التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0694-9
الصفحات: ٤٨٧

المهاجرين والأنصار ، أن يذكر السابقين ، وهم المهاجرون والأنصار بالدعاء والرحمة ، فمن لم يكن كذلك ، بل ذكرهم بسوء كان خارجا من جملة أقسام المؤمنين ، بحسب نص هذه الآية .. (١).

وبعد أن رسمت السورة الكريمة ، تلك الصورة الوضيئة للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .. بعد كل ذلك أخذت في رسم صورة أخرى ، متباينة تمام المباينة مع صورة هؤلاء الصادقين ، ألا وهي صورة المنافقين ، الذين انضموا إلى كل مناوئ للدعوة الإسلامية ، فقال ـ تعالى ـ :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ(١٦)

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢٩ ص ٢٨٩.

٣٠١

فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧)

قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا ...) حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين على اختلف طبقاتهم ، والخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب.

والآية ـ كما روى عن ابن عباس ـ نزلت في رهط من بنى عوف منهم عبد الله بن أبى بن سلول ... بعثوا إلى بنى النضير بما تضمنته الجمل المحكية ، بقوله ـ تعالى ـ : (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) (١).

والمراد بالأخوة في قوله ـ سبحانه ـ : (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) : أخوة في الكفر والفسوق والعصيان ...

والمعنى : ألم يصل إلى علمك ـ أيها الرسول الكريم ـ حال أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، وهم يقولون لإخوانهم في الكفر من أهل الكتاب ، وهم : يهود بنى النضير ، أثناء محاصرتكم ـ أيها المؤمنون ـ لهم.

يقولون لهم : «والله لئن أخرجتم» من دياركم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) أى : لنخرجن من ديارنا معكم ، لنكون مصاحبين لكم حيثما سرتم.

ويقولون لهم : ـ أيضا ـ (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ...) أى : ولا نطيع في شأنكم أحدا أبدا ، يريد العدوان عليكم ، أو يريد منعنا من الخروج معكم ومؤازرتكم ..

ويقولون لهم ـ كذلك ـ : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) أى : وإن قاتلكم المسلمون ، لنقفن إلى جواركم ، ولنقدمن العون الذي يؤدى إلى نصركم.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) رد عليهم ، وإبطال لمزاعمهم.

أى : والله ـ تعالى ـ يشهد بأن هؤلاء المنافقين لكاذبون في أقوالهم ، وفي عهودهم ..

ثم أبطل ـ سبحانه ـ أقوالهم بصورة أكثر تفصيلا فقال : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٥٦.

٣٠٢

أى : والله لئن أخرج المؤمنون اليهود من ديارهم ، فإن هؤلاء المنافقين لا يخرجون معهم ، ولئن قاتل المؤمنون اليهود ، فإن المنافقين لن ينصروا اليهود ، ولئن نصروهم ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ ليولين المنافقون الأدبار فرارا منكم ـ أيها المؤمنون ـ ، ثم لا ينصرون بعد ذلك ، لا هم ولا من قاموا بنصرهم ، لأن الفريقين اجتمعوا على الباطل واتحدت قلوبهم في الجبن والخور والحرص على الحياة ..

فأنت ترى أن هاتين الآيتين الكريمتين ، قد وصفتا المنافقين ، بالكفر والعصيان. وبالتحالف مع كل محارب للدعوة الإسلامية ، وبنقض العهود ، وخلف الوعود ، وبالجبن الخالع ، والكذب الواضح ...

وقد تحقق ما أخبرت عنه الآيتان عن هؤلاء المنافقين. فإن يهود بنى النضير عند ما جد الجد ، وحالت ساعة رحيلهم .. أرسلوا إلى المنافقين يطلبون عونهم ، فما كان من المنافقين إلا أن خذلوهم ، وتحللوا من وعودهم لهم ..

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ ..) يعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم؟ قلت : معناه ، ولئن نصروهم على سبيل الفرض والتقدير .. كقوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وكما يعلم ـ سبحانه ـ ما يكون فهو يعلم ما لا يكون.

والمعنى : ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك. أى يهلكهم الله ـ تعالى ـ ولا ينفعهم نفاقهم ، لظهور كفرهم ، أو لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصر المنافقين لهم.

