التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٠

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٠

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0682-5
الصفحات: ٤٥٠

لقد أوجدنا لهم ليلا يسكنون فيه ، وأوجدنا لهم نهارا يبتغون فيه أرزاقهم ، وجعلنا الليل والنهار بهذا المقدار ، لتتيسر لهم أسباب الحياة والراحة ، فكيف لم يهتدوا إلى أن لهذا الكون خالقا حكيما قادرا؟

(إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي جعلناه ، لهم ، من وجود الليل والنهار بهذه الطريقة (لَآياتٍ) بينات واضحات على وحدانيتنا وقدرتنا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بأن الله ـ تعالى ـ هو الخالق لكل شيء وهو الإله الحق لا إله سواه.

وذلك ، لأن من تأمل في تعاقب الليل والنهار بتلك الصورة البديعة المطردة ، وفي اختلافهما طولا وقصرا ، وظلمة وضياء .. أيقن بأن لهذا الكون إلها واحدا قادرا على إعادة الحياة إلى الأموات ، ليحاسبهم على أعمالهم.

قال الآلوسى : وقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أى : ليبصروا بما فيه من الإضاءة ، وطرق التقلب في أمور معاشهم ، فبولغ حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس حالا له ، ووصفا من أوصافه التي جعل عليها بحيث لم ينفك عنها ، ولم يسلك في الليل هذا المسلك. لما أن تأثير ظلام الليل في السكون ، ليس بمثابة تأثير ضوء النهار في الإبصار (١).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ..). معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) والصور ، القرن الذي ينفخ فيه نفخة الصّعق والبعث ، وذلك يكون عند النفخة الثانية .. والنافخ : إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ.

قال القرطبي ما ملخصه : والصحيح في الصور أنه قرن من نور ، ينفخ فيه إسرافيل.

والصحيح ـ أيضا ـ في النفخ في الصور أنهما نفختان. وأن نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لازمان لهما .. والمراد ـ هنا النفخة الثانية ـ أى : يحيون فزعين ، يقولون : «من بعثنا من مرقدنا» ويعاينون من الأمر ما يهولهم ويفزعهم : (٢) والمعنى واذكر ـ أيها العاقل ـ يوم ينفخ إسرافيل في الصور بإذن الله ـ تعالى ـ وأمره (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أى : خافوا وانزعجوا ، وأصابهم الرعب ، لشدة ما يسمعون ، وهول ما يشاهدون ، في هذا اليوم الشديد.

وقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) استثناء ممن يصيبهم الفزع.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٢٩.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٤٠.

٣٦١

أى : ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ـ تعالى ـ لهم عدم الفزع والخوف.

والمراد بهؤلاء الذين لا يفزعون ، قيل : الأنبياء ، وقيل : الشهداء ، وقيل : الملائكة.

ولعل الأنسب أن يكون المراد ما يعم هؤلاء السعداء وغيرهم ، ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه ، لأنه لم يرد نص صحيح يحددهم.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) أى : وكل واحد من هؤلاء الفزعين المبعوثين عند النفخة ، أتوا إلى موقف الحشر ، للوقوف بين يدي الله ـ تعالى ـ (داخِرِينَ) أى : صاغرين أذلاء.

يقال : دخر فلان ـ كمنع وفرح ـ دخرا ودخورا. إذا صغر وذل.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ.). معطوف على قوله ـ سبحانه ـ قبل ذلك : (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).

أى : في هذا اليوم الهائل الشديد ، يفزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، وترى الجبال الراسيات الشامخات ، (تَحْسَبُها جامِدَةً) أى ثابتة في أماكنها ، والحال أنها تمر في الجو مر السحاب ، الذي تسيره الرياح سيرا حثيثا.

وهكذا تصور الآيات الكريمة أهوال ذلك اليوم هذا التصوير البديع المعجز المؤثر ، فالناس جميعا ـ إلا من شاء الله ـ فزعون وجلون ، والجبال كذلك كأنها قد أصابها ما أصاب الناس ، حتى لكأنها ـ وهي تسرع الخطا ـ. السحاب في خفته ومروقه وتناثره ، ثم يعقب ـ سبحانه ـ على كل ذلك بقوله (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).

