التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0691-4
الصفحات: ٣٦٧

للمشركين أشد ، والتعبير أبلغ ، وهوانهم ألزم. (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) حكاية لأقوال الملائكة.

أى : قال الملائكة في الإجابة على سؤال خالقهم. (سُبْحانَكَ) أى : ننزهك ونقدسك عن أن يكون لك شريك في عبادتك وطاعتك (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) أى : أنت الذي نواليك ونتقرب إليك وحدك بالعبادة ، وليس بيننا وبين هؤلاء المشركين أى موالاة أو قرب ، ولا دخل لنا في عبادتهم لغيرك.

ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه في الدنيا فقالوا : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ).

أى : إن هؤلاء المشركين لا علم لنا بأنهم كانوا يعبدوننا ، ونبرأ من ذلك إن كانوا قد عبدونا ، وهم إنما كانوا يعبدون في الدنيا (الْجِنَ) أى الشياطين ، وكان أكثر هؤلاء المشركين يؤمنون بعبادة الشياطين ، ويطيعونهم فيما يأمرونهم به ، أو ينهونهم عنه.

فقوله ـ تعالى ـ (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) إضراب انتقالي ، لبيان السبب في شرك هؤلاء المشركين ، وتصريح بمن كانوا يعبدونهم في الدنيا.

قال الجمل : فإن قيل جميعهم كانوا متابعين للشياطين ، فما وجه قوله ـ تعالى ـ (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) فإنه يدل على أن بعضهم لم يؤمن بالجن ولم يطعهم؟

فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإحاطة بهم ، فقالوا أكثرهم ، لأن الذين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعيدون الجن ، ولعل في الوجود من لم يطلع الله الملائكة على حاله من الكفار.

الثاني : هو أن العبادة عمل ظاهر ، والإيمان عمل باطن ، فقالوا : بل كانوا يعبدون الجن لاطلاعهم على أعمالهم ، وقالوا : أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب ، لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما في القلوب ، فإن القلب لا يطلع على ما فيه إلا الله (٢).

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن الملك في يوم الحساب له وحده فقال : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا).

أى : فاليوم لا يملك أحد من المعبودين أن ينفع أحدا من العابدين ، أو أن يضره ، بل الذي يملك كل ذلك هو الله ـ تعالى ـ وحده.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٨٧.

(٢) حاشية الجمل ج ٣ ص ٤٧٨.

٣٠١

فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن مرد النفع والضر في هذا اليوم إلى الله ـ تعالى. وحده ، فالعابدون لا يملكون شيئا ، والمعبودون كذلك لا يملكون شيئا.

(وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) أى : ونقول في هذا اليوم الهائل الشديد للذين ظلموا أنفسهم وظلموا الحق بعبادتهم لغيرنا ، نقول لهم (ذُوقُوا) فظاعة وشدة عذاب النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا ، وتنكرون أن يكون هناك بعث أو حساب أو ثواب أو عقاب.

ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من أقوال هؤلاء المشركين في شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي شأن القرآن الكريم ، وتهددهم بسوء المصير إذا استمروا في طغيانهم وجهلهم فتقول :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٤٥)

وقوله : (تُتْلى) من التلاوة ، وهي قراءة الشيء بتدبر وتفهم.

أى : وإذا ما تليت آياتنا الدالة دلالة واضحة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدق رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يبلغه عنا.

(قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) أى : قالوا على سبيل الإنكار والاستهزاء ، ما هذا التالي لتلك الآيات إلا رجل يريد أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم الأقدمون.

٣٠٢

ويعنون بقولهم «ما هذا إلا رجل» : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقصدون بالإشارة إليه ، الاستخفاف به ، والتحقير من شأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقالوا : (يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) لإثارة حمية الجاهلية فيهم فكأنهم يقولون لهم : احذروا اتباع هذا الرجل ، لأنه يريد أن يجعلكم من أتباعه ، وأن يقطع الروابط التي تربط بينكم وبين آبائكم الذين أنتم قطعة منهم.

