرار بالشيء بمعنى كتمانه وعدم إشاعته.

والمراد ببعض أزواجه : حفصة ـ رضى الله عنها ـ.

والمراد بالحديث قوله لها ـ كما جاء في بعض الروايات ـ : «بل شربت عسلا عند زينب ، ولن أعود ، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا ...».

أو قوله لها في شأن مارية : «إنى قد حرمتها على نفسي ، فاكتمي ذلك فأخبرت بذلك عائشة».

أى : واذكر ـ أيها العاقل لتعتبر وتتعظ ـ وقت أن أسر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى زوجه حفصة حديثا ، يتعلق بشربه العسل في بيت زينب بنت جحش ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحفصة لا تخبري بذلك أحدا».

(فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) أى : فلما أخبرت حفصة عائشة بهذا الحديث الذي أمرت بكتمانه (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) أى : وأطلع الله ـ تعالى ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما قالته حفصة لعائشة.

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٤٨.

٤٦٩

فالمراد بالإظهار : الاطلاع ، وهو مشتق من الظهور بمعنى التغلب.

وعبر بالإظهار عن الاطلاع ، لأن حفصة وعائشة كانتا حريصتين على عدم معرفة ما دار بينهما في هذا الشأن ، فلما أطلع الله ـ تعالى ـ نبيه على ذلك كانتا بمنزلة من غلبتا على أمرهما.

وقوله ـ سبحانه ـ : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) بيان للمسلك السامي الذي سلكه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في معاتبته لحفصة على إفشائها لما أمرها أن تكتمه والمفعول الأول لعرف محذوف أى : عرفها بعضه.

أى : فحين خاطب صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفصة في شأن الحديث الذي أفشته ، اكتفى بالإشارة إلى جانب منه ، ولم يذكر لها تفاصيل ما قاله لها سابقا. لسمو أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ في ذكر التفاصيل مزيد من الخجل والإحراج لها.

قال بعضهم : ما زال التغافل من فعل الكرام وما استقصى كريم قط وقال الشاعر :

ليس الغبي بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغابى

وإنما عرفها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببعض الحديث ، ليوقفها على خطئها وعلى أنه كان من الواجب عليها أن تحفظ سره صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قالوا : ولعل حفصة رضى الله عنها ـ قد فعلت ذلك ، ظنا منها أنه لا حرج في إخبار عائشة بذلك ، أو أنها اجتهدت فأخطأت ، ثم تابت وندمت على خطئها.

ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالته حفصة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما رد به عليها فقال : (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).

أى : فلما سمعت من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يدل على أنه قد اطلع على ما قالته لعائشة ، قالت له : من أخبرك بما دار بيني وبينها؟ فأجابها صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : أخبرنى بذلك الله ـ تعالى ـ العليم بجميع أحوال عباده وتصرفاتهم .. الخبير بما تكنه الصدور ، وبما يدور في النفوس من هواجس وخواطر.

وإنما قالت له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) لتتأكد من أن عائشة لم تخبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما دار بينهما في هذا الشأن ... فلما قال لها صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) تحقق ظنها في كتمان عائشة لما قالته لها ، وتيقنت أن الذي أخبره بذلك هو الله ـ عزوجل ـ.

وفي تذييل الآية الكريمة بقوله : (الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) إشارة حكيمة وتنبيه بليغ ، إلى أن من الواجب على كل عاقل ، أن يكون ملتزما لكتمان الأسرار التي يؤتمن عليها ، وأن إذاعتها ـ ولو في أضيق الحدود ـ لا تخفى على الله ـ عزوجل ـ لأنه ـ سبحانه ـ عليم بكل معلوم ،

٤٧٠

ومحيط بخبايا النفوس وخلجاتها.

ثم وجه ـ سبحانه ـ بعد ذلك خطابه إلى حفصة وعائشة ، فأمرهما بالتوبة عما صدر منهما.

فقال : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).

ولفظ (صَغَتْ) بمعنى مالت وانحرفت عن الواجب عليهما. يقال صغا فلان يصغو ويصغى صغوا ، إذا مال نحو شيء معين. ويقال : صغت : الشمس ، إذا مالت نحو الغروب ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ).

وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن تتوبا إلى الله ، فلتوبتكما موجب أو سبب ، فقد مالت قلوبكما عن الحق ، وانحرفت عما يجب عليكما نحو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كتمان لسره ، ومن حرص على راحته ، ومن احترام لكل تصرف من تصرفاته .. وجاء الخطاب لهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة في المعاتبة ، فإن المبالغ في ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة.

