التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0694-9
الصفحات: ٤٨٧

والمراد باليوم هنا : مطلق الوقت مهما قل زمنه ، والشأن : الأمر العظيم ، والحدث الهام ..

أى : أنه ـ سبحانه ـ يسأله من في السموات والأرض ، سؤال المحتاج إلى رزقه ، وفضله ، وستره ، وعافيته .. وهو ـ عزوجل ـ في كل وقت من الأوقات ، وفي كل لحظة من اللحظات ، في شأن عظيم. وأمر جليل ، حيث يحدث ما يحدث من أحوال في هذا الكون ، فيحيى ويميت ، ويعز ويذل ، ويغنى ويفقر ، ويشفى ويمرض .. دون أن يشغله شأن عن شأن ..

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أى : كل وقت من الأوقات ، هو في شأن من الشئون ، التي من جملتها إعطاء ما سألوا. فإنه ـ تعالى ـ لا يزال ينشئ أشخاصا ، ويفنى آخرين ، ويأتى بأحوال ، ويذهب بأحوال ، حسبما تقتضيه إرادته المبنية على الحكم البالغة ..

أخرج البخاري في تاريخه ، وابن ماجة ، وجماعة عن أبى الدرداء ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في هذه الآية : «من شأنه : أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويخفض آخرين».

وسأل بعضهم أحد الحكماء ، عن كيفية الجمع بين هذه الآية ، وبين ما صح من أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فقال : «شئون يبديها لا شئون يبتديها» ..

وانتصب «كل يوم» على الظرفية ، والعامل فيه هو العامل في قوله ـ تعالى ـ : (فِي شَأْنٍ) وهو ثابت المحذوف ، فكأنه قيل : هو ثابت في شأن كل يوم .. (١).

ثم هدد ـ سبحانه ـ الذين يخالفون عن أمره تحذيرا شديدا ، فقال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

وجيء بحرف التنفيس الدال على القرب وهو السين للإشعار بتحقق ما أخبر به ـ سبحانه ـ.

وقوله : (سَنَفْرُغُ) من الفراغ ، وهو الخلو عما يشغل ..

والمراد به هنا : القصد إلى الشيء والإقبال عليه ، يقال : فلان فرغ لفلان وإليه ، إذا قصد إليه لأمر ما ...

والثقلان : تثنية ثقل ـ بفتحتين ـ ، وأصله كل شيء له وزن وثقل ، والمراد بهما هنا : الإنس والجن.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١١٠.

١٤١

والمعنى : سنقصد يوم القيامة إلى محاسبتكم على أعمالكم ، وسنجازيكم عليها بما تستحقون ، وسيكون هذا شأننا ـ أيها الثقلان ـ في هذا اليوم العظيم.

قال صاحب الكشاف : قوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) مستعار من قول الرجل لمن يتهدده ، سأفرغ لك ، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك ، حتى لا يكون لي شغل سواه ، والمراد : التوفر على النكاية فيه ، والانتقام منه.

ويجوز أن يراد ستنتهى الدنيا وتبلغ آخرها ، وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله ـ تعالى ـ : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، فلا يبقى إلا شأن واحد ، وهو جزاؤكم ، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل ... (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ...) مقول لقول محذوف ، دل عليه ما قبله.

والمعشر ـ برنة مفعل ـ اسم للجمع الكثير الذي يعد عشرة فعشرة.

وقوله : (تَنْفُذُوا) من النفاذ بمعنى الخروج من الشيء ، والأمر منه وهو قوله : (فَانْفُذُوا) مستعمل في التعجيز. والأقطار : جمع قطر ـ بضم القاف وسكون الطاء ـ وهو الناحية الواسعة ..

والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدي. يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة .. فانفذوا واخرجوا ، وخلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة ..

وجملة : (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) بيان للتعجيز المتمثل في قوله ـ تعالى ـ ؛ (فَانْفُذُوا) ، والسلطان المراد به هنا : القدرة والقوة.