وفيه دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب .. (١).

وبعد أن بشر الله ـ تعالى ـ المؤمنين بهزيمة أعدائهم أمامهم ، أتبع ذلك ببشارة أخرى ، وهي أن هؤلاء المنافقين وإخوانهم في الكفر ، يخشون المؤمنين خشية شديدة ، فقال ـ سبحانه ـ : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ...).

والرهبة : مصدر رهب ، بمعنى خاف ، يقال : رهب فلان فلانا ، إذا خافه خوفا شديدا من داخل نفسه ..

أى : لأنتم ـ أيها المؤمنون ـ أشد خوفا في نفوس هؤلاء المنافقين واليهود ، من ربهم الذي خلقهم وأوجدهم.

__________________

(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨.

٣٠٣

وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) تعليل لسبب جبنهم وخوفهم ، واسم الإشارة يعود إلى كون المؤمنين أشد رهبة في صدور المنافقين واليهود من الله ـ تعالى ـ.

أى : أنتم أشد رهبة في قلوبهم من الله ـ تعالى ـ : بسبب أنهم قوم لا يفقهون الحق ، ولا يعلمون شيئا عن عظمة الله ـ سبحانه ـ وجلاله وقدرته ..

والمقصود من هذه الآية الكريمة ، تهوين أمر هؤلاء الأعداء في نفوس المؤمنين وبيان أن هؤلاء الأعداء قد بلغ الجبن والخور فيهم مبلغا كبيرا ، لدرجة أن خشيتهم لكم ، أشد من خشيتهم لله ـ تعالى ـ.

والتعبير بالرهبة للإشعار بأنها رهبة خفية لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ وأن هؤلاء المنافقين واليهود ، مهما تظاهروا أمام المؤمنين بالبأس والقوة. فهم في قرارة نفوسهم يخافون المؤمنين خوفا شديدا ...

قال صاحب الكشاف : رهبة مصدر رهب المبنى للمفعول ، كأنه قيل أشد مرهوبية.

وقوله : (فِي صُدُورِهِمْ) دلالة على نفاقهم. يعنى : أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله ، وأنتم أهيب في صدورهم من الله ـ تعالى ـ.

فإن قلت : كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى تكون رهبتهم منهم أشد؟.

قلت : معناه أن رهبتهم في السر منكم ، أشد من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم. وكانوا يظهرون لهم رهبة شديدة من الله ... (١).

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد قررت حقيقة راسخة في نفوس المنافقين وأشباههم ، وإن كانوا يحاولون إخفاءها وسترها ، وهي أن خشيتهم من الناس أشد من خشيتهم من الله ـ تعالى ـ.

ثم يقرر ـ سبحانه ـ حقيقة أخرى ، أيدتها التجارب والمشاهد الواقعية ، فقال ـ تعالى ـ : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ...).

والآية الكريمة بدل اشتمال من التي قبلها ، لأن شدة الخوف من المؤمنين جعلت اليهود وحلفاءهم ، لا يقاتلون المسلمين ، إلا من وراء الخنادق والحصون ..

والجدر : جمع جدار ، وهو بناء مرتفع يحتمي به من يقاتل من خلفه. و (جَمِيعاً) بمعنى مجتمعين كلهم ..

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٥.

٣٠٤

أى : أن هؤلاء اليهود وحلفاءهم من المنافقين ، لا يقاتلونكم مجتمعين كلهم في موطن من المواطن إلا في قرى محصنة بالخنادق وغيرها ، أو يقاتلونكم من وراء الجدران التي يتسترون بها ، لأنهم يعجزون عن مبارزتكم ، وعن مواجهتكم وجها لوجه ، لفرط رهبتهم منكم ..

قال ابن كثير : يعنى أنهم في جبنهم وهلعهم ، لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام ، بالمبارزة والمقاتلة ، بل إما في حصون ، أو من وراء جدر محاصرين ، فيقاتلونكم للدفع عنهم ضرورة ... (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) جملة مستأنفة ، كأن قائلا قال : ولما ذا لا يقاتلون المؤمنين إلا على هذه الصورة؟ فكان الجواب : بأسهم بينهم شديد. أى : عداوتهم فيما بينهم عداوة شديدة ، بحيث لا يتفقون على رأى ، وقوتهم يستعملونها فيما بينهم استعمالا واسعا ، فإذا ما التقوا بكم تحولت هذه القوة إلى جبن وهلع ..