ولفظ (صُنْعَ) يجوز أن يكون منصوبا على الإغراء أى : انظروا صنع الله ـ تعالى ـ الذي أتقن كل شيء فقد أحسن ـ سبحانه ـ ما خلقه وأحكمه ، وجعله في أدق صورة ، وأكمل هيئة ، وصدق الله ـ تعالى ـ إذ يقول (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً).

قال صاحب فتح القدير : وانتصاب «صنع» على المصدرية ، أى : صنع الله ذلك صنعا. وقيل هو مصدر مؤكد لقوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقيل منصوب على الإغراء (١).

وجملة : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) تعليل لما قبله. أى : صنع الله ما خلقه على هذا

__________________

(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ١٥٥ للشوكانى.

٣٦٢

الإحكام العجيب ، والإتقان البديع ، لأنه ـ سبحانه ـ خبير بما تفعلونه ومطلع على ما تخفونه وما تعلنونه.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ببيان جزاء من أحسن ، وبيان جزاء من أساء ، وببيان منهج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دعوته فقال ـ تعالى ـ :

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٩٣)

وقوله ـ سبحانه ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) بيان وتفصيل لمظاهر علم الله ـ تعالى ـ لكل ما يفعله الناس ، الذي أشير إليه قبل ذلك بقوله : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ).

والمراد بالحسنة : كل ما يقوله أو يفعله المسلم من قول طيب ، ومن عمل صالح ، فيشمل النطق بالشهادتين ، وأداء ما كلف الله الإنسان بأدائه من فرائض وواجبات ، واجتناب السيئات والشبهات.

أى : من جاء بالفعلة الحسنة ، فله من الله ـ تعالى ـ ما هو خير منها من ثواب وعطاء حسن ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).

فالمراد بما هو خير منها : الثواب الذي يمنحه الله ـ تعالى ـ لمن أتى بها.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) تقرير لما قبله ، وبشارة للمؤمنين الذين جاءوا بالحسنات ، بالأمان والاطمئنان.

٣٦٣

أى : وهم من الفزع الكائن للناس في يوم البعث والحساب ، آمنون مطمئنون ، كما قال ـ سبحانه ـ : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١) وكما قال ـ تعالى ـ (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).

ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة من يأتى بالسيئات فقال : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).

قال ابن كثير : قال ابن مسعود : وأبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم : (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أى الشرك.

ولعل مما يؤيد أن المراد بالسيئة هنا : الشرك. قوله ـ تعالى ـ : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) لأن هذا الجزاء الشديد ، يتناسب مع رذيلة الشرك ـ والعياذ بالله ـ.

أى : ومن جاء بالفعلة الشنيعة في السوء ، وهي الإشراك بالله (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أى : فألقوا بسبب شركهم في النار على وجوههم منكوسين.

يقال : كب فلان فلانا على وجهه ، وأكبه ، إذا نكسه وقلبه على وجهه.

وفي كبهم على وجوههم في النار ، زيادة في إهانتهم وإذلالهم لأن الوجه هو مجمع المحاسن ، ومحل المواجهة للغير.

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لزيادة توبيخهم وتقريعهم والجملة بإضمار قول محذوف.

أى : والذين جاءوا بالأفعال السيئة في دنياهم ، يكبون على وجوههم في النار يوم القيامة ، ويقال لهم على سبيل الزجر والتأنيب : ما حل بكم من عذاب هو بسبب أعمالكم وشرككم.

وكون المراد بالسيئة هنا الشرك ، لا يمنع من أن الذي يرتكب السيئات من المسلمين ، يعاقب عليها ما لم يتب منها فالله ـ تعالى ـ يقول : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ. مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ، وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٣).

ثم يأمر الله ـ تعالى ـ نبيه أن يعلن للناس منهجه في دعوته فيقول : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها. وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ..).

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٣.