أى : لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذي أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة ، وقوة خارقة ، تزيد على قوة خالقكم الذي جعلكم في هذا الموقف ، وأنى لكم هذه القوة التي أنتم أبعد ما تكونون عنها؟.

فالمقصود بالآية الكريمة ، تحذير الفاسقين والكافرين ، من التمادي في فسقهم وكفرهم ، وبيان أنهم سيكونون في قبضة الله ـ تعالى ـ وتحت سلطانه ، وأنهم لن يستطيعوا الهروب من قبضته وقضائه فيهم بحكمه العادل.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٧.

١٤٢

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلَّا لا وَزَرَ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) استئناف في جواب سؤال مقدر عما سيصيبهم إذا ما حاولوا الفرار.

والشواظ : اللهب الذي لا يخالطه دخان ، لأنه قد تم اشتعاله فصار أشد إحراقا.

والنحاس : المراد به هنا الدخان الذي لا لهب فيه ، ويصح أن يراد به : الحديد المذاب. أى : أنتم لا تستطيعون الهرب من قبضتنا بأى حال من الأحوال ، وإذا حاولتم ذلك ، أرسلنا عليكم وصببنا على رءوسكم لهبا خالصا فأحرقكم ، ودخانا لا لهب معه فكتم أنفاسكم ، وفي هذه الحالة لا تنتصران. ولا تبلغان ما تبغيانه ، ولا تجدان من يدفع عنكم عذابنا وبأسنا.

هذا والمتأمل في تلك الآيات الكريمة. يراها قد صورت بأسلوب بديع تفرد الله ـ تعالى ـ بالملك والبقاء ، وافتقار الخلائق جميعا إلى عطائه ، وأنهم جميعا في قبضته ، ولن يستطيعوا الهروب من حكمه فيهم ..

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من أهوال يوم القيامة ، ومن العذاب الذي يحيط بالمجرمين ، وينزل بهم ، فقال ـ تعالى ـ :

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٥)

__________________

(١) سورة القيامة الآيات ٧ ، ١٢.

١٤٣

وجواب «إذا» في قوله ـ سبحانه ـ : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) محذوف لتهويل أمره ..

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَكانَتْ وَرْدَةً) تشبيه بليغ ، أى : فكانت كالوردة في الحمرة.

والوردة جمعها ورود ، وهي زهرة حمراء معروفة ذات أغصان شائكة. والدهان : ما يدهن به الشيء .. أى : فإذا انشقت السماء ، فصارت حين انشقاقها وتصدعها ، كالوردة الحمراء في لونها ، وكالدهان الذي يدهن به الشيء في ذوبانها وسيلانها ، رأيت ما يفزع القلوب ، ويزلزل النفوس من شدة الهول.

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ..) (٢).

وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ، وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (٣).

ثم بين ـ سبحانه ـ ما يترتب على هذا الانشقاق والذوبان للسماء من أهوال فقال : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ). أى : ففي هذا اليوم العصيب ، وهو يوم الحشر ، لا يسأل عن ذنبه أحد ، لا من الإنس ولا من الجن.

أى : أنهم لا يسألون عن ذنوبهم عند خروجهم من قبورهم ، وإنما يسألون عن ذلك في موقف آخر ، وهو موقف الحساب والجزاء ، إذ في يوم القيامة مواقف متعددة.

وبذلك يجاب عن الآيات التي تنفى السؤال يوم القيامة ، والآيات التي تثبته ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

وبعضهم يرى أن السؤال المنفي في بعض الآيات هو سؤال الاستخبار والاستعلام ، والسؤال المثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع .. عن الأسباب التي جعلتهم ينحرفون عن الطريق المستقيم ، ويسيرون في طريق الفسوق والعصيان ...

__________________

(١) سورة الفرقان الآيتان ٢٥ ، ٢٦.

(٢) سورة الحاقة الآيات ١٣ ـ ١٦.

(٣) سورة المعارج الآيات ٨ ـ ١٠.