قال صاحب الكشاف : يعنى أن البأس الشديد الذي يوصفون به ، إنما هو فيما بينهم إذا اقتتلوا ، ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة ، لأن الشجاع يجبن والعزيز يذل ، عند محاربة الله ورسوله .. (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) استئناف آخر للإجابة عما يقال : من أنه كيف تكون عداوتهم فيما بينهم شديدة ، ونحن نراهم متفقين؟.

فكان الجواب : ليس الأمر كما يظهر من حالهم من أن بينهم تضامنا وترابطا .. بل الحق أنهم متدابرون مختلفون متباغضون .. وإن كانت ظواهرهم تدل على خلاف ذلك ..

أى : تحسبهم أيها الناظر إليهم مؤتلفين .. والحال أن قلوبهم متفرقة ، ومنازعهم مختلفة وبواطنهم تباين ظواهرهم .. وما دام الأمر كذلك فلا تبالوا بهم ـ أيها المؤمنون ـ ، بل أغلظوا عليهم ، وجاهدوهم بكل قوة وجسارة ..

واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) يعود إلى ما سبق ذكره ، من شدة عداوتهم فيما بينهم ، ومن مخالفة بواطنهم لظواهرهم.

أى : ذلك الذي ذكرناه لكم من شدة بأسهم فيما بينهم ، ومن مخالفة بواطنهم لظواهرهم ، سببه أنهم قوم لا يعقلون الحق والهدى والرشاد .. وإنما هم ينساقون وراء أهوائهم بدافع من الأحقاد والمطامع والشهوات ، بدون إدراك لعواقب الأمور ، أو للفهم الصحيح ..

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٤٠.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٥.

٣٠٥

ثم ساق ـ سبحانه ـ مثلين زيادة في تثبيت المؤمنين ، وفي التهوين من شأن أعدائهم فقال ـ تعالى ـ : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

وقوله : (كَمَثَلِ ...) خبر لمبتدأ محذوف. والمراد بالذين من قبلهم : يهود بنى قينقاع ، وكفار قريش الذين حل بهم ما حل من هزائم في غزوة بدر.

والوبال : المرعى الضار الذي ترعاه الماشية ، دون أن تدرك سوء عاقبته.

أى : مثل هؤلاء اليهود والمنافقين ، وحالهم العجيبة .. كمثل الذين من قبلهم ، وهم يهود بنى قينقاع ، الذين أخرجوا من المدينة بسبب غدرهم ، وكان خروجهم قبل خروج بنى النضير بزمن ليس بالطويل ، وكمثل مشركي قريش الذين حلت بهم الهزيمة في غزوة بدر ، فإن هؤلاء وهؤلاء قد ذاقوا في الدنيا سوء عاقبة كفرهم بدون إمهال ..

أما في الآخرة فلهم عذاب شديد الألم والإهانة.

ووجه الشبه بين السابقين واللاحقين ، أن الجميع قد اغتروا بمالهم وقوتهم ، فتطاولوا على المؤمنين ، ونقضوا عهودهم معهم .. فكانت عاقبتهم جميعا أن أذلهم الله ـ تعالى ـ في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ..

وأما المثل الثاني فيتجلى في قوله ـ تعالى ـ : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ..).

أى : مثل المنافقين في تزيينهم الشر والفساد ليهود بنى النضير .. كمثل الشيطان إذ قال للإنسان في الدنيا اكفر بالله ـ تعالى ـ فلما كفر ذلك الإنسان ومات على الكفر ، وبعث يوم القيامة ، ووجد مصيره السيئ .. ندم وألقى التبعة على الشيطان الذي قال له : إنى برىء منك ومن كفرك ، إنى أخاف الله رب العالمين ، ووجه الشبه : أن المنافقين تبرأوا من معاونتهم ومن مناصرتهم .. عند ما حانت ساعة الجد ... كما يتبرأ الشيطان من كفر الكافر يوم القيامة.

ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ..) (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ..) من تمام المثل الذي ضربه الله ـ تعالى ـ للمنافقين واليهود ...

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية ٢٢.

٣٠٦

أى : فكان عاقبة ذلك الشيطان وذلك الإنسان ، أنهما في النار ، حالة كونهما خالدين فيها خلودا أبديا ، وكذلك حال المنافقين واليهود ...

(وَذلِكَ) الخلود في النار (جَزاءُ الظَّالِمِينَ) الذين تجاوزوا حدود الله ـ تعالى ـ وحاربوا أولياءه ـ سبحانه ـ.

والمراد بالشيطان والإنسان جنسهما ، وقد ذكر بعضهم هنا قصصا تدل على أن المراد بالإنسان شخص معين ، وقد أضربنا عنها صفحا لضعفها .. (١).

وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت المنافقين واليهود ذما شنيعا ، وأضعفت من شأنهم ، وساقت لهم من الأمثلة ما يجعل المؤمنين يستخفون بهم ، ويجاهدونهم بغلظة وشدة.

ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بتقواه وبتقديم العمل الصالح الذي ينفعهم يوم يلقونه ، ونهاهم عن التشبه بالقوم الفاسقين .. فقال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)

والمراد بالغد في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...) يوم القيامة ..

أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان (اتَّقُوا اللهَ) أى صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله ـ تعالى ـ ، وراقبوه في السر والعلن. وقفوا عند حدوده فلا تتجاوزوها.

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٤١ ، وتفسير القرطبي ج ١٨ ص ٣٨.

٣٠٧

(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أى : ولتنظر كل نفس ، ولتتأمل في الأعمال التي عملتها في الدنيا. والتي ستحاسب عليها في يوم القيامة ، فإن كانت خيرا ازدادت منها ، وإن كانت غير ذلك أقلعت عنها.

وعبر ـ سبحانه ـ عن يوم القيامة بالغد ، للإشعار بقربه ، وأنه آت لا ريب فيه ، كما يأتى اليوم الذي يلي يومك. والعرب تخبر عن المستقبل القريب بالغد كما في قول الشاعر :

فإن يك صدر هذا اليوم ولى

فإن غدا لناظره قريب

وقال ـ سبحانه ـ : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) لإفادة العموم ، أى : كل نفس عليها أن تنظر نظرة محاسبة ومراجعة في أعمالها بحيث لا تقدم إلا على ما كان صالحا منها.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنكير النفس والغد؟ قلت : أما تنكير النفس فاستقلالا للأنفس النواظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة في ذلك ، وأما تنكير الغد ، فلتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : لغد لا يعرف كنهه لعظمه.

وعن مالك بن دينار : مكتوب على باب الجنة : وجدنا ما عملنا ، وربحنا ما قدمنا ، وخسرنا ما خلفنا ... (١).

وكرر ـ سبحانه ـ الأمر بالتقوى فقال : و (اتَّقُوا اللهَ) للتأكيد. أى : اتقوا الله بأن تؤدوا ما كلفكم به من واجبات ، وبأن تجتنبوا ما نهاكم عنه من سيئات.

وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) تعليل للحض على التقوى أى : اتقوه في كل ما تأتون وما تذرون ، لأنه ـ تعالى ـ لا تخفى عليه خافية من أعمالكم ، بل هو ـ سبحانه ـ محيط بها إحاطة تامة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون يوم القيامة.

وقد جاء الأمر بتقوى الله ـ تعالى ـ في عشرات الآيات من القرآن الكريم ، لأن تقوى الله ـ تعالى ـ هي جماع كل خير ، وملاك كل بر ، ومن الأدلة على ذلك. أننا نرى القرآن يبين لنا أن تقوى الله قد أمر بها كل نبي قومه ، قال ـ تعالى ـ : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ...).

وتارة نجد القرآن الكريم يبين لنا الآثار الطيبة التي تترتب على تقوى الله في الدنيا والآخرة ، فيقول : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٠٨.

٣٠٨

ويقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

ويقول ـ سبحانه ـ : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).

ويقول ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).

وبعد هذا الأمر المؤكد بالتقوى ، جاء النهى عن التشبه بمن خلت قلوبهم من التقوى ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ...).

