التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٠

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٠

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0682-5
الصفحات: ٤٥٠

(قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)(٩٨)

قال الجمل : «لما أعلم الله ـ تعالى ـ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه منزل عذابه بهؤلاء المشركين ، إما في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بعد مماته ، علمه كيفية الدعاء بالتخلص من عذابهم فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) وقوله : (تُرِيَنِّي) فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، و (ما) مفعول به ، ورأى بصرية تعدت لمفعولين بواسطة الهمزة ، لأنه من أرى الرباعي ، فياء المتكلم مفعول أول ، وما الموصولة المفعول الثاني ...» (١).

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ يا رب إن تطلعني وتريني العذاب الذي توعدت به هؤلاء المشركين ، فأسألك ـ يا إلهى ـ أن لا تجعلني قرينا لهم فيه ، وأبعدنى عن هؤلاء القوم الظالمين ، حتى لا يصيبني ما يصيبهم.

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عصمة من الله ـ تعالى ـ من أن يجعله مع القوم الظالمين ، حين ينزل بهم العذاب ، ولكن جاءت الآية بهذا الدعاء والإرشاد ، للزيادة في التوقي ، ولتعليم المؤمنين أن لا يأمنوا مكر الله ، وأن يلوذوا دائما بحماه.

وقوله ـ سبحانه ـ (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) بيان لكمال قدرة الله تعالى التي لا يعجزها شيء.

أى : نحن قادرون ـ يا محمد ـ على اطلاعك على العذاب الذي أعددناه لهم ولكن لحكمة نعلمها ، لم نطلعك عليه ، بل سنؤخره عنهم إلى الوقت الذي نريده ، قال تعالى : و (إِمَّا

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٠١.

٦١

نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (١).

ثم أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر على أذاهم. وبمقابلة سيئاتهم بالخصال الحسنة ، فقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ).

أى : قابل ـ أيها الرسول الكريم ـ سيئات هؤلاء المشركين الجاهلين ، بالأخلاق والسجايا التي هي أحسن من غيرها ، كأن تعرض عنهم ، وتصبر على سوء أخلاقهم ، فأنت صاحب الخلق العظيم ، ونحن أعلم منك بما يصفوننا به من صفات باطلة. وما يصفوك به من صفات ذميمة ، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون ، في الوقت الذي نريده.

فالآية الكريمة توجيه حكيم من الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ ، وتسلية له عما أصابه من أعدائه ، وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٢).

ثم أمره ـ تعالى ـ بأن يستعيذ به من وساوس الشياطين ونزغاتهم فقال : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ).

وقوله : (هَمَزاتِ) جمع همزة وهي المرة من الهمز. وهي في اللغة النخس والدفع باليد أو بغيرها. يقال : همزه يهمزه ـ بضم الميم وكسرها ـ إذا نخسه ودفعه وغمزه.

ومنه المهماز ، وهو حديدة تكون مع الراكب للدابة يحثها بها على السير.

والمراد بهمزات الشياطين هنا : وساوسهم لبنى آدم وحضهم إياهم على ارتكاب ما نهاهم الله ـ تعالى ـ عنه.

أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ يا رب أعوذ بك ، واعتصم بحماك ، من وساوس الشياطين ، ومن نزغاتهم الأثيمة ، ومن همزاتهم السيئة ، وأعوذ بك يا إلهى وأتحصن بك ، من أن يحضرني أحد منهم في أى أمر من أمور ديني أو من دنياى ، فأنت وحدك القادر على حمايتى منهم.

وفي هذه الدعوات من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو المعصوم من همزات الشياطين ـ تعليم للمؤمنين ، وإرشاد لهم ، إلى اللجوء ـ دائما ـ إلى خالقهم ، لكي يدفع عنهم وساوس الشياطين ونزغاتهم.

* * *

ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى بيان أقوال هؤلاء المشركين عند ما ينزل بهم الموت ، وعند ما

__________________

(١) سورة الرعد آية ٤٠.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٩٩.

