التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١١

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١١

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0691-4
الصفحات: ٣٦٧

اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٥٩)

قال القرطبي : لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ) .. (١).

فالآية الكريمة مسوقة لبيان من لا يجب على النساء أن يحتجبن منه.

أى : لا حرج ولا إثم على أمهات المؤمنين ولا على غيرهن من النساء ، في ترك الحجاب بالنسبة لآبائهن ، أو أبنائهن أو إخوانهن ، أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن ، أو نسائهن اللاتي تربطهن بهن رابطة قرابة أو صداقة ، أو ما ملكت أيمانهن من الذكور أو الإناث.

فهؤلاء يجوز للمرأة أن تخاطبهم بدون حجاب ، وأن تظهر أمامهم بدون ساتر. وهذا لون من ألوان اليسر والسماحة في شريعة الإسلام.

ولم يذكر سبحانه ـ العم والخال ، لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وقد يسمى العم أبا. كما في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يعقوب : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ، إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ، قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وإسماعيل كان عما ليعقوب لا أبا له.

قال الجمل : وقوله : (وَلا نِسائِهِنَ) أى : ولا جناح على زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عدم الاحتجاب عن نسائهن ، أى : عن النساء المسلمات وإضافتهن لهن من حيث المشاركة في الوصف ، وهو الإسلام ، وأما النساء الكافرات فيجب على أزواج النبي الاحتجاب عنهن ،

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٣١.

٢٤١

كما يجب على سائر المسلمات. أى : ما عدا ما يبدو عند المهنة ، أما هو فلا يجب على المسلمات حجبه وستره عن الكافرات (١).

وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : في سورة النور : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ آبائِهِنَّ ، أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ أَبْنائِهِنَّ ، أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ.) .. الآية.

ثم عقب. سبحانه هذا الترخيص والتيسير بقوله : (وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً).

والجملة الكريمة معطوفة على محذوف ، والتقدير : لقد أبحت لكن يا معشر النساء مخاطبة هؤلاء الأصناف بدون حجاب : فامتثلن أمرى ، واتقين الله ـ تعالى ـ في كل أحوالكن ، واحرصن على العفاف والتستر والاحتشام ، لأن الله ـ تعالى ـ مطلع على كل ما يصدر عنكن ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.

ثم أثنى الله ـ تعالى ـ على نبيه ثناء كبيرا وأمر المؤمنين بأن يعظموه ويوقروه فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

قال القرطبي ما ملخصه : هذه الآية شرف الله بها رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حياته وموته ، وذكر منزلته منه .. والصلاة من الله رحمته ورضوانه ، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره ..

والضمير في (يُصَلُّونَ) لله ـ تعالى ـ ولملائكته. وهذا قول من الله شرف به ملائكته ..

أو في الكلام حذف. والتقدير : إن الله يصلى وملائكته يصلون (٢).

وقال ابن كثير : والمقصود من هذه الآية الكريمة ، أن الله ـ تعالى ـ أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى : بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه ، ثم أمر الله أهل العالم السفلى بالصلاة والتسليم عليه. ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلى جميعا (٣).

والمعنى : إن الله ـ تعالى ـ يثنى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويرضى عنه ، وإن الملائكة تثنى عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتدعو له بالظفر بأعلى الدرجات وأسماها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) أى : عظموه ووقروه وادعوا له بأرفع الدرجات (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أى : وقولوا : السلام عليك أيها النبي. والسلام : مصدر بمعنى السلامة.

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٥٤.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٣٢.

(٣) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٤٧.

٢٤٢

أى : السلامة من النقائص والآفات ملازمة لك.

والتعبير بالجملة الاسمية في صدر الآية ، للإشعار بوجوب المداومة والاستمرار على ذلك.

وخص المؤمنين بالتسليم ، لأن الآية وردت بعد النهى عن إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والإيذاء له صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما يكون من البشر.

