التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٣

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٣

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0693-0
الصفحات: ٣٥٥

والمعنى : ولو لا كراهة أن تهلكوا ـ أيها المؤمنين ـ أناسا مؤمنين موجودين في مكة بين كفارها ، وأنتم لا تعرفونهم ، فيصيبكم بسبب إهلاكهم مكروه ، لو لا كل ذلك لما كف أيديكم عن كفار مكة ، بل لسلطكم عليهم لكي تقتلوهم.

واللام في قوله ـ سبحانه ـ : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) متعلقة بما يدل عليه جواب لو لا المقدر.

أى : لو لا ذلك لما كف أيديكم عن كفار مكة ، ولكنه ـ سبحانه ـ كف أيديكم عنهم ، ليدخل في رحمته بسبب هذا الكف من يشاء من عباده ، وعلى رأس هؤلاء العباد ، المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة ، والذين اقتضت رحمته أن يتمم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار ، ويفك أسرهم ، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب ...

كذلك قد شملت رحمته ـ تعالى ـ بعض كفار مكة ، الذين تركوا بعد ذلك الكفر ودخلوا في الإسلام ، كأبى سفيان وغيره من الذين أسلموا بعد فتح مكة أو بعد صلح الحديبية.

وقوله ـ سبحانه ـ : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) تأكيد لما دل عليه الكلام السابق ، من أن حكمته ـ تعالى ـ قد اقتضت كف أيدى المؤمنين عن الكافرين ، رحمة بالمؤمنين الذين يعيشون في مكة مع هؤلاء الكافرين.

وقوله (تَزَيَّلُوا) أى : تميّزوا. يقال : زلته زيلا ، أى : مزته ، وزيله فتزيل أى : فرقه فتفرق أى : لو تميز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات الذين يعيشون في مكة عن كفارها وفارقوهم وخرجوا منها ، وانعزلوا عنهم ، لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، تارة عن طريق إهلاكهم ، وتارة عن طريق إذلالهم وأخذهم أسرى ، و «من» في قوله (مِنْهُمْ) للبيان لا للتبعيض.

ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان عليه المشركون من جهالات وحماقات استولت على نفوسهم فقال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ).

والظرف (إِذْ) منصوب بفعل مقدر. والحمية : الأنفة والتكبر والغرور والتعالي بغير حق. يقال : حمى أنفه من الشيء ـ كرضى ـ إذا غضب منه ، وأعرض عنه.

أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ وقت أن تمسك الكافرون وقيدوا أنفسهم بالحمية الباطلة ، التي هي حمية الملّة الجاهلية ، حيث منعوا المسلمين من دخول مكة ، ومن الطواف بالمسجد الحرام ، وحيث منعوا الهدى من أن يبلغ محله ، وحيث أبوا أن يكتب في الصحيفة التي عقدت بينهم وبين المسلمين ، بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أو محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فهذا كله من حميتهم الجاهلية التي لا أساس لها من علم أو خلق أو دين ....

٢٨١

وقوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ..) معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين حال الفريقين ، مقابلة تتجلى فيها رعايته ـ سبحانه ـ للمؤمنين ، وغضبه على الكافرين. أى : هذا هو حال الكافرين ، رسخت الجهالات في قلوبهم حتى صرفتهم عن سبيل الرشد ، أما حال المؤمنين فإنهم قابلوا تصرفات هؤلاء الكافرين بالاحتقار والازدراء ومبايعة رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت إذا لزم الأمر ذلك.

فأنزل الله ـ تعالى ـ طمأنينته وسكينته على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى قلوب أصحابه ، حيث لم يجعلهم يقابلون سفاهات المشركين بسفاهات مثلها ...

(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أى : وجعلهم ملتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، من أناة وسكون وثبات ووقار وخلق كريم وإخلاص في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله.

(وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) أى : وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار ، وكانوا أهلا لها دون الكفار ، لأن المؤمنين استجابوا للحق. أما الكافرون فقد أنفوا منه ، وتطاولوا عليه ، بمقتضى حميتهم الجاهلية ... (وَكانَ) ـ سبحانه ـ وما زال (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) لا يخفى عليه أمر ، ولا يغيب عن علمه شيء ، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى ألوانا من المقابلات التي تدل على مدح الله ـ تعالى ـ للمؤمنين ، وعلى احتقاره للكافرين.

فقد عبر ـ سبحانه ـ في جانب الكافرين بكلمة جعل التي تشعر بأن الكافرين كأنهم قد ألقوا هذه الحمية الجاهلية في قلوبهم إلقاء بدون تعقل أو تدبر ، بينما عبر في جانب المؤمنين بكلمة أنزل التي تشعر كأن السكينة كانت في خزائنه ـ تعالى ـ ثم أنزلها بعد ذلك على قلب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى قلوب المؤمنين ، ليزدادوا إيمانا على إيمانهم ..

ونرى الفاعل لجعل هو الذين كفروا ، بينما الفاعل لأنزل هو الله ـ عزوجل ـ.

ونرى المفعول لجعل هو الحمية ، وهي كلمة مشتعلة منفرة ، وقد كررها ـ سبحانه ـ ليزداد العقلاء نفورا منها .. ونرى المفعول لأنزل هو السكينة وهي كلمة فيها ما فيها من الوقار والسكون والثبات والطمأنينة.

ونرى الحمية قد أضيفت إلى الجاهلية ، بينما السكينة أضيفت إلى الله ـ تعالى ـ.

ونرى أن الله ـ تعالى ـ قد أضاف كل ذلك مدحا عظيما لعباده المؤمنين حيث ألزمهم كلمة التقوى ، وجعلهم أحق بها وأهلا لها دون أعدائهم الذين آثروا الغي على الرشد ، والباطل على الحق ... وفي ذلك ما فيه من الثناء على المؤمنين والتحقير للكافرين.

٢٨٢

ثم أكد الله ـ تعالى ـ صدق ما شاهده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رؤياه ، وبين الحكمة التي من أجلها أرسله إلى الناس كافة فقال ـ تعالى ـ :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨)

قال الآلوسى ما ملخصه : «رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية ، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين ، وقد حلقوا وقصروا ، فقص الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا واستبشروا ، وظنوا أنهم سيدخلونها في عامهم هذا ، وقالوا : إن رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق ، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين ـ على سبيل التشكيك والاعتراض ـ والله ما حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فنزلت هذه الآية.

وقد روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال نحو ذلك ـ على سبيل الفهم والاستكشاف ـ ليزداد يقينه ...

والصدق يكون بالقول ويكون بالفعل ، وما في الآية صدق بالفعل ، وهو التحقيق ، أى حقق ـ سبحانه ـ للرسول رؤيته ..» (١).

وقوله (بِالْحَقِ) صفة لمصدر محذوف ، أى : صدقا ملتبسا بالحق ، أو بمحذوف على أنه حال من الرؤيا ، أى : رؤيا ملتبسة بالحق.

والمعنى : والله لقد أرينا رسولنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرؤيا الصادقة التي لا تتخلف ، ولا يحوم حولها ريب أو شك ، وحققنا له ما اشتملت عليه هذه الرؤيا من بشارات سارة ، وعطايا كريمة ، على حسب ما اقتضته حكمتنا وإرادتنا.

وقوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٠.

٢٨٣

لا تَخافُونَ ..) جواب لقسم محذوف ، وقوله : (آمِنِينَ) وما بعده ، حال من فاعل (لَتَدْخُلُنَ) .. أى : والله لتدخلن ـ أيها المؤمنون ـ المسجد الحرام في عامكم المقبل إن شاء الله ، حالة كونكم آمنين من كل فزع ، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله ، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه ، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك.

وقوله : (إِنْ شاءَ اللهُ) فيه ما فيه من الإشعار بأن الرؤيا مع صدقها ، تحقيقها موكول إلى مشيئة الله ـ تعالى ـ وإلى قدرته ، لا إلى أحد سواه ، وفيه ما فيه من تعليم الناس وإرشادهم إلى أنهم يجب عليهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه عند إرادتهم لفعل من الأفعال ، كما قال ـ تعالى ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ..).