٦٢

تلفح وجوههم النار ، وكيف أنهم يلتمسون العودة بذلة ولكن لا يجابون إلى طلبهم ، لأنه جاء في غير وقته ..

استمع إلى السورة الكريمة وهي تصور أحوالهم عند الاحتضار ، وعند الإلقاء بهم في النار فتقول :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ)(١١١)

وقوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ.). بيان لحال الكافرين عند ما

٦٣

يدركهم الموت. و «حتى» حرف ابتداء .. والمراد بمجيء الموت : مجيء علاماته.

أى : أن هؤلاء الكافرين يستمرون في لجاجهم وطغيانهم ، حتى إذا فاجأهم الموت ، ونزلت بهم سكراته ، ورأوا مقاعدهم في النار ، قال كل واحد منهم يا رب ارجعنى إلى الدنيا ، (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) أى : لكي أعمل عملا صالحا فيما تركت خلفي من عمرى في أيام الدنيا ، بأن أخلص لك العبادة والطاعة وأتبع كل ما جاء به نبيك من أقوال وأفعال.

وجاء لفظ (ارْجِعُونِ) بصيغة الجمع. لتعظيم شأن المخاطب ، وهو الله ـ تعالى ـ واستدرار عطفه ـ عزوجل ـ.

أو أن هذا الكافر استغاث بالله ـ تعالى ـ فقال : «رب» ثم وجه خطابه بعد ذلك إلى خزنة النار من الملائكة فقال : «ارجعون».

و «لعل» في قوله تعالى : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) للتعليل. أى : ارجعون لكي أعمل عملا صالحا.

وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (... وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (١).

وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا ، فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (٢).

ثم بين ـ سبحانه ـ الجواب عليهم فقال : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

و «كلا» حرف زجر وردع. والبرزخ : الحاجز والحاجب بين الشيئين لكي لا يصل أحدهما إلى الآخر. والمراد بالكلمة : ما قاله هذا الكافر. أى : رب ارجعون.

أى : يقال لهذا الكافر النادم : كلا ، لا رجوع إلى الدنيا (إِنَّها) أى قوله رب ارجعون ، (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) ولن تجديه شيئا ، لأنه قالها بعد فوات الأوان لنفعها ، (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أى : ومن أمام هذا الكافر وأمثاله ، حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ، وهذا الحاجز مستمر إلى يوم البعث والنشور.

فالمراد بالبرزخ : تلك المدة التي يقضيها هؤلاء الكافرون منذ موتهم إلى يوم يبعثون.

وفي هذه الجملة الكريمة. زجر شديد لهم عن طلب العودة إلى الدنيا. وتيئيس وإقناط لهم

__________________

(١) سورة الشورى الآية ٤٤.

(٢) سورة السجدة الآية ١٢.

٦٤

من التفكير في المطالبة بالرجعة ، وتهديد لهم بعذاب القبر إلى يوم القيامة.

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن ما ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم ، لا أحسابهم ولا أنسابهم. فقال ـ تعالى ـ : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ).

والأنساب : جمع نسب. والمراد به القرابة ، والمراد بالنفخ في الصور : النفخة الثانية التي يقع عندها البعث والنشور. وقيل : النفخة الأولى التي عندها يحيى الله الموتى.

والمراد بنفي الأنساب : انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا ، من التفاخر بها ، والانتفاع بهذه القرابة في قضاء الحوائج.

أى : فإذا نفخ إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ في الصور ـ وهو آلة نفوض هيئتها إلى الله ـ تعالى ـ ، فلا أنساب ولا أحساب بين الناس نافعة لهم في هذا الوقت ، إذ النافع في ذلك الوقت هو الإيمان والعمل الصالح.

ولا هم يتساءلون فيما بينهم لشدة الهول ، واستيلاء الفزع على النفوس ولا تنافى بين هذه الآية ، وبين قوله ـ تعالى ـ : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (١) فإن كل آية تحكى حالة من الحالات ، ويوم القيامة له مواقف متعددة ، فهم لا يتساءلون من شدة الهول في موقف. ويتساءلون في آخر عند ما يأذن الله ـ تعالى ـ لهم بذلك.