وقد ساق المفسرون ـ وعلى رأسهم ابن كثير والقرطبي والآلوسى ـ أحاديث متعددة في فضل الإكثار من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي كيفية الصلاة عليه ..

ومنها : ما رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن عامر بن ربيعة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من صلّى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلّى على ، فليقلّ عبد من ذلك أو ليكثر».

ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام ، فكيف الصلاة عليك ، قال : قولوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (١).

والآية الكريمة تدل على وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون الصادقون هم الذين يكثرون من ذلك. قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت : بل واجبة ، وقد اختلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنهم من قال تجب في كل مجلس مرة ، وإن تكرر ذكره.

ومنهم من أوجبها في العمر مرة .. والذي يقتضيه الاحتياط : الصلاة عليه عند كل ذكر .. لما ورد من الأخبار في ذلك.

ومنها : «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على» (٢).

ثم توعد ـ سبحانه ـ الذين يسيئون إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأى لون من ألوان الإساءة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً).

والمراد بأذى الله ورسوله : ارتكاب ما يبغضان ويكرهان من الكفر والفسوق والعصيان ،

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٤٨ وما بعدها إلى صن ٤٦٩.

(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٥٧.

٢٤٣

ويشمل ذلك ما قاله اليهود : عزير ابن الله ، ويد الله مغلولة ، وما قاله النصارى : من أن المسيح ابن الله ، كما يشمل ما قاله الكافرون في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنه كاهن أو ساحر أو شاعر ..

وقيل : إن المقصود بالآية هنا : إيذاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، وذكر الله ـ تعالى ـ معه للتشريف ، وللإشارة إلى أن ما يؤذى الرسول يؤذى الله ـ تعالى ـ ، كما جعلت طاعة الرسول ، طاعة لله.

قال ابن كثير : والظاهر أن الآية عامة في كل من آذى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشيء ، فإن من آذاه فقد آذى الله ، ومن أطاعه فقد أطاع الله ، ففي الحديث الشريف : «الله الله في أصحابى ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» (١).

أى : إن الذين يؤذون الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بارتكاب مالا يرضياه من كفر أو شرك أو فسوق أو عصيان ..

(لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أى : طرد الله ـ تعالى ـ هؤلاء الذين ارتكبوا الأذى من رحمته ، وأبعدهم من رضاه في الدنيا والآخرة.

(وَأَعَدَّ لَهُمْ) ـ سبحانه ـ في الآخرة (عَذاباً مُهِيناً) أى : عذابا يهينهم ويجعلهم محل الاحتقار والازدراء من غيرهم.

وبعد هذا الوعيد الشديد لمن آذى الله ورسوله ، جاء وعيد آخر لمن آذى المؤمنين والمؤمنات ، فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ، فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

أى : والذين يرتكبون في حق المؤمنين والمؤمنات ما يؤذيهم في أعراضهم أو في أنفسهم أو في غير ذلك مما يتعلق بهم ، دون أن يكون المؤمنون أو المؤمنات قد فعلوا ما يوجب أذاهم ..

(فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أى : فقد ارتكبوا إثما شنيعا ، وفعلا قبيحا ، وذنبا ظاهرا بينا ، بسبب إيذائهم للمؤمنين والمؤمنات.

وقال ـ سبحانه ـ هنا (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ولم يقل ذلك في الآية السابقة عليها ، لأن الناس بطبيعتهم يدفع بعضهم بعضا ، ويعتدى بعضهم على بعض ، ويؤذى بعضهم بعضا ، أما

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٦٩.

٢٤٤

الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يتصور منهما ذلك.

وجمع ـ سبحانه ـ في ذمهم بين البهتان والإثم المبين ، للدلالة على فظاعة ما ارتكبوه في حق المؤمنين والمؤمنات ، إذ البهتان هو الكذب الصريح الذي لا تقبله العقول ، بل يحيرها ويدهشها لشدته وبعده عن الحقيقة.