(٢) سورة فصلت الآية ٤٠.

(٣) سورة النساء آية ١٢٣.

٣٦٤

والمراد بالبلدة الذي حرمها : مكة المكرمة التي عظم الله ـ تعالى ـ حرمتها ، فجعلها حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يصاد فيها صيد ، ولا يعضد فيها شجر. وقوله : (الَّذِي حَرَّمَها) صفة للرب.

وخصت مكة بالذكر : تشريفا لها ، ففيها البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع في الأرض.

أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس : إن الله ـ تعالى ـ أمرنى أن أخلص لله ـ سبحانه ـ عبادتي ، فهو رب البلد الحرام مكة ، ورب كل شيء ، وله جميع ما في هذا الكون خلقا ، وملكا ، وتصرفا.

(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أى : وأمرنى كذلك أن أكون من الثابتين على دينه ، المنقادين لأمره ، المسلمين له وجوههم ، وأمرنى ـ أيضا ـ أن أتلو القرآن على مسامعكم ، لأنه هو معجزتي الدالة على صدقى.

(فَمَنِ اهْتَدى) إلى الحق الذي جئته به ، وبينته له (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أى : فإن منافع هدايته تعود إلى نفسه.

(وَمَنْ ضَلَ) عن طريق الحق ، وأعرض عن دعوتي ، (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ).

أى : ومن ضل عن الهدى بعد أن نصحته وأرشدته ، فقد أمرنى ربي أن أقول له : إنما أنا من المنذرين للضالين بسوء العاقبة ، ولست عليهم بحفيظ ، أو بمكره إياهم على الإيمان.

ثم ختم السورة الكريمة بهذا التوجيه الكريم ، للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ـ تعالى ـ : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).

أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس : الثناء كله ، والفضل كله ، لله ـ تعالى ـ وحده. وهو ـ سبحانه ـ (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على وحدانيته وقدرته (فَتَعْرِفُونَها) أى : فتعرفون صدقها ..

وصدق الله ـ عزوجل ـ ففي كل يوم ، بل في كل ساعة ، يرى عباده بعض آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ، في أنفسهم ، وفي آفاق هذا الكون وما أحكم قوله ـ تعالى ـ : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذه الجملة التي تحمل طابع التهديد والوعيد لمن خالف أمره ، فقال ـ تعالى ـ : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

٣٦٥

أى : وما ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ بغافل عما يعمله الناس ، وما يقولونه لك ، وما يتهمونك به ، فسر في طريقك ، وبلغ ما أمرك ـ سبحانه ـ بتبليغه ، فإن العاقبة لك ولأتباعك المؤمنين ، أما الكافرون والمنافقون فنحن الذي سنتولى حسابهم ..

وبعد : فهذا تفسير لسورة «النمل» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة ـ مدينة نصر

مساء الخميس ١٥ من جمادى الآخرة ١٤٠٥ ه‍

الموافق ٧ / ٣ / ١٩٨٥ م

د. محمد سيد طنطاوى

٣٦٦

تفسير

سورة القصص

٣٦٧
٣٦٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة القصص ، هي السورة الثامنة والعشرون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة النمل. فترتيب نزولها موافق لترتيبها في المصحف. وعدد آياتها ثمانون آية.

٢ ـ قال القرطبي : وهي مكية كلها في قول الحسن ، وعكرمة ، وعطاء. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية نزلت بين مكة والمدينة. وقال ابن سلام : بالجحفة في وقت هجرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ..). (١).

فعن نحيى بن سلام قال : بلغني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين هاجر ، نزل عليه جبريل بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة فقال له : أتشتاق يا محمد إلى بلدك التي ولدت فيها؟ قال : نعم ، فقرأ عليه : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ..). (٢).

٣ ـ والمتدبر لهذه السورة الكريمة ، يرى أكثر من نصفها ، في الحديث عن قصة موسى ـ عليه‌السلام ـ.

فهي تبدأ بقوله ـ تعالى ـ : (طسم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ..).