وقال ـ سبحانه ـ (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) بصيغة الجمع للقلوب ، ولم يقل قلبا كما بالتثنية ، لكراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع ظهور المراد ، وأمن اللبس.

ثم ساق ـ سبحانه ـ ما هو أشد في التحذير والتأديب فقال : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).

وقوله (تَظاهَرا) أصله تتظاهرا فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. والمراد بالتظاهر : التعاون والتآزر ، يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه على ما يريده ، وأصله من الظهر ، لأن من يعين غيره فكأنه يشد ظهره ، ويقوى أمره.

قال ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً ، وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً ، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) (١).

وجواب الشرط ـ أيضا ـ محذوف ـ أى : وإن تتعاونا عليه بما يزعجه ، ويغضبه ، من الإفراط في الغيرة ، وإفشاء سره. فلا يعدم ناصرا ولا معينا بل سيجد الناصر الذي ينصره عليكما ، فإن الله ـ تعالى ـ (هُوَ مَوْلاهُ) أى : ناصره ومعينه (وَجِبْرِيلُ) كذلك ناصره ومعينه عليكما.

(وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أى : وكذلك الصالحون من المؤمنين من أنصاره وأعوانه.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٣.

٤٧١

(وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) أى : والملائكة بعد نصر الله ـ تعالى ـ له ، وبعد نصر جبريل وصالح المؤمنين له ، مؤيدونه ومناصرونه وواقفون في صفه ضدكما.

وفي هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله ـ تعالى ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن غيرته ـ عزوجل ـ عليه ، ومن دفاعه عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه لا يكون من صالح المؤمنين.

وقوله : (وَجِبْرِيلُ) مبتدأ ، وقوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ) معطوف عليه.

وقوله : (بَعْدَ ذلِكَ) متعلق بقوله (ظَهِيرٌ) الذي هو خبر عن الجميع.

وقد جاء بلفظ المفرد ، لأن صيغة فعيل يستوي فيها الواحد وغيره. فكأنه ـ تعالى ـ قال : والجميع بعد ذلك مظاهرون له ، واختير الإفراد للإشعار بأنهم جميعا كالشىء الواحد في تأييده ونصرته ، وبأنهم يد واحدة على من يعاديه.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : (بَعْدَ ذلِكَ) تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله ـ تعالى ـ أعظم وأعظم؟

قلت : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله ، فكأنه فضل نصرته ـ تعالى ـ بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته ، لفضلهم ...» (١).

وخص جبريل بالذكر مع أنه من الملائكة ، للتنويه بمزيد فضله ، فهو أمين الوحى ، والمبلغ عن الله ـ تعالى ـ إلى رسله.

هذا ، ومما يدل على أن الخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) ، لحفصة وعائشة ، ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللتين قال الله ـ تعالى ـ فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).

فلما كان ببعض الطريق ... قلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللتان قال الله تعالى ـ فيهما : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).

فقال عمر : وا عجبا لك يا ابن عباس .. هما حفصة وعائشة (٢).

__________________

(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٦٧.

(٢) راجع الحديث بتمامه في تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨٨ فهو حديث ممتع وطويل.

٤٧٢

ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تكريمه لنبيه تكريما آخر ، وإلى تهديده لمن تسيء إليه من أزواجه تهديدا آخر فقال ـ تعالى ـ : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ).

قال الجمل ما ملخصه : سبب نزولها أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أشاعت حفصة ما أسرها به ، اغتم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحلف أن لا يدخل عليهن شهرا مؤاخذة لهن.

ولما بلغ عمر ـ رضى الله عنه ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اعتزل نساءه .. قال له يا رسول الله : لا يشق عليك أمر النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.

قال عمر : وقلما تكلمت بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولي الذي أقوله فنزلت هذه الآية.

فاستأذن عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخبر الناس أنه لم يطلق نساءه فأذن له فقام على باب المسجد ، ونادى بأعلى صوته : لم يطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه (١).

و (عَسى) كلمة تستعمل في الرجاء ، والمراد بها هنا التحقيق ، لأنها صادرة عن الله ـ عزوجل ـ.

قال الآلوسى : (عَسى) في كلامه ـ تعالى ـ للوجوب ، وأن الوجوب هنا إنما هو بعد تحقق الشرط وقيل : هي كذلك إلا هنا ، والشرط معترض بين اسم (عَسى) وخبرها.

والجواب محذوف. أى : إن طلقكن فعسى ... و (أَزْواجاً) مفعول ثان ليبدل و (خَيْراً) صفته (٢).