قال بعض العلماء : «إن الله ـ تعالى ـ استثنى فيما يعلم ، ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.

ويرى بعضهم : أن الاستثناء هنا لتحقيق الخبر وتأكيده.

واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الحلق غير متعين في النسك ، بل يجزئ عنه التقصير ، إلا أن الحلق أفضل ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم اغفر للمحلقين» قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين .. ثم قال بعد الثالثة : والمقصرين».

واستدل بها ـ أيضا ـ على أن التقصير للرأس دون اللحية ، ودون سائر شعر البدن ، إذ الظاهر أن المراد : ومقصرين شعر رءوسكم» (١).

وقوله : (لا تَخافُونَ) تأكيد وتقرير لقوله (آمِنِينَ) أى : آمنين عند دخولكم مكة للعمرة ولا تخافون بعد إتمامها ، لأن عناية الله ـ تعالى ـ ورعايته معكم ...

وقوله : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا ، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) بيان للحكمة في تأخير دخولهم مكة عام الحديبية ، وتمكينهم من دخولها في العام الذي يليه.

والجملة الكريمة معطوفة على قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ ...) أى : والله لقد حقق الله ـ تعالى ـ لرسوله رؤياه في دخول مكة ، ولكن في الوقت الذي يشاؤه ويختاره وتقتضيه حكمته ، لأنه ـ تعالى ـ علم ما لم تعلموه أنتم من أن المصلحة في عدم دخولكم مكة في عام صلح الحديبية ، وأن هذا الصلح هو خير لكم من دخولها ، لما يترتب عليه من منافع كثيرة لكم ، وقد جعل ـ سبحانه ـ بفضله وإحسانه (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أى : من قبل دخولكم مكة ، وطوافكم بالمسجد الحرام (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر الذي خرجتم منه بالغنائم الوفيرة ، أو فتح

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٢.

٢٨٤

خيبر ومعه صلح الحديبية ، الذي قال فيه الزهري لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ...

هذا ، وقد بسط الإمام ابن كثير ما أصابه المسلمون بعد صلح الحديبية من خيرات فقال ما ملخصه : «ورجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة .. ثم خرج في المحرم من السنة السابعة إلى خيبر ، ففتحها الله ـ تعالى ـ عليه ...

فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة ، خرج إلى مكة معتمرا ، هو وأهل الحديبية ، فأحرم من ذي الحليفة ، وساق معه الهدى ... وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها. فدخلها وبين يديه أصحابه يلبون ، وعبد الله بن رواحه آخذ بزمام ناقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينشد ويقول :

خلوا بنى الكفار عن سبيله

إنى شهيد أنه رسوله

وخرج المشركون من مكة لكي لا يروا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، أما النساء والأطفال فقد جلسوا على الطرق ينظرون إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإلى المؤمنين ..

ومكث الرسول وأصحابه بمكة ثلاثة أيام اعتمر خلالها هو وأصحابه ، ثم عادوا إلى المدينة» (١).

وهكذا تحققت رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الوقت الذي أراده ـ سبحانه ـ ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة من إرساله لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ..

أى : هو ـ عزوجل ـ وحده ، الذي أرسل رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم إرسالا ملتبسا بالهدى ، أى : بالدليل الواضح والبرهان الساطع الذي يهدى للطريق التي هي أقوم ..

وأرسله ـ أيضا ـ بالدين الحق وهو دين الإسلام ، الذي هو خاتم الأديان وأكملها ، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أى : من أجل أن يظهره ويعليه على جميع الأديان ، لما فيه من هدايات ، وعبادات ، وآداب ، وأحكام ، وتشريعات ، قد جمعت محاسن الأديان السابقة التي جاء بها الأنبياء ، وأضافت إليها جديدا اقتضته حكمة الله ـ تعالى ـ ورحمته بهذه الأمة التي أرسل رسوله محمدا إليها.

وقد بين ـ سبحانه ـ أن هذا الدين هو المقبول عنده دون سواه ، فقال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٣٧.