ولم يكتفوا بالتشكيك في صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل أضافوا إلى ذلك التكذيب للقرآن الكريم ، ويحكى ـ سبحانه ـ ذلك فيقول : (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً).

أى : وقالوا في شأن القرآن الكريم : ما هذا الذي يتلوه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم علينا ، إلا (إِفْكٌ) أى : كلام مصروف عن وجهه ، وكذب في ذاته (مُفْتَرىً) أى : مختلق على الله ـ تعالى ـ من حيث نسبته إليه.

فقوله (مُفْتَرىً) صفة أخرى وصفوا بها القرآن الكريم ، فكأنهم يقولون ـ قبحهم الله ـ ما هذا القرآن إلا كذب في نفسه ، ونسبته إلى الله ـ تعالى ـ ليست صحيحة.

ثم أضافوا إلى تكذيبهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللقرآن ، تكذيبا عاما لكل ما جاءهم به الرسول من حق ، فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ، إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).

أى : وقال الكافرون في شأن كل حق جاءهم به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر واضح.

وهكذا نراهم ـ لعنادهم وجهلهم ـ قد كذبوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذبوا القرآن. وكذبوا كل توجيه قويم ، وإرشاد حكيم ، أرشدهم إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ اسم الإشارة الأول يعود إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والثاني يعود إلى القرآن ، والثالث يعود إلى تعاليم الإسلام كلها.

ثم بين ـ سبحانه ـ أن أقوالهم هذه لا تستند إلى دليل أو ما يشبه الدليل ، وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون ، فقال ـ تعالى ـ : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ).

أى : أن هؤلاء الذين قالوا ما قالوا من باطل وزور ، لم نأتهم بكتب يدرسونها ويقرءونها ليعرفوا منها أن الشرك حق ، فيكون لهم عذرهم في التمسك به ، وكذلك لم نرسل إليهم قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ نذيرا يدعوهم إلى عبادة الأصنام ، ويخوفهم من ترك عبادتها.

وما دام الأمر كذلك ، فمن أين أتوا بهذا التصميم على شركهم ، وبهذا الإنكار للحق الذي

٣٠٣

جاءهم؟ إن أمرهم هذا لهو في غاية الغرابة والعجب.

فالمقصود من الآية الكريمة تجهيلهم والتهكم بهم ، ونفى أن يكون عندهم حتى ما يشبه الدليل على صحة ما هم فيه من شرك.

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ).

ثم بين لهم ـ سبحانه ـ بعد ذلك هوان أمرهم. وتفاهة شأنهم بالنسبة لمن سبقوهم ، فقال : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ ، فَكَذَّبُوا رُسُلِي ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ).

والمعشار بمعنى العشر وهو لغة فيه. تقول : عندي عشر دينار ومعشار دينار ، قال أبو حيان : والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع. ومعناهما : العشر والربع .. (١).

والضمير في قوله (وَما بَلَغُوا) يعود لكفار مكة ، وقوله : (ما آتَيْناهُمْ) وفي قوله : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) يعود إلى الأمم السابقة.

والنكير : مصدر كالإنكار ، وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل.

والمعنى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لتكذيب قومك لك ، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم ، وإن قومك لم يبلغوا من القوة والغنى والكثرة .. عشر ما كان عليه سابقوهم ، ولكن لما كذب أولئك السابقون أنبياءهم ، أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، بأن دمرناهم جميعا.

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للتهويل. والجملة الكريمة معطوفة على مقدر والمعنى : فحين تمادوا في تكذيب رسلي ، جاءهم إنكارى بالتدمير ، فكيف كان إنكارى عليهم بالتدمير والإهلاك؟ لقد كان شيئا هائلا فظيعا تركهم في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ، فعلى قومك أن يحذروا من أن يصيبهم مثله.

وجعل ـ سبحانه ـ التدمير إنكارا ، تنزيلا للفعل منزلة القول ، كما في قول بعضهم : ونشتم بالأفعال لا بالتكلم.

ويرى بعضهم أن الضمير في قوله (وَما بَلَغُوا) يعود على الذين من قبلهم ، وفي قوله (آتَيْناهُمْ) يعود إلى كفار مكة.