٤ ـ ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك ، عما ألهم الله ـ تعالى ـ به أم موسى بعد ولادتها له ، وعن حالتها النفسية بعد أن عرفت أن ابنها قد التقطه من اليم أعداؤها. وعما قالته لأخته ، وعن فضل الله ـ تعالى ـ عليها ورحمته بها ، حيث أعاد إليها ابنها موسى ، قال ـ تعالى ـ : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ، وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٤٧.

(٢) تفسير الآلوسى ح ٢٠ ص ٤١.

٣٦٩

٥ ـ ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على موسى ـ عليه‌السلام ـ بعد أن بلغ أشده واستوى ، وبعد أن قتل رجلا من أعدائه ، وكيف أنه خرج من المدينة خائفا يترقب ، قال : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وقد أجاب الله ـ تعالى ـ له دعاءه ، فنجاه منهم ، ويسر له الوصول إلى جهة مدين ، فعاش هناك عشر سنين ، أجيرا عند شيخ كبير من أهلها ، وتزوج موسى ـ عليه‌السلام ـ بعد انقضاء تلك المدة ، بإحدى ابنتي هذا الشيخ الكبير.

قال ـ تعالى ـ حاكيا بعض ما قاله هذا الشيخ لموسى : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ، وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ ، وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).

٦ ـ ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، أن موسى بعد أن قضى المدة التي تعاقد عليها مع الرجل الصالح ، وبعد أن تزوج ابنته ، سار بها متجها إلى مصر ، وفي الطريق رأى نارا ، فلما ذهب إليها ، أمره ربه ـ تعالى ـ بأن يذهب إلى فرعون وقومه ليأمرهم بإخلاص العبادة له ـ عزوجل ـ وذهب موسى ـ عليه‌السلام ـ إليهم ، وبلغهم رسالة ربه ، ولكنهم كذبوه ، فكانت عاقبتهم كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ..).

٧ ـ وبعد هذا الحديث المفصل عن قصة موسى ـ عليه‌السلام ـ أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما أصابه من قومه ، فذكرت له ما يدل على أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ وأمرته أن يتحدى المشركين به ، وبينت له أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يستطيع أن يهدى من يحبه ولكن الله هو الذي يهدى من يشاء هدايته ، وحكت جانبا من أقوال المشركين وردت عليها ، كما حكت جانبا من المصير السيئ الذي سيكونون عليه يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ ..).

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ : أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ ، فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).

٨ ـ ثم عادت السورة بعد ذلك للحديث عن قصة تتعلق برجل كان من قوم موسى : وهو قارون ، فأخبرتنا بجانب من النعم التي أنعم الله ـ تعالى ـ بها عليه ، وكيف أنه قابل هذه النعم بالجحود والكنود ، دون أن يستمع إلى نصح الناصحين ، أو وعظ الواعظين ، وكيف أن

٣٧٠

الذين يريدون الحياة الدنيا تمنوا أن يكونوا مثله ، وكيف أن الذين أوتوا العلم قالوا لهم على سبيل الزجر : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) وكيف أن الذين يريدون الحياة الدنيا قالوا بعد أن رأوا مصرع قارون : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ..).

ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه القصة ، ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال ـ تعالى ـ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

٩ ـ وبعد أن انتهت السورة الكريمة ، عن الحديث المتنوع من قصص السابقين ، ومن التعقيبات الحكيمة عليها ..

بعد كل ذلك ، جاء الأمر من الله ـ تعالى ـ بإخلاص العبادة له ، والنهى عن الإشراك به فقال ـ سبحانه ـ (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

١٠ ـ وبعد ، فهذا عرض مجمل لما اشتملت عليه سورة القصص من مقاصد وأهداف ، ومن هذا العرض ، ترى أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور من أهمها ما يأتى :

(أ) تثبيت المؤمنين ، وتقوية عزائمهم ، وتبشيرهم بأن العاقبة لهم ، وبأن الله ـ تعالى ـ سيجعل من ضعفهم قوة ، ومن قلتهم كثرة ، كما جعل من موسى وقومه أمة منتصرة بعد أن كانت مهزومة ، وغالبة بعد أن كانت مغلوبة.