أى : عسى إن طلقكن رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإذن ربه ومشيئته ، أن يبدله ـ سبحانه ـ أزواجا خيرا منكن.

ثم وصف ـ سبحانه ـ هؤلاء الأزواج بقوله (مُسْلِماتٍ) منقادات ومطيعات لله ولرسوله ، ومتصفات بكل الصفات التي أمر بها الإسلام.

(مُؤْمِناتٍ) أى : مذعنات ومصدقات بقلوبهن لكل ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عند ربه.

(قانِتاتٍ) أى : قائمات بالطاعة لله ولرسوله على أكمل وجه.

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٦٧.

(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٥٥.

٤٧٣

(تائِباتٍ) أى : مقلعات عن الذنوب والمعاصي ، وإذا مسهن شيء منها ندمن وتبن إليه ـ تعالى ـ توبة صادقة نصوحا.

(عابِداتٍ) أى : مقبلات على عبادته ـ تعالى ـ إقبالا عظيما.

(سائِحاتٍ) أى : ذاهبات في طاعة الله أى مذهب ، من ساح الماء : إذا سال في أنحاء متعددة ، وقيل معناه : مهاجرات. وقيل : صائمات. تشبيها لهن بالسائح الذي لا يصحب معه الزاد غالبا فلا يزال ممسكا عن الطعام حتى يجده.

(ثَيِّباتٍ) جمع ثيب ـ بوزن سيد ـ وهي المرأة التي سبق لها الزواج ، من ثاب يثوب ثوبا ، إذا رجع ، وسميت المرأة التي سبق لها الزواج بذلك. لأنها ثابت إلى بيت أبويها بعد زواجها ، أو رجعت إلى زوج آخر غير زوجها الأول.

(وَأَبْكاراً) جمع بكر ، وهي الفتاة العذراء التي لم يسبق لها الزواج ، وسميت بذلك لأنها لا تزال على أول حالتها التي خلقت عليها.

وهذه الصفات جاءت منصوبة على أنها نعت لقوله (أَزْواجاً) أو حال.

ولم يعطف بعضها على بعض بالواو ، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن.

وعطف ـ سبحانه ـ (وَأَبْكاراً) على ما قبله لتنافى الوصفين ، إذ الثيبات لا يوصفن بالأبكار ، وكذلك الأبكار لا يوصفن بالثيبات ، ولا يجتمع الوصفان في ذات واحدة.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيرا منهن ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟

قلت : إذا طلقهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعصيانهن له ، وإيذائهن إياه ، لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنزول على هداه ورضاه خيرا منهن.

فإن قلت : لم أخليت الصفات كلها من العاطف ، ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت : لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن ، فلم يكن بد من الواو (١).

هذا ، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها ترسم جانبا من حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٦٧.

٤٧٤

أزواجه ، وهذا الجانب فيه ما فيه من العظات التي من أبرزها تكريم الله ـ تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإرشاده إلى ما هو أهدى وأقوم ، وسمو أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في معاملته لأهله ، وتحذير أزواجه من أن يتصرفن أى تصرف لا يرغب فيه ، ولا يميل إليه : وتعليم المؤمنين والمؤمنات ـ في كل زمان ومكان ـ كيف تكون العلاقة الطيبة بين الرجال والنساء.

* * *

ثم وجه ـ سبحانه ـ بعد ذلك نداءين إلى المؤمنين ، أمرهم في أولهما أن يؤدوا واجبهم نحو أنفسهم ونحو أهليهم ، حتى ينجو من عذاب النار ، وأمرهم في ثانيهما بالمداومة على التوبة الصادقة النصوح ، ووجه نداء إلى الكافرين بين لهم فيه سوء عاقبة كفرهم ، ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره فيه بأن يجاهد الكفار والمنافقين جهادا مصحوبا بالغلظة والخشونة .. فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٩)

٤٧٥

وقوله ـ تعالى ـ : (قُوا) أمر من الوقاية ، يقال : وقى يقي ، كضرب يضرب.

والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، أبعدوا أنفسكم عن النار عن طريق فعل الحسنات. واجتناب السيئات ، وأبعدوا أهليكم ـ أيضا ـ عنها ، عن طريق نصحهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف. ونهيهم عن المنكر.

قال القرطبي ، قال قتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم.

ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما نحل والد ولدا ، أفضل من أدب حسن».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع».

وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أوتر يقول : قومي فأوترى يا عائشة.