__________________

(١) تفسير البحر المحيط ج ٧ ص ٢٩٠.

٣٠٤

وقد رجح الإمام الرازي هذا الرأى فقال ما ملخصه : قال المفسرون : معنى الآية : ما بلغ هؤلاء المشركون معشار ما آتينا المتقدمين .. ثم إن الله أخذ هؤلاء المتقدمين ، دون أن تنفعهم قوتهم ، لما كذبوا رسلهم ، فكيف حال هؤلاء الضعفاء ـ وهم قومك.

ثم قال ـ رحمه‌الله ـ : وعندي وجه آخر في معنى الآية ، وهو أن يقال : وكذب الذين من قبلهم ، وما بلغوا معشار ما آتيناهم ، أى : الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا قومك من البيان والبرهان. وذلك لأن كتابك يا محمد أكمل من سائر الكتب.

فإذا كنت قد أنكرت على المتقدمين لما كذبوا رسلهم ـ مع أنهم لم يؤتوا معشار ما أوتى قومك من البيان ـ ، فكيف لا أنكر على قومك بعد تكذيبهم لأوضح الكتب ، وأفصح الرسل .. (١) ويبدو لنا أن المعنى الأول الذي عبر عنه الإمام الرازي بقوله : قال المفسرون ، هو الأرجح لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة ، لأنه يفيد التقليل من شأن مشركي مكة ، بالنسبة لمن سبقهم من الأمم ، من ناحية القوة والغنى.

وفي القرآن الكريم آيات متعددة تؤيد هذا المعنى ، منها قوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها ، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢).

وبعد هذا الحديث عن أقوال المشركين في شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي شأن القرآن .. وبعد هذا الرد الملزم لهم ، والمزهق لباطلهم. بعد كل ذلك لقن الله ـ تعالى ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجج القاطعة ، والأقوال الحكيمة ، التي تهدى إلى الرشد بأبلغ أسلوب ، وأصدق بيان ، فقال ـ تعالى ـ :

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٢٤.

(٢) سورة الروم. الآية ٩.

٣٠٥

قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)(٥٠)

وقوله ـ تعالى ـ (أَعِظُكُمْ) من الوعظ ، وهو تذكير الغير بالخير والبر بكلام مؤثر رقيق يقال : وعظه يعظه وعظا وعظة ، إذا أمره بالطاعة ووصاه بها.

وقوله (بِواحِدَةٍ) صفة لموصوف محذوف.

والتقدير : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين الذين قالوا الكذب في شأنك وفي شأن ما جئت به ، قل لهم : إنما أعظكم وآمركم وأوصيكم بكلمة واحدة ، أو بخصلة واحدة.

ثم فسر ـ سبحانه ـ هذه الكلمة بقوله : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى). والمراد بالقيام هنا : التشمير عن ساعد الجد ، وتلقى ما جاءهم به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقلب مفتوح. وعقل واع ، ونفس خالية من التعصب والحقد والعكوف على التقليد.

و (مَثْنى وَفُرادى) أى : متفرقين اثنين اثنين ، وواحدا واحدا ، وهما منصوبان على الحال.

(ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) بعد ذلك في أمر هذا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي أمر رسالته ، وفي أمر ما جاء به من عند ربه ، فعند ذلك ترون أنه على الحق ، وأنه قد جاءكم بما يسعدكم.

فالآية الكريمة تأمرهم أن يفكر كل اثنين بموضوعية وإنصاف في أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم يعرض كل واحد منهما حصيلة تفكيره على صاحبه ، وأن يفكر كل واحد منهم على انفراد ـ أيضا في شأن هذا الرسول ، من غير تعصب وهوى.

وقدم الاثنين في القيام على المنفرد ، لأن تفكير الاثنين في الأمور بإخلاص واجتهاد وتقدير ، أجدى في الوصول إلى الحق من تفكير الشخص الواحد ولم يأمرهم بأن يتفكروا في جماعة ، لأن العقلية الجماعية كثيرا ما تتبع الانفعال الطارئ ، وقلما تتريث في الحكم على الأمور.