ترى هذه التقوية والبشارة في مثل قوله ـ تعالى ـ : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

(ب) أن السورة الكريمة تعطينا صورة زاخرة بالمعاني الكريمة والمؤثرة ، عن حياة موسى ـ عليه‌السلام ـ فهي تحكى لنا حالة أمه. وأحاسيسها ، وخلجات قلبها ، وخوفها ، عند ولادته ، وبعد ولادته ، وبعد إلقائه في اليم ، وبعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له ، وبعد رد الله ـ تعالى ـ إليها ابنها ، فضلا منه ـ سبحانه ـ ورحمة.

كما تحكى لنا ما جبل عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ من مروءة عالية جعلته يأبى أن يرى مظلوما فلا ينصره ، ومحتاجا فلا يعينه.

فعند ما رأى امرأتين عاجزتين عن سقى غنمهما ، قال لهما : (ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَسَقى لَهُما ..).

٣٧١

وعند ما رأى مظلوما يستنصره ، ما كان منه إلا أن نصره ، وقال : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ).

(ج) تأكيد أن هذا القرآن من عند الله ، بدليل أن هذا القرآن قد قص على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى الناس ، قصصا لا علم لهم بحقيقتها قبل أن يقصها عليهم.

قال ـ تعالى ـ : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ ، إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ ، وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ).

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ، وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ، لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

(د) اهتمت السورة اهتماما واضحا ، ببيان مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في هذا الكون ، هذه القدرة التي نراها في إهلاك الظالمين والمغرورين ، حتى ولو ساندتهم جميع قوى الأرض.

كما نراها في الرد على كفار مكة الذين زعموا ، أن اتباعهم للحق يؤدى إلى تخطفهم والاعتداء عليهم (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ، وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها ، فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً ، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ، وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) ..

والخلاصة ، أن سورة القصص على رأس السور المكية ، التي حضت المؤمنين على الثبات والصبر ، وساقت لهم من أخبار السابقين ، ما يزيدهم إيمانا على إيمانهم. ويقينا على يقينهم ، بأن الله ـ تعالى ـ سيجعل العاقبة لهم ..

القاهرة ـ مدينة نصر

صباح السبت : ٢ من رجب سنة ١٤٠٥ ه‍

٢٣ / ٢ / ١٩٨٥ م

المؤلف

د. محمد سيد طنطاوى

٣٧٢

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(٦)

سورة القصص من السور التي افتتحت ببعض الحروف الهجائية ..

وقد رجحنا أن هذه الحروف ، قد افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم ، للإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن الكريم.

فكأن الله ـ تعالى ـ يقول لهؤلاء المعارضين في أن القرآن من عند الله ـ تعالى ـ : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من حروف هي من جنس الحروف الهجائية ، ومنظوما من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم.

فإن كنتم في شك في كون هذا القرآن من عند الله ، فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله

٣٧٣

أو سورة واحدة من مثله وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك.

فلما عجزوا ـ وهم أهل الفصاحة والبيان ـ ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ.

و (تِلْكَ) اسم إشارة ، والمشار إليه الآيات. والمراد بها آيات القرآن الكريم ، ويندرج فيها آيات هذه السورة التي معنا.

(الْكِتابِ) : مصدر كتب كالكتب. وأصله ضم أديم إلى آخر بالخياطة ، واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط. والمراد به : القرآن الكريم.

و (الْمُبِينِ) : أى : الواضح المظهر للحق من الباطل ، من أبان بمعنى أظهر.

أى : تلك الآيات التي أنزلناها عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ هي آيات الكتاب المظهر للحق من الباطل ، والموضح للخير من الشر ، والكاشف عن حقائق الأمور ، وعن قصص الأولين.

ثم بين ـ سبحانه ـ : ما سيقصه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه السورة فقال : (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

وقوله ـ تعالى ـ (نَتْلُوا) من التلاوة بمعنى القراءة المرتلة التي يقصد منها التذكير والإرشاد.