أى : تمسكوا ـ أيها المؤمنون ـ بتقوى الله ـ تعالى ـ ومراقبته والبعد عن كل مالا يرضيه. واحذروا أن تكونوا كأولئك الذين تركوا التكاليف التي كلفهم الله ـ تعالى ـ بها ، فتركهم ـ سبحانه ـ إلى أنفسهم ، بأن جعلهم ناسين لها ، فلم يسعوا إلى ما ينفعها ، بل سعوا فيما يضرها ويرديها.

فالمراد بالنسيان هنا : الترك والإهمال ، والكلام على حذف مضاف. أى : نسوا حقوق الله ـ تعالى ـ وما أوجب عليهم من تكاليف.

والفاء في قوله : (فَأَنْساهُمْ) للسببية ، أى : أن نسيانهم لما يجب عليهم نحو أنفسهم من تهذيب وتأديب .. كان سببه نسيانهم لما يجب عليهم نحو خالقهم من طاعته وخشيته.

ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيرهم فقال : (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أى : أولئك الذين تركوا ما يجب عليهم نحو خالقهم ونحو أنفسهم ، هم الفاسقون عن أمره ، الخارجون على شريعته ودينه ، الخالدون يوم القيامة في العذاب المهين.

ثم حذر ـ سبحانه ـ المؤمنين من نسيان طاعته ، وخشيته بأسلوب آخر فقال : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ ...).

أى : لا يستوي في حكم الله ـ تعالى ـ وفي جزائه (أَصْحابُ النَّارِ) الذين استحقوا الخلود فيها (وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) الذين ظفروا برضوانه ـ تعالى ـ بسبب إيمانهم وعملهم الصالح ..

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) بالسعادة التي ليس بعدها سعادة ، وبالنعيم الذي لا يقاربه نعيم.

وقال ـ سبحانه ـ : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ...) بدون بيان مالا يستويان فيه ، للإشعار بالبون الشاسع بين الفريقين ، في سلوكهم وفي أعمالهم ، وفي تفكيرهم ، وفي نظرتهم إلى الحياة ، وفي العاقبة التي ينتهى إليها كل فريق ...

قال صاحب الكشاف : هذا تنبيه للناس ، وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم ، وقلة فكرهم في العاقبة ، وتهالكهم على إيثار العاجلة ، واتباع الشهوات : كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة

٣٠٩

والنار ، والبون العظيم بين أصحابهما ، وأن الفوز مع أصحاب الجنة ، فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليه ، كما تقول لمن يعق أباه ، هو أبوك ، تجعله بمنزلة من لا يعرفه ، فتنبهه بذلك على حق الأبوة ، الذي يقتضى البر والتعطف .. (١).

ومن الآيات الكثيرة التي تشبه هذه الآية في معناها ، قوله ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٢).

ثم نوه ـ سبحانه ـ بشأن القرآن الكريم ، المشتمل على ألوان من الهدايات والمواعظ ، والآداب والأحكام ، التي في اتباعها سعادة الناس وفوزهم فقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ...).

والمراد بالجبل : حقيقته والكلام على سبيل الفرض والتقدير ، واختير الجبل ، لأنه أشد الأشياء صلابة ، وقلة تأثر بما ينزل به.

أى : لو أنزلنا ـ على سبل الفرض والتقدير ـ هذا القرآن العظيم الشأن على جبل من الجبال العالية الشامخة الصلبة وخاطبناه به .. لرأيت ـ أيها العاقل ـ هذا الجبل الذي هو مثال في الشدة والغلظة والضخامة وعدم التأثر. لرأيته (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).

أى : لرأيته متذللا متشققا من شدة خوفه من الله ـ تعالى ـ ومن خشيته.

قال الآلوسى : وهذا تمثيل لعلو شأن القرآن ، وقوة تأثيره ، والغرض ـ من هذه الآية ـ توبيخ الإنسان على قسوة قلبه ، وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن الكريم ، وتدبر ما فيه من القوارع ، وهو الذي لو أنزل على جبل ـ وقد ركب فيه العقل ـ لخشع وتصدع.

ويشير إلى كونه تمثيلا ، قوله ـ تعالى ـ : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٣).