٣٠٦

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : والمعنى : إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها ، أصبتم الحق ، وتخلصتم من الباطل ـ ، وهي : أن تقوموا لوجه الله خالصا ، متفرقين اثنين اثنين ، وواحدا واحدا ، (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما جاء به.

أما الاثنان : فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه ، وينظران فيه متصادقين متناصفين ، لا يميل بهما اتباع هوى ، ولا ينبض لهما عرق عصبية ، حتى يهجم بهما الفكر الصالح ، والنظر الصحيح على جادة الحق.

وكذلك الفرد : يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ، ويعرض فكره على عقله وذهنه ، وما استقر عنده من عادات العقلاء ، ومجاري أحوالهم. والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى ، أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ، ويعمى البصائر ، ويمنع من الروية ، ويخلط القول. ومع ذلك يقل الإنصاف ويكثر الاعتساف : ويثور عجاج التعصب (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) كلام مستأنف جيء به لتنزيه ساحته صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما افتراه عليه المفترون من كونه قد أصيب بالجنون.

أى : اجتمعوا اثنين اثنين ، أو واحدا واحدا ، ثم تفكروا بإخلاص وروية فترون بكل تأكيد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس به شيء من الجنون ، إنما هو أرجح الناس عقلا ، وأصدقهم قولا ، وأفضلهم علما ، وأحسنهم عملا ، وأزكاهم نفسا ، وأنقاهم قلبا ، وأجمعهم لكل كمال يشرى.

وقوله ـ تعالى ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) بيان لوظيفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى : ليس به صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جنون ، وإنما هو نذير لكم ، يحذركم ويخوفكم من العذاب الشديد الذي سينزل بكم يوم القيامة ، إذا ما بقيتم على شرككم وكفركم ، وهذا العذاب ليس بعيدا عنكم.

قال الإمام ابن كثير : قال الامام أحمد : حدثنا بشير بن المهاجر ، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما فنادى ثلاث مرات فقال : «أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم فقال : «إنما مثلي ومثلكم كمثل قوم خافوا عدوا يأتيهم. فبعثوا رجلا يتراءى لهم ، فبينما هو كذلك أبصر العدو ، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه ، فأهوى بثوبه وقال : أيها الناس أوتيتم. أيها الناس أوتيتم ...»

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٩٠.

٣٠٧

وبهذا الاسناد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بعثت أنا والساعة جميعا ، إن كادت لتسبقني» (١).

ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثانية أن يصارحهم بأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم فقال : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم. بعد أن دعوتهم إلى التفكير الهادئ ، المتأنى في أمرك : إنى ما طلبت منكم أجرا على دعوتي إياكم إلى الحق والخير ، وإذا فرض وطلبت فهو مردود عليكم. لأنى لا ألتمس أجرى إلا من الله ـ تعالى ـ وحده ، وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء شهيد ورقيب ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

قال الآلوسى قوله : قل ما سألتكم من أجر ، أى : مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة (فَهُوَ لَكُمْ) والمراد نفى السؤال رأسا ، كقولك لصاحبك إن أعطيتنى شيئا فخذه ، وأنت تعلم أنه لم يعطك شيئا : فما شرطية. مفعول (سَأَلْتُكُمْ) وقوله (فَهُوَ لَكُمْ) الجواب ـ وقيل هي موصولة ، والعائد محذوف ، ومن للبيان ودخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط. أى : الذي سألتكموه من الأجر فهو لكم ، وثمرته تعود إليكم (٢).

ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الثالثة ، أن يبين لهم أنهم لا قدرة لهم على مجادلته أو محاربته ، لأن الله ـ تعالى ـ قد سلحه بما ينصره عليهم فقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وأصل القذف : الرمي بقوة وشدة والمراد به هنا : ما يوحيه الله ـ تعالى ـ على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرآن وتوجيهات وإلهامات ، والباء في قوله (بِالْحَقِ) للسببية.

أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إن ربي يلقى الوحى إلى وإلى أنبيائه ، بسبب الحق الذي كلفهم بتبليغه إلى الناس ، وهو ـ سبحانه ـ وحده علام الغيوب.