والنبأ : الخبر العظيم المشتمل على أمور من شأنها أن يهتم الناس بها.

وموسى ـ عليه‌السلام ـ : هو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب ـ عليه‌السلام ـ وكانت ولادة موسى في حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

وفرعون : اسم كان يطلق في القديم على كل ملك لمصر ، كما يقال لملك الروم : قيصر ، ولملك اليمن : تبع.

ويرى كثير من المؤرخين أن فرعون مصر ، الذي ولد وبعث في عهده موسى ـ عليه‌السلام ـ هو منفتاح ابن الملك رمسيس الثاني.

قال الآلوسى ما ملخصه : والظاهر أن (مِنْ) في قوله (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ ..). تبعيضية. والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول (نَتْلُوا) المحذوف. وقوله (بِالْحَقِ) حال من فاعل (نَتْلُوا) أى : نتلو ملتبسين بالحق ، أو من مفعوله ، أى : نتلو شيئا من نبئهما ملتبسا بالحق ... (١).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٤٢.

٣٧٤

والمعنى : نتلو عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ تلاوة كلها حق وصدق ، شيئا عجيبا ، وخبرا هاما ، يتعلق بقصة موسى ـ عليه‌السلام ـ ، وبقصة فرعون.

وقوله ـ سبحانه ـ : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى : نتلو عليك هذه الآيات ، لقوم يؤمنون بها ، وينتفعون بما اشتملت عليه من هدايات وعبر وعظات.

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ ، وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ..). كلام مستأنف لتفصيل ما أجمله من النبأ.

وقوله (عَلا فِي الْأَرْضِ) أى تكبر فيها وطغى ، من العلو بمعنى الارتفاع. والمقصود أنه جاوز كل حد في غروره وظلمه وعدوانه. والمراد بالأرض : أرض مصر وما يتبعها من بلاد.

و (شِيَعاً) جمع شيعة ، وهم الأتباع والجماعات ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعته.

أى : إن فرعون طغى وبغى وتجبر في الأرض ، وجعل أهلها شيعا وأتباعا له ، وصار يستعمل كل طائفة منهم ، فيما يريده من أمور دولته ، فهذه الطائفة للبناء ، وتلك للسحر ، وثالثة لخدمته ومناصرته على ما يريد ..

وجملة (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) لبيان حال الذين جعلهم شيعا وأحزابا.

والمراد بهذه الطائفة : بنو إسرائيل.

أى : أنه بعد أن جعل أهل مملكته شيعا وأحزابا اختص طائفة منهم بالإذلال والقهر والظلم ، فصار يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم. أى : يذبح الذكور من بنى إسرائيل بمجرد ولادتهم ، ويترك الإناث أحياء.

قال الإمام الرازي ما ملخصه : وفي ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه :

أحدها : أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال. وذلك يقتضى انقطاع النسل ..

ثانيها : أن هلاك الذكور يقتضى فساد مصالح النساء في المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال ..

ثالثها : أن قتل الذكور عقب الحمل الطويل ، وتحمل الكد ، والرجاء القوى في الانتفاع به ، من أعظم العذاب ..

رابعها : أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن ، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء ، وذلك نهاية الذل والهوان (١).

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٣٥٨.

٣٧٥

قالوا : وإنما كان فرعون يذبح الذكور من بنى إسرائيل دون الإناث ، لأن الكهنة أخبروه ، بأن مولودا سيولد من بنى إسرائيل ، يكون ذهاب ملك فرعون على يده.

وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) تعليل وتأكيد لما كان عليه فرعون من تجبر وطغيان.

أى : إن فرعون كان من الراسخين في الفساد والإفساد ، ولذلك فعل ما فعل من ظلم لغيره ، ومن تطاول جعله يقول للناس : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).