٢٨٥

ولقد ظهر هذا الدين فعم المشارق والمغارب ، وسيبقى ـ بإذن الله ـ ظاهرا على الأديان كلها بقوة حجته ، ونصاعة براهينه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

والباء في قوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) مزيدة لتأكيد هذا الإظهار.

أى : وكفى بشهادة الله ـ تعالى ـ شهادة على حقية هذا الدين ، وعلى هذا الإظهار الذي تكفل الله ـ تعالى ـ به لدين الإسلام.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الآية التي فيها ما فيها من الثناء على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أصحابه ، الذين رضى عنهم وأرضاهم فقال :

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩)

وقوله ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) مبتدأ وخبر ، أو (مُحَمَّدٌ) خبر لمبتدأ محذوف ، و (رَسُولُ اللهِ) بدل أو عطف بيان من الاسم الشريف. أى : هذا الرسول الذي أرسله الله ـ تعالى ـ بالهدى ودين الحق ، هو محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالَّذِينَ مَعَهُ) وهم أصحابه ـ وعلى رأسهم من شهد معه صلح الحديبية ، وبايعه تحت الشجرة ـ من صفاتهم أنهم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) أى : غلاظ عليهم ، وأنهم (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).

أى : أنهم مع إخوانهم المؤمنين يتوادون ويتعاطفون ويتعاونون على البر والتقوى ...

وقوله ـ تعالى ـ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) فيه أسمى التكريم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث شهد له ـ سبحانه ـ بهذه الصفة ، وكفى بشهادته ـ عزوجل ـ شهادة ، وحيث قدم الحديث عنه بأنه أرسله بالهدى ودين الحق ، ثم أخر اسمه الشريف على سبيل التنويه بفضله ، والتشويق إلى اسمه.

٢٨٦

وفي وصف أصحابه بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، مدح عظيم لهم ، وجمع بين الوصفين على سبيل الاحتراس ، فهم ليسوا أشداء مطلقا ، ولا رحماء مطلقا ، وإنما شدتهم على أعدائهم ، ورحمتهم لإخوانهم في العقيدة ، وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ، فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ...) (١).

قال صاحب الكشاف : «وعن الحسن أنه قال : «بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم ، وبلغ من تراحمهم فيما بينهم ، أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه ..» (٢).

وأسمى من هذا كله في بيان تراحمهم قوله ـ تعالى ـ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ..).

ثم وصفهم بوصف آخر فقال : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً).

أى : تراهم وتشاهدهم ـ أيها العاقل ـ راكعين ساجدين محافظين على الصلاة ولا يريدون من وراء ذلك إلا التقرب إلى الله ـ تعالى ـ والظفر برضاه وثوابه ..

ثم وصفهم بوصف ثالث فقال : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ..) أى : علامتهم وهو نور يجعله الله ـ تعالى ـ في وجوههم يوم القيامة ، وحسن سمت يعلو وجوههم وجباههم في الدنيا ، من أثر كثرة سجودهم وطاعتهم لله رب العالمين.

فالمقصود بهذه الجملة بيان أن الوضاءة والإشراق والصفاء .. يعلو وجوههم من كثرة الصلاة والعبادة لله ، وليس المقصود أن هناك علامة معينة ـ كالنكتة التي تكون في الوجه ـ كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان.

واختار ـ سبحانه ـ لفظ السجود ، لأنه يمثل أعلى درجات العبودية والإخلاص لله ـ تعالى ـ.

قال الآلوسى : «أخرج ابن مردويه بسند حسن عن أبى بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «في قوله ـ تعالى ـ : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) النور يوم القيامة».

ثم قال الآلوسى : ولا يبعد أن يكون النور علامة على وجوههم في الدنيا والآخرة ـ للآثار

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٥٤.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٤٦.

٢٨٧

السابقة ـ لكنه لما كان في الآخرة أظهر وأتم خصه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذكر ...» (١).

واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) يعود إلى جميع أوصافهم الجليلة السابقة. والمثل هو الصفة العجيبة والقصة ذات الشأن. أى : ذلك الذي ذكرناه عن هؤلاء المؤمنين الصادقين من صفات كريمة تجرى مجرى الأمثال ، صفتهم في التوراة التي أنزلها الله ـ تعالى ـ على نبيه موسى ـ عليه‌السلام ـ.

ثم بين ـ سبحانه ـ صفتهم في الإنجيل فقال : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ، فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ..).

وقوله : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) معطوف على ما قبله وهو مثلهم في التوراة ، والإنجيل : هو الكتاب الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه عيسى ـ عليه‌السلام ـ.

والشط : فروع الزرع ، وهو ما خرج منه وتفرع على شاطئيه. أى : جانبيه. وجمعه : أشطاء ، وشطوء ، يقال : شطأ الزرع وأشطأ ، إذا أخرج فروعه التي تتولد عن الأصل.

وقوله (فَآزَرَهُ) أى : فقوت تلك الفروع أصولها ، وآزرتها ، وجعلتها مكينة ثابتة في الأرض. وأصله من شد الإزار. تقول : أزّرت فلانا ، إذا شددت إزاره عليه. وتقول آزرت البناء ـ بالمد والقصر ـ إذا قويت أساسه وقواعده.

ومنه قوله ـ تعالى ـ حكاية عن موسى ـ عليه‌السلام ـ : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي).

وقوله : (فَاسْتَغْلَظَ) أى : فصار الزرع غليظا بعد أن كان رقيقا.

وقوله : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أى : فاستقام وتكامل على سيقانه التي يعلو عليها.

وقوله : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أى : يعجب الخبراء بالزراعة لقوته وحسن هيئته.

والمعنى : أن صفة المؤمنين في الإنجيل ، أنهم كالزرع ، يظهر في أول أمره رقيقا ضعيفا متفرقا ، ثم ينبت بعضه حول بعض ، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد ، وتعجب جودته أصحاب الزراعة ، العارفين بها.

فكذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، كانوا في أول الأمر في قلة وضعف ، ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة ، حتى بلغوا ما بلغوا في ذلك.

__________________

(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٥.

٢٨٨

وصدق الله إذ يقول : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ، تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ، فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ. لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).

قال صاحب الكشاف : «وهذا مثل ضربه الله ـ تعالى ـ لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم. لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام وحده ، ثم قواه الله ـ تعالى ـ بمن معه. كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها ، حتى يعجب الزراع» (٢).

وعلى هذا التفسير الذي سرنا عليه يكون وصفهم في التوراة ، هو المعبر عنه بقوله ـ تعالى ـ : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ..) ويكون وصفهم في الإنجيل هو المعبر عنه بقوله ـ سبحانه ـ : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ...).

ولا شك أن هذه الأوصاف كانت موجودة في الكتابين قبل أن يحرفا ويبدلا ، بل بعض هذه الأوصاف موجودة في الكتابين ، حتى بعد تحريفهما.

فقد أخرج بن جرير وعبد بن حميد عن قتادة قال : «مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..» (٣).

ويرى بعض المفسرين أن المذكور في التوراة والإنجيل شيء واحد ، وهو الوصف المذكور إلى نهاية قوله : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) وعلى هذا الرأى يكون الوقف تاما على هذه الجملة ، وما بعدها وهو قوله : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ..) كلام مستأنف.

قال القرطبي : «قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ..) قال الفراء : فيه وجهان : إن شئت قلت : المعنى : ذلك مثلهم في التوراة وفي الإنجيل أيضا ، كمثلهم في القرآن ، فيكون الوقف على «الإنجيل».

وإن شئت قلت : تمام الكلام : ذلك مثلهم في التوراة. ثم ابتدأ فقال : ومثلهم في الإنجيل.

وكذا قال ابن عباس وغيره : هما مثلان ، أحدهما في التوراة ، والآخر في الإنجيل ...» (٤).

والذي نراه أن ما ذهب إليه ابن عباس من كونهما مثلين ، أحدهما مذكور في التوراة والآخر في الإنجيل ، هو الرأى الراجح ، لأن ظاهر الآية يشهد له.