١٤٤

ثم بين ـ سبحانه ـ ما يحل بالمجرمين في هذا اليوم من عذاب فقال : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

وقوله : (بِسِيماهُمْ) أى : بعلاماتهم التي تدل عليهم ، وهي زرقة العيون. وسواد الوجوه ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ...) (١).

وكما في قوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ...) (٢).

والنواصي : جمع ناصية ، وهي مقدم الرأس. والأقدام : جمع قدم ، وهو ظاهر الساق ، و «أل» في هذين اللفظين عوض عن المضاف إليه.

والمراد بالطواف في قوله : (يَطُوفُونَ بَيْنَها ..) كثرة التردد والرجوع إليها بين وقت وآخر.

والحميم : الماء الشديد الغليان والحرارة.

و (آنٍ) : أى : قد بلغ النهاية في شدة الحرارة ، يقال : أنى الحميم ، أى انتهى حره إلى أقصى مداه ، فهو آن وبلغ الشيء أناه ـ بفتح الهمزة وكسرها ـ إذا وصل إلى غاية نضجه وإدراكه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) أى : نضجه ..

أى : في هذا اليوم ، وهو يوم الحساب والجزاء (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ) بسواد وجوههم ، وزرقة عيونهم ، وبما تعلو أفئدتهم من غبرة ترهقها قترة. فتأخذ الملائكة بالشعر الذي في مقدمة رءوسهم ، وبالأمكنة الظاهرة من سيقانهم ، وتقذف بهم في النار ، وتقول لهم على سبيل الإهانة والإذلال : هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا أيها المجرمون ، فترددوا بين مائها الحار ، وبين سعيرها البالغ النهاية في الشدة.

وفي قوله : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) إشارة إلى التمكن منهم تمكنا شديدا ، بحيث لا يستطيعون التفلت أو الهرب.

وقد ختمت كل آية من هذه الآيات السابقة بقوله ـ تعالى ـ : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) لأن عقاب العصاة المجرمين ، وإثابة الطائعين المتقين ، يدل على كمال عدله

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٦٠.

(٢) سورة طه الآية ١٠٢.

١٤٥

ـ سبحانه ـ ، وعلى فضله ونعمته على من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.

قال الإمام ابن كثير : ولما كان معاقبة العصاة المجرمين ، وتنعيم المتقين ، من فضله. ورحمته ، وعدله ، ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم من عذابه وبأسه ، مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١).

وكعادة القرآن الكريم في قرن أحوال الأخيار ، بأحوال الأشرار ، أو العكس : جاء الحديث عما أعده ـ سبحانه ـ للمتقين من جزيل الثواب ، بعد الحديث عما سينزل بالمجرمين من عقاب فقال ـ تعالى ـ :

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦١)

قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ...) شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة على المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة المكذبين.

و (مَقامَ) مصدر ميمى بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل. أى : ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبا له ، ومهيمنا عليه فالقيام هنا مثله في قوله ـ تعالى ـ (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِ

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨٧.

١٤٦

نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ...) أو هو اسم مكان. والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب .. إذ الخلق جميعا قائمون له ـ تعالى ـ كما في قوله ـ سبحانه ـ : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١).

والمعنى : ولكل من خاف القيام بين يدي ربه للحساب ، وخشي هيمنته ـ سبحانه ـ عليه ، ومجازاته له ... لكل من خاف ذلك وقدم في دنياه العمل الصالح ، (جَنَّتانِ) يتنقل بينهما ، ليزداد سروره ، وحبوره.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : (جَنَّتانِ)؟ قلت الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل خائفين منكما جنتان. جنة للخائف الإنسى ، وجنة للخائف الجنى.

ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ، لأن التكليف دائر عليهما ، وأن يقال : جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله ـ تعالى ـ : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٢).

وقوله : (ذَواتا أَفْنانٍ) صفة للجنتين. والأفنان جمع فنن ـ بفتحتين ـ وهو الغصن.