والإثم المبين : هو الذنب العظيم الظاهر البين ، الذي لا يخفى قبحه على أحد.

روى ابن أبى حاتم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «أى الربا أربى عند الله؟.

قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أربى الربا عند الله ، استحلال عرض امرئ مسلم» ثم قرأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية (١).

ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عامة ، بالاحتشام والتستر في ملابسهن فقال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ ، يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ.) ...

قال الآلوسى : روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة ، تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل ، من غير تمييز بين الحرائر والإماء ، وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء ، وربما تعرضوا للحرائر ، فإذا قيل لهم قالوا : حسبناهن إماء ، فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي والتستر فلا يطمع فيهن .. (٢).

وقوله : (يُدْنِينَ) من الإدناء بمعنى التقريب ، ولتضمنه معنى السدل والإرخاء عدّى بعلى. وهو جواب للأمر ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ.) ...

والجلابيب : جمع جلباب ، وهو ثوب يستر جميع البدن ، تلبسه المرأة ، فوق ثيابها.

والمعنى : يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك ، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك ، وقل لنساء المؤمنين كافة ، قل لهن : إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن ، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن ، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما ، من رءوسهن إلى أقدامهن ، زيادة في التستر والاحتشام ، وبعدا عن مكان التهمة والريبة.

قالت أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ : لما نزلت هذه الآية ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٧٠.

(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٨٨.

٢٤٥

وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) بيان للحكمة من الأمر بالتستر والاحتشام.

أى : ذلك التستر والاحتشام والإدناء عليهن من جلابيبهن يجعلهن أدنى وأقرب إلى أن يعرفن ويميزن عن غيرهن من الإماء ، فلا يؤذين من جهة من في قلوبهم مرض.

قال بعض العلماء : وقد يقال إن تأويل الآية على هذا الوجه ، وقصرها على الحرائر ، قد يفهم منه أن الشارع قد أهمل أمر الإماء ، ولم يبال بما ينالهن من الإيذاء ممن ضعف إيمانهم ، مع أن في ذلك من الفتنة ما فيه ، فهلا كان التصون والتستر عاما في جميع النساء؟

والجواب ، أن الإماء بطبيعة عملهن يكثر خروجهن وترددهن في الأسواق ، فإذا كلفن أن يتقنعن ويلبسن الجلباب السابغ كلما خرجن ، كان في ذلك حرج ومشقة عليهن ، وليس كذلك الحرائر فإنهن مأمورات بعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة ومع ذلك فإن القرآن الكريم قد نهى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات جميعا ، سواء الحرائر والإماء ، وتوعد المؤذين بالعذاب المهين .. والشارع ـ أيضا ـ لم يحظر على الإماء التستر والتقنع ، ولكنه لم يكلفهن بذلك دفعا للحرج والعسر ، فللأمة أن تلبس الجلباب السابغ متى تيسر لها ذلك .. (١).

هذا ، ويرى الإمام أبو حيان أن الأرجح أن المراد بنساء المؤمنين ، ما يشمل الحرائر والإماء وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع ، وأن الحكمة من وراء هذا الأمر بإسدال الجلابيب عليهن ، درء التعرض لهن بسوء من ضعاف الإيمان.

فقد قال ـ رحمه‌الله ـ : والظاهر أن قوله : (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن ، بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح .. (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين بما يكرهن ، لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها (٢).

ويبدو لنا أن هذا الرأى الذي اتجه إليه أبو حيان ـ رحمه‌الله ـ أولى بالقبول من غيره ، لتمشيه مع شريعة الإسلام التي تدعو جميع النساء إلى التستر والعفاف.

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أى : وكان الله ـ تعالى ـ وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه توبة صادقة مما وقع فيه من أخطاء وسيئات.

__________________

(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٥٣ للشيخ محمد على السائس ـ رحمه‌الله ـ.