وفي هذه الصفات ما فيها من رسم صورة مشرقة مضيئة لهؤلاء المؤمنين الصادقين.

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٢٦.

(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٤٨.

(٣) راجع تفسير سورة الفتح ص ١٦٠ لفضيلة استأذنا الشيخ أحمد الكومى.

(٤) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٩٤.

٢٨٩

وقوله ـ تعالى ـ : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) تعليل لما يعرب عنه الكلام ، من إيجاده ـ تعالى ـ لهم على هذه الصفات الكريمة.

أى : جعلهم ـ سبحانه ـ كذلك بأن وفقهم لأن يكونوا أشداء على الكفار ، ولأن يكونوا رحماء فيما بينهم ، ولأن يكونوا مواظبين على أداء الطاعات .. لكي يغيظ بهم الكفار ، فيعيشوا وفي قلوبهم حسرة مما يرونه من صفات سامية للمؤمنين.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذا الوعد الجميل ، فقال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).

و «من» في قوله (مِنْهُمْ) الراجح أنها للبيان والتفسير ، كما في قوله ـ تعالى ـ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ..).

أى : وعد الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وهم أهل بيعة الرضوان ، ومن كان على شاكلتهم في قوة الإيمان .. وعدهم جميعا مغفرة لذنوبهم ، وأجرا عظيما لا يعلم مقداره إلا هو ـ سبحانه ـ.

ويجوز أن تكون من هنا للتبعيض ، لكي يخرج من هؤلاء الموعودين بالمغفرة والأجر العظيم أولئك الذين أظهروا الإسلام وأخفوا الكفر ، وهم المنافقون الذين أبوا مبايعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبوا الخروج معه للجهاد ، والذين من صفاتهم أنهم كانوا إذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا ، (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ..).

هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية وأمثالها : وجوب احترام الصحابة وتوقيرهم ، والثناء عليهم ، لأن الله ـ تعالى ـ قد مدحهم ووعدهم بالمغفرة وبالأجر العظيم.

قال القرطبي : «روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير أنه قال : كنا عند مالك بن أنس ، فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ مالك هذه الآية : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ..). فقال مالك : من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد أصابته هذه الآية. ثم قال الإمام القرطبي ـ رحمه‌الله ـ : قلت : لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله ، فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته ، فقد رد على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع المسلمين» .. (١).

وبعد : فهذا تفسير لسورة «الفتح» تلك السورة التي بشرت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٩٦.

٢٩٠

بألوان من البشارات العالية ، وأدبتهم بأنواع من الآداب السامية ، وعرفتهم بأعدائهم من المنافقين والكافرين ، وحكت الكثير من مظاهر فضل الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده المؤمنين ..

نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

٢٩١
٢٩٢

تفسير

سورة الحجرات

٢٩٣
٢٩٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الحجرات» من السور المدنية الخالصة ، وعدد آياتها ثماني عشرة آية ، وكان نزولها بعد سورة «المجادلة».

٢ ـ والذي يتدبر هذه السورة الكريمة ، يراها قد اشتملت على أسمى الآداب ، وأبلغ العظات ، وأحكم الهدايات ، فهي تبدأ بنداء للمؤمنين ، تعلمهم فيه ما يجب عليهم نحو خالقهم ـ سبحانه ـ ، ونحو نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أدب.

قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.).

٣ ـ ثم وجهت إليهم نداء ثالثا أمرتهم من خلاله بالتثبت من صحة الأخبار التي تصل إلى مسامعهم ، وبينت لهم جانبا من مظاهر فضل الله عليهم.

قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ، وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ، وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ، أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ. فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

٤ ـ ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما يجب على المؤمنين نحو إخوانهم في العقيدة ، إذا ما دب بينهم نزاع أو قتال ، فأمرت بالإصلاح بينهم ، وبمقاتلة الفئة الباغية إذا ما أبت الصلح ، وأصرت على بغيها ..