أى : جنتان صاحبتا أغصان عظيمة. تمتاز بالجمال واللين والنضرة.

ثم وصفهما ـ سبحانه ـ بصفات أخرى كريمة فقال : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) أى : في كل جنة منهما عين تجرى بالماء العذب الفرات ...

(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) أى : وفيهما كذلك من كل نوع من أنواع الفاكهة صنفان ، ليتفكه المتقون ويتلذذوا بتلك الفواكه الكثيرة ، التي لا هي مقطوعة ، ولا هي ممنوعة.

ثم بين ـ سبحانه ـ حسن مجلسهم فقال : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ).

والجملة الكريمة حال من قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ..).

وعبر ـ سبحانه ـ بالاتكاء لأنه من صفات المتنعمين الذين يعيشون عيشة راضية ، لاهم معها ولا حزن.

والفرش : جمع فراش ـ ككتب وكتاب ـ وهو ما يبسط على الأرض للنوم أو الاضطجاع.

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١١٥.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٩.

١٤٧

والبطائن : جمع بطانة ، وهي ما قابل الظهارة من الثياب ، ومشتقة من البطن المقابلة للظهر ، ومن أقوالهم : أفرشنى فلان ظهره وبطنه ، أى : أطلعنى على سره وعلانيته.

والإستبرق : الديباج المصنوع من الحرير السميك ، وهو من أجود أنواع الثياب.

والمعنى : أن هؤلاء الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى ، يعيشون في الجنات حالة كونهم ، متكئين في جلستهم على فرش بطائنها الداخلية من الديباج السميك. (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) أى : وما يجنى ويؤخذ من الجنتين قريب التناول ، دانى القطاف.

فالمراد بقوله ـ تعالى ـ : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) ما يجتنى من ثمارهما و (دانٍ) من الدنو بمعنى القرب.

أى : أنهم لا يتعبون أنفسهم في الحصول على تلك الفواكه ، وإنما يقطفون ما يشاءون منها ، وهم متكئون على فراشهم الوثير.

ثم بين ـ سبحانه ـ ألوانا أخرى من نعيمهم فقال : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (قاصِراتُ الطَّرْفِ) صفة لموصوف محذوف. والطمث : كناية عن افتضاض البكارة. يقال : طمث الرجل امرأته ـ من باب ضرب وقتل ـ ، إذا أزال. بكارتها. وأصل الطمث : الجماع المؤدى إلى خروج دم الفتاة البكر ، ثم أطلق على كل جماع وإن لم يكن معه دم.

أى : في هاتين الجنتين اللتين أعدهما ـ سبحانه ـ لمن خاف مقامه .. نساء قاصرات عيونهن على أزواجهن ، ولا يلتفتن إلى غيرهم. وهؤلاء النساء من صفاتهن ـ أيضا ـ أنهن أبكار ، لم يلمسهن ولم يزل بكارتهن أحد قبل هؤلاء الأزواج ... وكأن هؤلاء النساء في صفائهن وجمالهن وحمرة خدودهن ... الياقوت والمرجان.

ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه النعم بقوله : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) والاستفهام لنفى أن يكون هناك مقابل لعمل الخير ، سوى الجزاء الحسن ، فالمراد بالإحسان الأول ، القول الطيب ، والفعل الحسن ، والمراد بالإحسان الثاني : الجزاء الجميل الكريم على فعل الخير.

أى : ما جزاء من آمن وعمل صالحا ، وخاف مقام ربه ، ونهى نفسه عن الهوى .. إلا أن يجازى الجزاء الحسن ، ويقدم له العطاء الذي يشرح صدره وتقر به عينه.

وقد عقب ـ سبحانه ـ بعد كل آية من تلك الآيات السابقة بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

١٤٨

تُكَذِّبانِ) لأن كل آية قد اشتملت على نعمة أو نعم عظيمة من شأن العاقل أن يشكر الله ـ تعالى ـ عليها شكرا جزيلا.