ثم بين ـ سبحانه ـ ما اقتضته إرادته وحكمته ، من تنفيذ وعيده في القوم الظالمين ، مهما احتاطوا وحذروا ، ومن إنقاذه للمظلومين بعد أن أصابهم من الظلم ما أصابهم فقال : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).

وقوله (نَمُنَ) من المن بمعنى التفضل ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ..). أى : لقد تفضل عليهم ، وأحسن إليهم.

وقوله : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) من التمكين ، وأصله : أن نجعل للشيء مكانا يستقر فيه ، ويحل به. ثم استعير للتسليط وللحصول على القوة بعد الضعف ، وللعز بعد الذل.

وقوله : (يَحْذَرُونَ) من الحذر ، بمعنى الاحتراس والاحتراز من الوقوع في الأمر المخيف. يقال : حذر فلان فلانا ، إذا خافه واحترس منه.

قال الشوكانى : والواو ، في قوله (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) للعطف على جملة ، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما ، للتفسير والبيان للنبأ. ويجوز أن تكون حالا من فاعل (يَسْتَضْعِفُ) بتقدير مبتدأ. أى : ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض .. والأول أولى (١).

والمعنى : لقد طغا فرعون وبغى ، ونحن بإرادتنا وقدرتنا (نُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) ونتفضل على بنى إسرائيل ، الذين استضعفوا في الأرض ، بأن ننجيهم من ظلمه ، وننقذهم من قهره وبغيه.

(وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) للأرض المباركة ، التي نعطيهم إياها متى آمنوا وأصلحوا ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ

__________________

(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ١٥٩.

٣٧٦

وَما كانُوا يَعْرِشُونَ). (١).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أى : ونجعلهم أقوياء راسخى الأقدام في الأرض التي نورثهم إياها ، بعد القوم الظالمين.

(وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) أى : ونطلع فرعون وهامان ـ وهو وزير فرعون ـ وجنودهما التابعين لهما (مِنْهُمْ) أى : من بنى إسرائيل المستضعفين في الأرض (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) أى ما كانوا يحاولون دفعه واتقاءه ، فقد كان فرعون وجنده يقتلون الذكور من بنى إسرائيل ، خوفا من ظهور غلام منهم يكون هلاك فرعون على يده.

قال ابن كثير : أراد فرعون بحوله وقوته ، أن ينجو من موسى. فما نفعه ذلك ، بل نفذ الله ـ تعالى ـ حكمه. بأن يكون إهلاك فرعون على يد موسى ، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده ـ يا فرعون ـ ، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان ، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك ... وهلاكك وهلاك جندك على يديه ، لتعلم أن رب السموات العلا ، هو القاهر الغالب العظيم ، الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن (٢).

وهكذا تعلن السورة الكريمة في مطلعها ، أن ما أراده الله ـ تعالى ـ لا بد أن يتم ، أمام أعين فرعون وجنده ، مهما احتاطوا ومهما احترسوا ، (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

* * *

ثم فصل ـ سبحانه ـ الحديث عن موسى ـ عليه‌السلام ـ فذكر ما ألهمه لأمه عند ولادته. وما قالته امرأة فرعون له عند التقاط آل فرعون لموسى ، وما كانت عليه أم موسى من حيرة وقلق ، وما قالته لأخته ، وكيف رد الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه موسى إلى أمه ..

لنستمع إلى السورة الكريمة ، وهي تفصل هذه الأحداث ، بأسلوبها البديع المؤثر فتقول :

(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٣٧.

(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٣١.

٣٧٧

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(١٣)

قال الإمام الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما قال : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ابتدأ بذكر أوائل نعمه في هذا الباب فقال : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (١).

والوحى إلى أم موسى ، يجوز أن يكون عن طريق الإلهام ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ..). أو عن طريق المنام ، أو عن طريق إرسال ملك أخبرها بذلك.

قال الآلوسى : والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك ، ولا ينافي ذلك الإجماع على

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٤٢٦.

٣٧٨

عدم نبوتها ، لما أن الملائكة ـ عليهم‌السلام ـ قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم.