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ..). بيان لما يكون بعد النفخ في الصور من ثواب أو عقاب.

أى : وجاء وقت الحساب بعد النفخ في الصور ، (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أى : موازين أعماله الصالحة ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فلاحا ليس بعده فلاح.

(وَمَنْ خَفَّتْ) موازين أعماله الصالحة (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن ضيعوها وألقوا بها إلى التهلكة ، فهم ، (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) فيها خلودا أبديا. (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) واللفح : الإحراق الشديد يقال : فلان لفحته النار تلفحه لفحا ولفحانا إذا أحرقته.

والكلوح ، هو أن تتقلص الشفتان ، وتتكشف الأسنان ، لأن النار قد أحرقت الشفتين ، كما يشاهد ـ والعياذ بالله ـ رأس الشاة بعد شويها.

أى : تحرق النار وجوه هؤلاء الأشقياء ، وهم فيها متقلصو الشفاه عن الأسنان ، من أثر

__________________

(١) سورة الصافات الآية ٥٠.

٦٥

ذلك الإحراق واللفح.

ثم يقال لهم بعد كل هذا العذاب المهين على سبيل التقريع والتوبيخ : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) الدالة على وحدانيتي وقدرتي وصدق رسلي (تُتْلى عَلَيْكُمْ) في الدنيا على ألسنة هؤلاء الرسل الكرام (فَكُنْتُمْ بِها) أى : بهذه الآيات (تُكَذِّبُونَ) هؤلاء الرسل فيما جاءوكم به من عندي من هدايات وإرشادات.

وكأنهم قد خيل إليهم ـ بعد هذا السؤال التوبيخي ، أنهم قد أذن لهم في الكلام ، وأن اعترافهم بذنوبهم قد ينفعهم فيقولون ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ..). أى : يا ربنا تغلبت علينا أنفسنا الأمارة بالسوء ، فصرفتنا عن الحق ، وتغلبت علينا ملذاتنا وشهواتنا وسيئاتنا التي أفضت بنا إلى هذا المصير المؤلم (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) عن الهدى والرشاد ، بسبب شقائنا وتعاستنا.

(رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أى : من هذه النار التي تلفح وجوهنا (فَإِنْ عُدْنا) إلى ما نحن عليه من الكفر وارتكاب السيئات (فَإِنَّا ظالِمُونَ) أى : فإنا متجاوزون لكل حد في الظلم ، ونستحق بسبب ذلك عذابا أشد مما نحن فيه.

وهكذا يصور القرآن بأسلوبه البديع المؤثر ، أحوال الكافرين يوم القيامة ، تصويرا ترتجف له القلوب ، وتهتز منه النفوس ، وتقشعر من هوله الأبدان.

وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) جواب على طلبهم الخروج من النار ، والعودة إلى الدنيا.

أى : قال الله ـ تعالى ـ لهم على سبيل الزجر والتيئيس : (اخْسَؤُا فِيها) اسكتوا وانزجروا انزجار الكلاب ، وامكثوا في تلك النار (وَلا تُكَلِّمُونِ) في شأن خروجكم منها ، أو في شأن عودتكم إلى الدنيا.

وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ ..). تعليل لزجرهم عن طلب الخروج أى : اخسئوا في النار ولا تكلمون ، لأنه كان في الدنيا فريق كبير من عبادي المؤمنين يقولون بإخلاص ورجاء : (رَبَّنا آمَنَّا) بك واتبعنا رسلك (فَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَارْحَمْنا) برحمتك التي وسعت كل شيء (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ..). هو محط التعليل ، أى : فكان حالكم معهم أنكم سخرتم واستهزأتم بهم.

(حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أى : فاتخذتموهم سخريا ، وداومتم على ذلك ، وشغلكم هذا

٦٦

الاستهزاء ، حتى أنسوكم ـ لكثرة انهماككم في السخرية بهم ـ تذكر عقابي لكم في هذا اليوم ، (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) في الدنيا ، وتتغامزون عند ما ترونهم استخفافا بهم.