(٢) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٧ ص ٢٥٠.

٢٤٦

ثم هدد ـ سبحانه ـ المنافقين وأشباههم بسوء المصير ، إذا ما استمروا في إيذائهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين والمؤمنات. وبين ـ عزوجل ـ أن وقت قيام الساعة مرد علمه إليه وحده. وأن الكافرين عند قيامها سيندمون ولكن لن ينفعهم الندم ، فقال ـ تعالى ـ :

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً)(٦٨)

والمنافقون : جمع منافق ، وهو الذي يظهر الإسلام ويخفى الكفر.

والذين في قلوبهم مرض : هم قوم ضعاف الإيمان ، قليلو الثبات على الحق.

والمرجفون في المدينة : هم الذين كانوا ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين ويلقون الأكاذيب الضارة بهم ويذيعونها بين الناس. وأصل الإرجاف : التحريك الشديد للشيء ، مأخوذ من الرجفة التي هي الزلزلة. ووصف به الأخبار الكاذبة ، لكونها في ذاتها متزلزلة غير ثابتة ، أو لإحداثها الاضطراب في قلوب الناس.

٢٤٧

وقد سار بعض المفسرين ، على أن هذه الأوصاف الثلاثة ، كل وصف منها لطائفة معينة ، وسار آخرون على أن هذه الأوصاف لطائفة واحدة هي طائفة المنافقين ، وأن العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات.

قال القرطبي : قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ.) .. أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد ... والواو مقحمة كما في قول الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهما

م وليث الكتيبة في المزدحم

أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة.

وقيل : كان منهم قوم يرجفون ، وقوم يتبعون النساء للريبة ، وقوم يشككون المسلمين .. (١).

وقد سار صاحب الكشاف على أن هذه الأوصاف لطوائف متعددة من الفاسقين ، فقال : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قوم كان فيهم ضعف إيمان ، وقلة ثبات عليه ..

(وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقولون : هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت ، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين.

والمعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عدائكم وكيدكم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء ، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم وتنوؤهم (٢).

وقوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) جواب القسم. أى : لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد ، يقال : أغرى فلان فلانا بكذا ، إذا حرضه على فعله.

وقوله : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) معطوف على جواب القسم. أى : لنغرينك بهم ثم لا يبقون بعد ذلك مجاورين لك فيها إلا زمانا قليلا ، يرتحلون بعده بعيدا عنكم ، لكي تبتعدوا عن شرورهم.

وجاء العطف بثم في قوله : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) للإشارة إلى أن إجلاءهم عن المدينة نعمة عظيمة بالنسبة للمؤمنين ، ونقمة كبيرة بالنسبة لهؤلاء المنافقين وأشباههم. وقوله : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) أى : مطرودين من رحمة الله ـ تعالى ـ ومن فضله ، أينما وجدوا وظفر بهم المؤمنون.

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٤٦.

(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٦١.

٢٤٨

و (مَلْعُونِينَ) منصوب على الحال من فاعل (يُجاوِرُونَكَ) و (ثُقِفُوا) بمعنى وجدوا. تقول ثقفت الرجل في الحرب أثقفه ، إذا أدركته وظفرت به.

وقوله : (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) بيان لما يحيق بهم من عقوبات عند الظفر بهم.

أى : هم ملعونون ومطرودون من رحمة الله بسبب سوء أفعالهم ، فإذا ما أدركوا وظفر بهم ، أخذوا أسارى أذلاء ، وقتلوا تقتيلا شديدا ، وهذا حكم الله ـ تعالى ـ فيهم حتى يقلعوا عن نفاقهم وإشاعتهم قالة السوء في المؤمنين ، وإيذائهم للمسلمين والمسلمات.