قال الجمل : ما ملخصه قوله : (يَقْذِفُ بِالْحَقِ) يجوز أن يكون مفعوله محذوفا ، لأن القذف في الأصل الرمي ، وعبر به هنا عن الإلقاء. أى : يلقى الوحى إلى أنبيائه بالحق ، أى : بسبب الحق ، أو متلبسا الحق.

ويجوز أن يكون التقدير : يقذف الباطل بالحق ، كما قال ـ تعالى ـ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥١٣.

(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٥٥.

٣٠٨

ويجوز أن يكون المعنى : قل إن ربي يقضى ويحكم بالحق ، بتضمين «يقذف» معنى يقضى ويحكم (١).

ثم أمره ـ عزوجل ـ للمرة الرابعة أن يبين لهم أن باطلهم سيزول لا محالة وسينتهي أمره انتهاء لن تقوم له بعد قائمة فقال ـ تعالى ـ (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) والإبداء : هو فعل الأمر ابتداء. والإعادة : فعله مرة أخرى ، ولا يخلو الحي منهما ، فعدمهما كناية عن هلاكه. كما يقول : فلان لا يأكل ولا يشرب ، كناية عن هلاكه.

أى : قل أيها الرسول لهؤلاء الكافرين ، لقد جاء الحق المتمثل في دين الإسلام الذي أرسلنى به إليكم ربي ، ومادام الإسلام قد جاء ، فإن الباطل المتمثل في الكفر الذي أنتم عليه ، قد آن له أن يذهب وأن يزول ، وأن لا يبقى له إبداء أو إعادة ، فقد اندثر وأهيل عليه بالتراب إلى غير رجعة.

ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الخامسة أن يصارحهم بأنه مسئول أمام الله عما يرشدهم إليه ، وأنهم ليسوا مسئولين عن هدايته أو ضلاله ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي ، وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي).

أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الإرشاد والتنبيه ، إنى إن ضللت عن الصراط المستقيم ، وعن اتباع الحق ، فإنما إثم ضلالي على نفسي وحدها لا عليكم ، وإن اهتديت إلى طريق الحق والصواب ، فاهتدائى بسبب ما يوحيه الله ـ تعالى ـ إلى من توجيهات حكيمة ، وإرشادات قويمة ، (إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (سَمِيعٌ) لكل شيء (قَرِيبٌ) منى ومنكم.

وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة قد أمرت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس مرات ، أن يخاطب المشركين بما يقطع عليهم كل طريق للتشكيك في شأن دعوته ، وبما يوصلهم إلى طريق الهداية والسعادة لو كانوا يعقلون :

وأخيرا نرى سورة «سبأ» تختتم بهذه الآيات ، التي تصور تصويرا مؤثرا ، حالة الكافرين عند ما يخرجون من قبورهم للبعث والحساب ، يعلوهم الهلع والفزع ، ويحال بينهم وبين ما يشتهون ، لأن توبتهم جاءت في غير أوانها ... قال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) حاشية الجمل ج ٣ ص ٤٨٠.

٣٠٩

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(٥٤)

وجواب (لَوْ) محذوف. وكذلك مفعول (تَرى). والفزع : حالة من الخوف والرعب تعترى الإنسان عند ما يشعر بما يزعجه ويخيفه. والفوت : النجاة والمهرب.

وهذا الفزع للكافرين يكون عند خروجهم من قبورهم للبعث والحساب ، أو عند قبض أرواحهم.

أى : ولو ترى ـ أيها العاقل ـ حال الكافرين ، وقت خروجهم من قبورهم للحساب ، وقد اعتراهم الفزع والهلع .. لرأيت شيئا هائلا ، وأمرا عظيما ...

وقوله (فَلا فَوْتَ) أى : فلا مهرب لهم ولا نجاة يومئذ من الوقوف بين يدي الله ـ تعالى ـ للحساب ، ولمعاقبتهم على كفرهم وجحودهم ...