فلهذه الأسباب ، اخسئوا في النار ولا تكلمون ، أما هؤلاء المؤمنون الذين كنتم تستهزءون بهم في الدنيا. فإنى (جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ) الجزاء الحسن (بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) فوزا ليس هناك ما هو أكبر منه.

وبعد هذا الرد الذي فيه ما فيه من الزجر للكافرين ، وبعد بيان أسبابه ، وما اشتمل عليه من تبكيت وتقريع ، يوجه إليهم ـ سبحانه ـ سؤالا يزيدهم حسرة على حسرتهم ، فيقول :

(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(١١٨)

أى : قال الله ـ تعالى ـ لهم بعد أن زجرهم وأمرهم أن يسكتوا سكوت هوان وذلة : كم عدد السنين التي لبثتموها في دنياكم التي تريدون الرجوع إليها؟

ولا شك أن الله ـ تعالى ـ يعلم مقدار الزمن الذي لبثوه ، ولكنه سألهم ليبين لهم قصر أيام الدنيا ، بالنسبة لما هم فيه من عذاب مقيم ، وليزيد في حسرتهم وتوبيخهم.

وهنا يقولون في يأس وذلة : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهو جواب يدل على استصغارهم للمدة التي لبثوها في الدنيا. بجانب ما هم فيه من عذاب.

٦٧

وقوله ـ تعالى ـ (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) يشعر بذهولهم عن التحقق من مقدار المدة التي لبثوها في الدنيا.

أى : فاسأل المتمكنين من معرفة المدة التي مكثناها في الدنيا.

فيرد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) أى : ما لبثتم في الدنيا ، (إِلَّا قَلِيلاً) أى : إلا وقتا قليلا (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) شيئا من العلم لأدركتم أن ما لبثتموه في الدنيا ، هو قليل جدا بالنسبة إلى مكثكم في النار بسبب إصراركم على كفركم في حياتكم الدنيا. فجواب لو محذوف ، لدلالة الكلام عليه.

ولا يتعارض قولهم هنا (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) مع آيات أخرى ذكرت بأنهم (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) (١) وبأنهم (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) كما في قوله ـ تعالى ـ. (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ..). (٢).

لأن كل فريق منهم قد أخبر بما تبادر إلى ذهنه ، فبعضهم قال : لبثنا عشرا ، وبعضهم قال : لبثنا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم أقسم بأنه ما لبث في الدنيا غير ساعة.

وهذا يدل على أن أهوال العذاب ، قد أنستهم ما كانوا فيه في الدنيا من متاع ، وما انغمسوا فيه من شهوات ...

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ..). للإنكار والنفي. والحسبان هنا : بمعنى الظن. والفاء معطوفة على محذوف مقدر. والعبث : اللعب وما لا فائدة فيه من قول أو فعل.

أى : أغرتكم الدنيا ، وغفلتم عن مصيركم ، فحسبتم أنما خلقناكم عبثا لا لحكمة تقتضيها إرادتنا من خلقكم ، وحسبتم كذلك (أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) يوم القيامة للحساب والجزاء.

إن جزاء هذا الحسبان الباطل ، هو هذا المصير المهين الذي تصطلون بناره اليوم. ثم نزه ـ سبحانه ـ ذاته عن أن يكون قد خلقهم عبثا فقال : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ...).

أى : فتعاظم وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله ، الله الملك الحق ، فهو ـ عزوجل ـ منزه عن أن يخلق الناس بدون حكمة أو غرض صحيح.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فإن كل ما عداه مخلوق له ، وهو ـ سبحانه ـ (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).

__________________

(١) سورة طه الآية ١٠٣.

(٢) سورة الروم الآية ٥٥.

٦٨

ثم هدد ـ سبحانه ـ كل من يعبد غيره أشد تهديد فقال : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أى : ومن يدع مع الله ـ تعالى ـ إلها آخر في عبادته أو مناجاته أو أقواله ، أو أفعاله ...

(لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أى : لا دليل له على هذه العبادة ، وليس لهذه الجملة الكريمة مفهوم مخالفة ، بل هي صفة مطابقة للواقع ، لأن كل عابد لغير الله ، لا دليل له على هذه العبادة إطلاقا ، إذ العبادة لا تكون إلا لله ـ تعالى ـ وحده.

فذكر هذه الجملة لإقرار الواقع وتأكيده ، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.

وقوله (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) تهديد شديد لمن يدعو مع الله ـ تعالى ـ إلها آخر. أى : من يفعل ذلك فسيلقى الحساب الشديد ، والجزاء الرادع ، من عند ربه ـ عزوجل ـ ، لأن عدالته قد اقتضت أن الكافرين به لا ينالون الفلاح ، وإنما ينالون الخزي والخسران.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ مناجيا ربك : رب اغفر للمؤمنين ذنوبهم ، وارحم العصاة منهم ، وأنت يا مولانا خير من يرحم ، وخير من يغفر.

قال الآلوسى : «وفي تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه ، وقد علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر أن يقول نحوه في صلاته. فقد أخرج الشيخان عن أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ قال : يا رسول الله ، علمني دعاء أدعو به في صلاتي. فقال له قل : «اللهم إنى ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» (١).

وبعد :

فهذه هي سورة «المؤمنون» وهذا تفسير محرر لها. نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

القاهرة ـ مدينة نصر

د. محمد سيد طنطاوى

مساء الثلاثاء : ١١ من ربيع الأول ١٤٠٥ ه‍

٤ من ديسمبر ١٩٨٤ م

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٧٢.

٦٩
٧٠

تفسير

سورة النّور

٧١
٧٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة النور من السور المدينة ، وعدد آياتها أربع وستون آية ، وكان نزولها بعد سورة النصر.

وقد اشتملت هذه السورة الكريمة ، على أحكام العفاف والستر. وهما قوام المجتمع الصالح. وبدونها تنحط المجتمعات. ويصير أمرها فرطا ، ويصبح الفرد إلى الحيوان الأعجم ، أقرب منه إلى الإنسان العاقل.

قال الآلوسى : «روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «علموا رجالكم سورة المائدة ، وعلموا نساءكم سورة النور».

وعن حارثة بن مضرب قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب ، أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور» (١).

٢ ـ وتبدأ هذه السورة الكريمة ببدء فريد ، تقرر فيه وجوب الانقياد لما فيها من أحكام وآداب فتقول : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها ، وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

ثم تقبح فاحشة الزنا تقبيحا يحمل النفوس على النفور منها ، وعلى نبذ مرتكبيها ، وعلى تنفيذ حدود الله ـ تعالى ـ فيهم بدون شفقة أو رأفة.

قال ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

٣ ـ ثم تبين السورة الكريمة بعد ذلك ، حكم الذين يرمون النساء العفيفات بالفاحشة ، وحكم الذين يرمون أزواجهم بذلك ، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.

قال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٧٤.

٧٣

وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ. فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

٤ ـ ثم ذكر ـ سبحانه ـ في ست عشرة آية قصة الإفك ، على الصديقة بنت الصديق ، ومن بين ما اشتملت عليه هذه القصة : تنبيه المؤمنين إلى العذاب العظيم الذي أعده الله ـ تعالى ـ لمن أشاع هذا الإفك ، وحض المؤمنين على التثبت من صحة الأخبار ، وعلى وجوب حسن الظن بالمؤمنين ، وعلى تحذيرهم من اتباع خطوات الشيطان.

ثم ختمت القصة ببراءة السيدة عائشة من كل ما اتهمت به ، قال ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).