ثم بين ـ سبحانه ـ أن سنته قد اقتضت تأديب الفجار والفسقة حتى يقلعوا عن فجورهم وفسقهم فقال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ.) .. وقوله : (لِسُنَّةِ) منصوب على أنه مصدر مؤكد. أى : سن الله ـ تعالى ـ ذلك سنة ، في الأمم الماضية من قبلكم ـ أيها المؤمنون ـ بأن جعل تأديب الذين يسعون في الأرض بالفساد ، ويؤذون أهل الحق ، سنة من سننه التي لا تتخلف.

(وَلَنْ تَجِدَ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (لِسُنَّةِ اللهِ) الماضية في خلقه (تَبْدِيلاً) أو تحويلا ، لقيامها على الإرادة الحكيمة ، والعدالة القويمة.

ثم بين ـ سبحانه ـ أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا هو فقال : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً).

والسائلون هنا قيل : هم اليهود ، وسؤالهم عنها كان بقصد التعنت والإساءة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أى : يسألك اليهود وأشباههم في الكفر والنفاق عن وقت قيام الساعة ، على سبيل التعنت والامتحان لك.

(قُلْ) لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ (إِنَّما) علم وقت قيامها عند الله ـ تعالى ـ وحده ، دون أى أحد سواه.

(وَما يُدْرِيكَ) أى : وما يعلمك (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أى. لعل قيامها وحصولها يتحقق في وقت قريب ؛ ولكن هذا الوقت مهما قرب لا يعلمه إلا علام الغيوب ـ سبحانه ـ.

ولقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويشير إلى إصبعيه السبابة والوسطى.

٢٤٩

ثم بين ـ تعالى ـ ما أعده للكافرين من عقاب فقال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) بأن طردهم من رحمته ، وأبعدهم عن مغفرته.

(وَأَعَدَّ لَهُمْ) فوق ذلك في الآخرة (سَعِيراً) أى : نارا شديدة الاشتعال والاتقاد.

(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أى : خالدين فيها خلودا أبديا لا خروج لهم منها معه.

(لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أى لا يجدون من يحول بينهم وبين الدخول في هذه النار المسعرة ، كما لا يجدون من يخلصهم من عذابها وسعيرها.

ثم بين ـ سبحانه ـ حسراتهم عند ما يحل بهم العذاب في الآخرة فقال : يوم تقلب وجوههم في النار ، يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.

و (يَوْمَ) ظرف لعدم الوجدان لمن يدافع عنهم أو ينصرهم أى : لا يجدون من يدفع عنهم العذاب : يوم تقلب وجوههم في النار تارة إلى جهة ، وتارة إلى جهة أخرى ، كما يقلب اللحم عند شوائه.

وحينئذ يقولون على سبيل التحسر والتفجع : يا ليتنا أطعنا الله ـ تعالى ـ فيما أمرنا به ، وأطعنا رسوله فيما جاءنا به من عند ربه.

قال صاحب الكشاف : وقوله : (تُقَلَّبُ) بمعنى تتقلب ، ومعنى تقليبها : تصريفها في الجهات ، كما ترى البيضة تدور في القدر إذا غلت ، فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة. أو تغييرها عن أحوالها وتحويلها عن هيئاتها ، أو طرحها في النار مقلوبة منكوسة.

وخصت الوجوه بالذكر ، لأنه الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة (١).

(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ، أى : وقال هؤلاء الكافرون ـ بعد هذا التحسر والتفجع ـ يا ربنا إنا أطعنا في الدنيا (سادَتَنا وَكُبَراءَنا) أى : ملوكنا ورؤساءنا وزعماءنا ، فجعلونا في ضلال عن الصراط المستقيم ، وعن السبيل الحق.

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أى : يا ربنا أنزل بهؤلاء السادات والكبراء عذابا مضاعفا ، بسبب ضلالهم في أنفسهم ، وبسبب إضلالهم لغيرهم.

(وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) أى واطردهم من رحمتك ، وأبعدهم عن مغفرتك ، إبعادا شديدا عظيما ، فهم الذين كانوا سببا لنا في هذا العذاب المهين الذي نزل بنا.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٦٢.