ثم واصلت السورة حتى نهايتها ، حديثها عن النعم التي منحها ـ سبحانه ـ لمن خاف مقام ربه ، فقال ـ تعالى ـ :

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٧٨)

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ).

ولفظ دون هنا يحتمل أنه بمعنى غير. أى : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، وله ـ أيضا ـ جنتان أخريان غيرهما ، فهو من باب قوله ـ سبحانه ـ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).

قالوا : ويشهد لهذا الاحتمال. أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هاتين الجنتين بما يقارب وصفه للجنتين السابقتين ، وأن تكرير هذه الأوصاف من باب الحض على العمل الصالح الذي يوصل الى الظفر بتلك الجنات ، وما اشتملت عليه من خيرات.

١٤٩

ويحتمل أن لفظ دون هنا : بمعنى أقل ، أى : وأقل من تلك الجنتين في المنزلة والقدر ، جنتان أخريان ..

وعلى هذا المعنى سار جمهور المفسرين ، ومن المفسرين الذين ساروا على هذا الرأى الإمام ابن كثير ، فقد قال ـ رحمه‌الله ـ هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة ، بنص القرآن ، فقد قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) ..

فالأوليان للمقربين ، والأخريان : لأصحاب اليمين ..

والدليل على شرف الأولين على الأخريين وجوه :

أحدها : أنه نعت الأوليين قبل هاتين ، والتقديم يدل على الاعتناء ، ثم قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) وهذا ظاهر في شرف المتقدم ، وعلوه على الثاني.

وقال هناك (ذَواتا أَفْنانٍ) وهي الأغصان ، أو الفنون في الملاذ : وقال هاهنا (مُدْهامَّتانِ) أى : سوداوان من شدة الري من الماء .. (١).

وقال الإمام القرطبي : فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين ، كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟.

قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه. إلا أن الخائفين مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد منزلة في الخوف من الله ـ تعالى ـ ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله ـ تعالى ـ (٢).

وقال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) مبتدأ وخبر أى : ومن دون تينك الجنتين في المنزلة والقدر جنتان أخريان والأكثرون على أن الأوليين للسابقين ، وهاتين لأصحاب اليمين ...

وقوله : (مُدْهامَّتانِ) صفة للجنتين .. أى : هما شديدتا الخضرة ، والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الري .. (٣).

ثم فصل ـ سبحانه ـ أوصاف هاتين الجنتين فقال : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) أى : فوارتان بالماء الذي لا ينقطع منهما من النضخ وهو فوران الماء من العيون مع حسنه وجماله.

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وعطف ـ سبحانه ـ النخل والرمان على الفاكهة مع أنهما منها ، لفضلهما ، فكأنهما لما لهما من المزية جنسان آخران.

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٧٩.

(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٨٤.

(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٢١.

١٥٠

أو ـ كما يقول صاحب الكشاف ـ : لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه ، ولذا قال أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ إذا حلف لا يأكل فاكهة ، فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث ... (١).

والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) يعود إلى الجنات الأربع : الجنتين المذكورتين في قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) والجنتين المذكورتين هنا في قوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ).

ولفظ (خَيْراتٌ) صفة لموصوف محذوف. أى : نساء خيرات حسان.

أى : في هذه الجنات نساء فاضلات الأخلاق ، حسان الخلق والخلق.

قال الجمل : قوله : (خَيْراتٌ) فيه وجهان : أحدهما : أنه جمع خيرة بزنة فعلة بسكون العين ـ يقال : امرأة خيرة ، وأخرى شرة ، والثاني. أنه جمع خيرة المخفف من خيرة بالتشديد ، ويدل على ذلك قراءة خيرات ـ بتشديد الياء .. (٢).

وقوله (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) بدل من خيرات. والحور : جمع حوراء ، وهي المرأة ذات الحور ، أى : ذات العين التي اشتد بياضها واشتد سوادها في جمال وحسن ..