أى : وتلك الأمثال الباهرة التي اشتمل عليها هذا القرآن العظيم ، نضربها ونسوقها للناس ، لكي يتفكروا فيها ، ويعملوا بما تقتضيه من توجيهات حكيمة ومن مواعظ سديدة ، ومن إرشادات نافعة.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بالثناء على ذاته ـ تعالى ـ وببيان بعض أسمائه الحسنى فقال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٠٨.

(٢) سورة غافر الآية ٥٨.

(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٦٢.

٣١٠

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٤)

قال الجمل : لما وصف ـ تعالى ـ القرآن بالعظم ، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف ، أتبع ذلك بوصف عظمته ـ تعالى ـ فقال : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أى : هو الله الذي وجوده من ذاته ، فلا عدم له بوجه من الوجوه ، فلا شيء يستحق الوصف بهذا غيره ، لأنه هو الموجود أزلا وأبدا ، فهو حاضر في كل ضمير ، غائب بعظمته عن كل حس ، فلذلك تصدع الجبل من خشيته.

أى : هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة والألوهية إلا له ، الذي لا إله إلا هو ، فإنه لا مجانس له ، ولا يليق ولا يصح ، ولا يتصور ، أن يكافئه أو يدانيه شيء ... (١).

وقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أى : هو ـ سبحانه ـ العليم علما تاما بما غاب عن أذهان الخلائق وعقولهم ، وبما هو حاضر ومشاهد أمام أعينهم.

فالمراد بالغيب : كل ما غاب عن إحساس الناس وعن مداركهم ..

والمراد بالشهادة : ما يشاهدونه بعيونهم ، ويدركونه بعقولهم ..

والتعريف فيهما للاستغراق الحقيقي ، لأن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء في هذا الكون.

وقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) أى : هو العظيم الرحمة الدائمة ، لأن لفظ

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٢١.

٣١١

(الرَّحْمنُ) صيغة مبالغة لكثرة الشيء وعظمته ، ولفظ (الرَّحِيمُ) صيغة تدل على الدوام والاستمرار.

وقوله ـ سبحانه ـ : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...) تأكيد لأمر التوحيد لأن مقام التعظيم يقتضى ذلك.

ثم عدد ـ سبحانه ـ بعد ذلك بعض أسمائه الحسنى ، وصفاته الجليلة فقال : (الْمَلِكُ) أى : المالك لجميع الأشياء ، والحاكم على جميع المخلوقات والمتصرف فيها تصرف المالك في ملكه.

(الْقُدُّوسُ) أى : المنزه عن كل نقص ، البالغ أقصى ما يتصوره العقل في الطهارة وفي البعد عن النقائص والعيوب ، وعن كل ما لا يليق.

من القدس بمعنى الطهارة ، والقدس ـ بفتح الدال ـ اسم للإناء الذي يتطهر به ومنه القادوس.

وجاء لفظ القدوس بعد لفظ الملك ، للإشعار بأنه ـ تعالى ـ وإن كان مالكا لكل شيء ، إلا أنه لا يتصرف فيما يملكه تصرف الملوك المغرورين الظالمين ، وإنما يتصرف في خلقه تصرفا منزها عن كل ظلم ونقص وعيب ..

(السَّلامُ) أى : ذو السلامة من كل ما لا يليق ، أو ذو السلام على عباده في الجنة ، كما قال ـ تعالى ـ : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ).

(الْمُؤْمِنُ) أى : الذي وهب لعباده نعمة الأمان والاطمئنان ، والذي صدق رسله بأن أظهر على أيديهم المعجزات التي تدل على أنهم صادقون فيما يبلغونه عنه.

(الْمُهَيْمِنُ) أى : الرقيب على عباده ، الحافظ لأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، من الأمن ، ثم قلبت همزته هاء ، وقيل أصله هيمن بمعنى رقب ، فهاؤه أصلية.

(الْعَزِيزُ) أى : الذي يغلب غيره ، ولا يتجاسر على مقامه أحد ..

(الْجَبَّارُ) أى : العظيم القدرة ، القاهر فوق عباده.

قال القرطبي : قال ابن عباس : الجبار : هو العظيم. وجبروت الله عظمته. وهو على هذا القول صفة ذات ، من قولهم : نخلة جبارة ..