٢٥٠

وهكذا نرى الآيات الكريمة ، تصور لنا أحوال الكافرين في الآخرة هذا التصوير المؤثر ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة.

وبعد أن فصلت السورة الكريمة ما فصلت من أحكام ، وأرشدت إلى ما أرشدت من آداب ، وقصت ما قصت من أحداث .. بعد كل ذلك وجهت في أواخرها نداءين إلى المؤمنين ، أمرتهم فيهما بتقوى الله ـ تعالى ـ وبالاقتداء بالأخيار من عباده ، وباجتناب سلوك الأشرار ، كما ذكرتهم بثقل الأمانة التي رضوا بحملها ، وبحسن عاقبة الصالحين وسوء عاقبة المكذبين ، قال ـ تعالى ـ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٧٣)

والمراد بالذين آذوا موسى ـ عليه‌السلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى.) .. قومه الذين أرسله الله إليهم.

فقد حكى القرآن الكريم ألوانا من إيذائهم له ، ومن ذلك قولهم له : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.) .. وقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).

٢٥١

ومن إيذائهم له ـ عليه‌السلام ـ ما رواه الإمام البخاري والترمذي عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء ، فآذاه من آذاه من بنى إسرائيل ، وقالوا : ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما آفة. وإن الله ـ تعالى ـ أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإن موسى خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، وأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ بنى إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ـ تعالى ـ ، وأبرأه الله ـ تعالى ـ مما يقولون .. فذلك قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى.) .. (١).

والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذي سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى ـ عليه‌السلام ـ حيث آذوه بشتى أنواع الأذى.

وقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ.) .. واتخاذهم العجل إلها من دون الله في غيبة نبيهم موسى ـ عليه‌السلام ـ ..

(فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أى : فأظهر الله ـ تعالى ـ براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء.

(وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) أى : وكان عند الله ـ تعالى ـ ذا جاه عظيم ، ومكانة سامية ، ومنزلة عالية ، حيث نصره ـ سبحانه ـ عليهم ، واصطفاه لحمل رسالته ..

يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر ..

ثم أمرهم ـ سبحانه ـ بمراقبته وبالخوف منه ، بعد أن نهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في إيذائهم لنبيهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ...

والقول السديد : هو القول الصادق الصحيح الخالي من كل انحراف عن الحق والصواب ، مأخوذ من قولك : سدد فلان سهمه يسدده ، إذا وجهه بإحكام الى المرمى الذي يقصده فأصابه. ومنه قولهم : سهم قاصد. إذا أصاب الهدف.

أى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه في كل ما تأتون وما تذرون ، وفي كل ما تقولون وما تفعلون ، وقولوا قولا كله الصدق والصواب.

__________________

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٧٤.

٢٥٢

فإنكم إن فعلتم ذلك (يُصْلِحْ) الله ـ تعالى ـ (لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بأن يجعلها مقبولة عنده (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) التي فرطت منكم ، بأن يمحوها عنكم ببركة استقامتكم في أقوالكم وأفعالكم.

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في كل الأقوال والأعمال (فَقَدْ فازَ) في الدارين (فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره ، ولا يعلم أحد كنهه وعلو منزلته.

ثم بين ـ سبحانه ـ ضخامة التبعة التي حملها الإنسان فقال : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ...

وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا : أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله ـ تعالى ـ بها عباده ، من إخلاص في العبادة ، ومن أداء للطاعات ، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.

وسمى ـ سبحانه ـ ما كلفنا به أمانة ، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا ـ سبحانه ـ بها ، وائتمننا عليها ، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها ، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.

والمراد بالإنسان : آدم ـ عليه‌السلام ـ أو جنس الإنسان.

والمراد بحمله إياها : تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.

وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهات ، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته ، وأن الله ـ تعالى ـ قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة ، على السموات والأرض والجبال (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) لثقلها وضخامتها (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) أى : وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.