وقوله : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) معطوف على (فَزِعُوا) أى : فزعوا دون أن ينفعهم هذا الفزع ، وأخذوا ليلقوا مصيرهم السيئ من مكان قريب من موقف الحساب.

قال الآلوسى : والمراد بذكر قرب المكان ، سرعة نزول العذاب بهم والاستهانة بهم وبهلاكهم ، وإلا فلا قرب ولا بعد بالنسبة إلى الله ـ عزوجل ـ ...» (١).

(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) أى : وقال هؤلاء الكافرون عند ما رأوا العذاب المعد لهم في الآخرة : آمنا بالله ـ تعالى ـ وبأنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لا معبود بحق سواه ، وآمنا بهذا الدين الذي جاءنا به رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) بيان لعدم انتفاعهم بما قالوه من إظهار الإيمان في هذا الوقت.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٥٧.

٣١٠

والتناوش : التناول. يقال : فلان ناش الشيء ينوشه نوشا إذا تناوله. ومنه قولهم : تناوشوا بالرماح ، أى : تناول بعضهم بعضا بها.

أى : لقد قالوا بعد البعث آمنا بهذا الدين ، ومن أين لهم في الآخرة تناول الإيمان والتوبة من الكفر ، وكان ذلك قريبا منهم في الدنيا فضيعوه ، وكيف يظفرون به في الآخرة وهي بعيدة عن دار الدنيا التي هي محل قبول الإيمان.

فالجملة الكريمة تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد أن فات أوانه ، وأن هذا الطلب في نهاية الاستبعاد كما يدل عليه لفظ (أَنَّى).

قال صاحب الكشاف : والتناوش والتناول أخوان. إلا أن التناوش تناول سهل لشيء قريب ...

وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم في هذا الوقت ، كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا. مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة ـ أى : من مكان بعيد ـ ، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه ...» (١).

وقوله ـ سبحانه ـ (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أى : قالوا آمنا بأن يوم القيامة حق ، والحال أنهم قد كفروا به من قبل في الدنيا ، عند ما دعاهم إلى الإيمان به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) بيان لما كانوا عليه في الدنيا من سفاهة في القول ، وجرأة في النطق بالباطل ، وفيما لا علم لهم به.

والعرب تقول لكل من تكلم فيما لا يعلمه : هو يقذف ويرجم بالغيب ، والجملة الكريمة معطوفة على قوله : (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ).

أى : لقد كفروا بهذا الدين في الدنيا ، وكانوا ينطقون بأقوال لا علم لهم بها ، وبينها وبين الحق والصدق مسافات بعيدة. فقد نسبوا إلى الله ـ تعالى ـ الولد والشريك ، ويقولون في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه ساحر ... ، وفي شأن البعث : إنه لا حقيقة له ، وفي شأن القرآن : إنه أساطير الأولين.

فالمقصود بالآية تقريعهم وتجهيلهم ، على ما كانوا يتفوهون به من كلام ساقط ، بينه وبين الحقيقة مسافات بعيدة.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ببيان حرمانهم التام مما يشتهونه فقال : (وَحِيلَ

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٩٣.

٣١١

بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ).

وقوله (حِيلَ) فعل مبنى للمجهول مأخوذ من الحول بمعنى المنع والحجز. تقول حال الموج بيني وبين فلان. أى : منعني من الوصول إليه ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).

أى : وحجز وفصل بين هؤلاء المشركين يوم القيامة (وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) ويتمنون من قبول إيمانهم في هذا اليوم ، أو من العفو عنهم في هذا اليوم ، أو من العفو عنهم ورجوعهم إلى الدنيا .. حيل بينهم وبين كل ذلك ، (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) أى : كما هو الحال بالنسبة لأمثالهم ونظرائهم الذين سبقوهم في الكفر.

(إِنَّهُمْ كانُوا) جميعا على نمط واحد (فِي شَكٍ) من أمر هذا الدين (مُرِيبٍ) أى : موقع في الريبة.

وبعد : فهذا تفسير وسيط لسورة «سبأ» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

٣١٢

تفسير

سورة فاطر

٣١٣
٣١٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة فاطر هي السورة الخامسة والثلاثون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة الفرقان ـ كما ذكر صاحب الإتقان (١).