ومقصورات : جمع مقصورة أى : محتجبة في بيتها. قد قصرت نفسها على زوجها ... فهي لا تجرى في الطرقات .. بل هي ملازمة لبيتها ، وتلك صفة النساء الفضليات اللاتي يزورهن من يريدهن ، أما هن فكما قال الشاعر :

ويكرمها جاراتها فيزرنها

وتعتل عن إتيانهن فتعذر

أى : في تلك الجنات نساء خيرات فضليات جميلات مخدرات. ملازمات لبيوتهن ، لا يتطلعن إلى غير رجالهن ..

هؤلاء النساء (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) أى : لم يلمسهن ويباشرهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ).

أى : لم يجامعهن أحد لا من الإنس ولا من الجن قبل الرجال الذين خصصهن الله ـ تعالى ـ لهم ..

وقوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ ...) حال من قوله ـ تعالى ـ : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ...).

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٠.

(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٦٦.

١٥١

والرفرف : مأخوذ من الرّف بمعنى الارتفاع ، وهو اسم جمع واحده رفرفة ، أو اسم جنس جمعى و (خُضْرٍ) صفة له ..

والعبقري : وصف لكل ما كان ممتازا في جنسه. نادر الوجود في صفاته والمراد به هنا الثوب الموشى بالذهب ، والبالغ النهاية في الجودة والجمال ..

قال القرطبي : العبقري : ثياب منقوشة تبسط .. قال القتيبي : كل ثوب وشى عند العرب فهو عبقري. وقال أبو عبيد : هو منسوب الى أرض يعمل فيها الوشي ..

ويقال : عبقر قرية باليمن تنسج فيها بسط منقوشة. وقال ابن الأنبارى : إن الأصل فيه أن عبقر قرية يسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : في عمر ابن الخطاب : فلم أر عبقريا يفرى فريه .. (١).

أى : هؤلاء الذين خافوا مقام ربهم ، قد أسكناهم بفضلنا الجنات العاليات حالة كونهم فيها على الفرش الجميلة المرتفعة. وعلى الأبسطة التي بلغت الغاية في حسنها وجودتها ودقة وشيها ..

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).

أى : جل شأن الله ـ تعالى ـ ، وارتفع اسمه الجليل عما لا يليق بشأنه العظيم ، فهو ـ عزوجل ـ صاحب الجلال. أى : العظمة والاستغناء المطلق ، والإكرام. أى : الفضل التام ، والإحسان الذي لا يقاربه إحسان.

وبعد : فهذا تفسير لسورة «الرحمن» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

الدوحة ـ قطر

صباح الأحد ٦ من رجب ١٤٠٦ ه‍

١٦ من مارس ١٩٨٦ م.

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٩٢.

١٥٢

تفسير

سورة الواقعة

١٥٣
١٥٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الواقعة» هي السورة السادسة والخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول ، فقد كان نزولها بعد سورة «طه» وقبل سورة «الشعراء».

وقد عرفت بهذا الاسم منذ عهد النبوة ، فعن ابن عباس قال : قال أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله قد شبت. قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت.

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ...» (١).

٢ ـ وعدد آياتها ست وتسعون آية عند الكوفيين. وسبع وتسعون عند البصريين ، وتسع وتسعون عند الحجازيين والمدنيين.

٣ ـ وسورة «الواقعة» من السور المكية الخالصة ، واستثنى بعضهم بعض آياتها ، وعدها من الآيات المدنية ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ...) إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).

والذي تطمئن إليه النفس أن السورة كلها مكية ، وأن ما استثنى منها لم يقم دليل يعتد به على صحته.

٤ ـ وقد افتتحت سورة «الواقعة» بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن أقسام الناس في هذا اليوم ..

قال ـ تعالى ـ : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ، فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ...).

٥ ـ وبعد أن فصل ـ سبحانه ـ الحديث عن كل قسم من هذه الأقسام ، وبين ما أعد له

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨١.