(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أى : وقبل الإنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه ، بعد أن أبت السموات والأرض والجبال حملها ، وأشفقن منها.

(إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أى : إنه كان مفرطا في ظلمه لنفسه ، ومبالغا في الجهل ، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله ـ تعالى ـ بأدائه. وإنما منهم من أداها على وجهها ـ وهم الأقلون ـ ، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه ، وخان الأمانة التي التزم بأدائها.

فالضمير في قوله (إِنَّهُ) يعود على بعض أفراد جنس الإنسان ، وهم الذين لم يؤدوا

٢٥٣

حقوق هذه الامانة التي التزموا بحملها.

قال الآلوسى : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أى : بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة ، دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله ويكفى في صدق الحكم على الجنس بشيء ، وجوده في بعض أفراده ، فضلا عن وجوده في غالبها .. (١).

وقال بعض العلماء : ورجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن.

وقد جاء فعلا في آية من كتاب الله ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ.) .. لأن الضمير في قوله : (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي ، كما هو ظاهر.

وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة : عندي درهم ونصفه. أى : ونصف درهم آخر (٢).

وأصحاب هذا الاتجاه يقولون : لا مانع إطلاقا من أن يخلق الله ـ تعالى ـ إدراكا ونطقا للسموات والأرض والجبال ، ولكن هذا الإدراك والنطق لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه ـ.

ومما يشهد لذلك قوله ـ تعالى ـ : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٣).

قال الجمل : وكان هذا العرض عليهن ـ أى على السموات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما ، ولو ألزمهن لم يمتنعن عن حملها. والجمادات كلها خاضعة لله ـ تعالى ـ مطيعة لأمره ، ساجدة له.

قال بعض أهل العلم : ركب الله ـ تعالى ـ فيهن العقل والفهم حين عرض عليهن الأمانة ، حتى عقلن الخطاب ، وأجبن بما أجبن (٤).

ويرى بعضهم أن العرض في الآية الكريمة من قبيل ضرب المثل ، أو من قبيل المجاز.

قال الإمام القرطبي ما ملخصه : لما بين ـ تعالى ـ في هذه السورة من الأحكام ما بين ، أمر بالتزام أوامره ، والأمانة تعم جميع وظائف الدين ، على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور ..

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٩٦.

(٢) تفسير «أضواء البيان» ج ٦ ص ٦٠٦ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.

(٣) سورة الإسراء الآية ٤٤.

(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٥٨.

٢٥٤

ويصح أن يكون عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال على سبيل الحقيقة ..

وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل ، أى : أن السموات والأرض والجبال على كبر أجرامها ، لو كانت بحيث يجوز تكليفها ، لثقل عليها تقلد الشرائع ، لما فيها من الثواب والعقاب.

أى : أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال ، وقد حمله الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل. وهذا كقوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ، لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ.) ...

وقال قوم : إن الآية من المجاز : أى : أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال ، رأينا أنها لا تطيقها ، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت ، فعبّر عن هذا بعرض الأمانة. كما تقول : عرضت الحمل على البعير فأباه ، وأنت تريد : قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه ..

وقيل : (عَرَضْنَا) يعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال ، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة. ورجحت الأمانة بثقلها عليها .. (١).

ويبدو لنا أن حمل الكلام على الحقيقة أولى بالقبول ، لأنه ما دام لم يوجد مانع يمنع منه ، فلا داعي لصرفه عن ذلك.

ومما لا شك أن قدرة الله ـ تعالى ـ لا يعجزها أن تخلق في السموات والأرض والجبال إدراكا وتمييزا ونطقا لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه.

واللام في قوله ـ سبحانه ـ : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) .. متعلقة بقوله : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ.) ...