وهي من السور المكية الخالصة ، وتسمى أيضا ـ بسورة «الملائكة».

قال القرطبي : هي مكية في قول الجميع. وهي خمس وأربعون آية (٢).

٢ ـ سورة فاطر هي آخر السور التي افتتحت بقوله ـ تعالى ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وقد سبقها في هذا الافتتاح سور : الفاتحة ، والأنعام ، والكهف ، وسبأ.

قال ـ سبحانه ـ في افتتاح سورة فاطر : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

٣ ـ ثم تحدث ـ سبحانه ـ بعد ذلك عن مظاهر نعمه على عباده ورحمته بهم ، فقال : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.) ...

٤ ـ ثم توجه السورة الكريمة نداءين إلى الناس ، تأمرهم في أولهما بشكر الله ـ تعالى ـ على نعمه ، وتنهاهم في ثانيهما عن الاغترار بزينة الحياة الدنيا وعن اتباع خطوات الشيطان ..

قال ـ سبحانه ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ، هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ... وقال ـ جل شأنه ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ).

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٢٧ للسيوطي.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣١٨.

٣١٥

٥ ـ وبعد أن تسلى السورة الكريمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما أصابه من أعدائه ، تأخذ في بيان مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في خلقه ، فتذكر قدرته ـ سبحانه ـ في إرسال الرياح والسحب ، وفي خلقه للإنسان من تراب ، وفي إيجاده للبحرين : أحدهما عذب فرات سائغ شرابه ، والثاني : ملح أجاج ، وفي إدخاله الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وفي تسخيره الشمس والقمر ..

قال ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ، وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ، وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ، وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ ، لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).

٦ ـ ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء ثالثا إلى الناس ، بين لهم فيه : افتقارهم اليه ـ تعالى ـ وحاجتهم إلى عونه وعطائه ، وتحمل كل إنسان لمسئولياته ولنتائج أعماله ..

كما بين لهم ـ سبحانه ـ أن الفرق بين الهدى والضلال ، كالفرق بين الإبصار والعمى ، وبين النور والظلمات ، وبين الحياة والموت ، وبين الظل والحرور.

قال ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ. وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ، إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ).

٧ ـ ثم عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، وعن الثواب العظيم الذي أعده ـ سبحانه ـ لمن يتلون كتابه ولمن يحافظون على فرائضه ـ وعن عقابه الأليم للكافرين الجاحدين لنعمه ..

قال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها ، وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها ، وَغَرابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ ، إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ، يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ).

ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ ، لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).

٨ ـ ثم انتقلت السورة الكريمة في أواخرها إلى الحديث عن جهالات المشركين ، حيث عبدوا من دون الله ـ تعالى ـ مالا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، وعن مكرهم السيئ الذي لا يحيق

٣١٦

إلا بأهله ، وعن نقضهم لعهودهم حيث (أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) ...

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ببيان سعة رحمته بالناس فقال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً).

٩ ـ وهكذا نرى سورة فاطر قد طوفت بالنفس الإنسانية في أرجاء هذا الكون ، وأقامت الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته. عن طريق نعم الله ـ تعالى ـ المبثوثة في الأرض وفي السماء ، وفي الليل وفي النهار ، وفي الشمس وفي القمر : وفي الرياح وفي السحب ، وفي البر وفي البحر .. وفي غير ذلك من النعم التي سخرها ـ سبحانه ـ لعباده.

كما نراها قد حددت وظيفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وساقت له ما يسليه ويزيده ثباتا على ثباته ، وما يرشد كل عاقل إلى حسن عاقبة الأخيار ، وسوء عاقبة الأشرار.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

٣١٧

التفسير

قال الله تعالى :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٣)

افتتحت سورة «فاطر» كما سبق أن ذكرنا عند تفسيرنا لسورة «سبأ» بتقرير الحقيقة الأولى في كل دين ، وهي أن المستحق للحمد المطلق ، والثناء الكامل ، هو الله رب العالمين.

والحمد : هو الثناء باللسان على الجميل الصادر عن اختيار من نعمة وغيرها.