٥ ـ وبعد أن أفاضت السورة الكريمة في بيان قبح فاحشة الزنا ، وفي عقوبة من يقذف المحصنات الغافلات .. أتبعت ذلك بحديث مستفيض ، عن آداب الاستئذان ، وعن وجوب غض البصر بالنسبة للرجال والنساء على السواء ، وعن تعليم الناس الآداب القويمة. والأخلاق المستقيمة ، حتى يحيا المجتمع المسلم حياة يسودها الطهر والعفاف والنقاء.

قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ، حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وقال ـ سبحانه ـ : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ، إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ...).

٦ ـ ثم حببت السورة الكريمة إلى المؤمنين والمؤمنات الزواج من أهل الدين والصلاح ، دون أن يمنعهم من ذلك الفقر أو قلة ذات اليد ، فإنهم (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) وعلى الذين لم يتيسر لهم وسائل الزواج ، أن يعتصموا بالعفاف ، حتى يغنيهم الله ـ تعالى ـ من فضله.

قال ـ تعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) ـ أى زوجوا من لا زوج له من الأحرار والحرائر (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ ، يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)

٧ ـ وبعد أن ساقت السورة الكريمة تلك التوجيهات السامية ، التي من شأنها أن تسلح الأفراد والجماعات ، بسلاح الطهر والعفاف والتستر والآداب الحميدة .. أتبعت ذلك ببيان أن الله ـ تعالى ـ هو نور العالم كله علويه وسفليه ، وهو منوره بآياته التكوينية والتنزيلية الدالة

٧٤

على وحدانيته وقدرته ، وأن أشرف البيوت في الأرض ، هي بيوته التي يذكر فيها اسمه والتي يسبح له فيها بالغدو والآصال (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ. يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).

تلك هي عاقبة المؤمنين الصادقين. الذين «لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله» أما الكافرون فأعمالهم «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب».

٨ ـ ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في هذا الكون ، وأن المتأمل في هذا الوجود ، يرى مظاهر قدرته ـ سبحانه ـ ظاهرة في هذا السحاب الذي يتحول إلى مطر لا غنى للناس عنه ، وفي تقلب الليل والنهار. وفي خلق الدواب على أشكال مختلفة.

قال ـ تعالى ـ : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ* وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ، يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

٩ ـ ثم كشفت السورة الكريمة للمؤمنين عن جانب من رذائل المنافقين ، لكي يحذروهم. فقال ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ، إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا ، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ، بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

١٠ ـ وبعد هذا التوبيخ للمنافقين على سلوكهم الذميم ، وعلى نكوصهم عن حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم جاء وعد الله ـ تعالى ـ للمؤمنين ، بالاستخلاف في الأرض ، وبالتمكين في الدين ، وبتبديل خوفهم أمنا ، فقال ـ تعالى ـ : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

١١ ـ ثم عادت السورة مرة أخرى إلى الحديث عن آداب الاستئذان ، فأمرت المؤمنين أن يعودوا مماليكهم وصبيانهم الذين لم يبلغوا الحلم ، على الاستئذان في الدخول عليهم ثلاث مرات

٧٥

من قبل صلاة الفجر ، وعند وقت الظهيرة ، ومن بعد صلاة العشاء ، فإن هذه الأوقات قد تكون المرأة أو الرجل فيها ، بحالة لا يصح الاطلاع عليها ..

قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ، وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ. وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ، ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ ، طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

١٢ ـ ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ببيان صفات المؤمنين الصادقين ، وبحضهم على تكريم رسولهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتعظيمه وتوقيره. وببيان أن هذا الكون كله ملك لله ـ تعالى ـ وتحت قبضته وعلمه ، فقال ـ سبحانه ـ : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

١٣ ـ وبعد : فهذا عرض إجمالى للمقاصد التي اشتملت عليها سورة النور ، ومنها نرى أن السورة الكريمة زاخرة بالأحكام الشرعية ، وبالآداب الإسلامية وبالتربية الدينية وبالوسائل الوقائية التي من شأنها أن تغرس الأخلاق الكريمة في نفوس الأفراد والجماعات. وأن تجعلهم يرغبون في اعتناق الفضيلة. وينفرون من مقاربة الرذيلة. ويسعدون في دينهم ودنياهم.

وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

القاهرة ـ مدينة نصر

١٥ من شهر ربيع الأول ١٤٠٥ ه‍

٨ من ديسمبر ١٩٨٤ م

المؤلف

د. محمد سيد طنطاوى

٧٦

التفسير

قال الله تعالى :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١)

افتتحت سورة النور بافتتاح لم تشترك معها فيه سورة أخرى من سور القرآن الكريم.

وقوله ـ سبحانه ـ : (سُورَةٌ) خبر لمبتدأ محذوف. أى : هذه سورة.

والسورة القرآنية : هي مجموعة من الآيات المسرودة ، لها مبدأ ولها نهاية ، وجمعها : سور.

وكلمة سورة مأخوذة من سور المدينة ، وكأن السورة القرآنية سميت بهذا الاسم لإحاطتها بآياتها إحاطة السور بما يكون بداخله.

أو أنها في الأصل تطلق على المنزلة السامية ، والسورة القرآنية سميت بذلك لرفعتها وعلو شأنها.

قال القرطبي : والسورة في اللغة : اسم للمنزلة الشريفة ، ولذلك سميت السورة من القرآن سورة. قال النابغة :

ألم تر أن الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (١)

وقوله ـ تعالى ـ : (وَفَرَضْناها) من الفرض بمعنى القطع. وأصله قطع الشيء الصّلب والتأثير فيه.

والمراد به هنا : تنفيذ أحكام الله ـ تعالى ـ على أتم وجه وأكمله.

والمعنى هذه سورة قرآنية. أنزلناها عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ ، وأوجبنا ما فيها من

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٥٨.

٧٧

أحكام ، وآداب وتشريعات ، إيجابا قطعيا ، وأنزلنا فيها آيات بينات واضحات الدلالة على وحدانيتنا ، وقدرتنا ، وعلى صحة الأحكام التي وردت فيها ، لتتذكروها وتعتبروا بها وتعتقدوا صحتها وتنفذوا ما اشتملت عليه من أمر أو نهى.

وجمع ـ سبحانه ـ بين الإنزال والفرضية فقال : (أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) لبيان أن الغرض منها ليس مجرد الإنزال وإنما الإنزال المصحوب بوجوب تنفيذ الأحكام والآداب التي اشتملت عليها ، والتي أنزلت من أجلها.

ومعلوم أن إنزال السورة كلها. يستلزم إنزال هذه الآيات منها فيكون التكرار في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) لكمال العناية بشأنها ، كما هي الحال في ذكر الخاص بعد العام.

و «لعل» في قوله ـ تعالى ـ (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) للتعليل. أى : لعلكم تتذكرون ما فيها من آيات دالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى سمو تشريعاتنا ، فيؤدى بكم هذا التذكر إلى عبادتنا وطاعتنا.

* * *

ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك حد الزاني والزانية ، وقبح جريمة الزنا تقبيحا يحمل على النفور ، وحرمها على المؤمنين تحريما قاطعا ، فقال ـ تعالى ـ :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٣)

فقوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي.). شروع في تفصيل الأحكام ، التي أشار إليها ـ سبحانه ـ في الآية الأولى من هذه السورة ، وهي قوله : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها ...).

والزنا من الرجل معناه : وطء المرأة من غير ملك ولا شبهة ملك ومعناه من المرأة : أن

٧٨

تمكن الرجل من أن يزنى بها.

والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (فَاجْلِدُوا ..). للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله ـ عزوجل ـ.

قال الجمل : «وفي رفع «الزانية والزاني» وجهان : أحدهما ـ وهو مذهب سيبويه ـ أنه مبتدأ خبره محذوف. أى : فيما يتلى عليكم حكم الزانية ، ثم بين ذلك بقوله : (فَاجْلِدُوا.). والثاني : ـ وهو مذهب الأخفش وغيره ـ أنه مبتدأ. والخبر جملة الأمر ، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط ..» (١).