أى : وحملها الإنسان ليعذب الله ـ تعالى ـ بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يؤدوا ما التزموا بحمله وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أى : ويقبل الله ـ تعالى ـ توبة المؤمنين والمؤمنات ، بأن يكفر عنهم سيئاتهم وخطاياهم.

(وَكانَ اللهُ) ـ تعالى ـ وما زال (غَفُوراً رَحِيماً) أى : واسع المغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٥٤.

٢٥٥

أما بعد : فهذا تفسير لسورة (الأحزاب) نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ..

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة ـ مدينة نصر

مساء الخميس : ١٨ من رمضان سنة ١٤٠٥ ه‍

٦ / ٦ / ١٩٨٥ م

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

٢٥٦

تفسير

سورة سبأ

٢٥٧
٢٥٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة سبأ هي السورة الرابعة والثلاثون في ترتيب المصحف ، أما في ترتيب النزول فهي السورة السابعة والخمسون ، وكان نزولها بعد سورة لقمان.

٢ ـ وسورة سبأ من السور المكية الخالصة ، وقيل هي مكية إلا الآية السادسة منها وهي قوله ـ تعالى ـ : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ).

٣ ـ وعدد آياتها خمس وخمسون آية في المصحف الشامي ، وأربع وخمسون آية في غيره. وسميت بهذا الاسم ، لاشتمالها على قصة أهل سبأ ، وما أصابهم من نقم بسبب عدم شكرهم لنعم الله ـ تعالى ـ عليهم.

٤ ـ وتبدأ سورة سبأ بالثناء على الله ـ تعالى ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).

ثم تحكى السورة الكريمة جانبا من أقوال الكافرين في تكذيبهم ليوم القيامة ، كما تحكى ـ أيضا ـ بعض أقوالهم الباطلة التي قالوها في شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ترد عليهم بما يخرس ألسنتهم.

٥ ـ ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من قصة داود وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ ، فتحكى ما آتاهم الله ـ تعالى ـ إياه من خير وقوة وكيف أنهما قابلا نعم الله ـ تعالى ـ بالشكر والطاعة ، فزادهما ـ سبحانه ـ من فضله وعطائه : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).

وكعادة القرآن الكريم في جمعه بين الترغيب والترهيب ، وبين حسن عاقبة الشاكرين ، وسوء عاقبة الجاحدين .. جاءت في أعقاب قصة داود وسليمان ـ عليهما‌السلام ـ ، قصة قبيلة سبأ ، وكيف أنهم قابلوا نعم الله الوفيرة بالجحود والإعراض ، فمحقها ـ سبحانه ـ من بين أيديهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ، وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

٢٥٩

٦ ـ ثم ساقت السورة بعد ذلك بأسلوب تلقيني ألوانا من الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى وجوب إخلاص العبادة له.

نرى ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ، لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ..

وفي قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ ، كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

٧ ـ ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن وظيفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً).

وعن أحوال الكافرين السيئة عند ما يقفون أمام ربهم للحساب ، وكيف أن كل فريق منهم يلقى التبعة على غيره (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ ، يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ ، بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ).

٨ ـ ثم ترد السورة الكريمة على أولئك المترفين ، الذين زعموا أن أموالهم وأولادهم ستنفعهم يوم القيامة ، فتقرر أن ما ينفع يوم القيامة إنما هو الإيمان والعمل الصالح ، وأن الله ـ تعالى ـ هو صاحب الإعطاء والمنع والإغناء والإفقار.

قال ـ تعالى ـ : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا ، وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ).

٩ ـ وبعد أن ساقت السورة ما ساقت من شبهات المشركين حول دعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وردت عليهم بما يزيد المؤمنين ثباتا على ثباتهم ، ويقينا على يقينهم ، أتبعت ذلك بدعوة هؤلاء الكافرين إلى التفكير والتدبر على انفراد ، في شأن دعوة هذا الرسول الكريم الذي يدعوهم إلى الحق ، لعل هذا التفكر يهديهم إلى الرشد.

قال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ، أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ).

٢٦٠