و «أل» في الحمد للاستغراق. بمعنى أن المستحق لجميع المحامد ، ولكافة ألوان الثناء هو الله ـ تعالى ـ (١).

وقوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى خالقهما وموجدهما على غير مثال يحتذي ، إذ المراد بالفطر هنا : الابتداء والاختراع للشيء الذي لم يوجد ما يشبهه من قبل.

__________________

(١) راجع تفسيرنا لأوائل سور : الفاتحة ـ الأنعام ـ الكهف ـ سبأ.

٣١٨

قال القرطبي : والفاطر : الخالق ، والفطر ـ بفتح الفاء ـ : الشق عن الشيء. يقال : فطرته فانفطر. ومنه : فطر ناب البعير ، أى : طلع. وتفطر الشيء ، أى : تشقق ...

والفطر : الابتداء والاختراع. قال ابن عباس : كنت لا أدرى ما (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أى : أنا ابتدأتها ..

والمراد بذكر السموات والأرض : العالم كله. ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء ، قادر على الإعادة (١).

والمعنى : الحمد المطلق والثناء التام الكامل لله ـ تعالى ـ وحده ، فهو ـ سبحانه ـ الخالق للسموات والأرض ، ولهذا الكون بأسره ، دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، أو يشاركه فيما خلق وأوجد مشارك.

وقوله ـ تعالى ـ : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ التي لا يعجزها شيء.

والملائكة : جمع ملك. والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملاك. وهم جند من خلق الله ـ تعال ـ وقد وصفهم ـ سبحانه ـ بصفات متعددة ، منها : أنهم (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) وأنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ). (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).

قال الجمل : وقوله : جاعل الملائكة ، أى : بعضهم. إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم. وقوله : (أُولِي أَجْنِحَةٍ) نعت لقوله (رُسُلاً) ، وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا. أو هو نعت للملائكة ، وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهي صفة كاشفة .. (٢).

وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أسماء معدول بها عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وهي ممنوعة من الصرف ، للوصفية والعدل عن المكرر وهي صفة لأجنحة.

أى : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض بقدرته ، والذي جعل الملائكة رسلا إلى أنبيائه. وإلى من يشاء من عباده ، ليبلغوهم ما يأمرهم ـ سبحانه ـ بتبليغه إليهم ..

وهؤلاء الملائكة المكرمون ، ذوو أجنحة عديدة. منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، لأن المراد بهذا الوصف ، بيان كثرة الأجنحة لا حصرها.

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣١٩.

(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٨٣.

٣١٩

قال الآلوسى ما ملخصه قوله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) .. معناه : جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة ، أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه ، كالأمطار والرياح وغيرهما.

وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) معناه : أن من الملائكة من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا دلالة في الآية على نفى الزائد ، وما ذكر من عد للدلالة على التكثير والتفاوت ، لا للتعيين ولا لنفى النقصان عن اثنين ..

فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود في قوله ـ تعالى ـ (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح .. (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، من كمال قدرته ، ونفاذ إرادته.

أى يزيد ـ سبحانه ـ في خلق كل ما يزيد خلقه ما يشاء أن يزيده من الأمور التي لا يحيط بها الوصف ، ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء ، وكذلك ينقص في الخلق ما يشاء ، والكل جاء على مقتضى الحكمة والتدبير.

قال صاحب الكشاف : قوله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أى : يزيد في خلق الأجنحة ، وفي غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته.

والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق : من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة في العقل ، وجزالة في الرأى ، وجرأة في القلب ، وسماحة في النفس ، وذلاقة في اللسان ، ولباقة في التكلم ، وحسن تأن في مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف .. (٢).

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى : إن الله ـ تعالى ـ لا يعجزه شيء يريده ، لأنه قدير على فعل كل شيء ، فالجملة الكريمة تعليل لما قبلها من كونه ـ سبحانه ـ يزيد في الخلق ما يشاء ، وينقص منه ما يشاء.

وقوله ـ تعالى ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها.) .. بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٦١.

(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٩٥.

٣٢٠