وذكر القشيري أن عمر ـ رضى الله عنه ـ لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله : نقى أنفسنا فكيف بأهلينا؟

فقال : «تنهونهم عما نهاكم الله عنه ، وتأمرونهم بما أمركم الله به» (١).

وجاء لفظ النار منكرا ، للتهويل. أى : نارا عظيمة لا يعلم مقدار حرها إلا الله ـ تعالى ـ.

وقوله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أى : هذه النار لا توقد كما يوقد غيرها بالحطب وما يشبهها ، وإنما مادة اشتعالها تتكون من الناس الذين كانوا في الدنيا يشركون مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة ، ومن الحجارة التي كانت تعبد من دونه ـ تعالى ـ.

ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تهويلها أمرا آخر وصفة أخرى فقال : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).

والغلاظ : جمع غليظ وهو المتصف بالضخامة والغلظة التي هي ضد الرقة.

وهذا اللفظ صفة مشبهة ، وفعله غلظ ككرم.

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٩٤.

٤٧٦

وشداد : جمع شديد ، وهو المتصف بالقوة والشدة ، يقال : فلان شديد على فلان ، أى : قوى عليه ، بحيث يستطيع أن ينزل به ما يريد من الأذى والعقاب.

أى : هذه النار من صفاتها ـ أيضا ـ أن الموكلين بإلقاء الكفار والفساق فيها ، ملائكة قساة في أخذهم أهل النار ، أقوياء عليهم ، بحيث لا يستطيع أهل النار أن يفلتوا منهم ، أو أن يعصوا لهم أمرا.

وهؤلاء الملائكة من صفاتهم كذلك أنهم لا يعصون لله ـ تعالى ـ أمرا. وإنما ينفذون ما يكلفهم ـ سبحانه ـ به تنفيذا تاما.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت أليس الجملتان ـ لا يعصون .. ويفعلون في معنى واحد؟

قلت : لا فإن معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به ، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.

ثم بين ـ سبحانه ـ ما تقوله الملائكة لأهل النار عند ما يعرضون عليها فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) والمراد باليوم ، يوم القيامة فأل فيه للعهد.

أى : تقول الملائكة لهم في هذا اليوم العسير على سبيل التبكيت والتوبيخ ـ لا تعتذروا ـ أيها الكافرون عن كفركم ، بأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أو بأن غيرنا أضلنا ، أو بأننا ما كنا مشركين ... فإن هذه الأعذار لن تنفعكم ، وأنتم في هذا اليوم إنما تعاقبون على كفركم في الدنيا ، وعلى إصراركم على ذلك حتى أدرككم الموت.

فالآية الكريمة توبيخ للكافرين ، وتيئيس لهم من قبول أعذارهم الكاذبة.

ثم يرشد ـ سبحانه ـ المؤمنين ، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ...).

والتوبة : العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها في الماضي ، والنصوح صيغة مبالغة من النصح ، وصفت بها التوبة على سبيل الإسناد المجازى ، والمقصود وصف التائبين بها ، من نصح فلان التوب إذا خاطه ، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية. أو من قولهم : عسل ناصح.

وقد ذكروا في معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجها.

قال القرطبي ما ملخصه : اختلفت عبارة العلماء ، وأرباب القلوب ، في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ، فقيل : هي التي لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة .. الخالصة.

٤٧٧

وقال القرطبي : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الإخوان.

وقال الفقهاء : التوبة التي لا تعلق لها بحق آدمي لها ثلاثة شروط : أحدها أن يقلع عن المعصية ، وثانيها : أن يندم على ما فعله ، وثالثها : أن يعزم على أن لا يعود إليها.

فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة كانت نصوحا.

وإن كانت تتعلق بحق آدمي ، فشروطها أربعة ، هذه الثلاثة المتقدمة ، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه ، أو طلب العفو منه ، وإن كانت غيبة استحله منها.

وهي واجبة من كل معصية على الفور ، ولا يجوز تأخيرها .. (١).

وقوله ـ سبحانه ـ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

والرجاء المستفاد من فعل (عَسى) مستعمل هنا في الوعد الصادق منه ـ تعالى ـ على سبيل الكرم والفضل ، فقد قالوا إن كل ترج في القرآن واقع منه ـ تعالى ـ فضلا منه وكرما.

أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، توبوا إلى الله ـ تعالى ـ «توبة صادقة» بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب ، وتعزمون على عدم العودة إليها ، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم .. فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله ـ تعالى ـ لكم ذنوبكم : وكفر عنكم سيئاتكم ، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار.

قال صاحب الكشاف : قوله : (عَسى رَبُّكُمْ) : إطماع من الله لعباده. وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل. ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت. والثاني : أن يجيء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء .. (٢).