١٥٥

من جزاء عادل ... أتبع ذلك بالحديث عن مظاهر قدرته ، وسعة رحمته ، وعظيم فضله ، فقال ـ تعالى ـ : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ ...).

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ...).

(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).

(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ).

٦ ـ وكما افتتحت السورة الكريمة ببيان أهوال يوم القيامة ، وبيان أنواع الناس في هذا اليوم .. اختتمت ـ أيضا ـ بالحديث عن أقسام الناس يوم الحساب ، وعاقبة كل قسم ، قال ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ، فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ، إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).

٧ ـ هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة ، يراها قد ساقت بأسلوب بليغ مؤثر ، ما يحمل الناس على حسن الاستعداد ليوم القيامة ، عن طريق الإيمان العميق ، والعمل الصالح ، وما يبين لهم عن طريق المشاهدة مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ووحدانيته ، وما يكشف لهم النقاب عن أقسام الناس في يوم الحساب ، وعن عاقبة كل قسم ، وعن الأسباب التي وصلت بكل قسم منهم إلى ما وصل إليه من جنة أو نار ..

وما يريهم عجزهم المطلق أمام قدرة الله ـ تعالى ـ وأمام قضائه وقدره .. فهم يرون بأعينهم أعز إنسان عندهم ، تنتزع روحه من جسده .. ومع ذلك فهم عاجزون عن أن يفعلوا شيئا ..

وصدق الله إذ يقول : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ. فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ..

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من عباده المقربين .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

د. محمد سيد طنطاوى

الدوحة قطر

مساء الاثنين ٧ من رجب سنة ١٤٠٦ ه‍

١٧ من مارس سنة ١٩٨٦ م

١٥٦

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦)

افتتحت سورة «الواقعة» بتقرير الحقيقة التي لا شك فيها ، وهي أن يوم القيامة حق وأن الحساب حق ، وأن الجزاء حق ..

١٥٧

وقد اختير الافتتاح بالظرف المتضمن معنى الشرط ، لأنه ينبه الأذهان ويحرك النفوس لترقب الجواب.

والواقعة من أسماء القيامة كالقارعة ، والحاقة ، والآزفة ..

قال الجمل : وفي (إِذا) هنا أوجه : أحدها : أنها ظرف محض ، ليس فيها معنى الشرط ، والعامل فيها ليس ، من حيث ما فيها من معنى النفي ، كأنه قيل : ينتفى التكذيب بوقوعها إذا وقعت.

والثاني : أن العامل فيها اذكر مقدرا. الثالث : أنها شرطية وجوابها مقدر ، أى : إذا وقعت الواقعة كان ، كيت وكيت ، وهو العامل فيها .. (١).

وقال بعض العلماء : والذي يظهر لي صوابه ، أن إذا هنا : هي الظرفية المتضمنة معنى الشرط ، وأن قوله الآتي : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) بدل من قوله : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) وأن الجواب إذا هو قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ...).

وعليه فالمعنى : إذا قامت القيامة ، وحصلت هذه الأحوال العظيمة ، ظهرت منزلة أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة .. (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) مؤكد لما قبله ، من أن وقوع يوم القيامة حق لا ريب فيه.

وكاذبة : صفة لموصوف محذوف ، وهي اسم فاعل بمعنى المصدر ..

أى : عند ما تقع القيامة ، لا تكذبها نفس من النفوس التي كانت تجحدها في الدنيا ، بل كل نفس حينئذ تكون مصدقة لها.

قال القرطبي : قوله : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ). الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر ، كقوله ـ تعالى ـ : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) أى : لغو ..

أى : ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف ، بل هي واقعة يقينا ..

أو الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أى : ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة .. (٣)

__________________

(١) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٧٠.

(٢) راجع أضواء البيان ج ٧ ص ٧٦١ للشيخ الشنقيطى ـ رحمه‌الله.

(٣) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٩٤.

١٥٨

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ..) (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ، وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) (٢).

ثم بين ـ سبحانه ـ ما يترتب على قيام الساعة من أحوال فقال : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أى : هي خافضة للأشقياء إلى أسفل الدركات : وهي رافعة للسعداء إلى أعلى الدرجات.

والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة. وفي العز والإهانة .. ونسب ـ سبحانه ـ الخفض والرفع إلى القيامة على سبيل المجاز.

والمقصود بالآية الكريمة ترغيب الصالحين في الازدياد من العمل الصالح ، لترفع منزلتهم يوم القيامة ، وترهيب الفاسقين من سوء المصير الذي ينتظرهم ، إذا ما استمروا في فسقهم وعصيانهم.

ويرى بعضهم أن المراد بالخفض والرفع في هذا اليوم ، ما يترتب عليه من تناثر النجوم ، ومن تبدل الأرض غير الأرض ، ومن صيرورة الجبال كالعهن المنفوش ..

وعلى هذا يكون المقصود بالآية : التهويل من شأن يوم القيامة ، حتى يستعد الخلق لاستقباله ، بالإيمان والعمل الصالح ، حتى لا يصيبهم فيه ما يصيب العصاة المفسدين ، من خزي وهوان ..

والآية الكريمة تسع المعنيين ، لأن في هذا اليوم يرتفع الأخيار وينخفض الأشرار ، ولأن فيه ـ أيضا ـ (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ...).

والمراد بالرج في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا. وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ...) التحريك الشديد ، والاضطراب الواضح. يقال : رج فلان الشيء رجا ، إذا حركه بعنف وزلزلة بقوة ..

وقوله (وَبُسَّتِ) من البس بمعنى التفتيت والتكسير الدقيق ، ومنه قولهم : بس فلان السويق ، إذا فتته ولته وهيأه للأكل ...

أى : إذا رجت الأرض وزلزلت زلزالا شديدا ، وفتت الجبال تفتيتا حتى صارت كالسويق

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.

(٢) سورة غافر الآية ٨٤.

١٥٩

الملتوت .. فكانت تلك الجبال كالهباء المنبث أى : المتفرق الذي يلوح من خلال شعاع الشمس إذا ما دخل من نافذة ..

إذا ما حدث كل ذلك ، وجد كل إنسان جزاءه من خير أو شر ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

فجواب الشرط ما ذكرته الآيات بعد ذلك من حسن عاقبة أصحاب الميمنة وسوء عاقبة أصحاب المشأمة.

ومن الآيات الكثيرة ، التي وردت في معنى هذه الآيات قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (١).

والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) للناس جميعا ، وكان بمعنى صار ، والأزواج بمعنى الأصناف والأنواع ..

أى : وصرتم ـ أيها الناس ـ في هذا اليوم الهائل الشديد ، أصنافا ثلاثة ، على حسب أحوالكم في الدنيا ..

ثم فصل ـ سبحانه ـ الحديث عن الأزواج الثلاثة فقال : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ).

والمراد بأصحاب الميمنة ، أولئك السعداء الذين يؤتون كتبهم يوم القيامة بأيمانهم ، أو لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة ..

أو سموا بذلك ، لأنهم ميامين ، أى : أصحاب بركة على أنفسهم ، لأنهم أطاعوا ربهم وخالفوا أهواءهم .. فكانت عاقبتهم الجنة.

وسمى الآخرون بأصحاب المشأمة ، لأنهم مشائيم ، أى : أصحاب شؤم على أنفسهم ، لأنهم طغوا وآثروا الحياة الدنيا ، فكانت عاقبتهم النار.

أو سموا بذلك ، لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم. أو لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار .. والعرب تسمى الشمال شؤما ، كما تسمى اليمين يمنا.

والتعبير بقوله : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) للتفخيم والإعلاء من شأنهم ، كما أن التعبير بقوله ـ تعالى ـ : (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) للتحقير والتعجيب من حالهم.

وجملة : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) مكونة من مبتدأ ـ وهو ما الاستفهامية ـ ، وخبر وهو

__________________

(١) سورة المزمل الآية ١٤.

١٦٠