قال ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ، فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

٥ ـ ثم وجهت بعد ذلك إلى المؤمنين نداء رابعا نهتهم فيه عن أن يسخر بعضهم من بعض ،

٢٩٥

أو أن يلمز بعضهم بعضا. ونداء خامسا أمرتهم فيه باجتناب الظن السيئ بالغير ، دون أن يكون هناك مبرر لذلك ، ونهتهم عن التجسس وعن الغيبة.

قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ، وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ، وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).

٦ ـ وبعد هذه النداءات المتكررة للمؤمنين ، وجهت نداء إلى الناس جميعا ، بينت لهم فيه أنهم جميعا قد خلقوا من ذكر وأنثى ، وأن أكرمهم عند الله هو أتقاهم وأخشاهم لله ـ تعالى ـ.

ثم ردت على الأعراب الذين قالوا آمنا دون أن يستقر الإيمان في قلوبهم ووضحت صفات المؤمنين الصادقين ، وأمرت كل مؤمن أن يشكر الله ـ تعالى ـ على نعمة الإيمان.

قال ـ سبحانه ـ : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).

٧ ـ وهكذا نجد السورة الكريمة قد رسمت للمؤمنين طريق الحياة السعيدة ، حيث عرفتهم بما يجب عليهم نحو خالقهم ـ سبحانه ـ وبما يجب عليهم نحو نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما يجب عليهم نحو أنفسهم ، وربما يجب عليهم نحو إخوانهم في العقيدة ، وبما يجب عليهم نحو أفراد المجتمع الإسلامى بصفة عامة.

وقد وضحت لهم كل ذلك بأسلوب بليغ مؤثر ، من شأنه أن يغرس في النفوس الخشوع والطاعة لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

القاهرة ـ مدينة نصر

١٩ من شهر ربيع الآخر ١٤٠٦ ه‍

٣١ / ١٢ / ١٩٨٥ م

٢٩٦

التفسير

قال الله ـ تعالى :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥)

افتتحت سورة «الحجرات» بهذا النداء المحبب إلى القلوب ، ألا وهو الوصف بالإيمان ، الذي من شأن المتصفين به ، أن يمتثلوا لما يأمرهم الله ـ تعالى ـ به ، ويجتنبوا ما ينهاهم عنه.

افتتحت بقوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).

وقوله (تُقَدِّمُوا) مضارع قدم اللازم بمعنى تقدم ، ومنه مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب ـ بكسر الدال فيهما ـ وهو اسم فاعل فيهما بمعنى تقدم.

٢٩٧

ويصح أن يكون مضارع قدّم المتعدى ، تقول : قدمت فلانا على فلان ، إذا جعلته متقدما عليه ، وحذف المفعول لقصد التعميم.

وقوله : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) تشبيه لمن يتعجل في إصدار حكم من أحكام الدين بغير استناد إلى حكم الله ورسوله ، بحالة من يتقدم بين يدي سيده أو رئيسه ، بأن يسير أمامه في الطريق ، أو على يمينه أو شماله. وحقيقة الجلوس بين يدي الشخص : أن يجلس بين الجهتين المقابلتين ليمينه أو شماله قريبا منه أو أمامه.

قال الجمل قوله : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) جرت هذه العبارة هنا على سنن من المجاز ، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلا ، أى : استعارة تمثيلية ، شبّه تعجل الصحابة في إقدامهم على قطع الحكم في أمر من أمور الدين ، بغير إذن الله ورسوله ، بحالة من تقدم بين يدي متبوعه إذا سار في طريق ، فإنه في العادة مستهجن .. والغرض تصوير كمال الهجنة ، وتقبيح قطع الحكم بغير إذن الله ورسوله.

أو المراد : بين يدي رسول الله ، وذكر لفظ الجلالة على سبيل التعظيم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله (١).

والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان : احذروا أن تتسرعوا في الأحكام ، فتقولوا قولا ، أو تفعلوا فعلا يتعلق بأمر ديني ، دون أن تستندوا في ذلك إلى الله ـ تعالى ـ وحكم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَاتَّقُوا اللهَ) ـ تعالى ـ في كل ما تأتون وتذرون ، إن الله سميع لأقوالكم ، عليم بجميع أحوالكم.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : هذه آداب أدب الله ـ تعالى ـ بها عباده المؤمنين ، فيما يعاملون به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام.

فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).

أى : لا تسرعوا في الأشياء بين يديه. أى : قبله ، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور ، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي ، حديث معاذ ، إذ قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين بعثه إلى اليمن : «بم تحكم؟ قال بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيى».

فالغرض منه أنه أخّر رأيه ونظره واجتهاده ، إلى ما بعد الكتاب والسنة ، ولو قدمه قبل

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٧٤.

٢٩٨

البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله (١).

وقال الإمام القرطبي ما ملخصه : قوله : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أى : لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله ، وقول رسوله وفعله ، فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا ..

واختلف في سبب نزول هذه الآية على ستة أقوال منها :

ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال : حدثني ابن أبى مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بنى تميم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أمّر عليهم القعقاع بن معبد. وقال عمر : يا رسول الله ، أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر ما أردت خلافك ، فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت هذه الآية.

وقال قتادة : إن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل فيّ كذا ، فنزلت هذه الآية.

وقال الحسن : نزلت في قوم ذبحوا أضحيتهم قبل أن يصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح (٢). وعلى أية حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والمقصود من الآية الكريمة نهى المؤمنين في كل زمان ومكان عن أن يقولوا قولا أو يفعلوا فعلا يتعلق بأمر شرعي ، دون أن يعودوا فيه إلى حكم الله ورسوله.

ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء ثانيا إلى المؤمنين ، أكد فيه وجوب احترامهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ).

قال الآلوسى : هذه الآية شروع في النهى عن التجاوز في كيفية القول عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد النهى عن التجاوز في نفس القول والفعل. وإعادة النداء مع قرب العهد به ، للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه ، والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه (٣).

أى : يا من آمنتم بالله واليوم الآخر .. واظبوا على توقيركم واحترامكم لرسولكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوته عند مخاطبتكم له. ولا تجعلوا أصواتكم مساوية

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٥.

(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٠٠.

(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٣٤.

٢٩٩

لصوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين الكلام معه ، ولا تنادوه باسمه مجردا بأن تقولوا له يا محمد ، ولكن قولوا له : يا رسول الله ، أو يا نبي الله.

والكاف في قوله : (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أى : ولا تجهروا له بالقول جهرا مثل جهر بعضكم لبعض.

قال القرطبي : وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا ، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة ، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفته ، أعنى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم ، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة ، وجلالة مقدارها ، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) بيان لما يترتب على رفع الصوت عند مخاطبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خسران.

والجملة تعليل لما قبلها ، وهي في محل نصب على أنها مفعول لأجله. أى : نهاكم الله ـ تعالى ـ عن رفع أصواتكم فوق صوت النبي ، وعن أن تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، كراهة أو خشية أن يبطل ثواب أعمالكم بسبب ذلك ، وأنتم لا تشعرون بهذا البطلان.

قال ابن كثير : وقوله : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أى : إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده صلى‌الله‌عليه‌وسلم خشية أن يغضب من ذلك ، فيغضب الله لغضبه ، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدرى. وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره ، كما كان يكره في حياته ، لأنه محترم حيا وفي قبره (٢).

ولقد امتثل الصحابة لهذه الإرشادات امتثالا تاما ، فهذا أبو بكر يروى عنه أنه لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا كأخى السرار ـ أى : كالذي يتكلم همسا. وهذا ثابت بن قيس ، كان رفيع الصوت ، فلما نزلت هذه الآية قال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا من أهل النار ، حبط عملي ، وجلس في أهل بيته حزبنا ... فلما بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قاله ثابت ، قال لأصحابه : «لا. بل هو من أهل الجنة» (٣).

قال بعض العلماء : وما تضمنته هذه الآية من لزوم توقير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء مبينا في

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٠٦.

(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٨.

(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٧ والقرطبي ج ١٦ ص ٣٠٤.

٣٠٠