والظاهر ـ أيضا ـ أن هذا الإيحاء كان بعد الولادة .. وقيل : كان قبلها ... (١).

و (أَنْ) في قوله (أَنْ أَرْضِعِيهِ) مفسرة ، لأن الوحى فيه معنى القول دون حروفه.

والخوف : حالة نفسية تعترى الإنسان ، فتجعله مضطرب المشاعر ، لتوقعه حصول أمر يكرهه.

والحزن : اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه ، كموت عزيز لديه. أو فقده لشيء يحبه ..

وفي الكلام حذف يعرف من السياق ، والتقدير : وحملت أم موسى به في الوقت الذي كان فرعون يذبح الأبناء ، ويستحيى النساء ، وأخفت حملها عن غيرها ، فلما وضعته أصابها ما أصابها من خوف وفزع على مصير ابنها ، وهنا ألهمناها بقدرتنا وإرادتنا. وقذفنا في قلبها أن أرضعيه في خفاء وكتمان (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من فرعون وحاشيته أن يقتلوه كما قتلوا غيره من أبناء بنى إسرائيل.

(فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أى : في البحر والمراد به نهر النيل ، وسمى بحرا لاتساعه ، وإن كان الغالب إطلاق البحر على المياه غير العذبة.

(وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) أى : ولا تخافي عليه من حصول مكروه له ، ولا تحزني لمفارقته لك ، فهو في رعايتنا وحمايتنا ، ومن رعاه الله ـ تعالى ـ وحماه ، فلا خوف عليه ولا حزن.

وجملة (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) تعليل للنهى عن الخوف والحزن ، وتبشير لها بأن ابنها سيعود إليها ، وسيكون من رسل الله ـ عزوجل ـ.

قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما المراد بالخوفين ـ في الآية ـ حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟.

قلت : أما الأول ، فالخوف عليه من القتل ، لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته ، فينموا عليه. وأما الثاني : فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ، ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوتة من قبل فرعون في تطلب الولدان.

فإن قلت : ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت : الخوف ، غم يلحق الإنسان لشيء متوقع.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٤٥.

٣٧٩

والحزن : غم يلحقه لشيء وقع ، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحي إليها ، ووعدت بما يسليها ، ويطمئن قلبها ، ويملؤها غبطة وسرورا ، وهو رده إليها. وجعله من المرسلين .. (١).

وهكذا نجد الآية الكريمة قد اشتملت على أبلغ الأساليب وأبدعها ، في بيان قدرة الله ـ تعالى ـ ورعايته لمن يريد رعايته.

قالوا : مدح الأصمعى امرأة لإنشادها شعرا حسنا ، فقرأت هذه الآية الكريمة ثم قالت له : أبعد هذه الآية فصاحة ، لقد اشتملت على أمرين وهما (أَرْضِعِيهِ فَأَلْقِيهِ) ونهيين وهما (لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) وخبرين (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وبشارتين في ضمن الخبرين وهما : الرد والجعل المذكوران.

والفاء في قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.). هي الفصيحة.

والالتقاط : وجود الشيء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد.

والمراد بآل فرعون : جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذي به موسى ، وحملوه إلى فرعون. والحزن ـ بالتحريك ، وبضم فسكون ـ نقيض السرور ، وفعله كفرح.

يقال : حزنه الأمر وأحزنه. أى : جعله حزينا.

واللام في قوله : (لِيَكُونَ ..). هي لام العاقبة والصيرورة.

قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا ، فاللام في (لِيَكُونَ) لام العاقبة والصيرورة ، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل كما في قول الشاعر :

وللمنايا تربى كل مرضعة

ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أى : فعاقبة البناء : الخراب ، وإن كان في الحال مفروحا به (٢).

ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل ، بمعنى ، أن الله ـ تعالى ـ سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله. لالتقاط موسى ، ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا ، ليكون لهم عدوا وحزنا.

إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله : قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل ، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك ـ أى : لم يريدوا بالتقاطه العداوة

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٩٣.

(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٥٢.

٣٨٠