وقيل هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت العظم فجبر ، إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو فعال من جبر ، إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير .. (١).

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٤٦.

٣١٢

(الْمُتَكَبِّرُ) أى : الشديد الكبرياء ، والعظمة والجلالة. والتنزه عما لا يليق بذاته. وهاتان الصفتان ـ الجبار المتكبر ـ صفتا مدح بالنسبة لله ـ تعالى ـ ، وصفتا ذم بالنسبة لغيره ـ تعالى ـ ، وفي الحديث الصحيح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال فيما يرويه عن ربه : «الكبرياء ردائي. والعظمة إزارى. فمن نازعنى في واحد منهما قصمته. ثم قذفته في النار».

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أى : تنزه ـ سبحانه وتقدس عن إشراك المشركين. وكفر الكافرين.

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ) لكل شيء الموجد لهذا الكون على مقتضى حكمته ..

(الْبارِئُ) أى : المبدع المخترع للأشياء. والمبرز لها من العدم إلى الوجود.

(الْمُصَوِّرُ) أى : المصور للأشياء والمركب لها ، على هيئات مختلفة ، وأنواع شتى من التصوير ، وهو التخطيط والتشكيل ..

(لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) والحسنى تأنيث الأحسن. أى : له الأسماء التي هي أحسن الأسماء لدلالتها على أفضل المعاني. من تحميد. وتقديس. وقدرة. وسمع .. وغير ذلك من الأسماء الكريمة ، والصفات الجليلة.

(يُسَبِّحُ لَهُ) ـ تعالى ـ وينزهه عن كل سوء (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من مخلوقات ..

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أى : وهو ـ عزوجل ـ الغالب لغيره. الحكيم في كل تصرفاته.

قال الإمام ابن كثير : وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن لله تسعة وتسعين اسما ـ مائة إلا واحدا ـ من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر ..

ثم ذكر ـ رحمه‌الله ـ هذه الأسماء نقلا عن سنن الترمذي فقال : هو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلى ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوى ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصى ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواحد ، الماجد ، الواجد ، الصمد ، القادر ،

٣١٣

المقتدر ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغنى ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد الصبور.

ثم قال الإمام ابن كثير : وسياق ابن ماجة ـ لهذا الحديث ـ بزيادة ونقصان ، وتقديم وتأخير .. والذي عول عليه جماعة من الحفاظ ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه ـ أى : ذكر الراوي في الحديث كلاما لنفسه أو لغيره من غير فصل بين ألفاظ الحديث وألفاظ الراوي ـ وأن أهل العلم جمعوا هذه الأسماء من القرآن الكريم.

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين ، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إنى عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فىّ حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أعلمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري. وجلاء حزنى ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرجا».

فقيل يا رسول الله ، أفلا نتعلمها؟ فقال : «بلى ، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها» وذكر أبو بكر بن العربي أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة ألف اسم لله ـ تعالى ـ (١).

وبعد : فهذا تفسير لسورة «الحشر» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة ـ مساء الخميس ٢٢ من شعبان ١٤٠٦ ه‍

١ / ٥ / ١٩٨٦ م

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥١٥ وج ٨ ص ١٠٦.

٣١٤

تفسير

سورة الممتحنة

٣١٥
٣١٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الممتحنة» هي السورة الستون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الأحزاب ، وقبل سورة النساء ، وهي من السور المدنية الخالصة ، وعدد آياتها ثلاث عشرة آية.

واشتهرت بهذا الاسم منذ العهد النبوي ، إلا أن منهم من يقرؤها بفتح الحاء ، على أنها صفة للمرأة التي نزلت فيها ، ومنهم من يقرؤها بكسر الحاء على أنها صفة للسورة.

قال القرطبي : الممتحنة ـ بكسر الحاء ـ أى : المختبرة ، أضيف الفعل إليها محازا ، كما سميت سورة براءة بالفاضحة ، لما كشفت من رذائل المنافقين ، ومن قال في هذه السورة الممتحنة ـ بفتح الحاء ـ فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها. وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط. قال الله ـ تعالى ـ : (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن (١).

وقال صاحب الإتقان : وتسمى «سورة الامتحان» و «سورة المودة».