فإن قيل : ما الحكمة في أن يبدأ الله في فاحشة الزنا بالمرأة ، وفي جريمة السرقة بالرجل ، حيث قال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ..). (٢)؟.

فالجواب : أن الزنا من المرأة أقبح ، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب ، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها ، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل ، وفضلا عن ذلك ، فإن تمكينها نفسها للرجل : هو الذي كان السبب في اقترافه هذه الفاحشة ، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا.

وأما جريمة السرقة ، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها ، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة ، واجتياز للمخاطر ... لذا قدم الرجل على المرأة فيها.

وقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ.). نهى منه ـ سبحانه ـ عن التهاون في تنفيذ حدوده ، وحض على إقامتها بحزم وقوة ، والرأفة : أعلى درجات الرحمة. يقال : رؤف فلان بفلان ـ بزنة كرم ـ إذا اشتد في رحمته ، وفي العناية بأمره.

أى : أقيموا ـ أيها الحكام ـ حدود الله ـ تعالى ـ على الزانية والزاني بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة في تنفيذ هذه الحدود ، ودون أن تقبلوا في التخفيف عنهما شفاعة شفيع ، أو وساطة وسيط ، فإن الله ـ تعالى ـ الذي شرع هذه الحدود. وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة ، أرحم بعباده وبخلقه منكم. والرحمة والرأفة في تنفيذ أحكامه ، لا في تعطيلها. ولا في إجرائها على غير وجهها.

وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.). تأكيد لما قبله ، وإلهاب لمشاعرهم ، لتنفيذ حدود الله ـ تعالى ـ.

__________________

(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٠٦.

(٢) سورة المائدة الآية ٣٨.

٧٩

أى : إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا ، فأقيموا حدود الله ، واجلدوا الزانية والزاني مائة جلدة ، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة في ذلك.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب.

والمراد بعذابهما : إقامة الحد عليهما ، والطائفة في الأصل : اسم فاعل من الطواف ، وهو الدوران والإحاطة. وتطلق الطائفة عند كثير من اللغويين على الواحد فما فوقه.

قال الآلوسى : «والحق أن المراد بالطائفة هنا ، جماعة يحصل بهم التشهير والزجر ، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة. وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه» (١).

ولعل السبب في وجاهة رأى القائلين بالأربعة أن هذا العدد هو الذي يثبت به الزنا.

أى : وليشهد إقامة الحد على الزانية والزاني ، عدد من المؤمنين ، ليكون زيادة في التنكيل بمن يرتكب هذه الفاحشة ، وأدعى إلى الاعتبار والاتعاظ وأزجر لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك الجريمة النكراء.

ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تقبيح أمر الزنا تقبيحا آخر أشد وأخزى فقال : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ..).

والظاهر أن المراد بالنكاح هنا : العقد الذي تترتب عليه المعاشرة الزوجية ، لأن أكثر ورود لفظ النكاح في القرآن. أن يكون بمعنى العقد ، بل قال بعضهم إنه لم يرد إلا بهذا المعنى.

أى : أنه جرت العادة أن الشخص الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة وكذلك المرأة الزانية لا تميل بطبعها إلا إلى الزواج من رجل زان مثلها أو من رجل مشرك وذلك لأن المؤمن بطبعه ينفر من الزواج بالمرأة الزانية ، وكذلك المرأة المؤمنة تأنف من الزواج بالرجل الزاني.

فالآية الكريمة تحكى بأسلوب بديع ما تقتضيه طبيعة الناس في التآلف والتزاوج ، وتبين أن المشاكلة في الطباع علة للتلاقي ، وأن التنافر في الطباع علة للاختلاف.

وصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث يقول : الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف.

وبدئ هنا بالزاني ، لأن الآية مسوقة للحديث عن النكاح ، والرجل هو الذي يتولاه ، وهو الأصل فيه ، لأنه هو الذي يلتمسه عن طريق الخطبة وما يتبعها من خطوات توصله إلى

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٨٤.

٨٠