والظرف في قوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) منصوب بقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (يُدْخِلَكُمْ) ، أو بفعل مضمر تقديره : اذكر.

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٩٤.

(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٧٠.

٤٧٨

وقوله : (لا يُخْزِي) من الخزي بمعنى الافتضاح : يقال أخزى الله فلانا إذا فضحه ، والمراد به هنا : عذاب النار.

وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) معطوف على النبي ، وجملة (نُورُهُمْ يَسْعى) مستأنفة.

أى : يدخلكم الله ـ بفضله وكرمه ـ (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يوم القيامة ، يوم ينجى ـ سبحانه ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينجى الذين آمنوا معه من عذاب النار ، ومن خزي هذا اليوم العصيب.

وهم جميعا وعلى رأسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نورهم وهم على الصراط ، يسعى ويمتد وينتشر (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).

أى أمامهم (وَبِأَيْمانِهِمْ) أى : وعن أيمانهم.

ويقولون ـ على سبيل الحمد والشكر لله ـ تعالى ـ يا ربنا (أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) بأن تزيده ولا تنقصه حتى ندخل جنتك.

(وَاغْفِرْ لَنا) يا ربنا ذنوبنا (إِنَّكَ) يا ربنا ، (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وفي عطف الذين آمنوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إشعار بأن سبب انتفاء خزيهم ، هو إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، وصحبتهم الكريمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والضمير في قوله (نُورُهُمْ) يعود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين آمنوا معه.

وخص ـ سبحانه ـ الأمام واليمين بالذكر ، لفضل هذين المكانين ، إذ النور عند ما يكون من الأمام يستمتع الإنسان بمشاهدته ، وعند ما يكون من جهة اليمين يزداد تفاؤلا وانشراحا به.

والتخصيص بذلك لا ينفى أن يكون النور محيطا بهم من كل جوانبهم ، وهو نور حقيقى يكرم الله ـ تعالى ـ به عباده الصالحين.

وختموا دعاءهم بقولهم ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) للإشارة إلى أنهم كانوا على جانب كبير من رجاء تحقيق دعائهم ، لأنهم يسألون ويدعون الله ـ تعالى ـ الذي لا يقف أمام قدرته شيء.

ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين جهادا كبيرا فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).

وخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأمر بالجهاد ، مع أن الأمر به يشمل المؤمنين معه ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو قائدهم ورائدهم.

٤٧٩

وجهاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم للكفار يكون بدعوتهم إلى الحق حتى يسلموا ، فإذا لم يستجيبوا جاهدهم بالسيف والسلاح حتى يزهق باطلهم.

وجهاده للمنافقين يكون بتأديبهم وزجرهم وإلقاء الرعب في قلوبهم ، حتى يأمن المؤمنون شرهم ، وحتى يشعروا بأن النبي والمؤمنين لهم بالمرصاد.

والغلظة في الأصل : تطلق على الشيء الصلب الغليظ ، والمراد بها هنا : معاملتهم بالشدة والخشونة والقسوة .. حتى يأمن المؤمنون جانبهم ، ويتقوا شرهم.

أى : يا أيها النبي الكريم جاهد أنت ومن معك من المؤمنين ، الكفار والمنافقين. وعاملهم جميعا بالخشونة والغلظة .. حتى يهابوك أنت ومن معك ، وحتى تكونوا في مأمن منهم ومن أذاهم إذ الحق لا بد له من قوة تحميه وتدفع عنه كيد أعدائه.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) بيان لسوء مصيرهم في الآخرة.

أى : أن هؤلاء الكافرين والمنافقين ، حالهم في الدنيا المجاهدة والمعاملة التي لا تسامح معها ولا تساهل ، حتى تكون كلمتهم السفلى ، وكلمة الله ـ تعالى ـ هي العليا.

أما حالهم في الآخرة ، فالإلقاء بهم في جهنم ، وبئس المأوى والمسكن جهنم ، فالمخصوص بالذم محذوف ، وهو جهنم ، أو المأوى.

وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أرشدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ، إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.

وبعد هذه النداءات ، للمؤمنين ، وللكافرين وللنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب ـ سبحانه ـ مثلين لنساء كافرات في بيوت أنبياء ، ولنساء مؤمنات في بيوت كفار ، لتزداد الموعظة وضوحا ، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وليشعر الجميع ـ ولا سيما أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم مسئولون أمام الله ـ تعالى ـ عن أعمالهم .. فقال ـ تعالى ـ :

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)

٤٨٠