٢ ـ وقد افتتحت هذه السورة بتوجيه نداء إلى المؤمنين ، نهتهم فيه عن اتخاذ أعداء الله وأعدائهم أولياء ، وبينت لهم ما جبل عليه هؤلاء الأعداء من كراهية للحق ، كما بينت لهم سوء عاقبة من يوالى هؤلاء الأعداء.

قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ، يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ، إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي. وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ ، وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).

٣ ـ ثم انتقلت السورة الكريمة إلى دعوتهم إلى الاقتداء بأبيهم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ الذي قطع صلته بأقرب الناس إليه ، عند ما رآه مصرا على كفره ، وأعلن أنه عدو لكل من أشرك مع الله ـ تعالى ـ في العبادة آلهة أخرى.

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٤٩.

٣١٧

قال ـ تعالى ـ : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، كَفَرْنا بِكُمْ ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ، وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ، رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

٤ ـ ثم بشر ـ سبحانه ـ المؤمنين ، بأنه ـ بفضله وكرمه ـ سيجمع شملهم بأقاربهم الذين تشددوا في عداوتهم ، بأن يهدى هؤلاء الأقارب إلى الحق ، فيتصل حبل المودة بينهم جميعا ، ببركة اجتماعهم تحت كلمة الإسلام ، فقال ـ تعالى ـ : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، وَاللهُ قَدِيرٌ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٥ ـ وبعد أن رخص للمؤمنين في مودة الكفار الذين لم يقاتلوهم ولم يلحقوا بهم أذى .. ونهاهم عن مودة الكفار الذين قاتلوهم وآذوهم .. بعد كل ذلك وجه ـ سبحانه ـ نداء ثانيا إلى المؤمنين بين لهم حكم النساء اللائي أتين مؤمنات إليهم ، بعد أن تركن أزواجهن الكفار ، وفصل ـ سبحانه ـ هذه الأحكام حرصا على النساء المؤمنات.

فقال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ، اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ).

٦ ـ ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبايع النساء المؤمنات على ما بايع عليه الرجال ، وأن يأخذ عليهن العهود على الطاعة لله ـ تعالى ـ والبعد عن محارمه.

قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً ، وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ، وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ، فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٧ ـ ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بتوجيه نداء ثالث إلى المؤمنين نهاهم فيه مرة أخرى عن موالاة أعداء الله وأعدائهم .. فقال ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ).

٨ ـ هذا والمتأمل في هذه السورة الكريمة ، يراها قد ساقت للمؤمنين ألوانا من التربية التي تغرس العقيدة السليمة في قلوبهم ، وتجعلهم يضحون من أجلها بكل شيء ، ويقدمونها في تصرفاتهم على محبة الآباء والأبناء والعشيرة والأموال ، وتكشف لهم عن سوء نيات الكافرين نحوهم ، وعن حرصهم على إنزال الضرر بهم ، كما ضربت لهم الأمثال بإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ لكي يقتدوا به في قوة إيمانه ، وفي إخلاصه لدينه ، كما بينت لهم من يجوز لهم مودتهم

٣١٨

من الكافرين ، ومن لا يجوز لهم ذلك منهم .. ثم ختمت ببيان بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء المؤمنات المتزوجات من الكافرين ، وبالنساء اللائي جئن إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكي يبايعنه على الإيمان والطاعة.

وسنفصل القول في هذه الأحكام خلال تفسيرنا لهذه السورة الكريمة ،.

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يلهمنا الرشد ، وأن يجنبنا الزلل.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

د. محمد سيد طنطاوى

القاهرة ـ مدينة نصر

٣ من شعبان سنة ١٤٠٦ ه‍

٢ / ٥ / ١٩٨٦ م

٣١٩

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣)

افتتحت سورة «الممتحنة» بهذا النداء للمؤمنين ، وقد تضمن هذا النداء نهيهم عن موالاة أعداء الله وأعدائهم.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما ذكره الإمام الآلوسى فقال : نزلت في حاطب بن أبى بلتعة .. فقد أخرج الإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، وجماعة عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ـ وهو مكان بين مكة والمدينة ـ فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها فأتونى به فخرجنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجى الكتاب. فقالت : ما معى

٣٢٠